Skip to main content

Full text of "الالف الثاني عربي"

See other formats


سي. ججبي. أدموندز 


كوردٌ وترك وعرب 





ترجمة 
جرجيس فتح الله 


دار اراس للطباعة والنسر منشورات الجمل 





0303.00 أطاتق. 1013 . /لالانالانا 


كورد وترك وعرب 


نسي . جي. أدموندز 


كورذ وترك وعرب 
سياسة ورحلات وبحوث 


عن الشمال الشرقي من العراق 
5 - 1919 


ترحمهة 
جرجيس فتح الله 


دار آراس للطباعة والنشر منشورات الجمل 


سي. جي. أدموندز: كوردٌ وترك وعربء ترجمة: جرجيس فتح الله 
©جميع الحقوق محفوظة 
دار آراس للطباعة والنشر و منشورات الجمل 
الطبعة الأولى 2012 


دار آراس للطباعة والنشر 
شارع جولان ‏ أربيل 
إقليم كردستان العراق 
الهاتف: 35 49 224 (0) 00964 
البريد الإلكتر وني: 252525655.6010©) 2125 
الموقع على الإنترنت: دهم».ومعطكناطنامقةة. بوم 


منشورات الجملء بيروت - بغداد 
تلفون وفاكس: 353304 -01- 00961 
ص.ب: 5438 113 بيروت - لبنان 
21-0 . بطب نازوا 77 
للم»ء. نش نسع 9ع 7212 أعسمعلا2 :18-1211 
78 اعسم1- لم 
065023) -.[1 .2 عقعطاكع1 71687 . 1127 طاعذكاوهط 


لكتاب (طريق في كردستان) موقع خاص في نفسي فضلته (عاطفياً) على كل 
الكتب التي قمتٌ بنقلها إلى العربية حول كردستان» والقضية الكردية وتاريخ 
كردستان فضلاً عما ألفته ولم تتأت هذه المنزلة من طراقة موضوعه والروح 
المخلصة التي رافقت قلم كاتبه» ولا تلك الآراء الصائبة التي بسطها مؤلفه وتكاد 
تقرب من نبوءات. لم تتأت المنزلة من هذه العوامل وحدها بل من عوامل أخرى 
تتعلق بظروف ترجمته وطباعته ونشره وكلها ظروف سوء بالأقل مما تنعثٌ به. كان 
الكتاب واحداً من الكتب التي نقلتها إلى اللغة العزبية أثناء وجودي في سجن الحلة 
سجيناً لعلة لا تتعلق من بعيد أو قريب بالتهمة التي نسبت إليّ وكان الكتاب الثالث 
من سلسلة كتب أصدرتها وهي مزدانة بعبارة (كتاب التآخي) أيام كنت أقوم على 
رأس تحرير جريدة (التآخي) لسان الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد عقيب 
بيان الحادي عشر من آذار وأول الكتب هو ترجمة مؤلف السيد إدموندز الموسوم 
(كرد وترك وعرب) وهو كتاب عظيم القدر لم يستغن عنه مرجعاً أي كاتب تال في 
الشؤون الكردية. 

وثاني الكتب هو مؤلف القس (ويكرام) الموسوم (مهد البشرية: الحياة في 
شرق كردستان) وقد تم طبعه ثانية في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية بعد 
مرور سبع وعشرين سنة على طبعته الأولى. 

وكتاب (هاملتون) هذا هو ثالثها. 


:وفي الوقت الذي حظي الكتابان الأول والثاني بإشرافي الشخصي على ٠‏ 


5 


تصحيح مسوداتهما وتنظيم فصولهم ومتابعة التنضيد والطباعة» لم يتح للكتاب 
الثالث هذاء تلك الظروف. فقد دفعتةٌ لناشره وبوشر فيه وأنا بعيد عن بغداد ثم 
صدر وأنا منشغل في بلاد أخرى بمرافعات قضائية معقدة تتعلق بحل رابطة 
زواجي. 

فخرج بأسوأ شكل في كل ناحية كنتٌ أحرص على تلافيهاء وزاد في ألمي أن 
السيد هاملتون الطيب الذكزء كان بين الأحياء عند صدور الترجمة. ولم يكن 
بوسعي أن أبعث إليه بنسخة منها وعندما بات ذلك ممكناً علمتُ بأنه توفي قبل 
أشهر معدودات. ولم يخطر يبال أحد من إخواننا الكرد الذين عرفوه شخصياً وهو 
في لندن أن يتطوع ليقدم له نسخة منه وقد حر في نفسي أنه لبَى بحماسة وطيبة 
خاطر طلبي فكتب للترجمة العربية مقدمة خاصة. وهي كما سيرى القارئ مقدمة 
ثمينة جداً لأنها كتبت بعد بيان الحادي عشر من آذار وتضمنت انطباع المؤلف 
حول الثورة الكردية وإرهاصاتها. 

لبَى هاملتون طلبي في كتابة هذه المقدمة» في حين اعتذر السيد إدموندز وكان 
بين الأحياء عندما طلبتُ منه ذلك ولم يصف السيد أيلكتن صِاحب جمهورية 
مهاباد بأن ترجمة لكتابه مهيأة للطبع فاستخف بطلب المترجم وأهمله. 

أعلمتٌ (هاملتون) في حينه وعن طريق يعرفه حق معرفة في لندن» فسارع في 
الإجابة إلى رسالتي. وكنتٌ في العام 1969 في ناويردان مقر قيادة الثورة وسهل 
عليّ إذ ذاك أن أفتش عمن بقي في قيد الحياة من أولئك الذين ورد ذكرهم في 
الكتاب ممن زامله أو عمل معه في شق وتعبيد طريقه وعلمت بأن (سليمان بك ده 
ركه له) ما زال في قيد الحياة وهو أحد حارسين شخصيين أسند إليهما الوطني 
الشهم المأسوف عليه (إسماعيل بك الرواندوزي) مهمة مرافقة (هاملتون) وحراسته 
وكان صديقاً حميماً له. 

كان عزت بن سليمان أحد قادة فصائل البيشمركة يختلف إلى زيارتي وبيننا ود 
قلتُ له يوماً وأنا أهتم بكتابة رسالة للمؤلف أنبئه فيها عن إكمالي ترجمة كتابه 


تمهيداً لطبعه في أقرب فرصة كان وطبع الكتاب ما زال أمنية أو حلماًء ولم يكن 
هناك أي بادرة تشير إلى مفاوضات ستجرى بعدها بسنة واحدة وببيان فى آذار 
يجعل من أمنيته طباعة الكتاب حقيقة وواقعاً. ْ 

قلتٌ له أتعرف أن والدك كان أحد رفاق طريق هاملتون؟ قال بلى وهو يذكره 
كثيراً ويشيد بأخلاقه العالية وعطفه الكبير علينا وله ذكريات خاصة طالما حدثني 
بها. 

قلتُ له: ما رأيك لو سألت الوالد المجيء إلينا لالتقاط صورة شمسية له ولك 
معاً؟ فهاهنا من سيؤمن وصولها إلى هاملتون. وجاء (سليمان بك) والتقطنا الصورة 
وبعثت بها لهاملتون ولم أنس فأخرجت لسليمان بك الصورة الشمسية التي بعث 
بها لي هاملتون لنفسه فتأملها ملياً وإن لم تخني الذاكرة فقد علق بهذه الجملة 
المقتضبة (كان شاباً وسيماً وهو الآن شيخ مثلي). 

لم يكن هاملتون صحافياً» ولا كاتباً محترفاً ولا من أولئك الرّجالة الطلعة 
الذين ارتادوا كردستان خلال القرون الثلاثة المنصرمة وفي أوقات متباعدة» سبقهم 
إليها فضولهم» أو أحداث معينة عنيفة جرت على أديم هذه الرقعة البائسة المترامية 
من العالم وكذلك للتعرف على أهلها وعاداتهم وتقاليدهم وطرق معيشتهم بل كان 
مهندساً استخدمته الحكومة وعهدت إليه بشق الطريق الشهير باسمه» أو بطريق 
رواندوز أحياناً. 

بقى في كردستان ثلاث سنين ونيفاً لا في المدن بل في الريف وفي منطقة من 
أكثر مناطقها الجبلية وعورة وأشدها وحشة. وأتى بما عُدَ في حينه بل بعده بعقود 
معجزة هندسية» بآلاته البسيطة وعدته البدائية وعماله الذين لم تسبق لهم خبرة في 
عمل كهذا وقت لم يكن هناك الكسارات والقاطرات والرافعات الهيدرولية الجبارة 
التي يتزوّد بها أمثاله اليوم في عمل هندسي أهون مما كُلّف هو به بكثير. وعايش 
البسطاء وشاركهم قوتهم» وعلم عماله كيف يستخدمون عقولهم بتحريك أيديهم 
ووجد فيهم استعداداً لتلقي المعرفة وذكاء فطرياً طالما لهج به وأثنى عليه وركنوا 


إليه ومحضوه حبهم وولاءهم ولطالما جاؤوا إليه بمشاكلهم الصغيرة وبمنازعاتهم 
لفصلها. وتعلّم مبادئ الطب والعلاج ليكون في خدمتهم دائماً ونقل جرحاهم 
بنفسه وعاقبهم كما كافأهم وكان إلى هذا جريئاً في بسط آرائه السياسية وآراء غيره 
من الوطئيين الكرد الذين التقاهم وجالسهم وناقشهم وقد شاءت المقادير أن يكون 
موجوداً في فترة القلق العظيم الذي انتاب الكرد والأشوريين الجيران باقتراب نهاية 
الانتداب. كما تابع عن كثب الانتفاضة البارزانية الأولى بقيادة الشيخ أحمد فسجل 
عنها الكثير وأنصف القائمين بهاء كما شرح بأسلوبه الروائي البديع مظلمة 
الأشوريين وعوامل السخط التي تجمعت في فضاء البلاد إثر إشاعة انسحاب 
البريطانيين وأخلاء قواعدهم وختم كتابه بأنباء مذبحة سميل السيئة الصيت التي 
حصلت في كردستان في آب 1933 بعد بضعة أشهر من تركه العراق. وكان قد 
عرض في كتابه ما يصح أن يكون مقدمات لها وممهدات. لم يكن هاملتون يمتهن 
الصحافة ولا هو من أرباب القلم المنقطعين للتأليف. ومع هذا فقد بدا بدقة 
ملاحظة فيه ورهاقة حس صحافياً بارعاً وكاتباً مطبوعاً بكل خيال الشاعر وبلاغة 
الكاتب تراه يصف كردستان يجبالها ووديانها وينابيعها وحقولها ومراعيها وثلوجها 
بما لم أجده في أي كتاب تتناولها به صحفي أو كاتب أجنبي. وهو رائع النكتة 
والتعليق الساخرء لا يسعك أحياناً إلا وأن تنفجر ضاحكاً وأنت في قراءة جدية 
لهذا الكتاب الذي بدا لي وسيبدو للقارئ حتماًء قصة أو حكاية متصلة الفصول. 

هذا الطريق الذي مده فى مجاهل كردستان وشقه فوق جبالها كان بعد ثلاثين 
عاماً المحور الذي لور ضلى انيه معارك ضاربة بقصد السيطرة عليه» وتسفك 
فوق إسفلته الأسود دماء غزيرة حمراء قانية وتحوم فوقه الطائرات ليل نهار لتدمر 
تلك الجسور التي مذّها (هاملتون) لا بالرافعات والمكائن بل بسواعد عماله 
وصبرهم. 

ومن كل الكتب التي ألفها الغربيون عن كردستان لا يخطر ببالي إن حظي 
واحد منها بطبعة ثانية وثالثة» غير كتاب (طريق في كردستان) وهذا أبلغ دليل على 


5 


قيمدة. 


ب ا و 
المن؟ 
كلمة لمنزجم 


السيد إدموندز مؤلف هذا الكتاب موظف بريطاني كبير مسؤول عاش في 
العراق أكثر من ثلاثين عاماً وكانت له كلمته المسموعة في كل المناصب التي عمل 
بهاء يتسع تأثير هذه الكلمة باطراد صعوده في سلم المسؤولية. وكان على ما يقال 
صاحب الرأي المحترم إن لم يكن النافذ في سياسات الحكومة العراقية الملكية 
وهو في آخر وأعلى منصب أشغله «مستشار وزارة الداخلية» حتى العام 1945. لقد 
أتقن اللغة الكردية بلهجاتها الرئيسة وألمٌ بالعربية أثناء إقامته الطويلة في هذه الربوع 
ودرس الفارسية وهو طالب وتمكن منها وهو موظف سياسي في قوات الاحتلال 
البريطانية ولذلك عدّ خبيراً في هذه الرقعة من الأرض يحسب لآرائه حسابها في 
التعامل مع الشخصيات العراقية ورجال الحكم خارج الحكم أو داخله وتوجيه 
سياسة البلاد الداخلية. فكان من الطبيعي أن يحظى كتابه «كرد وترك وعرب» 
باهتمام خاص من الساسة والكتاب والمتتبعين المهتمين بشؤون العراق عرباً 
وأكراداً وتركماناً وأجانب ولا سيما المهتمين منهم بتلك الفترة من تاريخه فترة 
سيطرة النفوذ البريطاني عليه في الأدوار الثلاثة دور الاحتلال» ودور الانتداب» 
ودور النفوذ المقنع بالاستقلال» وهو ككل مجموعة ذكريات من الأحداث 
التاريخية والسياسية والمعلومات الجغرافية والأركيولوجية النادرة بقلم مطلع فضلاً 
عن آراء شخصية وحقائق عرّ نظيرها عن حكم البريطانيين للعراق ولا سيما 
كردستانه الجنوبية عماد الكتاب وموضوعه الأصيل. 


حاول السيد إدموندز أن يبدو ذلك الشخص المتجوّد عن عاطفة التحيّز 


11 


والمحاباة المرتفع عن النوازع الشخصية وأراد أن يوحي للقارئ العربي والكردي 
والتركماني في العراق بأن كل ما عمله شخصياً لم يكن له رأي فيه أصلاً وإنما هو 
واجب منصبه في تطبيق سياسة قررتها حكومته. وأنه كان أيضاً يحاول التعاون مع 
الطبقة الحاكمة الجديدة لإيصال البلاد إلى حال من الاستقرار بالشكل الذي تجده 
حكومته مناسباً. ولعل وصفنا هذا - إن لم نشتط فيه - يظهر إدموندز بمظهر الرجل 
الذي «أراد أن يخدم سيدين» في آن واحد بإخلاص على أن الرجل مما قرأته بين 
الأسطر ومما سمعته من معاصريه والعاملين معه القلائل الباقين في الحياة بدا لي 
وكأنه يتمتع بشخصية قوية واستقلال في الرأي إلى درجة كبيرة. ولذلك أرى أنه 
توصل عند اكتمال رجولته إلى الحد الذي استطاع به أن يوفق أو أن يوحي لنفسه 
بذلك على الأقل أن ما تريده السياسة البريطانية للعراق هو الشيء المفيد للعراقيين 
الذي يراه هو مناسباً أيضاً. لذلك تجد كتاباته المتأخرة (وهو ما يزال ناشطاً وعلى 
أتم الحيوية) لا يشوبها أي شعور بعقدة الإثم أو الخطأ وهو يراقب عن كثب حرب 
الأخوة التي امتدت أكثر من ثماني سنوات. ولعله والحالة هذه يرفض أن يقر بأن 
الأحوال الموصفة التي مرّ بها العراق المضطرب فجاءت بالرابع عشر من تموز وما 
سببت من المضاعفات الدموية بعدها إنما هي نتيجة سياسة الكبت والحرمان من 
ممارسة الحقوق الديمقراطية وتلك جزء من السياسة البريطانية التي طبقت في 
العراق أيام كان المؤلف هنا. ومسؤوليته بوصفه مستشاراً للداخلية لا يمكن أن 
تكون مسؤولية وظيفية قاصرة بأي حال ومهما حاولنا الإنصاف. 


إننا والحق يقال نكره أن نتطرق إلى أشخاص المؤلفين من خلال مؤلفاتهم 
لتبدو أكثر موضوعية؛ إلا أن هذا الكتاب فريد في بابه ونسيج وحده لا يمكن أن 
نتصوره دون أن نتصور صاحبهء وهو اليوم في العراق لا يعرف بعنوانه وإنما 
يعرف بكتاب إدموندز. فإذا اطرحنا منه المعلومات الجغرافية التي آض معظمها 
معروفأء وإذا أغفلنا تفاصيل التقسيمات الإدارية التي طرأ عليها تعديل جوهري»ء 
فإن بقية الكتاب بل قل معظمه هو فلذة من المؤلف لا يمكن فصلها عنه وهو 


12 


مجموعة لأعماله اليومية ولتسلياته وهواياته مجموعة من الأحداث الكبرى أسهم 
فيها بأدوار كبيرة إن لم يكن بعضها حاسماً. وجمع فيه معلومات سياسية وتاريخية 
واجتماعية لا يمكن أن تجدها في كتاب آخر لأنها ثمرة تتبعات شخصية دؤوبة 
ودراسات معقدة. إننا لنذكر بصورة خاصة تلك المعلومات النادرة عن القبائل 
الساكنة جئنوب كردستان العراق والمذاهب الصوفية الكردية وأصولها والأبحاث 
الأركيولوجية التي تقصاها من منبتها تقصّي العالم الخبير. أما تلك الأحداث التي 
أسهم فيها بأدوار كبيرة» فنذكر منها استطراداته المسهبة عن ثورات الشيخ محمود 
الحفيد ومجهوداته المتحمسة الشخصية في قمع تلك الثورات. وهنا في الواقع قد 
تجابه بأمر قد تعجب منه ولا تستسيغه إنك تواجه بإدموندز هنا خلق الفرد 
الإنكليزي الصميم بصراحته فتراه لا يحاول مطلقاً التقليل من مجهوداته في إحباط 
تلك الثورات الوطنية وإخفائها مع علمه بأن ذلك لن يكون رصيداً طيباً له عند 
الشعب الكردي اليوم..إنه يذكر أحياناً وبكل جرأة تفاصيل لخطط شخصية وكثيراً 
ما رأيته ينتقد حكومته نفسها لتراخيها مع هذا الزعيم الوطني أو ذاك ويطلب منها 
مضاعفة صرامتها في التعامل معه. 


ويلي ذلك ولكن يتقدمه أهمية بصدد شرحنا لهذا الخلق» الدور الكبير الذي 
قام به في تسوية النزاع على ولاية الموصل تلك القصة التي كانت ستبقى مبتورة 
ناقصة الحلقات لو لم يتناولها المؤلف بتفصيل دقيق. كان أحد أفراد قلائل وقفوا 
على أسرارها ثم عبأوا لها المجهودات وعملوا أناء الليل وأطراف النهار في سبيل 
كسبها للأكراد. ففي الكتاب لا تراه مطلقاً يحاول أن يخطر بباله أن يحاول التقليل 
من الدور الحاسم للأكراد في ربح القضية ويفارقه اعتزازه بنفسه وبمجهوداته هنا 
حين تراه يقول بصراحة إنه لولا صلابة وواقعية الأكراد السياسية لكانت تلك 
الولاية التي تتألف منها اليوم محافظات الموصل ودهوك وأربيل وكركوك 
والسليمانية قد قطعت برمتها عن العراق» إن العراقيين الأكراد هم السبب في 
بقائها. 


13 


لذلك يحق لنا أن نعد هذا الكتاب وثيقة هامة من وثائق تاريخ العراق القريب 
وعلينا حين نقرأه - عرباً كنا أم أكراداً أم تركماناً أن لا نفاجأ بآراء المؤلف السياسية 
لمجرد أنها بعيدة عن آرائنا ومفاهيمها. علينا أن نحسب حساب الفاصل الزمني 
وهو قرابة نصف قرن. وواقع كون المؤلف يمثل عقلية موظف بريطاني يهمه أمر 
المحافظة على كيان إمبراطوريته البريطانية. وهذا لا يقوم عذراً لنا لإطلاق صيحات 
الاستنكار أو شجب فكرة ورأي أبداً» لا نستسيغه ولا يستقيم مع ترائنا. إن الكتب 
هي آراء للناس تقرأها بدل أن تسمعها ولك أن تأخذ بها أو تطرحها جانباً والأمر 
متوقف على ذوقك» وكما أن حسن الخلق يفرض عليك السكوت أو التأدب في 
الرد حين تسمع من فم رأياً تحتقره أو تكرهه أو تخالفه ليس من المجدي ولا من 
الأدب في شيء أن ترفع قائل الرأي وتقذف به من النافذة لتعد نفسك منتصراً عليه. 
وليس من الأدب في شيء أن تلجأ إلى طريقة طالما خبرناها - طريقة الاستعداء 
الرخيصة فتقول معتذراً لنفسك على ما بدا منك. إني لا أخشى على نفسي وإنما 
أخشى التأثير السبئ الذي تحثه في غيري من القراء. 


بهذه الروح الواسعة يجب أن يقرأ كتاب إدموندز. خادم مخلص دؤوب 
لإمبراطوريته البريطانية ومنفذ دقيق وأحياناً متحمس لسياستها في العراق وأحد 
الرجال الذين دفعوا بحقوق الكرد القومية إلى الوراء خطوات وتسببوا بصورة غير 
مباشرة طبعاً في المآسي اللاحقة. وماذا تقول بعد.. الآن الصدف هي التي وضعته 
في مركز المسؤولية هنا ولأن الصدف قضت بأن تقف الإمبراطورية البريطانية في 
تلك الحقبة من التاريخ وقفة مناوئ ومخاصم لأماني هذه الأقوام الثلاثة الوطنية في 
العراق» وأن تقمع الثورات بالنار والحديد؟ ولو كانت الظروف التي جاءت 
بإدموندز غير هذه الظروف فلعله كان بدا لنا غير الذي عرفه به وطنيونا المعاصرون 
له. وبالخلق الكردي الأصيل هنا فقط يمكننا أن نتلمس للمؤلف العذر عما فعل. 


لقد ارتأت جريدتنا «التآخي» أن تصدر سلسلة من هذه الكتب المترجمة 
وهدفها الأول تدعيم الأخوة العربية الكردية ووضعها على أسس أمتن من التفاهم. 


14 


وليس شيء مثل المعرفة ما يقوي هذه الأخوة والتفاهم. فمعرفة الشعب العربي 
بتاريخ أخيه الشعب الكردي ومراحل نضاله وعثراته وكبواته يختصر مسافة كبيرة 
من هذا الطريق. ولذلك كانت الكتب خير سفير وواسطة. فضلاً عن إغناء المكتبة 
العربية بما افتقرت إليه في هذا المجال. إن مثقفي الشعب الكردي مسؤولون عن 
هذا مثلما كانت الحكومات السابقة مسؤولة بمنعها وملاحقتها لكل ما يطبع في هذا 
الشأن. ولذلك فإن بيان الحادي عشر من آذار كان الفأس التي استخدمناها لكسر 
الحواجز الفكرية وتقديم ما يسعنا تقديمه من هذه الكتب. ولسنا نرجو إلا أن تؤخذ 
هذه السلسلة بالقدر الذي شرحناها وأن لا توضع تحت المجاهر العمياء فتتوالى 
عليها التخريجات المغرضة وتتناولها ألسنة السوء لتستخلص ما تستخلص. إن من 
يخشى الماضي فإنه يخاف الحاضر ولا طاقة له بمواجهة المستقبل. هذا ومن الله 


التوفيق. 


بغداد 28 حزيران 1971 


15 


إن الأساس الذي بنيت عليه كتابي هذاء هو التاريخ السياسي لنزاع بريطانيا 
العظمى وتركيا على ولاية الموصلء ثم أضفت إليه (بأدق ما في معنى كلمة 
الإضافة) مجموعة تجاربي الخاصة من منصب الضابط”'' السياسي الذي أشغلته في 
مواضع النزاع بالذات. ولقد حاولت في هذا الإطار العمومي أن أرسم صورة 
لمجتمع كردستان الجنوبي وأقدم وصفاً جغرافياً له. 

إني لأعجب من نفسي حين أشير دائماً بكلمة «العدو» إلى الترك أصدقائنا. إلا 
أن ما أبسطه هناء هو قصة السنين السبع الأخيرة في مجموع قطعنا به علاقات 
صداقتنا التقليدية والاحترام الذي تبادله بلداناء ولقد عادت السنين الإحدى عشرة 
التي تصرمت علينا ونحن في خصام وتباعد غير طبيعي تلك العلاقات فهي الآن 
أقوى وأمتن من أي عهد مضى. 

لما عدت إلى قراءة مخطوطتي بعد طبعها على الآلة الكاتبة فوجئت «بأنيتي» 
تسود أجزاء بحثئي وتهولت اطنابي في تعداد مآثري ومجهوداتي الخاصة. ولئن فات 
الأوان لتعديل هذه اللهجة الأنانية الآنء فالنص كما هوء باعتماه على زرفت 
وجزازات كتبتها في حينه - سيزود القارئ بأفكار تفضل ولا شك ما قد يحصل 
عليه من جمل أنيقة مرتبة أقوم بتدبيجها بعد مرور هذا الزمان الطويل. أفكار تفصح 
عن ثقة بالنفس» وحيوية عالية لازمت أغلب أولئك الضباط الفتيان الذين خلقتهم 


(1) دأب الكتاب عندنا على ترجمة تعبير +0866 1قهنافا0 ب(الحاكم السياسي)» في حين فضلت 


17 


الحرب لتولي الإدارة السياسية في بلاد ما بين النهرين - فكسبوها في أثناء 
تصريفهم واجباتهم » وتصديهم لمختلف المشاكل فيهاء وإن كانوا مفتقرين إلى 
بعض التدريب والخبرة. 


وإني لمدرك إسهابي وإطنابي في وصف الطرق التي سلكتها ومختلف طبقات 
المجتمع في كردستان الجنوبية» فإذا كانت تجاربي دليلي» فإن هذا الإسهاب بحد 
ذاته يعطي كتابي طرافته وأهميته الكبيرة لسائحي المستقبل ومتدارسي شؤون الشرق 
الأوسط. 


أراني وقد جمعت قدراً كبيراً من المعلومات الجديدة في عالم البحث والتتبع 
الأوروبيين أثناء خدمة طويلة الأمد في إيران والعراق» وعندما اندفعت ريح الثورة 
إلى جنبات هذين البلدين مستهدية بآلة احتراق داخلي صغيرة معجلة بها حربان 
عالميتان. ثورة كانت تهدد بالزوال تلك التقاليد العريقة والعادات العتيقة التي بقيت 
حية رغم تقلبات الحقب والدهور. ولست أخفي أملي في أن يكون بعض ما 
جمعته ذا قيمة لأبحاث أكثر دقة وانتظاماً مما لم يقو عليه طبعي. وأنا في الوقت 
نفسه أسارع في الاعتذار لأولئك المختصين في التأريخ, عن المواد المحدودة 
الأولية التي قدمت بها الفصل السادس فيما يتعلق بتأريخ الإسلام الأول وهي مواد 
وإن كانت سطحية بسيطة في نظرهم إلا أنها ستزيد من طرافة الكتاب وسرعة 
استيعاب القارئ العادي له (دعك من المواد الأكثر دقة التي تضمنها هذا الفصل 
والفصول الأخرى) ولا أظنه سيحكم على حكمه على ذلك الساقط بين 
ةا 


من أصعب المعضلات التي تجابه أي مؤلف بحث عن الشرق الأوسط هي 
معضلة إثبات أسماء الأشخاص والأمكنة والمواقع الجغرافية. وقد خلقت في كتابي 


(1) أي الذي يريد الجلوس على كرسين متقاربين فيسقط بينهما. وهو مثل إنكليزي يضرب لمن يريد 
نيل غايتين في آن واحد فيخطثهما معاً. (المترجم). 


18 


أزمة مستحكمة لأنه يبحث أمور بلاد اعتبرت فيها اللغات العربية والفارسية 
والكردية والتركية لغات حكومية رسمية فضلاً عن كونها لغات التخاطب. وكلها 
تكتب بالحرف العربي. خلا التركية الحديثة التي صارت تكتب الآن بالحرف 
اللاتيني. وتركيا كما لا يخفى جار ملاصق ذو نفوذ في هذه الظروف الصعبة. لم 
أجد مندوحة من اختراع قواعد كتابة خاصة. لكن ثمة نظاماً عاماً حاولت جهدي 
ألا أحيد عنهء وكان من الضروري أن أجعل القواعد التي ألزمت بها نفسي أكثر 
دقة. على أنه يوجد استدراك أو اثنان لا سبيل لي إلى إغفالهما. فحيثما كانت 
أسماء الأشخاص شائعة في لغتين أو أكثر فلا بد وأن تكون إحداهما اللغة 
الفارسية. وقد اخترت التهجئة حسب القاعدة الفارسية المتعارف عليها لتصوير 
اللفظ بالنطق الفارسي - بصورة عامة. فحرف البدء هذه وأحرف الصوت الطويلة لم 
أميزها عادة في متون الكتاب وإنما اكتفيت بإثباتها في الفهرست. وكلما وجدت 
ألفاظاً شائعة قد دخلت اللغة الإنكليزية ودرج استعمالها فيها» فضلت استعمالها 
بشكلها الشائع» مثل ألفاظ (مكةء موصل» خليفة» قرآن). ولا أقول شيئاً عن اسم 
(محمد) المصحف هناكء إن لي أصدقاء كثيرين بهذا الاسم» وهو يلفظ بتشديد 
الميم وواو حادة» ولم أستطع إجبار نفسي على كتابته هكذا 20تسسذه34 أو حتى 
أ6مقطه8 مع احترامي للفاولريين 0000-7 


إن اقتباساتي العربية والفارسية أثبتها وفقاً لنظام دقيق معترف به في عالم 
البحث. أما المقتبسات التركية فقد أثبتها حسب قواعد التهجئة اللاتينية التي وضعها 
(مصطفى كمال)2. أما اقتباساتى الكردية فقد أثبتها بأبجدية خاصة لاتينية اشتغلت 


(1) لعله يقصد هنا أشياع توماس فاولر (1832 - 1904) الفيلسوف والأستاذ المعروف في جامعة 
أكسفورد. (المترجم). 

(2) قليل من الناس من يعرف أن طريقة كتابة التركية بالأحرف اللاتينية يعود الفضل الأول فيها للعراقي 
البحاثة الدكتور داود الجلبي الموصلي فقد وضع قواعدها مفصلاً أثناء ما كان يدرس الطب 
العسكري في استنبول سنة 1910 وضمنها كتيباً وزعه كما أعلمني على سائر الدوائر الثقافية 
والصحافة في العاصمة العثمانية. ولديّ نسخة منها. (المترجم). 


19 


في وضعها ما بين عأمي 1930 و1933 متعاوناً مع صديقي الباحث الكردي (توفيق 
وهبي بك)”' عضو مجلس الأعيان العراقي. وقد نشرت بصورتها النهائية في ثاني 
مقالين كتبتهما لمجلة (الجمعية الآسيوية الملكية) وعنوان المقالين «مقترحات 
لاستعمال الأبجدية اللاتينية فى كتابة اللغة الكردية» - كانون الثانى - 1931 وابعض 
التطورات فى استعمال الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة الكردية - تموز 1937» وكل ما 
نحتاج إلى ذكره هناء هو أن كل الأحرف الكردية الصامتة» يوجد في اللغة 
الإنكليزية ما يقابلها ويطابقها ما عدا أحرف (خ: >) الذي يمثل الصوت الشائع 
ويرسم عادة يحرف المرجى : طعاء كما وأن حرفي (©,1) لهما القيمة الصوتية في 
الكتابة التركية الحديثة بالضبط. كذلك الحرف (3) الفرنسي والإنكليزي. أما 
المضخمين وهما موجودان في اللغة الكردية فضلاً عن حرفي اللام والراء العاديين. 
أما عن الأحرف الصوتية: (1,ه ,ه,ة) فتلفظ ممدودة دائماً. ويلفظ حرف (:) 
حفيفاً وحرف لا هو قصيرة فحسب ويعتبر من الأحرف الصامتة. وحرف فا قصير 
اللفظ دائماًء أما حرفا (1,ن) الطويلان فيمثلان على التوالى بأحد الحرفين 
المزجيين لا رالا الا را 

فى أول ملاحق الكتاب أوردت قائمة بالوثائق الرسمية» والكتب التى رجعت 
إليهاء مع قائمة بمختصرات عناوين كل المجلات العلمية التي اقتبست مواد منها 
وإني لأقر لها بدين كبير. أما قوائم الكتب والمقالات التي كتبها من سبقني من 
السياح والرحالة فقد أثبتها في مظانها من متن الكتاب كما نوهت بالكثير منهم في 
مواضع أخرى من المتن» والهوامش. 

ساعدنى عدد كبير من الأصدقاء الطيبين فى إقالتى من العثرات وإزالة بعض 
(1) هو الآن نزيل لندنء يقوم بمجهودات علمية كردية الطابع وقد وقفنا له على رسالة ثمينة عن 

اليزيدية. كما علمت أنه عمل مع مؤلف هذا الكتاب على وضع معجم كبير كردي - إنكليزي. 

(المترجم). 


20 


النواقص. وهم بطبيعة الحال غير مسؤولين عما تخلف منها. ولقد راجع السيد 
ريدر بولارد والأستاذ سدني سميث النسخة المطبوعة على الآلة الكاتبة. كما راجع 
الأستاذ ألفريد ككيوم الفصول 6: 13. 14: 018". وراجع السيد توفيق وهبي 
الفصول: 4» 5: 6» 7» 11» 15. وكانت تعليقاتهم وتصويباتهم ونصائحهم قيمة 
جداً. وإنى لشاكر ممتن منهم. وعليّ أن أتقدم بالشكر أيضاً إلى أمين مكتبة وزارة 
الخارجية البريطانية لسماحه لي بمراجعة الحجج والوثائق المتعلقة بمسائل الحدود 
التركية - الفارسيةء وأتقدم بالشكر أيضاً لمارشال الجو الأول السير جيمس روب 
806 ومموة ءز5 لتزويدي بمختلف التفاصيل الخاصة بضباط ومعدات القوة الجوية 
الملكية لفترة (1919 - 1925)»: كذلك المقدم جي. إي. هويلر ععاءمة7؟ .06.8 
لمراجعة الكلمات التركية الحديثة وضبط تهجئتها. وأشكر ما لا يحصى من زملائي 
الآخرين عراقيين وإنكليز جاء ذكر بعضهم في الكتاب» للحفاوة التي تلقيتها منهم 
أثناء جولاتي» ولغير ذلك من مظاهر التكريم والعطف التي غمروني بها. 

وعلىّ أن أوضح هاهنا بشكل بات أن الآراء التي يعثر عليها القارئ هي أرائي 
الخاصة وكل مسؤولياتها تقع على عاتقي وحدي مع أني كنت أشغل مناصب في 
كل من وزارة الخارجية البريطانية والحكومة العراقية» أعواماً طويلة. 


(1) خعدللس8 :مده عزق: أحد خبراء الدبلوماسية البريطانيين في الشرق الأوسط. وطافد58 إعهلذ5 عالم 
آثار أمريكي معروف. وعسقللت© .١ه‏ : مستشرق إنكليزي. رئيس دائرة الشرق الأدنى والأوسط 
. لمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية لجامعة لندن. كتب الكثير في التاربخ الإسلامي. (المترجم). 


21 


الباب الأول 


-1 - 


الكرد 


«كردستان؟ بالمفهوم الواسع» يقصد بها ديار الكرد بوصفهم مجتمعاً ذا وحدة 
قومية متجانسة هناهءدهعهدصووط وهذه الديار مجزأة بين تركيا والعراق وإيران. فضلا 
عن نتوءات داخلة في الاتحاد السوفياتي وسوريا. ولذلك لم تدخل تخومها ضمن 
أية حدود دولية أو أقسام إدارية داخلية. وتخومها الشمالية تتبع تقريباً خطأ يمر 
بيريفان وأرضروم وأرزنجان (ارزنكان) ثم تمر بشكل قوسي متجهة إلى حلب من 
مرعش (مرش) ومن الجنوب الغربي تمتد على طول سفوح الجبال المنتهية 
بضفاف دجلة ثم تشرق مجرى النهر ولا تبتعد عنه كثيراً ممتدة من خط جبل 
حمرين حتى تصل نقطة على الحدود العراقية الإيرانية بالقرب من بلدة (مندلى). 
وإلى الشرق من الجهة الإيرانية تبلغ نهاية أرض الكرد خطأ نازلاً من جنوب شرق 
(يريفان) لتضم أصقاع (ماكو) وقسماً من (كوي) ورضائية (أورمية) ومهاباد (صاوج 
بولاق) وسقّز وسنه حتى (كرمنشاه). إن الطريق السلطانية العريضة الممتدة من 
كرمنشاه إلى (كرند) يليها الخط المستقيم المنتهي بمندلى» وهو على وجه التقريب 
الحد الفاصل بين بلاد الكرد الأصيلة وبين ذوي قرباهم (اللرء واللك)» الذين 
يعدون من ضمن الشعب الكردي”"'. 


(1) أولئك «العتالون الكرد» الذين يشاهدهم الناس يومياً في بغداد وعلى كواهلهم أثقل الأحمال 
يقومون بالأعمال التي ذكر كتاب ألف ليلة وليلة أنها أعمال أسلافهم بالضبط قبل ألف ومائتين من- 


25 


وسكان كردستان التي تم تحديدها كما سلف ليسوا لديهم كرداً بطبيعة الحال. 
فقبيل عام 1914 مثلاً كان عدد كبير من الأرمن يقطنون الأراضي الواقعة شمال خط 
العرض الثامن والثلاثين مباشرة. أما المسيحيون النساطرة الذين عرفوا في إنكلترا 
باسم (الآثوريين) فقد كانوا يحتلون إقليم هكاري التركي بأعداد كبيرة» ويقطنون 
المنطقة المجاورة له المعروفة بأورمية الإيرانية. ومعظم هؤلاء إن لم نقل كلهم - 
زالوا من الأراضي التركية. على أن بضعة آلاف منهم استقروا الآن محتشدين في 
منطقة العمادية داخل العراق. وثمة أيضاً مستعمرات قديمة تركمانية تمتد على هيئة 
خط من القرى والبلدان حول الطريق السلطانية بين بغداد والموصلء ومنها قره تبه 
وكفري» وطوز خورماتو وطاووق وكركوك وآلتون كوبرى وأربيل» ثم فيما وراء 
الموصل تأتي تلعفرء على أن الأكراد فيها أغلبية ساحقة. كما وجدت مجتمعات 
كردية خالصة» مستقرة خارج التخوم التي رسمناها تصل حتى أنقره. وتبلغ من 
جهة الشرق أصقاع بحر قزوين وخراسان وكرمان ومما تجدر إليه الإشارة هنا جبل 
سنجار غرب دجلة الواقع على خط عرض مدينة الموصل نفسها بغالبية ساكنيه من 
اليزيدية الكرد الذين يطلق عليهم ظلماً اسم «عباد الشيطان» وبأقليته المسماة التي 
لا تنمسك كثيرا بشعائر دينها. 


وأنا أقدر عدد نفوس الكرد في العراق ب(900,000) نفس وهو رقم استندت في 
تقديره على إحصاء النفوس العام سنة 1947» الذي تم مجموعه الكلي على أساس 
النواحي وعلى تقديري الخاص للتكوين القومي في كل ناحية”" (الناحية هي أصغر 


-السنين؛ هم في الحقيقة ليسوا كرداً» وإنما من (اللر) الذين جاؤوا من غرب (لرستان) المعروف 
بإقليم (يشتكو). (المؤلف). 

يكاد الباحثون يجمعون أن اللر هم أكراد. وإدموندز هو من القلائل النادرين الذين لا يضعون اللر 
ضمن القومية الكردية. واللر أنفسهم لا ينتكرون عنصرهم الكردي (ملاحظة المترجم). 

(1) انظر التفاصيل فى الملحق (ب) ويلاحظ أن المؤلف يستند إلى تقدير شخصى له يعود إلى سئة 
5 حيث كان يعد هذا التقدير مبالغاً فيه. أما اليوم فهو بعيد عن الحقيقة بمراحل وقد يزيد تقدير 
عدد نفوس الأكراد في العراق على أساس تضاعف السكان وعلى ضوء رقم إدموندز المار ذكره 
قرابة المليونين. (المترجم). 


26 


الوحدات الإدارية). ومثل هذا التقرير لا يتيسر في إيران وتركيا. إن لجنة عصبة 
الأمم التي جاءت عام 1925 للتحقيق في النزاع على الموصل بين بريطانيا وتركياء 
قدرت مجموع الكرد في تركيا بمليون ونصف مليون» وفي إيران بسبعمائة ألف 
وفي العراق بخمسمائة ألف وفي سوريا وغيرها بثلاثمائة ألف. فيكون المجموع 
على رأيهم ثلاثة ملايين. وكان تقديرهم للعراق ضثئيلاً للغاية على أن جانباً من 
غلطهم يعزى إلى النمو الطبيعي في سكان كل بلاد كردستان خلال السنوات 
الخمس والعشرين الماضية. هذا وإن الانتفاضات الوطنية في إيران التي جاءت في 
أعقاب الاحتلال الأنكلو - سوفياتي في خريف عام 1941» وما كشفت عنه من 
ضعف الإدارة المحلية» أثبتت أن كرد إيران ما زالوا على قوتهم التي لم تهن في 
أي عهد من عهودهم الغابرة» ويكون معقولاً إثباتنا رقم (مليون) كمجموع تقريبي 
لعددهم هناك. أما في تركيا فالتقدير أشق. لأن الحكومة التركية لا تسميهم كرداً 
وإنما (أتراكاً جبليين) وتنكر عليهم إنكاراً تامأ دعواهم بقومية متمايزة قوية متراصة. 
وزيهم الوطني محرم ارتداؤه في مراكز وحدات الإدارة على الأقل» ولا يعرف إلا 
النزر اليسير عن عدد الضحايا الذين صرعوا في سلسلة متتابعة من الثورات»؛ كما 
لا يعلم شيء عن عمليات التهجير التي كانت تتم في أعقاب تلك الانتفاضات 
عادة. ومهما يكن» فمما قمت به من تحقيقات خصوصية على الحدود العراقية 
والإيرانية ومن جملة شهادات وقرائن اجتمعت لي من حكايات بعض السياح 
القادمين منهاء ونظراً إلى أهمية الثورات وضخامتهاء فأنا أقدر ما في تركيا من كرد 
بما يساوي كرد العراق وإيران مجتمعا أي بحوالي مليونين”'' وإذا أضفنا كرد سوريا 
(1) إن الإحصاء الرسمي عناوناةناة:5 عتننادوة للعام 1951 الذي أذاعته دائرة الإحصاء المركزية في 

أنقره (اقتبسه برايس 8806 .18/.0) في المجلة الجغرافية رقم 70 - القسم الثالث» ص34 - يثبت 


رقم 2 لنفوس أولثئك الذين يتكلمون الكردية - حسب إحصاء عام 1945. ولقد أنبأني 
. مصدر موثوق حسن الإطلاع أن الإصلاحات الديمقراطية الجديدة في تركيا جعل لصوت- 


27 


والاتحاد السوفياتي وغيرهم من المجتمعات الكردية المنعزلة» تكون لنا المجموع 
العام الضخم الذي يتراوح بين أربعة ملايين وأربعة ملايين ونصف المليون. 


ويشيع بين الكرد روايتان عن أصلهم. أولاهما مسندة إلى تاريخ إيران 
الأسطوري تروى عن عرش كان يجلس عليه دعي غاصب اسمه (زهاك). لقد نيتت 
حيتان في كتفي (زهاك) هذا تحتاج كل منهما إلى غذاء يومي قوامه دماغ بشري»ء 
ثم إن وزيراً له أريباً ذكياً توصل سراً إلى خلط كل دماغ بشري بدماغ عجل وبهذه 
الطريقة تسنى له إنقاذ حياة شاب أو شابة واحدة من أصل اثنين مخصصين لليوم 
الواحد ولاذ هؤلاء الناجون من الموت؛ بالجبال وكانوا أجداد الكرد ومنهم 
خرجت تلك الأمة. 


وأما الرواية الثانية فترجع إلى عهد الملك سليمان. والأساطير الشعبية في 
الشرق تجعل سليمان سيد العالم الخرافي الذي تسكنه المخلوقات الشاذة المسماة 
بالجن والعفاريت وهديوه كان؟ و(به رى» (قارن لفظتنا الإنكليزية بصنه5) وما إليهاء 
ويروي الكرد أن الملك سليمان استدعى يوماً ماء خمسماثة «ديو' يثق بهم وأمرهم 
أن يطيروا إلى بلاد أوروبا ويأتوه بخمسمائة من أجمل من يجدون من الصبايا. 
ففعلوا وعندما عادوا بغنيمتهم وجدوا ملكهم العاشق الشديد الغلمة قد قفضى 
نحبهء فما كان منهم إلا واحتفظ كل بفتاته» ومن هذا التناسل خرج أجداد الشعب 
الكردي. ويروي (اللر) هذه الحكاية نفسها عن أصلهم ومرة عندما كنت أجول في 
ربوع (لرستان) ادعى قاطع طريق باطش أنه يتصل بي بصلة الرحم منذ أيام أجداده 
مسنداً دعواه هذه إلى الأسطورة©". 


-الكردي في الانتخابات أهمية كبيرة مفاجئة. واليوم يقدرون عدد الأكراد القاطنين في تركيا بثلاثة 
ملايين بل يذهبون إلى أربعة ملايين. 

(1) الظاهر أن القصة التي رواها صلاح الدين الأيوبي للفارس الاسكتلندي (الفصل الثالث) من رواية 
الطلسم عن أسلافه إنما هي مزيج لهاتين الأسطورتين. 


28 


وبعودتنا إلى المآئر التاريخية الأقل قدماء نجد خلافاً كبيراً بين الباحثين عن 
أصول الأمة الكردية» وما سنذكره هنا الآن ممحص ثابت تأريخياً. 


جاء في مدونات ومآثر الإمبراطوريات العظيمة المتمدنة التي نشأت في سهول 
هذه البلاد» كسومر القريبة من الخليج الفارسي”' وبابل في الفرات الأوسط 
بالقرب من الحلة؛ وآشور بعاصمتها نينوى الواقعة على دجلة مقابل الموصل» 
أخبار عن هجمات وغزوات قبائل تسكن جبال كردستان الغربية وتكتنفها من جهة 
الشمال الشرقي والشمال» كما جادت هذه المدونات بأخبار حملات عسكرية 
جردت على تلك القبائل. ففي الألف الثانية ق.م. كانت الأسر التي تحكم بلاد ما 
بين النهرين (وهو اسم مناسب لموضوعنا) ذات أسماء قريبة الشكل واللفظ 
بالكلمات السنسكريتية العتيقة. وهذا يشير إلى وجود عناصر هندية آرية - على 
الأقل في الطبقة العليا من أهل البلادء وعقب هؤلاء» أقوام انحدروا إلى هضبة 
إيران الغربية وزاغروس هم فرع من المجموعة الهندوروبية أي الإيرانيين» أي 
الميديين والفرس. ويعتقد بعض الباحثين أن المديين (مادا) جاؤوا بعد الفرس 
(بارسا). وربما كانت هجرتهم هذه قبيل القرن الثاني عشر السابق للميلاد. وهناك 
استقروا ثلاثة قرون قبل أن ينزحوا إلى الجنوب نحو بلاد فارس ومنحوا اسمهم 
هذا للإقليم أو أنهم اقتبسوه للإقليم الذي ربما كان يعرف ب(برسه واش) وأول ذكر 
له وجد في أخبار الملك الآشوري شلمناصر الثالث لسني 833 و829 و828 ق.م. 
ولعل منطقة (بانه) الحديثة هي المقصودة بتلك الأخبار” ولم يخلف الميديون أية 
كتابات لسوء الحظء كما خلف الآشوريون والبابليون والفرس» (إن وجد فهو بعد 
في باطن الأرض) لذلك سيبقى تأليف تأريخهم وإعادة ترتيبه على الفترات الزمنية 
الطويلة موضع حدس وتخمينات على الأكثر. هنالك عبارة في مدونات شلمناصر 


(1) يقصد الخليج العربي. (ملاحظة المترجم). 
2( سدني سمث «ابرسواش وسولدوز» في ذكرى الأستاذ بور دافور (بومبي 551) 3م ص 60 - 67 
وص720.» حول تثبيته (أرض مسي) 34055 4سداء18 المذكورة فيما يلي - (تقدم!) بمنطقة (ساقز). 


29 


الثالث عن وقعات سنة 836 ق.م. تعد أول ذكر في التأريخ للميديين”". وعلى أي 
حال فليس في أسماء أمراء الميديين الذين ذكرتهم النصوص الآشورية» اسم ذو 
جرس إيراني؛ حتى القرن الثامن ق.م. فبعد هذا التاريخ اندفع هؤلاء الميديون 
القادمون من جهات مجهولة في شمال هضبة إيران الوسطى - نحو الغرب 
والجنوب. وما جاء عام 650 ق.م. حتى بسطوا سلطانهم على زاغروس. ويبدو أن 
كلا من الميديين والفرس كانوا أشبه بطبقة أرستقراطية تهيمن على خليط من 
السكان» ولم يعمدوا إلى استئصال هؤلاء السكان الأصليين وإنما فرضوا عليهم 
لغتهم وديانتهم. وفي السنوات 617 - 612 ق.م. اعترف بكيخسرو الميدى ابن 
خشائريتا - فروارتس» رئيساً لحلف ضم أكثر من الميديين أنفسهم. وفي عام 612 
ق.م. تحالف مع البابليين» لتدمير نينوى وتقويض صرح الإمبراطورية الآشورية. إن 
التقلبات التي طرأت على الدولة الميدية منذ عهد (كيخسرو) حتى عام 550 ق.م.. 
غامضة مجهولة الأبعاد. ويوضح هيرودوت (الفصل الأول» ص72 - 74) أن حدود 
الميديين الغربية كانت نهر هاليس وهو (قزيل أيرمق) الحالي» وقد ثبت بعد حرب 
جرت بينهم وبين الليديين انتهت بوساطة من حكام بابل (الذين كانوا يسيطرون 
على حران) وحكام كيليكيا. إن تنويه المدونات بحصول كسوف آنذاك يجعل تأريخ 
الحدث عام 585 ق.م. أول المراجع عن الميديين ولم يرد أي ذكر لأكبتانا التي هي 
همدان الحالية - على أن ملوكهم اتخذوا عاصمة قبيل نهاية حكمهم وأن حدودهم 
من هذه الجهة كانت تبعد كثيراً عن شرق (أكبتانا) وكان الفرس في الجنوب 
اتترقرة بالسسطزة الحيدية أسنيا 


في حدود العام 550 ق.م. أزاح كورش الفارسي خليفة كيخسرو وابنه (على ما 
يزعم هيرودوت) المدعو (استياجيس) وحل سلطان الأخمينيين محل الميديين وفي 


(1) أولمستيد 4مادنسا01: تاريخ آشور: نيويورك 1928» ص117. وقد زودني الأستاذ سمث بترجمة 
النص وهذا هو: #رحلت عن بارسوا ونزلة أرض مسي 2 أرض أماديا أرض أرازياش» أرض 
حرحار..» وحرحار هي الأرض المعروفة الآن بسيروان العليا. 


30 


العام 547 ق.م. هزم كورشء ملك ليديا (كروسوس) وأصبح-سيداً على شرق آسيا 
الصغرى ووسطها. ثم هاجم البابليين أولاً في سورياء ثم في عقر دارهم بابل 
نفسها العام 539 ق.م. ودامت الإمبرطورية الأخمينية حتى 331 ق.م. وكانت 
عاصمتها (برسبوليس) بالقرب من (شيراز) جنوب بلاد فارس. وفي هذه السنة 
انهزم داريوس الثالث أمام الإسكندر الكبير في معركة (أربللا) التي كان ميدانها'© 
الحقيقي» ما يقوم عليه الآن القرية المسيحية (كرمليس) وهي أقرب إلى الموصل 
منها إلى أربيل وكانت كردستان تؤلف جزء من الإمبراطوريات التي تعاقبت: 
السلوقيون (339 - 129 ق.م.) ثم الفرثيون (247 ق.م- . 226 ب.م.) ثم الفرس 
الساسانيون (226 - 636م) ثم الخلفاء العرب (636 - 1258م) ثم المغول والتركمان 
(1258 - 1509م) وفي القرن السادس عشر استقرت الحدود بين الإمبراطوريتين 
العثمانية والصفوية نوعاً ماء لتترك حوالى ثلاثة أرباع كردستان في تركيا والربع 
الباقي في إيران. 

وربما لا يتفق مع أغراضي الحالية» محاولة تعقيب خيط التأريخ الكردي في 
متاهات شبكة تأري يخ آسيا الغربية المعقدة. في حدود القرن السابع الميلادي أي 
زمن الفتح العربي؛ استخدم لفظ (الكرد) بمثابة مصطلح عنصري ليطلق على 
إيرانيي الغرب الذين استقروا في زاغروس وجواره؛ وعلى السكان القريبين الذين 
كانوا يعتبرون إيرانيين أيضاً. وربما كان رجع الصدى للكتّاب القدماء الذين 
استخدموا أشباهاً لهذا الاسم بصورة أضيق كقولهم «جبال كرذوايا» و«عصابات 
الكرتيوي لميديا الأتروباتية» أو (الأذربيجانية) التي ذكرها سترابو 5:460 (عاش في 
حدود 64 ق.م- . 20 ب.م.). و«الكردوجي» الذين هاجموا كزينفون وعشرة آلافه 
بأساليب كرهم وفرهم المألوفة أثناء ما كانوا يتقهقرون عبر منطقة زاخو في العام 
0 ق.م. 


(1) سير أ. شتاين 5665 .4 516 (تعليقات حول عبور الإسكندر المقدوني نهر دجلة» ومعركة أربللا) 
المجلة الجغرافية» تشرين الأول 1942. 


31 


جاء حين من الزمن كان الرحالة الجهلة يتوهمون باللغة الكردية» فيعتبرونها 
من اللهجات العامية الفارسية. وهذا بعيد جداً عن الواقع. صحيح أن اللغتين 
متصلتان بصلة النسب إلا أن البون شاسع بينهما ونقاط اختلافهما عديدة جداً سواء 
في المفردات أو النحو أو النطق. فاللغة الكردية هي من مجموعة اللغات الإيرانية 
الشمالية الغربية المختلفة عن الفارسية الحديثة. والفارسية تنتمي إلى المجموعة 
الجنوبية الغربية كما لا يخفى. وكردستان بلاد جبال شم» ذات طرق وعرة 
ومسالك صعب ظلت قروناً لم تتمتع بوحدة سياسية تمنحها تراثا أدبياً عاماً 
مشتركاً. ولم يكن بعجيب أن اختلفت لهجاتها المحلية من واد إلى واد فحسب إلا 
أن المزايا الجوهرية في اللغة الكردية تبدو بارزة واضحة في تلك اللهجات. ويرى 
ثقة من أعظم ثقاتنا في الموضوع” إنه مع تفرق القبائل الكردية وتباعدها بعضها 
عن بعض كما يشاهد الآنء فإن ظاهرة هذا الاختلاف الكبير في اللهجات لا 
يمكن تفسيره إلا بأن تلك اللهجات إنما هي مشتقةً من لغة عتيقة أصيلة قوية هي 
اللغة الميدية. 

فبصورة عامة إذن» يمكن للمرء بعد استناده إلى القرائن الجغرافية واللغوية أن 
يفترض إلى درجة ماء أن كرد اليوم هم أحفاد ميديي سلالة الملوك الشرقية الثالثة 
العظمى (مثلما كان الإيرانيون الحاليون في شرقهم وجنوبهم الشرقي أحفاد الفرس 
الأولين الذين ينتمون إلى سلالة الملوك الخامسة) إلا أن القومية الإيرانية عززتها 
الهجرات المتتالية من الشرق نحو الغرب. وأما البؤرة الوسطى فقّد تحولت هي 
الأخرى نحو الغرب» كما هو منتظرء حتى أصبحت همدان اليوم فهي خارج 
حدود كردستان الشرقية. 

لعب الكرد طوال خمسة قرون أدواراً هامة في حدود الدول الإسلامية. 
والتاريخ يزوّدنا بأسماء أكثر من سلالة حكام مهمة من الكردء وربما كان «صلاح 


(1) الأستاذ ف. مينورسكي 34150:519 ./ في (قبائل إيران الغربية): المعهد الأنثروبولجي الملكي - 
9 - واتتهز الفرصة للإعراب عما أنا مدين به لمقاله الآخر «الكرد في شرق إيران». 


32 


الدين أيوب» (نبغ في 1193) أشهر رجال الكرد وأعظم عظمائهم» وهو الخصم 
الشهم» والفارسن النبيل المعاصر «لريشارد قلب الأسد؛ وللصليبيين. وتقول عنه 
المصادر الكردية إن مسقط رأسه هو منطقة أربيل”” وكان معظم إمبراطوريته عربيّ. 
إلا أن فتحه الموصل ضم إليها بدون شك مناطق كردية واسعة. ويقل حديث 
التاريخ عن الكرد أيام حكم المغول والتركمان» لكنهم عادوا ليلعبوا دوراً هاماً في 
الحروب التي نشبت بين العثمانيين والصفويين. 

ومع «المركزية» التي غلبت على طبيعة الحكمين التركي والإيراني» فقد عاش 
عدد من الدويلات الكردية ذات الحكم شبه الذاتي إلى ما قبل مائة سنة» كأمارة 
بوتان وأمارة هكاري وبهدينان وسوران وبابان في الأراضي التركية» وكأمارتي 
«(مكري) و(أردلان) في إيران» والأمارات الأولى تم إخضاعها كافة للحكم 
العثماني المباشر أو قوضت بالقوة ما بين حدي ذلك الزمن. وفي إيران يطلق اسم 
(كردستان) رسمياً لا على المناطق الكردية عامة وإنما على إقليم يكافئ إمارة 
أردلان القديمة. 

وفي الأزمان الحديثة إلى العام 1918 - جرى تقسيم الإمبراطورية العثمانية 
لغرض الإدارة إلى ولايات يديرها ولاة» ثم قسمت الولايات إلى (سناجق) أو 
ألوية يديرها المتصرفون وقسمت السناجق إلى أقضية يديرها القائمقامون» وقسمت 
الأقضية إلى نواح يديرها مديرو النواحي. وعراق اليوم يتألف على وجه الدقة تقريباً 
- من الولايات العثمانية السابقة الثلاث: البصرة وبغداد والموصل. وقد عرف في 
المخابرات الرسمية الإنكليزية يوماً ما باسم تركيا العربية وعرفه الإنكليز باسم 
(ميسوبوتاميا - ما بين النهرين). وزال تقسيم الولايات من العراق بعد العام 1921» 
(1) إن موطن أسرة صلاح الدين بالأصل هو (دوين) في أرمينيا (مينورسكي: دراسات في تاريخ 

القفقاس» لندن 1957» ص116 وما بعدها)» و(دوين) القرية التي تبعد 23 ميلا شمال أربيل قد 


تكون إحدى مراحل هجرة الأسرة المتعددة باتجاهها جنوباً نحو تكريت على دجلة وفي هذه البلدة 
ولد صلاح الدين. 


33 


وقسمت أرضه إلى ألوية تخضع لوزارة الداخلية مباشرة. ولكن من الأنسب أن 
نستمر هنا في استعمال كلمة الولاية بالمفهوم الجغرافي لها. ولنذكر هنا أن الألوية 
(14 لواء بدلاً من 9 ألوية سابقاً) والأقضية هي الآن أكثر عدداً مما كانت في عهد 
الع ه00 , 


وولاية الموصل هي أقصى الولايات الثلاث في الشمال وتقع في زاوية يحدها 
التقاء مجموعتين من الجبال: أولاهما مجموعة الامتداد الأرمني لجبال طوروس» 
وثانيهما سلسلة جبال زاغروس من الشمال الشرقي. وكل مجموعة تتألف من 
صفوف متوازية تقريباً من السلاسل أما (زاغروس) فتمتد من الجنوب الشرقي إلى 
الشمال العربي» وهذه المنطقة يرويها نهر دجلة وثلاثة روافد رئيسة تصب فيها من 
جهة اليسار. ودجلة ورافده الزاب الكبير ينبعان من (طوروس) ورافداه الآخران 
الزاب الصغير وسيروان ينبعان من (زاغروس). ويحد الولاية من الشمال الغربي» 
والشمال؛ والشمال الشرقي حدود دولية ثلاثة. فحدود سورية هي خط متعارف 
عليه يمر بالجزيرة (سهل ما بين النهرين كما يعرف عموماً) ما بين دجلة والفرات. 
وأما حدود تركيا فتمر خلال المنعرجات الجنوبية لجبال طوروس. وحدود إيران 
تتبع تقريباً قمم سلسلة جبال (زاغروس) الرئيسة. وأما حدودها مع ولاية بغداد 
السابقة وهي حدود إدارية» فتتألف من نهر سيروان”" في الجنوب الشرقي وجبل 
حمرين من الجنوب الغربي وهو جبل منخفض لا يزيد ارتفاعه من السهل عن 500 
قدمء ويكون موقعه بين سيروان ودجلة. وهو نهاية الاندفاع الخارجي لمجموعة 


(1) أما في تركيا فقد أنزل اسم الولاية ليطلق على ما كان يعرف قبلاً بالسنجق. وظل اسم الوالي. وفي 
مصر فالمدير (وهو الموظف الأعلى الإداري) يقوم مقام المتصرف في العراق تقريباً. (كان ذلك 
قبل صدور قانون المحافظات الجديد. والآن يقوم المحافظ مقام المتصرف - وبإضافة محافظتي 
دهوك والسماوة يصبح العراق 16 محافظة اليوم - المترجم). 

(2) ويترك هذا النهر منطقة ضيقة (قضاء خانقين) تمتد بين النهر والحدود الإيرانية وهي هنا خط 
متعارف عليه عبر محور الانحراف الطبقي الجيولوجي. 


34 


جبال (زاغروس) في هذه الجهة. ثم تمتد هذه الحدود الداخلية بخط مستقيم نحو 
الغرب خلال (الجزيرة) إلى أن تتصل بالحدود السورية. 


إن كرد العراق بوصفهم أمة زراعية متجانسة ذات خصائص قومية واحدة 
يتمركز معظمهم في ولاية الموصل» وكنت منقسمة إلى ثلاثة ألوية في عهد الترك» 
أضافوا إليها لواء رابعاً في العام 1918”. وتلك هي: لواء الموصل شمال الزاب 
الكبير ورافده (روكوجك) حتى الحدود التركية السورية ولواء أربيل بين لواء 
الموصل ومجرى الزاب الصغير ولواء كركوك ولواء السليمانية إلى جنوب الزاب 
الصغيرء وأما قضاء خانقين ومندلى المجاوران اللذان كانا من أعمال ولاية بغداد 
(وأغلبية سكانها أكراد) فهما الآن من أقضية لواء ديالى الذي تم تأليفه بعد العام 
8 . 


من الأمارات الكردية المستقلة التي ذكرت أنها حافظت على كيانها حتى 
منتصف القرن التاسع عشرء توجد في العراق الآن أراض ثلاث منها. وهي إمارة 
بهدينان التي كانت تشمل أقضية شمال لواء الموصل الحالي الجبلية الخمسة: 
زاخو ودهوك وعقرة وعمادية وزيبار أما إمارة (سوران) فهي تشمل لواء أربيل 
برمته تقريباً. وإمارة بابان تشمل كل لواء السليمانية وجزء من لواء كركوك. كان 
قضاء خانقين جزء من (يشالق) زهاب. وهو النخاع العظمي للنزاع الذي دام عدة 
قرون بين تركيا وإيران إلى أن قسم بينهما بمعاهدة تحديد الحدود للعام 1913 - 


(1) الألوية الأصلية كانت: الموصل» كركوكء السليمانية. وفي عام 1918 فصل من كركوك ثلاثة 
أقضية تقع شمال الزاب الصغير ليؤلف منها لواء رابع مستقل هو لواء أربيل. وإني أستخدم 
مصطلحي اللواء والقضاء حيئما أمكنني. وفي زمن الاحتلال البريطاني» كان الإقليم الذي يشرف 
عليه الحاكم السياسي يدعى منطقة )6نمادذ2 والجزء الذي يشرف عليه معاون الحاكم السياسي 
يدعى قسما 219158 (قد يضم أحياناً قضاءين تركيين). 

(2) في التداول الإنكليزي المتعارف عليه تلفظ (دهوك) بضم الدال. ويكون أقرب إلى اللغة الكردية إن 
لفظت دالها مكسورة. في العام 1944 قسم قضاء الزيبار بين لواءي الموصل وأربيل. 


35 


4. وكانت أمارة (سوران) متصلة دائماً اتصالاً مباشراً بأمارة مكرى (عاصمتها 
صاوج بلاق - مهاباد اليوم)» وأمارة بابان بأمارة أردلان (وعاصمتها «سنه)). 


إن توزيع اللهجات الكردية يتبع هذه التقسيمات السياسية اتباعاً قريباً من الدقة. 
ومن الناحية العملية فللمرء أن ينسب كل اللهجات إلى مجموعتين أصليتين: 
المجموعة الشمالية وتدخل فيها. لهجات البلاد التي تقع شمال وغرب خط يمتد 
من ساحل بحيرة أورمية الجنوبي حتى انحراف الزاب الكبير عندما يغير اتجاهه من 
الجنوب الشرقي إلى الجنوب الغربي ثم يواصل الجريان إلى مصبه في دجلة 
والخط الوهمي المذكور يلازمه. 


ويدخل في المجموعة الجنوبية تلك اللهجات الشائعة في الأراضي الكردية 
التي تتحصر بين الخط الذق وسمتاء ألا وبين تخدزه كردنعان الجتوبية على التبحو 
الذي شرحناه. هذا فضلاً عن أن كردستان الجنوبية تتضمن مجموعتين كبيرتين 
أيضاً وهي مجموعة (مكرى - سورانى) ومجموعة (سليمانى - سليمانى أردلان) 
على أنه لا يوجد حد فاصل واضح. وتختلط اللهجات وتتمازج وتتداخل كما 
تتداخل لهجة سليماني الجنوبي بلهجة كرمنشاه ولهجة (لكي) السائدة في شمال 
لرستان. 


وخلافاً لهذا التحديد الجغرافي توجد مجموعة أخرى من اللهجات الكردية 
هي مجموعة (زازا) في تركيا و(كوراني) في العراق وإيران (والأكراد أنفسهم 
يسمونها: ماجو ماجو). و(زازا) هي لغة التخاطب في أقصى الشمال الغربي ما بين 
ديار بكر وأرزنجان. والككوراني في العراق منتشر بين كاكائية طاووق وبعض قبائل 
(زه نكنه) قرب كفري و(باجلان)”'' قرب خانقين. وفي إيران حيث تنتشر قبائل 
هورامان على جانبي سلسلة زاغروس غرب (سنه) مختلطة بجيرانها الجنوبيين حتى 


(1) توجد مجموعة من القرى الباجلانية تبعد بضعة أميال شمال شرق الموصل وتستخدم اللهجة 
الكورانية حتى الآن. 


36 


طريق خانقين - كرمنشاه السلطانية» يتألف منهم اسفين (كوراني) اللهجة ما بين 
(السليمانى) و(أردلان). ويطبق الباحثون الأوروبيون على اعتبار الكوراني بعيداً عن 
اللغة الكردية» وأهله ليسوا كرداً. لكن هؤلاء أنفسهم يشعرون بكرديتهم من كل 
ناحية. ووجه الغرابة أن أثاراً أدبية ضخمة ألفت في (بوتان ومكرى) باللهجتين 
الشمالية ثم الجنوبية في حين نجد شعراء بلاط أمراء (أردلان) المتعاقبين على 
الحكم بالوراثة» فضلاً عن شعراء بلاط (بابان) في السليمانية الأقدمين» ينظمون 
قصائدهم باللهجة الكورانية» كما يتسخدمها للتعبير عن أفكار مصقولة أقرب إلى 
المدنية بدلاً من اللهجة الغليظة التي يستخدمونها في أحاديثهم العادية. 

ويطلق كرد الشمال عموماً اسم (كرمانجي) على لهجتهم. ويسمي كرد 
الجنوب لهجتهم (كردي) ويتخذ بعض الباحثين الأوربيين لفظ (كرمانجي) لوصف 
كلتا المجموعتين. وفي هذا فوائد عندما يكون قصدهم أن المتكلمين بالكوراني هم 
كرد. 

ولم يكن بعجيب أن يظل الأدب الكردي الأول قاصراً على الشعر والأساطير 
الشعبية (فلكلور) وأول نموذج معروف عن الصحافة الكردية في أزماننا كتب 
باللهجة البوتانية الشمالية» على شكل نشريات دورية (جريدة) تولى إصدارها 
أعضاء أسرة بدرخان أمراء البوتان وسموها (كردستان) وظهرت أعداد متباعدة 
الزمن من هذه الصحيفة ما بين عامي 1892 و1902 في مدن عديدة» منها القاهرة 
ولندنء وفي أمكنة لا تخطر بالبال ك(فلكستون)! 

وحقق النشاط الأدبي الكردي انطلاقاً جديداً أثر حركات الانقلابيين الترك 
(جون ترك) في سنة 1908» ثم طفر طفرة أخرى بعد الحرب الكونية الأولى إذ 
طبعت عدة مجلات دورية ومنتخبات شعرية وما أشبه باللهجات الشمالية والجنوبية 
في إستانبول نفسها. 

ومع أن (موكرى) التي هي أصل اللهجات الجنوبية» ظلت محتفظة بمكانتهاء 
فإن لهجة (سليماني) المطواعة النابضة بالحياة ثبتت جذورها الآن وتم الإجماع 


37 


على أنها التعبير الأدبي الأول لا في العراق وحده بل في الجهة الأخرى من 
الحدود الإيرانية. وربما عزي جانب من هذا التفوق اللغوي إلى الرعاية التي بسطها 
أمراء بابان على الأدب الكردي في النصف الأول من القرن التاسع عشر كما يعزى 
بعضه إلى إنشاء الأتراك مدرسة عسكرية في السليمانية الحديثة» يرسل خريجوها 
إلى كليتي الأركان والحربية في إستانبول» فوصلت مستوى من الثقافة لم يبلغ 
شأوه مجتمع كردي آخر. والأكثر من هذا أن اللغة الكردية اعتبرت سنة 21918 
ولأول مرة في السليمانية» لغة الإدارة الرسمية» وكان من أثر ذلك صيرورة 
السليمانية مصدراً لتخريج عدد كبير من موظفي الأقاليم الكردية فيما بعد. 

ومنذ العام 8 (وبصورة أخص منذ 1925) بدأت مطابع السليمانية وأربيل 
ورواندوز فضلاً عن مطابع بغداد تصدر صحفاً ومجلات أسبوعية وشهرية مستمرة» 
بأعداد كبيرة جدأً. وطبعت أيضاً دواوين شعرية قديمها وحديثهاء وكتب تأريخية 
ودينية وسياسية. والآن يوجد عده من الشعراء المعاصرين المفلقين هم ذوي 
مواهب شعرية حقة» ينظمون قصائدهم بلغة كردية فصيحة جد نقية؛ عاطلة عن 
الدخيل العربي أو الفارسي. والمرء لينتشي حقا وتشيع البهجة في نفسه عندما ينشد 
ما ينظمونه. وفي فترة الحرب الكونية الثانية وبعدهاء أخذت المطبوعات غير 
الدورية تختفي بسبب شح المواد الورقية» وقد سد هذا النقص بإيداع شؤون 
الدعاية الحربية لقضية الحلفاء أيدي مثقفين حقيقيين نجحوا إلى حد مدهش في 
ضمان تطور لغوي منتظم» والنهوض بلسانهم إلى مستوى متطلبات العصر 
اعدو 


في كردستان يقوم حد فاصل بين أولئك القرويين الذين يدعون نسباً قبلياً وبين 
أولئك الذين لا نسب لهم. وفي الموصل وأربيل يطلق اسم (كرمانج) على 


(1) انظر مقال: (الأصل التاريخي للسان الكردي الجنوبي: 1920 - 1936) و(الأصل التاريخ للسان 
الكردي الجنوبى : 1937 - 1944) نشرا فى مجلة الجمعية الآسيوية الملكية. مجلد 24 سنة 21937 
ص 4487؟ ومجلد 32 سنة 5 ؛» ص185. 


38 


القرويين الذين لا ينحدرون من أصل قبلي. وأما في كركوك والسليمانية فيطلق 
عليهم اسم (مسكين «عوة38)”" وفي أنحاء من السليمانية يسمون أيضاً (بالكوران). 
ويكاد (المسكين) يكون قناً لمالك القرية. ويفترض في هؤلاء أن يسكتوا سكوتاً 
مطبقاً على كل أذى يلحقه بهم رجال القبائل. ويطلق على القرويين المنحدرين من 
أصل قبلي اسم (كرد) ليميزوا عن أضدادهم (المسكين). وأذكر مرة أني بت ليلة 
في قرية الزاب الصغير تدعى (كوليسه)؛ وقيل لي عن سكانها إنهم رجال ذوو 
بأس وعنعنات» وقد وجدتهم يمتازون عن غيرهم» فهم في الواقع (كرمانج) 
شجعان إلى أقصى حدود الشجاعة» على استعداد للدفاع عن أنفسهم ضد كل 
عدوان. 


وهذا كله يشير على ما أرى إلى أن الإقليم كان يسكنه كرد كورانيون متقدمون 
عن غيرهم اجتماعيا منذ زمن ليس بسحيق» ثم اجتاحته موجات من الكرد البدو 
الغلاظ» واستقروا بين السكان الأصليين وفرضوا سلطانهم ولغتهم عليهم (كما 
فرض الهندو آريون والإيرانيون أنفسهم على شعوب بدائية أخرى قبل عدة قرون) 
ولم ينس تقاليد السيطرة والخضوع نسياناً تامء لا أنسال الغالبين ولا أحفاد 
المخلونية 7 


ولأسباب .عملية لا يملك المرء نفسه من المَول إن المجتمع الكردي خارج 


(1) إلا إذا كان مقتضى السياق خلاف هذا. فكلمة (مسكين) مناسبة لتسمية هذه الطبقة الاجتماعية» ما 
دامت كلمتا (كرمانج وكوران) تتضمنان معاني أخرى متناقضة وتستخدم لفظة (كرمانج) كما رأينا 
للتفريق .بين اللهجات المنبثئقة من المجموعتين الأصليتين عن اللهجة الكورانية. وكلمة (كوران) 
أيضاً تطلق على مجموعة قبائل في إيران. كما يستخدمها رجا لقبائل (البلباس) للإشارة إلى 
(اللص). وليس في أي من استعمالات اللفظة الثلاثة» ما يدعو إلى الافتراض بيأن الشخص 
المقصود بأحدها يتكلم الكورانية حتماً. 

(2) مينورسكي: (الكوران) مقال منشور في مجلة مدرسة الأبحاث الأفريقية» لجامعة لندن» مجلد 
1 ص 1ء 1943؛: ص84. يقول إن الكوران أنفسهم حلوا محل أكراد شهرزور أو أقحموا أنفسهم 
بينهم في حدود النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. 


39 


المدن هو مجتمع قبلي أصلاً وفصلاً. فالقبيلة مقسمة إلى بطونء والبطون إلى 
أفخاذ» وأحياناً تدّعي قبيلة كاملة انحدارها من خط» رجل واحد هو جدها الأعلى 
والأوحد. وأحياناً يقصر هذا الادعاء على بطن أو فخذء وينزل أحياناً لينحصر في 
الأسرة التي تحكم القبيلة. ويغلب على القبيلة صفة الوحدة السياسية أو الجغرافية. 
ويبدو النظام القبلي بأبسط مظاهره عن الرحل النازحين دائماًء أولئك الذين 
يسكنون طوال السنة في خيم من نسيج شعر الماعزء يرحلون بقطعانهم وفقاً 
للفصول - متنقلين بين سهول العراق وبين مناطق الجبال في تركيا وإيران. 
ومنظرهم والحق يقال منظر مهيب رائع في مسيرتهمء يسوقون أمامهم آلافاً 
وربوات من الأغنام والماعزء وحميرهم مثقلة بخيمهم وقدورهم وأكياس قمحهم 
وأثاث بيوتهم مع مواشيهم ونسائهم. هناك أناس منهم بلغوا أراذل العمرء كرروا 
هذه الرحلة أكثر من مائة وخمسين مرة بمعدل مرتين في العام الواحدء وهناك نساء 
في مقتبل العمر ضاحكات السن مليئات بحيوية الشباب بينهن من تحمل البندقية. 
وترى الأطفال الرضع يخرجون رؤوسهم من الجوالق فوق سروج البغال يشاطرهم 
مجلسهم المريح. الحملان المولودة في الطريق. كلهم في حركة دائبة يقطعون 
الشعاب ويعبرون الخوانق الجبلية والمسالك الوعرة في رتل ما له نهاية. على أن 
معظم القبائل الكردية راحت تستقر في القرى وتمارس الزراعة. 


وبدأ النظام القبلي ينهار في كثير من الأنحاء» بسبب ازدياد السيطرة الحكومية 
المباشرة ومع هذا فمن المفيد أن نتقدم بنموذج وصفي عام للنظام القبلي كما كان 
مطبقاً أو كما وجب أن يكون نظرياًء تقوم على رأس كل قبيلة أسرة حاكمة يلقب 
أعضاؤها الذكور بلقب (آغا) أو (بكك) يلي الاسم مباشرة وقد يوجد (آغا) أكبرء أو 
اثنان أو أكثرء تخضع له أو لهم عدة بطون أو أفخاذ من القبيلة» ويمكن أن يوجد 
أيضاً في كل قرية من قرى القبيلة» عضو صغير الشأن من الأسرة الحاكمة. هو 
بمثابة آغا أو مختار لها. والآغا هو أشبه (بالبارون الإقطاعي) الأوروبي لا عمل 
لهء وإنما يعيش على الإتاوات والهدايا وهي تختلف باختلاف مجتمعات البلاد 
الكردية. 


والقاعدة العامة هي أن يدفع كل فلاح عشر غلته» وكل صاحب قطيع يدفع 
حيواناً بمثابة ضريبة تسمى (كودا) تفرض على أساس عدهد رؤوس القطيع وتجبي 
الحكومة هذه الضريبة رأساً إذا كان نفوذها قوياً في تلك الناحية. أما إذا كانت 
سيطرتها مفقودة فيقوم الآغا مقام الحكومة بجباية العشر والكودا ويحتفظ بها 
لنفسه. وفي عهد الأتراك حين كانت الحكومة المركزية القائمة لا تمارس سيطرة 
محلية قوية» لا ترى الإدارة مندوحة من قبول مبلغ تقديري عام من الأغا يقل 
بكثير عن ضريبة العشر والكودا. ويقوم الآغا بدوره بجباية الإتاوة من الأهالي كاملة 
ويحتفظ لنفسه بالفرق. وفي أكثر الأحيان تجد ادعاء الآغا بملكية قطعة أرض ماء 
لا يستند عند التأمل فيه إلى أكثر من كونه فلاحاً لقطعة الأرض هذه منذ القديم» 
يدفع عنها الضريبة باستمرار. على أن الآغا يدعي بأتاوات أخرى. فهو مضطر مثلاً 
إلى أن ينشئ في قريته دار ضيافة لإقراء الضيوف والمسافرين مما يقتضي مصاريف 
بطبيعة الحال. ولذلك يشعر بأن من حقه فرض غراناك عو يعض المقالفاتة 
وأن يطلب من كل أهل القرية القيام بخدمة مفيدة له دون أجر. وتزداد هذه 
الخدمات لتبلغ حد الإرهاق. في القرى التي يتألف أهاليها من طبقة (المسكين) 
وآغاها ينتمي إلى أسرة من (الكردي). 


ولبعض الآغوات من بعد النظر ما يجعلهم يبتاعون الأراضي بطرق قانونية 
صحيحة. فمن يملك الأرض منهم له الحق في بدل إيجارها فضلاً عن العشر 
ولكن إذا لم يتجه هذا الاتجاه وإذا اشتدت سيطرة الحكومة» يميل القرويون إلى 
عدم دفع الأتاوة. فإذا بالآغا يصبح مشكلة اجتماعية خطيرة» لأنه يريد اقتناء الجياد 
الثمينة وحيازة بندقية ومسدس وكثير من العتاد وثياب أنيقة» فضلاً عن نفيس 
الطعام. وكل هذا يتطلب مالأء وهو خالي الوفاض لا يملك ما يظهر به كرمه 
المضياف الذي تحتمه تقاليده وشرف محتده. 


والمرأة فى القرية الكردية لا تقل أعباؤها ثقلاً عن أعباء جاراتها فى الشرق 
الأوسط. إذ يطلب منهن أداء أشق الأعمال وفي مقدمتها حمل قرب الماء المثلوج 


41 


على مناكبهن وهو ينضح على أجسامهن - من نبع القرية إلى البيت في الصباح 
الباكر ولم يشاهد رجل كردي يقوم بهذا العمل. ولا يندر أن يقوم بين الأسر 
الحاكمة نساء ذوات عقول راجحة وإرادات قوية فيبرزن ويلعبن أدواراً هامة في 
حياة القبيلة. وربما كان أشهرهن قاطبة «السيدة عادلة» في حلبجة. إن لديّ الكثير 
من الحديث عنها وعن أمثالها في منطقة السليمانية وسآني إليه في الفصول التالية. 
ولا يفوتني أن أنوه بسيدة أخرى تدعى (فاطمة خانم) بالقرب من رواندوز يعرفها 
الضباط السياسيون في المنطقة معرفة جيدة لأنها كانت بعد وفاة زوجها تدير شؤون 
ثماني قرى» وتقوم بكل أعمال تجارية متصورة» مع السلطات الحكومية بنفسهاء 
حتى دأب القرويون على اختيارها (للتصويت!) عنهم في الانتخابات النيابية مع أن 
القانون يمنع تصويت النساء بدرجتيه الأولى والثانية. لا شك في أن قوى هائلة 
تكمن في تكوين المرأة الكردية العادية. فمن الأيام الأولى لممارستنا الإدارة هناك» 
كنا نجابه بمطلب ملح عام مستمر لفتح مدارس للإناث لا في المدن وحدها بل 
في القرى أيضاًء وكان من الأمور المألوفة الاعتيادية (حتى في بلدة كوي) ألا يرى 
الأبوان المستنيران أية حراجة في إرسال بناتهن إلى المدارس المختلطة وجلوسهن 
مع الصبيان على مصطبة واحدة وهن في سن الثانية عشرة أو الثالئة عشرة 
المتقدمة! 

إن حق المرأة بالمساواة مع الرجل» كان منذ زمن بعيد الموضوع المحبب 
للمقالات التي تنشرها الصحف الكردية والمطبوعات الدورية الأخرى. ولقد تأخر 
تطبيق مشروع التعليم العام في المناطق الكردية العراقية بسبب الاضطرابات 
السياسية والظروف غير الطبيعية. والآن يخرج من المدارس جيل من الفتيات 
الكرديات المثقفات التقدميات» لم يتأخرن عن التعويض عما فقدنه من الزمن» 
وإن صلحت شخصيات أمهاتهن وجداتهن - مثلاً ودليلاً لهن فلا شك أنهن 
سيلعبن دوراً هاماً في حياة بلادهن. 


42 


- 2 - 
جغرافية جنوب كُردستان 


سآخذ القارئ في سياق حديثي التالي - إلى رحلات قصيرة في أربيل 
والموصل مع أني لم أكن قد عينت في أحد هذين اللواءين بوظيفة ثابتة إدارية. 
والوصف التمهيدي الذي سأقدمه لجغرافية جنوب كردستان سيكون قاصراً على 
لواءي كركوك والسليمانية حيث تقع مسؤوليتي المباشرة» وفيهما وقعت معظم 


أحداث هذا الكتاب”2". 


قد يمكن استخدام مسافات من دجلة وروافده بأجزائها الأخيرة» للنقل 
المائي» وهناك المشروع الألماني لسكة الحديد على طول مجرى دجلة؛ مع هذا 
فإن شريان التجارة والمواصلات الأساسي بين مدينتي بغداد والموصل ظل إلى 
زمن كتابتي هذه - الطريق السلطانية التأريخية المعلمة بخط المدن التركمانية التي 
لازمته من الجانبين. والأرض التي تمتد إلى الجنوب الغربي من هذا الطريق حتى 
جبل حمرين» هي أرض مستوية هينة قليلة الكثبان. أما الأرض التي تمتد في 


(1) أرجأت وصف منطقة رانية الواقعة شمال الزاب الصغيرء إلى الفصل الخامس عشر. لقد امتازت 
التغيرات في الشرق الأوسط منذ 1919 بالسرعة الشديدة» حتى إني كثيراً ما شعرت بصعوبة في 
المفاضلة بين استعمالي صيغة الماضي أو المضارع أثناء كتابتي. على أني لم أحاول مسايرة 
التغيرات منذ عام 1945 وهو عام مغادرتي العراق إلى غير عودة. 
وإني لأرجو أن يغض القارئ النظر عن الثغرات التي قد يحدثها استعمال الصيغ الزمنية غير 
المناسبة. 


43 


الجانب الآخر فتبدأ بالارتفاع فجأة لتتألف منها آكام جبلية متقاربة لا شكل لها ولا 
عددء تبدو كالتيه حين تقطعها مجاري مياه تفوق الحصر وهي ترتفع هنا وتنخفض 
هناك مثل أمواج متلاطمة في بحر هائج. وتتعالى هنا وهناك لتبلغ شأواً بعيداً ثم 
تعود لتتطامن أمام موج سلسلة جبال (قره داغ) القاتمة. إن المد الجيولوجي لسائر 
المنطقة يتجه دائماً إلى نقطة تبدأ من الجنوب الشرقي وتصعد نحو الشمال الغربي. 
وهو أيضاً واضح للعين حتى في هذه الأرض المتعادية المكونة من طبقات جبسية 
وصلصالية وجيرية وصخرية ولا سيما في المرتفعات» أمثال أج داغ (وهو هضبة 
من الجير الأيوسيني طولها حوالي خمسة وعشرين ميلا وأعلى ارتفاع فيها يبلغ 
0 قدم) (وسه نككاو)ء و(خالخالان) في (شوان) بالقرب من الزاب”. ويغلب 
اللون الأسمر الباهت أو الطيني الكثئيب على هذه المناطق في الصيف والخريف» 
ولكن ما أن يأتي الربيع حتى يكسو سطحها عشب أثيث كثيف وتفغم بأنواع من 
الزهر البري لا يمكن إحصاؤها وعدّها. وشكلها المتعادي يؤمن خبايا وجيوباً واقية 
ليس أبدع منها لضرب الخيام السود المصنوعة من شعر الماعز. ولا يقتصر سكناها 
على الكرد الرحل بل يتعداه إلى القرويين الحديثي الاستقرار الذين تعودوا ترك 
قراهم واللجوء إليها تخلصاً من الذباب في هذا الفصل من السنة. 

إن قره داغ (جبل صخري آيوسيني يتراوح ارتفاعه بين 4500 و6150 قدماً) هو 
الحد الفاصل الجغرافي بين نوعين مختلفين من الأرض. وكذلك يقوم بمثابة حاجز 
ذي أهمية استراتيجية ولا شك - في كل الأزمان. ويبلغ طول المسافة من 
(سيروان) إلى الزاب على هذا الخط - حوالي ثمانين ميلا ويمكن قطع هذه 
المسافة بثلاث شعب جبلية مشهورة (خلافا لطرق الرجالة المبتدئة من كل طرف 
وعلى محاذاة النهرين) هذه الشعب هي: به يكولى. (ارتفاعه 3700 قدم) وهو يبعد 
عن سيروان بحوالي 5 أميال» وسه كرمه (ارتفاعه 5000 قدم) ويبعد بحوالي 24 
ميلا من (به يكولى). ويقع على طريق القوافل الرئيسة من بغداد إلى السليمانية إلى 


(1) من الآن فصاعداًء كلما ذكر اسم الزاب وحيداً فالمقصود به (الزاب الصغير).. 


44 


تبريز و(ده ربه ندى بازيان)” (ارتفاعه 3000 قدم) ويبعد عن (سه كرمه) مقدار 37 
ميلا. وينقطع هذا الحاجز المستقيم الذي تضاءل وصغر الآن» في نقطة تبعد 
حوالي 10 أميال من الزاب. ويرى بدلاً عنه جبلان محدودبان متوازيان ارتفاعهما 
قليل وهما قيرينا (أعلى نقطة فيه تبلغ 2800 قدم) وخاخري (أعلى نقطة فيه تبلغ 
0 قدماً) تراهما يميلان منحدرين إلى النهر شرق (طقطق)» وهذه مرحلة من 
مراحل الطريق بين كركوك وكوي. 

ويرى فيما يلي قره داغ أربع سلاسل رئيسة متوازية محاورها كلها تميل من 
الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي. ولنذكر هنا أن أسماء الجبال في كرستان 
تختلف من منطقة إلى منطقة (كثيراً ما تستعير أسماء قمم شهيرة أو ممر جبلي» أو 
مزار أحد الأولياء» أو قرية صغيرة على سفوحها) وتتغير أيضاً وفقاً للوجه الجبلي 
الذي يعيش فيه المتكلم أو يتفق أن يكون واقفاً فيه ولأجل تقديم وصف عام 
رانان - بنزرد (ما بين 4500 و5300 قدم)» ئه زمر - قه ره سه رد (مأ بين 4900 
و5600 قدم). كوره كازاو - كوجار - كوركور - تاسوس (عدد كبير من القمم 
يتراوح ارتفاعه ما بين 6000 و8000 قدم) وأما رابعتها فهي السلسلة العظمىء. 
سلسلة زاغروس بالذات» وأعلى جبل فيها هو بيره مكرون وارتفاعه 9700 قدم!©. 


(1) في اللغة الكردية: كلمة دربند تعن بصورة عامة خائقاً بين هضبتين أو سلسلتين من جبال تمبيزاً لها 
عن الشعب (كرود) الذي يعلو الواديء أو المضيق الطويل أو كه لى (قارن بينها وبين الكلمة 
الإتكليزية نزإه1آن0). 

(2) إن اسم قره داغ (تركية ومعناها الجبل الأسود) صحيح حين يطلق على أول سبعين ميلاً من ابتدائه. 
لكنه يعرف بأسماء أخرى مثل بايكولى. سه كرمه - هنديرة (قرية). ويعرف فيما يلي دوريندي بازيان 
باسم (قيناسي). 

(3) في الحوليات (سالنامه) التركية القديمة عرف هذا الجبل باسم (بير عمر كوردون) إلا أن الكردي 
العادي يستخدم دائماً الاسم المثبت في المتن وقد اشتقوه من عبارة (بيرما كورون ومعناه شيخنا 
الديني كورون). وقد استخدمت أيضاً الاصطلاح المفيد: السلسلة العظمى علههكتهقص عمنهطه 
للدلالة على سلسلة زاغروس الرئيسة مقتبساً إياه من محاضر لجنة الحدود (1913 - 1914). 


45 


وهي كتلة شماء قائمة بذاتها من الجير الكريتاسيوسي 56ه:ةعصنا كنامعدماء0 الأكثر 
قدماً إلى الشمال الغربي من السليمانية منفصلة عن (ئه زمر - قره سه رد) الذي 
يشابهه تكويناًء ولكنها قريبة منه. ويختفي (كوره كازو) لكن بعد أن يمد أجنحة 
تتلاقى بعضها ببعض» كما تلتقي أيضاً بأجنحة أخرى متفرعة من سلسلة زاغروس 
العظمى التي تدعى هنا بجبال (هه ورامان - هورمان) وأعلى قمة فيها تبلغ 9800 
قدم. وتشكل مجتمعاً مائياً عظيماً بين حوضي سيروان والزاب. وبنتيجة اختفاء 
هاتين السلسلتين يتسع الوادي الذي تقع فيه مدينة السليمانية وهو بين جبلي (ثه 
زمر وبه رانان) من الجهة الجنوبية الغربية إلى سهل شهرزور الرحيب» ليحذه من 
الجنوب الغربي (به رانان) كالسابق» ويعلوه من الشمال الشرقي جدار (هه ورامان) 
المهيب الذي يرتفع عن مستوى السهل تحته 6500 قدم إلى مسافة أربعة أميال 
مستمرة من نقطة شرق خورمال حيث القمة ما تزال أقل ارتفاعاً من أعلى قمة فيه 


بمقدار 1400 قدم. 


إن اتجاه المياه فيما وراء قره داغ» إما ينصرف إلى نهر سيروان وإما إلى الزاب 
وكلاهما من روافد دجلة. خلا أن (ته ينال) الذي يروي القسم الأوسط من الوادي 
الأول يخترق خانقاً ضيقاً هو (ده ربه ندى باسه ره - دربند باسره) ويجري خلال 
جداره الجنوبي ثم يندفع جنوباً نحو السهول مارأ بطاووق (حيث يسمى طاووق 
جاي) وبعدها يصب فيه جعفران صغيران ينبعان من سفوح جبال المنطقة أولهما 
(خاصة جاى - خاسه) الذي يمر بمدينة كركوك من الغرب» وثانيهما (ثاوه سبى - 
آوسبى) الذي يمر بطوز خورماتو من الشرق. وهذه المياه الثلاثة المجتمعة (تسمى 
الآن بنهر العظيم) تجري خلال (حمرين) لتصب في دجلة شمال بغداد بمسافة 


ونهرا سيروان والزاب لهما بعض أهمية اقتصادية. والفرع الرئيس من سيروان 
يصدر من الشرق بعيداً» عند خانق (أسد آباد) الواقع على طريق كرمنشاه - همدان 
ثم يخترق الجبال بكثير من الالتواء والتعرج. ثم يشق طريقاً له في السلسلة العظمى 


46 


ما بين (هه ورامان) والقسم الثاني في الجنوب الشرقي المسمى شاهو (أعلى قمة 
فيه تبلغ 10757 قدماً)”'" وإلى جنوب حلبجة بحوالي 20 ميلاً يكون خطه المتوسط 
جزء من الحدود الدولية. وما يكاد يدخل العراق حتى يصب فيه (تانجه رو - 
تانجرو - نهر التاج) قادماً من وادي السليمانية وشهرزور. وبعده يدخل جبال (به 
رانان) وامتداد (خوجسك) إلى الجنوب الشرقي. ثم ينحرف إلى الجنوب الغربي 
ليكون حدوداً إدارية بين السليمانية وكركوك من ضفته اليمنى» وبين خانقين من 
ضفته اليسرى. وينقل مجراه الخشب بأطواف من كردستان. ويروي ما بعد جبل 
حمرين (حيث يسمى نهر ديالي) أراضي شاسعة بإعطاء مياهه أقنية ري ذات نظام 
دقيق ويصب في دجلة على بعد 18 ميلا جنوب بغداد. 


والزاب أيضاً يصدر من إيران. ومنابعه هي سفوح زاغروس الشرقية جنوب 
بحيرة أورمية» ويجري زهاء ثمانين ميلاً بمحاذاة الجبال. ويسمى أولاً (لادويين) 
ثم ينقلب إلى جمى كه لوي*. وينحرف فجأة نحو الشمال الشرقي ويشق له طريقاً 
ملتوياً أقعوانياً خلال سلسلة جبال الحدود ويدخل العراق بالقرب من (قه لادزه - 
قلعة دزه) ومن ثم يخترق (ده ربه ندى ره مكان > دريندى رمكان) داخل جبل 
(كوركور - تاسوس) وامتداد جبال (كيوه ره ش) ثم ينحرف نحو الجنوب ويدخل 
(قه ره سه رد) وامتداده (كوسرت) قرب (دوكان) وبدخوله أراضي منحدرة ينحرف 
غرباً ثم ينعطف نحو الجنوب الغربي ويترك (آلتون كوبرى) المدينة الجزيرة» 
ليصب في دجلة فوق نقطة (الفتحة) بعشرين ميلا تقريباً (الفتحة هو الموضع الذي 
فيه يفتح دجلة طريقاً له في جبل حمرين إلى شمال بغداد بمسافة 200 ميل). هذا 
وإن حوض الزاب الأسفل كان في وقت ما أيضاً يغذي نظام ري قديم غرب 
كركوك تم إحياء قسم منه مؤخراً. ولقد كان الزاب دوماً شرياناً حيوياً للنقل 
والمواصلات؛ لا لأطواف أفلاق الخشب وحدها بل الأكلاك أيضاًء وهي أطواف 


(1) يطلق الكرد أحياناً هذا الاسم على كل السلسلة. 
22( والأصح أن يقال (كالو): أما كلمة (كله لوي) فهي صيغة مصحفة. 


47 


مشدودة بقرب منفوخة تنقل الحبوب وغيرها من محصولات البلاد الشمالية 
بأرخص ما يمكن. 

تقع مدينة السليمانية على بعد (77)ميلاً شرق كركوك فوق هضبة يبلغ ارتفاعها 
(2750) قدماً. وفي العام 1919 كان الوصول إليها يتم بطريق واحدة فقط صالحة 
لسير العجلات تمتد من كركوك في أرض متعادية حتى جمجال وبعدها تخترق قره 
داغ في (دربندى بازيان) وتصعد جبل (به رانان) من شعب (طاسلوجة) إلى حوض 
(تانجه رو - تانجرو). وفي المواسم الجافة تتمكن السيارات من العبور إذا كانت 
مزودة بمعدات جيدة مثل سيارة الفورد التي هي من طراز (تن ليزي #36دنآ هذ1) 
فتقطع الطريق إلى الوادي وبعدها تقطع (45) ميلا أخرى منه عبر شهرزور لتبلغ 
حلبجة. وتوجد مسالك للحيوانات هامة كالطريق التي تصل خانقين بكفري مارة 
(بإبراهيم خانجي) وهي أرض وعرة. ثم تصعد قره داغ وبه رنان وتخترقهما 
بممري (سه كرمه وكله زه رده) ثم إلى السليمانية. وبعض القوافل نتجر مع إيران 
عن طريق حلبجة وبينجوين أو عن طريق (ماو هت). ويوجد إلى الشمال» طريق 
قافلة مطروق كثيراًء يصل كوي بكل من رانية وقه لا دزه ؤسه رده ست 
الا 

في هذين اللواءين تنقلب الأحوال الجوية والمناخية تقلباً عظيماً ولا غروء 
بحسب الوصف الأرضي. ففي الجنوب تقارب حرارة الصيف المحرقة» درجة 
حرارة بغداد حتى في الوديان الجبلية قد تبلغ درجة الحرارة حداً يضيق بها المرء 
ذرعاً في مرتفعات لا تزيد عن 5000 قدم. وتظل الثلوج تغطي معظم الجبال ثلاثة 


(1) بعد العام 1919 مهدت الطريق الرئيسة من كركوك إلى حلبجة وزفتت وأنشئت طريق تصلح على 
مدار السنة تبتدئ من السليمانية متجهة نحو الشمال الغربي حتى (دوكان) على الزاب. ويقطع النهر 
فوق عبارات ثلاثة متنالية إلى قه لادزة. هذه الطريق وغيرها من التطورات التدريجية؛: يضاف إليها 
مد السكة الحديد حتى كفري ثم إلى كركوك ثم إلى أربيل قد جعلت باب الاختيار مفتوحاً أمام 
المسافر من حين إلى حين طبعاً. إلا أن التركيز العام التجاري ظل على الطرق المنتهية بيغداد أو 
المبتدئة بها. 


48 


أشهر من السنة ولا يذوب في سفوح الجبال التي تبقى في الظل على مدار السنة. 
وأما موسم الأمطار سواء في الجبال أو السهول فيبدأ من تشرين الثاني ويستمر 
حتى نيسان. وليس من النادر أن تسقط زخات مطرية رعدية وراء قره داغ في عز 
الصيف. والمياه غزيرة في المنطقة عموماء وهي مياه الينابيع والنهيرات الجبلية. 
وقد تنقطع الطرق والمواصلات غب مطر شديد أو فيضان بعد زخات مطر قوية أو 
تتساقط الثلوج. ولما كانت السيطرة المائية مفقودة فإن بعض السهول كسهل 
شهرزور وبيتوين تمتلئ بالمستنقعات وتعشعش فيها الملاريا لتغدو وباء. وأما عن 
الربيع فهو كما ذكرت. فصل رائع آخاذ في أية بقعة. وأما الخريف فهو بعكسه 
تماماً. والسبب في هذا أن الصيف هنا (وهو أقصر في جنوب العراق) يموت ببطء 
شديد ويخلف الريف أجرد أقرع أغبر إلى أن يسقط الوسمى. ويستثنى من هذه 
الأرض القريبة من الماء» والمرتفعات الشاهقة» ويكاد أول المطر لا يكون متوقعاً 
ولو بكميات قليلة حتى أواسط تشرين الأول. وقد يتأخر إلى نهاية تشرين الثاني» 
أو إلى كانون الأول. ومناخ السليمانية معتدل (ربما خلافاً للقاعدة) بينما هي تحتل 
موضعاً وسطاً سواء في ارتفاعها أو في موقعها. وأنا لا أملك إحصاءات كاملة 
بتقلبات الجوء لكني اكتشفت قصاصة دونت فيها ملاحظات جوية هناك في سنة 
0ه ورد فيها أن سقوط الأمطار بلغ 32,8 أنشاً في العام ودرجة الحرارة 
المنخفضة إلى حد الانجماد في أيام قليلة من شهر شباط»ء أما أقصى درجة بلغتها 
في الصيف فلم تصل حتى إلى 100 درجة فهرنهايت (38 مئوية تقريباً). 


واقتصاديات المنطقة تعتمد أساساً على الزراعة والرعي» والغلة الشتوية الرئيسة 
هي القمح والشعير. ويمكن تصدير فائض صغير منهما في سنوات الخير ويصر 
القرويون في الصيف على زراعة الرز حيث يكثر الماء» لاستهلاكهم المحلي مع 
عدم تشجيع الحكومة؛ لأن زراعته تؤثر تأثيراً كبيراً على الصحة يسبب الملاريا 
التي يتكاثر بعوضها حملة مكروبه في مستنقعات الرز. والتبغ هو أهم محصول 
. زراعي ذي قيمة تجارية وينتجون منه سنوياً مقدار ثلاثة آلاف طن. وأما المحصول 


49 


الأقل شأناً فهو العدس والدخن والذرة. والقبائل الرحالة تملك الكثير من قطعان 
الضأن والماعز» ومن المنتوجات المحلية الأخرى الصوف وصمغ الكثيراء (كه 
ثيره) طاهدء2ع2ء) مدع والزبيب والجوز والعفص وثمة تجارة مرور (ترائزيت) 
محدودة مع إيران يتم عن طريقها دخول السجاد والسماورات والفخاريات 
(الصيني) والأصباغ فضلاً عن المنتوج المحلي الذي سبق وصفه. وبغداد تكاد 
تكون السوق الوحيدة لهذه البضائع والمنتوجات كلها ولم يطرأ التقدم الكبير في 
صناعة النفط (مركزها كركوك) إلا بعد عدة سنوات من الفترة التي أكتب الآن 
عنها. 


والمنطقة كلها غنية بذكريات وعلاقات الدول الغابرة التي نوهت بها عرضاً في 
الفصل السالف. كما تضم الآثار الطائلة عن الشعوب البدائية التي سيطرت عليها 
تلكم الدول أو تشربتها. ومن المواقع الكثيرة التي اهتدى علماء الآثار إلى هوياتهاء 
مدينة كركوك الحالية» فقد ثبت أنها مدينة (أرابها - #طمدصة) التي ازدهرت في 
الألف الثانية ق.م. وعلم أن منطقة السليمانية إنما هي إقليم (زاموا تندسده) الذي 
ورد ذكره في المآثر الاشسورية وعلم أن (بيره مه ككروون)». هو جبل (:21151 
نيسير) إذ ورد في ملحمة كلكامش البابلية الشهيرة إن فلك البطل كلكامش قد 
أرسى عليه بعد الطوفان. وتبين أن ده ربندي بازيان ما هو إلا شعب (بابيتي غانط82) 
الذي اجتازه آشور ناصربال في غضون حملاته العديدة على (زاموا) وعلى منطقة 
قره داغ التي كان يقطنها شعب «اللولو نانننة) أولئك الذين أخضعهم (نرام سن 
لاكدى) وأن جبل (كه لاز) هو (كولارا - هداهم©) (إن صح ذلك فبقاء الاسم إلى 
يومنا هذا أمر يلفت النظر) الذي يسمى به جزء من سلسلة (كوركور - تاسوس) 
ويقع في منعطف الزاب الحاد بالقرب من (دره بندى ره مكان). وأما قرية خورمال 
التي تبعد ثمانية أميال إلى الشمال الشرقي من حلبجة فهي تتنازع الموقع مع تل 
(ياسين تبه) الكبير على (تانجه رو) جنوب شرقي السليمانية بمسافة 18 ميلا يكون 
أحدهما موقع المدينة الساسانية (نيم راه - مديئة نصف الطريق) بين قطيسفون 


30 


وبين بيت النار المشهور المسمى (شيز) في أذربيجان. كما ثبت أن شهرزور هي 
عاصمة الدولة الكردية التي ازدهرت في القرون الوسيطة والمعروفة بهذا الاسم 
نفسه”' ويرى في أرجاء السهول والوديان تلول مصطفة لا تحصى تنتظر معول 
المنقبين» ليكشف أسرارها ودفائنها. وسأجد لي فرصة من السياق لأصف بعض 
المنحوتات الصخرية والآثار التاريخية ذات الأهمية الكبيرة. 


كانت أوساط سني القرن التاسع عشر عصر الاستكشاف الذهبي في الشرق 
الأوسط. ومعظم عمالقة المستكشفين في تلكم الأيام كانوا من الإنكليز. ويوجد 
صنف معين من الرحالة شائع جداً في أيامنا هذه ما أن يجد أحدهم نفسه وقد 
ابتعد بمسافة شاسعة عن طريق رحلته المعين إلا ويرفع عقيرته صائحاً بأنه أول 
هى سخيفة رحلته» وكم هي باطلة ادعاءاته. ويصاب المرء بالدهشة حين يتبين 
مدى المجاهل والمواقع البعيدة التي نفذت إليها طلائع روادنا المغامرين في أحوال 
فذة» غرقوا حتى الأذقان في علوم الأوائل وتاريخ الغابرين: حتى بدا وكأن 
أدمغتهم الناشطة - وهم ينقلون عصا الترحال - تكاد تنشق يما اكتظت من المسائل 
الجغرافية التي بحثها كتاب اليونان واللاتين الأقدمون. وكانت مدوناتهم مصدر لذة 
لا ينضب معينها وأنا شخصياً كنت أشعر بسعادة وفرح غامر كلما رأيتني أتعقب في 
رحلاتي». تلك الطرق التي سلكها (ريج ولايارد و. ولنسن) يفوقان ما أشعر به 
حين أجدني في بقعة لم يطأها من قبل أي رحالة أوروبي. وإلى العام 1914؛ ومع 
كثرة عدد الزائرين البريطانيين والأجانب لأنحاء كردستان التي هي الآن في تركيا 
0010 عن النسميات القديمة؛ انظر بصورة خاصة : (س. أ. سبايسر 61565م5.4.5) «كردستان الجنوبية في 

حوليات آشور ناصر بال طعمدءدع28 لدأدعضة ؟ه دأدمطءة ممءءععصث عط ؟ه كلقهعة مجلة «حوليات 


المدارس الأمريكية في الأبحاث الشرقية؛ مجلد 8 سنة 1926 - 1927: وقد رجع في موضوعه هذا 
إلى مصادر معتمدة». 


51 


وإيران وأقصى شمال العراق» فمن النادر أن نجد بينهم من نفذ إلى أحشاء المناطق 
المتعذرة الواقعة بين خط قره داغ و(هيبة سلطان) إلى الجنوب الغربي وبين الحدود 
الإيرانية على الشمال الشرقي» وقاموا بتسجيل وقائع رحلاتهم» إنهم والحق يقال 
قليلون إذا قورن عددهم بالصنف الأول من الرحالة. ولعل ما صدهم عن هذا أنه 
لم يكن في عهدهم أقليات مسيحية مضطهدة أو ذات طموح سياسي في هذا القسم 
من الإمبراطورية العثمانية. ومن ثم لا بعثات تبشير فيها ولا قناصل”2. 


وسأعمد في كثير من الأحيان إلى التنويه يرحلات الرواد الأولين الذي فعلوا 
ما فعلت ولا أظنني أفعل خيراً من أن أختم هذا الفصل بإيراد قائمة يسبعة عشر 
رحالة بريطانياً تمكنت من متابعة أثارهم القلمية. مع تعليق مختصر على ظروف كل 
رحلة والمسالك التي تعقبوها © : 


الملازم ويليام هيود ءلناء11 سدنالة/7: من مؤسسة (مدراس) العسكرية (كتابه: 
رحلة بحرية إلى شمال الخليج الفارسي (العربي). ورحلة في البلاد التي تليهاء 
من الهند حتى إنكلترا سنة 1817) لإ#معدامز 2 ههة كلن0© مدنوءط عط صن عمدلزه7 ىم 
9 صمولهم.آ - 1817 هذ لهتلهدظ م دننه1 ده لهداكه» رحل من بغداد برفقة 


ساعي بريد حكومي (تتر) بطريق تل عباس وقره تبه. إلى كفري» ثم عقب طريق 
(إبراهيم خانجي) وشعب سه كرمهء وبلغ السليمانية في 9 آذار ١1817‏ ثم وادي 


(1) إن المجهودات التبشيرية - خلافاً لمجهودات المبشرين الاجتماعية - في كردستان كانت موجهة 
إلى المسيحيين المواطئين والأرمن والأثوريين» لا إلى الأغلبية الكردية المسلمة. ومن مختلف 
الإرساليات التبشيرية التي عملت في هذا الحقل كانت البعثة التبشيرية التي أرسلها رئيس أساقفة 
كانتربري» الوحيدة التي حاولت تثقيف الأهالي المسيحيين وتنقية حياتهم الروحية ضمن حدود 
وطقوس الفرع القديم للكنيسة المسيحية الذي يدين بالطاعة إلى بطريرك الشرق لا أن تحاول 

ضمهم إلى مذهبها. 

(2) وبهذه المناسبة»؛ أنوه شاكراً 7 شط سنوات من السير أرنولد ويلسن» 
أثناء ما كان يشتغل في تأليف كتابه بلاد فارس» كما تيسر لي سجل تاريخي كامل بعدئذ من مقالة 
ميلورسكي في دائرة المعارف الإسلامية عن مدينة السليمانية. 


52 


سورداش ودوكان وكوي وأربيل والموصل» ويبدو أنه لم يبق أكثر من ليلة واحدة 
في كل موضع وقد شاءت الصدف أن باشا السليمانية الباباني كان غائباً عندما مرّ 
الرحالة بالمدينة: وكان يصف كل مرحلة عن طريقه باختصار ويذكر عموماً أسماء 
لمراحل مع تعليقات زهيدة تتراوح بين التقدير والانتقاد حسيما كان يستقبل. 


السير روبرت كيربورتر الرحالة والرسام (كتابه: رحلات في جورجيا وإيران» 
وأر مينيا وبابل القديمة وغيرها: طبع في لندن 1818 ,هنو بدتهئمء0 هذ كاه1:25 
2 هلهم - .عاء رقتمهانزط82 أمواعهة دتمعمدة ترك بغداد في الثاني من كانون 
الأول 1818 وتعقب الطريق المعروف إلى كفري ثم إلى طاووق وكركوك وشعب 
بازيان حتى السليمانية «فمكث فيها من 12 - 13 كانون الأول» ثم عبر شعب قه 
يوان مخترقاً تازمر - قره سه رد حتى اجتاز جسر قه شان وماوهتء ثم قطع الزاب 
ثانية وبلغ (سه ر دشت) وصاوج بولاق وتبريز. 


كلوديوس جمس ريج ءنظا و#تصود كدذندة1© الكلي الاحترام مقيم شركة الهند 
الشرقية في بغداد. (قصة رحلة في ربوع كردستان): لندن 1836 نشرتها أرملته 
6 02002 .سآ ,11150151213 صا ععمء16510 2 1ه ع7ماستللء قبل دعوة من محمد باشا 
بابان» فغادر بغداد في نيسان سنة 1820 مع زوجه وبطانة فخمة تتألف من حرس 
المقيمية الهندي وعدد كبير من الخدم. وسلك طريق (دلى عباس) - طوز خورماتو 
- طاووق - ليلان - جمجمال. حتى بلغ السليمانية في 10 أيار ليغادرها في 17 
تموز باحثاً عن طقس أبرد من طقسها في الجبال الواقعة إلى الشمال الشرقي. 
وانتهت به هذه الدورة إلى (بنجوين) بعد عبوره جبل (سروجك).؛ ثم إلى (مه 
ريوان) ثم إلى (سنه) و(يانه) في إيران وقفلوا راجعين بطريق (ثالان) و(شاربازير) 
فبلغوا السليمانية في 15 أيلول» وفي 12 تشرين الأول استأذنوا دعيهم وعادوا 
بطريق ده ربندى بازيان عبر شوان فبلغوا (آلتون كوبري) ومنها عقبوا الطريق 
الرئيسة فمروا بأربيل واسكى كلك ليبلغوا الموصل في 31 تشرين الأول. وبقوا فيها 
أشهر الشتاء الأربعة. ثم تركوها في 3 آذار سنة 1821 وسافروا نهرا بالكلك إلى 


53 


بغداد. كان (ريج) واسع الإحاطة بآثار الأولين ورائداً مستكشفاً لا يعتريه وهن. 
ونقادة دقيق الملاحظة لا يشق له غبار. ورحلته هذه منجم قيم من المعلومات 
الجغرافية والتاريخية والأرخيولوجية عن كل البقاع التي ارتادها. 

المبشر الراهب (أ. ن. غروفز 620:65 .4.20 من بلايموث) (تعليقات السيد 
أنتوني أ. غروفز المبشر أثناء رحلة له من لندن إلى بغدادء لندن 1831 ؟ه 1تمعناه3 - 
- لدلطع82 10 «ملدمآ سرهم لإعمعناوز 2 عمتهددل ,لصقمه141551 روعنده0 .1 لإممطامة .1/4 
7 «40دمآ وهي من ضمن كتاب ألفته زوجته عنه بعنوان (مذكرات المرحوم 
أنتوني نوريس كروفز: الطبعة الثانية لندن 1857 وتعهلة بإدمطنهة مها عط 6ه جنمصعك3 
065 رحل إلى تبريز من روسيا والقفقاس ثم قصد منها إلى السليمانية عن طريق 
(بانه) فوصلها في تشرين الثاني 1829 وتركها إلى كفري (ربما عن طريق سه كرمه) 
ولم يخصص لرحلته داخل بلاد كردستان غير ثلاث صفحات أو أربع. 

النقيب (كابتن) ر. مينيان من مرتبات جيش بومبي : (كتابه: رحلة شتاء.. داخل 


كوردستانء لندن 1839 - مماكتلعس! مغمذ لإعمسه1 ترعامتسة للممموتك8 .1 متمامه 
002 سافر عائداً من الإجازة مع زوجه إلى القفقاس ومنها إلى تبريز في نهاية 
آذار سنة 1830 إن رحلته خلال كردستان بلغت به ميادندواو > مياندواب» بانه» 
السليمانية (تركها في 14 نيسان)؛ سه كرمه (قال إنها ده ربه ندى بازيان ولكن 
المقصود حتماً هو سه كرمه). إبراهيم خانجي» كفري... ووصفه الأهالي والبلاد 
كان ذا طابع عام» ولم يأت إلى ذكر الأشخاص والمواضع إلا ما قل. وكان قد 
اتخذ الطريق نفسه في رحلة سابقة إلى بلاده قبل سنتين بدون زوجه ولا شك. 


جيمس بيللي فريزر 7:32 عذاانه8 125:65 (كتابه : رحلة في كردستان وما بين 
النهرين 1840 8هلهم.آ - .عاء قنسسهاممهو»81 ,ههاتلسداء1 مأ واء120)» وغيرها: بمناسبة 
عودته من بعثة دبلوماسية إلى إيران التي سبق له الإقامة فيها. والقيام بجولات 
واسعة في أرجائها. غادر تبريز في 1 تشرين الأول 1834» وارتاد سلماس وأورميه 
وأشنو وصاوج بلاغ وسه رده شت. ثم عقب الطريق الذي سلكه (كيربوتر) عكسياً 


54 


فبلغ السليمانية في 31 تشرين الثاني» ومنها إلى قرية قره داغ» وبلغ بغداد بطريق 
القوافل المعهود مجتازاً (سه كرمه). ويكاد (فريزر) يكون الآن منسياً» ومعجم 
(سير الشخصيات الوطنية) يبخس من قيمة مكتشفاته. وهو والحق يقال رحالة خبير 
نافذ البصيرة في الطبوغرافياء وكاتب محترف ووصفه الناس والأمكنة ما زال 
يجتذب اهتمام المهتمين بالأبحاث الكردية كثيراً. 


المقدم ج. شيل 55611 .001.3 .1.6 نائب رئيس البعئة العسكرية البريطانية إلى 
إيران» ثم الوزير المفوض البريطاني في طهران (ملاحظات عن رحلة من تبريز 
إلى... السليمانية... خلال كردستان ما بين تموز وآب سئة 1836) وهو بحث نشره 
في المجلد الثامن من مجلة الجمعية الآسيوية الملكية بتاريخ 1836 2 مه 5عاهئ( 
.1836 أنتوناة لصة لإأدال هذ طهلإتمممءلن5 0غ سماكتلعي1 طوتامعط) ععطه1 تدم لإعستتامز 
انطلق مما لا يزال كردستان تركيا وبلغ زاخوء. ثم إلى عقرة ومنها إلى الزيبار ثم 
إلى باريكة وأربيل وكركوك والسليمانية» وأسهب الوصف في القسم الأول من 
طريقه إلا أنه بدأ يميل إلى الاقتضاب شيئا فشيئأ لينتهي بهذه العبارة التي يورث 
اقتضابها الألم حقاً «ومن السليمانية اتجهت في رحلتي إلى الشمال؛ والشمال 
الشرقي وقطعت حوالي مائتي ميل في طريق معروف لأبلغ سه رده شت 
ولاهيجان» ومن صاوج بلاغ حتى تبريز بطريق (مراغه)...). 


الرائد (الميجر) ه.س. راولنسن «ووهظ221 .81.0 موزة34 من مرتبات جيش 
بومبي (تعليقات على مسيرة من زهاب.. إلى خوزستان) في عام 1836 2 هه 165ه2 
9 ,106 .70 ,.1.16.00.5 1836 مدع عطا هذ ...هةأكتختاطكا 6 20525 1022 513105 نشرهة في 
مجلة الجمعية الآسيوية الملكية» المجلد التاسع» 1836» و(بحث عن به بكولى 
النمانةط ده 6نول2) نشر في المجلة نفسها بتاريخ 1868» أثناء ما كان آمر اللواء 
الكوراني التابع للجيش الإيراني» قام بزيارة لمناطق (شميران وهورين - شيخان) 
في خائقين عام 1836 وبعد ذلك بثماني سنوات عندما غدا مقيما لشركة الهند 
الشرقية وقنصلاً عاماًء قام بالرحلة التي وصفها فيلكس جونز (سيأتي ذكره) وبعد 


55 


افتراقه عن (جونز) في السليمانية واصل رحلته إلى قره داغ ثم انعطف نحو 
اللجنوت الشركن :وترل الواقق الممدى بهذا الام لبمحص:المتحوتات الأشتوزرة 
في به يكولى”” قبل أن يعقب الضفة اليمنى لنهر سيروان حتى (قه لاى شيروانه) 
وهنا عبره ووصل خانقين. إن مقاله القيم في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية يقدم 
وصفا مفصلا علميا لجغرافية إقليم زهاب وسكانه. 


و. ف. ينزورث طغره«ومنخ .277.77 كتابه: رواية شخصية لحملة استكشاف 
الغفرات 1888 2ه00هم.آ ,دمنانلءم:8 دعا ةتطمداظ عط زه عالنمعوا؟ لجدمدعءط ى كان طبيباً 
وجيولوجياً من أعضاء بعثة العقيد (جينزني «م»ده) لاستكشاف الفرات وبقي في 
البلاد بعد أن عاد باقي أعضاء البعثة» خرج من بغداد في 1 شباط سنة 1837 قاصداً 
السليمانية معقباً الطريق المعروفة خلال كفري وكركوك» وبلغ المديئة في 14 
شباط. ومكث فيها حتى 17 منه حيث غادرها إلى الموصل سالكاً الطريق التي 
عقبها (هيود). وكان معظم اهتمامه منصرفاً إلى الجغرافية التاريخية. 


الكوماندر فيلكس جونز 65ه30 «ناء1 من ضباط البحرية الملكية الهندية»ء كتابه 
وقائع رحلة إلى حدود تركيا وإيران خلال جزء من كردستان. بومبي سنة 1857 
آه 2126م 2 لأونامعطا 3زوجء2 320 لإععاعنآ' كه «عتأنه؟ عط 0غ لإعصنناهز 2 1ه ماناو سضدلط 
7 إةطصه8 - هماوت سسا غادر بغداد في 9 آب 4 مع الميجر (راولنسن) 
سالكاً طريق القوافل الرئيس إلى كرمنشاه وبيستون. وفي رحلة العودة انحرفا عن 
هذا الطريق عند (هارون آباد) واتجها إلى الشمال الشرقي يقصدان (زهاب) عبر 
أراضي (كوران) ومن زهاب إلى حلبجه والسليمانية (25 - 29 أيلول) خلال 
(شميران). واضطره المرض إلى مفارقة راولنسن والعودة إلى بغداد بأقصر طريق 
وهو طريق (سه كرمه)» إن كتابه يزوّد القارئ بأدق وصف للمسالك التي عقبها. 
ويبحث في الجغرافية» وفي أمور القبائل بكثير من التفاصيل» وكثير من الرجوع 


(1) انظر الفصل الثاني عشر من الكتاب. 


56 


إلى الكتاب الأقدمين. وسياحته هذه كانت لغرض محدودء هو جمع المعلومات 
للجنة الحدود التركية الفارسية التى كانت تعقد جلساتها فى أرضروم آنذاك (انظر 


الفصل العاشر). 


النقيب (كابتن ف. ر. ماونسل ا6وهداة36 .2 .7) من صنف المدفعية الملكية (مقال 
بعنوان اكردستان» في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية (المجلد 3 سنة 1894) يصف 
في صلب مقاله هذا رحلة من أرضروم في 26 سنة 1892» عبر كردستان التركية إلى 
جزيرة ابن عمر» ومنها إلى بغداد نهرا بالكلك. ثم إلى (إبراهيم خانجي) والسليمانية 
عن طريق (قصر شيرين). إن الخريطة الملحقة بالمقال تبين رحلاته الواسعة في 
كردستان التركية والإيرانية فضلاً عن رحلات أخرى إلى (دوكان ودربندى ره مكان 
وقه لادزه ووادي شاوو)»؛ ورواندوز وحرير والزيبار والعمادية ودهوك والموصل 
وأربيل وكوي) وقد قام برحلاته هذه عام 1888 ووضعت في نشرة رسمية بمجلدين 
طبعا في سملا - الهند عام 1890 بعنوان: استطلاعات في بلاد ما بين النهرين 
وكردستان وشمال غرب إيران ولرستان ,هماةنةس! ,دنههامه5ه14 هذ دعهمددتقدمع6 1 
0 تاذ - مقأذتعنارآا لصة دزومء2 أوعء/7اا عملم 


النقيب مارك سايكس 5علائزة 262:1 (كتابه دار الإسلام لندن - 1904) قام برحلة 
كتابه هذا في سنة 1902 (وكان قبل ذلك قد «أنجز» قطع الطريق السلطانية من 
الموصل إلى كركوك إلى بغداد بانحراف واحد نحو الشرق - من أربيل إلى كوي). 
دخل من جزيرة ابن عمر إلى ما يدعى الآن بالعراق» من نقطة قريبة إلى زاخو ثم 
توجه إلى العمادية وعقرة والموصل وشرقاط ومخمور وآلتون كوبري وكركوك 
والسليمانية (أقام فيها تسعة أيام ولم يذكر تاريخ الإقامة) ودوكان. وكويء ورانية» 
وشاوورء وشعب بيجان» ورواندوزء وميركه سورء وبارزان» وزيبارء ثم العمادية 
مرة أخرى ليخرج إلى وان وارارات. وقد اهتم بالإدارة العثمانية وجمع معلومات 
كثيرة عن القبائل» وإذا كانت ناقصة بسيطة فهي مصدر هام لمعارفنا عن كثير من 
أنحاء كردستان استفدنا منها عند دخول تركيا الحرب سنة 1915. إن أسلوبه الساخر 


57 


الدقيق النكتة يزيد من طلاوة رحلته التي كانت بحد ذاتها أثراً هاماً من آثار 
الاستكشاف. 


النقيب برترام ديكسن «دهواء21 مم86 من المدفعية الملكية مقاله: رحلة في 
كردستان 5ةغذنل 11 م1 100136 نشره في المجلة الجغرافية المجلد 35 سنة 1910. 
كان نائب القنصل البريطاني في (وان) يظهر أن المقال مستند إلى الرحلات التي 
قام بها سنة 1909. ولم يذكر فيها طريقاً وهي بصورة عامة وصف رائع موجز 
لكردستان ككل» ومن ضمنها منطقة السليمانية. 

ي. ب.: صون وهه8.50 .8 كتابه (خلال ميسوبوتاميا وكردستان وما بين 
النهرين متنكراً) لندن 1912 .وشوفتة مذ مماكتاسي! قم تسهاممهدء1! طونامعط1 بدأ 
رحلته سنة 1909 متنكراً بسمة مواطن إيراني وبعد أن أقله الكلك من ديار بكر إلى 
الموصل فوق دجلة؛ سافر إلى أربيل وكركوك والسليمانية لا يبقى في موضع 
واحد أكثر من يوم أو يومين» وقلما ذكر تاريخاء لكن من الثابت أنه مكث أسابيع 
كثيرة في حلبجة» ومنها قام برحلة واحدة إلى (بيارة) في (هه ورامان) ومكث في 
السليمانية في رحلة العودة مدة أطول مما قضاه هناك في رحلة القدوم ولعله بقي 
أسبوعين. ثم رحل إلى آلتون كوبري وعن طريق كركوك ومنها استقل كلكا على 
دجلة والزاب حتى بلغ بغداد. جمع (صون) أكداساً من المواد التاريخية حول 
البلاد التي ساح فيها. ولقد اجتمعت تجاربه السابقة عن المناطق المجاورة 
لكردستان الإيرانية إلى معارفه باللغات المحلية إلى نجاحه في التنكر تحت 
شخصية المسلم. لتسم المعلومات التي جمعها ودققها بميسم المراجع الموثوقة 
الهامة. 

النقيب ت. س. و. فاول 50816 ./7.0.78 من الكتيبة الأربعين - الجيش الهندي 
كتابه: رحلات في الشرق الأوسطء لندن 1916 نظ 8681016 عطا هذ كا06ه,1 قام 
برحلة من كفري إلى كركوك إلى السليمانية» ذهابا وإيابا في عام 1910 على 
الأرجح مستخدماً الطرق الرئيسة» وقد عبر قره داغ في طريق العودة ولم يذكر قط 


58 


أسماء مواضع غير ما أثبتناء ولا أسماء أشخاص ولا تواريخ وذكر عن السليمانية 
عبارة واحدة فحسب هي الآنية «إنها تختفي عن الأنظار في غوار واسع من 
الأرض» و... «ووجدت أهلها منصرفين جميعاً إلى التحدث بلغتهم الكردية 
البربرية» ولم أجد شخصاً واحداً يفهمني حين خاطبتهم بالعربية» ويمتاز كتابه 
بالرشاقة والمرح وإشراق العبارة إلا أنه خال من القيم المصدرية. 

ج. ي. هوبارد 650طد88 .6.8 من دائرة قنصلية الشرق الأدنى (ليفانت) 
البريطانية (كتابه: من الخليج إلى أرارات - أدنبرة,» 1916: 6غ ءان0 عط سمط 
:2:ومة) كان سكرتيراً للبعثة البريطانية لدى لجنة الحدود التركية - الإيرانية سنة 
4. إن هذه الحدود التي تبلغ (750) ميلا طولاً من مندلي حتى أرارات» تمر 
كلها خلال كردستان. والكاتب إذ يقدم وصفا تاريخيا ملذا للمجهودات التي بذلت 
في سبيل حل هذا النزاع الدولي بين الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية لا ينسى أن 
يقدم صورة ممتازة للبلاد وسكانها. 

العقيد غ. ه. د. رايدر :806 .0.51.10 رئيس قسم المسح في اللجنة المنؤه بها 
آنفاء ثم مدير المساحة العام في الهند. (مقاله : تعيين الحدود التركية الإيرانية في 
3 - 1914. نشر فى المجلة الجغرافية المجلد 65 سنة 1925) يتضمن بحثه 
را نسل اليد 

ولست بقادر على تفسير للثغرة التي دامت (44) سنة بين روالنسن وجونز عام 
4 وبين ماونسل عام 1888. 

وأول سائح أوروبي إلى هذه المنطقة؛» توصل إلى اسمه (إن كان أوروبياً حقاً) 


هو الراهب فيديليس 1506135 من رجال بعثة التبشير الكرملية فى ما (بين النهرين) 
والذي عاد إلى بغداد سنة 1749 من «... قه لاجوالان حيث قام بأعماله الرسولية 


(1) أ. ت. ويلسن: (الذي كان وكيل المندوب البريطاني؛ ثم أصبح مندوباً أصلياً) يشير باختصار إلى 
عمل اللجنة في كتابه «جنوب غرب إيران» - لندن 1941. 


59 


و... وجد هناك عدداً من الأسر الأرمنية التي كانت قد هربت من همدان» 
واستطاع أن يهدي أسرة واحدة إلا أنه لم يفلح مع الأسر النسطورية التي كان 
معظمها متمسكاً بمذهبه مقيماً على ممارسته» وقد أحرز بعض النجاح في كركوك 
أيضاً». ه. غ. جيك عاءناه .81.6 تاريخ الكرمليين في إيران عطاءه ماندمتط م - 
- 1939 هصهلهمةآ - تنومعء2 مز وع ا تاعمعقك لندن 1939 : 


ولم أحاول تنظيم قائمة بالسائحين الأوروبيين غير البريطانيين على أني سأذكر 
أسسناء خمسة ممن سأرجع إلى آثارهم في ين ومن الصدف أن أول ثلائة 
منهم يملأون الثغرة الزمنية في القائمة الإنكليزية. 


أ. كليمان :معسنان .4: سياحة في أقاليم كردستان من كركوك إلى رواندوز: 
مذكرات جمعية جنيف الجغرافية - لو كلوب - 1886 همازتلسته1 1 تقل دمأدمنه»8 
عل 503616 18 ع0 وعرتمصع16 .(61056© عآ) ,2222002 3 انامعاتع1 عل [ددمتلمء34 
.06 عل عنطوةءهوهء0 سكن بغذداد عدة سنين» تعرف خلالها على عدد من 
الشخصيات الكردية البارزة التي كانت تأتي لزيارة آخر الأمراء البابانيين في منفاه. 
وإن رحلته التي قام بها مستفيدا من هذه العلاقات وما تسبغه من حماية بلغت به 
كفري ثم كركوك ثم السليمانية عن طريق بازيان (تموز 1856) ومن ثم قام 
برحلتين» الأولى إلى بنجوين مصعداً (سروجك) وبعدها ارتاد طول الحدود من 
الشمال الغربي خلال شيوه كه ل حتى (آلان) ثم عاد بطريق قه شان وشعب (قه 
يوان) في جبل (ئه زمر) حتى السليمانية. وكانت رحلته الثانية في (سورداش) ومنها 
إلى دوكان وكوي وباليسان ورواندوز والحدود المجاورة لرايات وسيده كان وكّه 
لى رواندوز وأربيل ثم إلى خانقين بالطريق العام. 


العقيد ي.ج. جيريكوف [تستتاطرزه عياط «وطفنك .1 .8 اعدمات (1849 - 1852) 
(1) إن كان أي أمريكي قد نشر رحلة له في الإقليم موضوع البحث قبل سنة 01915 فلا علم لي به حقاً. 


60 


كان المندوب الروسي في لجنة الحدود التركية الويرانية في ذلك الزمن. وقد تنقل 
بالطبع على طول مناطق الحدود. 

س. دي كوراب برزيزوفسكي ناة«20ممه8 105:26 06 .0 «رحلة من السليمانية 
إلى العمادية في 41869: مجلة الجمعية الجغرافية في باريس» كتاب مسلسل» 
مجلد 13 سنة 1892 618ل صناءاان8 ,1869 ,طةتفقسة 2 طعتمقسءاسه5 عل ممتدعمتا1 
دف عل عنطصدءود6 ول 6اؤنومة. كان مديراً للغابات في أيام مدحت باشا والي 
بغداد. سافر سنة 1869 إلى السليمانية بطريق كفري وسه كرمه ومنها توقل جبل بيره 
مه كرون وسافر إلى (شاربازير) بونجوين ومه ركه قبل أن يذهب إلى رواندوز 
والعمادية بطريق لا يعطى أي تفاصيل عنه. 

ي. هرتسفيلد 14ممعةة .8 عالم الآثار الألماني صعطءدتةهدعةة دعل عسطقضناى منط 
نانهائة5 ده؟ ولهسعلدء2 في أعمال المعهد العلمي البروسي - 1914» رحل في 
حزيران 1911 من قصر شيرين إلى (هورين) وبعد اجتيازه سيروان قرب (بانى 
خيلان) وصل به يكولى ثم قره داغ والسليمانية وجمجمال وكركوك وفي حزيران 
رحل من كفري إلى إبراهيم خانجى وبه يكولى وبانى خيلان وقصر شيرين. 

ف. مينورسكي 06819ه381 .ل كان المندوب الروسي في لجنة تثبيت الحدود 
التركية الإيرانية لعام 1914 فهو زميل أ.ت. ولسن» ورايدر. له عدد كبير من 
المقالات في (دائرة المعارف الإسلامية) ومجلات الجمعيات العلمية تثبت طول 
باعه في أحوال جنوب كردستان. ويعد فيها مرجعاً قائماً بذاته. 


61 


في ليلة العاشر من آب 1914 أفلح الطرادان الألمانيان (غوبن وبرسلاو) في 
التملص من قبضة القطع البحرية البريطانية في البحر الأبيض المتوسط واجتازا 
الدردنيل إلى القسطنطينية. وفي 29 تشرين الأول أقلعا إلى البحر الأسود يمخران 
عبابه ويقذفان بقنابل مدافعهما عدة موانئ روسية. فأعلنت روسيا الحرب على 
تركياء وفي 5 تشرين الثاني تبعتها في ذلك بريطانيا وفرنسا. كان قد اتضح منذ 
أيلول أن تركية تتهيأ لدخول الحرب إلى جانب ألمانيا. وقد وافقت الحكومة 
البريطانية بشيء من الترذد على إرسال حملة عسكرية من الهند إلى (البحرين) في 
الخليج الفارسي”" توقعاً للتطورات في الموقف وأبحرت الحملة من بومبي في 16 
تشرين الأول. وفي 6 تشرين الثاني نزل بر (الفاو) في فم شط العرب لواء واحد 
من فرقة بونا السادسة. بأمرة العميد (و. س. ديلامين «نقصدا»2 .18/.5) وبعد 
مناوشات تم احتلال البصرة المدينة الثانية الهامة في تركيا العربية. وكان المقدم 
(أمير اللواء فيما بعد) السر برسي كوكس يرافق الحملة بمنصب رئيس الضباط 
السياسيين .0.8.0 - وكان منذ 1904 حتى 1913 مقيماً سياسياً في الخليج الفارسي 
وبعدها نقل سكرتيراً للخارجية في حكومة الهند. 


دامت الحرب مع تركيا أربع سنين. وليس في هذا الكتاب من مجال حتى إلى 
(1) الخليج العربي. (المترجم). 


62 


شرح الخطوط العمومية للأسباب التي استدعت توسيع الأهداف المقدرة للحملة 
الهندية العسكرية: ولا إيراد وقائع حرب ما بين النهرين» حلوها ومرها. الحاصل 
أن الهدنة تم توقيعها في 30 تشرين الأول 1918 في (مودروس) على ظهر البارجة 
الحربية (آغاممنون) وتوقفت الأعمال الحربية ظهر اليوم التالي. حين كانت 
الجيوش البريطانية في القيادة التي تبعد زهاء أربعين مثلاً جنوب الموصل» تتعقب 
العدو المنهزم على طول دجلة. كذلك كانت قد احتلت خط المدن والقصبات على 
الطريق العام بين خانقين والتون كوبري. ومنها كفري التي دخلتها في 28 نيسان» 
وكركوك والمدن المجاورة التي احتلتها في أيار. ثم أخلتها بعد 24 ساعة ثم أعادت 
احتلالها قبل الهدنة بخمسة أيام فقط. وتم احتلال الموصل في 30 تشرين الثاني 
مع احتجاج القائد التركي» تطبيقاً لشروط المادة 16 من الهدنة وطلب من الجيش 
التركي الجلاء عن كل ولاية الموصل خلال عشرة أيام. 


آنذاك» كان من سياسة بريطانيا اجتناب بذل وعود صريحة في إقامة كيانات 
كردية ذات استقلال شبه ذاتي مرتبطة بأية إدارة دائمة تؤسس بعدئذ في السهول. 
ومنذ احتلالنا كفري غدا ضباطنا السياسيون على اتصال دائم بالشخصيات الكردية 
البارزة في لواءي كركوك والسليمانية» ولا سيما بالشيخ محمود البرزنجي عميد 
أسرة من السادة هي رأس كل الأسر في جنوب كردستان؛» ولما أصبح الطريق 
سالكاً أرسل إلى السليمانية الميجر (ي. و. نويل 8.18.71061) للعمل على ترويج 
هذه السياسة ولإقامة نظام إدارة مؤقت يكون محل رضى الأهلين. وأبلغ الشيخ 
محمود بأن أي مجتمع كردي أو قبيلة تسكن بين نهري سيروان والزاب الكبير 
ترغب في قبول زعامته لن تمنع من ذلك ولها وحدها حق الخيار. لكن سرعان ما 
وضح لنا أنه قد بالغ كثيراً في تقدير شعبيته. وتقلص إقليمه بالأخير إلى لواء 
السليمانية مع بعض أقضية لواء كركوك المجاورة. ومنح لقب (حكمدار) وعين له 
مستشار بمنصب ضابط سياسي. وعين معاونو ضباط سياسيون في أقضية جمجال 
وحلبجة ورانيه. وعين ضباط آخرون لتدريب قوة عسكرية كردية باسم (ليفي 
السليمانية) كما قرر تنظيم جهاز شرطة على النمط الحديث. 


63 


لم يضيع الشيخ محمود وقتا في جعل نفسه مشكلة من المشكلات المستعصية 


فقد سخط لتقليص دائرة سلطانه إلى المنطقة التي وصفناها. لقد كان في أيام 
الأتراك يبسط يده الياطشة على المدينة بأتباعه من الأشداء المسلحين وليس له أي 
صفة رسمية أو وظيفية”» والآن وهو الحاكم بأمره» لم يكن ليستطيع أبداً أن يفهم 
الحدود التي وضعت له» حتى تلك القيود التي رسمها نظام (نويل) الاستشاري 
الخالي من الشدة. وفي العام 1919 قرر إجراء تغيير في السياسة الأساسية بإدخال 


إدارة أشبه بما يسود باقي المناطق المحتلة وأنيط (بنويل) واجب آخر ينسجم وذوقه 
ويجاري حبه التنقل في أقصى شمال كردستان وراء حدود ولاية الموصل”” وخلفه 


40 


إن ما يثبته مؤلف الكتاب حول الشيخ محمود في هذا الفصل وغيره من فصول الكتاب» هو بطبيعة 
الحال إما رأيه الشخصي أو رأي حكومته في هذا الزعيم الوطني الكردي. وقد يبدو أدموندز في ما 
كتب متحاملاً» مدافعاً عن وجهة نظر حكومته عندما تفرض سياستها قتال هذه الزعامة الكردية. 
ناقداً لها عندما تتقرب منها أو تضطر إلى أن تخضع لمشيثتها وتعنو لشعبيتها. ويبدو المؤلف لنا مع 
احترامنا لآرائه بصورة عامة - متناقضاً هناء ويبدو حائراً أحياناً بين رأيه الشخصي في الشيخ محمود 
وبين مواقف حكومته المتبدلة بتبدل سياستها إزاء هذا الزعيم الوطني فنراه يبدي ارتياحه من 
حكومته عندما تطارد الشيخ محمود بما يظهره من حماسة في تطبيق أوامرها. وتراه فاتراً منتقداً 
عندما تضطره وظيفته إلى تنفيذ خططها في التقرب من الشيخ محمود ومساندته. وسيرى القارئ 
ذلك واضحاً فيما يلي من الفصول. ونعتقد أن للسن والتجربة أثراً في تكوين الآراء على 
الفتحسيات العظجة». وادمو نهد لين يكنا عق هلد القاعدة. فهو ]الآن وكذ جاود لعن ذلك 
في الرأي عن أدموندز الشاب. وقد وجدنا ذلك واضحاً فى كتاباته الأخيرة مثلاً عن قيادة مصطفى 
الباززاني: فقد كان له رأي مخالف فيها في سنة 1945 كما تدل عليه المخابرات الرسمية 
والاتصالات التي كان يشرف عليه المؤلف بمقتضى وظيفته في حركات 1943 - 1945. (المترجم). 
يذكر السير أ. رايان ههنزظ .ى في كتابه «نهاية العثمانيين 10:280:038 126 ؟ه غكهة 156» (لندن 
1,. ص 141 - 142) كم وجدت لجنة الحلفاء العليا في الأستانة أمر هذه البعثة» الحق يقال إن 
حكومة السلطات بعثت بتعليمات إلى السلطات المحلية لتسهيل أمورها لكنها اصطدمت بامتداد 


سلطة الوطئيين على ولايات الأناضول الشرقية. 


64 


كان (صون) على معرفة سابقة بأحوال السليمانية» عندما دخلها في العام 1907 
متنكراً» ولهذا راح يمارس واجباته دون تردد أو حيرة» ولا سيما إزاء تصرفات 
ونزوات الرجل الذي قدر له أن يتعامل معه. وأحسل (الشيخ) أنه سيجرد من معظم 
صلاحياته وسلطانه فلم يضع فرصة وبادر إلى تنظيم ثورة شارك فيها كل أعضاء 
أسرة البرزنجة وكثير من أنصارهم وأجزاء مهمة من قبيلتي الهمه ماوند والجاف. 
فضلاً عن حملة بنادق من قبائل (الهه ورامان) الساكنة وراء الحدود الإيرانية. وقد 
حوفظ على سر الثورة محافظة تامة. وفي 33 أيار قامت قوات القبائل (لشكر) 
باقتحام مدينة السليمانية فجأة وزالت.في غمضة عين فصائل الليفي نصف المدربة 
(كانت رسمياً بقيادة المقدم الشيخ قادر» أخ الحكمدار لا بأمرة مدربيها 
البريطانيين). وسيطر الشيخ محمود على المدينة في ساعات قليلة ووضع يده على 
الخزينة واعتقل كل الرعايا البريطانيين الموجودين ورفع علمه الوطني وهو هلال 
أحمر في أرضية خضراءء وأنزل العلم البريطاني الذي كان يخفق فوق بناية دائرة 
الضابط السياسي. ومن حسن حظ (صون) أنه كان قد ترك المدينة إلى كركوك في 
طريقه لاستقبال زوجه من البصرة (نقول من حسن حظه لأن الشيخ ما كان ليتردد 
في قتل شخص يراه أعدى أعدائه) وتمكن معاون الضابط السياسي في حلبجة؛ 
الملازم الطيار (غ. م. ليز :م1 .6.34) من الانسحاب إلى خانقين قبل أن يحتل 
الثوار مقر عمله في 26 أيار. 


كان يوجد في كركوك حامية صغيرة من القوات الإمبراطورية» فلأجل تحشيد 
قوة كبيرة صدرت الأوامر لقائد.الحامية بإرسال وحدة مشاغلة على الطريق إلى 
جمجمال. لكنه قرر الاندفاع إلى السليمانية مستهيناً بكفاءة الكرد الحربية» متغاضياً 
عن الأوامر العسكرية الصريحة. تقدم نحو السليمانية يبعض الخيالة والليفي العراقي 
وعدد من السيارات المصفحة وسيارات فورد مكشوفة تحمل رشاشات من طراز 
(لويس) وفي شعب (طاسلوجة) الذي يبعد عن الهدف اثني عشر ميلآء هوجم من 
كل جانب فاضطر إلى التقهقرء فتعقبه الكرد مسافة 25 ميلا وأنزلوا به خسائر 


65 


جسيمة وفقد أربع مصفحات وتسع عشرة سيارة مسلحة. هذه الفاجعة زادت نار 
الثورة اشتعالاً وانضم إلى (الشيخ) الكثير من المترددين حتى أن القبائل الكردية 
الإيرانية شقت عصا الطاعة على حكومتها وطلبت الاتحاد بالدولة الكردية التي 
يقوم الشيخ على رأسها. 


تبين الآن ضرورة تجريد حملة عسكرية واسعة النطاق لإعادة الأمر إلى نصابه. 
وأنيطت المهمة بأمير اللواء السير ثيودور فريزر 5:56 6:ه90مءط؟ قائد الفرقة الثامنة 
عشرة المرابطة في الموصل. وحشدت قوة في كركوك تتألف من الوحدات الآنية 
لواء 5/1 المعروف بلواء سورّي الشرقية «#سد8 :805 وفوج المشاة البورمي 
الخامس والثمانين» والفوج ال87/1 البنجابي والفوج 11/1 المهراتي. والسرية 
الأو لى من فوج المشاة البنغالي التاسع والأربعين» والسرية ال239 من فوج 
الرشاشات الهندي الثامن عشرء والبطارية الجبلية الهندية الخامسة والعشرين وقطع 
من بطاريتي (ب) و(د) من كتيبة المدفعية الآلية الملكية ال336 وجناح (أ) من 
السرب الثالث والستين من القوة الجوية» مع وحدات من صنف المخابرة 
والهندسة وزارعي الألغام وتشكيلات أخرى ملحقة ورسم أن يقوم (صون) بمرافقة 
الرتل بصلاحيات ضابط سياسي. 


في عام 1910 اجتزت امتحان القبول» لأكون تلميذاً مترجماً في دائرة السلك 
القنصلي للشرق الأوسط. وهي واحدة من خمس دوائر تتألف منها وزارة الخارجية 
البريطانية الآن بعد توحيدها. وكان يتعين على المرشحين الناجحين الدخول إلى 
(كمبردج) ليتعلموا اللغات الرئيسة الثلاث الشائعة في الشرق الأوسط وهي العربية 
والتركية والفارسية إلى جانب مواضيع أخرى. وبعد أن قضيت سنتين طيبتين في 
بمبروك عكاه:طسءط متتلمذا على (ي. ج. براون 6ه”8:0 .8.6) و(رءي. نيكلسن 
1 .8.8) تركت إنكلترا إلى الأستانة في أيلول 1912 فوصلتها لأرى أول 
صفحة من صفحات حروب البلقان. وكان قد رسم لي في إنكلترا أن استمر في 


66 


رحلتي حتى (بوشير)؛ حيث كان المقيم السياسي في الخليج السر برسي كوكس 
يرفع عقيرته مطالباً بالمزيد من الموظفين. 


وللشق (توقنين) فى كائزن الأرل :ر كده عن تنيت وكين ركفتال فيك 
إعلان الحرب على ألمانيا في آب 1914 ورفضت وزارة الخارجية السماح بعودتي 
إلى دياري للالتحاق بالجيش. لكني فزت بأمنية قلبي بعد جهود كثيرة بذلتها في 
نيسان التالي. فقد استدعاني (السر برسي كوكس) إلى البصرة ومنحت رتبة (نقيب) 
وقتية على الملاك العام - وتقلبت في وظائف مختلفة منها معاون كبير الضباط 
السياسيين (برسي كوكس)» ومعاون الضابط السياسي المرافق للوحدات العسكرية 
الصاعدة على طول دجلة والفرات» وأخيراً وجدت نفسي في كانون الأول 1914» 
في (شوشتر) المدينة الأثرية الواقعة على نهر (كارون) بالقرب من حقل النفط 
الأكبر لشركة النفط الأنكلو إيرانية» وكانت حماية هذا الحقل مرتبطة مباشرة 
بمجلس الحرب الأعلى في بريطانية» وأمنه هو إحدى المهام الأساسية التي أنيطت 
بحملة ما بين النهرين. وجدت هنا الزميلين والجارين الرائعين اللذين أسلفت ذكرها 
وهما في الشمال (صون) وكان يشغل وظيفة معاون ضابط سياسي في (ديزفول) 
وفي الجنوب (نويل) نائب القنصل ومعاون الضابط السياسي في الأهواز. ولما كان 
ذكرهما سيتردد كثيراًء فمن الأجدى أن أخصص لكل منها فذلكة. 


كان أول التقائي (بنويل) على ظهر الباخرة (سميراميس) التابعة لشركة النقل 
البحري (لويد أوستريان 104 هدناوسة) التي تعمل ما بين بورسعيد وبومبي» وأنا 
في طريق إلى (بوشير) وكان وقت تعرفي به ملازماً في فوج مشاة مبرواوا (ال4ه) 
من الجيش الهندي. وأذكر أنه كان يتحدث عن ميله إلى الاستقالة (مع أنه اختير في 
تلك الفترة للدائرة السياسية الخارجية وهي خير سلك في الوظائف الهندية) 
والعمل على جمع ثروة من إنشاء مصنع تعليب سمك على البحر الأبيض الشمالي 
ضمن الدائرة القطبية. وبعد سنتين جاء إلى (بوشير) ليتولى وظيفة المعاون الثاني 


67 


للمقيم السياسي. وفي أوائل ربيع 1915 شاركنا معاً في تعقيب (وكلاء الجهاد) 
الألمان الذين أرسلوا إلى إيران لإثارة الفتن. وقد سجل مأثرة تاريخية لنفسه عندما 
ألقى القبض بنفسه على (فاسموس «مصدعة/98)” أشهر أولئك الوكلاء وأبعدهم 
صيتاً بالقرب من (بندر ديلام) وهو مرفأ صغير إلى شمال (بوشير). إلا أن 
(فاسموس) تمكن من الإفلات من حراسة الإيرانيين ليلآء وفي اليوم التالي تعرض 
(نويل) لخطر الأسر من قبل رجال القبائل الذين استمالهم صاحبنا الألماني ولم 
ينج إلا ب؟ بشو الأقس وتعد هذا بقلل تقل إلى البضضرة .وما انها أذين له بالففل 
لأن سرعة استدعائي كانت نتيجة مساعيه على الأرجح. إن وظيفة في الأهواز 
وعنوانها الرسمي نائب قنصل عربستان”” وبختيارستان ولرستان وبشتكوء وقد 
تكون حلم أي ضابط صغير الرتبة» وإن لم تضم شمال خوزستان ولرستان 
ا ل و يي لأن نائب القنصل 
ن يتمتع بصلاحيات واسعة تقتضي منه الانتقال الكثير بين أصبهان من رأس 
36 إلى آخر نهاية له وكان لديه فرص كثيرة لزيارة طهران والبصرة (ثم بغداد 
بعدئذٍ) بهذه العلة أو تلك» للمشاورة. وكان (نويل) قبل الحرب بسنة أو اثنتين 
أحد المرشحين للفوز بكأس سباق (كادير) (وهو أعظم حدث في الهند)» لصيد 
الخنزير بالرمح على ظهور الخيل» فهو فارس لا يشق له غبار ضرب أرقاماً قياسية 
في السفر السريع سواء في سهول الكارون ودجلة أو في جبال البختيارية. وإلى 


(1) فاسموس (1880 - 1931) أخطر وكيل استخبارات لألمانيا في الحرب العظمى الأولى عين في 
العام 1913 قنصلاً ألمانياً في بوشير. وأتقن الفارسية وكثيراً من لهجات جنوب إيران مما جعله وثيق 
الصلة بالعشائر ذا نفوذ فيها. تمكن من تحريض عدد كبير من القبائل الإيرانية على الإنكليز وفتح 
لهم جبهة قتال في إيران. إلا أنه فشل في النهاية عندما أنزلت حملة الفاو واعتقل وسفر إلى أوروبا 
إلا أن الهدنة أنقذته وهو في طريقه إلى الأسر لم تطبع مذكراته حتى الآن ولكن لكريستوفر سايكس 
كتاباً عنه عنوانه #فاسموس لورنس الألمان» طبع في إنكلترا 1936. (المترجم). 

(2) أحيا شاه إيران رضا بهلوي الاسم القديم (خوزستان) وصار يستخدم رسمياً. ولقد فضلنا الأول 
منهما هنا. 


68 


جانب تقلده هذا المنصب رسمياً راح يلح على السلطات بإرساله إلى (تفليس) 
مندوباً إلى حملة الجنرال (دنسترفيل هالتدهنكصد2)”؟ وألقى (الجنكاليس) القبض 
عليه في طريق الأوبة بالقرب من (ره شت) على بحر قزوين بتحريض البلاشفة 
وعومل أقسى معاملة من أول أسره. وأبقي سجيناً خمسة أشهر بطولها إلى أن أطلق 
بموجب معاهدة الصلح التي أبرمت بعد هزيمة الجنكاليس» وفي أثناء مدة سجنه 
قام بمحاولات عديدة للفرار لم يسعده الحظ في واحدة منها وكانت كل محاولة 
سبباً في زيادة الضغط عليه. وعاد إلى بغداد بعد تحريره متعطشاً للمغامرات فأرسل 
إلى السليمانية. 


وفي (بوشير) كان أول سماعي ب(اصون) الغريب الأطوار المحاسب في البنك 
الإمبراطوري الإيراني الذي كان لبضع سنين يعيش على الطريقة الإيرانية في قرية 
(سانكي) الصغيرة خارج المدينة» متجنباً المجتمع الأوروبي تماماً. وفي شيراز 
اعتنق الإسلام على المذهب الشيعي العام 1905 وقيل إنه تزوج بنت أحد 
المجتهدين هناك وبدأ بمدارسة اللغة الكردية على أهلها في السنة الثانية من توليه 
رئاسة فرع البنك في كرمنشاه وبعد استقالته في العام 1907 شرع بسياحته التي 
وصفها في كتابه «خلال كردستان وما بين النهرين متنكرا» ويعتبر مرجعا وعمدة من 
عالم التحلات إلى كردستان. واستخدمته شركة النفط الأنكلو - إيرانية فيما بعد. 
وفي العام 1914 كان مسؤولاً عن أعمال الحفر في (جياسرخ) قرب خانقين وكان 
لقائي به لأول مرة في البصرة عام 1916 عند وصوله مع عدد من -الرعايا البريطانيين 
في العراق» واعتقله الترك في أول الحرب وأرسل إلى مكان ما في البحر الأبيض 


(1) أمير اللواء ل.س. دنسترفيل (مغامرات قوة دنستر - لندن 1920» ص 79)» ضابط عسكري بريطاني 
برتبة لواء (1865 - 1946) التحق بالخدمة في الهند وأصبح لواء في العام 1918 وخدم في أماكن 
هامة كثيرة في الهند والصين والعراق وقاد القوة المعروفة بقوة دنستر إلى باكو في كانون الثاني 
8 وهي القوة التي فصلت من قوات العراق. ألف عدة كتب حول مغامرته العسكرية منها كتابه 
(قوة دنسترفيل) ومذكراته الشخصية. (المترجم). 


69 


المتوسطء ثم أطلق سراحه. وأرسل في تموز من السنة نفسها بوظيفة معاون ضابط 
سياسي إلى (دزفول) ومعه رعيلان من الخيالة الهندية التابعة للكتيبة الثالثة 
والعشرين التي ضمنت مؤخراً سيطرتنا على سائر الإقليم بإبادة عصابات كثيرة من 
مقبائل البختيارية كانت في طريق العودة إلى ديارها بعد فترة من النشاط والتعاون 
مع وكلاء الترك والألمان للتحريض على الجهاد في شمال غرب إيران. (كان 
هؤلاء قد اتخذوا مقرهم العسكري في جوسق بناه علماء الآثار الفرنسيون في 
شوش). كان (صون) رجلاً عنيف الرأي» عاطفياً متطرفاً في حبه وبغضه. فوجد 
في قبائل البختيارية وفي الهنود وفي الزوار الفرسان القادمين من مقر القيادة العامة؛ 
والرحالة غير المقيمين» وعلماء اللغة» والفقراءء والأفندية» مصدر إثارة نفسية 
مثل الخرقة الحمراء التي تهيج الثور. ثم ألجأته طبيعة واجباته إلى توثيق صلاته 
بالعسكريين أكثر مما كان في (دزفول) ولم تكن أساليبه إنكليزية صرفة من نواح 
عدةء إلا أن كفاءته ومعرفته الموسوعية بالبلاد وأهلها جعلته ألصق وأكثر صلة 
بالقادة من كثير من الضباط النظاميين الذين تمسكوا بالمزايا البريطانية الحقة. 


في آذار سنة 1917 بعد سقوط بغداد نقل (صون) إلى خانقين لكي يحقق صلة 
مع الكردء فخلفته في (دزفول) وأتيح لي من هذه القاعدة التنقل في أرجاء لرستان 
بضعة أشهر. وفي نيسان 1918 تلقيت برقية تأمرني بالسفر حالاً إلى الأهواز 
لاستخلاف (نويل) الذي أسر في شمال إيران كما أسلفت وكانت مهمتي العاجلة 
فيها أن أبدأ بمفاوضات مع (خانات) قبائل البختيار يِ لضمان سلامة حقول النفط 
طوال مدة الحرب. 


وتأخر قدوم (الخانات) عدة أيام عن الموعد المضروب» ولم أنه مهمتي 
بنجاح حتى 22 نيسان وتسلمت على إثرها من الوزير البريطاني في طهران برقية 
تقدير وشكر. وكنت أشعر بوعكة في آخر يوم أو يومين من المفاوضات حتى إني 
لم أستطع البقاء إلى نهاية المأدبة التي أقمتها تلك الليلة احتفالاً بإبرام الاتفاق» إلا 
بعد أن تناولت كمية كبيرة لا تصدق من الأسبيرين قبل العشاء. وقد شربت خلالها 


00 


مقداراً كبيراً من الشمبانيا. وفي اليوم التالي أشير عليّ بملازمة الفراش وفي 24 من 
الشهر أدخلت المستشفى العسكري مصاباً بالتيفوئيد وبحالة خطرة ورجحت أني 
أصبت به جراء شرابي قدح شاي عندما توقفت في قرية من مجموعة قرى غرب 
(دزفول) بصحبة أحد حرسي الفرسان السابقين. ولذلك كانت مصيبة (نويل) فائدة 
لي» فلو كنت في دزفول التي لا يوجد فيها طبيب» طوال فترة حضانة المكروب 
لكنت الآن في عداد الموتى على الأرجح. هكذا شاءت الأقدار والفضل يعود 
مطلقاً إلى حسن التمريض والعناية الكبيرة التي لقيتها على يد أختين من 
الممرضات التابعات للجيشء أرسلتا من البصرة للعناية بي بصورة خاصة. لقد 
أنقذتاني من عدة اختلاطات مرضية كان كل واحد منها كفيلاً بإيرادي حتفي. وما 
أصبحت على شيء من القوة حتى سافرت إلى بريطانيا مريضاً ناقهاً (دامت سفرتي 
من أواسط حزيران حتى نهاية أيلول) إلا أن متاعبي لم تنته. ففي يوم إعلان الهدنة 
بالذات أصبت بالإنفلونزا الإسبانية ومع أني كنت أستطيع الخروج من مستشفى 
(ميلبانك) بعد قضائي ستة عشر يوماً إلا أن ضعفي العام أدى إلى معاودة مرض 
التهاب جدار الوريد :تاناءاط5 الذي كان مصدر إزعاج لي منذ تركي الأهوازء 
يزورني بين آن وآخر ويجعلني أكثر حذراً وعناية بنفسي. 


أخيراً وفي نيسان 1919 دة تقرّر ألا مانع هناك يحول دون عودتي إلى العراق 
شريطة أن يقصر عملي على واجبات حفيفة. وتقدمت إلى دائرتي ببغداد في أواخر 
أيار بعد فترة بطالة أمدها ثلاثة عشر شهراً» وبناء على التوصية الطبية عينت في 
المقر بوظيفة معاون إداري لوكيل الحاكم المدني النقيب أ.ت. ويلسن (منح لقب 
سير فيما بعد) وهو صديق قديم من أيام (بوشير) ولم يكن في مثل هذا العمل 
الرتيب ما تطمئن له نفسي. والمهمة الوحيدة التي ألقيت على عاتقي كما ذكر طوال 
تلك الفترة القصيرة» هى تأمين راحة (سالار الدولة) قدر 220000 
عسكرية ضربت له داخل أسلاك شائكة وفي وسط معسكر كثير الشا د وبزرعة 
حرارة ثابتة قدرها 105 درجة فهرنهايت في الظل. و(سالار الدولة) هذا هو الابن 


71 


الضال المشاكس للأسرة الحاكمة القاجارية فى إيران كان قد ظهر مرة أخرى فى 
المناطق الكردية على الحدود التزكية الإيرانية يثير القلاقل والشحناءء ثم أقنع 
لذلك غمرتني السعادة عندما عدت في أمسية من النادي الرياضي لأجد رسالة 
مثبتة بدبوس في فراشي» وكانت بخط يد ويلسن المستقيم السطور المائل الحروف 
«س.ج.أ. (الأحرف الأولى من اسمي)2: 
منح (صون) إجازة أمدها 14 يوماً قد تمتد أسبوعاً آخرء ومن 
الضروري ملء منصبه» وليس عندي غيرك. هل يمكنك السفر غداً 
ليلا إلى (بيجي) بالقطارء وبعدها بالسيارة؟ من الآن فصاعداً 
ستكون برتبة رائد (ميجر) وسأقوم بتسوية هذه القضية مع القيادة 
العامة فيما بعد. 
أأت.و. 8 - 6 
قضيت إحدى عشر ساعة في القطار لقطع 130 ميلاً من بغداد (ضفة دجلة 
اليمنى) إلى بيجي. وهو الجزء القصير من سكة حديد بغداد الذي أنجزه الألمان 
قبل الحرب. وكان الجنرال (فريزر) قد أرسل سيارته الفوكسهول (سيارة نادرة في 
تلك الأيام) مع سيارةٍ أخرى (فورد) ناقلة لاستقبالي. وأسرعت تقلني في سحب 
من الغبار عابرةٌ بي جسراأً خشبيا على الفتحة. وراحت تجري فيما بدا لي بلقعا يبابا 
لااماوايية ولا .لون :إلا الرمادى الكسيغ سين كر كرك ركز اللراة المسمى بالأئت 
نفسه. بلغتها ظهرا ونزلت ضيفأ على مطعم الضباط السياسيين وطياري القوة 
الجوية. وكان اجتماعي (بصون) لا يزيد عن الساعة الواحد قبل سفره إلى البصرة. 
وبعدها قدمت نفسي للجنرال (فريزر). ووضع الرائد س.ه. لونككريك .5.58 
288 وهو ضابط كركوك السياسي - مكتبا لي في السراي التركي القديم (حيث 
يقرم مطعم الضباط أيضاً) وهو بناء واسع ذو باحتين أو ثلاث تتعاقب الغرف على 
طول أضلاعها. وكانت نوافذ مكتبي تفتح إلى الشرق.وتطل على النهر (أو 


72 


بالأحرى قاع النهر لأن «خاسه» لم يكن في ذلك الفصل غير خيط رفيع يترقرق 
ماؤه القليل في مجرى عريض مفروش بالحصباء) ويعلو النهر جسر ذو مظهر 
حديث وطالعني فوق التل العظيم المربع المهجور من الجانب القصيء مشهد 
متجموعة من منازل ذات لون أكمد بافت كالتزات المحترق» مبثية بالخص 
والحجارة غير المهندمة» وتبينت منارتين أو ثلاثاً تجعل برج «بيزاه يحمر خجلا 
منها. وإلى جوارها عدد كبير من قباب مطلية بالجص الأبيض تعلوها أعشاش لقالق 
فيها فراخ قد قويت أجنحتها لكنها لم تبلغ مرحلة الطيران. 

ومع سروري بخلاصي من عملي القلمي الكريه في بغداد» إلا أن سعادتي لم 
تكمل بحالتي هذه. فقيمة الضابط السياسي بالمقارنة مع ضابط الاستخبارات 
وبحكم وجوده في ميدان الحرب» هي معرفته لا باللغة المحلية وحدها بل بوقوفه 
عموماً على جغرافية منطقة العمليات» ومعرفته بالقبائل والشخصيات المبرزة التي 
تقطن هناك» معرفة سابقة أساسية وإن أنيطت به الإدارة كما هي العادة» فستزداد 
معرفته وتستدق. ولقد وجدت نفسي آنذاك» وأنا عاطل عن كل هذه المؤهلات 
وشعرت بأني دفعت دفعاً إلى منصب زائف. فكل ما أملك هو معرفتي اللغة 
الفارسية التي يتكلمها معظم كرد الجنوب من ذوي الثقافة الأولية وهم أيضاً 
يكتبوها بيسر وسهولة» تلك المعرفة التي لم تجد لها منطلقاً للممارسة بعد ختام 
العمليات العسكرية الفعلية. ومع صلتي بالجنرال (فريزر) منذ حرب الفرات 
وانسجامي معهء فإنه كان معروفا بنفوره الشديد من الضباط السياسيين كصنف من 
أصناف الجيش لا كأشخاص. وبدا لي أن تغاضيه عن قصوري وعيوبي ليس 
متوقعاً. إلا أن الأحداث أيدت ألا محل لمخاوفي هذه - على الأقل بالنسبة إلى 
النقطة الأخيرة. لقد كان ضباط أركانه كلهم زملاء طيبين ممتازين. والجنرال نفسه 
أبدى لي من العطف ما لا مزيد عليه. 


وباشرت عملي بمساعدة (لونكريك) ومعاونيه النقيب أف. ميللر 381165 .4.1 
والملازم (ليز) من حلبجة الذي عاد إلى القوة الجوية طوال مدة العمليات» 


13 


ورحت أملاً ثغرات معرفتي قدر ما أمكنني خلال الوقت القصير الباقي. وقام الرائد 
كلود أو كنليك عاءهاهناءدم ووسرون”؟ ضابط ركن الحركات بشرح الجانب 
العسكري من الصورة. وأخذني (ليز) إلى الفضاء في أول طيران لي» عقبته مرات 
متتالية من سماء كردستان. 

استكمل فريزر تحشيد قواته في منتصف حزيران مع موجة الحر اللاهب التي 
رفعت درجة الحرارة في الظل إلى 114 فهرنهايت وهي أعلى رقم لمعدل الحد 
الأقصى للحرارة البالغ 105 درجة في هذا الوقت من السنة عادة. وفي 15 حزيران 
نقلت إلى مطعم مقر القيادة وأقلتنا السيارات نحو جمجمال. 


(1) سر كلود جون آير أوكنليك» ولد في 1884 بأولستن وخدم في مصر والعراق أثناء الحرب العالمية 
الأولى. أصبح قائداً عاماً للجيوش البريطانية في الهند أول الحرب العالمية الثانية. ونقل قائداً عاماً 
في الشرق الأوسط العام 1941 أحرز للحلفاء نصر ليبيا الأولى حتى وصل بنغازي» ثم عاد إلى 
القيادة العامة في الهند» ورفع في العام 1946 إلى رتبة مشير. (المترجم). 


14 


:4ت 
جمحمال 


م 3 


كانت جمجمال مركز قضاء بهذا الاسم بينما عرف في عهد الأتراك بقضاء 
(بازيان) وأخضع للسليمانية. وهو يتألف من ناحيتي (سه نككاو)» والمركز 
(جمجمال) إلى جنوب قره داغ. وإلى الجهة الشمالية منه ناحية بازيان. وتقع ناحية 
(قه لا سيوكه) في أقصى الشمال الغربي من سفح قره داغ وهو ينحدر متطامناً نحو 
الزاب. وتسمى أيضاً بناحية (أغلجر). فتكون الوحدة الإدارية ذات شكل عجيب 
منتظم طولها من سيروان إلى الزاب يبلغ ثمانين ميلاً وعرضها يتفاوت بين عشرة 
أميال وخمسة وعشرين. وبعد إعلان الهدنة اختارت قبيلة (شيخ بزه ينى) والسادة 
الجباري الالتحاق بإدارة الشيخ محمود» فأصبح القضاء أعجب شكلاً وؤأصعب 
إدارة وسيطرة. 

إن (شيخ بزينى) قبيلة حضرية استقرت في سلسلتين من القرى على ضفتي 
الزاب وبالقرب منه. تبعد مسافة 40 ميلا شمال شرق كركوك. وآغواتها يدعون أنهم 
سلالة أربعة أخوة: حسن آغاء محمود آغاء حاجي حمز*””» ملا عباس. 
(1) تشير القائمة التي نظمتها في هذا الزمن إلى وجود 25 قرية (تسكنها خمسمائة أسرة) على الضفة 

الجنوبية (أي اليسرى) و11 قرية (تسكنها 350 أسرة) إلى شمالها. وثئمة قرى أخرى بعيدة عن النهر 


أقرب إلى (كوي) قيل إن أصلها يتصل (بشيخ بزه ينى) إلا أنها قطعت صلاتها القبلية وانفصلت 
انفصالاً تاماً. 


75 


والأخيران منهم قدما هذه الأنحاء من «الشمال» وربما"'' كان ذلك في مفتتح القرن 
الثامن عشر ومن النادر ألا تساعف الكردي العادي الحجة في تخريج اشتقاق أو 
اختراع لاسم فيه طرافة. وتروى دائماً الحكاية التالية عن أصل اسم (شيخ بزه 
ينى): يقولون إن والد هؤلاء الأخوة الأربعة أو أبعد أسلافهم» كان شيخاً عالماً 
تقياً مرشداً لكثير من المريدين. وفي ذات يوم كان يركب بغلاً يرافقه خادم واحد 
وهو يتجول في المنطقة فوقع في يد عصابة من اللصوص فحاول احتثاث دابته 
لتسرع به. وكان كلما أهوى بضربة عصا على بغله نبت في رأس الحيوان قرن 
ليطعن به واحداً من المهاجمينء وامتلاً الفضاء بصراخ الألم وما أن أدرك الخادم 
الحقيقة حتى راح يحث سيده على بذل المزيد من المجهود وهو يهتف بالفارسية 
«شيخ بزن! شيخ بزن - أضرب يا شيخ» أضرب يا شيخ!). 


في العهد التركي كانت (شيخ بزه ينى) الجنوبية مقسمة بين قضاءي كوي 
وجمجمال ومركز كركوك إلا أن القبليين العاديين المنحدرين من نسل الأغوات» 
وهم كثيرون جداً نسبة إلى صغر هذه القبيلة» ظلوا يحافظون على وحدة تضامنية 
فيما بينهم. وقد أعلنت المجموعة بأسرها انضمامها إلى (الشيخ محمود). ومنذ 
زمن غير بعيد أعيد إلى أربيل القسم الساكن على الضفة اليمنى مع بقية قضاء كوي 
على أنه يوجد ثمة شريط من الأرض طوله عشرون ميلاً وعرضه يكاد لا يزيد عن 


(1) ينوه كتاب الشرفنامة (1596) باسم (شيخ بزه ينى) ولا يعطي تفاصيل» في أثناء إبراده قائمة بأسماء 
القبائل الكردية الساكنة في منطقة ابن عمر. هذا وإن النسل المنحدر من (حسن آغا) استقر في 
مجموعة تتألف من خمس قرى أكبرها قرية (كاينجة) على الضفة اليسرى من الزاب الكبير إلى 
الشمال قريبة من الطريق العام بين أربيل والموصل وقد ذكر عن وجود مجموعات معزولة من قبيلة 
(شيخ بزه ينى) في كردستان التركية إلى الجنوب الشرقي من كاستامونو 13542532080 القريبة من نهر 
قزيل أيرمق جنوب شرق أنقرة. وإلى شمال أرضوم كما أورد بعض السياح. وأن جوامير آغا ابن 
توفيق قصروك الذي ذكرته في المتن» ذكر لي في سياق حكاية «القرون النامية» أن أصل اسم 
القبيلة هو (ده ربه ندى). على أني أراه وقد اختلط الأمر عليه» فمزج بين هذه المجموعة؛ 
ومجموعة أخرى مجاورة تتألف من أربع قرى. 


16 


أربعة أميال من أبعد نقطتين. وهي محشورة حشرا بين النهر وبين سائر ناحية 
(شوان) التي كانت هذه القرى ترتبط بها في الماضي وبقي هذا الشريط إلى عام 
3 وهو جزء من ناحية تسمى ناحية الزاب تابعة لقضاء جمجمال. وكانت هذه 
القبيلة موضع اهتمامنا الكبير لأن قرية (طقطق) والعبارة النهرية على الطريق العام 
بين كركوك وكوي يقعان في منطقتها وكان الشيوخ والرؤساء الذين نريد توثيق 
صلاتنا بهم يسكئون في الضفة الشمالية وهم محمود آغا سه رتيك حفيد عجوز من 
أحفاد حاجي حمزة» وتوفيق آغا قصروك حفيد ملا عباس مع ابن أخ لتوفيق» 
وفارس آغا سرجنار وهؤلاء يسكنون الضفة الجنوبية. 


وإلى جنوب جمجممال كان السيد محمود جباري أخلص أنصار الشيخ 
محمود وأكثرهم تحمساًء وسلطانه يمتد على مجموعة من القرى المتحدة يزيد 
عددها عن العشرين وتقع على الضفة اليمنى من نهر (باسه ره) ولقد شكل من هذا 
الأسفين الذي ينفذ عميقاً في منطقة كركوك ناحية جديدة باسم ناحية (جباري) 
ألحقت بقضاء جمجمال. ولم يكن للسيد محمد منافس قوي في أسرته وأقربائه» 
ومقامه الديني أسمى من أن ينازعه فيه أحد وكانت طاعته واجبة على القرويين 
ولذلك فمنزلته مساوية لشيخ قبيلة مهمة. ولم أكن أدري لماذا وضعته الإدارة في 
قائمتها السوداء. 


وظلت ناحية قه لا سيوكه (10,000 نفس) شوهاء الشكل فترة من الزمن 
لإدماجها بناحية الزاب”” التي تتألف من بضع عشرة قرية على النهر لكنها أعيدت 
إلى حدود ما قبل الحرب ويحد الناحية الزاب من الشمال؛ وجبل (بنزرد) من 
الشرق. ويحدها من الجنوب خط يمتد ثلاثة أميال أو أربعة بموازاة طريق كركوك - 


(1) إن أرقام السكان التي سنستمر على إيرادها في المتن أثناء وصفنا النواحي» هي بحسب إحصاء سنة 
7 - هذا إن لم نشر إلى العكس. وقد تكون أقرب إلى الحقيقة حتى لو اعتبرناها أساساً لتعداد 
السكان قبل خمس وعشرين سنة. وهي أفضل من التقديرات التقريبية التي وضعنا قاعدتها على 
أساس عدد البيوت في كل قرية» بحسب تقارير مدراء النواحي ومأموري الضريبة. 


77 


سليمانية على شماله» ويحدها من الغرب ناحية (شوان) إن القرى العشر والنيف 
التي جاء ذكرهاء هي تحت نفوذ شيخ ديني يدعى (شيخ عبد الله عسكر)”" الذي 
التحق بثورة الشيخ محمود. وأغلبية القرويين في القرى الأقرب إلى الطريق إما 
أجراء» أو مستأجرون أرضاً لمزارع مملوكة ترويها الأقنية (وأكبرها قرية أغجلر 
التي تسمى الناحية باسمها أحياناً) وهؤلاء أكثر من غيرهم خضوعاً للسلطة 
المركزية. 

وبسكن (الهماواند) كلا من ناحيتي مركز جمجمال (12,000 نفس) وبازيان 
(42,000 نفس) التي هي قلب القضاء. وهؤلاء وإن كانوا من أصغر قبائل الكرد 
الجنوبية فلعلهم أشهر قبيلة مقاتلة حتى العام 1925. ويقال إنهم قدموا من هضبة 
إيران في مفتتح القرن الثامن عشرء واستقروا في أراضيهم الحالية عنوة وبقوة 
الفتح» واسمهم بالذات يوحي بحداثة مجيئهم. ولهجتهم تشابه لهجة كرمنشاه. لقد 
أبدوا العون لأمراء بابان في السليمانية وقاتلوا الترك. وبعد انقراض هذه الإمارة 
ظلوا شوكة في جنب العثمانيين. 

غيِّر الهماواند ديارهم مراراً لعدد من السنين في كل فترة. فانتقلوا عبر الحدود 
إلى منطقة قصر شيرين في زهاب ليقلقوا راحة الإيرانيين. وأمن لهم انحيازهم إلى 
إحدى الحكومتين ضد الأخرى ثم الانقلاب عليها والتزام جانب الأخرى - 
الاستمرار في تدويخ المنطقة من الموصل إلى بغداد؛ ومن كركوك إلى كرمنشاه 
حتى وجد «ظل السلطان» الابن الأكبر لناصر الدين شاه القاجاري؛ الذي كان 
آنذاك نائباً لأبيه الشاه في عاصمته أصبهان - لجنوب إيران» إن من الخير والحكمة 
تعيين زعيمهم جوامير آغا بمنصب حاكم (زهاب). وتلك واقعة يثبتها وجود القلعة 
الكبيرة في قصر شيرين التي ما زالت تعرف إلى يومنا هذا باقه لاى جوامير آغا) © 


(1) إن جعفر باشا العسكري ضابط ركن (فيصل) المعروف» جاء لقب أسرته من قرية عسكر هذه التي 
نزح منها أبوه. 
(2) هذا هو التصوير اللفظي للاسم باللغة الكردية وهو شبيه باللفظ الفارسي (جتاغرد) أي (فتى)- 


78 


وبسقوط (ظل السلطان) عام 1888 ثار جوامير ثانية لكنه اغتيل بعد بضعة أشهر 
بإحدى المؤامرات الغادرة المأثورة عن القاجارييه©. 

وبهزيمة القبيلة هزيمة وقتية» فرت من إيران وعادت إلى (بازيان) فأوقع بها 
الأتراك في كمين ونفوا نصفها إلى شمال أفريقيا"؟ ونفوا النصف الثاني إلى (أطنة) 
وكلا الموقعين يبعدان زهاء 500 ميل بخط مستقيم عن بازيان. وتعد عودة 
محاربيهم بزوجاتهم وأطفالهم من شمال أفريقيا إلى بازيان في العام 1896 أي بعد 
سبع سنوات من النفي - ملحمة من أروع الملاحم وأكبرها في تاريخ الكرد 
القبلي» وحذا منفيو (أطنه) حذو اخوانهم» فشقوا طريقهم وحدهم دون ذويهم. 
لكن الحكومة التركية وافقت على إعادة زوجاتهم وأطفالهم إلى ديارهم تخلصاً من 
متاعب وقلاقل أخرى. 

إن نواة قبيلة (الهماواند) هي أسرتهم الحاكمة التي تدّعي أنها نسل الأب 
الأكبر (خوادى) الذي ربما عاش في القرن الثامن عشر. ومآثر القبيلة وذكرياتها لا 
تتعدى الجد الأعلى (حمه - همه) الذي اتخذت القبيلة اسمه. فالأسرة الحاكمة 
تنقسم إلى أربعة فروع منها ثلاثة تنحدر من صلب ثلاثة من أبناء (خوادى) الأربعة 
وتدعى بأسمائهم وهي (راماوند) من رمضان و(سفارواند) من صفر و(ره شاواند) 
من رشيد أما الفرع الأكبر والأوسع فهو من نسل الأخير وهو الابن الثالث (يادكار) 
إلا أنه يعرف باسم (به ك زاده - بكزاده). 


هنالك عدد من القبائل الصغيرة رافقت (الهه ماوه ند) في هجرتها الأولى 


-ويلقب به الفارس أو الشجاع» ويقصد به المعنى بالضبط. وقد ورد في كتاب (صون) هكذا جوان 
مير +261 13:5 أما (كرزن) والآخرون فقد أخطأوا في نقله. 

(1) ذكر الحادثة كل من كرزن همدت (بلاد فارس» ج2 صص2»)276 وروزن 20268 (ذكريات شرقية 
لدبلوماسي ألماني: لندن 1930): ص251. 

(2) يذكر (صون) أن نفيهم كان إلى (طرابلس) سوريا. لكن مصادري الكردية المدونة تذكر (طرابلس) 
الأفريقية والهماواند أنفسهم ما زالوا يرددون ذكريات مغامريهم في مدينة بنغازي. 


179 


وأهمها عشيرة «سيته باسار)'" وسبق لعشيرتين صغيرتين أن استقرتا في بازيان 
وكافروشي وانتشرتا في خمس قرىء» كما استقر جزء منهما في شنكى بقريتين. 
وبقيتا لتكونا مواليتين للمستوطنين الكثيري العدد. وفي زمن احتلالنا كان أغوات 
«الهمه واند» يستقرون في كل القوى السبعين التي تتألف منها الناحيتان باستثناء 
اثنتي عشرة قرية هي من أملاك الشيخ محمودء وخمس قرى أخرى بيد سيته باسار 
ويشار إليهم بالقرويين كجماعتهم الكوران. تفريقاً لهم عن القبلبين. 

إن الأسماء القبلية المنتهية بلفظة (وه ند) ليست من المألوف في كردستان 
الأصلية لكنها والحق يقال دارجة عند (اللك» واللر) وقد جاءت هذه الصيغة من 
الفعل (وه ندين) في اللهجتين اللريه واللكية ومعناه رمى أو قذف. ولذلك يقصد 
بالزيادة: الشطء أو النسل» ومن ثم لا بد وأن يكون الشق الأول من الاسم القبلي 
اسم جد دائماً لا اسم موقع من المواقه©. 


هناك مسألة أخرى تلفت النظر في شجرة أسرة (الهه ماوه ند) وهو شيوع 
اختصار أسماء الأشخاص عند الأكر ادء أو استخدام الاختصار للتحبب. إن بعضها 
يبتعد عن الأصل ابتعاداً كبيراً بقدر ما يختلف اسم التحبب (ديك) عن أصله 
(ريتشارد) فااحمه) هو من (محمد) و(رمه) من (رمضان) و(ره شه) من (رشيد). 
وهناك مختصرات مشابهة ك(عبه) من (عبدالله) و(أحه) من (أحمد) و(بله) من 
(بهرام) و(فه ته) من (فتاح) و(خوله) من (محمود) و(مجه) من (مصطفى) و(ناله) 
من (نادر) و(بيزه) من (بيروز) (اسم فتاة)» و(قاله) من (قادر) و(شفه) من (شريف) 
و(سه له) من (سليمان). ولا قيود ثمة حول استعمالها. فبعض الرجال يسمون بكامل 


(1) من القبائل التي ظلت محافظة على قوامها: همائيل ويتماوند وفوركاواند وبايلاواند» وثمة عشيرة 
أخرى صغيرة اسمها سوفيواند نصفها يعيش مع الهماواند ونصفها مع الجاف. 

(2) يرى باحث ألماني أن هذه الزيادة اللغوية مشتقة من الجذر (بند > به ند) مما يعني (ذو) أو (تابع). 
على أن الأصل الذي أثبته في المتن وكان أول مصادري له» مثقف لرستاني من (خرم آباد) يبدو لي 
أكثر انطباقاً على الوقائع لأن لديه نظائر في اللغات الأخرى. 


50 


أسمائهم وبعضهم ينادون بالمختصر من الاسم. وبعضهم تتوقف تسميته على ما 
يفضله المخاطب أو على درجة صلته بالمتكلم. وتشيع أسماء النعوت أيضاً مثل (أحه 
ره ش) أي أحمد الأسود أو الأسمر و(حمه شين) أي أحمد ذا العينين الزرقاوين 
و(مجه بجكول) أي مصطفى الصغير. ولما كانت معظم أسماء الأشخاص من 
الأسماء الشائعة الكثيرة التردّد فتفادياً للخطأ جرت العادة بذكر اسم الأب وأحياناً 
يضاف اسم الجدء إذا كان الشخص موضوع حديث بين آخرين وترتبط الأسماء 
المتعاقبة بحرف النسبة مثل (كه ريمى فتاح» عزيزي شريفي جليل). 


ومن قائمة السياح السابقة لعل (فريزر) - 1834 أول من ذكر الهه ماوه ند في 
قره داغ؛ ذكر دليلنا أموراً غريبة عن قبيلة (لهه ماوه ند) التي تسكن أراضي 
مجاورة؛ قال إن عددها لا يزيد عن (500) أو (600) بيت. وقد أصبحوا الآن فهم 
أشد شوكة وأعز جانباً من القبيلة الأخرى المسماة (الجاف) التي تعد ما بين 
0 و12,000 بيت أو خيمة. ولا يجرأ فرد من الجاف على الدنو من حدودهم 
وإن فعل ذلك صرع حالاً» بينما يخرج (الهماواند) بعشرين أو ثلاثين محارباً 
ليغيروا على الجاف في عقر دارهم» وأنا أرى في هذه الرواية بعض المبالغة لأن 
الجاف يمكنهم تقديم ألف فارس شديدي البأس للباشا وقت الحاجة. 


ويشهد كل من (كليمان - 1853) و(برزيزوفسكي - 1869) بصيت (الهه ماوه 
ند) في أعمال الشقاوة: فيقول أولهما: «أهم قبيلة كردية تسكن المنطقة هي (الهه 
ماوه ند) أقوى كل القبائل وأشهرها في البسالة والجرأة على الغزوء والثورة 
الدائمة». ويقول ثانيهما: «في الليلة الثانية (بعد مغادرة السليمانية) توقفنا عن السير 
عدة مرات لنقوم باستطلاع الأرض» حيث.يشك في وجود عدة كمائن ينصبها 
قطاع الطرق (الهاموفاند) الذين يسكنون في إيران على الضفة الأخرى من نهر 
ديالي ويقومون بغارات مستمرة من هناك ينشرون الفزع والهول في سائر المنطقة 
التي تمتد ما وراء كركوك وأربيل»0". 


(1) أورد المؤلف هذه الفقرة في كتابه بنصها الفرنسي. (المترجم). 


51 


52 


و لوخ ررك 
شبجرة استكرة الهسّاوند (رههماوه ند) 


ره شا ش 2 
ظ ظ يا صعص 2 
-2آ1 م م م ا ا 
ل 0 | 
- سر 
حاي يد يله عمد ئ ظ 
١‏ ظ ؤ حيه رضًا عهدد 
' فتاح وف ١‏ 
مالك يف أله ظ ل ظ 
0 رسو( ٍ 
ظ ا 5 
0 لتنل م سلمان فتاح فى فادد 
م ا ب 
| 1 تم عامس 


ولا تختلف روايات معظم السياح الآخرين عن ذلك و(إينزورث - 1837) 
يذكر أن (الهماوند) أعلنوا الثورة على الترك. ويحدثنا (فيلكس جونز - 1844): 
أنهم كانوا يعيثون سلباً ونهباً بين خانقين وقصر شيرين» عندما مرّ في ذلك الطريق. 
إلا أن زعماءهم جاؤوا لزيارة (راولنسن) في (بولي - زهاب). ويقول إذ قيل له إن 
الطريق مقطوع بسبب إغارة عصابات الكرد (الهه ماوه ند) وإن المنطقة كلها 
تنتفض هلعا وخوفاً منهم حتى كان القرويون في كل مكان يتوهمون في كل قادم 
من بعيد هماونديا مغيراً ويتهيئون للمقاومة ثم يتضح أنهم أخوة لهم. ويتحدث 
(ديكسن - 1909) عن: «الهماوند المرهوبي الجانب». وكان (مارك سايكس - 
3) الوحيد بين السياح الذي قام برحلته في فترة من فترات الهدوء النادرة عند 
(الهه مواند) عقب العمليات العسكرية الناجحة التي قام بها ضدهم (إسماعيل 
باشا) وقد استقبله أحد أعوانهم (حمه رشيد حيدر) في جمجمال استقبالاً كريماً 
(لعله يقصد أميني رشيد رئيس الهه مواند) ونوه (سايكس) بالحرس الذي خصصه 
الشيخ لحمايته فقال «إنهم يركبون خيولهم كما يركبها (السنطور الخرافي)» وإن 
السهولة العجيبة التي يستخدمون بها بنادقهم إذ يطلقونها يمنة ويسرة» ويستديرون 
فوق سروجهم استدارة كاملة قد نقنع كل شخص يشك في قابلية الخيالة غير 
النظامية على تعقيب المشاة المنهزمين». 

ويصف (صون - 1908) وصفاً دقيقاً حالة الرعب التي استولت على قافلته التي 
كان يرافقها فصيل من الجندرمة الترك أثناء سيرها من كركوك إلى السليمانية إن 
ظروف مثل هذه الحادثة لدى الفريق المهاجم يمكن أن يفهمها القارئ فهماً دقيقاً 
من قصيدة تفضل بها علي بعد سئين - صديقي الجليل المرحوم (حاجي توفيق - 
بيره مرد) صاحب الجريدة الأسبوعية (ين) ورئيس تحريرها. وفي الجزء الذي 
نقتبسه منها تراه يقارن أيام المحن الغابرة بالأوضاع الطيشة التي أمنها حكم 


الانتداب207. 


(1) عن طريق الكتابة الكردية بالحرف اللاتيني التي اتبعتها هناء انظر مقدمة الكتاب. وفي هذه- 


53 


وولاتي هه ماوه ند 
جاراندهرورزبهههجهههجهوبارهبهريهوه 
بهدكهرماوسهبوونليزمهىباراوتهريهوه 
ترسى تريدهء يشكهشى سور»ء شه وفرينى دز 
ده ستياوى بارى كهوتودلهجيكهى خليل وخز 
تهركى كزيرو خانهبكروموريانى نوين 
بوتهدىكهييانووء كفري قهتارجى. به لارو جوين 
جه نكك سووته كهى به ئاوو كهرووى نوردوه نانى كون 
جدتهولهقى ناوتهويلهوهالاوىتهروس وبون 
تاكرىتهبالهء لوكسى كزقل كهفينسهك 
ده ستهويه خهدىق هتارجى لهسهر كاوشهرهكوتهك 
سيخورمهى قهتارجىبوههلسانوبهلهى 
لوقوتريسكهى ئيستروبازدانى جوكهلهى 
لاسهنكى باربدهرهبيهربارسهنكى خواريهدكهى 
خوووتى بيت لهخرتكهجوولهودهشت جي ثهكهدى 
هيجحجكاركهئافروتت لهتهكابووبهترسهوه 
ههرسواريك دهركهوى ئهلى ى ثاى جهردهيهئهوه 
باج وبيتاكىزهنكنه كيرو كرفتى جاف 
هه جيش كههات هرى هه مه وه ند بردى ساف له ساف 
بهمكويرهوهريهوهركيوههء ب هجلكوهدوه 
سى بهنكهوهركهرراوهبهروريشي كولكهوه 


-المقطوعة وما يليها من التراجم الشعرية سيجد القارئ أنها فقدت في الترجمة كثيراً من جمالها 
وروعتها بسبب الترجمة الدقيقة التي حرصت عليها ليكون المقتبس ذا أهمية عند متدارسي اللغات 
الإيرانية. 


تينجادهجويتهشارهوه» تاومالى عاصمه 
بيت وبنوسريت نابيته خوى ى جيشت ئ همه كه مه.. 


يلاد الهماوند 
نموذج من اللغة الكردية يقدم مع الشكر والاحترام للمستر إدمنز 

في الأزمان الغابرة. مرت عشرة أيام في سوق الحيوانات ورفع 
الأحمال حرٌ وسمومء عواصف ومطر وندى. خوف من قطاع 
الطرق؛. رشاوى للحرس» سرقات في الليل. التعاون على إنهاض 
الأحمال الساقطة: في المواضع الزلقة المنحدرة» التعب المستولي 
على القائد والحرس. القمل في الفرش. سخط السيدة الكبيرة» 
سياب البغالة وكفرهم» دفقات من الشتائم. 

قليل بقي من الحساء المغلي. رقائق الخبز القديم فقدت ليونتها. 
الرفس والضرب في رتل البغال قائم على قدم وساق. البخار 
المتصاعد من الروث والخرا. النيران الموقدة من جلة البقر واللهب 
المتصاعد من لحاء البلوط ونباح الكلاب. إلحاح البغالين بطلب 
العلف واقتتالهم بالعصى. يخزونك وخزاً ويضربونك ليوقظوك من 
النوم صباحاً. ركض البغال ثم حرونتها ثم قفزاتها فوق برك الماء. 
الأثقال غير متوازنة» «هلم وازن الحمل من الجهة الأخرى لثلا 
يسقط» ثم تقع أنت ويلتوي كعب قدمك. ماذا ستصنع في هذه 
القفار؟ والويل لك إن كانت معك امرأة. إنها لتصرخ خوقاً كلما 
لاح فارس» «ويلاه هذا قاطع طريق»! 

ابتزاز قبيلة الزنكنه» وقطع الطريق الذي يقوم به الجاف؛ وكل ما 
يقع في طريق الهماواندء يأخذونه ولا يبقون منه شيئاً. وبهذا الضنى 


585 


والقلق» مع القذارة وآلام الظهرء وشعر ولحية يلطخها الوحل. 
تصل المدينة شبه ميت لتجد لك بيتاً داخل العاصمة. إن وصفي. 
الكتابي هذا هو قليل من كثير يكاد لا يعدو إضافتك ذروراً قليلاً من 
الملح على وجبة طعام... 


والآن... 


جمجمال قرية صغيرة جدأء تمتد على طول مجرى ماء وبأسفل تل كبير 
منداح وقد كان النقيب (ل. بوند 8054 ..1) معاون الضابط السياسي فيهاء أسيراً في 
السليمانية» لكنا وجدنا بعض الموظفين المدنيين قد بقوا في دوائرهم ومنهم ستة 
فرسان من حملة البنادق الهماواند بزيهم الكردي» اتخذتهم حرسا خاصا لي. 

استيقظنا في الساعة الثالئة والدقيقة الثلاثين من فجر اليوم الذي تلا وصولنا 
وهو 16 حزيران» وقمنا باستطلاع تعرضي من جهة (ده ر به ندى بازيان) إذ 
وصلتنا معلومات تفيد أن الشيخ محمود قد تحصّن مع قبائله في الطرف الجنوبي 
من المضيق. كما حشد في طرفه الشمالي قوة مختلطة من مقاتلي القبائل والليفي 
المدرب تدريباً بريطانياً. وبعد مسيرة ثمانية أميال من خلف جمجمال انتهت 
الأراضي الترابية المتعادية وراحت الأرض أمامنا تنداح وترتفع ارتفاعاً رقيقاً 
متواصلاً باتجاه الشمال الشرقي. وتمكنا على نور الغبش الوضيء أن نرى فيما يلي 
حقلاً واسعاً من سيقان السنابل الصفراء البراقة» وجدار قره داغ الطويل قائماً في 
الجهة الجنوبية الشرقية يأخذ بالانخفاض وهو ينحدر نحونا بشكل حرف .7 وهذه 
الفتحة التي كانت مسرحاً لكثير من المعارك المحلية الطاحنة تأخذ ثانية بالارتفاع 
سريعاً إلى أن تبلغ قمة تعلو على مستوى المضيق نفسه بمقدار (1700) قدم. 
ولاحظت حوالي مائتي خيال في المقدمة يقومون باستكشاف الطريق» وسمعت 
إطلاقات نارية متقطعة. في اليوم السابع عشر تقدمت الحملة كلها إلى قرية (تكية 
كاك أحمد) التي تبعد ثلاثة أميال عن الفتحة. وقبل انبلاج صباح اليوم التالي بدأ 
المشاة يصعدون بسكون تام المرتفعات من جميع الجهات. وبوصولهم القمة في 


56 


أول خيط من خيوط الفجر فتحت المدفعية نارها على المضيق وما وراءه وكان ثمة 
رجال قصار القامة بدائيون من العنصر المغولي يحملون سيوفاً معقوفة زيادة على 
سلاحهم النظامي. كما كانت الكوركه يحملون السكين العريضة (الككوركى) طوقوا 
القبائل التي كانت في مواجهتهم وقيل إن جهداً خارقاً قد بذل لصدهم عن قطع 
رؤوس الجثث الثماني والأربعين التي خلفها العدو في الميدان. 


كنت راكباً مع الجنرال» وفيما نحن ندنو من فم المضيق» أحضر حوالي مائة 
أسير من الطرف الشمالي الذي لم يكن القتال فيه شديدا. ودفع من كان منهم من 
جنود الليقي ببندقيّاتهم إلينا تأكيداً بأنهم لم يطلقوا رصاصة منها وأسرعت بإلقاء 
الأسئلة على ضابطيهم باللغة الفارسية. فأعلمني أولهما أنه رأى الشيخ محمود يقزل 
في مشيته على ساق واحدة لإصابته بجرح في كعب رجله ورجح الآخر بأنه ربما 
أصيب بجرح خطير ثان» وإن لم يكن الآن في عداد الموتى. فلعله يحاول الهرب 
إلى (دارى كه لى) وهي من قراه الاثنتي عشرة في بازيان على الجانب الآخر من 
المضيق» «بمسافة ساعتين للفارس» (الواقع أن دارى كه لى التي لا وجود لها في 
أي خريطة آنذاك كانت تبعد عن المضيق بأكثر من عشرين ميلاً وطريقها وعرة) 
وقالا إن الشيخ أصدر أوامره في السليمانية بقتل الأسرى حالاً في حالة اندحاره؛ 
وألحا بوجوب احتلال المدينة قبل وصول أنباء المعركة إليها. 


فأسرع الجنرال (فريزر) بإصدار أمر إلى رعيل الخيالة ال32 (بأمرة الملازم 
ف.ب.غ. دينيهاي وطعمء2 .8.5.0) ليندقع نحو السليمانية بكل سرعة. وقد فعلوا 
ذلك ببأس وإقدام عظيمين وكان أول نبأ عن المعركة يصل المدينة هو سنابك 
الفرسان في شوارع السليمانية. إذ دخلتها في حوالي السادسة والدقيقة والثلاثين 
واتجهت رأساً إلى بناية الدبو :0م26 وهي معتقل الضباط البريطانيين وما أن أدرك 
هؤلاء الأسرى حقيقة الأمر حتى أسرعوا يتبادلون الدور مع سجانيهم وفتحوا 
الأبواب وانضموا إلى (ديئيهاي) لاتخاذ كل التدابير الضرورية للسيطرة على المدينة 
انتظاراً للقوة الكبرى في اليوم التالي. بعد إرسال الجنرال خيالته؛ وجه اهتمامه إلى 


57 


نقطة هامة من تقريري وهي احتمال.وجود الشيخ محمود في محل قريب متخفياً 
عضاناً بجرح بليغ ‏ فأشار إلى (السوارية) الستة الذين جئت بهم من جمجمال 
قائلاً: «هللا أرسلت رجالك هؤلاء لاعتقال الشيخ وإحضاره إلىّ؟».. فتساءلت في 
سري وأنا مشدوه: إن كانت القضية بمثل هذه السهولة؛ فما الداعي إلى قدوم أمير 
لواء إلى كردستان بلواء مجحفل كامل من المشاة مع خيالته ومصفحات ومدفعية 
وهندسة ومخابرة وو... على أني أجبته بقولي: «أخشى أنهم لا يستطيعون ذلك يا 
سيدي)2. 

- إذن ما فائدتهم؟ 

- لا أدّعي أن فيهم نفعاً يا سيدي لأني ما شاهدتهم إلا قبل أول أمس. 

- حسن »© حسن »© مرهم أن ينطلقوا لتنفيذ هذه الأوامر في الحال. 

- أخشى أن يهربوا في اللحظة التي يبلغون ذلك المنعطف. 

- إن بقيت مصراً فلا سبيل لي إلا أن أرافقهم شخصياً. 

- (مبتسماً) أراك ثميئاً جداً. 

- وهذا ما أراه أيضاً يا سيدي. 

أكملت استجواب الأسرى» ثم اعتليت حصاني ورحت أدور متجولاً في 
الفتحة حول الجنرال وضباط ركنه ولم أبتعد كثيراً حتى استوقفني أحد السعاة 
وناولني رسالة من (أوكنليك) يقول فيها إنهم شاهدوا كردياً حسن الثياب. والظاهر 
أنه شخصية مهمة وهو الآن مستلق على طرف الطريق جريحاً. ويرغب الجنرال أن 
أحمله إليه... 

وجدت الجريح على بعد قليل مني» وكان يرتدي سروالاً كردياً فضفاضاً ثنيت 
أطرافه وحشرت في جزمة روسية طويلة وقد اشتمل بعباءة زرقاء فاتحة مثقلة 
بتطريز الذهب وعلى رأسه عمامة ذات خطوط متقاطعة من الأزرق الغامق» تبينت 


588 


فيما يليها شارباً أسود كثاً. كانت إحدى فردتي الجزمة قد شقت بالقرب من 
الكاحل» والدماء تجري من تحت القميص بالقرب من الحزام. قال إنه يدعى 
(علي) وهو من قبيلة (إسماعيل عزيري) ولم يجب على أسئلتي الأخرى بغير 
الأنين» الظاهر أنه كان يعاني آلاماً مبرحة وأن جرحه بليغ لا يمكن معه السير إلى 
حيث يسعف. لذلك أرسلت أحد فرسان (الهماواند) إلى مقهى كردي صغير يبعد 
مائة يارد تقريباً ليأتي ببساط. ثم انحنيت إلى الجريح مرة أخرى. وإذا بي أسمع 
صرخة فرفعت رأسي فوجدت رجلي العائد بالبساط على كتفيه وقد صوب أحد 
الضباط البريطانيين مسدسه إليه. وهو يصيح.رداً على استفساري: «لقد قبضت على 
هذا الوغد وهو ينهب في ساحة القتال» سأرديه صريعاً.. الآن!». 

وبعد أن أنقذت الرجل وبساطه حاولنا نقل الأسير فيما بيننا إلا أن الحركة 
سببت له آلامأ شديدة. فاضطررت إلى التخلي عن المحاولة. ثم. حانت مني التفاتة 
إلى ما خلته سيارة إسعاف تقف على جانب الأكمة على بعد ربع ميل عنا فقصدتها 
وأقنعت الطبيب المشرف بإرسال نقالة إسعاف مع رجالها لجلب الجريح وإبقائه 
تحت حراسة قوية إن ظهر جرحه أقل خطراً مما خلناه. وفيما أنا أهمّ بامتطاء. 
جوادي لفت نظري في وجه الطبيب تقطيبة أو انكماشة في جبينه أو ربما إيماءة 
صغيرة من هذا القبيل عادت بي فجأة إلى غرفة الناقهين في (مستشفى المسيح) 
فألته قائلاً: 

- بلى أنا هو. لماذا؟ 

- جي. بي. جي. جينكنزء مدرسة ثورنتن» أ (.ى #ماهرمط1). 

- بلى أنا هوء لكن ناشدتك الله من أنت؟ 

لم أره منذ خمس عشرة سنة. لأنه غادر المدرسة وهو ابن الخامسة عشرة إلى 
موضع آخر وكنت أنا في الرابعة عشرة. إن ذاكرتي بقيت حتى الأريعين حادة لا 
تخطئ الوجوه ولا الناس. وكثيراً ما مرّت بي حوادث من هذا النوع. 


59 


بعد أن تركت الجريح مع (جينكنز) امتطيت جوادي وأسرعت إلى المقر خلال 
حقل جميل بمحاذاة نهر (تاينال). حيث تقرر قضاء الليلة في العراء. وما كدت 
أنهي قدح الشاي المنعش جداً حتى انتحى بي معاون أمر الانضباط العسكري 
ناحية وأسر إليَ بأنه شاهد حين كان يقود الأسرى على الطريق - كردياً حسن 
الثياب مستلقياً على طرف وهو مصاب. فما رآه الأسرى حتى هتفوا بصوت واحد 
(إنه الشيخ»!. فهرعت إلى الأسرى المجتمعين تحت الحراسة واستجوبت ضابط 
ليفي واثنين من أقارب (الشيخ) كلاً على حدة. فأكدوا لي كلهم هذه الأنباء الطيبة. 
ولم يقع إكراه على أحد منهم أو يرغموا على النطق بكذبة بل كان الأمر بعكس 
ذلك. فعدت مسرعاً إلى الجنرال وهنأته بوقوع خصمه في يدهء في أول معركة. 
وانقسم ضباط المقر إلى معسكرين المصدق بالنبأ وعلى رأسهم أوكنليك؛ 
والمكذب له وعلى رأسهم ضابط الاستخبارات على ما أذكر. لقد كان النبأ ضخماً 
إلى درجة لا يملك المرء معه إلا أن يتردد في تصديقه. لكني كنت واثقاً من الأمرء 
وطيرت أمراً باللاسلكي إلى الموقع العسكري في بازيان بوجوب بذل العناية التامة 
بالأسير. ذلك لأنه من المهم جداً أن لا يموت أو يهرب إلا بعد ثبوت هويته 
بواسطة شخصية كردية. كما وأن كل اختفاء معجز أو أسطوري قد يسبب فيما بعد 


اضطراباً ومتاعب لا يمكن التكهن بآثارهما. 


لم نجد في يوم 19 حزيران أية مقاومة. وقبل السليمانية بحوالي أربعة أيام 
اكتحلت أعين أولئك الذين قدموا من السهول الموحشة الجرداء الترابية بمرأى 
مجرى ماء لألاء يأخذ باللب يتدفق تياراً جارفاً فوق قاع واسع مفروش بالحصباء 
كان ماؤه بارداً منعشاً ونحن ننهل منه بأيدينا وراحاتنا في أثناء استراحة قصيرة. 
ذلكم هو (سرجنار) أكبر نهير من عدة نهيرات تؤلف نهر (تانجه رو) هنا يعبر منه 
إلى الضفة الأخرى بجسر ذي ثلاث قناطر يدعى قلياسان ليتخذ اسم القرية 
المجاورة وأن منابعه تبعد أكثر من ميلين عن الجسرء وهي سلاسل من الينابيع 
الثرة في سفوح جبل (ثازمر) الدنياء ما تلبث مياهها المجتمعة أن تؤلف نهيراً بعد 


90 


خمسين يارداً من صدورها. تركت القسم الأكبر ليضرب خيامه قرب الجسر 
وركبت إلى المديئة برفقة كوكبة من الفرسان» فدخلناها قبل الظهيرة بساعة واحدة 
تقريباً ووجدنا المعتقلين سالمين وسرني أن أهنئ بينهم معاون الضابط السياسي 
الأقدم الميجر ف.س. كرينهاوس الذي كان يشاطرني السكنى في (بوشير) عام 
3» في إجازة من الهند ليتعلم لغة البلاد»ء وخلفني بمنصب معاون ضابط 
سياسي في (شوستر) العام 1917. وأرسل (بوند) مع ضابط كردي إلى (بازيان) في 
الحال للتغبت من هوية أسيرنا الكبير. وأيد لنا عند عودته بأنه هو بعينه وفي 23 
حزيران دخلت القوة برمتها المدينة في تشكيلة استعراضية. وكان المعتقلون المطلق 
سراحهم يقفون على قاعدة التحية معنا. وعلى الرصيف المقابل وقف أعيان المدينة 
وهم معجبون متهيبون كما كان يأمل الجنرال من هذا العرض. 


الآن سنقتضب في ما بقي من قصة حملة (فريزر): في 16 حزيران تمكن رتل 
متحرك من خانقين على طول وادي سيروان ورتل آخر متحرك من السليمانية» من 
احتلال حلبجة وإعادة (ليز) إليها. وفي. أثناء تموز قامت أرتال سريعة الحركة 
بتمشيط مناطق سوردش.» وشاربازير وبرزنجه» وبنجوين» وخورمال وطهر رتل 
آخر قره داغ وسه نككاو. وفتشت القرى واعتقل بعض الشيوخ والأشخاص الذين 
ساهموا في الثورة وصودر عدد كبير من البنادق. واسترجعت مقادير كبيرة من 
المنهوبات. وكان (كرينهاوس) ومعاون ضابط سياسى آخر يرافق كل هذه الأرتال 
بطبيعة الحال لأنهما أعرف مني بالمنطقة. أما أنا نت في السليمانية لإعادة الحياة 
في جهاز الإدارة. 


وقعت حادثة طريفة في أثناء احتلال حلبجة. وهذه» بليدة سوق صغيرة تقع 
في نهاية شهرزور من الجنوب الشرقي في ظل جبل هه ورامان بأعلى جزء منه 
ولذلك تكون في قلب جنوب كردستان. ولذلك عين الأتراك في منصب القائمقام 
(عدمان باشا) أحد أعضاء آسرتها الحاكمة. وكان رجلا رفيقاً ملايناً كثيّر الغياب عن 
مقره» فانتقلت كل سلطته الفعلية تدريجاً إلى زوجه (عادله خان) وقد ترملت في 


91 


عهد الاحتلال إلا أنها ظلت ملكة شهرزور غير المتوجة. وفي أثناء الثورة كانت 
عوناً كبيراً للإدارة مما دعا سلطة الاحتلال إلى أن تخلع عليها اللقب الهندي الرفيع 
(خان بهادور). وفي أواخر حزيران قرر الجنرال (فريزر) أن يقوم بزيارة حلبجة 
لتقديم شكر القائد العام (للسيدة) وهو اللقب الذي كنا نطلقه عامة على عادلة» 
وصحبه (كرينهاوس) وابئا (السيدة): «أحمد» و«عزت» وكانا قد وصلا السليمانية 
وهما في أنفس حلل الحرير وأضخم العمائم مما يميل إليه كثير من بكزادة الجاف 
- لتقديم تحية أمهما الملكية ولم يكن في طريق سفر الجنرال بالمعبد ولذلك 
جاءت السيارتان بالجماعة عند النهاية الشرقية من السهل الذي كان قد غرق بالماء 
وغاصت سيارة الجنرال فخرج ليشرف على عمليات الإنقاذ وبينما هو يدفع السيارة 
مع الدافعين خرجت العجلات الخلفية وراحت تدور في الطين على نفسها فتلطخ 
من فوق إلى تحت بالأوحال الكريهة ولما مسح ما علق بينيه رأى البككزادة واقفين 
بَعيداً يتفرجان باهتمام على العملية دون أن يرفعا أصبعاً واحدة للمساعدة. فلم يجد 
سلو كها منسجما مع مقاييس مدرسة الكلية الجامعة وكلير 6:ةان 2 اومطءة معهء1ام© 
وأمر كرينهاوس أن ينقل إليهما تقززه من سلوكهما الشان بأشد ما في أوامره من 
قوة» مع الإشارة لهما بضرورة تعلمهما وضع منكبيهما وراء السيارة فعلاً إذا أراد 
الاستمرار في مرافقة البريطانيين. فأجاب أكبرهما دونما حرج : «أجل» إن سعادة 
الجنرال مصيب. ولكن دعه يلقي نظرة واحدة على ثيابنا! هذه (الكيوه) وحدها 
تكلف 300 روبية» دعك من عباءتي وعمامتي» بينما لا تساوي ثيابه عشرين روبية» 
(قال هذا مشيراً إلى بدلة الخاكي الاستوائية التي حال لونها من القدم). 


عند قصّ عليّ (كرينهاوس) القصة عادت بي الذاكرة إلى أيام الدراسة. وفي 
هذه المرة إلى غرفة الصف في (ليتل إيرازمس :تناهعكه,5 ءلنافة) وخلتني أسمع 
صوتي وأنا أقارن: «... ومرة بلغوا موضعاً ضيقاً يصعب اجتيازه على العجلات. 
فوقف (كورش) وسط بطانته من العظماء والنبلاء. وأمر (كلوس) و(بيكرس) أن 
يختار يعضاً من الجنود البرابرة لاستخلاص العجلات» وخيل له أنهم يبطئون في 


92 


ذلك فأمر بنوبة غضب مفاجئة» أن يشارك عظماء الفرس ممن هم حوله. في 
استخلاص العربات» ولا يسع المرء إلا أن يقف مفكراً في نظامهم وطاعتهم عندما 
نضا كل منهم عباءته الأرجوانية عنه واندفعوا كرجل واحد كأنهم يريدون تحقيق 
انتصارء إلى مهاوي جبل شديد الانحدار بثيابهم الغالية وسراويلهم الملونة وكان 
بعضم يطوق جيده بقلائد وساعديه بأساور: وبهذه الثياب الثميئة غطسوا في الطين 
ورفعوا العجلات وأخرجوها بأسرع مما يتوقع المرءة”". 

أسرعنا بالموافقة على رأي الجنرال فريزر. فالحق أن بكزادة الجاف ألحقوا 
العار بتراثهم الفارسي القديم! وفي 1 تموز عاد (صون) إلى السليمانية فسلمت له 
واجباتي بوصفي الضابط السياسي لحملة فريزر وصدر في 13 آب بيان جاء فيه أن 
الأمن والاستقرار قد استتبا في كل أنحاء كردستان الجنوبية وما كاد الشيخ يتماثل 
إلى الشفاء حتى أحيل إلى محكمة عسكرية بتهمة إيقاد نار الثورة وحكم بالموت 
إلا أنه خفض إلى السجن عشر سنوات» ثم نفي إلى الهند. 


50 
الأسكرة البابايته 
فى هد 
سمس عي حت حت ]0 
خان به دج 0 بايا سلمات 
(جد مبراردله البخدد) وماك 
غالدياثا نان يشا 1 4 
لع لايل لاحت يج 5 
سيا لاي 1 
لت 59 7 ينه 
ابي .> جاو ختحا ‏ 000]/ لل اسع 
فا ١‏ عبالرز اغا مشا شر ياطًا 
ا كما ارلا .ا 
٠‏ وسو 2070525222222 ١‏ أ 
0ن بأا اثالث 1 
ماي 0 محمودياطاً. ‏ تاررياشا ام 
م14 مكاها كلك هر ّ 
وو و ا 10 مجيد ياشا رشي 
1 5 
مداص ام احدياشا 2 | ١‏ 
رخا عتام) 1814-6 ججميز لجال 


(1) كزينفون «الأنابسيس »6 الكتاب الأول» فصل 5 ص28 ترجمة ليوب. 


593 


- 5 - 
البابانيون 


يمكننا القول إن تاريخ منطقة السليمانية الحديث؛ إنما يبدأ بظهور (بابا 
سليمان) في النصف الثاني من القرن السابع عشرء وهو مؤسس آخر أسرة حاكمة 
من أسر سابقة متوالية. وكان حلفاؤه من بعده يتخذون لقبه (بابا)” وإن الجيل 
الأقدم من شجرة الأسرة التي ثبتها هناء مقتبس من كتاب «تاريخ أمراء بابان في 
شهرزور وأردلان» لمؤلفه السيد حسين حزني والمطبوع في رواندوز سنة 1931. 
ولا غرض لنا من إيرادها هنا إلا الإشارة إلى أسماء أهم الأمراء وضبط فترات 
حكمهم بشكل تقريبي. والمراجع تختلف في أمرهم اختلافاً بينً» ليس من ناحية 
صلة القرابة التي تربط بعض الأمراء الأوائل وحدها© بل بصدد تواريخ حكمهم. 
حيث إن الخصام العائلي الدموي الذي سعره تنافس تركيا وإيران أدى إلى انقطاع 
مدد حكمهم أكثر من مرة (عزل عبد الرحمن باشا الكبير» ما لا يقل عن خمس 
مرات ما بين 1789 و1813) بل كان يوجد حكمان متداخلان! وبطبيعة الحال 
ستختلف آراء المؤرخين حول من كان يملك السلطان الفعلي» وحول من اغتصب 


(1) هذا التصوير اللفظي للاسم هو الشكل الصحيح الأصيل» شريطة أن تلفظ الألف الأولى فيه 
قصيرةء وقيل والعهدة على الراوي إن الشكل المتأخر (بابان) بألفين طويلتين هو تصحيف كردي. 

(2) ولا سيما وأن الشجرة التي يثبتها محمد أمين زكي في كتابه (تاريخى سليمان ودولاتى) - بغداد» 
مطبعة النجاح 1939 - لا يذكر فيها لبابا سليمان أولاداً ويظهر فيها (بكراسور) هو أخوه» و(خانا 
وخالد) ولد أخ آخر له يدعى (تيمور). 


94 


السلطة بصورة مؤقتة وهكذا. وإن تاريخ تسنم أحمد باشا كرسي الحكم (وهو آخر 
أمير مستقل ذاتياً) يمكن القول إنه ثابت لا جدل فيهء بالتاريخ الذي أورده بيت 
للشاعر «نالي». 
شاهى جهمكا نالياء«تاريخى جهم) تاريخى 

وترجمته (الملك الذي هو مثل جم «شيد» أي نالي. «تاريخ جم» هو'الذي 
أرخت به تأريخه) فإذا حسبنا قيم الأحرف العربية الموجودة في عبارة «تاريخى 
جم؟ (بالطبع ستكون تهجئاتها حسب القواعد الفارسية لا حسب القواعد الحديثة 
الكردية) فإن تاريخ 1254ه/ 1838 - 1839م هو الذي أرخ به الشاعر. 

كانت (قره جوالان > قه لاجوالان) أول عاصمة لإمارة بابان. وخرائبها ما 
زالت شاخصة على الضفة الشمالية من النهر المسمى بهذا الاسم في أسفل 
(جوارته) وهي مركز القضاء الحالي (شاربلؤير) على أن (إبراهيم باشا بابان) الذي 
تولى السلطة في السنة 1783 نقل عاصمته إلى موقع يبعد زهاء اثني عشر ميلا إلى 
الجنوب الغربي خلف سلسلة (ثازمر)ء هو قرية (ملكندى) وبنى هناك مدينة جديدة 
سماها سليمانية» تيمناً باسم باشا بغداد المعاصر - كما هو الشائع. على أن ثمة 
رواية كردية ما زالت تروى وهي أن موقع السليمانية الحديثة» إنما كان موضع 
(سليمانية) أخرى قبلها. بناها (بابا سليمان»» ومن الطريف أن ننوه هنا بأن الكتاب 
الفارسي الموسوم. (كتاب قديم لتواريخ ووقائع متعلقة بتاربخ كردستان) الذي 
ترجمه ريج (المجلد الأول - الملحق الثالث) يسجل العام 1199ه/ 1784 - 1785م 
لحادث البناء الثاني لمدينة السليمانية! وأوسع رقعة امتد إليها حكم البابانيين كانت 
عند ضم (كوي) و(بانه) من الشمال» وكفري وقره تبهء (أحياناً ومندلى وبدرة) من 
الجنوب. وفي العام 1820 قدر (ريج) عدد سكان السليمانية بعشرة آلاف نفس. 
ولست أملك آثارأ تاريخية معاصرة تدلني على الرقعة التي كان يشملها حكم آل 
بابان عندما كانت عاصمتهم (قه لاجوالان)”'" الجنوب بل في عصر عبد الرحمن 


(1) في الفصل الثاني ذكرت زيارة المبشر الكرملي الراهب فيديليس (سنة 1749م). من المحتمل جداً- 


9 


باشا ابن عم باني السليمانية وخلفه الذي ما زال يحس المرء وكأن حكمه لم يمكن 
بعيداً عن زمنناء إذ ما زالت ذكريات عهد حكمه الكثير التقلب منطبعة في أذهان 
الناس المحليين» لأنه كان عهد استقلال كردي تام. والمصادر الكردية نفسها 
ليست بذات قيمة ولا تنير سبيلاً والمؤرخون المحليون المتأخرون وضعوا 
اعتمادهم على (ريج) وغيره من الباحثين الأوروبيين أكثر من رجوعهم إلى الأخبار 
والكتابات المحلية. ويبدو أنه لا توجد روايتان متطابقتان لأي حدث تاريخي قبل 
السنة 1800 وخير مثل لهذا هو الحكاية الشعبية الشهيرة المعروفة «بفرسان مريوان 
الائني عشر» الذين قاموا بهجوم ليلي على جيش إيراني قوامه عشرة آلاف جندي 
وأرغموه على الهزيمة خوفا. لقد وقفت على ثلاث روايات مختلفات لهاء مع 
كونها ذات طابع عرضي إلى الحد الذي يذكر فيها بعض أسماء أولئك الأبطال أو 
كلهم ومحل الحادث : واحدة منها (وعي التي أوردها ريج) تزعم أنها وقعت في 
عهد (بابا سليمان) والأكرى يكملا د عيد أحهد باشا (1763 - 1780) والثالثة 
تثبتها في عهد إبراهيم باشا الذي يفصل بينه وبين (بابا سليمان) قرن كامل. 

وبعد عيد الرحمن باشا آض الاستقلال لمي كا 0 
على أن شكل الإدارة ظل كردياً فى جوهره حتى النهاية تقريباً. وبقي للأمراء 
جيشهم النظامي وغير ذلك من مظاهر الملوكية الإقليمية. 

إن (ريج) الذي بقي أربعة أشهر في السليمانية بدعوة من محمود باشاء ابن 
عبد الرحمن (1813 - 1834م) يتحفنا بوصف دقيق رائع جدا للبلاط الباباني في 
ذلك الحين» ولدسائس باشا بغداد العثماني ومكائد الأمير الفارسي حاكم 
كرمنشاه» وما نجم عن ذلك من الشنآن والتباغض بين أفراد الأسرة المالكة. كما 
يأتي إلى وصف شخصيات رجال الدولة. وحفلات العرس والمآتم» والرقص» 
والألعاب الرياضية التي كادت تكون يومية» مثل اللعب بالسيف وإصابة الهدف 
بالرصاص وقتال الكلاب (والقبج) والمصارعة وسباقات الخيل. 


-أن يعثر على شيء ما في مكتبة الفاتيكان يساعد على ملء هذه الثغرة في معارقنا. 


96 


وفي ربيع (1830) وجد السائح (مينيان) سليمان باشا (1828 - 1838) على 
كرسي الحكم» وهو أخ لمحمود باشا سلفه. ويذكر في معرض حديثه المقتضب 
إلى درجة مؤسفة» أن الحكومة كانت «تدار بين باشا كردي الولادة غير خاضع 
للأتراك أو للإيرانيين» وأن رئيس الدولة كان «صريحاً صدوقاً». ويصف (فريزر) في 
ربيع 1834 «دولة السليمانية الصغيرة» بأنها كانت «فريسة لشتى المحن والأرزاءء 
وصلت بها إلى آخر درك من البؤس والشقاء» ويقول أينزوورث (1837) إن الباشا 
استقبله خير استقبال وأكرم وفادته غاية الإكرام (لم يسمه لكنه كان سليمان باشا بلا 
جدال) وقال إن لديه «لواء من جيش نظامي هو بمثابة حرس خاص لهء مع فرسان 
كرد غير نظاميين» وقواسين» والظاهر أن التفوذ الإيراني كانت له اليد الطولى» ققد 
شاهد في أول مواجهة له مبعوثاً إيرانياً جعل مجلسه إلى يمين الباشاء ولم يذكر 
رؤية ممثل للسلطان العثماني في المدينة. ومهما يكن فإن الإيرانيين لم يكونوا 
آنذاك موضع حظوة لأن الباشا شكر الإنكليزي الذي كان يجلس عن يساره 
لملاحظة أبداها في صالح الأتراك وكانت «تتضمن تعريضاً بالإيرانيين». 


وفي 1844 سجل (فيلكس جونز) رأياً عالياً في الأمير أحمد باشا (1838 - 
7 إذ ذكر أنه تمكن يعد عام واحد من توليه الحكم من «تنظيم وتدريب قوة 
عسكرية كبيرة على النظم الحربية الأوروبية الفنية» يبلغ عددها في الوقت الحاضر 
0 مقاتل تقريبا». 

أخيراً تمت هزيمة أحمد باشا قرب (كوي) في العام 1847 أمام قوات «نجيب 
باشا» والي بغداد وقضى على استقلال آل بابان الذاتي. وعين (عبد الله باشا) أخ 
أحمد باشا لإدارة شؤون السليمانية لا كحاكم مستقل دائماً وإنما كموظف عثماني 
برتبة قائمقام ثم عزله في 1851 وعين في محله موظفاً تركياً. 

كادت وظائف الدولة أيام البابانيين تكون ورائية. إلا أنها لم تكن قط محصورة 
بأسرة معينة. ذلك لأن البيوت الكبيرة في كل بلدان الشرق تميل إلى أن تجتمع 


597 


بعضها ببعض في حزب أو أكثر. وفي السليمانية كانت التعيينات تختلف وتتقلب 
من يد إلى يد حسب هوى الحاكم أو بمقدار نفوذ الترك أو الإيرانيين «فحمود 
مصرف» (صديق ريج) كان يجمع بين منصبي رئيس الوزراء ووزير المالية (كما 
يدل عليه لقب - مصرف) وكان في الوقت نفسه المشرف العام على تنظيم حفلات 
الألعاب الرياضية التي تقام لتسلية ضيف كبير. ويمثله اليوم سليله (حمه ى عبد 
الرحمن آغا) من أسرة عزيز آغاء نسبة إلى عزيز ابن محمود مصرف البكر وهو 
الذي ذكره ريج بقوله #اشاب وسيم تعلق بي كثيراً» وهناك أسرة (صاحبقران) 
المنحدرة من جد يدعى (أحمد بك صاحبقران) وهو أحد «فرسان المريوان الاثني 
عشر؛ حسب رواية واحدة من الروايات الثلاثة للقصة وابنه محمودء كان (باش 
جاووش - أمير لواء أقدم) أو قائداً عام لجميع القوات المسلحة التي تعود لأحد 
أمراء البابانيين المتأخرين. ومن مبرزي هذه الأسرة الشاعران مصطفى «كردي» 
وعبد الرحمن «سليم» وهما حفيدا ولدي عم لأحمد. وبعد جيلين من هذين أي 
في زمننا هذا نبغ فيها الشاعر (أحمد به كي فتاح بك) وصالح زكي وهو ضابط 
ارتقى إلى منصب إداري كبير. والسيدة عادله حلبجه هي حفيدة حفيد لأحمد بك 
الأول الذي كان يسكن (سنه). وهنالك أسرة ثالثة لا أعرف علاقتها بالبابانيين لقبها 
(حمد آغا) ومن مشاهيرها الجنرال (شريف باشا) الذي حضر مؤتمر الصلح في 
(فرساي) وإليه يعزى الفضل في وضع المواد التي تتحدث عن إقامة دولة كردية 
بين مواد (معاهدة سيفر). وأبرز أفراد الأسرة المعاصرين (أحمد به كي توفيق بك 
طابور اغاسى) الذي شغل متصرفية السليمانية ثم أربيل وسيتردد ذكره كثيراً فيما 
يلي. ومن أعضائها (حمه صالح بك) الذي كان ينتخب نائبا عن السليمانية في 
مجلس النواب العراقي باستمرار فأصبح (أب البرلمان) رغم شبابه النسبي وصمته 
المطبق أثناء المناقشات. وهناك أسرة أعلى شأناً من كل هذه الأسر وهي أسرة 
شيوخ البرزنجة التي سيكون أمرها من موضوعات الفصل التالي. 


كان يوجد في السليمانية سنة 1919 عدد من أحفاد الحكام البابانيين الأسبقين 


58 


إلا أنهم لا ب يتمتعون بنفوذ ولا بثروة باستثناء (حمدي بك) حفيد سليمان باشا الذي 


ورث ضياعاً واسعة فى ضواحى او 


وجميل بك ابن حفيد إبراهيم باشا. هو ملاك كبير النفوذ يسكن قرب كفري. 
وقد انصرف عدد منهم إلى مزاولة المحاماة في محاكم بغداد. فوصلت ببعضهم 
إلى منصب الوزارة في الحكومات العراقية 

لا يفصل بين الاحتلال البريطاني وبين زوال إمارة بابان أكثر من سبعين سنة. 
ولا شك أن أغلب السكان الذكور كانوا قد سمعوا أول ما سمعوا من آبائهم تلك 
الحكايات الطريفة الساحرة عن أيام العز تلك» عهد الاستقلال الكردي» ولا شك 
أن القصيدة التالية التي نظمها الشاعر الكردي شيخ رضا الطالباني (1842 - 1920 
؟) تعبر أدق تعبير عن المشاعر التي يشارك فيها الجميع بلا ريب. 


ولاتى بابان 
تن تررس ا ا لما ع دن ان كن نا عجان دده 
قواية زقاين سه راع نان عدبت يق رن لاد اهعد 
لهبهر تابوورى عه سكهرى رى نه بوويومه جليسى باشا 
صهداى موزيقهوونهققارهتائهيوانذكهيوانبوو 
دريغ بوئهوزهمانهوئهودهمهوئهوعه صرهوثهوروزه 
ك همهيدانى جريدبازى له ده شتى كانى ثاسكانبوو 
بهوضه ربى حه مله يى به غدايي ته سخير كردو تى ى هه لدا 
سوله يمانى زه مان رراستت ت ئ هوى باوكى (سوله يمان) بوو 
عه ره ب ئينكارى فه ضلى ئيوه ناكهمئهفضهلنء ئهمما 


(1) ومن أملاكهم (الحارئية). استولى عليها ؟؟ فيصل وجعلها مغنى ريفياً. 


599 


(صلاح الدين) كه دنياى كرت له زومرهى كوردى بابان بوو 
قوبوورى برلهنوورى ثالى بابانيرلهرهحمهتبى 
كه باراني كه فى تي حسانيان وهك هه ورى نيسان بوو 
كه (عبدالله باشا)لهشكرى والىى سنهى شر كرد 
(رضا) ئه ووه خته عومرى بينج و شه ش طيفلى ده بوستان بوو 
بلاد بابان 
أذكر السليمانيةعندماكانتت دار ملك البابانيين 
لم تكن للفرس خاضعة. ولم تكن كالعبد يقودها بيت عثمان 
أمام مدخل القصر كان الشيوخ والزهاد والملالي يقفون صفوفا 
وكان مطاف كعبة أرباب الحاجة هؤلاء؛ اكردى سه يوان»6 
ولوقوف طوابير الجنود لم يكن يوجد مجال لدخول مجلس الباشا 
وكانت أنغام الجوقات الموسيقية والنقارات ترتفع إلى «إيوان كيوان» 
فواحربى على ذلك الزمان» على ذلك العهد. على ذلك العصرء على 
كل ذلك الزوء لها كنت تهرك اكاقى أبعانة سالخة لعة الجريد! 
بهجوم واحد كاسح استولى على بغداد ودخلها فاتحا. 
وإن شئت الحقيقة فسليمان العصر والأوان هوابن لسليمان 
وأنا أيها العرب لا أنكر لكم فضلاً. إن فضلكم لكبير 
إلا أن صلاح الدين الذي استولى على العالم كان من نسل البابانيين الكرد 
ألافلتملارحمتةالله قبورالبابانالمنورة» 
إن عطاءأكفهم شبهبزخات مطر نيسان 
وعندماهزمعبداللهباشاجيش والي«سئه) 
كان عمر (رضا) خمس أو ست سنوات. كان طفلاً صغيراً في المدرسة”') 


(1) انظر الفصل (19) عن الشيخ رضاء و(كردي سيوان) هو بل منخفض في ضواحي السليمانية يقع- 


100 


ليس من السهل أن نستقر على تاريخ معين» أو أن نتخذ حدثاً تاريخياً محدداً 
كمرحلة بداية» أو حتى كنقطة تحول في ظهور الشعور الوطني الكردي بالمعنى 
الحديث. إن القومية الحديثة التي لا تشبه بمظاهرها الروح القومية القديمة تميل 
إلى تعليق أهمية كبيرة على اللغة. وهذا إذن يغرينا بأن نقرن أهمية خاصة بالعام 
2 وهو زمن مولد أول صحيفة كردية» وكان ذلك في القاهرة كما أسلفت. لكن 
حاجي قادر كوي (عاش في حدود 1817 - 1894) كان له من العمر (75) سنة عند 
صدورها. في حين كانت قصائده الوطنية تقرأ بحماسة في كردستان لذلك فهو 
يؤلف حلقة أدبية غير منفصمة عن تلك الأيام التي لم تكن بابان «للفرس خاضعة 
صحيفة (كردستان) في 1892 وإحياء النشاط الأدبي الكردي خلال «شهر العسل» 
القصير الذي عقب انقلاب (جون ترك) في 71909". والانطلاق الجديد الذي 
منحته للأماني الكردية ولا سيما بين ضباط الجيش المثقفين الكرد (مبادئ حق 
تقرير المصير التى وضعها الرئيس ولسن في أواخر أيام الحرب الكونية الأولى). 
كل هذا كان مجرد مراحل عندما طرح اقتراح تكوين دولة كردية تتمتع بالحكم 
الذاتيى مرة أخرى - من السليمانية والمناطق الكردية الأخرى المجاورة - (وهي 
سياسة فرضتها على الحكومة البريطانية اعتبارات عسكرية أكثر منها سياسية). 


بالطبع» كثيراً ما تستعمل دعوة القومية مثلما تستخدم العباءة لتغطية طموح 


-في جنوبها الشرقي. وكما يدل عليه اسمه. كان الموضع الذي ينصب فيه السرادق الكبير للحفلات 
العامة. وهو الآن مقبرة. أما كاني أسكان (نبع الغزلان) فهو الآن حي من أحياء المديئة. وعبد 
الرحمن باشا كان زعيم الحلف العسكري الذي هاجم بغداد واستولى عليها في 1810 وطرد 
(سليمان الصغير) واليها ونصب في مكانه (عبد الله آغا) الملقب بالتنونجي (بائع التبغ). هذه 
الحادثة ذكرها (ج. م. كنير 76188616 .1.34 في كتابه (خاطرات جغرافية عن الإمبراطورية الإيرانية» 
3ه أما تاريخ انتصار عبد الله باشا على الإيرانيين الذين قادهم إلى (سنه) فكان في العام 1842. 
إن اضطراب التواريخ التي أوردها الشاعر تفتقر إلى حماسته الوطنية. 

(1) أول ناد سياسي كردي» أسسه كل من الجنرال شريف باشا وأمين بدر خان في إستانيول عام 1908. 


101 


زعيم فرض نفسه» أو مجرد تعلة تخفي تحتها تضايق القبائل الطبيعي من أي نوع 
من أنواع الإدارة المنظمة. ولا شك في أن (الشيخ محمود) وجد في نفسه (عبد 
الرحمن باشا) ثانياًء بوجود حكومة بريطانية مسايرة لينة» تتدخل لا لتفرض سلطاناً 
لها على حكمه الأوتوقراطي بل لتحول دون تدخل الإيرانيين والحكومات العربية 
التالية تباعاً. كان حكام كرمنشاه أو باشوات يغداد يتدخلون في أمور السليمانية لكن 
بالإضافة إلى ذلك» يوجد عند سكان المدينة بمختلف طبقاتها تلك العقيدة 
الراسخة التي تأصلت جذورها في تاريخهم» عقيدة ترى في المدينة نطفة البعث 
الوطني» وجرثومة دولة كردية واسعة الأرجاء كتب لها أن تكون عاصمتها. وليس 
لهذا الإيمان ما يبرره من حيث مظهر المدينة وهيئتهاء ومن حيث أهميتها 
الاقتصادية» ومن حيث أهميتها التجارية أو مقامها العلمي أو من تجربة السكان 
السياسية. إلا أن هذه الأمنية بقيت عالقة في الجو لم تزل أو تتبدد. ويبدو أنها تمنح 
لما لم يكن أكثر من قرية صغيرة منعزلة شيئاً لا يمكنني إلا نعته «بالشخصية». 
بحيث يندر أن لا يستسلم الكرد لتأثيرها المسكرء أغراباً عنها أم عائدين من 
المنافي. وبذلك يصعب عليهم فراقها ولا يحرجهم البقاء فيها آماداً طويلة. 


102 


الباب الثاني 


103 


- 6- 
شيوخ وسادة 


الشيوخ والسادة ومذاهب الصوفية تحتل فضاءً رحيباً من الحياة اليومية في 
كردستان مما يدعوني إلى استمهال كل ذي خبرة من قرائي» دقائق قليلة أقف فيها 
عند هذه النقطة لأستعيد ذكر جانب من تاريخ الإسلام الأول بالقدر التي يتصل 
بهذا الفصل وما يليهء لفائدة القراء الآخرين على الأقل”2. 

ولد محمد الرسول العربي في العام 571م في مكة وشرع في رسالة النبوة وقد 
شارف الأربعين. وفي العام 622م فضل مغادرة المدينة والانتقال إلى مكة وبدأ 
التاريخ الهجري© من هذا الانتقال. ولما حضرته الوفاة سنة 632 وجد أنه غدا 
الحاكم الفعلي على معظم شبه الجزيرة العربية» فضلاً عن تكوينه ديئاً جديداً. إن 
صلة القرابة التي تربط كل الأشخاص الرئيسين الذين لعبوا دورهم في الأحداث 
التالية له»ء يمكن توضيحها بشكل شجرة أسرة. 


(1) إن القسم الأول من هذا الفصل مبني بالطبع على مطالعات عامة؛ مع بعض الإيضاحات أو بكلمة 
أدق - مع تلوين للصورة هو ثمرة اتصالاتي الخاصة في إيران والعراق مع كل صنف من الرجال 
لعدة سنوات. وقد استفدت بعد أثار (براون) من كتاب (د.ب. مكدونالد) 8420008214 .2.8 
الموسوم: تطور الفقيه وأصول الشريعة والعقيدة الأساسية عند الديانة الإسلامية. لندن 1903. 
ومقال نللينو 0هنلاهلة” عن الصوفية في دائرة المعارف الإيطالية. وكتاب (د.م. دونالدسون .2.34 
8 الموسوم (مذهب الشيعة - لندن 1933). وكتاب ه.أ.ر. كب 166 .11.4.8 الموسوم 
«الدين المحمدي» من سلسلة مكتبة الجامعة العربية 1949» التواريخ أوردتها بالتقويم الميلادي. 

(2) وعلى هذا الأساس يتضح التمييز بين التاريخ الميلادي والهجري بوضع حرفي ب.ه 


105 


106 








ُ رة ا|سرة سيادهة الرز عحدتة 
بابا يسول 


ممد"مناق ٠»‏ بلإعلي ووندرئة اسماعيل 














يي ا ل ل اي ا 0 1 
ظ 


ا 
ظ 8" ماركنو 
رن ع و بايريك نمس الدين ع يعت 
أ ١‏ شيرخ اباباي شيوخ المدله | ش 58 دول كوم 7 3 
اسرة شعاسيم ‏ وحلهه ‏ واليند وغ سادةمكه | 0 ظ 
: | مك امان يوسو 
ا تمد عاذي علي ركوسه) سيا فيل | سن هله 8 | 
2 | شيوح قي باباره سوا ١‏ 4 | 
ورى 7 ررك به انعات ‏ عامات وحهن سوروال 
ى نوري ْ 2206 
مس و< 5 د حايا سود تحين 0 | 
مداع امو دعل 00 1( : 
| حمحسس حاي سيد حبي صطم عا درب 
مس هسل _1 مع ع حجن | | ١‏ م 1 
| 0 -- قادر عاى جرم شد له غمرد 0 5 
ماع خهك ف ما كل 0 ْ 1١‏ 
32 0 35 وش إعندي حاناء 
كد عد ربع 8 5 مسي 
قادر حخقصه > بحبود فاطمة دا 2 57 | اكه جيه 1 


2 ا ا 


ول . 
بايا حي رووف ىو 


كان أبو بكر (632م) أوك خلفاء محمد(ص) وهو أقرب أصدقائه وحموه. 
وتلاه حمو آخر هو عمر (634م) ثم ختن له هو عثمان (644م) ثم ختن له آخر 
وابن عم هو علي (65 - 661م) وعرف هؤلاء باسم الخلفاء الراشدين. ولم يحل 
عام 0م حتى كانت الجيوش العربية قد انتزعت سورية من البيزنطيين» وقفوضت 
صرح الساسانيين» وضمت بلاد.فارس» ومعها العراق العربي إلى إمبراطورية 
إسلامية. 

تعاقب الخلفاء هذاء لم يمر بسلام وإنما خلف أحقاداً وتناحراً. فقد اعتبط كل 
من عمر وعثمان وعلي قتلا. وخلف معاوية علياً. فجعل حاضرة الخلافة دمشق 
وكان مؤسس أسرة مالكة عرفت باسم (بني أمية) وهو اسم جد معاوية الأعلى. 
وقتل الحسين بن علي من زوجه فاطمة بنت النبي في معركة جرت بينه وبين 
العاشر من شهر محرم القمري للعام 680م إلى حزبين رئيسين» ما زالا يشقانه إلى 
يومنا هذاء فالأغلبية السئّة» أي (أهل السئّة) الذين قبلوا بالمنتصرين أمراء وحكاماً 
عليهم. والحزب الثاني الشيعة أو (حزب علي الشخصية الشرعية) الذين أصروا 
على أن منصب الخليفة يجب ألا يخرج من نسل علي وفاطمة. 

وفي العام (750م) أزيلت أسرة أمية عن سرير الخلافة بثورة ساهم فيها الشيعة 
ينحدر من (العباس) عم النبي وعلي. ونقلت العاصمة إلى بغداد. ومنذ مفتتح القرن 
التاسع الميلادي راح الخلفاء يفقدون سلطانهم الفعلي شيئاً فشيئاً حتى آضوا فهم 
لا أكثر من ألعوبة بأيدي حرسهم الأجنبي حتى انقراض أسرتهم بهجوم المغول 
سنة 1258. 
وفاته في عهد (عثمان) وبكتاب واحد عرف بالقرآن (من القراءة). و«الشرع» أو 
«الشريعة» هو النظام القانوني والاجتماعي المستند إلى أصول القرآن» و«التقليد) 


107 


للأعمال والأحاديث المعزوة إلى الرسول في مختلف المناسبات. خرج من ذلك 
كله أربعة مذاهب دينية مقبولة من العموم يتبادل ذووها الاعتراف بهاء وقد سميت 
بأسماء واضعيها ومنشئي أصولها وهي المذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي 
والحنبلي وآخر الأئمة الأربعة هو أحمد بن حنبل المتوفى العام 855م وأغلبية الكرد 
العظمى هم من السئّة والشافعية. 

إن عقائد الإسلام البسيطة البدائية» بل فقهها الأكثر عمقاً وتلويناًء الذي هو 
ثمرة مجهودات فقهاء القرن التاسع الميلادي» كان يعوزها العنصر الذي لا يستغنى 
عنه إن شاء أصحابه إبقاء نفوذه في نفوس معتنقيه من غير العرب في الإمبراطورية 
الواسعة» وهو العنصر العاطفي الروحاني. وبتأثير المذاهب المسيحية الشرقية 
سدت هذه الحاجة بالزهد أولاً» وبالتصوف أخيراً. وحيئما دعت الحاجة إلى 
نصوص لتحليل ممارسة الأول منها أو ليكون منطلقاً للثاني» وجدت في آيات 
القرآن. على أن الفكرة الصوفية «للحلول» أي الاتحاد الصوفي بالذات الإلهية إنما 
هي غريبة عن المفاهيم القرآنية بخصوص علاقة الله بالبشر إن تحرينا الدقة في 
الأمر. ومهما يكن فإن المتصوفة يدعون أن عقائدهم مستمدة من «أحاديث» 
وتعاليم خاصة أنهيت من محمد(ص) إلى أبي بكر وعلي : الخليفتين الأول 
والرابع. وبعد نضال مرير عنيف قبلت هذه العقائد المتطورة في إطار السنّة العام 
في القرن الرابع الهجري. إن أقطاب الصوفية الأولين عرفوا (بالمتصوفة) والكلمة 
مأخوذة من (صوف) ويقصد بها الخرق أو البتيات الخشنة التي كانوا يلبسونها 
وهكذا لصق بهم الاسم. ولكن لحق بالمذاهب الصوفية جملة من العقائد 
الميتافيزيقية» أدت في بعض الأحيان وبتأثير قوة أفكار «الأفلاطونية الحديثة» إلى 
أغرب العقائد والإنكار المطلق. 


وغدا المذهب الصوفي دين الجماهير» وبات تلاميذ أولئك المعلمين الذين 
اشتهروا بتعاليمهم وحياة الطهر والنقاء فى «طرق» أو أخويات دروشة» منتشرة فى 
أرجاء العالم الإسلامي في عصرنا هذا. ويقوم على رأس «الطريقة» وفرع من 


108 


«الطريقة» من يدعى الشيخ أو «ألبير» (أعني الرجل الكبير السن) ويكون هذا الشيخ 
بمؤهلاته التثقيفية «دليلاً» أو مرشداً أو زعيماً روحياً #للمريدين» أو التلامذة. وما 
التعليم إلا «طريقة» والمدرسة التي يجعلها الشيخ مقراً له هي «التكية' أو 
«الخانقاه». وبعد أن يعلن «المريد» الندامة أو التوبة «يأخذ الطريقة» من «الدليل» 
الذي «يعطيه إياها؛ فإذا سار فيها سيراً حسئاً وأصبح بممارستها خبيراً فقد يمنح 
إجازة ويعين «خليفة»”" أي خلفاً له أو مرشداً. فيكون أهلاً لتلقين تلك التعاليم 
لآخرين. فإذا بلغ درجة مناسبة من «الكرامة» كان له أن يظهر بمظهر «الشيخ» 
ويغدو (دليلاً) لجيل جديد من المريدين وكل إجازة بالطريقة يجب أن تتضمن 
قائمة كاملة بأسماء الخلفاء الروحيين متسلسلة حتى أبي بكر وعلي وهما المرجع 
الأخير لكل (طريقة) ويسمى أبناء هؤلاء الشيوخ شيوخاًء لكن وراثة اللقب وحدها 
لا تمكنهم من جمع مريدين مستجدين حولهم أو يتخذوا درجة «الدليل» إلا بعد 
أن «يأخذوا الطريقة» بالأسلوب المألوف. ومن يدّعي بأنه من نسل علي وفاطمة 
يلقب بالسيد (ج: سادة) وعددهم يبلغ الآلاف وقد يكونون من السنّة أو من 
الشيعة ورقعة انتشارهم تشمل كل أجزاء الشرق الأوسط. والسادة عادة كثيراً ما 
يسلكون «طريقاً» ويصبحون «شيوخاً»» على أن الشيوخ الذين لم يكونوا سادة؛ 
يتميزون في كردستان بلقب (شيخى به رمال - شيوخ السجادة). 

وليست قوت الإتيان بالمعجزات قاصرة على مؤسس طرق الصوفية» بل 
تنصرف أيضاً إلى الشيوخ الخلفاء» المبرزين الذين اشتهروا بالكرامات في كل 
عهد. فهؤلاء يقابلون بالاحترام والخضوع في حياتهم» وبعد مماتهم تصبح قبورهم 
محجاً لمريديهم ومزاراً ويكاد يكونون محل عبادة وتقديس. واستتبع هذا أن مال 
خلفاؤهم إلى جمع الثروات»ء وطلاب السلطان الدنيوي. والطريقتان اللتان تضمان 
أكبر عدد من الأتباع في كردستان» هما الطريقة القادرية» والطريقة التقشبندية. 


أو جد الطريقة القادرية المولى الشهير الشيخ عبد القادر الكيلاني «الجيلي» 
(1) وهذا هو الشكل العربي للكلمة التي دخلت اللغات الأوروبية بمعنى خاص هو «الخليفة». 


109 


(1077 - 1166) وهي -خير مثال لطريقة قدر لها أن تقع موقع القبول العام لتمام 
مواقفتها السئّة. وظل سليل المؤسس يناط به منصب شيخ الطريقة وسادن الحضرة 
(القبر) في يغداد. وكانت الحكومة العثمانية تخلع على هؤلاء بالتعاقب الوظيفي 
لقب (نقيب الأشراف). وفي عام 1920 اختارت سلطات الاحتلال البريطانية (السيد 
عبد الرحمن النقيب) نقيب الأشراف يومئذ وهو أكبر شخصية سنية في العراق 
يران أول مجلس وزراء وطني. 

وأوجد «محمد بهاء الدين البخاري» (1317 - 1389) الطريقة النقشبندية وقد 
حظيت طريقته أيضاً بقبول السئّة. ويبدو أن أتباع هذه الطريقة غير المتعلمين في 
كردستان يميلون بصورة خاصة إلى مظاهر شاذة في ممارسة طريقتهم. إما بسبب 
عدم وجود شيخ عالي المقام في كردستان» مثل نقيب بغداد أو ربما لعلة ما في 
هذه الطريقة. 

في جنوب كردستان» يطلق على المريدين من أتباع الطريقة القادرية اسم 
«الدراويش» أما أتباع الطريقة النقشبندية فيسمون «الصوفية»” والظاهر أن الفرق لا 
يراعى في كردستان بدقة. 

كانت طائفة الشيعة في مبدأ الأمرء حركة سياسية. وفي نظر المتشيعة يعرف 
علي ونسله المتعاقب لا بالخلفاء وإنما بالأئمة. وقد ظهر بينهم خلال عهود تالية 
أكثر من انقسام داخلي حول كيفية استخلاف الإمام. ومن هذه الفرق أهمها 
وأدعاها إلى التأمل فرقة «الإسماعيلية» التي تفضل الإمام السادس إسماعيل بن 
جعفر بكر أبيه؛ على أخيه الأصغر (موسى) وهو الذي قبلت به الأكثرية. وهؤلاء 
يعترفون بسبعة أئمة فقطء ويعرفون في التاريخ اسم (الحشاشين) وعرف الصليبيون 
زعيمهم المحلي في سوريا باسم (شيخ الجبل)؛ على أننا سنقصر الحديث على 
الأغلبية التي تعترف بأئمة اثني عشرء هؤلاء يبدأون بعلي وابنيه الحسن والحسين 


(1) سأستخدم هذا التعبير عندما أقصد الأتباع الكرد من هذا المذهب. 


110 


(شهيد كربلاء) ثم يأخذون نسل الأخير إلى جعفر وموسى وينتهون باختفاء الإمام 
الثاني عشر في 873م. 

ولم يتم تأليف أول الآثار الخطية للتقليد الشيعي؛ ولم يستن شرع ويقنن فقه 
لهم حتى القرن العاشر الميلادي» أي في أثناء سيطرة آل بويه (شمال إيران) على 
الخلانة”". ولا يعود تسلسل معظم هذه المصادر المذهبية إلى أبعد من الإمام 
السادس جعفر (الصادق) (702 - 765م) الذي كان يرأس مدرسة في المدينة. ومن 
الثابت أيضاً أن أبا حنيفة ومالك بن أنس اللذين أسسا مذهبين من مذاهب السنة 
الأربعة الكبرى كانا من تلاميذه» وفي أثناء إمامته انتقلت الخلافة من بني أمية إلى 
بني العباس» ويبدو أنه كان زاهداً في الادعاء بهذا المنصب الأرفع. إن استنباطه 
فقهاً لمذهب منفصل سمي باسمه؛ كان من شأنه ولا غرو أن يوسع شقة الخلاف 
السياسيء ويخلدها إلى الأبد. وفي رواية تاريخية أن الانقسام العظيم في «العالم 
الإسلامي كاد يرأب صدعهء بقبول الشيعة في عالم السئّة» اتباعاً لمذهب خامس 
وهو المذهب الجعفري الذي رسم أن يكون مركزه الشرعي مينناويا لأي مذهب 
من المذاهب السنية الأربعة الأخرى. إلا أن المفاوضات انقطعت بسبب الخلاف 
على مقدار المال الذي سيدفع لخليفة ذلك الزمن عربوناً لإبرام الاتفاق. وهكذا 
اتسع الخرق بمرور الزمن» وزاد حدة واشتغالا بتولي (الشاه إسماعيل) عرش إيران 
في العام 1502 وفرضه المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة. وتم بعث مآتم محرم 
التي كان البويهيون قد أوجدوها في بغداد» وزيد فيها كثيراًء وأدخل (لعان) 
الخلفاء الثلاثة الأولين أبو بكر وعمر وعثمان في الصلاة. وكل هذا ولا شك جزء 
من معركة كان يراد بها استثارة عواطف السكان ضد العدو القومي تركيا وهي 


(1) يكتب بعض الباحثين الأوروبيين اسم البويهيين هكذا 3تإن8 وأحياناً هكذا طنهون8 وفي اللغة 
العربية غير المحركة يمكن قراءته بشكل واحد. أما أنا فضلت رسمه هكذا فالإناه وربما دفعني إلى 
هذاء السبب الذي قد لا يكون وجيهاً وهو أني كنت مسافراً من قزوين إلى (لاهيجان) على بحر 
قزوين سئة 1920. فمررت بالقرب من قرية تسمى (بويه) 8لإنا81 يزعمون أنها مسقط رأس هذه 

- الأسرة من السلاطين. 


111 


الدولة التي زعم سلاطينها أنهم تسلموا (الخلافة)» مثلما كان يقصد بها إثارة بعض 
رعاياها للانتقاض عليها. وفي العام 1746 بعد انقراض الأسرة الصفوية. قام (نادر 
شاه) السني بعقد معاهدة من عدة معاهدات مع تركيا أنهت حالة الحرب وألغي 
بموجبها اللعان العلني للخلفاء الثلاثة ولعائشة زوج النبي وتقرر أن يعود المذهب 
السني» مذهباً رسمياً للدولة الإيرانية. على أن مقدمة المعاهدة تشير إلى أن (نادر 
شاه) حاول في أثناء المفاوضات أن يحصل على اعتراف السلطات بالمذهب 
الجعفري مذهباً خامساًء من السئة. والآن ينص القانون الأساسي العراقي لسنة 
4 على أن تطبق كل محكمة شرعية قواعد المذاهب المختلفة حسبما تتطلبه كل 
قضية» وأن القاضي المعين يجب أن يكون على مذهب أغلبية السكان في حل 
وظيفته» وينصب في كل من بغداد والبصرة قاضيان: شيعي وسئي إلا أن التناحر 
على السلطان السياسي والإداري لم يعتوره وهن» وإنما زاد نتيجة للمساواة أمام 
الدولة وهو حق غنمه الشيعة. 


تعرض الشيعة الأوائل أثناء تطويرهم عقيدتهم إلى تأثيرات تكاد تكون مشابهة 
لما تعرض له معاصروهم السنّة. لكن يبدو أنهم كانوا متسامحين إذ فسحوا سبيلاً 
لدخول طقوس وعقائد عتيقة معينة كانت شائعة في غرب آسياء كانوا في هذا أكثر 
تسامحاً في إدخال «الأفلاطونية الحديثة» وهي العقيدة التي أثرت تأثيراً عميقاً في 
تطور التصوف عند السئّة. وقد وجد بعض هذه العقائد لنفسه مكاناً في المبدأ 
الأساسي الذي حدّد وميز المذهب الجعفري كما استقرٌ أمره. تلك هي عقيدة 
الأئمة التي تقضي - إلى جانب أمور أخرى - بأن الأئمة الاثني عشر أطهار 
معصومون منزهون ذوو صفات فائقة الطبيعة البشرية مما لا يكون إلا للآلهة. ولكن 
كان يوجد في تضاعيف هذا الجوهر عناصر لا يمكن أن تماشي هذا الخط 
التهادني» لم يكن ثمة مفر من تطورها أو إحيائها. وهي عقيدة «التجسد» و«إعادة 
التجسد» و«الحلول» وأمثالها مما يشبه شبهاً كبيراً شطحات الصفوية. والجانب 
الشيعي يطلق على هؤلاء اسم (الغلاة) ويدرجونهم في صنف الكفرة المنحرفين. 


112 


إن المذاهب السنية كانت دوماً أرحب صدراً وأبطأ في تكفير الجماعات التي لا 
تعلن انفصالها عنها. 

وبهذا نصل إلى نقطة يصعب معها التفريق بين السنّة من اليمين» والشيعة من 
اليسار. وعندما تكرم فئة معينة الإمام علياً فلا يكفي هذا بحد ذاته لنجعلها في عداد 
الشيعة (يجب ألا يعزب عن البال أن علياً فضلاً عن كونه إمام الشيعة الأول» فهو 
أكثر الخلفاء الراشدين إنسانية وسجايا وهو في عقيدة الصوفية أحد اثنين فقط 
أنهيت إليهما تعاليم محمد السرية). وللسادة احترام خاص في نفوس السنّة كما هم 
عند الشيعة. مع أنه لا يقدم أي شيعي على تسمية ابنه أبي بكر أو عثمان أو يزيد 
عادة”'' في حين شاعت أسماء على والحسن والحسين وجعفر عند السئّة كأي اسم 
شائع آخر. إلا أن السحب يبدو أقوى من اليمين إلى اليسار» لا من اليسار إلى 
اليمين» وحيثما برزت أسباب سياسية صعب على أية فئة أن تتخذ موقف الحياد 
التام منها. فما أن تفسح فئة الموضع الأرفع للأئمة الاثني عشر حتى يمكن القول 
باطمئنان إنها من الجانب الشيعي» والمخطط التالي قد يعين في توضيح محتوى 
العيازة: 

ويقوم الصفويون أنفسهم نموذجاً كلاسياً (تاريخياً) لبعض الانحرافات التي 
ذكرناها. فالشيخ صفي الدين الجد الأعلى الذي سبق حفيده إسماعيل (مؤسس 
الدولة الصفوية) بستة أجيال» ولد في العام 1252م ووصل درجة (الدليل) بالطريق 
المألوف بعد فترة من التلمذة على الولي الشهير (شيخ زاهد الجيلاني) وأسس في 
أردبيل (1300م) طريقة مستقلة سميت باسمه (صفوي) وكل الدلائل تشير إلى أنه 


(1) هناك استئثناء طريف عن هذه القاعدة وقعت عليه مؤخراً بشخص أخوين اسمهما (عمر) و(عثمان) 
وفسر لي اللغز بأن أباهما كان يفقد كل طفل يرزق به في عهد الحداثة بينما كانت بناته يعشن كلهن. 
فنذر أن يسمي أولاده بهذه الأسماء إن رزق بهم تدفعه الفكرة الشائعة هنا وهي أن الأطفال الذين 
يطلق عليهم أسماء غير مألوفة لا تطالهم العين الشريرة بسوء ولا تحل بهم مصيبة. (ملاحظة 
المترجم هذه العادة التي تمت إلى الخرافات بوشيجة وثيقة زالت الآن ولم يعد لهما من أثر تقريباً 
في بلادنا). 


113 


كان هو وابنه سنياء وطريقته الصوفية اعتيادية ما بها شذوذ إلا أن حفيده (خواجة 
علي) الذي خلفه في المشيخة سنة 1392 كان أول من أظهر ميولاً شيعية. وأثر عن 
و ستو ضرت عل الاقم ع معن عليه الافت مقائل اذ كو رلايهه ران 
العام 1502 بلغت قوة (إسماعيل) حفيد (جنيد) ما مكنته من الوثوب إلى العرش 
الإيراني. ومع أن الدراويش الجوالين في أرجاء البلاد بأعداد كبيرة لم ينظموا 

يقة خاصة. فيبدو أنهم كما أسلفت قد مهدوا لجو سني أكثر صلاحاً من الجو 
الشيعي لتقدمهم وازدهار شأنهم. ومهما يكن من أمر فإن الطريقة الصفوية كانت 
عاملاً حيوياً للنمو على خطوط سنية صوفية بحتة مدة قرن آخر بعد (خواجة علي) 
حتى عصر (إسماعيل) نفسه الذي كان يقدسه صفوة جيشه المنتخبة لا بوصفه ملكا 
لهم بل (بيرا) وعرف في أوروبا بلقب «الصوفي الأعظم» أكثر من لقب ملك. وكما 
يظهر - أن بكتاشية الأناضول الذين سأتحدث عنهم في فصل تال اعتنقوا هذه 





3 
3 
د 

3 
1 
1 

8 


سيم السيطه 


114 


من بين كثير من العلامات الأرضية التي فرضت نفسها على ذكريات السياح 
في منطقة الحدود التركية الإيرانية القديمة (هي الآن الحدود العراقية الإيرانية) تبرز 
أكثر وقعاً على النفس من غيرها قمتان توأمان للجبل الأشم المعروف (كوره 
كازاو) بارتفاعهما 7300 قدما و7250 قدما. وفي منعطف في نهايته الجنوبية وعلى 
بعد ثلاثة أميال من القمة الصغرى» وأربعة عشر ميلاً شرق مدينة السليمانية تقوم 
القرية الكبيرة (برزنجه) التي سميت باسمها أسرة من أكبر الأسر عدداً وأعظمها 
نفوذاً من (سادة) جنوب كردستان. 


يقال إن مؤسس هذه الأسرة شيخ اسمه (عيسى نوربه خش) وهو ابن (يابا 
علي همداني) وابن أخ (بابا طاهر أوريان) الشاعر والصوفي الفارسي المشهور. 
إن شجرة الأسرة” تثبته سيداً من الجيل السابق للإمام السابع (موسى 
الكاظه)”2) ويروى أن (سيد عيسى) انطلق من همدان برفقة أخيه (سيد موسى) 
لأداء فريضة الحج إلى مكة. وبوصولهما إلى المدينة أوحي إلى كل منهما في 
حلم واحد أنهما سيلقيان في موضع ما في الطريق أمامها - صخرة كبيرة 
سوداءء يجب عليهما أن يحملاها حيثما رحلا حتى يطلب منهما في الحلم أن 
يقفا ويبنيا مسجداً في موضع وقوفهما وتم ذلك في رحلة العودة» وكان 
الموضع هو برزنجة الحالية. فقد اضطجعا بعد يوم شاق للنوم أمام (بهر زنج) 
وهو كوخ من فروع الشجر أقامه أحد الرعاة. وهنا سكنا إطاعة للأمر الإلهي 
وبنيا المسجد القائم الآن في موضع نومهما. ووضعا الحجر الأسود بمثابة 


(1) على أن أتقدم بالشكر لصديقي سعادة الشيخ بابا علي» لتزويدي بنسخة تكاد تكون كاملة من 
الشجرة المحفوظة لدى أسرته ومساعدتي على التحقيق وتصحيح المواد التي جمعتها أيام وجودي 
في البلاد» كذلك أشكر سعادة محمد سعيد قزاز (وزير الداخلية سنة 1957) للمعلومات الهامشية 
عن أصل حاجي شيخ عارف سه ركه لو. وشيخ عبد الكريم شه ده له الذي سيأتي إلى ذكرهما في 
الفصل الرابع عشر. 

2( إن السلف المتوسط على النسق الصاعد هم السادة (بابا علي» يوسف.» منصورء عبد العزيز» عبد 
الله » إسماعيل). 


115 


حجر أساسي تذكاري في أصول أحد الجدران» ويعطى لهذا الحادثة تاريخ 
(656ه/ 1258م) وهي السنة التي دالت فيها خلافة بني العباس على يد 
المغول. 


وعند زيارتي الثانية (لبرزنجة) في العام 1919 أتحفني سادتها برواية أكثر 
تفصيلاً وتزويقاً للقصة الخلابة جديرة بالتسجيل هنا وإن كانت تتضمن متناقضات 
خطيرة قد تنسب إلى الاختلاف الزمني المتسبب عن الخلط بين (سيد موسى) 
الأخير وسلفه الإمام موسى السابع المتقدم. تقول الحكاية إن هارون الرشيد صادف 
في إحدى جولاته التنكرية في بغداد» رجلا يهم بأكل لحم جحش ميت. فراح 
يعنفه على عمله القبيح. فأجاب الرجل إن لحم الميتة حلال لمن يكاد يموت 
جوعاً. فأعطاه الخليفة مسبحة غالية الثمن وأشار عليه ببيعها وشراء طعام حلال. 
فأخذ الرجل المسبحة إلى صائغ يهودي. ولما تأكد هذا من وضع الرجل اليائس 
ورقة حاله» ادعى أن المسيحة هي واحدة من حاجات سرقت من داره قبل فترة 
من الزمن ورفع بذلك شكوي إلى القاضي دعمها باثنين من الشهود يهوديين تنكرا 
بهيئة السادة ووضعا عمامتين خضراوين على رأسيهما. فقبل القاضي بشهادتهما 
وأمر بقطع يد الرجل الفقير. وبعد يومين أو ثلاثة التقى الرجل المسكين بهارون 
الرشيد مرة أخرى واستجداه صدقة فعرفه الخليفة وأخذ يعنفه لسفاهته قائلاً إن ثمن 
المسبحة يكفيه ذل السؤال ويكفل له العيش الرغيد مدة سنوات. فقص عليه ما 
وقعء فتميز الخليفة غيظاأً وأمر بالصائغ وشاهديه أن يقتلوا ولجهله بمسألة انتحال 
اليهوديين صفة السادة» أمر بإلقاء القتبض على جميع السادة في بغداد وقطع 
رقابهم. ولهذا السبب هرب كل من السيدين (عيسى وموسى) إلى همدان وقرروا 
بعد فترة أن يحجا إلى مكة فوقع لهما الحادث الذي رويناه. 


إن بروز أسرة البرزنجة ذو أهمية في تاريخ تطورات اجتماعية معينة وتاريخ 
زعامة روحية مخصوصة في جنوب كردستان وهي تستأهل بضع فقرات تحليلية. 


116 


شجرة الأسرة الهاشمية 
(انظر ص106) 





عمد متاف 
6 ا 
5 ( 1 
(خا) إلى عدا : 
اح ا 
كه أن المياس ايوماكب عد ألله 0 ابويكر | ا عسسر 
ا رلى سد - عائة حتصةت محمسف 
يزيد 
0 على - ظ 
خلف" له اسية لس 
- 1 . _ 3 
كت رض وعد سان 
الغلنا* العيا 
فى يغداب السلن 
المسين 
ا عر 
وانسالهم 


117 


تشير شجرة الأسرة إلى أن السيد (موسى) توفي بلا عقب. وكل أفراد الأسرة 
الموجودين الآن في كردستان أو من أثر عنه السكنى منهم في تركيا وسوريا والهند 
وغيرها من البلدان إنما ينحدرون من صلب بابا رسول الملقب كه وره - العظيم 
الذي يمثل الجيل التاسع ابتداء من السيد عيسى” وقد رزق (بابا ره سول) هنا 
بثمانية عشر ابنأ وتسع بنات. ولكن لم يختلف من أبنائه المذكورء غير ستة. والذي 
أثبتئاه في اللوحة هنا (وهو مقتبس من شجرة الأسرة) يوضح تعاقب السادة 
البارزين الذين جاء ذكرهم في الكتاب. لقد خلف (بابا رسول) ابنه (إسماعيل) في 
مقره ببرزنجة وما يزال أحفاد هنلا موجودين هناك وفى المرى المجاورة. وثمة عذة 
فروع للأسرة عرفت بأسماء القرى التي أسس الأخوة الخمسة الباقون أو ذريتهم 
تكيات ثانوية فيها مثل (سه ر كه لوء قازان قايه» دول به مو نودي) إلخ.. 

هناك تاريخ هام يعرض في دراسة تاريخ الأسرة هو عام (1207ه/ 1792 - 
3) حيث وجه السلطان سليم إلى السيد طه الذي هو ابن حفيد إسماعيل 
(الجيل الرابع ابتداء من بابا رسول) فرماناً يتضمن وقف بعض الضرائب لنفقات 
المسجد. فإن كان السيد طه في ذروة نفوذه يتمتع بتقدير السلطان في تلك الفترة 
فليس من المعقول أن نفرض تاريخ ميلاده في حدود عام 1745. 

هناك تاريخ آخر يمكن التأكد من صحته» وهو تاريخ الشيخ (معروف نودي) 
وهو جد الشيخ محمود. الذي كان مركزه يبشر بالارتفاع لما كان (ريج) في 
السليمانية سنة 1820م. وبحسب التعليقات الملحقة بطبعة للكتاب المعروف باسم 
«أحمدي» تم طبعه في السليمانية عام 1931 (وهو مجموعة قصائد باللغتين الكردية 
والعربية)» نجد أن مؤلفه «الشيخ» قد ولد في (1166ه/ 1752 - 1753م) وتوفي في 
(1252ه/ 1836 - 1837). ونظراً إلى كتاب «مناقبي كاك أحمدي شيخ» المطبوع 


() إن السلف الأوسط. حسب الترتيب التصاعدي هم السادة عيدو السيد» ورسولء وقلندر. وعبدو 
السيد وعيسى أحدب» وحسين» وبايزيد» وعبد الكريم قطب. 


118 


في السليمانية عام 1939» يتضح أن الابن كان قد ولد سنة (1207ه/ 1792 - 
3) عندما كان أبوه في الأربعين» وتوفي في (1305ه/ 1887 - 1793) وهو في 
سن الخامسة والتسعين. 

وبهذا يكون كل من السيد طه البرزنجي» وشيخ معروف نودي» متعاصرين 
أولهما يمثل الجيل الرابع بينما يمثل ثانيهما الجيل الخامس ابتداء من (بابا رسول) 
وفي بلد يسمح بتعدد الزوجات» ترى أبناء الأسرة الغنية يميلون إلى اتخاذ الزوج 
الأولى وهم في مقتبل العمرء إلا أن معدل الوفيات عال» ويميل الرجال الطاعنون 
في السن إلى اتخاذ زوجات يصغرونهن بكثير. ولا أعتبر السن المتراوحة بين 
الثلاثين والأربعين سناً كبيرة جداً لغرض جعلها معدل من جيل من الأجيال. وإني 
أجهل أعمار المعاصرين من سادة أسرة (نودي) على وجه الدقة» ما عدا تاريخ 
ولادة الشيخ محمود (7”)1880. وولادة ابنه بابا علي (1915) ولا يمكن أن يكون 
هذان التاريخان بعيدين عن الواقع وكلاهما يقدمان معدلاً قدره (32) أو (33) سنة 
للجيل الواحد منذ الشيخ معروف فنازلا. ولنفترض المعدل (33) سئة بالنسبة إلى 
فرع (نودي) و(40) سنة بالنسبة إلى فرع البرزنجة. وبهذا نستطيع أن نفترض عام 
5م أو نحوهاء لميلاد (بابا رسول) وعلى هذا يمكننا القول باطمئنان تام أنه 
عاش في مفتتح القرن السابع عشر. 

وإذا كان بناء المسجد قد حصل في 1258م فمن المعقول افتراضنا عام 1225 
لميلاد (سيد عيسى نوربخش) وهذا يزودنا بمعدل مقبول قدره (40) سنة بالضبط 
لكل جيل من الأجيال التسعة - ابتداء من سيد عيسى - حتئ بابا رسول. وتلوح 
المصاعب أمامنا عند هذا الحد. فشجرة الأسرة تقدم سبعة أجيال فقط لأربعمائة 
وثمانين سنة» ابتداء من سيد عيسى حتى الإمام (موسى) الذي ولد في حدود عام 


(1) توفي الشيخ محمود في 9 تشرين الأول 1956 - وفي كلمة تأبيئية عنه وردت في إحدى الصحف 
الصادرة في السليمانية» ذكر أن ميلاده كان في العام 1298ه/ 1880 - 1881م. 


119 


5م. ولا يعرف الكثير عن حياة (بابا طاهر) رغم شهرته المستفيضة. ولكن يتضح 
من رواية اقتبسها (براون)”" أنه كان رجلاً كامل الصفات» يعيش في همدان أيام 
زيارة للمدينة قام بها الملك السلجوقي في طغرلبك فيما بين 1055 - 1060م. وأما 
الأجيال الستة المبتدثة بالإمام موسى والمنتهية بابا طاهر فمعدل ينقص قليلاً عن 
(40) سنة للجيل الواحد منها هو معدل مقبول. لكن لو كن (بابا علي) أخاً (لبايا 
طاهر) فهناك ثغرة تزيد قليلا عن مائتي سنة (ستة أجيال) بينه وبين السيد عيسى. 

إن تغلب الفرع النودي من الأسرة البرزنجية» يعود تاريخه إلى حادث تحقير 
وهروب (مولانا خالد) الشيخ الدليل النقشبندي المشهور - من مدينة السليمانية في 
سنة 1820. وإلى هذا الشيخ يرد عدد لا يحصى من شيوخ الطريقة في كل أنحاء 
العالم الإسلامي. تحصيلهم الروحي. وهناك رواية متداولة عن كراماته ومكانته. 
وكيفية سقوطه الأدبي أثبتها (ريج) هكذا: 

24 حزيران: - يعيش في السليمانية ولي عظيم مسلم يدعى شيخ خالد. لكن 
الكرد يعتبرون أنفسهم كافرين إذا أشاروا إليه بأي اسم خلا «حضرتي مولانا» 
ويتحدثون عن أقوالهء كأنها وحي أو «حديث نبوي». وهو من قبيلة الجاف 
ودرويش على الطريقة النقشبندية التي اعتنقها في دلهي» على يد الصوفي الشهير 
(سلطان عبدالله) ويبلغ عدد مريديه اثني عشر ألفاً وهم منتشرون في أنحاء تركيا 
وجزيرة العرب. ويطلق عليه الكرد جميعاً اسم «أوليا» أو الولي» ويساويه كثيرون 
بنبيهم (محمد). ومن مريديه الباشا نفسه وعثمان بك شقيق الباشا الأصغر وكل 
المبرزين الكرد تقريباً. وقال لي عثمان بك أنه مساو للولي المسلم المشهور الشيخ 
عبد القادر على الأقل». 

0 تشرين الأول: - في صباح هذا اليوم هرب الشيخ خالد العظيم. ولم 
تعرف الجهة التي سلكها حتى الآن... وكان فراره مفاجئاً وسرياً.. قبل هروبه كان 


(1) تاريخ الأدب الفارسي 1926 هنومء5 /ه 115:00 برمدمانة 4 المجلد الثاني» ص117 و260 (طبع 


120 


الكرد يرفعون منزلته فوق الشيخ عبد القادر. وكان الباشا يظل واقفاً في حضرته» 
ويضع في غليونه تبغاً. أما اليوم فهم يكفرونه» ويرددون الحكايات عن كفره 
وإلحاده. وكان سبب فقده مكانته وفاة ابن الباشا (في 12 تشرين الأول). فقد ادعى 
أنه سيئقذه من الموت» وأنه فحص ما كتب الله في سجلاته عنه... إلى آخر هذه 
الأقوال. واختلف الرواة في تفسير فراره اختلافاً كبيراً. وزعم بعضهم أنه دأب على 
الوقيعة بين الباشا وأخوته الذين كانوا يريدون منه أن ينضم إلى حزيهم. وقال 
آخرون إنه اعتزم إنشاء طائفة جديدة» وجعل نفسه السيد الروحي والزمني للبلاد» 
وكل العلماء والسادة وعلى رأسهم الشيخ معروف كانوا من مبغضي الشيخ خالد 
لأن سلطانه ونفوذه كان يكشف نفوذهم طوال وجوده». 


إن فرار مولانا خالد ما يزال من الحكايات المتداولة في السليمانية حتى يومنا 
هذا وقد سمعت الشائع بين الناس أن السبب الحقيقي لفراره هو فشله في مسابقة 
عمل معجزات جرت بينه وبين الشيخ معروف» فسقطت هيبته سقوطاً تاماً (ولعل 
هذه المسابقة كانت لها علاقة بالدواء الذي وصف لابن الياشا المريض). 


ألف الشيخ معروف كثيراً من الكتب الدينية. وإلى جانب اقتران اسمه بحادث 
الشيخ خالدء فإنه يذكر 52 عادة بكتابه «كتاب ثه حمه دى» الذي نوهت به 
قبلا””" وهو من كتب تعليم اللغة العربية تعليماً سهلاً لا مشقة فيه. فيبدأ مقدمته 
الشعرية بحمد الله والثناء عليه إلى أن يقول: «في هذا الكتيب المدون باللغة 
الكردية أريد تبسيط اللغة العربية بحيث يتمكن ابني أحمد من دراسة المفردات دون 
مشقة؛ ولهذا سميته (نه حمه دى)؟ وهذا القول لا يتفق مع أمزجة كتاب السيرة 
الذين ادعوا أن اسم الكتاب وولادة الصبي (أحمد) هما من قبيل المعجزات» 
مستندين إلى أن صاحبه ألفه قبل ميلاد الصبي بثلاثة أعوام لما كان كل من الأب 
والأم قد بلغا من العمر عتيا ويئسا من إنجاب البنين مثل (إبراهيم الخليل وزوجه 


(1) لهذا الكتاب طبعتان أخرجتها المطابع المحلية: مطبعة رواندوز 1926» ومطبعة السليمانية 1936. 


121 


سارة). إن المقارنة بين تاريخي ولادة الأب والابن توضح على كل حال أن 
المؤلف لم يبلغ التاسعة والثلاثين والأربعين بأي حال عندما ألف وأنجب. 

ولا شك أن الشيخ معروف وهو في الثامنة والستين كان - بمركزه الثانوي - 
أبعد عن لبس الجبة التي تركها منافسه الشهير في الميدان وهرب ولذلك بقي 
(لكاك أحمد) ابنه أن يسبغ على شخصه الكرامات والمهابة المتأتية» من ضروب 
الدجل والشعبذة التي أتاهاء فتلقى عنها ما اعتاد الكرد البسطاء إغداقه من التقديس 
على وليهم المختار. ولم يعف الزمن عن شهرته» ولم ينل منها سلوك بعض 
خلفائه المعيب”". وقد نشر حاجي توفيق أفندي (بيره ميرد) كتابه #كرامات الشيخ 
كاك أحمد) باللغة الكردية. ويحتوي على مقدمة بقلم الناشر ينوه فيها بشهرة 
المؤلف العالمية ويورد على ذلك دليلاًء هو أنه كتب إلى الملكة فكتوريا متوسطاً 
لراجا الهندي ارتكب خطأ فلم تكتف الملكة بالعفو عن الراجا وإنما كتبت للشيخ 
رداً على رسالته. ويحتوي فضلاً عن هذا على زهاء ثمانين صفحة من السيرة 
والحكايات المترجمة عن الفارسية. وهى بالأصل من إملاء «عزيزي عثمان آغا» 
وكيل الشيخ في شؤونه البيتية والعائلية الملقب «خواجة أفندي» على أسلوب سير 
الأولياء العظام السابقين. 
صناعة الدروشة والشيوخ الأدلة» فالهيبة والشهرة ورفعة المقام تعتمد عملاً وإلى 
مدى واسع على درجة نجاح «الدليل» في إقناع الناس بحيازته قوى خارقة للطبيعة 
(ذو كرامة) وفي كردستان تكون خير الكرامات وأجلب المواهب للاحترام» 
المقدرة على جعل الإنسان محصناً من الطلقات النارية بكتب سحر (أحجبة - 
حجاب) يحملها المرء أو يخيطها في ثيابه محزومة في جيب صغير من قماش 
ملون - ولهذا الحجاب اسم خاص هو (كَله به ند أو حاجز الرصاصة) ولذلك 
خصص له كتاب الكرامات هذا جانباً كبيراً من البحث. 


(1) اتخذت الأسرة لقب «حفيد زادة» ومعناه «أولاد الحفيد الأكبر؛ ويفهم أنه من الجد الأعلى (النبي). 


122 


لما حضرت الشيخ معروف الوفاة أوصى ابنه بأن يؤدي فريضة الحجء وينتظر 
هناك وصول رجل كبير» يملك المفتاح الأصيل لمعرفة قيمة الأحرف الأبجدية 
السحرية» وأهمية بعض الأرقام العددية. وعن الكرامات التي تأتيها آيات معيئة من 
القرآن. فلم يكن لكاك أحمد إلا أن يلبث في مكة ثلاث سنوات إلى أن بعث الله 
إليه بهذا الرجل المبارك من مراكش! فأخذ عنه السر حالاً وقبل أن يجرب 
الطلسمات في الآخرين عمد إلى تجربتها في نفسه كما يأتي: 


كان يوجد فتاة موكلة بتوزيع القوت اليومي على تلامذة المدرسة الدينية في 
مسجد السليمانية الكبير» وقعت في غرام وجه جميل وصوت عذب لتلميذ من 
أولئك التلاميذ. وحاولت إغراءه كما حاولت امرأة (فوطيفار) إغواء يوسف 
الصديقء» ولما فشلتء اتهمت الشاب بمحاولته الاعتداء على شرفها. وكانت 
الظروف لا تدع مجالاً للشك في صحة التهمة. ورفض أحمد باشا الصارم؛ كل 
المجهودات التي بذلها كاك أحمد (الذي كان يعرف الحقيقة بالطبع) لنيل العفو عن 
عقوبة الموت. وبينما كان الحرس يقودون التلميذ إلى الأكمة لتنفيذ الحكم وهو 
مشدود الوثاق معصوب العينين» أسرع (كاك أحمد) إلى بيته واشتمل بجبة أبيه 
وشد (الككله به ند) على ذراعه وأدرك موكب الموت وتمكن من طي الفتى تحت 
جبته وفرقة الموت تضغط على زناد البنادق فسقطا على الأرض» وضجت المدينة 
كلها بالبكاء والعويل. وأسرعت الفتاة إلى الباشا وأخبرته بالحقيقة فهرول فزعاً إلى 
ساحة الإعدام ليراهما وهما ينهضان سليمين لم ينلهما أقل أذى وذراعا كاك أحمد 
ما زالتا تشدان الفتى إليه. 


وبهذا ثبتت كرامة الشيخ واستطارت شهرته» وأبلغ نامق باشا والي بغداد 
السلطان عبد الحميد بالمعجزة» فدعا كاك أحمد لزيارة استانبول فاعتذر الشيخ عن 
الزيارة» إلا أنه أرسل (الكله به ند) إلهي بيد مفتي السليمانية مع كتاب ضمنه 
نصحاً وإرشاداًء فاستقبل مبعوث الشيخ بإكرام عظيم إلا أن حزباً في بلاد السلطان 
يعادي متصوفة القادرية» أقنع السلطان أن يسمح لهم باختبار قوة الطلسم في ثور 


123 


خصي. وبقدرة من الله وقوة الحجاب لم يؤثر الرصاص في الحيوان» ولما عاد 
السلطان إلى حجرته وهي خلوة لا يدخلها أحد قط وجد رسالة بخط يد (كاك 
أحمد!) وبأسلوبه ملقاة على الطاولة؛ وكانت تتضمن لوماً وعتاباً للسلطان» لأنه 
تجاهل التعليمات وجرب قوة الحجاب في غرض حقير. 


124 


5 
الحياة فى السليمانية 


في العهد التركي» كان لواء السليمانية يتألف من أقضية خمسة هي جمجمال 
(أسلفت وصفه) إلى الغرب. وحلبجة إلى الجنوب الشرقي» ومركز القضاء في 
الوسط والجنوبء (وشاربازير) إلى الشمال الشرقي وبشده ر أو (معمورة الحميد) 
إلى أقصى الشمال ولم يبق بعد نيسان 1919 من أقضية أربيل التي ضمت إلى دولة 
الشيخ محمود عام 1918 إلا قضاء (رانية) غرب بشدر. وقد عين معاون ضابط 
سياسي بريطاني للإشراف على إدارة كل قضاء من هذه الأقضية ما عدا (بشده ر) 
التي كان يديرها (بابكر آغا) القائمقام فيهاء ورئيس قبائل بشدرء رجل بارز 
الشخصية جداً سأتكلم عنه كثيراً عندما تحين المناسبة وكان يقوم بأعماله تحت 
الرقابة الإجمالية لمعاون الضابط السياسي في (رانية). 


ويبلغ عدد سكان السليمانية المعتاد 10,000 نفس تقريباً» منهم تسعة آلاف كرد 
مسلمون ومنهم (750) يهودياً و(120) مسيحياً كلدانيً”'» ولقد قسمت لأغراض 
البلدية» إلى سبعة أحياء (كّه ره ك) وهي كويذه؛ مه لكه ندىء, كانى اسكان» ده ر 
كه زين» سه رشه قامء جوارباغ» جوله كان (الحي اليهودي). ونخص بالذكر 
محلة ده ر كه زين التي تقول عنها المآثر المحلية إنها امتداد مجموعة من ست أو 


(1) الأرقام المثبتة هنا تستند إلى تسجيل عملته البلدية في العام 1925» عندما عاد الأهالي إلى حالتهم 
الاعتيادية بعد ويلات 1918 - 1919. 


125 


سبع أسر سنية المذهب جاءت من حي في همدان بهذا الاسم» فراراً من اضطهاد 
الأغلبية الشيعية هناك. وكانت المدينة قبل الحرب مشهورة بصناعة البنادق وهي 
تمد بإنتاجها هذا رقعة كبيرة من كردستان على جانبي الحدود الإيرانية ويذكر 
(مارك سايكس : 1902) عن (150) بندقياً حاذقاً في السليمانية أيام وجوده؛ كانوا 
ينتجون تقليداً متقناً للبندقية الشهيرة مارتيني بيبودي 262604 - ندناءة31 وعلى أثر 
احتلالنا آلت هذه الصناعة إلى الزوال تدريجياً. لكن الخرطوش بقي فترة من الزمن 
من الموازين التجارية المستعملة في السوق توزن به البضاعة والمشتريات. وقد 
انصرف التجار إلى التعاطي بالتبوغ على أن عدداً كبيراً من صغارهم ظلوا على 
صلاتهم التجارية مع (بانه وسنه وساقز) في إيران. فضلاً عن الموصل وبغداد. 


«اتبعوني !) وكان صوت (كاك أحمد) بعينه: فساروا خلف الصوت برهة وكم 
كانت دهشتهم عظيمة حين وجدوا عبّارة مشدودة على الضفة فعبروا بها النهر 
جماعات الواحدة بعد الأخر ى. ولما بلغ رجال العدو النهر رأوا العبّارة على الضفة 
الأخرى فانكفأوا على أعقابهم خاسئين. وكل الهه ماوه ندء كل غر ساذج منهم 
يقص هذه القصة وهو شديد الإيمان بها. 


(ومولانا خالد) شخصية بالغة الأهمية في تاريخ الطرق الصوفية. فهو أول من 
أدخل الطريقة النقشبندية إلى جنوب كردستان. وهو من «ميكائيلي» الجاف ولد في 
قرية (قره داغ) السنة 1779. وتلقى العلم عن أبيه أولاً ثم تتلمذ جرياً على عادة 
العصر - على مختلف العلماء في (سنه) و(السليمانية) وبغداد وغيرها. ثم حج إلى 
مكة وهو في السادسة والعشرين. ومن مكة رحل إلى الهند وفي دلهي تتلمذ على 
السلطان (الشاه) عبد الله الذي لقنه الطريقة وأجازه بأن يكشفها للآخرين كما ذكر 
(ريج)؛ ولبث أشهراً في «سنه». أثناء عودته إلى دياره»ء كشف الطريقة خلالها 
لمعلمه السابق فيها. واستقر نهائياً في السليمانية منذ عودته (ربما في حدود 1808) 
وتنقل بينها وبين بغداد» وطار صيت طريقته وانتشرت انتشاراً عظيماً واعترفت به 
كل الطبقات رفيعها ووضيعهاء دليلاً وشيخاً. 


126 


ولم يعد إلى السليمانية بعد فضيحة السنة 1820. لكن لا يمكن التسليم بأنه 
كان على الدوام موضع سخرية منافسه القادري. وأكد لي مريد نقشبندي أن الواقع 
بعكس ذلك تماماً وقال: «أعلم أن الشيخ معروف حقد على الشيخ خالد. وكان 
من تلامذته ابنه كاك أحمد والشيخ عبد الرحمن الطالباني فأمرهما أن يذهبا لقتل 
هذا الرجل الكبير المقام» فانطلقا لكن أقدامهما أصيبت بشلل عندما اقتربا منه» 
ولم يكن ذلك الشلل ليزول عنهما إلا عندما يهمان بالرجوع فراحا يرددان كل 
الأدعية المناسبة للموقف حسب طريقتهما بلا جدوى وهكذا عادا خائبين! فما كان 
من الشيخ معروف إلا أن بعث بهما ثانية. فأصيبا بعمى وقتي» فتحققا أن الإصرار 
لا طائل تحتهء وإن من الحكمة أن يتقدما للسلام على الولي زاعمين أنهما من 
قصاده الأتقياء»ء وهكذا دخلا الحضرة. وما أن رأى كاك أحمد شخصاً معتكفاً في 
الغرفة شبه المظلمة مشتملاً بالبياض حتى شهر مسدسه لكن يده أصيبت بالشلل 
وهنا جثا الوافدان على الأرض وقبلا قدمي من استهدفا قتله وطلبا هدايتهما إلى 
الطريقة النقشبندية فحقق طلبهما إلا أن الشيخ عبد القادر الكيلاني» ظهر له في 
الحلم وقال له إن مكانه ليس هنا بل في سورية فقرر الرحيل”". ومهما كانت 
الحقيقة فإن مقامه خارج السليمانية ظل كما يبدو - على حاله واستمر نجمه في 
صعود أولاً ببغداد ثم بدمشق حتى وافاه الأجل العام 1826 وهو في السابعة 
والأربعين. 


ومر زمن كان أهم شيوخ النقشبندية ثلاثة (سأتحدث عنهم في الفصول التالية) 
وهم (سيد أحمدي خانقاه كركركي) والشيخان حسام الدين وعلاء الدين هه 
ورمان) الأول من فرع سه ر كه لو البرزنجي» واسمه يظهر في الخط الأيسر من 
(1) ليس في الأمر غرابة» فاحترام ولي عظيم كالشيخ عبد القادر هو احترام عمومي» ليس قاصراً على 

متبعي طريقته. وليس نادراً أن ترى شخصاً يتخذ نفسه طريقتين صوفيتين. إن مؤلف كتاب «كرامات 


كاك أحمد)» يذكر أن بطل كتابه تمتع بأفضل وأطيب العلاقات مم خليفته الشيخ خالد الأكبر ف 
كران بل كتابه تمتع بافضل واطيب 28 لشيخ في 
أواخر أيام حياته. وهو (شيخ عثمان بياره) الذي تبادل معه الطريقة. 


127 


شجرة الأسرة» والأخيران هما (شيخ سجادة) من أحفاد شيخ (عثمان سراج الدين) 
وهو فرد بارز من أسرة (آغا) المتزعمة”' فى قرية (ته ويلة) الكبيرة ذات الأهمية 
التجارية. ولعل نفوذهما فى الجانب الإيرانى من الحدود أكثر منه فى الجانب 
العراقي. : ١‏ ْ 

هنالك سلالة مهمة من السادة معظمهم يسكن الجانب الإيراني قرب حلبجة 
ويدعون أنهم ذرية الولي المشهور المعروف باسم (بير خدر شاهو) الذي أنبت 
حشيشاً أخضر في أرض جرداء جلس عليها مع زهر ربيع ناضر وكان الزمن شتاء؛ 
وقيل لي مرة إن اسمه الحقيقي كان (شيخ شهاب الدين) وقبره ظاهر في جبل (به 
مو) على الحدود. وتدّعي ذريته أن الشاه عباس (1587 - 1629) كان فخوراً بتزويج 
بنته منه عندما زار تلك الأنحاءء وهذا ما يمكننا من إثبات وجوده في الربع الأول 
من القرن السابع عشرء فهو معاصر لبابا رسول البرزنجي. 


يوجد في جنوب كردستان أسر أخرى من السادة ك(شيخانى جيل)» و(نعيم) 


(1) إن الشجرة التالية التي قدمها لي (قادر اغا نه ويله) تظهر أعضاء الأسرة البارزين: 


محمد اغا 
08 آغا 
0 
خالد آغا 
ار 

عبدالله آغا شيخ عثمان سراج الدين 
نيز آغا ١‏ 
0 آغا شيخ محمد شيخ بهاء الدين 
قادر آغا 58 الدين شيخ علي حسام الدين 
شيخ -خالد شيخ عثمان شيخ معتصم شيخ محمد 


128 


الذين يشوبهم دم عربي» لكن نفوذهم السياسي لا يعتد به. وإن دور شيوخ 
السجادة الطالبانيين هو قبلي أكثر منه ديني ونفضل إرجاء البحث في أمرهم إلى 
الفصل الذي سنعالج به أحوال القبائل والإدارة بكركوك. 


لم أجد كلمة مدح لمظهر المدينة الهندسي ومنظرها الخارجي لأي كاتب زائر 
ذكرته في قائمتي ولا استثنى يومياتي التي دونتها في هذه الفترة. فقد كتبت ما يلي: 
«موقع يخيب الأمل موحش للغاية معظمه خرائب» وهو بمجمل القول لا يزيد عن 
مجموعة من الأكواخ الطينية إلا بقليل... الانطباع العام الذي تخلفه: فراغات 
زراب مكسفن جززان متقوضة وخرائب وسيقان من الحشائش الجافة تنمو 
إلى ارتفاع يزيد عن القدم الواحدة فوق سقوف طينية حقيرة... ويكاد مسجد كاك 
أحمد بالقرب من المدخل الغربي للمديئة يكون البناء الوحيد ذا المظهر الدال على 
العناية» بمنارته النحيفة ذات الزخارف الملونة من القاشاني والآجر الأخضر 
والأبيض التي تكسوها حتى مقصورة المؤذن والقبة». وكانت هذه المظاهر كلها 
خادعة إذ اكتشفت فيما بعد أن المدينة لا تخلو من المنازل الواسعة» الفارهة 
المبنية بالطابوق على طرز العمارة الإيراني تخفيها عن الأعين جدران طينية عالية. 
وكل منزل تحيط به رياض غناء وخمائل جميلة تجري في جنباتها السواقي إلى 
برك وأحواض لامعة بسطوحها القاشانية الزرقاء الفاتحة» وتوحي بمجلس بارد 
مريح. 

وليس بالغريب أن يلحظ المرء في المدينة مظهر مجد زائل في تلك الفترة من 
الزمن بالذات. فتجارتها قد بارت تماماً في آخر سنة من الحرب. وأهملت الزراعة» 
وكانت جباية الضرائب التركية : تتم بشكل متجرد من الرحمة. وقصفت المجاعة 
أرواح الكثير من البشر والحيوان. وعندما وصل (نويل) إلى السليمانية سنة 1918 
وجد جثث الموتى ملقاة فى ي الشوارع والمنازل التي تركها أصحابها. وحصلت 
حوادث أكل فيها الجائعون لحم إخوانهم من البشرء ولم يبق من سكن المدينة 
الأصليين غير الثلث. وبعين المعدل قدر عدد سكان القرى المحيطة بها الذين 


129 


نزحوا أو هلكوا. فكان أول واجبات (نويل) تأمين الغذاء للجائعين والكساء للعراة 
والبذور وحيوانات الحراثة والأدوات الزراعية للفلاحين. فلم تنس له هذه 
الخدمات الإنسانية» وظل الكرد سنوات وسئوات يلهجون بها ذاكرين شاكرين. 
وقد مست شغاف قلبي وملكت عليّ عاطفتي لما ذكرت في الخطب العامة التي 
ألقيت بمناسبة استقبالي بعد سبع وعشرين سنة من آخر زيارة للمدينة. 

وتوقف تنظيف البلدة بقيام الثورة بالطبع. فبقينا زمناً بعد دخول الحملة ونحن 
نعيش وسط قذارة تامة. وكان المقر العسكري يحتل دائرة الضابط السياسي السابقة 
وهو في الحقيقة مدرسة ثانوية بنيت بالتبرعات الأهلية وكان الأهالي يلحون علينا 
إلحاحاً متواصلاً بإخلائها وهو حق لهم لا ينكر. ولذلك جعل (الدبو) السالف 
الذكر مقرأ للدائرة السياسية بعد إخراج المعتقلين الإنكليز منه. وكان بناؤه رحيبا 
أغبر كثيباً يتألف من ساحة تحيط بجوانبها غرف صغيرة متوالية» فهي أشبه بخان 
المسافرين الويراني. وهناك عشنا وعملنا مختلطين بالخدم الكرد والمساحين الهنود 
والحرس والبقالين ومأموري المخازن وغيرهم من الكسبة الذين لا أعمال معينة 
لهم. وكان أثاث غرفتي الوحيد فراش سفري وقربة ماء من الجنفاص مستقرة على 
أرضية حجرية مرتفعة. تافه. فبددت هذه الرسالة المعجزة» كل ما قد بقي من شك 
في الضمير الملكي؛ بخصوص سمو مقام الولي الذي يبعد عنه مسافة طويلة. 
وعلى سبيل التكفير عن لحظة الشك تلك» منحه عوائد خمس قرى في (شارباثير) 
وهي نودي وبزه ينيان وعازه بان وخره جيان» وويلادار. وكاتب المقدمة يزعم أن 
(كله به ند) كاك أحمد أنقذ عبد الحميد مرة واحدة على الأقل بصورة مؤكدة 
حين : 


«وضع الأرمن قنبلة تحت موطئ الركوب»» أمام مدخل مسجد الحميدية» 
وكانت مؤقتة لتنفجر تحت قدميه في اللحظة التي يطأ الصخرة ليدخل مركبته. 
وتطاير حطام سبعين أو ثمانين مركبة في الهواء مع أشلاء مائة أو مائتي شخص» 
بفعل قوة الانفجار! ولكن لم تنزف قطرة دم من جياد العربة الملوكية» ودخلها 


130 


السلطان وهو يصيح: «إني ألبس كلبند كاك أحمد فكيف يمكن أن تلحق القنبلة 
درا عون 

وأغلب المعجزات المدونة في الكتاب تدور حول الوتيرة المعتادة: الانتقام؛ 
والتأرء كما فى القصة المفزعة التالية: إن تلميذاً جعفرياً من إيران حاول وقت 
قراءات الفانم تعيد وفاة الشيخ معروف أن يجادل (كاك أحمد) في ماهية العقاب 
الذي ينتظر المرء في الآخرة» فأجابه أنه سيعلم بنفسه قبل أن يصبح عليه الصباح! 

وهناك قصص عن ظهور الشيخ لمريديه في الحلم - لمعاناتهم مصاعب» وعن 
التنبؤ بالغيب» مثل العلم بالتقاعس عن واجبات الضيافة» وعن لحم لا يحل أكله 
لأن حيوانه لم يذبح حسب قواعد الشرع. وعن المعرفة بأحداث المستقبل وتزويد 
مدير شؤون بيته بلقود ذهبية عندما لا يدري من أين يأتي بالمبلغ اللازم لنفقات 
سيده» أو لتوزيع صدقاته. والحق يقال إن كثيراً من القصص فيها طرافة عظيمة 
ولضيق المجال سأكتفي بإيراد قصة أخيرة لعلاقتها بحدث من أحداث التاريخ 
المحلي مما ذكر في الفصل السابق» ولتكون مثلاً للإيمان الساذج الذي يلازم كثيراً 
من الكرد بأن لكل. كردي الحق في طلب تدخل ولي كردي لمصلحته ضد أي 
شخص أجنبي» دون اعتبار لمن يستحق هذا التدخل من الجانبين! 

إن أفراد قبيلة (الهه ماوه ند) التي بلغت حداً لم يبلغه غيرها من الشجاعة 
والإقدام وهزمت الأتراك والإيرانيين هزائم منكرة» تمكنت الحكومة بالسياسة 
والخديعة من سوقهم إلى السليمانية» ثم نفيهم بالجملة رجالا ونساءً؛ء شيبا 
وشباناً أسراً كاملة لم تستثن منها لا الخدم ولا الأتباع» وتقرر نفي بعضهم إلى 
جزيرة (رودس) وبعضهم أبعدوا إلى طرابلس الأفريقية» وآخرون وزعوا في أماكن 
أخرى. وبعد بضع سنين أفلح الجميع في الفرار من منافيهم واشتبكت الجماعة 
(1) لا بد وأن تكون الحادثة التي يشير إليها هي المحاولة التي جرت لاغتيال السلطان عبد الحميد في 

السلاملغ نهار الجمعة الموافق 21 تموز 1905 - انظر السر أت. ووف طعنا4.7.7 (تركيا أمس 


واليوم وغداً) لندن 1930» ص105. انظر (رايان)» المرجع السالفء» ص41. 


131 


العائدة من طرابلس بقوة مغيرة من العرب الذين راحوا يتعقبونهاء وفي مساء ذات 
يوم بلغوا ضفاف الفرات وأرادوا العبور فلم يجدوا قارباً أو ملاحاً وكان العدو يدنو 
منهم بسرعة» وفي اللحظة الحرجة سمعوا صوتاً يهيب بهم و(فانوس) قليل النور 
تتعذر القراءة والكتابة بضيائه بعد حلول الظلام. وكان الذباب والبق في الليل عذاباً 
خالداً. ولا أذكر طوال خدمتي تجربة أدهى وأمر من اليومين واللدلين التي قضيتها 
في فراشي الممدود في الشرفة المفتوحة»؛ تنخر عظامي الحمى البرغشية التي ينقلها 
المفوف: ومن أعراضها صداع شديد يفلق الرأس ودرجة حرارة عالية غير 
مألوفة”'' في حين راحت ره شه با (الريح السوداء) كردستان المزعجة تحثو على 
ملاءاتي وفراشي كل التبن والقاذورات والروث الذي تحفل به ساحات الاسطبلات 
الشرقية وتملأ فمي وعيني وأذني بها. وهذه (الره شه با) تهب من أقسام عديدة من 
كردستان. وهي مظهر مناخي هام يجب أن يحسب حسابه في تقرير مناخ أية بقعة» 
هذه الريح تكون حارة رخاء في الصيف مثل ريح (الخمسين) في مصرء 
و(الشرجى - الشرقي) في جنوب العراق. وفي في الشتاء ريح عنيفة زمهرير. وقد 
علل السياح مأتاها عدة تعليلات. أما تجربتي فقد أكدت لي أن أسوأ حالاتها تكون 
في المواضع التي تمتد في أسفل قاعدة جبل طويل في الجنوب الغربي» فتأتي 
الريح من الشمال الشرقي وتضغط على قمة الجبل ضغطأ شديداً ثم تنحدر إلى 
السفوح وتنكسر حدته وتزول في موضع ما من الوادي قبل وصولها إلى نهايته 
وهذا وضعها في (السليمانية وكوي) ولطالما وجدت نفسي وأنا نائم على السطح, 
ترتفع عني أغطيتي وتنقذف بعيداًء فأقوم لجمعهاء ثم أعود لأجد فراشي السفري 
محلقاً في الجو مثل عود ثقاب» وأرقبه وهو يسقط في الساحة. من الخير للمرء أن 
يبيت ليله داخل الغرفة عند هبوب «الره شه با) مفضلاً ضيق النفس. 
(1) أعتقد أن اسم الحمى جاء من اسم البقعة التي تنقل عدواها مكروبياً (كما ثبت طبياً فيما بعد) ومع 
أنها ليست لخطرة أبداً إلا أنها تهد قوى المريض تماماً. وقد بقيت تشعر بضعف شديد مدة ثلاثة 


أسابيع : 


132 


واقتصر عملي في الأسبوع أو الأسبوعين الأولين على إجراءات التحقيقات 
العسكرية عن أسباب الثورة وظروفها. وقد نسيت تماماً ما توصلت إليه في هذا 
الصددء وكل ما أذكره (عدا سخطي الشديد لضياع الوقت) أن الطقس كان مزعجاً 
يضيق به المرء ويزهق الأنفاس. وأننا كنا نجلس منذ الساعة السادسة والدقيقة 
الثلاثين صباحاً حتى الخامسة عصراً يتخلل ذلك فترة راحة قصيرة جداً في منتتصف 
النهار وأذكر أيضاً أن رئيس المجلس التحقيقي كان يقضي معظم الجلسات نائماً 
ورأسه مدفون بين ذراعيه فوق الطاولة» بينما كنت أستجوب الشهود بالفارسية 
وأترجم الأسئلة ثم الأجوبة للعضو الآخر العقيد (ب) ليسجل الوقائع حرفياً بخط 
يده. 

ومن مهماتنا الأولى» إعادة تشكيل فرع (الليفي) وتنظيم الشرطة وكنت بعد 
انتهاء جلسات التحقيق أشرف على تلقين يمين الإخلاص للمتطوعين وهو من 
صياغة «الجنرال». إن هاتين القوتين لم تدعما ثورة الشيخ دعماً حاراً وفي الواقع 
أن (العقيد) شيخ قادر قائد الليفي» وأخ الشيخ محمودء كان قد أنزل في بيته 
الخاص الرائد أ.م. دانييلز واءنهة© .4.36 رئيس المدربين العسكريين عدة أيام وقيل 
إن امرأته (حفصة خان)”2 وهي سيدة ذكية مشهورة ساهمت في السياسة المحلية 
بقسط عظيم عدة سنوات - كانت تنام الليل أمام باب غرفة (دانييلز) تحوطا من 
مبعوث يرسله أخ زوجها للغدر به على أن الشيخ قادر وحفصة خرجا من المدينة 
قبل وصول الحملة. وكانا يخافان كثيراً من قبول كتاب الأمان الذي خولت 
بإعطائهما إياه. 

كان الضابط الكردي الأقدم «البينباشي» رضا بك» قد خاض غمار الحرب في 
أكثر من جبهة تركية وكان الآن يتسلم سيف الشرف من القائد العام الجنرال السر 
جورج ماكمون صصدك3ه22 ءع:م06 :51 تقديرا لخدماته المخلصة. وهو رفقة طيبة في 


(1) يلحق باسم أي سيدة مشهورة لقب (خان) المذكور دائماً» ويشار إليها - (خانم) عندما لا يذكر 
اسمها. 


133 


الليالي ومحدث بارع مغرم بالمبالغات العجيبة. ولقد كنا رغم عرقلة الثورة لنا 
متقدمين فى إعادة المسؤولية الإدارية إلى أهل البلد أكثر من بقية المناطق المحتلة. 
رلذلك 2ها رذ فشكنا من الامفقاء عن خزفات: رقنا بلك السستكرنة عت يكوا إلى 
تعيينه معاون ضابط سياسي في (شاربازير) وكان ثمة عدد من الضباط السابقين 
الكفوئين عسكرياًء والمتتبعين بعمق وفهم الآداب التركية والفارسية» وأكتفي هنا 
بذكر واحد منهم. أصبح فيما بعد من أعز أصدقائي» وأعانني كثيراً في صقل 
دراساتي الكردية وأنا ما زلت مديناً له بالشكر. ذات يوم قبل انتهاء مهمتي في 
السليمانية زارني شخص غريب كان قد عاده لتوه من تركيا وبالتالي لم يكن 
مساهماً في الأحداث التي أوردتها وقدم لي نفسه بتركية رقيقة أنيقة ولفظ اسمه 
بلهجة تركية أصيلة: «توفيق وهبي رائد ركن». فأعجبت كثيراً بمظاهر كفاءته 
وأوصيت بتعيين عاجل له بوظيفة معاون ضابط سياسى فى (رانيه) خلفاً للنقيب 
رءي. باركر 16مة8 .1.8 الذي تمكو مم لبايك عمسن إيقاء المنطقة هادئة أثناء 
الثورة وكان تسريحه من الخدمة وشيكاً. وأعتقد أن (توفيق) باشر مهام وظيفته بعد 
تركي السليمانية» إلا أن التقائي الثاني به كان عندما عُين آمراً للكلية العسكرية 
العراقية التي استحدئت في بغداد على أساليب كلية (ساندهرست) لتخريج ضباط 
الجيش العراقي المنشأ حديثاً. أما الآن فهو عضو في مجلس الأعيان العراقي. 


اعتاد (الليفي) في أغلب الليالي أن ينتظم للرقص في الساحة التي تقع أمام 
(الدبو) وأنا شخصياً غير مطلع على الموسيقى أو الرقص عموماً بالقدر الذي يكفي 
لتقديم وصف دقيق لرقص «(الجوبى) السليماني» وهو على ما يلوح لي أشد شبهاً 
إن لم يكن مطابقاً لفنون الرقص التي يمارسها قرويو الأجزاء الأخرى من 
كردستان» وغرب إيران وتركيا الآسيوية. وتعرف فنونه بأسماء معينة. لكني غير 
متأكد أين يكمن الفرق أو الاختلاف الأساسيء أفي الخطوة دائماًء أو في الألحان 
الإيقاعية أحياناًء أو في عبارة الأغنية المصاحبة ومعظم الرقصات تتفق في أن 
الراقصين يؤلفون خطأ مستقيماً ويسلبون أذرعهم إلى أجنابهم ثم يتماسكون 


134 


بالأيدي» الكف بالكف - على مستوى الكفل ويؤدي موسيقى الرقص نافخان أو 
أكثر بالسرناي (زورنا زه ن) ويستمر في الرقص ما طاب للراقصين. وقد ينضم إلى 
الجوق قارعو الطبول (ده هول زه ن). والراقص الذي هو في أقصى اليمين هو 
القائد (سه دجوني كيش) ويلوح هو ونظيره في أقصى اليسار بمنديلين في يديهما 
الحرتين على إيقاع الموسيقى. وعنصر الرقص الجوهري سلسلة متتابعة من 
الخطى» تحدث في خط الراقصين ميلا إلى أمام وخلفء وإلى الجانبين. وقد 
ينضم إلى الراقصين أشخاص جددء أو ينفصلون عنهم عندما يتعبون دون أن يدب 
الخلل في اللوحة الراقصة. وفي النوع الأكثر شيوعاً وهو المسمى (روين) أي 
وصلة الافتتاح أو المدخل» يتخذ الخط شكل قطع دائرة» وتنضم أجزاؤه بعضها 
إلى بعض تدريجاً ويزداد تقوسه أثناء الرقص والحركة ليغدو كل راقص وقد تحرك 
في دائرة واحدة أو أكثر. ولاحظت أنماطاً أخرى من الرقص في أماكن مختلفة 
وأوقات مختلفة» منها ما يدعى (سى بي) أي الخطى الثلاث و(ميلانى) التي يكون 
فيها كتف كل راقص ملتصقاً بكتف جاره بهيئة خاصة» وشيخانى ويمتاز بسرعة 
النقلات» وبقفزات خاطفة تنتهي بخبطة عنيفة» و(آيشوك - العشق؟) ويتم على 
إيقاع أغنية غرام وتشبيب «بالصغيرة عائشة» وفيه يشكل الراقصون دائرة كاملة. 
وبانضمام النساء إلى رقصة (جوبى) وهو تقليد شائع - يدعى الرقص ب(ره ش - به 
له ك) أي المختلط. 
كانت الحفلات العامة وضروب التسلية في الأرض العراء» شائعة في 
السليمانية على الدوام. كما تشهد بذلك كتابات (ريج). وكثيراً ما أتحفني الأصدقاء 
بحكايات عن كارنفال الربيع السنوي. ذي الأصل العريق الموغل في القدم وهو 
من قبيل التمثيل المساخري الديني الروماني 52010214 بطلت ممارسته أثناء الحرب 
أو قبلها بقليل. ويؤقت على نبت أزهار الربيع الذي يعلن بدء السنة الفارسية 
الجديدة. وهنا يخرج كل أهالي المدينة إلى ينابيع (سرجنار) لإحياء العيد ويبدأ 
باختيار رئيس العيد (ميرول) ويخول سلطات فعلية نافذة الحكم» مع الحق في 


135 


الإخلال المؤقت بكثير من قواعد السلوك والآداب الاجتماعية» إلغاء تام تقريباً 
للسلطة الرسمية القائمة. وقد أشار السيد توفيق وهبي باختصار إلى هذه العادة في 
معرض تعليقات له عن (الفولكلور) الكردي بمقال نشره في (سومر) وهي المجلة 
التي تصدرها مديرية الآثار العامة في العراق”"؛ فذكر أن أهالي السليمانية 
يخرجون من المدينة في صبيحة العيد» ثم يلتئم عقدهم في موضع الحفل. 
ويتوجون أحدهم ملكا ويعينون له حرساً وبطانة. ويمتطي الملك ظهر ثور ويشق 
به الجموع الحاشدة تتبعه بطانته»ء نحو سرادق ضربت فيه الخيام. فيجلس 
المحتفلون في الدواوين وتنصب قدور الطعام. ويتنكر أفراد معخصوصون ويلبسون 
جلود الغنم والماعز ليمثلوا الحيوانات الداجنة طوال فترة الاحتفال التي تستمر 
ثلاثة أيام كاملة. وتكون طاعة الملك المتوج طاعة عمياء؛ وله أن يفرض غرامات 
وإتاوات على الناس حاضرهم وغائبهم. ويظل متمتعاً بلقب (باشا) إلى مناسبة 
العيد التالي. ويرى توفيق وهبي أن هذا التقليد هو في الواقع إحياء لذكرى ثورة 
(فريدون) على ملك المغول الطاغية (زهاك)» إذ ورد في (شاهنامة) الفردوسي أن 
فريدون أزاح (زهاك) عن عرشه. ويزعم الكرد أن (فريدون) قاد قواته في المعركة 
وهو ممتط بقرة. 

وكانت علاقتي مع رئيس بلدية المدينة متشعبة بطبيعة الحال. فعن طريقه قمنا 
بإسعاف الأهالي وضمنا تموين المدينة بالأقوات. وكان (غفور آغا) من أبرز سكنة 
محلة (دركزين) ويدّعى أنه من نسل أحد اللاجئين الهمدانيين الأولين. وإثباتاً 
لأصله الإيراني استشهد باسم جده الذي عرف ب(آغا طه) مشيراً إلى أن لقب الآغا 
في اللسان الفارسي يسبق المنعوت به دائماً. في حين يوضع يعد اسم المنعوت 
دائماً فى كردستان. وأذكر أن شخصاً يدعى (مشير آغا) من بككزاده الهماواند» عيّناه 
قائداً لدوريات الحرس على طريق كركوك - سليمانية؛ تطبيقاً لقاعدة «أطلق 
الحرامي وراء الحرامي» وكان شديد الرغبة في اتخاذ بنت غفور آغا زوجة» فراح 


(1) المنحوتات الصخرية في كهوف (كتدك). (سومر) ج4 - عدد2. 1946. 


136 


يلاحقني متوسلاً لإصدار (أمر) لحمي المستقبل بإنقاص سعر العروس. وقد 
تجاذبتني الحيرة. وتساءلت أمن العدل أن أسهل زواج حضرية بمثل هذا القبلي 
الجلف الغليظ؟ وأخشى أني لم أقم بتحقيق رجائه بحماسة كبيرة» إلا أنه تزوجها 
أخيرا وسعدا بزواجهما. 

وهنالك شخصية أخرى تستحق التأمل هي (رابعة خان) رئيسة الخبازين. في 
أية مدينة شرقية يكون تموين الخبز نقطة ضعيفة في خط دفاع الإدارة المحلية؛ 
ضد الدسائس والتخريبات. وكانت (رابعة خان) من تلك النسوة القويات الإرادة 
الذكيات اللائي لا يندر وجودهن في كردستان. لم تكن حباً للشيخ محمود, بينما 
كانت مخلصة للإدارة غاية الإخلاص» وإلى نصحها الرشيد» وسيطرتها القوية 
على زملائها الخبازين يعود الفضل في خلاصنا من كل المتاعب التي تجرها قلة 
تموين الخبز 

ومن زائري الأوائل» القس الكلداني» وهو شخص مهيب الطلعة ذو لحية 
سوداء وجبة سوداء وعمامة سوداء مشدودة شد محكماً حول طاقية حمراء. 
أعلمني أن طائفته تتألف من نحو (30) أسرة كلها تقطن محلة (كويؤه) ومعظم 
فقراء طائفته يمارس صنعة (المطبجى) أي نسج أكياس سوداء نسجها غير محبوك 
ليكبس فيها ورق التبغ. ورئيس الطائفة العلماني تاجر معروف محترم جداً اسمه 
(كريم علكة) استفدت من نصحه كثيراً. وكان ولداه من أخلص الموظفين وأكثرهم 
اعتماداً في دائرتناء أحدهما درس الطب ثم عاد إلى مدينته ليمارس صناعته بين 


قومهة. 


سبق أن ذكرت عدد نفوس اليهودء والحي الخاص الذي يسكنونهء وهو أشبه 
بذنب طويل للمدينة يقع في جنوب نهاية مجرى المياه حيث تصب كل مياه 
وقاذورات الأحياء الأخرى. وهؤلاء كما جرت العادة في كردستان يمارسون 
الصناعات الحقيرة كالصباغة والدباغة وتقطير الكحول. 


يؤم المدينة بالطبع سيل غير منقطع من رجال القبائل القاطنين في اللواء لتأكيد 


137 


ولائهم للحكومة بعد الثورة الأخيرة. والصورة الشمسية (في اللوحة الأولى) 
المرقمة (1) تمثل بابكر آغا رئيس بشدر مع محمود باشا آخر زعماء الجاف البدو 
الكبار» وأخ عثمان باشا زوج السيدة عادلة» وقد أخذت لهما بمناسبة عرض 
للقطعات المدفعية؛ أقامه (العميد موريس) في (قلياسان) لرفع معنويات الأهالي 
بصورة عامة» وزعماء القبائل بصورة خاصة وهما يمثلان زيين مختلفين من 
اللباس. وهذا ما يتيح لنا فرصة مناسبة للانحراف بالموضوع إلى وصف زي الرجل 
الكردي. 

فيما يلي الأسماء الكردية لقطع الثياب الرئيسة: 

البيلاو (الحذاء) إما أن يكون (كه وش) وهو حذاء جلدي لا كعب لهء مقدمته 
مرتفعة عنذ الإصبع ومؤخرته مديبة وإما أن يكون (كلاش) وهذا شبيه بالنعل 
الفارسي المسمى (ملكى أو كيفا) ويتألف نعله من خرق القماش المضغوط ووجه 
من القطن المنسوج. يلي ذلك ال(كوره وى او كوره وى لاسك دريرٌ) أي الجورب 
- الجورب الطويل ثم (الده ربى) وهو سروال من القطن الأبيض كثيراً ما يلبس 
وحده دون بنطلون من قماش. ثم (بندخوين) وهي التكة التي تشد (الدره بى) ثم 
الراتكك إلى الخصر في موضوع قريب من الكفل ثم (بن كراس) وهو القميص» 
ثم الاكراس) وهو قميص يفصل من قماش القطن الأبيض عادة كالسروال» ثم (فه 
قيانه) وهو قميص ذو أكمام طويلة جداً قد تصل الأرض وتبقى محلولة أو ملفوفة 
حول المعصمين فوق أكمام السترة» أو معقودة النهايتين خلف الظهر عند القذل. 
ثم (سخمة) وهي سترة يلبس فوقها (جوغة) وهي أيضاً سترة خارجية تحشر 
نهاياتها في السروال. ثم (البشتين) وهو حزام الخصر ويكون عادة طولاً من 
القماش القطني الملون يبلغ طوله عدة ياردات ويبرم برماً كالحبل ثم يشد حول 
الخصر”". ثم (به سته ك) وهو صدار ثخين من الصوف المضغوط يلبس فوق 


(1) لا يلف (البشتين) لفاً متوالياً باتجاه واحد بل يؤخذ منه حوالي (18) إنشاً بعد أن يفتل فتلا محكماً. 
وتجعل هذه النهاية بشكل عمودي أمام الجسم. أما القسم الباقي فيمسك وهو مبروم كالحبل بقدر- 


138 


السترة. ثم (كلاو) وهي طاقية لينة أو (ته بله) وهي قبعة صوفية قوية» ثم (ميزه ر) 
وهي عمامة تتألف من طاقية أو قبعة يلف فوقها لفة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة» قطع 
قماش مربعة تسمى (جامانه) أو (مشكى) أو (جفته) بحسب نوعها (إن كانت على 
التوالي: من القطنء أو الحرير الفارسي بخطوط رمادية وسوداءء أو الحرير 
البغدادي ذي الألوان الزاهية) ويمكن المزج بين هذه الأنواع في العمامة الواحدة. 
يأتي أخيراً الاقره نجى) وهو معطف صوفي قصيرء أو (القبوت) وهو معطف 
صوفي طويل أو يستعاض عنها بالعباءة الإيرانية والعربية» ويحملون في العادة 
خنجراً قد تكون قبضته من العاج أو القرن» قد يبلغ طوله (16 أنشاً) وهو معقوف 
النصل بعض الشيء. وغمده من الخشب المكسو بالجلد. ولكن قد يكون من 
الفضة المصبوبة أو من الذهب وهو نادر. وهو يحشر حشراً في (البشتين) وقد يلف 
حامله حول مقبضه مسبحة (تسبيح) ليعبث بها. وكثيراً ما تجد القرويين يدسون في 
(البشتين) حافة كيس تبغ ويبقى معلقاً إلى جنبهم ويدسون مع الخنجر غليوناً طويلاآً 
ذا وعاء صغير» أو يحشرونه في ظهرهم داخل الجوغة. 


وفي الجنوب تظهر المؤثرات العربية بشيوع ارتداء (الكه وا) أو الزبون. 
وينسدل على الجسم من العنق إلى الكاحلين وتلتقي حاشيتاه العموديتان من أمام 
وتضم إحداهما فوق الأخرى. وفيه من الأسفل على الجانبين شقان يبدآن من 


حافته حتى الركبة تقريبا ويشد إلى الخصر بحزام جلدي رقيق أو ببشتين صغير. 


حما تحويه اليد ثم يبدأ بلفه من جهة اليمين أولاًء فمحيط لفة واحدة بالبطن والظهر ولما يأتي من 
البسار ويصل إلى الجزء العمودي يعقد حوله ويحزق ثم يلف لفة أخرى باتجاه معاكس نحو اليسار 
والخلف حتى يأتي من اليمين ليعقد عقدة ثانية ويتجه انجاهاً معاكساً إلى اليسار وهكذا. ويبتدئ 
الشد والحزق من الكفل فصاعداً (فوق تكة السروال مياشرة إذا كان البنطلون من ضمن الثياب) ثم 
ترتفع اللفات إلى فوق حتى يتتهي القماش المبروم وبعد ذلك تضم اللفات بعضها إلى بعض وتدس 
النهايتان دساً جيداًء داخل الحزام ليكون ثابتا آخذاً بعضه بحجز بعضء» وعندها يبلغ عرض 
(البشتين) زهاء قدم واحدة» وهذا الارتفاع الكبير في الحزام يشد الجسم ويساعد القوام مساعدة 
كبيرة. إن الإنشاءات المتوالية الأمامية للحزام ترى بوضوح في صورة بابكر آغا. 


139 


وقد يكون قماشه من القطن البسيط أو الحرير الزاهي. نظراً إلى حاجة الملابس 
والذوق. وليس في الإمكان الجمع بين (الجوغة) و(الكه وا) فيحل محل 
(الجوغة)؛ (السلطة) وهي سترة قصيرة تشبه سترة طلاب كلية أيتون وأشيع الألوان 
لها الأزرق الفاتح وقد يستعاض عن (السلطة) بسترة أوروبية مستوردة» أو 
بمعطف» أو جبة أشبه بالمعطف من شال كشمير في الأماكن التي يغلب عليها 
التأثير الفارسي. أما السروال الداخلي الطويل فيمكن لبسه تحت (الكه وا). على أن 
(الده ربى) هو الجزء الذي لا يستغنى عنه في كل زي من الأزياء. وكثيراً ما تلبس 
العباءة فوق: الجميع. وهذا الزي شائع لدى قبائل الجاف وغيرهم (كالهه ماواند) 
الذين يعيشون جنوب خط (به رانان - بنزرد) وعند شيوخ الدين في كل مكان» 
باستثناء الطبقات الفقيرة جداً في مدن الجنوب. فهؤلاء الناس» هم أقلهم اهتماماً 
بالمظاهر فيرتدون (جوغه) و(رانكك) زهيد الثمن مصنوعاً من منسوجات محلية 
بسيطة الهندسة والتلوين» وكثيراً ما يغلب عليه اللون الرمادي أو الترابي وتسمىء 
(بازو). 


تسود (موضة) من الأزياء في وسط كردستان وهو الجزء المحصور بين خط 
(ثه زمر - قه ره زرد) شمالاً حتى خط عرض مدينة رواندوز تقريباً أي أقضية 
السليمانية الشمالية. والجزء الأعظم من لواء أربيل والمنطقة الإيرانية المجاورة 
لصاو جبلاق (موكرى). وهي أن البنطلون الفضفاض من الأعلى» أكثر سعة مما 
هو في الجنوب. وإذا كانت الجوغة من قماش أجنبي فإنها تطرز بزخارف مزركشة 
كثيرة وكثيراً ما يلف البشتين بهيئة يبدو فيها عريضاً. فإذا ما ارتدى المرء الابه سته 
ك) فوق كل هذه الثياب بدا كأنه أحدب الظهر منفرط ما كدس فوقه. وإنه لما 
يورث المرء الدهشة» مقدار ما يستطيع الكردي ارتداءه في أشد الأيام حرارة. 
فالقماش الذي يخاط منه الجوغة والبنتول أو الرانك هو على العموم واحد لكن 
ليس هذا بشرط لازم. وتختلف ألوان الثياب المفصلة من أقمشة أجنبية باختلاف ما 
يتيسر منها في السوق إلا أن أشيع الألوان على ما أذكر هو الأخضر الغامق, 


140 


والاحمر الغامق واللون القريب الشبه بالنبيذ الفرنسي» واللون المنغر الشبيه يلون 
نبات الخردل وأما (البزو) فهو عادة بلون البقسماطء أو الأبيض الحليبى بخطوط 
رمادية. ْ 

وتشيع البنطلونات الفضفاضة سعدا روادرة اتعإلا ول شل عطق 
الموصل وتكون متسعة من الحافات السفلى بعض الشيء. وتصنع الجوغة والرانك 
من (البزو) المحلي عادة؛ وخير المنسوجات المحلية هي التي يحكيها اليهود 
والأرمن في زاخو وهي ذات تصاميم مختلفة جذابة بألوانها ونقوشها. وتفصل من 
قطعتين وعرض القماش قدم واحدةء وألوانها تتفاوت بين لون البقسماط 
(البسكويت) البسيط والأزرق الباهت (يستخرج صبغة من جذر شجيرة الليلق) 
وبين المخطط بخطوط ملونة تختلف عروضها وألوانها. ونقوشه بأشكال معينة أو 
غيرها من الأشكال الهندسية على طول تلك الخطوط العريضة.» ولا تخلو 
(الجوغة) من هذه الزخارف وهي عموماً أكثر ما تكون في (الرانك) وتطرز الحلة 
كلها بأشكال ومخرمات حول الرقبة والأكمام والجيوب وحافات البنتول السفلى. 

وقد جرت العادة في هذه الأصقاع الثلاثئة أن تدس حافات «(البنتول) أو الرانك 
داخل الجوارب في أثناء الرحلات (والجوارب تنسج نسجاً خشناً متباعد الحياكة 
ولونها أبيض عادة) وبذلك تصبح ثابتة محكمة الحافات مثل بنطلون المطر 
الإنكليزي ويغلب التأثير الروسي أحياناً بأن تحشر نهايات السراويل في جزم 
طويلة. 


ويصاب المرء بالحيرة لكثرة الأشكال التي يراها من أغطية الرأس. وإذا كان 
قماش العمامة واحداً صعب على المرء أن يتحقق من طريقة شدّ العمامة أو معرفة 
الناحية التي تميل إليها أو المنطقة أو القبيلة التي انحدر صاحبها منها. والعمامة 
تلف عموماً حول (كلاو) لكنها قد تلف فى بعض الأنحاء فوق (تبله) وهى فى 
فى الحرب تتالق امن (تعامانه) رخذ غن تقذية التنسائن القطحة العررر: 
باللونين الأبيض والأزرق الغامق المستوردة من (مانجستر) لتكون بمثابة كوفيات 


141 


(كفيات) عربية. وتشد صغيرة محكمة؛» لكن بعض الرجال يلفون الجامانة على 
الطريقة العربية. وفي بعض الأمكنة تثبت في الرأس بعقال عربي أو بكوفية أخرى 
بعلها قلف خرل الرآن وكلما سعد المرء إلى_الختمال ازدادت العامة ازتيجاء 
وأضيف إلى (الجامانه) جفته أو مشكى أو كلاهما. فيخرج من هذا كله عمامة 
واسعة غير متناسقة أو عملية. وقد تعود كثير من بككزادة الجاف والشيوخ 
والعلمانيين ووجهاء المدن أن يفعلوا ذلك. وفي (هه ورامان) تشد العمامة من 
(مشكيين) اثنين يلفان حول (كلاو) وهو غير الطاقية المألوفة» وإنما مخروط قوي 
مصنوع من القطيفة الخضراء أو القرمزية أو البرتقالية ينتهي بككرة أو (تبة) في قمته 
والمشكي المربع الشكل هو واسع ينوع خاص. والعمامة التي تتألف منه ثقيلة جداً 
على الرأس. ويستعمل أحياناً بدل الكفيات المربعة قطعة قماش طويلة من النسيج 
القطني الاعتيادي المطبوع. وإذا اتبعنا الزي شمالاء نرى (التبله) الصوفية تعود إلى 
الظهور ولكن بأشكال مختلفة وعند بعض الأزياء تخاط قطعة القماش حول الطاقية 
لتبقى ثابتة في محلها0©. 


(1) في الصورة (1 - أ) يرى محمود باشا مرتدياً معطفاً عسكرياً كشميرياً وبنتولاً محشوراً في جزمته. 
رلجااكان كير السن فالعمائة التي يضعها على رأسه اعتيادياً تتألف من (جامانه) واحدة وأما صورة 
بابكر آغا فتقدم نموذجاً للبنتول الواسعء الذي يتبع في الجزء الأوسط كما يبدو فيها طريقة ثني 
العقد التي تظهر في (البشتين) وتبدو شدة (الفه قيانه) حول الكمين» والعمامة الكبيرة المرخاة من 
القماش القطني الملفوف حول (كلاو) مخروطي. في اللوح (1 - أ) تجده مرتدياً (به سته ك) فوق 
الجوغة وعمامة أقرب إلى الاعتيادي الشائع وهي المشكى وفي اللوحة (2 - ب) تجد أن زي 
(السيد طه) هو زي المنطقة الوسطى.. إلا أن غطاء رأسه هو (البالكلافا) الشائعة في بلده وهي نسج 
محلي. والسترة القصيرة التي تبدو في ثيابه فوق الجوغة هي زي غير مألوف. ويرى الشيخ محمود 
في اللوحة (2 - ب) مرتديا جوغة من الصوف المضغوط وعمامة هي مزيج من (الجامانه) 
و(الجفته). وتكون الجامانه أفتح لوناً عادة. وفي اللوحة (6 - أ) يظهر (رانك - البزو) محشور 
الأطراف داخل الجورب. مثل بنطلون الكولف وفي اللوحة (2 - أ) يبدو الزي الجنوبي بأروع 
مظهره أعني (الكه وا) الحريرية والبشتين الوسطي (صف رصاص المسدس في حزام جلدي 
مشدود فوق البشتين) ثم السلته» والفه قيانه مشدودة خلف الرقبة والعمامة المرتخية المؤلفة من 
جامانه واحدة على الأقل وجفتتين بأهداب وفي اللوحة (12 - ب) يرى الشيخ قادر مرتدياً زياً- 


142 


وفي أوائل تموز رتبنا أنا و(كرينهاوس) أمر استئجار منزل صغير هو ملك 
موظف لدينا اسمه سعيد أفندي» عجوز رقيق الطبع يتكلم ويكتب لغة كلاسية 
فارسية بشكل متقن وكان في المنزل حديقة صغيرة يقوم في وسطها الحوض 
القاشاني المعتاد الذي لا يخلو من ماء وتعلوه خميلة من شجر النب المتسلق 
والمنزل يمثل نموذجاً جيداً لطرز بيوت السكنى المحلية المتواضعة وسأحاول أن 
أقدم وصفاً عاماً له. 


إن المنزل والحديقة المألوفين تحيط بهما جدران خارجية إحاطة تامة فتطل 
على الشارع (كولان) مباشرة. وتلتصى في موضع آخر بجدار (ديوار) من اللبن 
(خشتى كال) يحميه طنف خارجي (سه رسوانه) من الأغصان الجافة تعلوها طبقة 
طينية. ومدخل الحديقة (باخجه) صغيرة وباب المنزل يفضي إلى ممر (دالان) ذي 
أرضية قد تكون منخفضة عن المستوىء فيها (سه كو) من التراب المدكوك؛ أو 
الحجر أو الجص على جانبه بمثابة مصطبات جلوس» وثمة مصطبات مثلها خارج 
المنزل أمام المدخل تدعى (خواجه نوشين) ويجابه المرء عند دخوله التنور (سه 
رته نور) والمطبخ (جيشتخانه) والحمام (حمام) والكنيف (ثانجانه). وبالقرب من 
الحوض (حه وز) قد يوجد (سه كو) تفرش بالأبسطة لمجلس الليل. ومدخل 
المنزل من الحديقة وبناؤه بالحجر والجص (به ردو كه ج) أو بالآجر (خشتى 
سور) ويتألف من طابق أرضي (زير خان) الذي قد يكون مقسماً إلى غرفة الخدم. 
ومخزن العلف (كايين) أو ربما يوجد فيه أسطبل (ته ويله) ثم الطابق الأعلى (سه 
رخان) ويصعد إليه بدرج (بليكانه) أما من الحديقة أو من نهاية دهليز مفتوح (راره 
و) الذي يقسم الطابق الأرضي قسمين بالفرض وفي كلتا الحالتين يفضي الدرج 
-مشابهاً بزيادة عباءة من الحرير الأبيض. وفي اللوحة (1 - ب) يرى الفارس الهه ماوه ندى وسط 
النهر وقد شد ألفه.قيانه خلف الرقبة ولف الجه مانه على الطريقة العربية وئبتها بالعقال. وفي اللوحة 
(13 - أ) يرى سعيد آغا جافران في المقدمة وقد حشر ذيلي (الكه وا) نحو الخلف وكشف عن 
الدرين. 


143 


إلى (راره و) آخر في الطابق الأعلى وهذا أيضاً يقسم غرف الطابق الأول وهي 
بالترتيب - ثلاث من قدام تليها اثنتان. أو اثنتان أماميتان تليهما ثلاث أو اثنتان 
أخريان - وتكون بعدة أشكال. وكيفما يكون الترتيب فإنك تجد في إحدى جوانب 
(الراره و) العليا إيواناً مفتوحاً فتحاً تاماً من الإمام وهو بديل لغرفة. ويستخدم 
الجزء الأمامي من (الراره و) بمثابة شرفة للجلوس وتسمى (شنوشين) وسقف 
الإيوان مدعم بجذوع من الخشب (كوكله) تتوجها غالباً رؤوس (كوتير) ذات 
شكل متميز تقليدي يمثل ولا شك نمطأً موغلاً في القدم. وفي الجانب الآخر من 
(الراره و) إن وجد جبهة مؤلفة من ثلاث غرف خلف الإيوان. تقوم غرفة الجلوس 
وتسمى (سى درى) أو (جوار درى) أو (بنج درى) أي ثلاث أو أربع أو خمس 
نوافذ حسب الموجود من النوافذ. وهي على الطراز الغربي مفتوحة في الجدار 
الأمامي. وإن كانت توجد غرفة أمامية ثالثة فقد تعتبر (كله كى) أي غرفة ذات 
واجهة فيها شبابيك مؤطرة بالخشب (عروسى) فيها زخارف نجارية. والغرفة التي 
تلي الإيوان مباشرة ويدخل المرء إليها من ممر يدعى (بشت إيوان) قد تستخدم 
بمثابة غرفة نوم. وفي كل غرفة من هذه الغرف موقد نار مفتوح تعلوه مدخنة وقد 
يوجد أيضاً في الإيوان و(الراره و). إن منزلاً صغيراً على هذا الطراز العمومي قد 
يحوي غرفة جلوس واحدة خلف الإيوان تسمى (ثوده وايوان - غرفة وإيوان). 
ويوجد في (الى درى) و(الكله كى) حجرة صغيرة (كه نجينة) يدخلها الضوء من 
شبابيك أو كوي صغيرة في الجدران الفاصلة بين الغرف وتطلى جدران الغرف من 
الداخل بالجبس الأبيض وفيها تجاويف مقوسة تستخدم بمثابة رفوف والسقف (سه 
ربان) يتألف من العوارض الرئيسة (كاريته) وهي من خشب الإسبندار» تعارضها 
جذوع معاكسة فوقها (داره را) ويوضع فوقها طبقة رقيقة من أغصان البلوط أو 
طبقة من الأسل مع أوراقها (جلوو) ثم طبقة أخرى من القصب أو الأعشاب 
الغليظة (زه ل) ثم طبقة من التراب بشخن 18 أنشاً تقريباً. وأخيراً طبقة نهائية ثخنها 
حوالى ثلاثة أنشات من الطين المعجون بالتبن. وتسمى الحواشيى النافرة من أطراف 


السقف (كريسوانه) ويخصص لكل سقف جذع شجرة أسطواني ثقيل» أو أسطوانة 


144 


حجرية كبيرة تدعى (باكردين) ليحدل بها السطح مباشرة بعد كل مطر لمنع تسرب 
الماء إلى الداخل. وتشيع في السليمانية عادة لطيفة وهي أن الأسر الغنية التي تملك 
مجموعتين أو أكثر من البناء الذي أتينا إلى وصفه مع غرف زائدة عن حاجتها من 
ال(زيرخان) تأتي بأسرة فقيرة وتسكنها هناك بدون أجرء على أن تقوم بحدل 
الأسطح في الأوقات الضرورية. وهؤلاء الساكنون يسمون (دير ماله)؛ وكثيراً ما 
تبنى غرفة أخرى في طابق ثالث (باله خانه) فوق (الراره و) الثاني لتكون في 
الصيف بمثابة غرفة للنوم. وتنام أسر الطبقات الوسطى والدنيا فوق أسطح البيوت 
أيام الصيف. والمرء يشاهد منظرأ عجيبأ عند غروب الشمسء إذ تنقل المطارح 
والأغطية إلى السطح وتفرش على مصاطب خشبية تشبه دكات المقاهي (تخته به 
ند) أو على سرير خفيف بسيط الصنع أو على أرضية السطح فوق أبسطة وتتم 
خلوة النائمين بإقامة ستارة من الجيغ”” لتفادي البق والبعوض أيضاً وبيذلك تكون 
محبوكة حبكاً شديداً إلى الحد الذي يمنع دخول النسيم البارد. 


١ ااه‎ 





مخطط لمنزل مدينة كردي . المقياس حوالى 100:1 


(1) الجيغ (ويسمى: جيت في لرستان) يصنع من القصب أو الخيزران» ترتب عصيها مستقيمة ثم 
ينسج حولها خيوط سوداء أو ملونة تتخللها أو تخيط بها بأشكال مختلفة. وتنسج النهايات نسجاً 
قوياً من الأعلى إلى الأسفل. إن المخطط السطحي الذي تقدمه هناء اخترناه من حملة تصاميم 
تفضل بإرسالها إلى السيد رشيد عارف من كويسنجق. 


د14 


ويمكن للمرء في السليمانية إذا وقف على سطح بيت ذي ارتفاع معتدل أن 
يشرف على مناظر خلابة من أي جهة ينظر إليهاء على أن المشهد الذي بقيت 
تفاصيله كاملة في ذاكرتي وخلف في نفسي أعمق تأثير هو منظر كتلة جبل (بيره مه 
كرون) العظيم بارتفاعه عن الوادي أكثر من 10,000 قدم وهو شاخص من الشمال 
الشرقي. فقد أسلفت أنه كان بمفرده منفصلاً عن سلسلة (قه ره زه رد) فإذا نظر 
المرء إليه من الجنوب الشرقي فإن قمته الحدباء توحي للرائي بوجه جانبي العجوز 
قزم بلغ أراذل العمر ذي حاجبين معقودين وأنف ضخم العرنين وذقن مدببة 
يشخص بعينيه إلى السماء بتأمل هادئ وجداني جامد يشبه قناع الموت. وقد 
صرت أتخيله في السنوات التالية - كأحد الأشرار العباقرة يختط بمكر وخبث 
صنوف الدسائس متوارياً تحت قناع اللامبالاة ضد المدينة التي كان المفروض أن 
يقوم حارساً أميناً لها. 

إن خادمي (عبود) الذي كانت آراؤه ببخصوص مستوى المعيشة اللائقة 
بالضابط السياسي أعلى من آرائي» أدركه سرور عظيم لانتقالنا من (الدبو) إلى 
منزل خاص. وكان فتى دمث الخلق في حدود التاسعة عشرة أو العشرين. يمتهن 
التجذيف في قوارب البصرة» حيث كان أخوه الأكبر مسؤولاً عن قارب الضابط 
السياسي الكبير ذلك القارب الذي سحبناه خلف رافعتنا أثناء تقدمنا نحو الكوت 
في العام 1915 على طول نهر دجلة. وفي أثناء زيارتي البصرة في العام 1918 لقيته 
وحببته إلى نفسي ابتسامة لا تفارق وجهه في أشد الظروف حراجة ونظافة زيونه 
الفضفاض الطويل الأبيض الذي لا تلطخه بقعة. فقبلت عرضه أن يحل محل 
خادمي البوشيري الذي رغب في العودة إلى وطنه. 

بعد أيام قليلة من انتقالنا تم استقراري في هذا المحيط السني المتعصب 
بانضمام شيعي ثان هو سائس حصاني (قربان علي) الذي أفلح في الوصول 
بحصاني إلى السليمانية عن طريق بغداد. وبدا سعيداً بوصوله» فقد أسرع يتقدم 
مني للثم يدي ثم بدا يصف بعبارات متلاحقة مصاعب الرحلة» والعراقيل التي 


146 


استطاع التغلب عليها بتجاهله كل الأوامر واستمراره في طريقه بإخلاص وحمية 
دون أن يرافقه أحد. كان بختياريا من شوشتر فهو لرستانى (وقد مضى له فى 
تخريش تلاننا خنيق )إلا آله ظل يمناى عق مجديعه التجديد منظويا علي ذائنا وهو 
بين أبناء قومه الكرد خلافاً لعبود العربي. وكان هذا يلقب قربان ب(جربون) ويجعله 
موضع تندر. (قربان) شيخ كبير السن ساذج» في لسانه رتمة» تزيد وتتعقد في 
ساعات الغضب أو الهياج فتراه يقول: «ك.. ك.. كم أن هؤلاء الك.. ك.. كرد م.. 
متوحشون! ما أسخف هذه الثياب التي يرتدونها وإني أطلب من... سعادتك أن 
تسمح لي أن أقول إنهم يشيرون إلى الكلاو الذي على رأسي م.. م.. متعجبين. ما 
أعجب ه.. ه.. هؤلاء السنة» يسألونني المرة تلو المرة هل أن الشيعي التقي» 
مسلم؟ وأريد من فضلك.. وج.. ج.. جنابك أن أقول ماذا تتوقع من أولئنك الذين 
يسمون الحصان (أسب) جحشاً (أولاغ)؟!2. 


وصل (قربان علي) في لحظة ليس ثمة أحسن منهاء لأن (صون) كان قد عاد 
قبله بأسبوعين» فرحت أومل فرصاً أكبر للتجوال والسفر في عدة مناطق» بتقلص 
مسؤولياتي» ورفع بعضها عن كاهلي. 


وفي أوائل آب سافر (كرينهاوس) في إجازة وأرسل النقيب (ه. س. و. 
فيتزغيبون «هططنع11)2 .181.0.2) من كتيبة الهوسار الثالثة عشرة لقيادة (الليفى) فحل 
محله في منزلي. وقررنا أنه يجب رفع مستوى معيشتنا. وانتهاز فرصة أول زيارة 
لبغداد لاستخدام طاه محترف وشراء مقدار من المؤونة المنتخبة وطائفة من أجود 
الخمور المحلية لا كالنبيذ الذي تعودنا شربه ولم يكن فيه بأس على أي حال 


(1) وهي الكلمة الفارسية الشائعة للجحش إلا أن كرد الجنوب يطلقونها على كل حيوان ركوب فتنطلق 
في أغلب الأحيان على الحصان. وهم يطلقون اسم (كه ر) على الجحش وتطابق الاسم الفارسي 
الثاني للجحش (خر) وأما الزي البختياري الشائع» فللرأس طاقية من الصوف الأسود البني 
مستديرة كالطاس ليس فيها حافات طبعاً ولا يلف فوقها عمامة أما السروال فأسود اللون مستقيم 
فضفاض. 


147 


ووصل طاهينا في يوم ما من أواخر الشهرء وكان مخلوقاً ضامراً ضئيل البدن أسود 
البشرة. يرتدي سترة ثقيلة رياضية التفصيل من قماش «التويد) وبنطلوناً قصيراً جداً 
من الخاكي تبرز منه ساقان هزيلتان شبيهتان بسلكين معقوفين. وعلى رأسه قبعة 
قماشية شبيهة بما كان شائعاً منها في العهد الفكتوري رثة ممزقة. وكان اسمه صعباً 
فاضطررنا إلى خلع اسم البطل الفارسي (رستم) عليه. 

كان طاهينا الكردي السابق» يقدم لوجبة الغداء والعشاء صنفاً واحداً يومياً 
ولعدة أسابيع بطولهاء وهي مرق طماطم و(ياميه) فيه لحم ضأن أو ماعز متغسر لا 
تنال أسناننا منه شيئاً. حتى ضاقت أنفاسنا وبلغت روحنا التراقي. وكان قدوم رستم 
في وقت مناسب جداً لإنقاذ صحتنا. وزادت قلوبنا انتعاشاً وشاع فيها الأمل عندما 
أعلن طاهينا الجديد عن أول وجبة طعام. رفعت الغطاء بإحساس من الفخر 
والارتياح. وتطلعت إلى (فيتزغيبون) فوجدت وجهه يتصلب ببحلقة أليمة كأنما 
تشخص إلى غولة (ميدونا) ووجمت أنا أيضاً. لم يكن طعامنا إلا المزيج القديم 
من لحم المعز والطماطم والبامية. وقد تبين لنا أن عبود بشخصيته الآسرة التي 
سيطرت على مستشاري المطبخ في أيام الطاهي المحلي السابق الذي كان أكثر 
غباوة منه - قام بتدريس عمله لخليفته الطاهي الممتاز القادم من (غوا) البعيدة. فأي 
لون من ألوان الطعام عند (عبود) لا يمكن أن يكون كاملاً بدون طماطه”''. وبعد 
ليال قليلة وجدنا (رستم) قد قام بزيارة طائشة بمشرب من مشارب (العرق) في 
محلة اليهود وبعث لنا بوجبة طعام يتعذر أكلهاء ودافع عن نفسه قائلاً إنه لم يعثر 
على طماطم في السوق وليس في العدالة في شيء أن ينتظر من رجل مسكين صنع 
طابوق بدون تبن. ومع أن رستم لا يختلف عن أمثاله» ولا مناص من أن تكون له 
شطحات بين أن وآخر. إلا أنه في الواقع طاه جيد إذ تمكنا من التغلب على 


(1) الطماطم هي مادة رئيسة في مواد الطبخ العربية. ولقد كادت وزارة عراقية ترفع استقالتها سنة 1942 
أثناء الحرب العالمية الأخيرة» لما اختفت هذه المادة من أسواق بغدادء خلال محاولة منها لتسعير 
المواد الغذائية! 


المصاعب الأولى. وهكذا أمكننا بمرور الزمن تنظيم عدة حفلات عشاء ناجحة 
طريفة لزملائنا الكرد والبريطانيين قبل تركي المدينة منقولاً في أواخر آب. 

وفي الوقت نفسه لم تتناقص أعمال الدائرة الروتينية كما أملت. على أني 
تمكنت من القيام بثلاث جولات قصيرة من (ثازمر) إلى (شارباير) مما سآتي إلى 
وصفه في الفصل التالي. 


149 


- 8 - 
شاربازير 


عندما بلغت قمة (ثه زمر) لأول مرة» كان المنظر الذي طالعته عيني يتناقض 
تناقضاً بيناً مع الوديان المنتظمة المتهاونة الوسيعة التي تتخلل السلاسل الثلاث 
الموصوفة سابقاً. فالذي رأيته هناء عبارة عن حشد مضطرب من شواهق الجبال 
يمتد إلى كل الجهات» ومن كتل مهيبة من الجرف الصخرية والقبب المنبعجة 
والمخاريط المستديرة استدارة دقيقة والذرى الشماء والخوانق الواسعة» لا ينتظم 
ذلك إلى شكل معين عند أول نظرة - خلا أن جزء من السلسلة العظمى» يرتفع 
إلى سبعة آلاف قدم ويطلق عليه اسم (سه رشيو) تراه يدنو منحدراً في الاتجاه 
المعتاد من الشمال الغربي. 


وعلى بعد عشرين ميلاً إلى الشمال الشرقي» مباشرة مقابل النقطة التي نقف 
فيها وجدنا السلسلة والحدوه نفسها يتقطعآن بمقدار عشرين ميلا تقريباً ليفسخا 
السبيل إلى قدوم ثلائة أنهار صغيرة من الشرق هي (شلير وقزلجة وكوكّاسور) 
وتبعد عن الجهة الأخرى حسب تسلسل الأسماء 30» 24»: 16 ميلاً. وبوصول 
جبل (سه رشيو) فتحة(شلير) التي ينفذ منها داخل العراق ينحرف خط الحدود نحو 
الشرق ويتابع حوض النهر حول منبعه ولا يدور حول النهرين الآخرين فنجم عن 
هذا إسفين من الأرض يدخل إيران بعمق (30) ميلاً. وبمسافة 8 أميال تقريباً إلى 
شمال (بنجوين) تترك الحدود الساعد الجنوبي المرتد من الأسفين وتتبع خطأً 
متعرجاً نحو الجنوب إلى مسافة 12 ميلا فتتخطى (قزلجة) ثم (كوكاسور) بمسافة 


1530 


14 ميلا و8 أميال على التوالي» من نقطة بدء خطها المتعرج. وبعدها يعود خط 
الحدود إلى الاتصال بالسلسلة العظمى التي تبعد 8 أميال عن فتحة (كوكاسور) 
وتسمى هنا بسلسلة (هه ورامان). إن المقطع المحصور منها بين (شلير) و(قزلجة) 
يسمى (لاري) وأما الاسم الشائع للمقطع المنحصر بين قزلجة و(كوكاسور) فيدعى 
«تايه ره وكلاهما ضمن الأراضي العراقية. و(تاريار) هضبة منبسطة ترتفع حوالى 
0 قدم في أغلبهاء مكسوة بغابات كثيفة جد”". ما أن ينفذ نهرا (شلير وقزلجة) 
من الحاجز الجبلي حتى يندمجا ويؤلفا نهر (سيوه يل) الذي يتجه عموماً نحو 
الغرب بكثير من اللفتات والمنعرجات ويطلق على نهر (كوكاسور) القادم من 
الشرق - الجنوبي الشرقي اسم (قه لا جوالان) من عاصمة الدولة البابانية القديمة 
التي تقع خرائبه على ضفته اليمنى. ثم ما يلبث رافد (تالاسياو) أن يصب فيه من 
الضفة اليسرى قد وجب على التنويه به هنا لا لأهميته بل لأني قطعته في عدة 
مناسبات أثناء جولاتي التي وصفتها في القسم الأخير من هذا الفصل. أخيراً وعلى 
بعد 8 أميال أخرى من المجرى» وبمسافة حوالي 18 ميلا بخط مستقيم لاتحاد 
شلير قزلجة» يلتقي «قه لا جوالان» ب(سيوه يل) ويغلب على النهر الجديد اسم (قه 
لا جوالان). ثم ينعطف فجأة في تيه من الوديان الصخرية العميقة الغور بشكل 


(1) كثيراً ما فكرت أن يجعل من (تايه ر) مصيفاً بديعاً لو ضمنت أسباب الأمن في هذه المنطقة القريبة 
من الحدود. وفي الواقع إن قرية (أحمد كلوان) التي تقع على السفح الشرقي هي التي زكيت 
(لريج) عندما أراد التخلص من حر تموز في السليمانية. 

(2) إن تسميات الأنهار معضلة لا تقل عن معضلة تسميات الجبال. فأسماء مثل (زى > زاب) وسيروان 
وتانجه رو تطلق على النهر بصورة عامة ولمعظم طوله. ولكن أجزاءه المختلفة كانت كثيراً ما تعرف 
بلفظة (آو - ماء أو مجرى. جمء جمى)... القرية الفلانية والفلانية أو تنسب إلى محل أو منطقة أو 
حتى إلى شخص. فمثلاً في أعلى ملتقى قزلجة في نقطة عبوري الأول يطلق على (شلبر) اسم (آوى 
بيران) من اسم قرية بيران الإيرانية. وقد عبرنا نهر (كوكاسور) وهو الاسم الذي يطلق على النهر بعد 
دخوله العراق - في ضفة منه تدعى (سى بوران - المعابر الثلاثة) وفي ما يدعى (ته نكه بوار) أي 
المعبر السهل و(زالان) وهي قرية و(قه لا جوالان) كما مر. وقد عبر ريج في (ثاوه كوزى) في 
طريقه إلى (أخمد كلوان). 


1531 


لا يصدقء متجهاً نحو الزاب في الوقت الذي اتخذ هذا النهر نفسه مجرى شديد 
التعرج بين سلال جبال الحدود. إن الانحراف الشمالي غير المتوقع الذي يتخذه 
(قه لا جوالان) ونظام التسمية المحلي يضللان المرء إلى درجة لا يود معها غريباً 
وقوع السياح الخبراء في أخطاء؛ ومنهم (ماونسل وديكسن) وقد بقيت الخرائط 
عدة سنين تشير إلى استمرار النهر في مجراه إلى الشمال» وبلوغه الزاب عن طريق 
الوادي العميق (بالكو) شمال دوكان على بعد ستين ميلاً من ملتقى النهرين فعلاً! 
إن البقاء على هذا الخطأ أمر غريب» في الوقت الذي قام كل من (كيربورتر وريج 
وفريزر وبرزيزوفسكي وجيريكوف) على الأخص» بوصف الحوض وصفاً 
صحيحاً. ولم يجر تصحيح هذا الخطأ حتى تشرين الثاني 1921 عندما قام الدكتور 
(ف.م. هالى !7.34.5131 .2) طبيب صحة السليمانية باستكشاف نقطة التقاء 


في الوصف الجغرافي العام لجنوب كردستان ولغرض التبسيطء» سميت سلسلة 
رابعة من الجبال موازية لسلسلتي (ثه زمر قره زه رد) بالسلسلة العظمى وفيما بينها. 
على أني كنت دقيقاً أكثر مما يجب. عندما بدأت هذه الجبال بالتكوين كان يبدو 
وجود ضغط عظيم شديد لإحداث سلاسل جبلية متوالية تمتد من الجنوب إلى 
الشمال وخير مثل لهذا الضلع هي قمم (دارو ا يو - 7000 قدم 
وهزار كانيان - 7400 قدم وكامو 7750 قدماً) وبهذا طرأ ته أ تشويه على النظام الهندسي 
امار سي لان هذا وإن خط التكوين الجيولوجي الواضح يبقى على اتجاهه 

في الواقع - أي من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي. غير أن سلسلة (كوره 
كاذو) لا تؤلف خط حماية طويل واحد مع سلسلة (كوجار - كوركور). فمياه 


(1) انظر التعليق في المجلة الجغرافية م116 سنة 1922» ص146. ومقال (هالى) ومضيق (قه جوالان) 
وملتقاه بالزاب الأسفل» لمجلة الجغرافية» م86 سنة 1935 ص158. ومع أن ريج وجيريكوف 
أثبتاه صحيحاً في الوصف الذي دوناه إلا أن الخطأ الواحد يظهر في كل من خريطة ريج» والخريطة 
الموضحة التي نظمتها لجنئة الحدود (1849 - 1852) (انظر الفصل العاشر من الكتاب). 


152 


(كوكاسور وسيوه يل) تخترق أولاً الخط الممتد من الشرق إلى الغرب كل في 
مجراه الأصلي. وبعدها ينفلت النهر المتكون منهما والذي يعرف ب(قه لا جوالان) 
مخترقاً جزء من السلسلة نفسها لينحدر غرباً بمحاذاة ضلع (دارو - كامو). وإلى 
غرب (قه لا جوالان) يتخذ التكوين الجبلي الجيولوجي الاتجاه المألوف حيئما 
تبرز كتلة شامخة من جبال متوازية نوعاً ما ووديان ضيقة تبلغ حتى العمود الفقري 
الأوسط (كوجار - كوركور) المتجه إلى الشمال الغربي بينما تقوم حدبة (ئاسوس) 
الواضحة جداً بتجزئة سهول (مركه) و(بيتوين) الواسعة عن سهول (قه لا دزه - 
قلعة دزة) ولكل من هذه الوديان مجاري مياهه وأحواضه التي تفصل السفوح 
المنحدرة شرقاً إلى (قه لا جوالان)» عن تلك التي تنحدر غرباً إلى الزاب نفسهء 
فوق (دوكان). 

وكل حوض نهر (قه لا جوالان) الواقع غرب (لارى - تاريه ر) يدخل في 
قضاء (شاربازير)”” الذي يحده والحالة هذه. (ثه زمر) من الجنوب الغربي. 
ومجرى النهر السالف من الغربء والزاب ورافده ماء (بانه) من الشمال (ويكونان 
أيضاً جزء من خط الحدود). والسلسلة العظمى من الشمال الشرقي»؛ وخط من 
المرتفعات القليلة الارتفاع من الجنوب الشرقي» وهذه أيضا تحد النهاية الشمالية 
من سهل شهرزور» بعد أن يسوخ جبل (ثه زمر) في الأرض. 

ويخترق (شاربازير) ثلاثة طرق كروان رئيسة من السليمانية حتى إيران وأولها 
يمر من فتحة (كُويرْه) إلى (جنكسنيان) ويدور بالطرف الشمالي من (كوره كاراو) 
حتى يصل (بنجوين) ثم ينطلق نحو (سنه). والثاني يعبر مضيق (ثئه زمر) إلى 
(هارمين) و(شيوه كه ل) حتى (بانه) والثالث يتجه شمالاً مخترقاً مضيق (قيوان) 
وتعبر قوق حمر (قهاشان) كن تير (قة لأ خوالان) عسن قرية (قاوونت) ويعير 
جسر (تايبت) فوق الزاب حتى (سارداشت). 


(1) إن إسفين (شلير) إلى الشرق» ومسافة الأميال العشرة (لقزلجة) المنحصرة بين (تاريه ر) والحدود» 
تقع في ناحية بنجوين التابعة لحليجة. 


1533 


إن ستة من أصل سبعة من السياح اجتازوا منطقة (شاربازير) ممن جاء ذكرهم 
في قائمتي» ولم يقم بعدهم ممن وصل هذه البقاع» وبضمنهم لجنة حدود 21914 
بعمل شيء في الجانب الإيراني من هذا الجزء. لذلك تكون مذكرات رحلة فريزر 
عام 1834 أقرب وصف متيسر لنا بالإنكليزية لهذه المنطقة في العام 1919. والظاهر 
أن (كينيه) لم يدر بوجود هذه المنابع أصلاء عندما ألف كتابه الجليل» مثله في 
ذلك مثل كليمان (1856) في رحلته المفصلة (لم يطبع برزيزوفسكي رحلته لسنة 
9 إلا بعد ثلاثة وعشرين عاماً) فبعد أن قدر نفوس القضاء ب(6600 نفس) وذكر 
أن مركزه هو: اادنط© شويكول (ومن الواضح أنه قام بترجمة كلمة (شيوه كه ل) 
عن كيفية كتابتها بالأحرف العربية) لم يتمكن من إضافة شيء أكثر من قوله ١لا‏ 
يعرف عن هذا القضاء إلا القليل وهو مشهور بأن معظم سكانه يقومون على غرس 
الأعناب والأشجار المثمرة وزراعة الرز والتبغ». 


هؤلاء السياح الذين انصرفوا إلى وصف العراق والمسالك بتفاصيل متفاوتة في 
الطول والقصرء أجمعوا كلهم من البدء على الإعجاب بروعة المناظر الطبيعية 
وفخامتها. وهنا نرى السائح (مينيان) تجود شاعريته فيقول معجباً «أقر باطمئنان تام 
أن كردستان هي بلا مماراة» أجمل وأروع بلاد وقعت عليها عيني ولا أستثني من 
ذلك بلداً.. هذه الخوانق والمضائق من أسمى وأبدع الخلوات التي خلقت على 
وجه الأرض - إنها لتفتح في صدر الإنسان ينابيع من الفكر والتأملات وتسلمه إلى 
البهجة المطلقة». وسحر (كيربورتر) بجمال الطبيعة والجو العام الذي تنم عنه 
مظاهر الازدهار والرخاء في إقليم (ماوه ت) فنعت المناظر #بالسحر الحلال» 
و«ابفردوس في الجبال» و«بأروع نموذج للجمال الريفي الرومانتي وقعت عليه 
عيناي منذ أن وطئت قدمي بلاد الشرق». وبعده بست عشرة سنة» وجد (فريزر) 
هذ الإكلين تشمه وقد جلا عن نكانه بسي ظامون بيه 1831 بوالدمار الذي 
أحدثته فيه الجيوش الإيرانية الغازية. ومع هذا فقد لهج وأشاد ب«جلال الطبيعة 
الساحر المذهل في هذه البلاد» وعن «أزهار السوسن (الخريفية) الرائعة الألوان 
التي ندر أن وقعت على ما يضاهيها. ولم أقع قط على ما يفوقها». 


134 


ويمتد الفضاء يطول خمسين ميلاً من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي 
وبعرض لا يختلف» مقداره عشرون ميلا تقريباً. وينقسم إلى ثلاث نواح هي (ماوه 
ت) في الشمال الغربي» والمركز الذي يسمى عادة (جوارته). و(سروجك) في 
الجنوب الشرقي”". وتقع (ماوه ت) من الناحية القبلية في منطقة نفوذ أسرة (بشده 
ر) الحاكمة القوية الكثيرة الأفراد. وقد أرجأت وصفها لعلاقتها بالقضاء المسمى 
باسمهاء إلى فصل تال. إن ناحية (جوارته - 18000 نفس) منفصلة عن (ماوه ت) 
بضلع من سلسلة جبال (دارو - كامو) الشماء وعن (سروجك 9500 نفس) بخط 
غير منتظم يمتد من (تاريه ر) في أعلى قمة منه وهي (كجل باردو) من (كوره 
كاراو)» إلى أن يبلغ (ثه زمر) في نقطة تبعد عشرة أميال إلى الجنوب الشرقي من 
السليمانية. إن ذلك لجزء من (جوارته) الواقع شمال (سيوه يل) كان ناحية منفصلة 
إلى وقت قصير» تدعى أحياناً (سيوه يل) باسم النهرء وأحياناً (شيوه كه ل) نسبة 
إلى القرية التي سميت أسرتها الحاكمة باسمها. 


ومعظم سكان (شاربازير) هم فلاحون غير قبليين. وكما هو مألوف العادة في 
معظم كردستان؛ كان يوجد في كل قرية كبيرة نوعاً ماء رئيس يسكن القرية وهو 
في الوقت نفسه أكبر ملاكي الأرض وأوسعهم نفوذاً فيها. وقد يكون الرئيس آغا 
قبليا شق إليها طريقه عنوة واقتدارا. ويتطلب من رئيس القرية بحكم العادة 
واعتبارات المركز أن يكون لديه دار ضيافة (ديوه خان) يزود فيه المسافر مهما 
انخفضت منزلته بالمأكل والمبيت ولا يتقاضى المضيف أجراً مباشراً أو غير مباشر 


(1) هذا الترتيب الجغرافي الأقرب إلى الطبع هو الآن نافذ المفعول. ويظهر من (كينيه) ومن تقويم 
عثماني قديم لسنة 1895 ومن محفوظاتي» أن الناحية كانت أحياناً مرتبطة (بشاربازير) وأحياناً تابعة 
للواء السليمانية مباشرة» كما كانت عليه الأحوال السياسية. وفي أيام احتلالنا الأولى وعندما تتغلب 
أحياناً الضرورات القبلية على الدواعي الجغرافية تضم إلى جوارته مجموعة مؤلفة من تسع قرى 
تعرف باسم كبراهن (سراو - ميراو) تقع بين (دارو - سه رشيو) ونهر (قه لا جوالان) خارج نفوذ 
بشده ر. في حين ضم إلى بشده ر عدد مماثل من القرى قرب الحدود وعلى جانبٍ (سيوه يل) من 
طرف جبل (كامو) وكان يدار من (ماوه ت). 


155 


عن الإقامة الصغيرة. على أن الآغا القبلي يبقى مرتفعاً عن هذا المجتمع كما 
أسلفت وهو لا يشبه المختار (كونجه) بالضرورة» لأن هذا رئيس القرية الرسمي 
الذي تناط به واجبات معينة ويكون مسؤولاً أمام السلطةء وهو بين أن يكون رئيس 
أنصار الآغا أو رئيس أعدائه حسبما تقتضي الظروف. وحين لا يوجد آغا في القرية 
يقوم المختار بمسؤولية إيواء المسافرين في المسجدء ولا مانع أبداً من استضافة 
من لا يدين بالإسلام. إن المضيف أو غرفة الضيوف التي خصصها أهم شخصية 
في القرية» تكون شيئاً أشبه (بالنادي) يؤمه الأقرباء والضيوف والمسافرون 
والجيران لتبادل الأنباء وعقد الصفقات التجارية: ويقعد الحضور صقا واحداً 
متكئين على الجدران بحسب نظام المنزلة والمركز الصارم. ويكون مجلس 
الصدارة في أيعد موضع من المدخل. 


ويقسم الجغرافيون المحليون منطقة (سيوه يل) إلى (سيوه يل العليا - معروف 
آغا) أو (سيوه يل العليا - شيوه كه ل) ويجتمع فيها حوالى 12 قرية تقوم على 
السفوح الجنوبية الغربية من (سه رشيو). و(سيوه يل السفلى - سليمان آغا) أو 
(كنارو) وتجمع إليها بقية القرية التي تقع على السفوح الشرقية من (دارو - كامو) 
ويستخدم لفظ (ثالان) للإشارة إلى القرى الواقعة على ضفتي الزاب عند الحدود 
بالقرب من ملتقى النهزين في (قه لا جوالان). ويطلق لفظ (به ركيو) كثيراً على 
البقاع التي تمتد غرب (لارى - تاريه ر) مباشرة» بين نهري (شلير) إلى الشمال 
و(كوكاسور) إلى الجنوب. 

إن أغوات (شيوه كه ل) يدعون بأنهم الجيل الرابع المنحدر من عشرة أبناء 
جد أعلى اسمه سليم آغا. (وهذا نفسه هو حفيد لعثمان آغا - شيخ عشيرة بيران 
الشهير - إلى الشمال”" كان سليم آغا قد نشأ في كنف أحد أمراء بابان وعين 
حسب النظم الإقطاعية وكيلا عاماً للسفرات. ولست أذكر فيما إذا كان عدد كبير 


(1) عن عشيرة (بيران) راجع الفصل الخامس عشر. 


156 


من هؤلاء قد سجلوا أي جزء من قراهم تلك بأسمائهم» لكن الأمر سواء إن كان 
تعيينهم قد جرى بأمر من البابانيين» وأنهم مارسوا سلطان الآغا بالقمع أو الحيلة؛ 
فأنا لم أسمع بمن يجادل في حقوقهم وعوائدهم المعتادة» وتختلف (سيوه يل) من 
هذه الناحية اختلافاً كبيراً عن جارتها (ماوه ت) فإن أغوات بشدر فرضوا أنفسهم 
بالقوة. 

هناك عدد كبير من القرى في ناحية (جوارته) جنوب نهر (سيوه يل) وهي من 
أملاك الشيخ محمود وأقربائه الأذنين. على أن قسماً كبيراً من أراضيها سجل 
بأسماء فلاحيها. 

وكل قرى (سروجك) - باستثناءين أو ثلاثة - يملكها سادة البرزنجة العديدون. 
وفي القسم الجنوبي من الناحية يقل الماء بعض الشيء في الصيف والخريف خلافاً 
لباقي أراضي (شاربازير). لذلك كان غرس الكروم» الزراعة الأساسية وكذلك 
الاسبندار ويزرع التبغ أيضاً حيثما توفر الماء له. فضلاً عن المحاصيل الشتوية من 
القمح والشعير - التي تعتمد على الأمطار فحسب. 

والركن الجنوبي الشرقي من الناحية في (دولا كه لال) وما حولها المنحدرة 
جنوباً نحو شهرزور وتانجه رو مع جزء من (به ر كيو) هي موضع سكني مجموعة 
غريبة من العشائر الصغيرة - شبه البدوية. تسمى (ناودار - داخل الغابة أو الثغرة) 
أن ا(قاوارتت الدرياة والرشيه)" ويمعترةا بف سكان تفردور القدماك الذي 
طردتهم قبائل (الجاف - مرادى) في القرن السابع عشر كما سيجيء بيانه في فصل 
تال والاسم اللاصق بهم (غاوار) والحكايات الشائعة عنهم بأنهم يجتنبون المياه 
ولا يغتسلونء لا شك وأنها تخرصات وأكاذيب اختلقها الفاتحون الذين طردوهم. 

قمت برحلتي الأولى إلى (شاربازير) لغرض معين» هو استطلاع رغبات 


(1) والأفخاذ التي تنظم هذه العشيرة هي : بيسارى (سبع قرى - 60 بيتا) جوجاني (أربع قرى - 50 بيتاً) 
هوزى - هسانى (قريتان - 35 بيت برخى (قرية واحدة - 30 بيتآ) قاويلايى (مائة بيت تفرقت أيدي 
سبأ بعد قحط عام 1918). 


1537 


السكان في نقل مركز إدارة القضاء من مقره التركي (سيته ك) القريبة جداً من 
السليمانية التي يغري قربها الموظفين بترك مقرهم والنزول إلى المدينة لأية علة من 
العلل وجعلتها في موضع أكثر مركزية إلى شمال (كوكاسور). لم تزل أعمالي 
كثيرة» وكنت مضطراً إلى إنجاز أكبر قدر منها فيما بين نهاية ساعات الدوام 
الرسمي لنهار السبت حتى الساعة الثامنة من صباح الاثنين. ولذلك غادرت 
السليمانية في ساعة متأخرة من عصر 24 تموزء وعبرت سلسلة الجبال من مضيق 
(ه زمر) وهو المشهد الذي أتيت إلى وصفه سابقاً. ثم انحدرت ورحت أجوس 
في غابات كثيفة تختلف جداً عن تلك السفوح الجرداء التي تواجه السليمانية. 
وبلغنا (سيته ك) بعد ثلاث ساعات على ظهور الخيل في سير بطيء. واستقبلنا 
الموظفون ومبرزو الناحية صفوفاً في ظاهر القرية حسب العادة المتبعة. فوجدنا 
قرية جميلة 'تتألف من (20) .يتا مبعثرة تين بساتين الأسبندار والجيتارء تحيط بها 
حقول واسعة من التبغ والقمح والشعيرء ومالكها وآغاها هو شيخ محمد غريب 
صهر الشيخ محمود. وكان قد عين نفسه قائمقاماً أثئناء دولة الشيخ وقد أسر في 
(يازيان). 

وركبنا خيلنا قبيل السادسة من صباح اليوم التالي وبعد وصولنا إلى (ثالاسياو) 
التي تبعد عنها نصف ميل إلى الشرق» أخذنا نتعقب المجرى الواسع المتجه نحو 
الشمال حتى نقطة التقائه بكوكاسورء وقد عبرنا هذا من مفرق عمقه قدمان فوق 
المصب بمسافة قصيرة»؛ وعلى مقربة من خرائب (قه لا جوالان) العاصمة البابانية 
الأولى. وقضينا ساعة سائرين فوق منحدرات متطامنة» نغطس في الحشيش 
المتموج وبعدها مصعدين إلى شعب صخري شديد الانزلاق بين صفين كثيفين من 
شجيرات توت العليق البري والعنب المتسلق - حتى انتهينا إلى (جوارته): القرية 
المرشحة لمركز القضاء. 

واستقبلنا المختار خارج القرية وقادنا إلى صدر رحيب لمسجد كبير. وهناك 
رحب بنا ضف من القرويين واضعين أيديهم على صدورهم. وقدم لنا جوز ولوز 


1538 


جديدان غضانء وعنب لم يكد يصل مرحلة النضج. وجيء بأوعية من الحليب 
(التازه) واللبن (ماست) وبقدور من اللبن الممزوج بالماء (ماستاو) فيه ملاعق من 
خشب شجر الخوخ تطفو على سطح السائل. وبعد غليان الماء في (السماور) أدير 
علينا الشاي المحلي بالسكر في أكواب فارسية» وبعد انتهاء واجب التكريم 
المبدئي شرعنا نتجول سيراً على الأقدام في أنحاء القرية» وواصلنا البحث فيما 
جئنا له حول نبع ماء ظله وارف وجوه بارد» تخيم فوقه أغصان شجرتي جينار 


ماردتين. 


تقع (جوارته) على ارتفاع 4000 قدمء في السفوح الجنوبية الغربية لجبل (سه 
ر سير) وتشرف على منظر رائع يشمل كل وادي (كوكاسور) حتى (ثه زمر) وقد 
وجدتها موضعاً لا أبهج منه للنفس فهي تقع بين بساتين اللوز والتوت وتعشعش 
في ظلال أشجار الأسبندار الطويلة الرشيقة وأشجار الجوز ذات الأغصان 
المنداحةء والجينار الجبارة. لقد توصل الكرد بتجارب القرون العديدة إلى أن 
القرى المبنية على سفح الجبل تمتاز بميزة عظيمة هي أنها تكون ذات مناخ واحد 
على حد قولهم (يه ك هه وا) أي أنها أقل تعرضاً لتقلبات درجة الحرارة العنيفة من 
تلك التي تبنى في السهل. وهذا هو نموذج لقرية من صنف كبير العدد من القرى. 
ووصفها باقتضاب قد ينوب عن وصف الجميع. 


بنيت البيوت في صفوف مدرجة ثلاثة أو أربعة على السفح المنحدر فكان 
الطابق الأرضي لكل بيت (زير خان) مثل اسفين بسبب ميلان الأرض وهو يحتوي 
على مخزن الغلال» والإسطبل فضلاً عن تأمينه سطحاً مستوياً لطابق السكنى كله 
أو لجزء منه حسب ما يبنى عليه. وقد يخرج من سقف الطابق الأعلى ممر يفصله 
عن المدرج أو الصف التالي أو قد يفضي رأساً إلى باب الدار الذي يقوم فوقه 
وعلى هذا الأساس يمكن للمرء أن يقوم بجولة نزهة فوق سلسلة متعاقيبة من 
السطوح حتى ينقطع بزقاق. والجدران التي قد تتيح الأرض إقامتها عليه - تبنى 
بالحجر غير المهندم والجص أو بالطين. أما إذا أقيمت فوق الطابق الأسفل فتكون 


159 


من الأغصان المجذولة الخفيفة. وكثيراً ما تتخذ غرف النوم شكل خمائل منفصلة 
ترتفع على دعائم خشبية» تحاط الأجزاء العليا منها (بالجيغ) لتكون بمأمن من 
الأعين المتلصصة. وكثير من هذه القرى يقسمها واد تجري فيه سيول الشتاء 
والربيع. ولذلك تبنى البيوت على جانبيه نصفين يواجه أحدهما الآخر. 

وغالباً ما يشيد المسجد في النهاية السفلى من القرية. وشكله المألوف هو 
(ثوده ئيوان - غرفة واحدة مع إيوان) ويبنى على أرضية ترتفع قدمين أو ثلاثة فوق 
مستوى الأرضء وأمامه ساحة صغيرة مسورة. وقد تكون مبلطة وقد يكون فيها 
حوض ممتلئ بالماء الذي لا ينقطع جريانه. وهناك صعوبة كبيرة مزعجة ببخصوص 
نزول الغرباء تشوه جمال عادة استضافة المسافرين. فيسبب وجود الماء القريب» 
جعل المنطقة المجاورة كنيفاً عاماً منتظما كان أم غير منتظم. 

وألطف من هذا هو نواة الحياة الاجتماعية الثانية» عدا المسجدء. وأقصد بها 
نبع الماء الرئيس» فهو يقع في أعلى القرية. إنك تجد تحت ظلال شجرة أو أكثر 
من أشجار الجينار الهرمة 6م.: - أهداط (سه كو) يجلس العاطلون عليه يتبادلون 
الأخبار والأحاديث» وتدار أكواب الشاي التي يقدمها (الجايجي) وبالقرب من 
المنبع يوجد حوض آخر مبلط القاع؛ ويحيط بحافاته قطع حجرية ملساء لامعة. 
وهنا يتمكن القروي من قيامه بالوضوء وأداة صلاة الظهر أو العصرء وعلى مسافة 
قصيرة قد تجد حوضاً للاستعمال العمومي أوسع من أنخيه. ويستمد ماءه من نبع 
ماء مستقل أو ساقية» وتحيط بجوانبه قطع من الحجر صفت كيفما اتفق. وعليه 
تغسل النسوة الثياب» ويجلسن ليتجاذين أطراف الحديث. وإذا زادت كمية الماء 
عن استيعابه يصرف إلى أنحاء القرية بأقنية وسواق ذات هندسة دقيقة صممت 
بحيث تتخلل البساتين الكثيفة وحقول الخضار المدرجة ومزارع التبغ. وتقام رحى 
في موضع ما من القرية حيث توجد مساقط مياه. 

وجدت (جوارتا) مناسبة جداً لمركز القضاء فهي متوسطة تقريباً وكانت تتآلف 
قبل الحرب مما يزيد على مائة بيت أما الآن فلا تزيد الأسر عن العشرين. وقد 


160 


تناقص العدد بسبب المجاعة الأخيرة ولذلك كانت تملك قابلية التوسع والزيادة. 
إنك لترى جبل (سارسير) يقوم وحده منفصلاً تماماً من سلسلة (كوره كازاو) 
وبمنأى منها بعض الشيء» مشرفاً على وديان (كوكاسو) من الجنوب وعلى (سيوه 
يل) من الشمال. لذلك كانت قمته المقببة (ارتفاعها 5250 قدماً) صالحاً جداً 
ليجعل منها نقطة رصد للراقم الشمسي من كل جهة؛ وهي ميزة هامة ضرورية في 
زمئنا الحاضر. ولاحظت وجود طرق ومسالك سهلة تمتد إلى الشرق والشمال 
والغرب» وقد خالجتني فكرة الصعوبات التي سنلقاها في العثور على طريق 
مناسب يجري تمهيده لتسلكه السيارات القادمة من السليمانية. وكل كردي هو خبير 
مطبوع في معرفة فضائل مختلف المياه في هضم الطعام ولم يكن رأي صغار 
الموظفين الذين انضموا إلى ركبنا من (سيته ك) بالذي يستهان به حين قرروا أن 
كل المزايا التي تفخر بها المياه» هي لا شيء إذا ما قورنت بماء جوارتا المشهور 
بأنه (كران) أي ثقيل في المعدة. ومهما يكن فقد أوصيت عند عودتي بنقل القضاء 
إليها وقرر أن يتم حال ذلك عودة (رضا بك) من بغداد وكان هذا القائمقام الجديد 
قد سافر إليها ليتسلم سيف الشرف من الجنرال (ماكمون). 

عدت إلى (سيته ك) لقضاء الليلة. وسلكت طريقاً يمتد إلى غرب الطريق الذي 
سرته في رحلتي إلى جوارتا لأجعل مروري بمقبرة البابانيين القديمة حيث لاحظت 
حرا بف ليه غنا 4 وج العسن والآر ال سليمات يحان» لكين أعبر الهر :لي 
أسفل صدور (ثالاسيئاو). وفي الساعة 3,35 من فجر يوم الاثنين كنت على صهوة 
حصاني أضرب في مسلك وعر قل من يطرقه؛ يعرف باسم (هروتا) ويبعد بمسافة 
ميل واحد جنوب شرق (ثه زمر) وبلغت السليمانية في أقل من ثلاث ساعات وما 
يزال الوقت مناسباً للاستحمام والذهاب إلى الدائرة في الثامنة صباحاً. 


وقمت بجولتي الاستطلاعية الثانية المشابهة للأولى» في عطلة الأسبوع التالي. 
وفي هذه المرة وقع اختياري على مضيق (كُويه) وهو أقرب الشعاب إلى 
السليمانية» يبعد زهاء ثمانية أميال جنوب شرق (ثه زمر) وكان التوغل صعباً جداً 


161 


أكملناه بساعة واحدة ودقائق» أما النزول فكان أسهل» وقد تبين لي أن شق طريق 
للسيارات في هذه الشعب من رابع المستحيلات. وبعد عبورنا (ثلالاسيئاو) مما 
يلي (سيته ك) بميلين قريبا من التقاء نهر (شوكى) به وهو ماء ينحدر من (كوره 
كازاو)؛ انشعب الطريق شعبتين» اليسرى منها وجهتها (هه رمن)» وطريق الكروان 
المنتهى ب(بانه) واليمنى هي الطريق الرئيس إلى (بنجوين). ومعظم انشعاب الطريق 
معلم بمجرى نبع ماء عجيب يعرف ياسم (سازندا - الساحر أو المنجم) ينبط من 
وسط الشارع. وقد اخترنا شعبة بنجوين وتمكنت من إمتاع نفسي بهدّبات طويلة 
فوق أرض جذابة المنظرء ومررنا (بنود هى > نودى) مسقط رأس الولي (شيخ 
معروف) وهي قرية تتوارى في غور مجرى عميق (شيو) إلى يمينا. وبعد ميلين 
انحرفنا عن طريقنا لنقضي ليلتنا في (جنكنيان) وهي قرية بيوتها حسنة المظهرء 
وكرومها كثيرة إلى جانب مرزرعات أخرى» وتشتهر بمياههاء وهي من أملاك 


الشيخ محمود. 


في صباح اليوم التالي - سرنا من (جنكنيان) زهاء ميل لنتوغل خانقاً ضيقاًء 
وأصبحت الكتلة الرئيسة من سلسلة (كوره كازاو) عن يمينناء ووجدنا عن يسارنا 
جبيلاً عجيب الشكل مثل موجة بحر متكسرة ويدعى (كاتو). وتعرف هذه البقعة 
باسم (دوله تو > وادي التوت) وهي جزء من واد عميق الغور يعرفه الطبوغرافيون 
المحليون - يمتد نحو الشرق ويدخل في قلب الجبال. ترجلنا لنتناول الغداء في 
قرية ذات موقع جميل» تلوح عليها مظاهر الرفاء والرخاء اسمها على مسماها (هه 
رميله - شجيرة الكمثرى) وشخصنا بأنظارنا إلى مياه (كوكاسور) اللألاءة الرقراقة» 
ويدعى هنا (نه نكه بوار) وإلى قرية (دلياوا) وهي مرحلة طريق كروان وفيها طريق 
بديل يتجه إلى (بانه) عابراً (كانى دزان > نبع اللصوص) على الطرف الشمالي من 
اسفين (شلير). وقد حدثنا القرويون هنا أن سادة البرزنجة لما بلغتهم أبناء استسلام 
الأتراك في العام الماضي أسرعوا بنهب مائة حمل بغل من الأسلحة الخفيفة كانت 
في المستودع العسكري التركي المسمى (ولياوا). 


162 


لم يكن موضع عبورنا في نهير (ته نككه بوار) ليزيد عن قدم واحدة عمقاً 
ووجدنا صيادي السمك منشغلين بشباكهم على مقربة منا. وبعد عبورنا انحرفنا عن 
طريق الكروان إلى الغرب وصعدنا جرفا شديد الانحدار وسرنا في غابة كاملة من 
شجيرات البلوط وخرجنا إلى بقعة جميلة في أرض منبسطة ينمو فيها الكمثري 
والسماق نمواً طبيعياً بأعداد وفيرة. وطالعتنا مساحات واسعة من الكروم في 
المنحدرات التي تحف بتلك البقعة» وكانت الأبقار تتقي حرارة الشمس بركونها 
إلى ظلال الأشجار الضخمة وكشف صف من شجر الأسبندار عن قرية صغيرة 
دانية تعرف باسم (بلنكه). وما إن ترجلنا حتى فرشت الأبسطة تحت ظل حول نبع 
القرية وحوضها وتلا ذلك كالعادة آنية الماستاوء ثم أكواب الشاي. وليس في 
القرية كلها غير تسعة بيوت أو عشرة» كانت قرية سعيدة تملك زمام أمورهاء سيدة 
نفسها إذ لا يوجد فيها اغا مقيم. 


وفي الرابعة والدقيقة الثلائين خفت وطأة الحر فقمنا إلى جيادنا واتجهنا نحو 
الجنوب الغربي علونا جبلاً ثم هبطناه في مسلك شديد الميلان لنعود إلى 
(كوكاسور) وكان هنا ينساب بين جدارين سامتين من الجرف» وكان سيرنا محاذيا: 
للمجرى نحو الغرب ومررنا يعدد من البرك العميقة الجذابة المغرية. وبعد ميلين 
عبرنا النهر إلى الضفة الجنوبية وبعد مسيرة قصيرة في أرض أشبه بروضة غناء» 
وصلنا طريق كروان (شيوه كه ل) وقرية (هه رمن) التي استعارت اسمها أيضاً من 
بساتين الكمثري الكثيرة فيها. وقد بتنا ليلتنا هناء لنغادر فجر اليوم التالى قبيل 
الرابعة صباحا - عائدين إلى السليمانية عن طريق (سيته ك» وهاروته). 


وسفرتي الثالثة والأكثر أهمية من سلسلة سفرات عطل الأسبوع كانت إلى 


(سروجك) ما بين 14 و16 آب. وكنت أرمى منها إلى استعراض سطوة الحكومة 
فى هذه المنطقة الثائرة المعادية للحكومة», وتثبيت مدير الناحية الجديد عبد 


الرحمن آغا وهو من أسرة سليمانية معروفة» خولناه حق تجنيد أتباعه وغيرهم من 
أعضاء أسرته الصغار في سلك الشرطة المحلية زيادة في الأمن. ومن قمة (كويزه) 


163 


انحرفنا شرقاً تاركين (سيته ك)»؛ وبعد مرورنا بقرية (ولدانه الصغيرة) بلغنا (جمى 
تالاسئاو) فوق النقطة التي عبرته منها أثناء نزهتي الأخيرة - بميلين. واتبعنا مجراه 
نحو منبعه من الجنوب الشرقي وعبرناه وعدنا إلى عبوره مراراً حتى بلغنا قرية 
(كازاو) التي سمي الجبل باسمها ومن فتياتها اختار الشيخ عيسى الهمه داني 
عروسهء فكانت الأصل الأنثوي لفرع كثير النسل سِنّي من سادة البرزنجة. تركنا 
الآن النهر لنسير في أرض مستوية إلى حد ما وبلغنا مقصدنا (كيلده ره) بعد 
المغرب» بعد خمس ساعات وثلاثين دقيقة على ظهور الخيل من السليمانية. 
وهبت ريح ال(ره شه با) الفظيعة طوال الليل وصبت علينا كل أنواع القاذورات 
والتبن ولم يغمض لنا جفن. 


و(كيلده ره) قرية عامرة حسنة البناء يتراوح عدد بيوتها بين الأربعين والخمسين 
وتقع على سفح جبلي يشبه حدوة الحصان يدعى (كاللاى - كيلده ره) وإلى 
جوارها مزارع تبغ واسعة (كان قطاف المحصول الجديد قد بدأ توا) وهناك حقول 
للغلة الشتوية والصيفية في السهل المترامي تحتها. كانت في الماضي مركز ناحية 
(سروجك) وفيها بناية حكومية جيدة تحوي غرفاً للمكاتب ومخازن للضرائب 
العينية الزراعية ومسكناً لأسرة المدير. وصادقت على مصاريف الترميمات 
الضرورية لها وأمرت أن يستخدم منزل الشيخ محمود الهارب - ثكنة لحرس 
الخيالة الذي جاء برفقة عبد الرحمن. 


بعد هذا وغيره من الإجراءات ركبنا خيولنا وانطلقنا في دورة حول الضلع 
الشرقي من حدوة الحصان. ثم وقفنا نتأمل منظر سهل صغير يدعى (ده شتى زه 
لى) أو (زه رى) وهو يمتد إلى الجنوب الشرقي من قرية (مورياس) الكبيرة التي 


تبعد عنا بمسافة أربعة أميال وقد اشتهرت أرضها بأخصب تربة في الناحية”'". ثم 


(1) بعد عدة سنين فتح طريق سيارات من برزئجة خلال هذا السهل الذي ما زال فى حوض (قه لا- 


104 


إننا اسعدرنا شمالاً باتجاء (كورة كاذاو)”"". وقد بدا من بعيد؛ 'قمة جهمة وغرة 
تخرق قبة السماء الزرقاء لا ينقص ارتفاعها عن 4000 قدم على طول أربعة أميال. 


ومرت خمسون دقيقة بنا قبل أن أكون أية فكرة عن اقترابنا الشديد من غايتنا. 


لقد انحرف بنا الطريق انحرافاً حاداً ووجدنا أنفسنا بمواجهة برزنجة وهي قرية 
كبيرة تتألف مما يتراوح بين مائة وخمسين ومائتي بيت في تسعة أو عشرة صفوف 
مدرجة على سفح النتوء الجنوبي الكبير لجبل (كوره كاراو) نفسه. وقد تكون قريبة 
الشبه بلوحة وسمت باللون الأحمر الداكن المسود. تتخلله ظلال مختلفة من البني 


-جوالان) وفوق السفح الذي يجاور النهر على أقل نقطة منه ارتفاعاً (4000) قدم وهو يتصل بطريق 


(سليمانية حلبجة) بالقرب من (موان). 

رغم تحقيقاتي العديدة في هذا أثناء هذه الرحلة وغيرهاء فقد صعب العثور على التسمية الصحيحة 
لعقدة جبال (كوره كازاو) وآخر خريطة للجيش العاشر مؤرخة: نيسان 1942 ومقياسها (1 - 
0 توضح أولاً: جبلاً أوسط يمتد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ويتألف من قمم 
ثلاث ذكرت الخريطة ارتفاعاتها على التوالي: 5614 و7254 و7347. وقد أثبت فوق القمة الأخيرة 
اسم (كه لى). 

ثانياً: عقيدة جبال موازية للأولى وعلى الجانب الشمالي الشرقي منها. فيها ثلاث قمم (ذكرت 
ارتفاعاتها على التوالي : 5370 و6240 و6151 قدماًء وسميت هذه بسلسلة كوره كازاو). 

ثالثاً: قمة منعزلة على النتوء الجنوبي الغربي علمت بارتفاع 6693 قدماً وثبت عليها اسم (وشكه 
شيوه) ويبدو واضحاً أن المساحين المسؤولين عن عمل الخريطة خلطوا بين أسماء السلسلتين 
المتوازيتين. ومن تمحيص هذه المعلومات وغربلتها يتضح ما يلي : القمة التي ثبت ارتفاعها ب7254 
قدماً من السلسلة الأولى تدعى (كوره كازاو) جزماًء إلا أن الاسم يطلق عادة على عقدة الجبال 
كلها. أما القمة التي ثبت ارتفاعها ب7347 وهي أعلى القمم كافة» فعلى الأغلب تسمى (كه جه ل 
باراو) من اسم قرية (باراو) الواقعة على الطرف الجنوبي منها. على أنها تسمى أحياناً باسم (كه 
جل) فقط. والقمة التي ثبت ارتفاعها ب5614 تعرف باسم (سراب) أو أحياناً باسم (به شتى جينارا) 
وفي عققدة الجبال الأخرى تسمى القمة التي تثبت ارتفاعها ب5370 قدماً (به شتى حاجى مامند)ء من 
اسم القرية التي تقوم على سفحها الأدنى. والقمة التي ثبت ارتفاعها ب6240 قدماً اسمها (كه لى). 
والقمة الذي ثبت ارتفاعها ب6515 قدماً تسمى (كاناسر) والقمة المعزولة التي يبلغ ارتفاعها 6393 
قدماً هي (كه للاى سريم) وأشك في أن كلمة (وشكه شيو) هي (وشكه شبيوو) أي الوادي الجاف. 
وهو تعبير يطلق على أي واد ينحدر من الأعلى. ولا يلفظ المرء غيره جواباً عن استفسار المسّاح. 


165 


الغامق. لا يبدد أثرها إلا ثياب فاتحة اللون قليلة ترتديها حشود من الرجال والنساء 
والأطفال تجمعوا فوق سطح البيوت عندما كنا ندخل قريتهم. 

وترجلنا في المسجد الشهير. وهو بناء كبير نسبة إلى مساجد القرى الأخرى 
وكانت الأبواب الخشبية وعوارض الأسبندار في السقف سوداء لامعة بفعل الدخان 
والزمان. والحجر الأسود الذي جلبه الشيخان عيسى وموسى يبلغ طوله حوالى 
كينة عشدو أننيا وعرضه اثني عشرء وهو مبني في حائط (الدالان) بالقرب من 
الباب المفضي إلى سطح المسجدء أملس صقيل من كثرة الاستلام واللثم وثمة 
حلقة مزلاج حديدية كبيرة يزعم أيضاً أنها نسخة طبق أصلها في مكة. 

وجاءنا المدرس المشرف على المسجد يشكو قائلاً إن فرمان السلطان سليم 
الصادر في 1792م يقضي بتخصيص نصف واردات الضرائب من برزنجه لتكون 
وقفا على المسجد والخدمة فيه. لكنها لم تصرف لهذه الغايات منذ عدة سنوات» 
وكان يستأئر بها ورثة السيد طه الذي هو المتسلم الأصلي. فوعدته بأن أنظر في 
تنفيذ شروط الفرمان في المستقبل. وبعد سنوات قليلة ما وجدتني إلا وأنا أدافع 
عن قضية متولي الوقف ضد وزارة المالية التي حاولت دمج هذا المصدر من 
مصادر الدخل في الضرائب الاعتيادية. شأنها في ذلك شأن كل دوائر المالية في 
الدول الأخرى. 


ومع أنه لم يتيسر لي الوقت لزيارة قلعة (سروجك) قرب (مورياس) فمن 
الضروري أن أذكر هنا أن الكرد يعتبرونها الأعجوبة المحلية الثالثة بعد كوره كازار 
ومسبجدل برزنجه. وتروي المآثر المحلية أن شيخ قلندر البرزنجي وهو الجد الأكبر 
لبابا رسول الكبير (وهذا يقتضي أنه كان يعيش في حدود سنة 1500) قد انتزع 
القلعة من (سليم شاخ دار) أي سليم ذا القرون زعيم قبيلة (تويلاوي) - وهذا 
اللقب يذكرنا بالإسكندر الكبير واسمه المعروف فى المآثر الشرقية: الإسكندر ذو 
القرنين. ولقد لقينا ما تبقى من هذه القبيلة البائسة كقسم من المنبوذين (كاورا). 
وقص على زميل بريطانى هو النقيب (سي. ه. كاوان موه .0.11©) خبرها وقال 


166 


إنها في حالة جيدة جداً نسبة إلى عمرها وهي تستحق الزيارة. وفي رواية لرحالة 
كردي متأخر”"". أنها مبنية فوق طنف صخري تحف بها سفوح مائلة ميلاناً شديداً 
يزيد ارتفاعها عن (300) قدم وتشرف على واد عميق. ولا يمكن الوصول إليها 
بغير شعب ضيق واحد من الجنوبي. وتدعمها سلسلة أبراج من السور نفسه وهي 
دائرية الشكل وأبراجها ستة. أما مواضع السكنى والمطابخ والشكنات فتقوم في 
طابقين أو ثلاثة من الأبنية. والصحن المركزي قد يتسع لألفي رجل. وفي الركن 
الشمالي الغربي منها يوجد نبع ماؤه يساعد علئ الهضم (ساركار) بحيث أن 
المسافر الذي يصلها صباحاً يشعر بحاجة إلى أربع أو خمس وجبات طعام قوية 
قبل أن يتركها مساء. 


لم أر من المناسب أن أنزل ضيفاً على أشخاص قد يكونون مساهمين في 
الثورة الأخيرة. فأنذرت كبار الشيوخ الحاضرين بألا يستضيفوا أحداً من الهاربين 
الذين ما زالوا في قائمة المطلوبين وإلا سينقل مركز الناحية من (كيلده ره) إلى 
برزنجة. ثم خرجت أنا وعبد الرحمن من القرية وصعدنا المرتفع البارز ودرنا حول 
القمة حتى بلغنا قرية (وندرينه) وفيها قام (بابا علي) الابن الثاني لبابا رسول 
بتأسيس تكية. وبعد استراحة قصيرة تناولنا خلالها الغداء واصلنا الركوب نحو 
الشمال الغربي فعبرنا مجرى ماء يصدر عن خانق. وتوقلنا قمتي (كوره كازاو, 
وكجل باراو) ثم نزلنا وادياً بين الجبل الأخير عن اليمين وبين كاللاي سارين حتى 
بلغنا قرية (برئاو) الواقعة على رأس واد طويل يمتد إلى الشمال الغربي حتى 
(جنكنيان) على طريق بنجوين وبعد استراحة قصيرة عدنا من الطريق نفسه لنبلغ 
مجرى ماء. ينحرف أولاً إلى الجنوب الغربي ثم إلى الشمال الغربي ويدور حول 
(كاللاى سارين) ليصب أخيراً في (تالاسيئاو) في نقطة كنت قد عبرتها خلال سفرة 
من سفراتي. وهي على ميلين فوق (سيته ك). 


(1) (ده نكى كتبى تازه) صوت الدئيا الجديدء مجلد 4» نيسان 1945. 


167 


وعقبنا مجرى النهر حتى وصلنا نبعاً يكفي ماؤه ليكون غديراً يجري في قاع 
من الحصباء. وبعدها بلغنا (شو كى) وهي قرية وافرة المياه أقرب إلى جوارتا منها 
إلى (سروجك) إنها مثل لتلك القرى التي تحف بها الكروم على السفوح 
ومدرجات من حقول التبغ والبساتين المتشابكة وصفوف الأسبندار ووجدنا في 
هذه القرية منزلاً جميلاً للشيخ محمود ذا مدخل مهيب» فيه ست أو سبع غرف 
وحمام تركي وروضة نبتت فيها صفوف من الزهر المستنبت. وبعد القرية نضب ماء 
المجرى, إلا أننا عقبناه لأكثر من ساعة مخترقين شعباً كثيرة المنحنيات ومررنا 
بقرية واحدة خلال هذه المسافة وقد عاد الماء هنا إلى الظهور يترقرق فوق 
الحصباء. ثم دخلنا أرضاً منبسطة إلى حد ما. وبعدها وصلنا (بزه ينيان) التي كانت 
فيما مضى قرية عامرة تتألف من زهاء مائة بيت كما تشهد خرائيها المنتشرة في 
بقعة واسعة» لكنها الآن لا تحتوي أكثر من عشرة بيوت» ويملك فيها الشيخ 
محمود بساتين وكروماً. 


وزارنا ونحن جلوس فوق سطح المسجد ملا قصير القامة ثرثار من أهالي 
السليمانية وشاع في نفسي السرور عندما هب واقفا وقطع جملة كان يقولهاء ونط 
من مجلسه بلا إيضاح أو إشارة متجهاً إلى ركن في السطح حيث بسط جبته ورفع 
كفيه إلى فوق وجنتيه وانطلق يؤذن بصوت لا يخلو من عذوبة. وبعد العشاء 
حاولت تنظم حفلة غناء فجاء (عبد الرحمن) بثلاثة من دركه الفرسان فجلسوا 
وبدأوا يغنون بحركات عصبية حماسية بعض الأغاني الفارسية مع أني رجوت أن 
يقدموا نماذج من أغانيهم الكردية. أخيراً عثروا لنا على مطرب قروي (قوال) لا 
موهبة فنية عنده فراح يزعق بأغنيته زعيقاً مفعماً بالحماسة. وأخشى أني غير معتاد 
سماع الموسيقى الشرقية - فقد بدت لي الأغنية رتيبة مملة. فكل مصراع منها لا 
يزيد عن ترجيع للجملة القصيرة إلى نهاية اللحن الذي ينتهي عادة بآهة عميقة حتى 
لكأن المطرب يحاول أن يدفع آخر دفقة من أنفاسه خارج جسمه. 


امتطيت صهوة حصاني في الخامسة من فجر اليوم التالي وبعد أن تركت عبد 


168 


الرحمن إلى وجهته (كيلده ر) انطلقت إلى (5تالاسيئاو) فعبرته من المحل الذي 
جئت. ولكني اتجهت إلى شعب (كويزه) الصغيرء من (ولدانه) حباً في التنويع. 
وهو لكويذه مثل ما كانت هاروته لاثه زمر. 


كنت أرغب في إكمال وصفي لهذا الإقليم الرائع الفخمء بوقائع جولتين 
أخريين طويلتين إلى شمال (شاربازير)؛ قمت بهما بعد سنوات إلا أني أمسكت 
لضيق المقام على أني سأئبت مقتبساً من سفرة (ريج) عند عودته من (سنه) سالكاً 
سبيلاً غير مألوف من شمال هذا القضاء إلى جنوبه ليوضح للقارئ أمرين: الأول 
هو أني ما كنت أبالغ في تقدير جمال المنطقة» والثاني كم كان التغيير قليلاً في 
حياة القرويين الاجتماعية والاقتصادية خلال مائة عام منحصرة بين 1820 و1919. 


0 أيلول: بلغنا أعلى قمة للهبوط منها والدخول إلى منطقة (ببه) وهنا لاح 
لنا منظر هو آية في الجمال. الطريق المؤدي مباشرة إلى وادي ضيق عميق الغور لا 
يصل البصر إلى قاعه. وإلى الجانب المقابل تعلو الأرض مرة أخرى إلى ارتفاع 
يفوق المرتفع الذي نقف فيه وتتوج هذا المرتفع ذروتان”'' يصل بينهما ستار 
صخري. إن القمة الشمالية التي وجدنا فيها جبلا ذا شكل فريد في بابه» هي التي 
لمنحناها ونحن في (سويروا؟ 2«8د5) إن منظر الأرض مما يبهج النفس وينعش 
الفؤاد. فهي كثيرة الغابات عامرة القرى حقولها الزراعية خضراء كالزمردء وهي في 
مواضعء, لا حد لجمالها. وإن خطوط الجبال وهيئاتها هي من أبدع ما يتصوره 
المرء... وقطعنا مرحلة النزول في ساعتين سرنا فيها بين غابات رائعة. وبأقل ما 
يمكن من المشقة وكان انحدارنا شديد الميلان لكن الطريق حسن بشكل لا يتوقعه 
في هذه البلاد الجبلية الوعرة جداً. والحق يقال إن...». 

«لا شيء أدعى إلى الملاحظة كالفرق بين كردستاننا هنا وبين إيران إن صحت 
المقارنة في هذه البقعة. إن التربة نفسها يبدو وكأن طبيعة تكوينها ولونها قد تغيرا. 


(1) الأمكنة هي منطقة (سيوه يل). 


169 


فكل شيء هنا مزيج من الجمال والعظمة. وصلنا إلى أسفل المنحدر في الساعة 
الثانية عشرة والدقيقة الثلائين وعبرنا ماء (بيروز) أو (بانه) وهئا يصب فيه ماء 
منحدر من جبيل آخر. وهذا المسيل هو الحد الفاصل بين تركيا وإيران» واتجاهه 
شمالي مع انحراف قليل إلى الغرب حتى يصب في آلتون صو (هو نهر التون 
كوبري أي الزاب الصغير - المؤلف) فوق نهر قره جوالان”''. ووجدت نفسي 
وكأني لست بغريب هنا. ثم إننا صعدنا وسرنا بمحاذاة المرتفع المقابل. حتى بلغنا 
قرية (ميره وا) في منطقة (ثالان) وهنا استقبلنا الكرد الأقحاح مرحبين» وأملي قوي 
بأني سأصيب بعض الراحة. إن القرية ذات موقع جميل على طرف من أطراف 
الجبل ولا ترتفع كثيراً عن مجرى النهر... وإلى جوارها تزرع أراض واسعة بالتبغ» 
والقرويون يجففون أوراقه الآن بتعليقه في صفوف على خطافات». 

0 أيلول: سرنا في طريقناء الساعة السابعة. وبدأنا حالاً نصعد متجهين إلى 
قمة غريبة الشكل لاحظناها من قبل وتدعى (ككمو هسصذ) هذه الجبال كثيرة 
الينابيع» والفلاح يستفيد من معظمها وتصرف مياهها في سواق صغيرة تحيط 
بجوانب المرتفعات لتنطلق نازلة إلى الأراضي الواطئة في الوقت المناسب. وفي 
الساعة 8/15 وصلنا قرية (ديره) الجميلة التي تكتنفها غابة جوز من أجود وأجمل 
ما وجدت من نوعه فهي ذات أغصان كبيرة منداحة ويحيط بالقرية البساتين 
والكروم والحقول المزروعة في كل بقعة من سفوح الجبل وأشجار العنب في كثير 
من الأماكن تتسلق الأشجار الأخرى وتمد فروعها بينها مؤلفة شرائط من الأوراق 
الخضراء وأهداباً منسدلة إلى الأسفل. وهناك ما لا يحصى من الينابيع المتدفقة من 
أطراف الجبل تنحدر لتغمر قواعد الأشجار بشلالات كثيرة ولا يسمع إلا رقرقة 
المياه وليس من السهل على المرء أن يمر ببقعة لها هذا الجمال الأخاذ دون أن 
يقف ليستمتع بسحرها. لذلك ترجلت أنا وعمر آغا لنستظل تحت شجرة جوز يمر 
بها جدول ماء صغيرء وأسرع القرويون إلينا يبسطون أمامنا وجبة طعام خفيفة 


(1) يصل ماء قره جوالان إلى نهر (آلتون سير) قرب (شينك). 


100 


تتألف من العسل بشمعهء وزبدة جديدة ولبن وخوخ وعنب. ومكثنا حتى الساعة 
0 9 ثم تركنا هذه البقعة الفاتنة وكلنا أسف وحسرة؛ وواصلنا السير صعداً وفي 
غضون نصف ساعة بلغنا أعلى موضع لن تفرقه عن المناظر الألبية. كان عدد يفوق 
الحصر من الينابيع ينبط من الأرض... ولم نجد أشجاراً هنا إلا أن الأرض كانت 
شديدة الاخضرار لكثرة الماء» والبقعة تدعى (هزار كانيان أو العيون الألف). ها 
هنا نكون قد بلغنا أعلى نقطة في طريقنا إلا أننا كنا نرى فوق رؤوسنا قمة «كمو 
وشقيقة» وكلاهما صخريان أجردان» وواصلنا السير في ظلهما ردحاً من الزمن... 
ترى بقع خضراء أحياناً فوق الهضبة المستوية وأحياناً معلقة في أطراف الجبل» 
تحدث تغييراً في المنظر وتلونه؛ تكاد لا تقطع مائة ياردة دون أن تقع على عين 
ماؤها بارد إلى حد تصطك معه الأسنان... الطريق كالعادة تحف به الغابات من 
الجانبين ومع أنه صخري وعر إلا أنه حسن بالنسبة إلى الطرق الجبلية. كانت 
الساعة تشير إلى الثانية عندما بلغنا قرية كينارو كه ناردي في منطقة سيوه يل. 


4 أيلول: ركبنا دوابنا في الساعة 6/30... ثم انحدرنا نحو نهر (سيوه يل) 
الذي يجري محاذياً طرف جبل (سه رسير) ثم يعرج شمالاً بميل قليل نحو الغرب 
ثم يصب في قره جوالان عند (ماوه ت) ويصب ماؤهما الموحد بعد مسافة في 
(آلتون صو). وكان يبلغ الرُكُب عمقاً في الموضع الذي عبرنا منه وعلى مسافة 
خطوات قليلة؛ أما سائره فقد كان ضحلاً... أما في الشتاء فكثيراً ما يتعذر عبوره 
إلا بالأكلاك... انحدرنا إلى سهل (شاربازير) و... داخل واد عميق يجري فيه نهر 
قره جوالان واتجهنا إلى الوضع الذي كانت تقوم فهي مدينة قره جوالان العاصمة 
القديمة لهذا الجزء من كردستان والآن لا يوجد أثر لهذه المدينة غير بضعة أكواخ 
قروية صغيرة فوق الموقع. 


5 أيلول: ركبنا في الساعة 6/10 وكل الجماعة في أحسن حال وأطيب نفس 
لقرب. وصولهم السليمانية في غضون بضع ساعات. وأحسست بما يشبه إحساس 


1/71 


انتعاش الرجل العائد إلى دياره ووطنه. والحق يقال إن حسن الضيافة والكرم 
اللذين لقيتهم في السليمانية رفعاها في فكري إلى اعتبارها أشبه بموطني». 
ريج 
حين عودتي من برزنجة إلى السليمانية وجدت في انتظاري برقية من (أ.ت. 
ويلسن) يعرض علي وظيفة «ضابط سياسي للقوات البريطانية في شمال غرب 
إيران» في محل العقيد توم ويكهام صسهطهة/7 -ه5”'' بمقر القوة في قزوين وكان 
هذا يرافق الشاه في زيارته لأورويا. كنت آسفاً لمغادرة البلاد لعدة أسباب لا سيما 
وأن الشعب الكردي أثار اهتمامي ووجداني» بحيث وجدتني أستغرق أكثر فأكثر 
في مهمة تنظيم إدارة الحكومة في بلادهم الشقية البائسة. على أن إيران بما فيها 
جنوبها ذو الشمس المحرقة؛ كانت أول غرامى. وإن فكرة ممارسة وظيفتى فى 
امال تعش آبالن. ٠‏ 0 
غادرت السليمانية في قاقلة من ثلاث سيارات فورد في بكور 28 أب وودعني 
رئيس البلدية وعدد من الوجهاء وزملائي البريطانيون وموظفو دائرتي وفي 
(قلياسان) على مسافة أربعة أميال من السليمانية بدأت سيارتي تتوقف وأزعجتنا 
طوال الطريق ولم تكن الأخريان بأحسن حالاً وأمضينا ساعة ؤنصف ساعة نتناوب 
الدفع فوق رابية شديدة الميلان على مقربة من جمجمال غرباً وبدت سفوح الجبال 
والجرف المشوية شياً ونحن ندنو من مشارف كركوك أشد قبحاً وكآبة تحت أشعة 
الشمس من أي وقت. وفي الوقت الذي كدنا نتغلب على متاعب محرك.سيارتي» 
هوى سائق السيارة الثانية البورمي منزلقاً في منحدر شديد ويظهر أن النعاس الذي 
يصعب التغلب عليه في ظروف السياقة» قد غلبه فلم يستطع مقاومته. ويشاء الحظ 
أن لا يصاب بجرح كذلك عبود خادمي الذي كان يزامله. ولكننا اضطررنا ترك 
السيارة ومتاعي مع عبود ليؤتى بهما فيما بعد. 


172 


في صباح اليوم التالي انطلقت إلى (الفتحة) واسترحت بقية اليوم في مخيم 
المستشفى الذي يشرف عليه الرائد سلوود 561004 آمر سرية النقل ال(1018) ثم 
ركبت القطار الليلي من بيجي إلى بغداد. كان الحر في الخيمة شديداً للغاية وقد 
اخترع سليوود طريقة ملطفة» وذلك بوضعه تحت متناول اليد ضاخة (سرنج) كبيرة 
وعدد من فناطيس الماءء فيملاً الضاخة ماء في فترات متقاربة ويرش أطراف 
الخيمة والأرضية» فضلاً عن فراشنا الذي نحاول النوم فيه ظهراً. 


173 


- 9 - 
السليمانية بعد عامين 


انصرمت سنتان وأنا خارج العراق. ولما عدت لاستئناف واجباتي كانت قد 
استجدت تطورات سياسية لا سبيل إلى طيهاء وسأعمد هنا إلى تلخيصها لأجعل 
في 28 كانون الثاني 1920 أصدرت حكومة تركية متعصبة لقوميتها بياناً عرف 
باسم «الميثاق الوطني» جاء فيه اعتراف وتسليم بحق تقرير المصير للمناطق العربية 
الواقعة إلى جنوب خط هدنة 21918 في حين تتضمن عبارات لا يخطئها النظرء 
عن رفض فكرة فصل ولاية الموصل عن الممتلكات العثمانية. 
وتجاهلت دول الحلفاء هذا الميثاق» وأعدت معاهدة صلح تتضمن التجزئة 
الكاملة للإمبراطورية. وتم التوقيع عليها في (سيقر) في 10 آب. من قبل كل 
الأطراف المعنيين إلا أنها لم تطبق بسبب النجاح العسكري الذي حققه مصطفى 
كمال في الأناضول» وقبضه على زمام السلطة. وفي نص المعاهدة مادتان تخص 
الكرد هما المادة (62) التي تقر بحكم ذاتي لجزء من الأناضول الشرقية التي يكون 
فيها الكرد أغلبية. والمادة 64 وهذا هو نصها: 
«إذا تقدم الشعب الكردي الساكن في المنطقة المشار إليها في المادة 
(62) خلال سنة واحدة من وضع المعاهدة موضع التنفيذ» بطلب 
إلى مجلس عصبة الأمم يتضمن أسباباً من شأنها أن تؤيد رغبة 
أغلبية سكان تلك المناطق في الاستقلال عن تركياء وإذا ارتأى 


1/4 


المجلس بناء على ذلك أنه من الواجب منحهم الاستقلال» فإن 

تركيا توافق على تنفيذ هذه التوصية وتتخلى عن كل حقوقها 

وممتلكاتها في تلك المناطق. وعندما يتم هذا التخلي فإن دول 

الحلفاء الكبرى لا تعارض في أي انضمام اختياري من هذه الدولة 

الكردية المستقلة إلى الكرد القاطنين في الجزء من كردستان الذي 

كان يؤلف حتى الآن ولاية الموصل». 

لم تنفذ مواد معاهدة سيقر. إلا أن حلم كردستان المستقلة» سجل في وثيقة 
دولية ولم ينس قط. ولم يتقرر مصير ولاية الموصل نهائياً إلا بعد ست سنوات 
وظلت روح التطير السوداء؛ تحوم في الجو السياسي وتصيب بشرورها كل 
الجهود الرامية إلى إنشاء إدارة ثابتة مستقرة. 
إن المادة 22 في ميثاق عصبة الأمم (باعتباره جزء لا يتجزأ من معاهدة 

فرساي) الذي وقع في حزيران 1919» قرر اعتبار البلاد التي كانت في السابق من 
ضمن الإمبراطورية العثمانية «بلاداً مستقلة» خاضعة إلى نصح وإرشاد ومعونة دولة 
منتدبة من الدول» في أمورها الإدارية حتى يحين الوقت الذي تستطيع فيه الوقوف 
على قدميها وإدارة شؤونها بنفسها وقبلت حكومة صاحب الجلالة البريطانية 
الانتداب على العراق في نيسان 1920 في الساعة التي كانت منطقتا البلاد الوسطى 
والجنوبية (أي الأقاليم العربية) تتمخض بشورة قبائلية واسعة النطاق أججتها دعايات 
الوطنيين» وقد تم إخمادها في أوائل الخريف بعد صعوبات» وانتهى الحكم 
العسكري في 4 تشرين الأول عندما رجع السر برسي كوكس الحاكم المدني العام 
السابق في العراق بمنصب المندوب السامي وتسلم من السر آرنولد ولسن مسؤولية 
الإدارة السياسية» وكان الأخير يقوم بتصريف الأمور وكالة عنه خلال فترة غيابه 
متولياً منصب الوزير المفوض البريطاني في طهران. وفي 11 تشرين الثاني شكلت 
حكومة وطنية مؤقتة برئاسة السيد عبد الرحمن الكيلاني نقيب بغداد"" وهو الذي 


(1) لقب (نقيب الأشراف) كان يمنحه العثمانيون لرأس أسرة السادة الأولى في مدن معينة. 


175 


نوهنا باسمه عند الحديث عن طوائف المتصوفة في كردستان. وعين مستشارون 
بريطانيون في مختلف وزارات الحكومة الجديدة وزودت الدوائر بخبراء بريطانيين. 
وقسم أعضاء السلك السياسي القديم الذي نقص عدده كثيراً - بين المقيمية 
البريطانية وبين وزارة الداخلية العراقية. فأصبح «ب.ه. بورديللون «هااتفعسه8 .8.51 
معاون سكرتير للمندوب السامي» واختير (ه. سنت ج.ب. فلبي .5]1.501.8 
/رطائط5) ليكون مستشاراً في وزارة الداخلية مع معاون واحد. وعين آخرون 
مستشاري أقسام «للمتصرفين» العراقيين. وفي حالات قليلة معاوني مستشار قسم 
في الأقضية. 

وفي بريطانيا استحدثت دائرة منفصلة في وزارات المستعمرات». خاصة 
بالشرق الأوسط وتسلمت مسؤولية العراق من وزارة الهند. وفي آذار 1921 دعا 
مستر ونستن تشرشل وزير المستعمرات إلى عقد مؤتمر في القاهرة حيث وضعت 
الخطوط الأساسية للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط. 

ومن المقررات التي اتخذت في هذا المؤتمرء قرار يقضي بترشيح ودعم طلب 
الأمير فيصل الابن الثاني لحسين شريف مكة - في عرش العراق. وعلى هذا 
الأساس وصل الأمير في حزيران» إلى البصرة على ظهر سفينة بريطانية» وفي 23 
آب أعلن ملكا بعد استفتاء عام كانت نتيجته الرسمية أن 9096 أيدوا اختياره. 
ورفض لواء السليمانية المشاركة في الاستفتاء رفضاً قاطعاً وشارك 9/04 من أهالي 
كركوك في التصويت ولم يؤيدوا ترشيح الأمير وإنما حبذوا ملكاً من آل عثمان. أما 
الكرد فقد طلبوا إدارة كردية بحتة. ولم يحضر أي ممثل عن اللواءين للمشاركة في 
احتفالات الجلوس. واتخذ قرار مفيد آخر في مؤتمر القاهرة وهو أن تتسلم القوة 
الجوية الملكية من بداية خريف 1922 مسؤولية الجيش للدفاع عن أمن العراق 
الداخلي. 

إن نقل صلاحيات الإدارة من المندوب السامي إلى الحكومة المؤقتة؛ أثار 
طبعاً مسألة مستقبل المناطق الكردية بشكل حاد. فبعد التوقيع على معاهدة (سيقر) 


116 


لم يكن غريباً أن تجد الأتراك يضاعفون مجهوداتهم ليطبعوا في أذهان كل سكان 
ولاية الموصل بأن هذه المعاهدة لا تساوي الورق الذي كتبت عليه. وكان ثمة 
تهديد بغزو واسع النطاق. ومخابرات سرية مع وجوه المدنيين وأعياتهم» وكان ثمة 
بعرث في السر إلى القبائل غير الراضية» وتحريض سافر على الثورة» وتهديد 
(للخونة)» وأهم من كل هذا الدعوة الدينية إلى طاعة السلطان الذي هو خليفة 
المسلمين. وكان من نتيجة هذه الدعاية أن وجد الكرد أنفسهمء يتنازعهم كل ما 
يتصوره المرء من ميول متضاربة كالإخلاص لدينهم والاحترام والخوف من 
جبروت أسيادهم السابقين» وكأحلامهم في نيل الاستقلال» وهو مما لا يمكن 
الحصول عليه إلا بمساعدة من البريطانيين والبريطانيون كما يظهر غير راغبين في 
بذلها لهم» وكضيق نفوسهم بالقيود التي فرضتها عليهم السلطة الآمرة عليهم فعلاً 
وكإدراكهم بأنه قد تم ريطهم اقتصادياً ببغداد ربطاً محكماًء وكنفورهم من قبول 
المركز التابع الخاضع إلى مملكة غربية» وإن كانت تلك التبعية يصحبها بشكل ما 
من أشكال الحكم الذاتي. ونظراً إلى قرار آخر اتخذه مؤتمر القاهرة قام المندوب 
السامي باتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من أماني الكرد واقترح حلاً وسطاً أعلن ٠‏ 
في تصريح السادس من أيار - أي قبل وصول فيصل بسبعة أسابيع. 

:إن التدابير المقترحة بالنسبة إلى اللواءين الشماليين يمكن تلخيصها بما يلي : 


أ يؤلف من جميع المناطق الكردية في لواء الموصلء لواء آخر تابع يكون 
تحت إدارة معاون متصرف بريطاني ويكون كل موظفيه من الكرد»ء أو من 
العرب الذين يحسئون الكردية عق المندوب السامي. إلا أن هذا اللواء 
التابع في المسائل الأخرى يدار كما لو كان جزء لا يتجزأ من العراق. 

ب - يعين ضباط بريطانيون في أربيل وكويسنجق ورواندوز ويكونون جزء من 
الإدارة. ويجب أن توضع رغبات الأهالي موضع اعتبار عندما ينظر في 
تعيين الموظفين (وأما التدابير المقترحة للسليمانية فقد كانت أدق وأكثر 
تفصيلاً ونحن نجملها بما يلي). 


177 


متصرفية والمتصرف يعينه المندوب السامي مع مستشار بريطاني له. وإلى 
الوقت الحاضر بريطانيين على أن يحل محلهم أكراد حالما تتوفر 
الشخصيات الكفوءة. 


أما المخطط الخاصة بالموصل» حيث الشعور الوطني الكردي غير متبلور فلم 
تطبق بخصوص تقسيم اللواء الصعب السيطرة مع أن (الأسباب الإدارية) كانت 
تطرح على بساط البحث في عدة مناسبات» وأخصها بالذكر في العام 1944 ذلك 
لأن المصالح الزراعية والاقتصادية للأسر المتنفذة في الموصل كانت دائماً تعمل 
على إحباط هذا المشروع. 

أما مأتى التوصية الخاصة بأربيل» فقد كان يدفعها في الحقيقة» اقتراح 
الحكومة المؤقتة بإعادة التنظيم الإداري التركي القديم. حيث كانت أربيل وكوي 
ورواندوز أقضية منفصلة تابعة إلى كركوك. مع أنها كانت أثناء الإدارة العسكرية 
البريطانية قسما مستقلا في إدارته» ومهما يكن» فإن تدخل المندوب السامي» 
جعل هذا القسم لواء تابعاً يشرف عليه معاون متصرف كرديء وسرعان ما أصبح 
مستقلاً عن متصرف كركوك في كل شيء خلا الاسمء وبعد أن جرى الاستفتاء» 
نجم وضع غريب محرج هو: هل أن معاون متصرف أربيل سيرفع العلم العراقي 
فوق دوائره» وهو العلم الذي لم يرفعه رئيسه في كركوكء ولا مرؤوساً في 
رواندوز؟ 

ومع أنه لم يفسح لهاتين المجموعتين من التوصيات» مجال رسمي للتطبيق» 
فإن المندوب السامي استمر في التدخل الفعلي في شؤون المناطق الكردية» إلى ما 


178 


بعد إبرام معاهدة 1926 مع تركيا. والواقع أن هذا الوضع استمر حتى نهاية 
الانتداب في 1932 تقريباً. وفي السليمانية ظل الضابط السياسي بعد الاستفتاء يقوم 
بإدارة اللواء مع مجلس المتصرفية» بإشراف دار المندوب السامي المباشر. 

كنت في آذار 1921 قد تسلمت وأنا في قزوين خطاباً عاجلاً من المندوب 
السامي يعلمني فيه بنبأ تغييني مستشار قسم في التنظيم الإداري الجديد للدولة 
العراقية» ونسبت لي وظيفة معاون مشاور سياسي في وزارة الداخلية. وبُلغت بأن 
أسلم مهام وظيفتي إلى أحد معاون الأقدمين وأسافر إلى بغداد حالاً. وقبل يوم أو 
يومين من سفري قام (سيد ضياء الدين رضا خان) في طهران بانقلاب عسكري 
وبوصولي إلى همدان على ظهر جمل يشق طريقه في الثلوج العميقة» بعد تركي 
سيارتي في الطريق» وجدت برقية تأمرني بالعودة من حيث أتيت» فامتثلت للأمرء 


وبقيت في قزوين حتى انسحبت «قوة وربر عن2ه! - وءم:ه131 في نهاية الربيع. 


وبوصولي بغداد في نهاية أيار ألح عليّ (فيلبي) إلحاحاً شديداً في مباشرتي 
وظيفة معاون مستشار في الحال لكني شعرت بحقي في الإصرار على طلب فترة 
راحة أقضيها في إنكلترا اجتناباً لحرارة قيظ صيف آخر قبل الاستقرار والعمل في 
الجنوب اللاهب. ذلك لأني في الحقيقة وبصرف النظر عن إجازتي المرضية بعد 
إبلالي من مرض التيفوئيد الذي ألقاني في الفراش نصف عليل - لم أتمتع بإجازة 
منذ قدومي إلى خليج البصرة في العام 1912. وإن يومياتي التي تشمل الفترة 
المبتدئة بنيسان 1920 والمنتهية بآب 1922 قد تصرمت في الواجبات التي وصفتها 
في فصل تالء إلا أن بعض الصور الشمسية الباقية كانت تذكرني أن سفينتنا 
غاصت في رملة شط العرب مدة تسعة أيام قضيناها في حر لا يطاق» وأن السفينة 
التابعة للقوات البحرية الهندية؛ هاردنج #ههنل:12ة قد مرت بنا ونحن في ورطتنا 
متجهة نحو البصرة وهي تحمل سراً مفضوحاً كان الأمير فيصل على ظهرها! 

لماعدت من إجازتي إلى بغداد في أوائل العام 1922 وجدت العقيد 
كورنواليس (الآن سير كينهان كورنواليس كناله8م:00 مهطدهن1) في منصب مستشار 


1/9 


الداخلية بدلاً من (فيلبي)» وكان قد جاء أصلاً برفقة الملك فيصل بوظيفة ضابط 
ارتباط ومستشار شخصى له وكان ثمة تغيرات أخرى جوهرية» وأدركنى العجب 
والخيبة عندما علمت أني لن أتسلم الوظيفة التي عينت لها أو حتى مباشرة إدارة 
قسم سياسي في العراق» بل عينت معاون ضابط سياسي لحلبجه (في قسم 
السليمانية) الذي تم تنظيمه على النحو الذي ذكرته سابقاًء ورسم أن يبقى خارج 
حدود المملكة الجديدة. وبدا لي هذا التعيين أصغر من أي وظيفة أنيطت بي خلال 
السنوات الخمس الماضية وهو أحقر كثيراً من آخر وظيفة لي وهي «الضابط 
السياسي لقوة (نوربر)». حين كان تحت أمرتي خمسة من المعاونين وأنا مرتبط 
مباشرة بالقائد العام» في مسؤولية علاقات القوة بكل من الإدارة الإيرانية والأهالي 
ابتداء من الحدود التركية والروسية غربا وشمالاا حتى طهران وهمدان شرقا 
وجنوباً. وكنت أشعر بارتياح من قام بواجبات وظيفته خير قيام ولم تهدأ ثورة 
نفسي عندما وصفت لي الاعتبارات التي أوجبت نقلي» ومنها أن (قسم) السليمانية 
يمور الآن بالثورة ويتطلب ضباطاً ذوي كفاءات خاصة» إن وظيفتي هي وظيفة أمر 
وإجراءء لا وظيفة نصح واستشارة» بل إنها «مهمة خاصة» وليست تعييئاً عاديا بعد 
غيابي هذه الفترة الطويلة في إيران» وبعد تمتعي بإجازة جرت خلالها تغييرات 
جوهرية لها آثارها البعيدة؛ شعرت وكأني عائد إلى بلاد لا معرفة لها (بيوسف!) 
ونازعتني النفس في أن أعود إلى الوظيفة الأصلية التي سبق نقلي منها قبل سبع 
سنوات فبناء على طلبي أبرق المندوب السامي في العراق. ولما لم يكن بد من 
الانتظار الطويل لوصول الردء فقد رسم أن أتسلم واجبات وظيفتي في حلبجة 
بانتظار مجيء (نويل) الذي تطوع - بعد انتهاء مهمته في شمال كردستان - أن 
يخدم بأمرة المندوب السامي في أية وظيفة تعطى له مفضلاً ذلك على العودة إلى 
الهند. 


وحدثت تغييرات في السليمانية أيضاًء لقد بقي (القسم) هادثاً في أثناء الثورة 
العربية فى العراق. والفضل فى هذا يعود إلى إدارة (صون) الحازمة الشديدة. على 


1560 


أن التدابير الجديدة لم تكن مما يروق له وآثر الاستقالة وكان خلفه (غولد سميث 
طانم60105) وهو إنسان لطيف المعشرء وقد قام بعمل طيب في الجنوب وفي 
خانقين. إلا أن صحته ليست على ما يرام. وكان الجو الذي وجدت نفسي فيه عند 
وصولي «موئّر الأعصاب» إلى درجة كبيرة وكان معاون الضابط السياسي الذي 
سأخلفه في حلبجة على شفا الانهيار العصبي. كان رجال القبائل الثائرون من جبال 
(هه وره مان) بقيادة (محمود خان دزلي) يغيرون باستمرار على سهل رواندوؤز من 
الجهة الإيرانية (بعد أن ساهم محمود خان مساهمة فعالة في ثورة الشيخ محمود 
السنة 1919» أسلمته لنا الحكومة الإيرانية لغرض إبعاده عن بلادها. وكان من قصر 
النظر أن يسمح له بالعودة بعد أشهر قليلة من الاعتقال. ليتصل حالاً بعملاء تركية 
الكمالية). في حين كان ملاكو القرى منهم في الجانب العراقي يطردون أي موظف 
يحاول جمع أي مبلغ من الضرائب العادية عدا الغلات المحلية» أو حتى مجرد 
فرضها. وفي أواسط كانون الثاني قتل المسكين (فيتزغيبون) أثناء مصادمة وقعت 
في محل قريب من خورمالء ولم يفلح في صد هجوم على حلبجة إلا بمعاونة 
القوة الجوية. وغدا وضع معاون الضابط السياسي أصعب يسبب المكائد التي 
كانت تحاك في حلبجة نفسهاء وفيما بين قبائل الجاف التي تسيطر عليها (عادلة 
خان). ففي الوقت الذي كانت هذه السيدة مخلصة (للحكومة المفخمة) وكانت 
تقرنها باسمي (صون) و(ليز)» فإن ظنها خاب بها بمسلكها الفاضح المتمثل في 
آخر وكيل لها هناك» فقد وجد هذا ولا شك أن إرضاء بعض مطامح السيدة 
عادلة » لا يستقيم ومتطلبات الإدارة في زمن السلم. 


أما في رانية المعرضة مباشرة وبسبب موقعها إلى مكائد المحرضين الترك فقد 
كان الموقف أكثر خطورة. وكانت بطون من قبائل (بشدر) و(بلباس) و(ثاكو) تغلي 
بالثورة. وفي آب 1 هاجمت رانيه قوة من القبائل يدعمها جنود ترك ومع أن 
هذه الغارة منيت بالهزيمة بفضل العمليات الجوية» إلا أن معاون الضابط السياسى 
ظل مشغولاً بعمليات بوليسية صغيرة مستمرة» والأنكى من ذلك أنه وقع هدفاً لثآر 


181 


شخصي بسبب قتله أحد الأغوات المحليين أراد أن يسدد إليه طعنة خنجر أثناء 
وجوده في دائرة. وكان قد هيأ نفسه للانفكاك من وظيفته حال وصول بديله. 


وكان شيوخ أسرة البرزنجة الكثيرون المنتشرون في الأجزاء الوسطى والجنوبية 
من هذا القسم الإداري» وفي المناطق المجاورة من لواء كركوك» يديرون حرب 
أعصاب شديدة تتستر تحت تحت واجهة القومية الكردية وتستهدف إعادة الشيخ محمود 
إلى وطنه وتنصيبه بالطبع رأساً للدولة (كان الشيخ قد جيء به من الهند وأسكن 
الكويت) يدعمهم في ذلك كل ناقم ضاق ذرعاً بحكم القانون. وفي هذا الغليان» 
كان يوجد شخص الشيخ عبد الكريم» في تكيته (بقادر كرم) وهي قرية تقع على 
ضفة (باسه ره) اليسرى إلى جهة كركوكء قد برز بمظهر اعتداله وتعقله 
والموقف كله لا يستقيم مع المنطق أساساً. فالمندوب السامي كان قد تنازل عن 
كل صلاحياته التنفيذية. وكانت القيادة البريطانية تكره دوماً استخدام القوات 
الإمبراطورية في منطقة بعيدة لاا مصلحة لها فيها. ويكاد لا يقل صعوية عن ذلك» 
الموافقة على استخدام الليفي محلياً. وهي قوة تنفق عليها الحكومة البريطانية. إن 
الضرائب المباشرة «للقسم» الإدارية قد تكفي لسد مصروفات الخدمة المدنية 
والشرطة المحلية. ولكن لا يوجد للقسم نصيب في عوائد الكمارك والضرائب 
والأعشار المحلية أو أي دخل مركزي آخرء لذلك كان من المستحيل تقرير تمويل 
أي مشروع آخر غير سد نفقات الإدارة. وقد اتفقت وجهة نظر معظم الموظفين 
البريطانيين في وزارات بغداد ودوائرهاء مع وجهة نظر القوميين العرب”" في 
(1) من الضروري أن نشرح هنا ما يقصده المؤلف بالقوميين العرب, إنه يشير إلى تلك الطبقة من ناشئة 
الحكام العراقيين الذين استخدموا التعصب القومي والتظاهر بالحرص على مصالح العرب أمام 
الرأي العام في حين كانت صلاتهم بالمستعمرين وسلطات الاحتلال وثيقة جداً. هذه الطبقة التي 
ظهرت في العشرينات فكان منها الوزراء ورؤساء الحكومات وكبار الموظفين وألفت أحزاباً وكتلاً 
سياسية ونوادي» افتضح أمرها بعد الأربعينات وما عادت تستطيع التسربل بهذا الرداء. ومن 
الواجب التنبيه هنا بأن لا علاقة تربط هؤلاء بالحركات القومية والأفكار القومية التي استجدت في 
العالم العربي بعد (الحرب العالمية الثانية». لقد كان أهم مظهر اتخذه تعصب هؤلاء الذين- 


152 


رفضهم الاعتراف بأي حق في المساعدة لهؤلاء الكرد الذين أصروا أن يكونوا 
خارج الإطار السياسي الراهن» لو أعطى هذا المال لمجتمع دؤوب يحترم القانون 
والنظام إلى حد ما فإن نوعاً ما من الإدارة يستطيع أن يدبر أموره بفضله إلى فترة 
من الزمن. ولكن هناء في بلاد يجد تسعة أعشار سكانها واجبات المواطنة الصادقة 
فرضاً وعبئاً ثقيلآء يواجه الضابط السياسي مهمة عسيرة لا يمكن وصفها. وإذا 
وضعنا نصب أعيئنا زهد البريطانيين في حكم هذه البلادء فلا يبقى إلا الاختيار 
بين سياستين : إما أن يتخذ قرار من جانب واحد بدمج السليمانية وكركوك في 
الدولة العراقية شاء السكان أم أبواء وهذا سيكون نكثاً بالعهد وتخلياً عن 
الضمانات التي أعطيت في مجلس العموم البريطاني ومؤداها أن الكرد لن يرغموا 
على الخضوع لأية حكومة عربية. وثانيتهما: استبدال الحكم البريطاني المباشر 
بحكم غير مباشر عن طريق المجيء بشخصية كردية بارزة تستطيع نيل الثقة الشعبية 
والدعم العام وأن لا تكون بأي حال من الأحوال مستجيبة لدعاية التفرقة التركية 
التي كانت تجتذب بنوع خاص القرويين ورجال القبائل السذج ولو كان يوجد فرد 
من الأسرة البابانية حائز الصفات المطلوبة فقد يكون لاسمه أثر في توحيد العناصر 
الوطنية تحت لوائه» أكثر من أي شيخ قبلي. إلا أن عميد الأسرة البابانية الذي دُفع 
إلى زيارة السليمانية من موطنه في بغداد آنذاك» وجد أنه لا يعرف كلمة كردية 
واحدة وأنه مهتم بتأريخ أسرته الغابر أكثر من اهتمامه بسياسة الحاضر العملية. 


لذلك لم يكن بمستغرب في هذا الوضع أن نجد (غولد سمث) مضطراً إلى 
التوصية بإعادة الشيخ محمود إلى منصبه. أما رأبي الخاصء فإن الشيخ محمود لم 
يكن يرجى التفاهم معه بأي حالء وأنه كان علينا التوجه بأنظارنا إلى مرشح آخر 
ربما هو «سيد طه ابن شيخ محمد صديق»» حفيد الشيخ عبيد الله الشهيرء أمير 
شمدينان في تركيا الذي لم أقابله أنا شخصياًء إلا أن ضباطنا في رواندوز ضمنوا 


وقسوتهم في قمع انتفاضاته وحركاته المسلحة. (المترجم). 


1653 


تقاريرهم شيئاً عنه يشير إلى رجاحة عقله وعصرية آرائه وقد أبدى (نويل) عند 
عودته شكه الكبير في وجود أي حكمة في القرار المتخذ بإعادة رجل ثبت من 
تجارب الماضي أنه صعب القياد. ولكن منطق بعض الأشخاص رأى أن الرجل قد 
حفظ درسه. ولسرعة تعاقب الأحداث اضطررنا إلى القيام بذلك. 

كان معاون الضابط السياسي في حلبجة» يشغل منزلاً كبيراً يتخذه دائرة 
ومسكناًء وهو ملك لحامد بك الجاف حفيد عثمان باشا من زوجه الأولى» غير 
عادلة خان. وكان بعد ثورة 1919 قد أشغل لأغراض عسكرية ويقع في نهاية البلدة 
الغربية وبابه الأمامي يفضي إلى زقاق ضيق ويلوح من شرفته الخلفية في الطابق 
الأعلى منظر رائع مترام لا يعترضه عائق» حتى ينتهي بعد مسافة بعيدة بتلول 
شهرزور الأثرية. وأول ما أطلعني سلفي عند قدومي لتسلم واجباتي منه» أطلعني 
على باب صغير في جدار الحديقة الخلفية عمله سلفه (الذي خلف ليز 1©5) 
ليضمن له ممراً سريعاً للهروب إذا دخل (اللشكر) القادم من جبال (هه وره مان) 
الوعرة» ذلك الجيش الذي بدا وكأن ظله يحوم فوق المدينة فيهددها بخطر أزلي. 
إذ يدخلها ويحتلها من جهة الشرق. 

هذه الأوضاع التي كانت تواجهني عندما تسلمت الوظيفة الجديدة. 


154 


- 10 - 
الحدود التركية الفارسية (1639 - 1914) 


إن طول الحدود التركية - الإيرانية ابتداء من الخليج الفارسي”" حتى أرارات» 
يبلغ حوالي 1180 ميلاًء منها 700 ميل تمر ببلاد كردستان. وقد ورث العراق عن 
الإمبراطورية العثمانية حوالي (920) ميلاء من ضمنها (440) ميلا تمر في كردستان 
ولقد تأثرت الحياة السياسية والاقتصادية الكردية تأثراً عميقاً بوضع هذا الشعب 
على جانبي تلكم الحدود الدولية. وليس ثمة غنى للقارئ عن شيء من المعلومات 
المتعلقة بالنزاع الدبلوماسي بين الإمبراطوريتين لأجل أن يستوعب حديثي بشكل 
صحيحء ولهذه المعلومات فضلاً عن هذا جانبها الخاص الطريف الممتع. 

إن أقدم ما يعين تلك الحدود من الوثائق المحفوظة. هي المعاهدة المبرمة في 
(زهاب - زهاو) في العام 1639 إثر حملة السلطان مراد الرابع المظفرة على الشاه 
صفي الدين الأول. إن هذه المعاهدة هي أساساً مبنية على شروط فرضها السلطان 
سليمان القانوني في العام 1555؛ على الشاه الإيراني طهماسب الأول فرضاً. 
والنصان الفارسي والتركي مفقودان في أزمان غير معروفة قبل العام 1843» إلا أنه 
توجد نسخة تركية باقية إلى الآن في المكتبة الإمبراطورية بمديئة (فيينا) موقعة 
بختم الصدر الأعظمء ومن صيغة كتابتها يبدو أنها تصريح من جانب واحد أكثر 
منها معاهدة سلم عقب مفاوضات. وأن الكتاب الذي ألفه مؤتمن الملك (طهران 


(1) أي الخليج العربي. (المترجم). 


155 


8) ونشرته الحكومة الإيرانية بعنوان (2976 همورعم عتتصسع؟"ا! عل قائةها عل اأعنمع 82 
#عقهدناء ردم 15» «مجموعة معاهدات الإمبراطورية الفارسية مع البلاد الأجنبية» 
يغبت نصاً تركياً لما يعتبره معاهدة - مع ترجمة فارسية له» مذيلة بمذكرة أيضاً 
يذكر فيها أن هذه المعاهدة استعير نصها من الجهات التركية ودخلت ضمن 
المجموعة لفقدان النص الفارسي. على أن الثبت ليس إلا جزء مقتبساً من حجة 
التفويض بالتوقيع المؤرخة في (1640) وهي السنة التي تلت المعاهدة. 

إن ديباجة نسخة (قيينا) تستحق منا أن نوره نصها الكاملء. لتكون مثلاً 


للأسلوب الرشيق الفخم الذي اختاره النساخون الدبلوماسيون في الشرق الأوسط 
أيام حكم ملكنا شارل الأول7". 


«الحمد لله الرحمن الرحيم» مانح النصر والظفرء الذي فتح باب الصلح 
وأغلق بمفتاح القول: ليس أحب إليّ من الصلح والوثام. وبدد ظلام الحرب 
والقتال بنور السعادة والهناء» والصلاة والسلام - ما نشر الزهر عبيره» وما أشرق 
النور على الأيام - على نبيه الذي نشر الدين بحق مبين. وأبهج الإسلام ببعثه 
الميمؤة رصولا وهاديا. وغلن آله:وولده وصودة الختورية على شر زاية الذين» 

«ومن حيث أن إرادته ومشيئته جل جلاله الذي رفع بحكمته السماء من غير 
عمد وبقدرته التي وسعت كل شيء». الذي لم يكن له كفؤ أحدء ومن حيث أن 
حسن انتظام وبقاء الأمم مرتهنان بعدل الملوك وإنصافهم؛ وعلى تفاهمهم 
واتحادهم» بما لا يقل عن طاعتهم لمشيئته عزّ وجل بالسلب أو الإيجاب. ومن 
حيث إن عظمة السلاطين تطبيقاً لآيته الكريمة #وأطيعوا الله وتهادوا». قد جنحوا 
إلى السلم الذي هو مصدر السعادة في الحياة الدنياء ونبذوا العدوان والحرب» 
وأغمدوا سيف الخلاف في قرابه وعاد الوئام يسود الأمم التي احتربت 


(1) إن الترجمة المثبتة هنا هي التي أعدت خصيصاً للجنة أرضروم (1843 - 1848)» مع إجرائي بعض 
التعديلات فى العبارات والتنقيط والتهجئة. 


156 


واختصمت.» وهو «من فضل ربي» يؤني الملك من يشاء» وهو على كل شيء 
قدير. 


"ومن حيث إني أنا أحقر عبيده عزّ وجل قد خولت بالحل والعقد في كلما 
يهم المملكة والبلادء والتخير بين الحرب والصلح كما أشاءء وهي سلطة منحها 
لي مولاي الباديشاه الأعظم حامي حمى الدين» قرين سليمان الحكيم في الرفعة 
والجلال» وكيل الله في أرضهء الذي يصدق فيه القول سلطان عدل» ظل الله في 
أرضه مجير أعظم أمراء المسلمين» وملجأ أكبر ملوك الترك حامي حمى الإسلام» 
والمسلمينء مبيد الكفرة والملحدين سلطان البرين» خاقان البحرين» ملك 
المشرقين والمغربين» -خادم الحرمين الشريفين» كنز الأمم وإنسان عين الزمن حماه 
العلي القدير من كل سوء - جل جلاله الذي ترجو الأمم عونه؛ ذلك الذي فضله 
الله على سائر الناس بقدرته وعلاه (ألا فليدم نسل جلالته الشاهانية إلى أبد الآبدين 
ويمتد ملكه إلى دهر الداهرين) قد أمرت العساكر التركية المظفرة - بتفويض كامل 
وبصفتي الحقيقية نائباً ووكيلاً للسلطان - بالزحف من جنوب بغداد والتقدم لأجل 
دخول الحدود التركية. 

«ومن حيث إننا لما بلغنا المرحلة المسماة (الهارونية) قد وصلها أشرف 
الأشراف (شمس الدين محمد قلي بك) الأمير العظيم الخطير بتفويض السفارة. 
وبخط من ذلك الذي هو حلية عرش فارسء وبهاء مملكة جم (جمشيد) قرين 
داريوس العظيم» السيد الأكرم الدرة الثمينة في بحر الملك وشمس سماء السيادة» 
والصقر الأشرف في سموات المهابة الشاهانية وأجل الأمراء شأناً. ذلك الذي 
كانت جيوشه بعدد النجوم (ألا فليبق الله القديرء ألوية نصره وبيارق جيوشه ترتفع 
من الأرض إلى السماء؛ وتسمو عظمة مجده إلى قبلة الفلك العليا) موجه إلى 
باديشاهنا المعظم المفخم» وكذلك مزود بألطف رسالة لي. 

ومن حيث إن السفير المشار إليهء قد التَمَسنا إخماد نار الحرب وذر رمادها 
قائلاً إن إرادة جلالة الشاه هي الصفاء والصلح بين الطرفين. وأنا من جهتي أيضاً 


157 


قد رضيت بطيبة خاطر فى سبيل الصفاء وأمن البشر أن أعقد صلحاً عملا بآيات 
الله البينات وقوله: «وإن حبرا السك فا لها». 
ومن حيث إن كتاباً أرسل إلى الشاهء يتضمن قيام جلالته بإرسال شخص هو 
موضع ثقة» ومفوض بإبرام شروط الصلح المناسب والموافق لشرف وعظمة 
الدولتين. فعين الشاه حسب الأنظمة والقواعد المرعية - أعظم الأمناء سمو 
(صاروخان) للمفاوضة في شروط الصلح ولتعيين وتثبيت الحدود. (ألا فليوفقه 
الحظ في تصريف الأمور التي يتوقف عليها الهدوء والاستقرار). 
ولذلك. فعند وصول.(صاروخان) المعسكر السلطاني في (زه هاو)ء فإنه 
استقبل بأسمى فروض الإكرام والتجبيل وفي الرابع عشر من محرم للعام 1049 
لهجرة النبي(ص) - عقد اجتماع في ديوان المعسكر السلطاني حضره الوزراء 
المفخمون والميرميران» وأمراء العسكر والأغوات» وآغا الينجرية (الانكشارية) 
وستة من أغوات الكتائب وغير أولئك من القواد» وتقدم (صاروخان) المفوض 
المطلق الصلاحية ومعه (محمد قلي بك) وجرى البحث في التمهيدات 
والمقدمات» حتى يقام الوضع على أسس طيبة وأن نتائج المداولات التي جرت 
بين الفريقين قد تم تدوينها كما يلي...2. 
وإذا كانت المعاهدة ذات لهجة لطيفة» فإن كتاب التفويض التركي الذي ينعت 
الفريق (السامي المتعاقد الآخر) بذوي الرؤوس الحمر (قزلباش) أثناء تنويهه 
بمواضيع المفاوضة هي إهانة مقصودة واضحة. ومهما يكن من أمر فهو الوصف 
الذي جاءت به المعاهدة الرسمية» وإني سأثبت فيما يلي الترجمة الحرفية الخاصة 
بالموضوع منقولة عن (مجموعة المعاهدات...). 
«عن الحدود والأراضي الواقعة في جهة بغداد وأذربيجان» وهي. 
المواقع المسماة (بدره وجصان) يجب أن تضم إلى أراضيناء وأن 
بلدة مندلي حتى (ده ره ته نككك) الموضع الذي يدعى (سه رى 
مل) ثبت يكونه نهاية (ده ره ته نكك) والسهول الواقعة بين هذه 


158 


المواقع ستدخل ضمن أملاكنا. وإن قبيلة الجاف» والعشائر المسماة 
(ضياء الدين هارووني) ستكون لنا. وإن (بيره) و(زه ردوبي) ستبقى 
في الجهة الأخرى من الحدودء وأن يجري تخريب وهدم قلعة 
(زنجير) الواقعة في قمة الجبل» وأن تبقى القرى الواقعة إلى غرب 
القلعة المخربة المذكورة داخل ملكنا. وأما القرى الواقعة إلى 
الشرق فتعود إلى الجانب الآخر. وإن الجبل المتاخم لشهرزور 
الذي هو خلف قلعة (زه لم) فكل ما يقابل هذه القلعة منهء يحتله 
جلالة شاهنا. وإن قلعة (هه ورامان) مع القرى الملحقة بها أو التي 
هي جزء منها ستعود إلى الجانب المقابل» وإن جبل (جوغان) 
سيثبت حدوداً لشهرزورء وإن نهر قزلجة وروافده وقراه ستكون من 
ضمن ملكنا. وإن (مهربان) وملحقاته سيعود إلى الجانب المقابل 
(الموضع الثاني ذكر باسم قوتور وهي في أقصى الشمال يبعد أكثر 
من ثلاثماية ميل عن خط سير الحدود)». 


إن المواضع التي ذكرت في اتفاقية التصديق على المعاهدة» الواقعة ضمن 


المنطقة العراقية المحتلة قد بينا ما أمكن تحديده منهاء وفي الخريطة التي أثيتانها 
في آخر هذا الفصل. وجصان وبدرايا (بدرة) هما بلدتان عراقيتان مجاورتان 
لبشتكوه ولرستان تقعان في أقصى الجنوب. وبحسب ما ذكره (جيريكوف) (انظر 
حواشي الفصل العاشر) فإن منطقتي (ده رنه وده ره ته نكك) تنطبقان تقريباً على ما 
عرف بعدئكٍ ببشالق (زه هاو) ويحدها نهر سليمان من الشمال الغربي ورافده 
(زمكان) من الشمال الشرقي» ورافد ثان له هو (هلوان) من الجنوب الغربي» 
ويحده من الجنوب الشرقي خط يمتد شمالآء أو شرق الشمال مارا باسه رى مل) 
التي تبعد حوالي سبعة أميال عن (كرند) على طريق السلطانية إلى كرمنشاه. وكان 
(ده ره ته نككك) نفسها تقع بالقرب من قرية (رجب) الحالية على مدخل المضيق 
الذي ينفذ منه نهر (هلوان) من (زمكان) الجبال إلى السهل. وفي الخريطة التي 


189 


رسمها (راولنسن وفيلكس جونز) ملحقة بالوثيقة الثانية ترى زكمان على بعد ستة 
وعشرين ميلا بانحراف قليل نحو شرق الشمال إلى (سه رى مل) ومن قبيلتي 
الجاف اللتين ذكرتاء بقيت قبيلة هارووني بوصفها رابع أوسع بطن في العراق. إلا 
أن (ضياء الدين) لم يعد لها وجود بهذا الاسم. أما (بيره وزه ردويي) ففي تثبيت 
مكانيهما بعض الصعوبة» وهناك مقتبس من المعاهدة جاء في مؤلف إيراني قديم 
يذكر اسمي (ديره» وزه ردوبي). إن سهل (ديره) يقع على بعد حوالي عشرة أميال 
جنوب (سه ربلى وزه هاو) على الطريق العام (وبهذا يكون خارج حدود بشالق زه 
هاو التي مر ذكرها) ويقول جيريكوف وهو لا شك يعتمد على أسباب وجيهة"" إن 
(زه ردويي) هو اسم آخر ل(قه لاشاهين) وهي القلعة الواقعة على الضفة اليسرى 
من (هلوان) بالقرب من سهل (ديره). أما (قه لا زنجير) فهي معروفة وتقع على 
الخط بالمباشر ابتداء من (سه ري مل) حتى الموقع الذي ثبت فيه فليكس جونز 
(ده رنه) وأما قلعة (زه لم) والقرية المعروفة اليوم باسم (شارى هه ورامان) فهما 
على التوالي في ذرى الأطناف الغربية والشرقية من قطاع السلسلة الكبرى 
الهورمانية شمال شرق حلبجة. وقد بقي اسم قزلجة (عرفناه اسماً لنهر) يطلق على 
الناحية التي سميناها في زمننا (ينجوين) نسبة إلى السوق الكبيرة في القرية» حتى 
نهاية الحكم العثماني. و(مهربان) هي الصيغة الفازنسية القدَيْمة للكلمة الكردية (نة 
ريوان) ولم أتمكن من تثبيت موقع (جوغان)؛ على أن خريطة عتيقة رسمها العقيد 
وليامزء تثبت موقعها في منتصف الطريق بين بنجوين والسليمانية» وهو إثبات 
خاطئ إذ لا يمكن أن تكون إلا في موقع ما على خط الحدود بين بنجوين أو 
أسفين شليرء وبين (مه ريوان). 
وتختتم المعاهدة (نص فيينا) بما يلي : 
«وبناء عليه وبحسب السلطة الكاملة والتفويض المطلق كتبت هذه 


(1) ولكن نرانا نميل إلى التنويه بخصوص مرجعه - بأن المقصود هو أراضي قبائل (زه ردوبي) الذين ما 
زالوا يحتلون مجموعة من القرى إلى جنوب سيروان ما بين (زمكان) و(شاهو). 


150 


المعاهدة الميمونة وأرسلتها إلى عظمة الشاه وإلى جلالة باديشاهنا 
.الأفخم وإن الشاه سيبقى أميناً على حرفية المعاهدة كما هو 
مفروض وواجبء وعملاً بأحكام الآية الكريمة #وأوفوا بالعهد إن 
العهد كان مسؤولا» وإن جلالة سلطاننا وباديشاهنا المعظم 
سيتمسك بنص الحديث النبوي الشريف «حافظوا على العهد فهو 
أمر واجب» وسيبقى هذا الصلح السعيد بإذن الله حتى يوم يبعثون 
وكل من ينقضه أو يخالفه بعد أن يصل إليه علمهء فهو والله لإثم 
عظيم يقع على أولئك الذين ينقضونه». 


وكانت الأعمال العدوانية تتجدد باستمرار رغم مظهر المشاعر الصادقة المعبر 
عنها بمثل هذه البلاغة والثقة العالية المودعة فى هذا المعهد المقدس. فتنشب 
الحرب كلما شعر أحد الطرفين بقوة كافية للمبادرة إليها. ولم ينقطع النزاع 
العسكري إلا لفترة تسمح بإبرام معاهدة جديدة لتستأنف الحرب بعدهاء فعقدت 
معاهدة في همدان السنة 1727» وأخرى في الأستانة السنئة 1736 وثالثة في موغان 
السنة 1746 ورابعة في أرضروم السنة 1827 ونذكر من بينها معاهدة 1746 بشكل 
خاص وهى التى أيدت الحدود المرسومة فى معاهدة 1639 وقد أبرمت فى عهد 
«الملك الغازي السلطان مراد الرابع الذي يسقى الآن سلسبيل الجنة» (لم يذكر 
شيء عن وضع صفي الدين المسكين!) كذلك أيدت معاهدة 1823 نصوص 
معاهدة 1746 بخصوص الحدود القديمة للدولتين» ونشبت سلسلة من الاشتباكات 
خلال السنوات 1833 - 1842 كادت تؤدي بالدولتين إلى حرب رسمية. ففي العام 
3 أغار الإيرانيون على تخوم تركيا حتى (بايزيد). وفي العام 1835 أغار كرد 
(وان) على (قتور) وأعمل (محمد باشا)”" أمير رواندوز السيف في رقاب أهل 
(1) محمد باشا كور أمير رواندوزء ويلقب بالأمير الكبير. استولى على حكم هذه الإمارة 1810. كان 

على جانب عظيم من الدهاء وسداد الرأي وقوة العزيمة وأخضع الإمارات المجاورة له كإمارتي 


(شيروان) و(برادوست) وفي العام 0 أعلن استقلاله عن الحكم العثماني واستولى على أربيل- 


1941 


(مير كّه سور) في إيران وأشعل فيها النارء وفي العام 1837 أحرق باشا بغداد بلدة 
المحمرة”" وذبح أهاليها. وفي العام 1840 احتلت السليمانية حملة إيرانية ولم تبق 
فيها طويلاً» وفي العام 1842 هاجمت قوة من السليمانية والي أردلان ووقعت 
حوادث أخرى مشابهة ولكنها أقل أهمية. 

إن التأريخ الحديث لهذا النزاع يبدأ بقبول الدولتين وساطة روسيا وبريطانيا 
العظمى التي كان يمثلها في الأستانة سر ستراتفورد كاننغ عهنههةن) 51:3]050 وفي 
العام 1843 تألفت لجنة من هذه الدول الأربع والتأم شملها في (أرضروم) وكان 
(ميرزا تقي خان) يمثل إيران و(أنور أفندي) يمثل تركيا والعقيد فنويك ويليامز 
كسدنلاة/8 علوزبومه1 (الذي اشتهر أمره في حرب القرم يبلائه في الدفاع عن قارص) 
يمثل إنكلتراء والعقيد دينيسه 56ههنه2 يمثل روسيا. ثم التحق القس روبرت كرزن 
بالممثل البريطاني ويليامز. وهو مؤلف كتاب شهير باسم «زيارات لديارات في 
الشرق؟ وكان انضمامه فى الأشهر الأولى بصفة عضو لجنة مشارك». وسجل 
مشاهداته في كتاسب ثان لد نوات : «أرمينيا: عام واحد في أرضروم وعلى نحدود 
روسيا وتركيا وإيران»'7. وكان المترجم الإنكليزي هو (ج.س. ردهاوس .1.5 
أدناه 260 ) الذي بقي معجمه التركي - الإنكليزي هو المعجم المعتمد الرئيس حتى 
قيام الإصلاح اللغوي التركي أيام مصطفى كمال. 


-بعد حصار طويل ثم استولى على التون كويري حتى اتسعت مملكته إلى الزاب الأسفل. واضطر 
والي بغداد علي رضا باشا إلى الاعتراف رسمياً بحكمه وأنعم عليه الباب العالي بلقب الباشوية. إلا 
أنه أوقع المذبحة العظيمة المعروفة باليزيدية بتحريض من العثمانيين في مشارف الموصل فكانت 
وصمة عار له. كذلك استولى على عقرة والعمادية. وقد جردت عليه الحكومة العثمانية جيشاً - 
بقيادة رشيد باشاء ووالي الموصل اينجه بيرقدار وقد آثر كور باشا إعلان طاعته على قبول المعركة 
فأخذ إلى الأستانة أسيراً مكرماً وتضاربت الأقوال فى شكل موته أو قتله وموضعهء إلا أن ذلك كان 
في العام 1836م. (المترجم). 

(1) هي خرمشهر الحالية. 

(2) لا شك في أنها الحادثة التي أشار إليها الشيخ رضا الطالباني في قصيدته المنشورة آنفاً. 

(3) طبع في لندن: 1854. 


102 


ولم يأت «كرزن» إلى وصف مجرى المفاوضات. لكن الذي يتضح من 
الروايات والمصادر المختلفة غير الرسمية» فضلاً عن وقائع الجلساتء أن مندوبي 
الدولتين الوسيطتين عانوا وقتا عصيباً. فقد كادت المباحثئات التمهيدية تنبت من 
أول اجتماع بورود أنباء مذبحة الشيعة في كربلاء» حيث زعموا أن (22000) إيراني 
فقدوا حياتهم فيها. واكانت المباحثات تستطيل وتتعثر بكل ما يخطر بالبال من 
عراقيل يضعها الترك بصورة خاصة» أمام المندوبين» في حين كان ادعاء الطرف 
الآخر بأن حدود مملكتهم معروفة ثابتة «منذ أيام آفراسياب» (وهو شخصية 
أسطورية في الملاحم الإيرانية لا وجود حقيقي لها) يدل على تعنت مقصود في 
معالجة المسألة ووصفت أعمال الوسطاء «بأنها نضال مستمر لإبقاء الوئام والهدوء 
مستتباً وشرح أبسط القواعد والمعاملات لزملائنا». وفي أيار. وبعد ثلاثة 
اجتماعات» اتضح أن الصلاحيات المعطاة لكل من الطرفين المتنازعين كانت قد 
صيغت بشكل لا يمكن معه تحقيق أي تقدم. فانقطعت المفاوضات خمسة أشهر 
انتظاراً لوصول كتب تفويض منقحة» وعندما وصلت وجد أنها لا تفضل سابقتها 
بكثير. فقد رسم لكل مندوب مفوض «أن يطلب من الطرف الآخر التسليم له 
بحقوقه دون قيد أو شرط» ولكن لم يزود أي منهما بصلاحيات حقيقية للتفاوض» 
زد على ما تقدم فإن الحكومة الإيرانية أصرت على أن لا تتم أية تسوية بشكل 
نهائي إلا بعد تعويض مناسب «عن حادث كربلاء المريع». مع هذاء واصل 
الوسطاء النضال. وفي فصل الصيف استقدم الترك (الشيخ ثامر) من قبيلة (كعب) 
العربية الذي يرابط على ضفاف شط العرب. ليدلي بشهادة لصالحهم فاعترض 
(ميرزا تقي) على سماعه مدعياً أن «هذه القبيلة كانت منذ زمن نوح! خاضعة 
كالعبد الرقيق لإيران وأنها لم ترتبط بتركية مطلقاً»! وألح الوسطاء فتقدم للشهادة 
في الجلسة الثامنة المؤرخة في كانون الثاني إلا أن نفور المندوب الإيراني كان 
كبيراً عند رؤيته الشيخ مع عضو استئناف البصرة عبد القادر أفندي» «وإن الحماسة 
العربية:لهذين الأخيرين» أحدثت شيئاً من الاضطراب وكانت الأجوبة والأسئلة 


153 


تتلاحق متداخلة بعضها ببعض» وفي وسط هذه المقاطعات تعذر على المرء أن 
0005-5 
ومرة قامت السلطات المحلية في أرضروم بدفع آلاف من الغوغاء السنية 
لمهاجمة مقر الوفد الإيراني فحوصر عدة ساعات» رغم الإجراءات الفعالة التي 
اتخذها (ويليامز) مخاطراً بحياته» ورغم مجهوداته في إقناع الوالي بصد الغوغاء 
وفي اليوم نفسه عمد قصاب إلى ذبح سكرتير (ميرزا تقي) ذبحاً وحشياً في منطقة 
أخرى من المديئة. 
واستمرت المفاوضات في أرضروم وأوروبا رغم هذه العقبات» ورغم وقوع 
مثل هذه الحوادث الكفيلة بتجديد الحرب التي ما اجتمعت اللجنة إلا لتفاديها 
وأخيراً تم التوقيع على معاهدة أرضروم الثانية في 31 أيار 1847. وعلينا أن نثبت 
هنا المواد الخاصة بالحدود كاملة: 
المادة الثانية : تتعهد الحكومة الإيرانية بأن تتنازل للحكومة العثمانية 
عن كل الأراضي المنخفضة» وبكلمة أخرى الأراضي الواقعة في 
القسم الغربي من منطقة (زه هاو) وتتعهد الحكومة العثمانية أن تبقي 
للحكومة الإيرانية كل الجزء الشرقي من المنطقة المشار إليها أي 
القسم الجبلي وبضمنه وادي (كرند). وأن تتخلى الحكومة الإيرانية 
عن كل مطلب لها في مدينة وإقليم السليمانية» وتتعهد رسمياً بأن 
لا تتدخل وأن لا تعتدي على حقوق سيادة الحكومة العثمانية في 
الإقليم المشار إليه» وتعترف الحكومة العثمانية رسمياً بسيادة 


(1) هذه الفقرة أوردها المؤلف بنصها الفرنسي فترجمناها كما جاءت معتمدين على المؤلف دون 
الرجوع إلى الأصل. (المترجم). 

(2) تجنباً للإشكال سنشير إلى أول معاهدة أبرمت في أرضروم بتاريخ توقيعها فحسب. إن الترجمة 
الإنكليزية للمعاهدة الثانية التي أثبتناها هناء هي الترجمة الخاصة بعصبة الأمم نقلت عن «النص 
المطابق الفرنسي؟ الذي عمله (ردهاوس) وزميله الروسي. 


144 


الحكومة الإيرانية المطلقة على مدينة المحمرة ومينائها على جزيرة 

(خزر)”" وعلى المرافئ والسواحل الواقعة على الضفة الشرقية 

اليسرى من شط العرب التي تسكنها قبائل منتمية إلى إيران» 

وكذلك يكون للسفن الإيرانية الحق في الملاحة بدون أجر أو عائق 

في شط العرب من فمه إلى نقطة اتصاله بحدود الطرفين. 

المادة الثالثة: إن الطرفين المتعاقدين بعد أن تنازلا بهذه المعاهدة 

عن كل مطالبهما الإقليمية الأخرى - يتعهدان بتعيين مندوبين 

ومهندسين يمثلونهما ويقومون مقامهما لغرض تثبيت الحدود بين 

الدولتين بموجب المادة السابقة. 

المادة التاسعة: إن سائر نصوص ومواد المعاهدات السابقة ولا 

سيما تلك التي وردت في معاهدة أرضروم (1238ه/ 1823م): مما 

لم يلغ صراحة بهذه المعاهدة أو يعدل - تبقى على ما هي بالنسبة 

إلى كل مادة أو شرط كما لو أعيد تثبيتها في هذه المعاهدة بكاملها. 

إن الدولتين المتعاقدتين الساميتين اتفقتا على قبول نصوص هذه 

المعاهدة بعد تبادلهاء وأن توقعاها. وسيتم تبادل النسخ المصدقة 

منها خلال شهرين أو أقل. 

وفي آخر لحظة رفضت الحكومة العثمانية تخويل ممثلها حق التوقيع إلا بعد 

أخذ تأكيدات بخصوص المعنى الدقيق لمواد معينة» فقدمت التأكيدات المطلوبة 
في (مذكرة إيضاحية) موجهة إلى الباب العالي من سفيري روسيا ويريطانيا في 
الأستانة. وأوضحت بخصوص الحدود النهرية أن عبارة الرسو فى المحمرة إنما 
يقصد به الرسو في نهر (كارون) إلى مسافة تبعد قليلاً من نقطة اندماجه بشط 
العرب لا الرسو في شط العرب بالذات. ولم تسلم المذكرة للإيرانيين إلا يعد 


(1) تعرف عموماً باسم جزيرة عبادان. 


155 


بضعة أشهر»ء ولم يثر موضوع السيادة على النهر أثناء المفاوضات وإنما طرح أحد 
أمرين إما: (1) قناة الكارون القديمة المؤدية إلى (خاور موس) التي تبعد عن النهر 
ما بين ثلائين وأربعين ميلاً شرقاً - وهو خط يقسم جزيرة (خزر) نصفين - وإما: 
(2) الحدود الفعلية على طول الضفة اليسرى. ويصف (السر آ.ه. لايارد .11.8 
لمةجم]) الذي عين فيما بعد سفيراً لدى الباب العالي في كتاب سيرته”!؟ كيف كلفه 
(سير ستراتفورد كاننغ) شخصياً بإعداد تقرير خاص عن هذا القطاع من الحدود 
أيام كان فتى يافعاً. لكن كثير الخبرة بعد قيامه برحلات هامة وصفها في كتابه 
«المغامرات الأولى2". فاقترح في تقريره الأخذ بثاني البديلين لأنه خط ثابت جداً 
من ناحية تاريخ العهود الملكية ومن ناحية العدالة» فوافق (كاننغ) على اقتراحه 
ولكن اللورد أبردين”" «مهفءءطه 4ءم1 الذي كان يريد تهدئة الدولة الوسيطة الثانية 
(روسيا)» نزل عند الإلحاح الروسي وتغلب البديل الثالث الذي كان الأصلح 
لإيران» مما أدى إلى سخط السفير الشديد. 

هناك تعديل آخر لخط حدود 1639 أصلح لإيران في هذه المعاهدة. وهو أن 
(زه هاو) عوضا عن تركها لتركيا برمتها حتى (سه رى بل) انقسمت الآن بخط 
جديد يميل غرباً ميلاناً كبيراً. إلا أن الدولتين الوسيطتين لم تنته متاعبهما عند هذاء 
فقد اضطرتا إلى ممارسة ضغط دبلوماسي شديد لحمل السفير الإيراني في باريس 


(1) السيرا. هنري لايارد (سيرة ورسائل)» طبع لندن 3 .. سير أوستن هنري لايارد (1817 - 1894) 
كاتب ودبلوماسي ومنقب نينوى الشهير قضى معظم سني شبابه وكهولته يستخرج آثار نينوى 
ويدرسها ويصدر بتتائج تنقيباته الكتب الأركيولوجية التي أحدثت ضجة في عالم التنقيب الأثري. 
أصبح نائباً في مجلس العموم البريطاني 1852. وتولى منصب مساعد وكيل وزارة الخارجية فترة 
قصيرة. ثم تولى المنصب نفسه فترة أخرى. وتولى عدة مناصب إدارية مهمة فيما بين 1861 - 1866. 
ثم عين أميناً للمتحف البريطاني 1869. أرسل إلى مدريد مبعوثاً فوق العادة. وفي سنة 1877 عين 
سفيراً لبريطانيا لدى الباب العالي. وبعدها تقاعد حتى أدركته الوفاة. (المترجم). 

(2) المغامرات الأولى في بلاد العجم وسوسيان (سوسه) وبايل - طبع لندن 1887. 

)3( جورج غوردن أبردين (1784 - 1860) واحد من أشهر وزراء الخارجية البريطانيين وممن كانت لهم 
اليد الطولى في رسم سياسة بريطانيا خلال القرن التاسع عشر. (المترجم). 


1566 


- رغم مكاسب حكومته الهامة من المعاهدة - على السفر إلى الأستانة ليقوم 
بمراسيم التصديق. وأخيراً تم ذلك وتبودلت وثائقه في 21 آذار 1848 أي بعد عشرة 
أشهر من توقيع المندوبين» بدلاً من الشهرين الذين نص عليهما في المعاهدة. 
إن هيثة الفنيين لتثبيت الحدود التي نصت عليها المادة الثالثة من المعاهدة 

تألفت من العقيد (ويليامز) أيضاً عن بريطانيا العظمى» و(ميرزا جعفر خان) عن 
إيران و(درويش باشا) عن تركيا والعقيد (جيريكوف) عن روسيا. وإنك لتجد نغمة 
حديثة في العبارة التالية المقتبسة من كتاب - تعليمات سير ستراتفورد كاننغ الموجه 
إلى ويليامز.. 

«إن الأعمال... يجب أن يتوخى فيها مصلحة السكان العديدين 

المنتشرين فوق قمم الجبال المترامية والسهول الرحيبة التي سيمر 

خلالها خط الحدود ومن المعقول جداً أن يتوقع قيامها بوضع أسس 

تقدم اجتماعي كبير سيتسرب بالتدريج إلى سكان هذه البلاد البرايرة. 

البعيدين عن المدنية» كما ستساهم مساهمة فعالة في حفظ الأمن». 

ويختم كتابه بنبوءة عفوية:. «وأختتم الموضوع هناء بأمل الواثق من 

أن الفوز الذي توج مفاوضاتك في أرضروم أخيراء سوف يبلغ بك 

مراقي النجاح في مهمتك الحالية بعد فترة أقصر مما قضيت قبلاً 

بسبب أحداث لم يكن بالإمكان اجتنابها». 

لقد هدد الفشل عمل الهيئة تهديداً خطيراً قبل اجتماعها. فدرويش باشا الذي 

كان يفترض فيه أن يلحق بزملائه في الموصل من الأستانة. عرج إلى (قتور) على 
رأس قوة مسلحة. وطرد الإدارة الإيرانية منها وترك فيها حامية من الجيش النظامي 
ووضع أسس بنايات الثكنات العسكرية. وبنى «دعامات حدوده» إلى مسافة لا تزيد 
عن 6 أو 7 أميال من بلدة (كوي) ونقش كتابة عليها تدل على إلحاق هذه المنطقة 
بتركية اعتباراً من ذلك التاريخ. وكانت هذه الواقعة أول حلقة من سلسلة «تهديدات 
سيئة منعزلة» استمر فيها المندوب التركي طوال بضع سنوات وهو يقوم بمهمته. 


157 


والتأم شمل الممثلين في بغداد خلال حزيران 1849. لكنهم لم.يحاولوا البدء 
في مهمتهم في المحمرة حتى كانون الثاني 21850 وللمرة الثانية عادت (روح 
المشاكسة والخداع وغمط الحقوق» تحيط بكل محاولة تقدم للمفاوضات» 
وأحصى سر ستراتفورد كاننغ ثلاثة أسابيع فقط من فترة السنتين الأوليين» جرت 
فيها عمليات تثبيت الحدود فعلاً. وقضى المندوبون البريطاني والروسي والإيراني 
صيف العام 1850 في وديان (منكارا) بلرستان البعيدة”'' مع أنه كان ثمة أمكنة كثيرة 
في منطقة: الحدود نفسها ألطف مناخاً وأجمل مناظر. أما درويش باشا فقد اعتزل 
في منطقة (بدرة) غير الصحية الواقعة على الحدود في السهل. وانتقل المندوبان 
البريطاني والروسي إلى (كرند) في نيسان 1851», ثم ارتحلا إلى (سنه) لقضاء 
الصيف. وفي كتاب «أسفار وتنقيبات في بلاد كلده وسوسين2© الذي ألفه (و.ك. 
لوفتوس 101805 ..98) الجيولوجي والعضو في الوفد البريطاني الذي قضى فصل 
الشتاء كله مستكشفاً مواقع أثرية في الفرات الأسفل وفي منطقة (شوش) يصف 
كيف أن وليامز كان يدير التنقيبات بنفسه في تل شوش العظيم لمدة شهر كامل. إن 
عجز المندوبين الوسطاء عن الوصول بالطرفين إلى الاتفاق على أي اقتراح من 
مقترحاتهم أدى بهم إلى تغيير خطتهم. واقتصرت أعمال الهيئة المنتدبة أولاً على 
مسح حزام من الأرض كانت الحدود داخلة فيه» دون أن تنظر في تثبيت خط 
الحدود نفسه. وفي المناقشات التي جرت بعد ذلك من المهم أن نذكر قبول 
الإيرانيين بتحفظ - في مرحلة ما من المفاوضات - الخط السائر بمحاذاة الضفة 
اليسرى لشط العرب ابتداء من مصبه في البحر جتى نقطة تبعد بمسافة إلى الشمال 


(1) عادوا ليجتمعرا في (منكارا) مع آرثر ماكمورو كافانا طودهة:2ع1 طوناهجن7192616 عساطارة لمدة 
أربعة أشهر (وكافانا هو الإيرلندي الشهير الذي أصبح فيما بعد عضواً لمجلس العموم لمنطقة 
(كارلو) وكان قد ولد بدون ذراعين أو ساقين) انظر مقالي (رحلات آرثر ماكمورو كافانا في 
كردستان ولرستان 1850) نشر فى مجلة «جمعية أواسط آسيا الملكية» مجلد 36 سنة 11949. 

(2) طبع في لندن 1857. 


158 


عن مصب رافده الكارون. وبهذا ترك الشط كله داخل الحدود التركية. لكن الترك 
رفضوا. وانقطعت أعمال اللجنة بسبب حرب القرم (1854 - 1856) والحرب 
الإنكليزية الإيرانية (1856 - 1857). وشاء سوء الحظ أن يفقد العقيد ويليامز يومياته 
وتعليقاته الخاصة وهو على ظهر الباخرة في نهر (التايمس) عند وصوله بلاده. 


بعد نهاية الحربين وفي العام 1857 اجتمع المساحون الروس والبريطانيون في 
بطرسبورغ لرسم الخرائط على ضوء المعلومات والمواد التي جمعوها في الأعوام 
0 - 1852» وانتهوا مما اجتمعوا لأجله في العام 1865» وعندما قورنت 
مجموعتا الجهتين تبين لأول مرة» وجود كثير من العثرات والاضطراب فيها 
فاضطروا إلى عقد اجتماع ثان لإزالتها. ومرت أربع سنوات أخرى قبل أن تعد 
خريطة جديدة أطلق عليها اسم الخارطة الموحدة عدوناهه1 6نبهه لتجري 
المداولات بين الطرفين المتنازعين على ضوئها. ووافقت إيران بدون تحفظ على 
تثبيت خط الحدود كما وضعه الوسطاء في المنطقة التي عملت بها هذه الخريطة» 
إلا أن تركيا لم تعرب عن موافقتها الرسمية إلا في العام 1875. 


وفي تلك الأثناء أدت نزاعات أخرى بين الطرفين» إلى التفاوض في مؤتمر 
آخر (عقد في 3 آب 1869) على أساس مراعاة «الوضع السابق الذي تم الوصول 
إليه وقت إجراء تحقيقات مندوبي الدول الأربع» ولم يكن هذا المؤتمر يمتاز عن 
سابقيه» والواقع أنه «كان مادة جديدة للخلاف لأن الوضع السابق الذي ذكر هناء 
كان كل طرف من الطرفين يقيمه بشكل مختلف». وفي العام 1874 اجتمعت لجنة 
تركية إيرانية خالصة في الأستانة» ولكن المفاوضات انقظعت في الحال تقريباً فقد 
تمسك الإيرانيون بالمادة الثالثة من معاهدة أرضروم وأصروا على إعادة الوضع 
السابق للعام 1847 أي بخصوص كل أجزاء الحدود التي لم تذكر في المادة الثانية. 
فى حين تشبث الترك بالمادة التاسعة (كما فعلوا ودأبوا على فعله مرة بعد أخرى 
0 2) مطالبين بتطبيق معاهدة 21823 أعني خط حدود السلطان مراد 
الرابع للعام 1639. وانضم إلى اللجنة كل من سير كيمبل 00 .4 والعقيد 


199 


زلموي :سام بمثابة وسيطين» فأيدا أعمال التحكيم للعام 1850 آخذين بوجهة 
النظر الإيرانية في أن المادة الثالثة. تختص بالحدودء وأن المادة التاسعة لا علاقة 
لها بالموضوع. وبعد كثير من الإخفاق راحث اللجنة تتقدم بعض الشيء عندما 
سبب اندلاع الحرب الروسية - التركية 1876 وقف عمل اللجنة. 


وظلت إيران خلال هذه السنين تناشد الدولتين الوسيطتين باستمرار وضع حد 
لخرق المعاهدة المتواصل وكان استمرار احتلال الترك (قتور) حجر عثرة مزمناً 
كؤوداً يحول دون إتمام كل شكل من أشكال التفاهم. لقد كان قائد الحامية التركية 
صاحبة اعتداء 1876» هو الضابط البريطاني الرائد فردريك مللنجن 6معله5 
معو ه:ن141!1 مؤلف كتاب «حياة طليقة بين الكرد 100:05 5ه عددسصف عكنآ 17/110» (ط. 
لندن 1870) ويظهر في الخريطة التي صدر بها الكتاب» نتوء شرقي كبير في خط 
الحدود يمتد إلى أبعد (من كوي) والظاهر أنه خط (درويش باشا) للعام 21849 أن 
كلا من معاهدتي (سان ستفانو) و(برلين): 1878”'"» تحتويان على نصوص تدعو 
تركيا إلى إخلاء (قتور) وفي العام 1880 حددت لجنة أنكلو - روسية مختلطة خط 
الحدود في بروتوكول لكنها لم تثبتها موقعياً. وبقيت الحامية التركية على كل جال. 
ومن الغريب أن نرى اعتداء الجانب الآخر على الحدود المقررة في 1823 
والقاضية بشكل واضح بانسحاب الإيرانيين من النصف الغربي من (زه هاو) الذي 
احتلته في العام 1821» فمع اتفاق أرضروم ظل هذا النصف في حوزتهم - منذ أن 
قام نائب الملك في كرمنشاه بإعلان الحرب دون علم أبيه (الشاه فتح علي) © 
واحتله 1821. وهكذا بقيت الحدود الفعلية لعدة سنين خط نهر سيروان نفسه. 


(1) سان ستيفانو: معاهدة بين روسيا وتركيا وقعت على إثر حرب بينهما في 3 آذار 1878. قضت أهم 
بنودها بخلق بلغاريا كبيرة تمتد حتى مقدونيا. وتوسيع مملكتي الجبل الأسود وصربيا. إلا أن الدول 
العظمى - النمسا والمجرء ألمانياء إنكلتراء فرنساء اضطرت روسيا إلى العودة إلى روح 
الاتفاقيات القديمة. وفي مؤتمر برلين أرغمت روسيا إلى العدول عن تلك المعاهدة. وعليه عقدت 
معاهدة برلين 1878 كبديل للأول. (المترجم). 

(2) ولد في العام 1771 وحكم (1797 - 1834) بعد اغتيال عمه آغا محمد شاه وهو من الأسرة- 


200 


إن «علامة الحدود» التالية هي «بروتوكول طهران» المبرم في 21 كانون الأول 
1 الذي تم التفاوض عليه بين الطرفين دون وسيط». ونص على تأليف لجنة 
لتعيين حدود مختلطة جديدة ورسم أن تعمل وفق أسس معاهدة أرضروم 
(1263ه/ 1847م) وأن ترفع كل نقاط الخلاف إلى محكمة العدل الدولية في 
لاهاي. وعقد في الأستانة ثماني عشرة جلسة امتدت من آذار حتى آب 1912 دون 
نتائج تذكر» وتدخل مرة أخرى سفيرا الدولتين الوسيطتين وابتدأ التدخل بمذكرة 
روسية شرح فيها وجهة نظر الحكومة حول الخط الصحيح في معظم امتداده؛ 
وأكد السفير أن للترك بشكل خاص «ضرورة تطبيق المواد - في الحال وبدون 
تأخير - وهذا يعادل إعادة الوضغ إلى ما كان عليه في العام 1848» وفي تموز 1913 
تمكن (سير إدوارد كري)”" من إقناع (حقي باشا) أثناء زيارته ممثلاً للباب العالي»: 
يبحث عدد من المسائل الهامة من ضمنها الموافقة على خط حدود في أقصى 
الجنوب أفضل بكثير لإيران من أي خط كانت حكومته مستعدة للاعتراف به لحد 
تأريخه. 

وأدت تلك المفاوضات الرباعية إلى التوقيع على بروتوكول آخر في الرابع من 
تشرين الثاني في الأستانة من ممثلي الحكومات الأربع» تضمن وصف خط 
الحدود بتفصيل كبير فبالنسبة إلى (قتور) أيّد بروتوكول العام 1880. أما بالنسبة إلى 
قطاع (هه وره مان) شرق حلبجة فكان ثمة انحراف واضح عن التثبيت السابق 
للعام 1848. وتقرر فيه أيضاً أن يقبل بوضع الحدود الفعلي حتى العام 1905.وكان 
كل هذا غنم لإيران. 


-القاجارية. أصبحت إيران في زمنه وبسبب موقعها على طريق الهند موضع تنافس في الصراع 
الدائر على الشرق والهند بين دول أوروبا الكبرى» فرنساء إنكلتراء روسيا. (المترجم). 

(1) بره© مم8 ءز5 (1862 - 1933) سياسي إنكليزي بدأ حياته السياسية نائباً في مجلس العموم 
البريطاني ثم مساعد وزير الخارجية ثم وزيراً للخارجية منه 1905 حتى 21916 ويعزى إليه بصورة 
خاصة نجاح المفاوضات التي عقبت حرب البلقان 1912 - 1913 وختمت بمعاهدة لندن. 
(المترجم). 


201 


وصودق أيضاً على اتفاق (كري - حقي) حول الحدود الجنوبية» الذي أعطى 
إيران حق الرسو مجدداً في شط العرب. ذلك الساحل الذي يمتد إلى شمال 
وجنوب مصب الكارون (تأكيداً لمعاهدة أرضروم). وقرر تأليف لجنة تثبيت حدود 
مؤلفة من ممثلي الحكومات الأربع بالإضافة إلى واجباتها في تثبيت الحدود 
موقعياً. وأوكل إليها مهمة تثبيت الوضع الذي كان سائداً في العام 1848 لهذه 
الأجزاء من الحدود مما لم يجر تحديده بشكل دقيق في البروتوكول”” قرر أن 
يخول المندوبون البريطانيون والروس صلاحيات تحكيم للفصل في كل هذه 
النزاعات. وإنه حالما يجري تثبيت أي قطاع من الحدود فإن ذلك القطاع يجب أن 
يعتبر ثابتاً ومعيناً بشكل لا يقبل تحوير. إن حكاية هذه اللجنة يرويها (هوبارد 
عهططنة.) في كتابه” فيذكر أن العمل بدأ في كانون 1914 مبتدأ بشط العرب ومنتهياً 
بأرارات في تشرين الثاني (أي قبيل اندلاع الحرب العظمى الأولى ببضعة أسابيع) 
وإن محاضر جلسات اللجنة فضلا عن إسهابها في وصف خط الحدودء عينت 
المواقع الجغرافية المتناظرة» ووصفت كل قطب (دعامة) حدود منصوب. وثبتت 
حقوق الماء والرعي أيضاً في عدة مناطق. وخصوصاً عندما يكون أساساً لادعاء 
بملكية منازع عليها. وعلى العموم وجد أن الاعتداءات التركية على الحدود؛ 
وقعت في الشمال» أما الاعتداءات الإيرانية فقد كانت في الجنوب (ومن ثم دول 
العراق التي ورثتها). وفي (قتور) وقف المندوب التركي موقفاً صلباً عنيداً حتى أن 


(1) ولهذا الغرض كانت اللجنة ترجع إلى يوميات (جيريكوف ودرويش باشا) وسكرتير هذا الأخير 
(خورشيد أفندي) إضافة إلى تحقيقاتها المحلية. ولا تتيسر لنا شواهد. من الجانب الإنكليزي 
بسبب روح التشاؤم الذي نوهنا بها. 

(2) المندوب الإنكليزي (أ.س. راتيسلو 780512 .©.4) وهو الموظف الأقدم في الدائرة القنصلية 
الشرقية التي أنتمي أنا إليها. ابتلي بالمرض أثناء العمل» فخلفه تائبه (أ.ت. ويلسن). إن (راتيسلو) 
لم يتطرق إلى أعمال اللجنة في كتابه «قنصل في المشرق» (لندن 1924). وأما المندوب الروسي 
فهو (ف. مينورسكي) الموظف في السلك الدبلوماسي الروسي الإمبراطوري» وسيظهر اسمه في 
هذه الصفحات كثيراً. 


202 


اللجنة اضطرت نظراً إلى زيادة التوتر السياسي في أوروبا إلى تأجيل نصب دعامات 
الحدود فعلاً في هذا القطاع الصغير انتظاراً لمناسبة ملائمة. 

ومنذ العام 1915 فصاعداً أثناء ما كانت الجيوش البريطانية تزحف من البصرة 
شمالاًء أخذت سلطات الاحتلال على عاتقها مسؤولية الإدارة حتى خط الحدود 
المثبت حديثاً ومن الجهة الأخرى أظهرت الجمهورية التركية الجديدة بعد 
الحرب» أنها ليست بأقل عناداً من سلفها الدولة العثمانية فردت على المطالب 
الإيرانية بخصوص احترام الاتفاقية - بتصريح جريء هو أن بروتوكول العام 1913 
دلا يمكن اعتباره وثيقة سياسية معترفا بها ما دام بقي غير مقترن بموافقة مجلس 
المبعوثان ومصادقة السلطان». وإزاء احتمال مواجهة الحكومة الإيرانية أسوأ ما في 
الأمرين» قررت تعديل موقفها التقليدي ومالت إلى التسوية المتفق عليها متبعة 
الخطى التركية. 

وبعد أن أكمل (هوبارد) نصب الدعامة المرقمة 137» فوق المنخفض الواقع 
بين الزابين» وفي أثناء تعليقه على ما اعتبره الفصل الختامي لسبعين سنة من 
المحادثات التمهيدية» والدبلوماسية» والمعاهدات الدولية واللجان الخاصة» ختم 
كلامه بوصفه القضية كلها: «إنها عملة تسويف ومماطلة لا مشبه بها في تاريخ 
الديلوماسية الشرقية». 

ولم يخطر بباله أنه سوف لا يمر عشرون سنة على هذه التسوية الكلية إلا 
ويعود الفريقان المتنازعان يرفضانها. ومع الرجوع إلى عصبة الأمم» وإبرام 
معاهدتين جديدتين أخريين وتأليف عدة لجان فإن اليوبيل المئوي لمعاهدة أرضروم 
الثانية سيأتي ويمر مخلفاً ثمانمائة وثمانين ميلا من أصل تسعمائة وعشرين من 
الحدود بين العراق وإيران ما زالت غير ثابتة. 


203 


- 11 - 
الجاف وَهه ورّه مان 


يزيد طول قضاء حلبجة عن ستين ميلا من الشمال إلى الجنوب وتختلف سعته 
ما بين (35) ميلاً في خط عرض حلبجة» و(8) أميال بالقرب من بنجوين ويحده 
من الشمال والشرق ما لا يقل عن (170) ميلاً من الحدود الإيرانية وهو من جهة 
الغرب والجنوب يجاور أقضية شاربازير ومركز قضاء السليمانية وجمجمال ويتألف 
من أربع نواح هي بنجوين وخورمال وحلبجة (المركز) ووارماوه. 


ويبلغ عدد نفوس ناحية بنجوين (22) ألف نفس”2 يسكنون في ذلك الجزء من 
(قه لاجوالان) الواقع بين جبال (لاري - تاريه ر) وبين الحدود» ونفوس خورمال 
تبلغ (19500) نفس وهي جزء من سهل شهرزور الذي يقع شمال (تانجه رو) 
ورافده ماء (زه لم). سمي بذلك نسبة إلى قلعة (زه لم) التي ورد ذكرها في معاهدة 
(زه هاو) ويشمل مركز قضاء حلبجه (2300 نفس) الأراضي الواقعة جنوب نهير 
(زه لم) وشرق (تانجه رو) وكذلك النتوء المثلث الداخل في الحدود الإيرانية 
المسمى (شه ميران) الذي يحده من الشمال نهر (سيروان)» ومن الشرق الحدود 
الدولية؛ ومن الغرب حدود قضاء خانقين. وما فضل من سهل شهرزورء هو 
وارماوه (7000 نفس) في الطيات التي تحدثها تعرجات (تانجه رو) وتقع جنوب 


(1) في العام 1947 وهو عام الإحصاء لنفوس العراق» وجد أن عدد: البدو الجاف قد تقلص إلى زهاء 
(600) بيت ولست أدري في أية وحدة إدارية تم تسجيلهم. 


204 


خورمال وغرب مركز حلبجه مضافاً إليها مزرعة (ده زيايش) وهي قطعة أرض تشبه 
ساقاً نحيلة تمتد جنوباً بمحاذاة الضفة اليمنى من سيروان بحيث تفصل عن النهر 
النهاية الشرقية من وادي (قه ره داغ) في الناحية المسماة بهذا الاسه”©. 


إن حلبجة هي من أملاك زعماء الجاف الكبار» وتسعة أعشار أراضي القضاء 
أو يزيدء هي أراض ممنوحة بالطابو لمختلف أعضاء الأسرة الحاكمة ولا بد أن 
ثلاثة أرباع سكانها من قبائل الجاف» والجاف هم الأكراد الخلص الأقحاحء وهم 
بدون شك أهم وأعظم قبيلة في جنوب كردستان وكثيراً ما يشار إليهم بكلمة 
«كورد؛ فحسبء» لتدل على معنى قاصر عليهم خاص بهم يميزهم عن غيرهم من 
القبائل والريفيين الذين لا ينتسبون إلى قبيلة. وإن لهم أن يفخروا بعراقة أصلهم 
ا د السابع عشر 
0 أغلبية اجات كنف 0 في إقليم ا إيران» في 
حوالي منتصف الطريق بين كرمنشاه وحلبجه وإلى الجنوب الغربي من (سنه) أما 
اليوم فهم ينقسمون إلى ثلاث مجموعات رئيسة بحسب مواضعهم الجغرافية : 


(1) في العام 1922 كانت هذه (الساق النحيلة) تمتد بعيداً إلى الضفة اليمنى لتضم النهاية الشرقية (سه 
نكاو) وجنوب هضبة (قره داغ). ويصعب استيعاب شكل الناحية» وهو مثل جيد آخر لسائر 
الاعتبارات القبلية على أول تنظيم إداري» إن القرى المضافة هي من أملاك ورثة محمود باشا 
الجاف الذي سكن حلبجه» ورتب ارتباطها الإداري ليناسب راحة مالكيها. 

(2) يقضي قانون الأراضي العثماني» بعد استبعاد صنف الأراضي المسمى بالملك الصرف, أن تعود 
رقبة كل الأراضي الباقية إلى الدولة ويطلق عليها اسم (الميري أو الأرض الأميرية) وهي على 
صنفين أساسيين: الأراضي الأميرية المفوضة بالطابو والأر اضي الأميرية الصرفة (أي التي لم 
تفوض لأحد بالطابو) ونظرياً يمكن أن ترجع للدولة الأراضي الأميرية المفوضة التي لا تستغل 
استغلالاً صحيحاً» إلا أنها لأسباب عملية تكون مما يمكن التصرف به فهي تباع وتشرى وتورث 
بموجب قانون ميراث خاص (قانون انتقال) أوسع من قواعد الميراث الشرعية الاعتيادية التي 
تحكم الملكية الخاصة وقد شاع على لسان العامة تسمية (الأميرية المفوضة) باسم (أراضي الطابو) 
فحسب» والأراضي غير المفوضة ب(الميري) لا غير. 


205 


المجموعة الأولى وهي الكبرى تقطن العراق غرب نهر سيروان وتعرف باسم 
(مرادي)»؛ والثانية ما زالت تعرف باسم (جوائرو) والثالئة ظلت تتخذ اسم 
(كرمنشاه) وتتألف من سبعة بطون صغيرة انفصلت عن المجموعة الثانية في 
منتصف القرن التاسع عشرء وانضمت إلى الحلف الاتحادي الككوراني مع 
اختلافهما في المذهب”". 


إن تأريخ (الجاف المرادي) كما تحفظه الذاكرة المحلية يبدأ بفرار أو هجرة 
شخص يدعى (ظاهر بك) ترافقه مائة خيمة من (جوانرو) إلى (بانيى خيلان) الواقعة 
على الضفة الغربية من (سيروان) حيث تتطامن سلسلة (قره داغ) في انحدارها نحو 
النهر داخل أراضي البابانيين. وتاريخ هذا الحادث متفاورت حسب المصادر 
المختلفة. ومصدر معلوماتي الرئيس (كريم بك) وهو من أسرتها الحاكمة زودني 
والحق يقال بعدة تواريخ في عدة مناسبات ويقول الكتّاب الذين يحاولون تفسير 
الاسم (مرادي) إن حملته رحلوا إلى الأراضي التي يحتلها العثمانيون في زمن 
السلطان مراد الرابع (1623 - 21640, إلا أن أدق التواريخ التي زودت بها - وأراه 
أقرب احتمالاً - هو العام 1186ه/ 261772 عندما كان (احمد باشا) يحك في (قه 


(1) إن التبعية العامة للجنسية الإيرانية لكل أفراد المجموعتين الثانية والثالث وهي في الواقع تقليد يرجع 
بالأصل إلى السنوات 1821 - 1914 عندما كان نهر سيروان الحدود الفعلية لا الحدود القانونية. وقد 
أدى تخطيط الحدود للعام 1914 إلى جعل بعض العناصر من هاتين المجموعتين في الجانب 
العراقى ضمن قضاء خانقين. ش 

(2) لم يكن هذا التأريخ المتأخر معدوم الصلة أو الارتباط بوجود النزاع في العام 1639 وما قبله ذلك 
لأن الحدود التي فرضها السلطان مراد الرابع بالقوة» كانت تترامى إلى الشرق بشكل أبعد بكثير من 
الحدود التي يمتد إليها سلطان الإدارة التركي الفعلي في أغلب العهود التالية» والمؤرخ الكردي 
أمين زكي في كتابه (تاريخي سليماني وولايتي؛ ط. بغداد 1939)» وهو أيضاً يعتمد على كريم 
بك» مصدراً لمعلوماته» يفضل تاريخ 1737م/ 1150ه» أي لما كان خالد باشا الحاكم الباباني 
هناك. وثمة التفسير الآخر للاسم يسمعه المرء أحياناً ولا يستند إلى سبب وجيه وهو أن (الجاف) 
كانوا بالأصل عرباً انفصلوا عن قبيلة (المرادية) في سورية وهذا مثل لميل بعض المتدينين في 
كردستان للتسمي أو الانتساب إلى أصل عربي. ولا يقتصر هذا على الأسرة الحاكمة التي كثيراً ما- 


206 


لاجوالان). واستقبل (ظاهر بك) أحسن استقبال. ولكن بعد زمن من نزوحهء 
حمله الباشا ظلماً أو حقاًء مسؤولية تزعم وتنظيم أعمال عصابة تتألف من أربعين 
قاطع طريق؛ كانت تقوم بأعمال الشقاوة في منطقة قريبة واعتقله رهينة حتى 
يستسلموا. فما كان من ابنه (قادر بك) إلا وألقى القبض على أولئك الشقاة 
وقتلهمء إلا أن عمله هذا جاء متأخراً في إنقاذ أبيهء لأن الحكم الباباني القليل 
الصبر أنفذ فيه حكم الموت. وإلى يومنا هذا ما زال يطلق اسم (كورى كوركه ل - 
مقبرة الفتيان) على موضع قتل هؤلاء الأربعين وهو قريب من (باني خيلان)؛ وما 
زال قبر (ظاهر بك) قائما على مقربة من منطقة دزيايش وهي المنطقة التي وهبت 
لقادر بك تعويضاً عن الظلم الذي نزل به ويتألف نسله من أسرة الجاف مرادي 
الحاكمة المعروفة بلقب (بككزادة). لقد شجع كرم الباشا بيوتاً كثيرة للنزوح إلى 
المنطقة ازداد عددها بمرور الزمن حتى أصبح المرادي قوة مهابة الجانب في 
الأنحاء» ويقدر عددهم بعشرة آلاف خيمة. 

كانت (شهرزور) قبل مجيء (ظاهر بك) موطناً لبضع عشرة قبيلة ذكرنا 
معظمها سالفاًء أو سنذكرها فيما يتلو. ومنها (جلالي» وشيخ إسماعيلي؛ وبيسه 
رى» وجوجاني» وقويلاي» وإسماعيل عوزيري» وشينكيء وكافروشي» 
وبلباس» وكلهور وتيله كو وكّه لباخى؛ ومه ندمي» يقرأ مه نمي). والمزعوم أن 
القبائل الأربع الأولى من الجاف قدموا من هجرة تسبق الهجرة الثانية بخمسين 
عاما. إن بطون القبائل التي امتهنت الرعي منها اعتادت قضاء الشتاء في جنوب 
(قره داغ)» ب(سه نككاوء وكل) وقضاء الصيف في المنطقة الجبلية الإيرانية الكائنة 
نبخ (سنه) و(سة فز 


وبزيادة عدد قطعان هؤلاء القادمين الجددء بدأوا يتبعون أسلافهم في الهجرة 
-تدعي انحدارها من عترة النبي (أي أنهم سادة) بل قد يتعدى ذلك إلى عموم القبيلة. ولاشك أن 
هذا يعود إلى مكانة العرب. سواء في ذلك أكانوا فاتحين في القرون الوسيطة أو أولئك القوم الذين 


207 


فيرحلون شمالاً أثناء الصيف. إلا أنهم كانوا يحافظون على مسافة كبيرة فيما بينهم 
تصل إلى بنجوين وكانوا أيضاً يسبقون أولئك بالعودة» عند قدوم الخريف» 
وتكونت لقادر بك عقدة نقص متأتية من شعوره بالضعف إزاء غيره» فقد اتخذ 
ذريعة للقتال» وذلك بأن صار يتبجح قائلاً إنه سمى كلبه باسم (شيره) نسبة إلى 
(شير آغا) شيخ الجلالي فأجابه الجلاليون بقطع ذنب كلب يملكه أحد أقرباء قادر 
بك في حين أدى مقتل رجل إلى إذكاء نار الحقد والعداء المستحكم بشكل تلقائي 
ووجب الأخذ بثأر القتيل كالعادة المتبعة. والظاهر عند الكرد والعرب على حد 
سواء - أن القتل العمد أو تشويه حيوان أليف كثيراً ما يعتبر عاراً كبيراً لا يمكن 
غسله إلا بحرب مباشرة. وهكذا نال قادر بك الذريعة المطلوبة وشن حرباً على 
الشهرزوريين في (حسن شهيد - شهيدان) بالقرب من رأس نهر (شلير) فقتل منهم 
أربعمائة وشتت شمل الباقين ومن الائتلاف المنهزم خضع (الجلاليون) وانضموا 
إلى (المرادي) بطناً أكبر رابعاً. غير أنهم ظلوا يحافظون على أسرتهم الحاكمة. 
وأعضاؤها يلصقون لقب الآغا بأسمائهم ويظهرون الاحترام والإخلاص للبكزاده» 
وليس هذا من طبع شيخ القبيلة. واستوطنوا (شيخ إسماعيلي)” في ست قرى على 
سفوح الجبال المتاخمة لشهرزور الشمالية ولم يقطعوا رحلاتهم الصيفية مع الجاف 
إلى إيران. وقد وصفنا في الفصل الثامن موطن (بيسه ري وجوجاني وقويلاي) 
وعاداتهم. أما (إسماعيل عوزيرى) فقد استوطنوا في أقصى الغرب بالقرب من 
سرجنار وسورداش وبازيان وقه لا سيوكه. وانتقل الشينكي والكافروشي إلى يازيان 
حيث ظلوا في حمى (الهه ماوند) وتفرق (البلباس) إلى قرى مترامية حتى قرية 
بالقرب من جبل حمرين و(قاينه جه) في شمال خورمال» ولعل بعض الكلهور قد 
هربوا ملتحقين بالقسم الأكبر من تلك القبيلة التي تستوطن الآن جنوب طريق 
خانقين - كرمنشاه في إيران. إلا أن (150) خيمة انضمت إلى بطن (ته رخاني) من 


(1) انظر تعليق كليمان على قبح وجوه أفراد الشيخ إسماعيلي المستديرة الذين لقبهم في (باربه ر). في 
حين تراه يلهج بجمال وجوه سكان (سيوه يل العليا) البيضية. 


208 


الجاف. كذلك فر (الكه لباصي) والامه نمي) إلى إقليم (سنة - سه قز). لكن ما 
زال ثمة فئة قليلة من الامه نمي) في قريتي سورداش وبازيان”؟© وانتقل بعض «التيله 
كو) ليستقر في (خور خوره) جنوب شرقي (سه قز) إلا أن بعضهم اندمجوا في 
(الميكائيلى وروغزادى) وهما بطنان في الجاف. 

وبتتابع السنين صار البكزادة أصحاب الطابوء بحكم حق الفتح والهبة وعن 
طريق الشراءء في مزارع واسعة تمتد من قزلرباط وراء جبل حمرين جنوباً حتى 
بنجوين شمالآء ويذكر حفيد من أحفاد (ظاهر بك) الأوائل واسمه قادر بك أيضاً 
(قتل في العام 1848): يذكر زعيماً بارزاً ثبت مركز الجاف في الجنوب بطرده 
القبائل المستوطنة قبلهم وهي لكيه ررور بباني وزند) من منطقتي (سه رقه لا) 
وشيروانه شرق كفري. 

وفي شجرة الأسرة هناء حاولت إعادة تنسيق خط السلالة العصبية مستعيناً 
بمذكراتي وملاحظاتي الخاصة وغيرها من المصادر التي لا تتيسر دائمأء» والقصد 
منها إظهار العلاقة التي تربط البكزادة العظام الذين ورد ذكرهم في هذا الكتاب 
بعضهم ببعض. إن الجد الأعلى الذي يذكره البككزادة كافة» ويعتبرونه منشئ 
أسرتهم هو السيد أحمد ابن حفيد (ظاهر بك) الذي يبدو أنه من رجال منتصف 
القرن السادس عشر وهو أيضاً (سيد)؛ كما درج الكثير من الأسر الحاكمة في 
القبائل الكردية على ادعاء انتسابهم إلى سلالة النبوة. وترانا نميل إلى الافتراض إن 
(السيد) استوطن ديار الجاف شيخاً صوفياً واستخدم نفوذه الديني كالعادة لإزاحة 
الأسرة الحاكمة الكردية التي عاصرته. ويوجد في زمننا هذا فرعان متوازيان للأسرة 


(1) إن البلباس هو حلف قبلي كبير (انظر الفصل الخامس عشر) وقد أعلمني بابكر آغا البشدري أن 
بلباس (شهرزور) كانوا بالأصل (سن) و(ره مك) وهما البطنان اللذان زودا نادر شاه (1737 - 
7) بأشجع خيالته وأبسلهم. وقد طردهم (سليم بابان 1743 - 1757): ويذكر (ريج) في يومياته 
الخاصة بحلبجة (ج1 ص183) قوله «إن الخيام التي نراها الآن على مقربة من السهل المجاور تعود 
إلى (الجلالي) و(الكلهور) وبعض أجزاء من قبائل أخرى. وهم الآن في موسم نزولهم من الجبال» 
وليسوا من الجاف الأصليين. 


209 


210 


تيه 1 . 

: ١ 

| ا لحينتا 86> ١‏ 
حي 35 2 5 7 7 م بجي و ويه ان 1 ص 2 1 
للد عدم سنك سم كلة نا دا معدي هلد له عا موود يهم 7 











م اح جب جه 


في العراق: إذ يبدو أن (قادر بك) المنتصر في (حسن شهيد) لم يعقبء إلا أن 
أخاه سليمان أنجب ولدين؛ وهما (كيخسروء وقادر)» ولذلك عرف أول الفرعين 
باسم (كيخسرو بكي) نسبة إلى اسم الابن الأول. أما الثاني فعرف باسم (بهرام 
بكّي) نسبة إلى الحفيد الأول للابن الثاني0©. 


وفي عهد احتلالنا كان (الجاف) نموذج القبيلة الكردية ذات الطابع القديم لها 
أسرة أرستقراطية حاكمة من جهة» ولها من جهة عدد من البطون من الطبقة 
الفلاحية وكل بطن مجزأ إلى عشائرء وكل عشيرة فلاحية لها رئيس يدعى كويخا 
(بالفارسية : كتخدا) وبعض هذه العشائر استوطن منذ زمن بعيد وأصيح مزارعا 
خالصاً: أما بعضها الآخر فيغلب عليه طابع البداوة. وفي السنوات الأخيرة أخذ 
هؤلاء يستقرون شيئاً فشيئاً. ولكن العوامل ظلت ولم تتغير» رجل يخسر قطعان 
ماشيته بسبب آفة طبيعية أو حرب عشائرية أو لإجراء حكومي معين» فيضطر إلى 
التحول إلى الأرض ليقيم أوده بالزراعة» ولكن ما أن يقبل عليه الحظ - وإن 
اقتضاه الكدح عدة سنين - حتى يقرر العودة إلى حياة البداوة. إن أكبر عامل 
للاستقرار في الأرض هو تدخل الإدارة في العادات التقليدية العتيقة. 


ومن جمهرة (المرادي) تعتبر الأفخاذ الاثنتي عشرة التالية» بدوية (إن الإرقام 


المحصورة بين قوسين تدل على عدد الخيم التي ما زالت تقوم بالهجرة السنوية 


(1) إن كثرة التسمية باسم (قادر) طالما توقع المرء في حيرة وخلط. ولا أستطيع أن أؤكد حتى كتابة 
السطور بأني جمعت كل الارتباطات وصلات النسب بشكل منزه عن الخطأ. فثمة في إيران فرع 
ثالث للأسرة يعرف بلقب (وله د به كي - أولاد بكني) يقال إنه ينحدر من (خانه بكلك) أخ (طاهر 
بك). إن السيد عباس العزاوي الذي تكرم علي بإرسال نسخة من كتابه (العشائر الكردية في العراق 
- ط. بغداد 1947) يثبت فيه أن (السيد أحمد) هو حفيد (بير خدر شاهو) المشهور. الذي قيل إنه 
عاش في أثناء حكم الشاه عباس الكبير 1587 - 1629. (انظر آخر الفصل السادس). وليس ما هو 
غير محتمل في هذا الشأن. إلا أن هذا الزعم لم يذكره لي أي فرد من أسرة (كيخسرو بككي) إلا أني 
سمعته من أفراد الفرع (باوه جان) ل(وه له د به كي) كذلك سمعته من عشيرة (ثيناخي) الصغيرة التي 
ورد ذكرها في الفصل الثالث عشر والمقول أن بيوتها كلها من أصل بككزادة. 


211 


التقليدية كما قدرت تقديراً في عام 1922): ميكائيلي (1100) (شه حتري) (1000) 
جلالي (1000) روغزادي (750) (ته زخاني) (500) هارووني (400) (كه ماله يي) 
(200) أمالا (150) (سه ده ني) (150)؛ (به ده خي) (80) (يارو ه يس) (0)70". 
وفي يومنا هذا - يسود اعتقاد بأن عدد البدو يكاد يساوي عدد من انفصل عن 
الأفخاذ البدونة واستقر في الأرضء» فيكون المجموع العام (5400) خيمة مجموعاً 
مناسباً للغاية» لمضاهاته بالمجموع العام البالغ 410000 أسرة» وهو العدد الذي 
يذكر عموماً للجاف المرادي" وأما عن ديار الأفخاذ الست الكبرى في مخيماتهم 
الشتوية من الغرب إلى الشرق» ومن الشمال إلى الجنوب» فهي كما يلي: 
الميكائيلي في (سه نكناو) من نهر (باسه ره) إلى نهر (تاوسبى)» الروغزادي 
والترخاني في طيات أرض وعرة متعادية إلى الجنوب الشرقي من (آوه سبي). 
الهارووني على نهر سيروان بالقرب من (بيواز). الشاتري جنوب ديار روغزادي 
وهارونني. وفي الجلالي شرق كفري وجنوبها. 


(1) معظم هذه الأفخاذ مقسم إلى أقسام معترف بهاء ويحتل بعضها مكاناً أبرز من مكان الأفخاذ توضح 
الأقسام الفرعية للأفخاذ الست المعترف بها: 
- ميكائيلي: حمه علي ويسيء آلاى بكي؛ ره شه بورىء شوانكاره. وأقسام أخرى مستوطنة. 
- شاتري : مير ويسي » ورده شاتري» يوسف جاني » براييم. 
- جلالي: بكزادة» بوره» خدرويسي» بشده ري» ساركاجء كاراماواني. 
- روغزادي: حمه جان» اسمايعلي ؛ روغزاد» شيخ علي ويسي» سارهاد. 
- تارخاني: آليق» قادر حسن علي» قاجول. 
- هارووني: سليم نادر شاهي؛ قرماني»؛ هارووني. 

(2) خلال تثبيت حدود العام 1914 لم نثر قضية حقوق الجاف في المرعى الصيفي الإيراني لدعم أي 
مطلب إقليمي لأي فريق من طرفي النزاع. لذلك لم يذكر شيء في أعمال اللجنة التحضيرية وفي 
العام 1931 أنكرت الحكومة الإيرانية حق الجاف في عبور الحدود إنكاراً باتاً. ومنذ ذلك الحين 
استمرت في منعهم. وأخيراً قطعت الهجرة قطعاً باتاً. فاضطر البدو الجاف إلى قضاء الصيف في 
سهول (شهرزور) وكان معدل ما نفق من الأغنام ومات من الأطفال» عاملاً هاما في التعجيل 
بالاستقرارء وتطليق حياة البداوة إلى الأبد. 


212 


والهجرة الموسمية شمالاً تتبع جبهة مماثلة : فلعبور (قره داغ) يستخدم شعب 
(سه كرمه وبه يكولى) ومضيق (باني خيلان) عند نهر سيروان. ولعبور سلسلة (به 
رانان) يستخدم مضيق (به رانان) الرئيس جنوب السليمانية» وشعب (كه وره قه لا) 
و(يه شره)» بمواجهة (يه يكولى)» ومضيق (ده ربه ندي خان - دريئدي خان) 
على نهر سيروان» وينتقل الميكائيلي على طريق شعب (سه كرمه وبه رانان) و(عه 
ربه ت) الذي هو في وادي (تانجه رو)» وشعب (سه ركه لي) بيشان فوق عقدة 
جبال (ثه زمر) ويجتازون (شاربازير). أما على مقربة من (هه رميلا) غرب (كوره 
كازاو) أو على مقرب من برزنجة (وحاجي مامند) إلى الشرق منها. وأخيراً 
تحتويهم مراعيهم الصيفية الكائنة شرق (بانه) في إيران» بعد عبورهم وديان (كاني 
ديزان) و(كوتره ره ش) مما يلي الطرف الشمالي من نتوء (شلير). أما الباقون 
فيلتقون جميعاً في (كه ولوس) على نقطة من نتوء سهل في أعلى شهرزور يتجه 
إلى بنجوين شرق جبال (سه روجكك) ثم يتجه الروغزادي والترخاني عن طريق 
(يه يكولى وكّه وره قه لاء ومران) في شهرزورء ويتخذ (الجلالي) طريق (يه 
يكولى) و(به شرى) ثم يندفعون إلى أمام بطريق ينحرف قليلآ عن الروغزادي نحو 
الشرق ويسلك نصف («الشاتري) طريق الروغزادي. وينضم نصفهم إلى الآخر إلى 
الهارووني في رحلتهم على طريق مضيقي (باني خيلان وده ربه ندي خان) إلى 
جسر (تووه قوت) فوق نهر (تانجه رو) ويقع على مسافة سبعة أو ثمانية أميال إلى 
الشمال الشرقي من ملتقى نهر سيروان ومنها إلى الشمال عبر (خورمال). ومن (كه 
ولوس) يجتازون السفح النهري بأحد الشعاب الثلاثة (كاني سبيكه) أو (نالباريز) أو 
(ته راته وه ن) فتفضي بهم إلى سهل قزلجة» ومنه ينطلقون عبر أسفين (شلير) إلى 
إيران من شعب (ناوخون) على الحدود»ء ما عدا الهارووني الذين يرافقون الحدود 
بالقرب من ينجوين. أما عن الأقسام الصغرى فإن الكمالاي يرافقون الميكائيلي. 
أما ثامالاء و(به دخي) و(س ده ني) فإنها ترافق الهارووني. وما أن تجتاز كتلة 
القبيلة الحدود حتى تنتشر مرة أخرى على شكل قوس يحيط بهضبة (جل جه شمه 
- العيون الأربعون) العظيمة التي ترتفع زهاء (10400) قدم فيضرب الميكائيلي 


213 


خيامهم قرب (بانه) وينزل الروغزادي إلى شرقهم في (خور خوره) ويمتدون إلى 
مضارب الهارووني في الجبال الواقعة شرق (مه ريوان)”". وتكون (قره تبه) الحد 
الأقصى لمضارب المرادي الشتوية (جلالي) وبهذا يكون طول رحلتهم السنوية 
حوالي 140 ميلاً في كل طريق. 


وتقع قرى الجماعات المستقلة من الأفخاذ البدوية بالقرب من أراضي المخيم 
الشتوي» وعلى جانبي خط الرحلة السنوي. وقد اعتاد البدو ترك خيامهم الشتوية 
الواسعة ومتاعهم الثقيل وديعة عند إخوانهم الريفيين فلا يأخذون معهم إلا الخيام 
الصغيرة لاستخدامها في الرحلة وفي مضارب الجبال. وللكثير من الرؤساء الأغنياء 
قرى في إيران ملوكها عن طريق الشراء أو بوسيلة أخرى. والظاهر أن الجلالي 
يفضلون إيران على العراق بنوع خاص. 

وبطبيعة الحال فإن ثروة الجاف هي مواشيهم. وقد احتفظت بقائمة مفصلة 
لعدد رؤوس ماشية الهارووني في العام 1922. ويبلغ المجموع الكلي (10,000) 
رأس غنم وقد سجلت ملاحظة تشير إلى أن مجموع كل ما يملكه الجاف يبلغ 
(125,000) رأس غنم. لا يدخل فيه عدد الحملان التي لا يزيد عمرها عن سنة 
واحدة. ومن المعتاد أن يسقط عدد لا يستهان به من الإحصاء الرسمي الذي يتم 
بتعارن الحكومة مع الرؤساء على إجرائه. ورجال القبيلة أساتذة في إخفاء 
الحيوانات في خوانق وكهوف المنطقة الجنوبية الوعرة. لذلك فالعدد الحقيقي هو 
أكثر بكثير مما تذكره القوائم الرسمية. والأسرة تملك خلاف الأغنام» خيولاً 
وثيراناً للركوب والحمل. 

وأهم الأفخاذ القبلية المستوطنة نهائياًء هي فخذ (نه ورولى) (بقسميها ده 
شتء ويارجه) وتعد (600) أسرة موزعة على (16) قرية بالقرب من حلبجة 


(1) يضرب إسماعيلي عوزيري خيامهم شمال غرب ميكائيلي أعني أقرب إلى (بانه). 


214 


نفسهاء وفخذ (يزدان بخشي) بقراها الثماني في مثلث (شميران)”'". وكلتاهما من 
وادي البدو أصلا. 

وكان آخر الزعماء العظام الذين مارسوا سلطاناً حقيقياً على كل قبيلة الجاف 
هو (محمد باشا) وبعد وفاته ظل (محمود باشا) أحد أولاده (المتوفى 1920) يرحل 
مع البدو. في حين استقر ابنه الثاني عثمان باشا (زوج عادلة) المتوفى 1909 في 
حلبجة متقلداً رتبة قائمقام القضاء التركية. أما أبناؤه الأربعة الباقون فقد نشأوا كلهم 
في مزرعته. ويلوم (البكزادة) محمودا لطمعه الذي جعله يتخلى عن جمهرة رجال 
القبيلة فضلاً عن أخوته وأبناء عمومته. وبهذا فكك وحدة الجاف. في العام 1919 
كان البككزادة قد فقدوا كل سلطان لهم على البدو الجاف الذي ما زال عددهم 
ضخماء ما عدا قدرتهم على أن يكونوا موظفي حكومة» على أنهم ظلوا ذوي 
نفوذ بوصفهم ملاكين» محترمين بسبب عراقة أصلهم. 

ومن الرحالة الأولين (ريج) يذكر أن (كيخسرو بككي) زعيم الجاف كان قائماً 
على خدمة الباشا في السليمانية» وأنه قام بأداء زيارة له في مضربه الصيفي في (مه 
ريوان) ومعه أبنائه الثلاثة (لم يسمهم) وابن أخ له واحد اسمه (محمد بك) ابن 
سلفه (قادر) وقدر قوة القبيلة الحربية بأربعة آلاف (تفه نكجي) وألفي فارس. وفي 
أنحاء (بانه) شكاوى مرة في أعمال السلب والنهب التي قام بها الجاف إزاء 
وجودهم هناك. ويذكر (فريزر) الجاف عندما يقص حكايته ذات الصراحة الحسنة 
عن (لهه ماوه ند) ويقول (فيلكس جونز) إن الطريق بين خانقين وقصر شيرين 
«مكتظ بعصابات النهب والسلب من قبائل الجاف و(الهه ماوه ند) بحيث ما عاد 
السفر مأموناً دون حراسة» وأن (راولنسن) قد حظي برفقة كوكبة من فرسان الجاف 
(1) هناك أفخاذ أخرى مستوطنة أو شبه بدوية؛ تدخل عادة ضمن قوائم الجاف مرادي وهي : بيش مالا 

(كانت سابقاً بطانة الزعيم الأكبر المباشرة) مسعودي في بنجوين» ليسائى بين شاتري. وبخصوص 


مجموعة أخرى من القبائل الصغيرة فهي تعتبر أحياناً من الجاف إلا أنها لا تنتسب إلى المرادي 
(انظر الفصل الثالث عشر). 1 


215 


بقيادة زعيم قبيلتهم (محمود بك - ولعله يقصد محمد) بضعة أميال من الطريق 
قرب (سه ربيل زوهاب). وقال (هوبارد) عنهم «إنهم مصدر الرعب في كل 
المنطقة» عندما يمرون بها مع قطعانهم» فينهبون ويسلبون كلما سنحت لهم 
الفرصة». 

وألذ صحائف كتاب (صون) ربما هي التي أتت إلى وصف أيامه في حلبجة. 
فقد قصد «حال وصوله» منزل (طاهر بك) ابن (عادلة خان)7؟ الأكبر جرياً على 
العادة المتبعة» وقدم نفسه إليهء بوصفه كاتباً وتاجراً إيرانياً. وبأمر من (عادلة) 
خصصت له الغرفة العليا من منزل (طاهر بك)» على أنه تركها ونزل إلى غرفة في 
الطابق الأرضي ضمن جناح (السيدة) نفسها وأصبح بالتدريج سكرتيرها الإيراني. 
وكان (طاهر بك) شاعراً على بعض الشهرة» وإني لا أستطيع أن أغفل اقتباس 
ترجمة وردت عنه في مقدمة ديوان صغير جمعت فيه قصائد لطاهر بك طبع في 
السليمانية في 21936 وإليك ما جاء عن (صون) فيها: 


«طاهر بك؛ شاعر معروف مشهور رقيق اللفظ. رشيقهء وهو ابن عثمان 
باشا بن محمد باشا الجاف. إن أسرة بككزادة الجاف وذريتهم تعد من أمراء الكرد 
ورجالهم البارزين المشهورين. وكانوا إلى ما قبل (150) سنة يتزعمون قبيلة الجاف 
ثم جاؤوا إلى (شهرزور) بإلحاح من الدولة البابانية. وظلوا يتولون زعامة الجاف 
منذ عهود الحكومة البابانية حتى تأسيس الحكومة العراقية». 

ولد طاهر بك في 1295ه/ 1878م» ووافاه الأجل في 1337ه/ 1918م في 
مدينة السليمانية إل أن جئمانه نقل إلى حلبجة ودفن في قرية (عه با به يلى) وقد 
سميت بهذا الاسم نسبة إلى اسم أحد الصحابة وتبعد مسيرة ساعة واحدة الخيل 
عن حليجة. ولم يتلق (طاهر) علومه في مدرسة كبيرة أو عالية بل تخرج في 


(1) وقع (صون) في خطأ عجيب عندما ذكر أنه ابن ضرة عادلة (هنالك ابن ضرة فعلاً وهو مجيد) إلا 
أن طاهر هو أكير أولادها الثلاثة. 


216 


مدرسة القرية. ومع هذا فإن معلوماته العامة وسعة عقله وإدراكه لا تأتلف قط مع 
تحصيله المدرسيء بل تفوقها عشرة أضعاف. 

ونظم (طاهر بك) بأربع لغات هي الكردية والفارسية والتركية والعربية وألف 
بين مفردات هذه اللغات تأليفاً لطيفاً في شعر موزون مقفى. ولقد بذلنا جهداً 
عظيماً وركبنا الأهوال لعلنا نعثر على هذا الديوان النادر فلم نستطع لسوء الحظ 
م ما حصلنا عليه هو هذه المقطوعات. والفضل في هذا يعود إلى (ناهدة خانم) 
التى بعثت بها إلينا. وإننا نرجو ممن يحتفظ بآثار أدبية لهذا الشاعر أن يبعث بها 
إلينا لتضمينها الطبعة الثانية. 

وليس أدل على حكمة (طاهر بك) وذكائه» أنه قبل اندلاع الحرب العظمى 
بخمسة عشر عاماً (هكذا ورد في الأصل) وفي عهد العثمانيين» قدم الميجر 
(صون) المشهور في رحلة له إلى كردستان العراق» وبعد سنوات» قصد منزل 
عثمان باشا والد طاهر بك فى حلبجة ودخل فى خدمته ستة أشهر أو سبعة» 
وسمى نفسه (غلام حسين). وقام (غلام حسين) أي الميجر صون بواجب الخدمة 
خير قيام وكان (طاهر بك) يعامله بأعظم احترام لحسن خدمته» ويوده كثيراً؛ وقد 
داخل طاهر بك بعض الشكوك من مسلك الخادم الشاذ عن الآخرين» فقد كان 
مؤدباً ورزيناً للغاية. وفي ذات يوم كان (طاهر بك) يتصفح كتاباً فرنسياً فقال له 
«بلى أعرف القليل» وأنت؟ هل تلم بشيء منها؟؟ فأجابه: «بلى» فإني قضيت في 
إيران ست أو سبع سنوات كنت خادماً لرجل فرنسي وتعلمت منه القليل». 

وعندما أطلع (طاهر بك) على هذه الحقيقة صار يكلمه بالفرنسية في كل أمر 
خصوصي. وفي أحد الأيام كانا يتبادلان الحديث بهاء فزل لسان (غلام حسين - 
مجير صون) بلفظة «كلا - 2280 (النص ي* يثبتها ه31 بدلاً من لفظة - 88 نا 
الكردية)» فأدركت (طاهر) حيرة من هذا ع أن هذا الرجل المسمى (غلام 
حسين) هو إنكليزي لأن كلمة ه30 هي المرادف اللغوري الإنكليزي للفظة «1013 - 
نا» الكردية. 


217 


وعندها توجه طاهر بك بالكلام إلى غلام حسين قائلاً: «ما اسمك؟». 


غلام حسين: نفسي فداك ماذا تعنئ بالسؤال عن اسمي؟ إنه ما تدعوني به. 

طاهر بك: كلاء فقد غيرت اسمكء أنت إنكليزي! 

غلام حسين : وكيف عرفت؟ 

طاهر بك: هذا واضح من لفظك. 

غلام حسين: صدقت أنا إنكليزي واسمي هو ميجر (كذا!) صون ولي بضع 
سنين أتجول في إيران والعراق وتركيا.. 

ولما تحقق طاهر بك من هذا طلب منه أن يرحل عن حلبجة لثلا تفتك به 
الحكومة. فرحل الميجر صونء وألف كتاب رحلات» مدح فيه ذكاء طاهر بك 
ورجاحة عقله مدحاً كثيراً. 

وفي كتاب (صون) هذا لا نجد شيئاً عن موضوع اكتشاف طاهر بك هويته. 
وأما عن الرغبة في إبعاده فهو يخالف هذه القصة إذ يقول إنهم ولا سيما «عادلة»؛ 
كانوا يرغبون في بقائه ليعلم اللغة الفارسية ولديها الصغيرين. ووضعوا كل عقبة 
مقصودة في طريقه عندما أزف وقت رحيله. على أنه لم ينج نهائياً من المواقف 
المحرجة فأول أسباب قلقه من اكتشاف أمره - كان متمثلاً بشخص يدعى (أمين 
أفندي) وهو مسيحي من أصل ألماني أشهر إسلامه وكان بمثابة مشاور طبي قضى 
- رغم إيرانيته - عدة سنوات في أوروبا كما يقول. وبذلك سيفضح دجله وشعبذته. 
فراح أمين أفندي يزرع بذور الشك في رأس (طاهر بك) ولكن يبدو أن السعاية به 
كانت موجهة بدوافع الأجنبي ومخاوفه» لا بدافع جنسية (صون) ودينه» وأما ثاني 
الأسباب فنجم عن قدوم شخص إلى المنطقة يطلق على نفسه لقب «شيخ اسلام 
سنهاء كان هذا قد التقى ب(صون) في استنبول واطلع على حقيقة جنسيته 
الإنكليزية» فراح هنا يلاحقه ملاحقة شديدة قاسية في (بياره) بقصد إزاحته. إن 
الشيخ الذي أبى في أول مقابلة له مع (صون) متخذا من ذلك ذريعة لإبعاده. وفعلا 
قام الشيخ بعد عودة (صون) إلى السليمانية بزيارة حلبجة وأقام الدنيا وأقعدها في 


. 
« ٠ 


218 


ديوان السيدة عادلة اليومي متهماً (صون) بالزيف والتنصرانية. على أن (حمه) خادم 
(صون) الذي كان موجوداً في المجلس يروي أن السيدة وابنها دافعا عن مولاه 
بشذة مستشهدين بلهجته الشيرازية الصحيحة» وبأنهما رأياه رأي العين يؤدي فريضة 
الصلاة. 


ويقول (صون) إن الشخص الوحيد الذي اهتدى إلى حقيقته هو نصراني 
موصلي آخاه في السليمانية» وقد صازحه (صون) بحقيقة أمره في كركوك وهما 
يهمان بالسفر إلى بغداد وقد سألت عادلة خان مرة؛ هل داخلها أي شك في حقيقة 
(صون) لما كان في منزلها فأجابتني: بلا شك. وأذكر أن ابني طاهر جاءني فعلاً 
في أحد الأيام وصارحني أنه يشك في كون غلام حسين»: شخصاً أوروبياً فأجبته 
أنه ضيفنا وليس من الأدب أن نتجسس عليه فيما لا يهمنا. ولعلها بعد الحادثة 
أصبحت حذرة متوجسة أو ربما لم تقم وزناً للموضوعء على أن هذه الشهادة من 
الجانب الكردي يؤيد مهارة (صون) في تنكره العظيم. حتى أن ذكاء طاهر بك 
المتفوق لا يدّعي بأكثر من تمكنه من كشف الحقيقة بعد مرور ستة أشهر أو سبعة 
من تخفي (صون) المستمر تحت عباءة (غلام حسين). 


والقبيلة الأخرى التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ أحداث حلبجة السياسية هي 
قبيلة (هه ورامي) أو (الهه وراماني) (الاسم الرسمي لها في إيران أوراماني) 
وتسكن طرفي السلسلة الجبلية العظمى.. ويعرف ذلك القطاع باسمها. وهي تؤلف 
نتوء يتكلم اللهجة (الكورانية) داخلاً بين سكان السليمانية وسكان أردلان وكلاهما 
يتكلمان (الكردي) وتنقسم إلى بطنين رئيسين هما (طون) و«تخت» والبطن الأخير 
ينقسم إلى : (حسن ساني”'' وبهرام بككى ومصطفى ساني) وهي نسبة إلى الأجداد 
الأعلين لكل أسرة حاكمة فيها. 


(1) (سان) اختصار كلمة (سلطان). وهو لقب يمنح لزعماء على درجة معينة في النظام الإقطاعي 
الصفوي. 


219 


إن القرى الثماني عشرة لديار «طون» الأصيلة تتجمع في منطقة واحدة تشبه 
الزاوية تحدها جبال (هه ورمان» من الشمال الشرقى. ونهر سيروان من الجنوب. 
إن الحدود الدولية تتطامن نازلة من قمة في أقصى الشمال بالقرب من قرية 
«بيدرواز». ويمضي خط الحدود شديد التعرج والالتواء مثلما ثبتته لجنة 1914» 
لجعل كل هذه القرى في الجانب الإيراني (ويذكر أن هذا هو القطاع الذي ثبتت 
فيه التغيرات الحاصلة في العام 1905؛ على أسس الوضع الثابت للعام 1848). لقد 
كانت العلاقات بين «طون» وحاميات الحدود العثمانية على أسوأ ما تكون قبل 
4 ببضع سنوات ووصلت أوجها في حادثة تدمير قرية «نودشه» حرقاً وهي أكبر 
قرى الرئيس جعفر سلطان ومحل إقامتهء فرد اللهونيون على ذلك بمضاعفة 
غاراتهم على الحدود. ثم إن النفوذ التركي ضعف هناك بسبب الحربين الإيطالية 
والبلقانية» وانشغال السلطات التركية في أمور داخلية أخرى. حتى اضطر أهالي "ته 
ويله؛ المجدون المحبون للسلام إلى شراء حريتها وخلاصها من الاعتداءات بدعوة 
(قادر بك) بن جعفر سلطان للنزول فيها والعيش مع أهليها (نه ويله هي قرية كبيرة 
تقع على خط الحدوذ تماماً كأختها بياره)”” وفي إمكاننا التنبؤ بنتائج هذه الدعوة 
الثقيلة. فبعد أن نال الضيف منزلاء أعطي بستاناء وبعد البستان وضع يده ظلماً 
وعدواناً على الحمام العمومية» وأخذت مساحات بساتينه تزيد شيئاً فشيئاً. وانتهز 
أفراد آخرون من الأسرة انهيار السلطة العثمانيةة التام خلال الحرب الكونية فاستقروا 
في ست عشرة قرية من قرى الجانب العراقي ومعظمها ملك مسجل لمختلف أفراد 
بككزادة الجاف مع أن لغة قروييها هي (الكورانية) كلغة قبيلة (هه ورمان) الأصلية. 
وهذا يشبه ما فعلوا بإيران في مختلف الأزمنة حيث كانوا ينتهزون فرصة ضعف 
الحكومة هناك ليبسطوا يدهم على عدد من القرى في منطقة (ياوه) إلى الجنوب 
الشرقي» إن بعض هذه القرى يتكلم اللهجة الككورانية. 

وإلى شمال مجموعة قرى (لهون) في الجانب العراقي توجد أربع قرى يقطنها 


(1) في تشرين الثاني 1957 تم طرد قادر بك من (ته ويلة). (المترجم). 


220 


قسم (البهرام بككى)» وإلى شمال هذه يوجد ثماني قرى أخرى يقطنها #حسن 
ساني» وهذان القسمان يشغلان حوالي أربع عشرة قرية أخرى داخل الحدود 
الإيرانية»؛ وليس هناك خط فاصل بينهماء والقرية الكبرى من المجموعة العراقية 
هي المسماة «دزلي» والمجموعة الأخرى هي «شاري هه ورمان» وقد جاء ذكرها 
في معاهدة «زهاب»» و«مصطفى ساني» بقراها الأصلية الأربع عشرة وبمركزها 
(رزاو) إلى الشرق» لا يوجد لديها أملاك في العراق. وفي فترة ضعف إيران مدت 
كل هذه البطون أطرافها نحو الشرق حتى أن #مصطفى ساني» وضعوا أيديهم على 
ما لا يقل عن (40) قرية في منطقة «رزاو» في أعلى مياه سيروان جنوب غرب 


(سنه). 


وخلافاً لكثير من الأسر الحاكمة لقبائل كردستان». ترى بككزادة (الهه ورمان) لا 
يحاولون إيجاد صلة نسب لهم بفرع التبوة؛ إنما قنعوا بجد أعلى اسمه «طه مراد؛ 
وهو أمير أسطوري للأسرة الكيانية المالكية في إيران» عين بعد وفاة اسكندر بك 
(الاسكندر الكبير) حاكماً على (هه ورمان)» بفضل (بهمن بن طارد اسفنديار) 
(كذا!)””©: ويدعون أن الملك بقي في يد الأسرة إلى يومنا هذا بانقطاع قصير في 
النصف الأول من القرن السابع الميلادي. 


(1) يحيل البكزادة المستفهم دائماً إلى التاريخ غير المطبوع (لهه ورمان): وهو لدى (حسن خان بن 
خان رزاد) الذي يرفض رفضاً جازماً أن يدعه يغيب عن عينيه. ويجب علي أن أشكر تحسين 
بكك بن حمه أمين بكنك لهون) وهو من تلامذة كلية الاقتصاد بلندن - لنقله لى عند عودته من 
العراق سنة 1955 - موجزاً لهذا التاريخ بالفارسيةء عمله الموظف المستخدم لدى حسن بكلك. وقد 
وجدت معظمه تخريفاً وأوهاماً مخيبة للأمل وكان مكتوباً بالخط المعروف (نيم شككسته - نصف 
المكسور)» وبعضه غامض لا يفهم. لا أني استخلصت منه مسائل ذات أهمية منها أن سلالة الأسرة 
قد تسلسلت من أسفنديار إلى الأسماء المألوفة: كيومرث, أول ملك لأسرة بشدادي الأسطورة 
التي سبقت الأسرة الكيانية. كما وجدت أن اسم والي لرستان الذي جهز الجيش» مثبتاً بهذا الشكل 
(شاه ويردى خان)» وقيل إن (كاك مجنون) كان بطلاً من أبطال جيش السلطان مراد الرابع (1623 - 
0؛» كما ذكر العام 1641 تأريخاً لتولية (عباس قلي) الحاكمية وعين وفاته بتاريخ 1664م. 
إن الرواية التي أثبتها في متن كتابي تستند إلى معلومات عمومية سجلتها 1943 وتستند أيضاً إلى 


221 


يروون أن زعيماً كردياً أردلانياً اسمه «أولوخان» أعلن ثورة على ملكه الشاه 
عباس الكبير (حكم 1587 - 1629) واستظهرء ونصب نفسه حاكماً على منطقة 
(زاوه رو) الواقعة على سيروان شرق (هه ورمان)» إلا أن ابئه (خان أحمد خان) 
الملقب فيما بعد (خان الكرد) لم يرض عن أعمال أبيه ولم يشاركه فيها. وبعد 
حملات عسكرية قام بها الشاه ضد (زاوه رو) توصل إلى مفاوضة «خان أحمد 
خان» ليسلم له أباه بعد أن وعده بيد ابنته الأميرة كلاوثير (طاقية الذهب) والإبقاء 
على حياة الأب. فاعتقل (خان أحمد) أباه بالخديعة والحيلة وأرسله إلى أصفهان. 
وأقام الشاه عباس على عهده الثاني بالحرف فلم يقتل (أولوخان) بل سمل عينيه. 
لكن العملية جرت بفظاظة بحيث سببت موته الفوري. فما كان من (خان أحمد) 
إلا أن أعلن الثورة. ربما بدافع السخط على مقتل أبيه (حسب رواية) أو بعد أن 
يئس من تحقيق وعد الشاه في إعطائه ابنته زوجة حسب (رواية أخرى). وما لبث 
أن بسط سلطانه على هذه الجبال وسكن (زاوه رو) شتاء و(هه واركه ى بير رستم) 
شمال (شاري هه ورمان) صيفاً» ويصرف النظر عن مجاهرته بالولاء والطاعة 
للشيخ خان أحمد الحاكم. فقد انتهز أول فرصة فدعاه مع كل أسرته الذكور إلى 
مأدبة وأعمل السيف في رقابهم ثم انثنى إلى أطفالهم فذبحهم في بيوتهم. 


كتيب (مختصر تاريخ (الهه ورمان) وزعمائهم)» كان قد حرره لي بالكردية في العام نفسه (زوراب 
بك ابن أفراسياب بك لهون) وذكر فيه العام 1606 تاريخاً لثورة (أولوخان) والعام 1615 تاريخاً 
للمذبحة. إلا أن اسم الشاه كان يثبته حيثما ورد ذكره باحسين: حكم 1694 - 1722) وهنا موطن: 
الغرابة. 

إن الشاه ويردي خان المشار إليه الذي عزله الشاه عباس ثم قتله في العام 1597 لم يكن آخر أتابكة 
(اللر الصغرى)» بل هو ابن حسين بك الجد الأعلى لولاة بشتكوه الحالبين والمدة المعقولة لحكم 
الشاه ويردي لرستان قد تكون في حدود (1630 - 1660م) (انظر مقالتي بعنوان (كاتب فارسي 
نبيل)» مجلة جمعية دراسات أواسط آسيا الوسطى الملكية» مجلد 16» سنة 1929 ص350). 


222 


رر لصول الفروع الْرُنسَبةٌ من أسرة اليه ورمان الذاكية » 


فتح علي سلطان 
(زوحه |إلرئية) 
عباس فلى بك 


| 
واللى بك 


مؤمن خان 





٠ ْ |‏ ان 
عثمان سلطان ْ 
ْ 5 حمه سلطان. 
حمه سعيد سلطان 
بهرام بك مصلتىسلطان حسن ليان 
حعمرسلطان رسم سلطان | | | 
| -عزيز خان رضافلييكن رستم سلطان 
ا 
حمهأمينبك إفراسيابيك ْ | أ 
مرادخان حسين<ان حسن سلطان 


223 


لكن امرأة من الأسرى حيلىء كانت غائبة فى زيارة لأبيها والى كردستان 
وهناك ولدت طفلها عباس قلىه قنش فى كتف خاله. :وفى تلك الأثناء مريب 
أحمد خان بالجنون ومات. ولما بلغ ااغبائن: قلى» دبل الرجال انج خدمة عظيمة 
للحكومة بقيادته عسكراً «لشكر» من لرستان وقهره ثائراً شديد البأس يعرف ب(كال 
مجنون) ومكافأة له على ذلك عين في المنصب الذي شغله أجداده. 

يظهر في الشجرة أصول الفروع الرئيسة من الأسرة. أما النسل المتأخر فهو 
كثير. ولديّ شجرة أسرة نظمت في 1942. يظهر فيها واحد وسبعون ذكراً كلهم 
منحدرون من العصب فقط للجيل السابع» و119 ذكراً للجيل الثامن. مع ذلك فهي 
ناقصة. ولقد خلف «جعفر سلطان» وحده تسعة عشر ابنا! 

ومنذ سنة 1915 اشتهر اسم (أفرومان) لدى الباحثين الأوروبيين بسبب اكتشاف 
ثلاث حجج مخطوطة ذات أهمية تاريخية عظيمة. اثنتان منها باللغة اليونانية 
وواحدة باللغة البارئية. تم اكتشافها في منطقتهم. وسأعود إلى هذه الحجج في 
فصل تال. 

سبق لي أن نوهت في (الفصل السابع) بشيوخ (الهه ورمان) النقشبندية» وكان 
أبكر شيخين ممارسين للطريقة في العام 1921: حفيدا شيخ عثمان «شيخ علي 
حسام الدين (ته ويله)» وشيخ علاء الدين بياره» وليس لهما طبعاً نفوذ بارزء على 
القبيلتين الكبيرتين اللتين ذكرتهما لكنهما يلعبان دوراً في السياسة المحلية لا 
يستهان به وأنا أشعر باحترام عميق لأولهما لأنه كان يمارس نفوذه الديني لتعزيز 
النظام والقانون وبقي يرفض بإباء كل مكافأة أو أعطية من الحكومة لقاء خدماته 
بينما كان ابن عمه نقيضاً له. كان عجوزاً مكايداً طماعاً. ففي الوقت الذي تراه 
شديد الحذر في تظاهره بالتعاون» ما كان ليضيع فرصة للاحتيال على الإدارة في 
محاولات تسجيل أراض باسمهء هي ملك للفلاحين البسطاء منذ القديم. وكان 
يتقاضى مرتباً صغيرأًء لم يخجل في إلحاحه على زيادته”". أخيراً تمتاز (ه ورامان 


(1) ارتخص هذا الشيخ نفسه أكثر في حركة رشيد عالي (1941) بتوقيعه على الفتوى التي تحبذ الخيانة. 


24 


- اهون» المجاورة منها لشهرزورهء بأنها البلاد التي ولد فيها مذهب وصفه 
المستشرق الفرنسي اللامع”' بقوله: «مذهب هام حقاً من ناحية الفرس ومن ناحية 
أسرار أتباعه» والعقائد التي يمارسونها» وعلى أي حالء فإن الطائفة الكاكائية 
تستأهل فصلاً خاصاً لأهميتها الكبيرة. 


(1) الكونت دي كوبينو (انظر الفصل الثالث عشر من الكتاب). 


225 


- 12 - 
الحياة فى كلبجة 


لما كنت قد فقدت يومياتي ومنها ما يشمل في الأسابيع التي أمضيتها في 
حلبجة في أوائل ربيع العام 1922» فينبغي لي إعادة بناء قصة مجهودي ونشاطي - 
من ذاكرتي التي شحذتها بعض ملاحظات كنت دونتها في زيارة ثانية للقضاء”". 


مما لا ريب فيه أن (عادلة خان) كانت الشخصية المحلية المهيمنة. وهي 
تمارس سلطانها عن طريق ابنها أحمد بك القائمقام بالاسم» إلا أن مدراء النواحي 
كانوا موظفين مدنيين عاديين يتلقون أوامرهم مباشرة من معاون الضايط السياسي 
الذي كان يفصل في كل القرارات الهامة في مركز القضاء. وكان (داود بك) الذي 
يمثل فرعاً آخر من أسرة (كيخسرو بكي) يتولى مهام رئيبس البلدية. وبعد محمود 
باشا سنة 1920 عين ابن له يدعى (علي بك) رئيساً للجاف الرحل. إلا أن سلفي 
أقاله من منصبه هذا لعجزه» وعين مكانه (كريم بك)» بالوظيفة التي كان لقبها 
(وكيل)» وهو عنوان ضئيل الشأن. وكريم بك هو ابن الأخ الأصغر لكل من 
محمود باشا وعثمان باشاء وموطنه (كه لار) التي تبعد كثيراً إلى الجنوب» بالقرب 


(1) إن نص محاضرة هامة شائقة عنوانها (ستتان في كردستان) نظمها (ج. م. ليز) أول معاون ضابط 
سياسى لحلبجة وكان فيها من آذار 1919 حتى كانون الثانى 1921: طبعت فى مجلة جمعية أواسط 
آسيا الملكية في مجلد 15 سنة 1928 ص 253. وقد شارك (نويل) ومارشال الجو هيكنز في المناقشة 
والتعليق مما زاد من قيمة المحاضرة. 


226 


من سيروان شرق كفري. وقد حر في نفس عادلة خان ويككزادة حلبجة أن يحول 
#واسطة عمدة») المناصب» إلى فرع صغير للأسرة» فكان مصدر شكوي مرة. 


وكانت كفاءات الرئيس أو الوكيل تخضع كل ربيع لامتحان قاس. فإذ ذاك يأتي 
دور إحصاء قبائل الجاف البدوية الاثنتي عشرة» لتحصيل الضريبة منهم وتبلغ 
ثماني آنات على الرأس الواحد. يصعب جداً أن يجد المرء أرضاً أصلح لاختفاء 
قطعان كبيرة في الأرض الوعرة المتكسرة الواقعة جنوب (قره داغ). و(المختار) 
الفلاح وهو رئيس القرية المعين رسمياً الذي يضيق ذرعاً على الدوام بأي شكل من 
أشكال السلطة؛ لا سيما عند اضطراره إلى ممارسة وظيفة جابي الضريبة» يميل 
إلى المشاكسة ويصعب قياده عندما تلوح فرصته لتأجيل جباية الضريبة بحيلة ما 
حتى يأزف موعد الهجرة وعبور الحدود إلى بر السلامة المؤقت» والنجاة من هذا 
الخطر بالذات. وكان السبب في إقالة (علي بك) عام أمس هو إخفاقه في السنة 
الماضية بالذات كما أبلغ سلفي كريم بك بأنه لم يكن خيراً من علي بك في هذا. 
وكان معاون الضابط السياسي في حلبجة مسؤولا عن الجاف حتى عندما يضربون 
خيامهم خارج حدود منطقة السليمانية» أي عندما يكونون في كركوك أيضاً. لذلك 
لم أجد مناصاً من زيارة (كريم بك) في (كه لار) بأسرع وقت لأعرف شيئاً عنهم 
وهم في موطنهم الشتوي. 


وفي يوم ما تركت حلبجة مع قليل من الحرس وبعد ثلاثة أميال بلغت نشزاً 
صغيراً متطامناً جميل المنظر طوله ميلان وعرضه ميل واحد تقريباً تقوم في وسطه 
قرية (كونه) في حين تجثم (نه ورولي) على المرتفعات المحيطة به» وأسرعت 
أطلق عليه اسم (الوادي السعيد) لأنه بحقوله المنظمة ومروجه وصنوف أشجار 
التوت على سواقيه بل وحتى الوشائج المحيطة بالبساتين كان أقرب إلى موطني من 
أي موضع وقعت عليه عيني في الشرق الأوسط منذ أن وطئته قدماي قبل عشر 
سنوات. أقول هذا مع وجود كثير من المواقع في كردستان تفوقه روعة وجلالا. 
واحتثثنا مطايانا فاجتزنا واديا منخفضا. وبلغنا بعد ثلاث ساعات من تركنا حلبجة» 


227 


قرية (شه ك مه يدان) وتقع في نقطة التقاء (تانجرو بسيروان) ولقد حول الماء 
ليغمر الأرض الممرعة في بطن الوادي (ره ند) وكان الموضع حاراً رطباً. لقد 
استوطن البقعة في حين من الزمن فريق من أصحاب الجواميس العرب وهي 
المستعمرة العربية الوحيدة في اللواء كلهء بقيت حتى 1922. ثم زالت بعد ذلك 
فباشئرة: 
باشر 


ولا أتذكر الآنء» هل عبرنا (تانجه رو) خوضاً أو قطعناه بالكلك. وكانت 
الطريق إلى ذلك الزمن بمحاذاة الضفة اليمنى لسيروان فوق صخور كلسية وعثاء 
وبعد ابتعادنا زهاء خمسة أميال من (شه ك مه يدان) بلغنا مضيق (ده ربه ندي 
خان) المزدوج الذي يخترقه النهر في شق يقع بين (به رانان) وبين طرفه الممتد 
إلى الجنوب الشرقي المعروف بجبل (خوشك) وهي الحدود بين (خانقين 
وشميران) ويضيق الطريق هنا ويزداد وعوثة وتعترضه مدرجات صخرية عديدة 
خطرة زلقة. وكان امتداده يلوح لنا أكثر وعوثة وخطورة في الجزء الآخر ونحن 
نتطلع إليه من الضفة الأخرى البعيدة واقتضانا ساعة من الزمن لقطع المسافة 
الأولى من المضيق الأول حتى ولوجنا سهل (دزياييش) المنبسط. وهو من أول 
أملاك بككزادة الجاف في مناطق بابان» وفي النقطة السفلى لخروج النهر من 
المضيق وقبل اتساع مجراه كان يوجد دعامات متهدمة لجسر أثري يعين بلا شك 
الطريق المباشر بين السليمانية وكرمنشاه لما كان الإقليمان خاضعين لحكومة 
واحدة. قضيت الليل في مقهى صغير بناؤه من الطين والقصب في (باني خيلان). 
وهنا يتطامن جبل قره داغ ليفسح سبيلاً إلى النهر دون عقبة. وتوجد مواطن عبور 
كثيرة الطروق. 


في ساعات العصر الأخيرة من ذلك اليوم تسلمت رسالة مزعجة من (كريم 
بك) يقول فيها إن رسل (عادلة خان) ينشرون بين الجاف حكاية مؤادها أن قدومي 
ما كان إلا لإقالته» وإن فعلي هذا إن صحء فسيكون ذا نتائج وخيمة في إمكان 
السيطرة على رجال القبائل الذين يصعب ضبطهم» كما سيكون له تأثيره المدمر 


228 


في عملية جباية الضرائب. فبعثت برد مناسب صحبة الرسول حامل خطابه وطليت 
منه القدوم إلى ليلاً. وكتبت هذه الرسالة بخط يدي وباللغة الفارسية وهي لغة 
الطبقة العليا الكردية الأدبية التي درج كرد الجنوب على تفضيلهاء دون اللجوء إلى 
العربية أو التركية. وكان عملي هذا الذي دأبت عليه يخلف اتنطباعاً طيباء وكثيراً ما 
كان يشار إليه في رحلاتي بين الجاف. وصادفنا في الليلة التي قضيتها في (باني 
خيلان) حادثة تفاهة سخيفة لست أدري كيف ظلت عالقة في ذهني حتى الآن: 
وجد صاحب المقهى فرصة ليطلب من أحد مرتاديه الآخرين دفع سحابه ولرغبته 
في إخفاء هذا المطلب غير المؤدب عنيء» واعتقاداً منه أن طلبه هذا قد أفهم منه 
تعريضاً به غير مباشر! فهمس يقول له #فلوسه كى كيتر» فسجل بذلك مأثرة 
استخدام ثلاث لغات في كلمتين فقط وهي: فلوس (العربية)» وكى (ضمير 
المخاطب الكردي) وكيتر (فعل تركي معناه: ادفع)! 


وترتفع الأرض المتعادية غرب سيروان إلى علو (3600) قدم في نقطة تبعد 
حوالي عشرين ميلا جنوب غرب (باني خيلان) وثلاثئة عشر ميلا عن النهر في 
أقرب عطفة وهذه العقدة الجبلية التي تسمى (داري خيلا) تمتد أذرع منها في كل 
جهة وتتخللها غدران دفاقة مفروشة بالحصباء تنحدر حتى سيروان إلى الجنوب 
الشرقي وإلى (نارين) إلى الجنوب الغربي. (ونارين هذا نهير يصب في سيروان 
قرب جبل حمرين) وإلى الشمال الغربي حتى (آوسبي) ولم يكن خط سيرنا بعيداً 
عن النهرء وقطعنا أحزمة عريضة لا تحصى من المجاري تتسع مياهها السريعة 
عندما تبلغ السهل بعد صدورها من (داري خيلا) وعلى مقربة من ينابيع لها كثيرة» 
تقوم خرائب مخافر الشرطة التركية. وقد وجدت في (بيواز» وه باوه نور) ثكنتين 
واسعتين إلى حد ما تعيدان إلى الذاكرة العام 1914 عندما كان النهر هو الحدود 
الفعلية» وكان قاع الوادي يتسع أحياناً بحيث يترك الطريق ذا الصخور الناتئة ليمر 
فوق أرض لينة متطامنة بين غابات من شجيرات العليق الشوكي والطرفاء وكانت 
أنظاري وأنا راكب تشخص شرقاً نحو الجبال على الجانب الإيراني وهي جبل 


229 


(شاهو) بفروته البراقة من الثلج بعيداً إلى الشمال الشرقي» وجبل (به مو) خلف 
(شيخان) تشقه أخاديد لا تحصى. وجبل (داله هو) المرمزي في قلب بلاد 
(كوران). وكثير من السلاسل الأخرى فيما يليهاء ترى الخط فيها يعلو الخط» 
وكلها مجهولة الأسماء عند مرافقيئا. 


وقطع (كريم بك) وأخوته وعدد كبير من (الكويخات) الذين استدعاهم من 
الشمال والجنوب والغرب» عدة أميال على ظهور الخيل «الاستقبالي»» والاستقبال 
هنا معناه الترحيب الرسمي وفق القواعد المتبعة في مثل هذه المناسبات» ثم 
مرافقتي إلى (كه لار) وكانت نية (كريم بك) في هذا نية سليمة مشروعة طبعاًء 
وهي تثبيت سلطانه بأن يتيح لرجال قبيلته ليروا بأم أعينهم كيف ينزل معاون 
الضابط السياسي ضيفاً عليه» أو ربما لكي يسمع مباشرة من السلطة العليا شيئاً عما 
تتتظر منهم الحكومة (وقد تهيأ لهم سماع ذلك بلهجة. شديدة صارمة). 

بقي زي رجال الجاف جنوبي الطابع» رغم دوام احتكاكهم بالأزياء الشمالية 
في مصايفهم. حتى أن أفقر شخص منهم وأصغرهم شأناًء لا ينفك قط عن لبس 
(الكيوه) الطويل فوق سرواله أو ينتوله المزركش» ويرتدي بعض (الكويخات) 
الأكثر أناقة عمائم كبيرة» وكيوات حريرية غالية الثمن على طريقة البككزادة» إلا أن 
هؤلاء قلة لا يقاس عليها. ووجدت الكثير ممن يرسل لحية بشكل دائري وفي 
بعض الحالات يظهر لي أنهم كانوا يعمدون إلى حلق مسافة صغيرة تحت نهايتي 
الشفة السفلى حيث تكون لحية الفتى أقل نمواً من أي موضع في الذقن. 

استرعى اهتمامي بنوع خاص كهل ذو مظهر محترم» يرتدي فوق زبونه 
الحريري أي (الكنيوه) سترة طويلة من الشال الكشميري الإيراني» وظهر لي فيما 
بعد أنه (شيخ حسن) عميد فرع (دول به مو) من الأسرة البرزنجية. وهو وإن 
أجمعت الظواهر على سنيته (المتزمتة) فقد اختاره سكان طوزخورماتو القزلباش 
القليلو التمسك بسنيتهم دليلهم الروحي. هم والقرى التركمانية الأخرى المنتشرة 
على جانبي الطريق العام في لواء كركوك. وإني سأعود للكلام عنه في فصل تال 


230 


وقد صار من الأثرياء المُتْرِبِين بما ملكه من قطعان الغنم والماشية بفضل الهدايا 
الكريمة التي يواصل أتباعه المؤمنون بالخرافات تقديمها له» حتى إنه انضم إلى 
فخذ (شاتري) وصار يهاجر معهم عدة سنين لا يفترق عن أي فرد منهم. وبدو 
الكرد يشبهون بدو العرب إذ يعيشون في خيام طويلة تصنع من أطوال من نسيج 
شعر الماعز الخشن يخاط بعضه ببعض حسب عرض الخيمة المطلوب. وتشد 
الجوانب والنهايات بأوتاد وترفع من الداخل بالهيئة التي تناسب الجو واتجاهات 
الريح. ويستعمل (الجيغ) لتقسيم الخيمة من الداخل أو لحجب محتواها عن 
الأعين الفضولية عندما تكون مرفوعة الأطراف ويمكن قياس أهمية صاحب الخيمة 
أو غناه عموماً بحجم خيمته وسعتها. والقياس المتعارف عليه هو عدد العمد. 
ولمعظم أسر الجاف - كما أسلفت» نوعان من الخيام الواسعة» نوع للشتاء وهو 
ثقيل» ونوع للطريق ومراعي الصيف وهو خفيف. وواجبات إقراء الضيف أمور 
مفروغ منها بين البدو الكرد كما هي لدى المستوطنين منهم. ومعظم الخيم منقسم 
إلى قسمين بجيغ. لفصل حجرات الضيوف (ديواخانه) عن باقيها وفي الجزء الثاني 
تقوم النسوة بواجباتهن البيتية على هونهن وفيه تخزن الفرش والأغطية والمهود 
ومؤونة الشتاء من قمح وأرز وسمن (رون). وفي الخيمة الواسعة يرخى ستار من 
أعلى السقف المائل ليكون الانفصال كاملا بين القسمين. ولا خدر هناك عند نساء 
الكرد. على أن جلوسهن في حجرات الضيوف ليس من ضروب النشاط 
الاجتماعى الذي يشاركن فيه الخال عادة. إلا أن صديقاً عزيزاً للأسرة قد تستقبله 
النساء سنن بشكل طبيعي جداً ودونما تظاهرة بحياء أو حراجة. 


وبعد بقائي يوماً وبعض يوم في (كه لار) ركبت مع كريم بك إلى (جيمان 
كويري) التي تقع على طريق (قره تبه) حيث يضرب (الجلالي) خيامهم وحيث 
يوجد عدد من الغدران تصدر من عيون ماؤها (معدني) يقال إنه يفيد الغنم بنوع 
خاص قبل بدئها برحلتها الربيعية إلى الشمال. وهذه القرى تبعد عن جنوب 
(كويري) باثنى عشر ميلاً. كان (كريم بك) الذي اعتاد معاملة المختارين ورؤساء 


231 


القرى بترفع واستخفاف. كثير الألفة والبشاشة مع أعوان الجلالي الذين استقبلونا 
راكبين وتبادل الجميع العناق بالأكتاف معهء أثناء ما هم يصافحونا بعد ترجلنا. 
ولاحظت أن (توفيق آغا) أكبر أفراد الأسرة الحاكمة لم يكن من جملة 
المستقبلين إلا أنه أقبل إلى خيمة الضيوف معتذراً عن ذلك بقوله إن زوجه قد 
وضعت طفلة في اللحظة التي كنا ندخل المضارب. وطلب مني بوصفي ضيف 
الشرف أن أطلق على الوليد اسماً جرياً على تقاليدهم. واتفق أن اسم (كلادس) 
كان أول ما قفز إلى ذهني. وخطر ببالي بيتين لشاعر من الجاف مجهول: 
(هماتمبهبونهى خالت توشيداوى زولفت بوم) 
(افتاين يتك كانه لاو جز تسبوانن دانتى دازة) 
وترجمتها 
جئت أبحث عن خال في خدك فوقعت في مصيدة شعرك 
جئت كالطير الحائر ولم أعرف أن الخال في وسط المصيدة 
فاقترحت لها اسم (كلده سه) وهو الشكل الذي يلفظ به الكرد الكلمة الفارسية 
المرادفة للكلمة الإنكليزية 508 (باقة زهر زاكي الرائحة). ليس في الموضوع أي 
ذكرى غرام؛ وإذا كان قلب (كلده سه) إنكلترا قد خفق أقل خفقة في ساحات 
التنس في الصيف الماضي (ولست أملك دليلاً حقيقياً على هذا) فقد عاد الآن 
كقلبي يركن مرة أخرى منصرفاً إلى دقاته الاعتيادية دون انتظار عودتي إلى الديار 
مرة أخرى. ورحلت (كلده سه) الجلالي في إثر معظم أطفال هذه البلادء الذين 
يخترمهم الموت وهم في سن الطفولة» وعندما سألت عنها بعد سنتين أو ثلاثة 
وجد الأب صعوبة في تذكر ولادة بنت له في هذه المناسبة. 
بعد أن آذنت الشمس بالمغيب انتقلت من الموقع لزيارة (آغا) آخر ذي مكانة 
وهو (حمه رضا) وفيما نحن نتكلم قعوداً على الأبسطة المفروشة فوق الأرضية 
على ضوء فانوسين زيتيين» وجدت أمامئ صبياً فى حدود الخامسة وجهه ويداه 
ديد القذازة وبطئه ميلع بدو في شق قميض في غاية القتازة: قم إلى 


232 


(الديواخان) دفعاً بزوج من الأيدي بزرت من (جيغ) مقر النساء بقيت أستغرب أبداً 
أن أجد الأبوين عند العرب والكرد في غاية النظافة جسماً وثياباً في حين يتركون 
أولادهم يتجولون ويسرحون على رسلهم في حالة يرئى لها من القذارة وقد 
اسودت أعينهم وأنوفهم بعناقيد من الذباب المتكالب دون محاولة ذبها عنهم. راح 
الأب يداعب الصبي ويهدهده في حجره ويسأله أسئلة ترمي إلى تشجيعه لإظهار 
مواهبه وذكائه أمام الحاضرين. فاندمج الصبي الناضج قبل الأوان غير هياب ولا 
وجل في دور يمتاز بروح تمثيلية. وبعد فترة قصيرة» أطلت الأم والجدة يرأسيهما 
وكتفيهما من الستارة للمشاركة في فصل التعليقات والإعجاب بهذا النبوغ ووجهت 
السيدة الكبرى الأكثر جرأة - كلامها لي مباشرة: أجل يا سعادة الحاكم» إنه صبي 
ذو ذكاء ومواهب عظيمة وببركة الله وفي ظل عدالة الحكومة البريطانية السامية» 
بدأ من الآن يقوم بدورات على الخيام المجاورة بعد حلول الظلامء ليعود بأشياء 
صغيرة» سرقها دون أن يشعر به أحد!». فقلت بآداب السلوك الشائعة الحافلة 
بصنوف المجاملة والتفخيم: «الحمد للهء الحمد للهء سينشأ رجلا مثل أبيه!». إن 
الجلالي مشهورون بأعمال السرقة حتى بين الجاف أنفسهم (طبق ما ذكره ريج قبل 
مائة عام) ولم تخف التورية عن (كريم بك) ولحظت غمزة في عينه على الضياء 
المعتم الذي يخيم على جو الخيمة. 


عدنا إلى (كه لار) معقبين ضفاف سيروان عن طريق قرية (قه ره بلاخ) وتل 
(شيروان). وفي (قه ره بلاخ) استضافنا (الشيخ وهاب الطالباني) وهو من أسرة 
شيوخ السجادة الواسعة النفوذ في عالم الطريقة القادرية. وقد أعلمني بأنه وإن 
كانت معظم أملاك آل الطالباني» بالقرب من كركوك فإن أباه (شيخ حميد) نظراً 
لاتساع نفوذ الأسرة» اشترى أراضي وعقاراً لابنيه (يقصد شخصه هو ومصطفى 
أخاه) الذي يقيم على الجانب المقابل من النهر في قرية (بن كوره) حيث يوجد 
لبكزادة الجاف أراض. 


ويقع «تل شيروانه» بالقرب من النهر وعلى بعد ميلين جنوب (كه لار) وهو 


223 


علامة أرضية بارزة أورد ذكرها كل من (فيلكس جونزء وجيريكوف» وماونسل) 
تل بيضي الشكل طوله من القاعدة حوالى (150) يارداً وعرضه (100) يارد تقريباً 
وقد وقعت عيني على قطع آجر عديدة بابلية الطرز مربعة الشكل طول ضلعها زهاء 
قدم واحدةء وكانت مبعثرة. وقيل لي إن بعضها استخدمه (محمد باشا) جد (كريم 
بك) في بناء جوسق صيد مثمن الأضلاع فوق قمة التل» وهو الآن خراب. لقد 
أطلق (جيريكوف) اسم (أنوشيروانه) على هذا الموضع وهو الاسم الذي قد يشير 
إل الأصل الصحيح الذي حرف عنه الاسم الحالي. وقد ينجم بعض الخلط من 
تشابه اسمي النهر والتل فسمى عدد من الرحالة النهر ب(شيران) خطأ. 

في صباح يوم كنت جالساً مع كريم بك وأخوته في مجلس الضيوف فهبط 
علينا دون استئذان أو إنذار شخص قد يكون منسلخاً عن (حاجي بابا)”" أو خارجاً 
من بردته مباشرة. كان يرتدي سترة طويلة مضاعفة على الطرز القوزاقي أو 
الجيورجي وعلى جهتي الصدر جيبان صغيران بهيئة أضلاع المروحة حشر في 
ثقوبهما خراطيش فارغة ذات رؤوس فضية وطرفا سرواله محشوران في (جزمة) 
روسية عالية» وعلى رأسه (جاجان) طويل مصنوع من فروة الحمل ولحيته الطويلة 
تلمع بصبغ جديد أسود فيه زرقة. دخل واقتعد مجلسأ بين الجماعة المسندة 
ظهورها على الجدار» وفي منتصف المسافة بين الباب والصدر. في حين أتى 
الحاضرون بحركة من يهم بالقيام» ولم يفعلوا. ثم تبادل السلام مع الضيوف 
الآخرين بإيماءات وحركات سلام سريعة دائرية. ولم تلق عليه أسئلة ولم يبدأ 
بحديث,» ثم استؤنفت الأحاديث العامة» وكملت دورتان أو ثلاث من الشاي» 
ويعدها افتتح كريم بك الحديث دون أن يسأل سؤالاً معيناء وفهم منه الغريب أنه 
دعوة له لتفسير سبب قدومه فطفق يروي قصته بأجمل ما يكن من التعابير الفارسية 
وأفصحها مطرزاً أقواله بآيات قرآنية» وأمثال سائرة ومقتبسات من شعر (سعدي) 
وغيره من الشعراءء وكان موضوع كلامه لزوم القيام بواجب الإكرام والضيافة 


(1) مغامرات «حاجي بابا الأصفهاني» بقلم جيمس مورير» طبع لندن 1824. 


2234 


لغريب من السادة المنكوبين» وألقى خطبة طويلة وصف فيها كيف أن غوائل 
الحرب قد أرغمته هو وأتباعه على ترك ديارهم قرب كرمنشاه ودفعت بهم إلى 
جبال القفقاس ولم يتسن لهم الرجوع إلى مسقط رأسهم حتى الآن. ثم طلب من 
كريم بك أن يقدم طعاماً لجماعته في الحال. ورجا مني أن أزوده بكتاب إلى مدير 
ناحية (ينجوين) أوصيه بإطعامهم عند وصولهم - على حساب البلدية. وكان هذا 
وجهة عودة مغلوطة مما أسلمني إلى الشك. فأخبرته أن أقرب طريق إلى منطقته 
هو اجتياز الحدود من موضع يبعد عنا اثني عشر ميلا أو ثلاثة عشر. أما إذا كان 
يرغب في العودة إلى إيران بطريق أسهل وأنظم فأنا مستعد للكتابة إلى ضابط 
خانقين السياسي طالباً تسهيل مهمته ومروره. ولاحظت جواد هذا الرجل الغريب 
خارج المضيف مربوطاً بمعلف. وكان حصاناً أشهب فاحماً ممتازاًء عليه سرج 
قوزاقي. على أن شكوكي تأيدت عندما ألقيت نظرة على خيمته لو كان يجوز 
إطلاق كلمة خيمة على المجموعة البائسة الرثة من الثياب بداخلها. وكان صَححبه 
من طائفة (الكاولية) لا ريب فيهمء ومن الطبقة التي لقيتها في (لرستان) فقراء 
سَقْط من أحط ما يمكن» تعودوا التجوال في أرجاء الإمبراطورية العثمانية طولاً 
وعرضاًء وبطبيعة الحال في القفقاس وإيران أيضاً أو ربما إلى أبعد من ذلك. وبعد 
بضع سنوات وقع بيدي تقرير مصدره سوق الشيوخ التي تقع في الفرات الأدنى 
حول عشيرة إيرانية تريد الرحيل إلى بلادها بعذ قدومها من القفقاس فأيقظت عندي 
ذكريات هذه الحادثة وقد كادت تمحى. فأمرت بإرسال الوثائق التي أبرزتها تلك 
العشيرة إلى بغداد لتدقيقها فوجدتها زهاء خمسين خطاباً تتضمن شهادات من 
شيوخ العشائر ورؤساء بلديات مدن صغيرة عراقية وما إليهم. وفيها يذكرون أنهم 
أطعموا واستضافوا هؤلاء القوم يومين أو ثلاثة ويوصون خيراً «بهؤلاء المبعدين 
المساكين» كل من يقع في طريقهم أثناء رحلتهم إلى بلادهم. ولم أدر أين عاشوا 
طوال هذه السنين وكم من المرات دخلوا العراق. على أنهم كانوا في هذه الدفعة 
يعيشون على حساب الخزينة العامة في مدن الفرات أسابيع بطولها. وقررت أن 
أضع حداً لهؤلاء الأدعياء فعممت نشرة بحقيقة أمرهم. 


2235 


وفي طريق عودتي إلى حلبجة سلكت سبيلاً مغايراً للأول وسرت في أرض 
متعادية» تبعد بضعة أميال عن ضفة النهر الغربية وفضلت اجتياز مضيق. (يه 
يكولى) فوق (قره داغ) حتى أقوم بفحص الأثر الشهير المعروف باسم المضيق. 
والذي تذكره خرائطنا باسم (قلعة أثرية). إن بيت الصنم هذاء أو (البوتخانه) كما 
وبالقرب من الطريق الذي يسلكه الجاف في رحلتهم الصيفية. البناء الأصلي قد 
تقرض» وما يقي لا يزيد عن كتلة من الحجر والأتربة والجص يبلغ ارتفاعها من 
الجنة الشمالية العليا زهاء اثنتي عشرة قدماً. إلا أن السفح مليء بما لا يحصى من 
الأحجار ومعظمها مهندس مستطيل التكعيب. وبعضها منحوت على أشكال 
أخرى» ومنها دائرية. ومعظم المستطيل والدائري منها يظهر عليه كتابات منقوشة 
بالفهلوية. وشاهدت بين الأنقاض رؤوساً وأذرعاً لأربعة تماثيل وفوق كل رأس تاج 
مقبب (يذكر المرء بالقبعات الصوفية الكبيرة التي كان اللر يستعملونها في حين من 
الزمن) وتتدلى من الذقون لحى طويلة وتنسدل على جانبي الوجه جدائل. وكان 
اثنان من هذه التماثيل النصفية في الجانب الغربي» وواحد في الشمال وواحد في 
الشرق» هذا التمثال الأخير وأحد التمثالين في جهة الغرب يبلغ طولهما حوالي 
ثلاث أقدام من قمة التاج إلى نهاية اللحية. أما التمثال الشمالي فهو أقصر بقليل. 
في حين كان التمثال الثاني الغربي صغيراً لا يلفت النظر”"©. 


أول ذكر لهذا البناء الأثري استطعت تعقيبه» كان بقلم (ج. ب. فريزر) ضمن 
فقّرة تتحدث عن شهرزورء مؤرخة 1 تشرين الثاني 4 احدثني شيخ عن 
بوتخانة أو معبد للأصنام» موجود في موضع ما من السهل. وفيه حجر منقوش 
عليه كتابات لا يتمكن أحد من قراءتها». وذكر (راولنسن) عن (بوتخانه) أثناء 
(1) الوصف يستند إلى يومية من يومياتي مؤرخة 16 تشرين الأول 1923» لما كنت هناك ثاني مرة. انظر 
أيضاً مقالي : «منحوتتان أثريتان في جنوب كردستان - المجلة الجغراقية» مجلد 65 للسنة 1925» 


ص 163. 


236 


زيارته (شميران) في السنة 1836 «تقوم على الضفة الأخرى وبمسافة ثلاثة فراسخ» 
حيث يوجد «منحوتات وتماثيل تستحق اهتمام أي رحالة إلى هذه البلاد قد يأتي 
في المستقبل». وقد قام هو نفسه بزيارة الموقع بعد ثماني سنوات أثناء عودته من 
رحلة طويلة دوّن وقائعها (فيلكس جونز) وعاد إلى بلاده ومعه نسخ ورسوم لاثنتين 
وثلائين قطعة حجرية منقوشة بالكتابة ونشر وصفاً مختصراً للموقع في مجلة 
الجمعية الآسيوية الملكية للسنة 1868 كملحق لمقالة طويلة عن الكتابات بقلم 
القس (إدوارد توماس) كقصمط1 0ة:80 .23607 . 


وكان (إرنست هرتسفلد)” عالم الآثار الألماني» هو الرحالة الثاني الأوروبي 
الذي كتب عن هذه الخرائب. فقد قام في أثناء زورتين مستعجلتين إلى حد ماء في 
العامين 1911 و2»1913 بتصوير وأخذ طبعات مضغوطة لحوالى مائة قطعة حجرية 
منقوشة ونشر نتائجه بالإنكليزية مزينة بكثير من الصور الفوتوغرافية والرسوم في 
كتاب قيم جداً عنوانه (به يكولى) وطبعه في برلين 1925 وقد أورد في مقدمة 
الكتاب قصة كان رواها لي السر توماس أرنولد بنفسه2 قال: كان (هرتسفلد) 
مهتماً بنوع خاص بتعقيب دفاتر يوميات (راولنسن) الأصلية لتعزيز مواده الخاصة 
بالموضوع. فبحث كثيراً في المنحف البريطاني وفي مكتبات أخرى دون نتيجة. 
وفي أحد الأيام ذهب بصحبة السر توماس أرنولد إلى مقر الجمعية الجغرافية 
الملكية في (كنغستون كور) لغرض ما. وفيما هو يتطلع غير متعمد إلى صناديق 


(1) هرتسفلد 25664 :دصحظ (1879 - 1948). ولد في ألمانيا وتوفي في بال بسويسراء عالم آثاري 
ذائع الصيت عرف واشتهر بتنقيباته ورحلاته التنقيبية في العراق ولا سيما اكتشافاته في مدينة آشور 
القديمة بالقرب من شرقاط» وسامراء قبيل الحرب العالمية الأولى. (المترجم). 

(2) انظر أيضاً (المجلة الجغرافية) مجلد 65 ص273 014هعة كقدهوط1 :5 ؛ 1864 - 1930: من أعاظم 
المستشرقين البريطانيين. قضى عدة سنوات في الهند أستاذاً للفلسفة في كلية عليكره الإسلامية. 
وهو أول من جلس على كرسي الأستاذية في قسم الدراسات العربية بمدرسة اللغات الشرقية بلندن 
من كتبه الهامة» (الدعوة إلى الإسلام) و(الخلافة) كما نشر عدة كتب قيمة عن الفن والتصوير 
الإسلاميين. (المترجم). 


237 


المعروضات القائمة في قاعة المدخل» استقرت عيناه فجأة على كتاب.مفتوح عن 
صحيفة صورت فيها نسخة من النقش يقع وسط فقرة من الكتابٍ التي أعاد تركيبها 
بما يقرب من الكمال. ووجد أيضاً صورة لوح حجري مهم آخر كن سليماً في 
عهد رأولنسن وأصبح تالفاً في عهده. 


وفي العام 1923» وبناء على رجاء الآنسة كرترود بل” التي كانت تشرف على 

ثرة الآثار العراقية آنذاك (وكانت هي مؤسستها) قمت باتخاذ بعض التدابير مع 
ارا بج م م ا في الوقت الذي كانت 
ثورة الشيخ محمود مشتعلة. وهو يسيطر على السليمانية. وكتب لي هرتسفلد يقول 
شاكراً: «إن التدابير التي اتخذت لزيارتي به يكولي» كانت ممتازة كاملة من شتى 
الوجوه. وبوسعي البقاء هنا براحة تامة لمدة ثمانية أيام منقباً تنقيباً حقيقياً في 
الأنقاض حول قاعدة البرج المتقوض. وهكذا اكتشفت ثلاثة ألواح حجرية أخرى 


(1) كيرترود مرغريبت لوسيان بل (1868 - 1926) رحالة» وآثارية وسياسية إنكليزية. تعلمت الفارسية 
في شبابها لأجل الالتحاق بقريبها الذي كان سفيراً ليلادها في بلاد فارس وفي 1892 أقدمت على 
أول سفرة لها إلى الشرق» وأشفعتها برحلة من إيران إلى القدس وسوريا قاطعة الصحراء في 1900. 
تلقت دروسها العربية الأولى على يدي شيخين في حيفا. وتعلمت من اللغة الهندية ما كفاها 
للرحيل إليها كترجمانة. وفي العام 1905 واصلت دراستها الفارسية. ثم لمع اسمها بكتاب 1166 
هلاه 360 1263626 1907 وبعد أعوام قليلة رحلت إلى دمشق ثم بغداد وألفت كتاباً برحلتها هذه 
تضمن معلومات آثارية نفيسة (من عموره إلى عموره). وقدر لها أن تلعب دوراً أساسياً في سياسة 
هذا البلد أثئاء الحرب العالمية وبعدها. وساعدت لورنس الشهير فى شؤون الدعاية والاستخبارات 
في القاهرة وتحقيق الثورة في الحجاز ضد العثمانيين وفي البصرة كانت تعد المذكرات السياسية 
وتبدي الإرشادات للسير برسى كوكس كبير الضباط السياسيين في حملة العراق. حضرت مؤتمر 
السلام في باريس 1919 وعادت إلى بغداد حيث قضت سنواتها السبع الأخيرة تؤثر تأثيراً مباشراً 
على السياسة الداخلية في العراق ومن مجهوداتها أنها أسست المتحف العراقي وكانت أول مدير 
له. وفيما كانت تنهيأ للسفر إلى بريطانيا توفيت وهي نائمة في فراشها ودفنت في المقبرة العسكرية 
البريطانية فى بغداد. كتبها الأخرى : سفرنامه أو صور إيرانيه 1894: أشعار من ديوان حافظ 21897 
قصر ومسجد الأخيضر 1914 مطالعات في الإدارة المدنية في بلاد ما بين النهرين» رسائل 
كيرترود بل - طبعته زوج أبيها في 1927. (المترجم). 


236 


منقوشة وقد جمعت الآن (130) نقشاً وهو كل ما بقي. وهذا ما يجعل تنظيم 
الكتابة شبه كامل وأكثر أهمية واعتماداً مما كانت سابقاً بكثير». 


هذه النتائج لم تضم إلى كتابه (الذي كان مهيئاً للطبع عندما انتهى من تدقيقاته) 
وهرتسفلد الآن هو في عداد الموتى وليس في وسعي التأكد هل أن النتائج طبعت 
أم لا؟ ولذلك فإن عالم البحث العلمي سيظل يعتمد على ثلاثة أرباع المواد 
المستكوؤة فعلة. 

وبحسب أبحاث (هرتسفلد) وتنقيباته يظهر أن البناية حجرية يحيط بها من 
جهاتها الأربع جدار خارجي مبني من الحجر المهتدم. وخلافاً للألواح الحجرية 
المستطيلة ذات الكتابات وجد كتلاً حجرية أخرى لا بد كانت جزء من المقرنصات 
والأسوار بأبراجها وأفاريزها وكواها. 


وذكر أيضاً تمثالاً نصفياً كبيراً على الجهة الجنوبية (لم أنتبه إليه كما يبدو) وهو 
يرجح أن التمثال الثاني من جهة الغرب كان أول تجربة نحت قام بها النحات ثم 
أهملها قبل إكمالها لأنها صغيرة الجرم. ولذلك لا يكون البناء قلعة أو معبداً وإنما 
هو برج قصد منه نقش كتابات عليه وأن يرفع عليه تمثال يشبه الملك الذي أمر به. 
وتشغل الكتابات سطراً واحداً قصيراً في القمة» وسبعة أو ثمانية صفوف على 
الألواح الصخرية المهندمة بطول الجانبين الشرقي والغربي أحدهما بالفهلوية 
والآخر بالبارثية. وريما أقيمت التماثيل بارزة فوق الأسطر القصيرة العليا وعلى 
ارتفاع مساو للجهتين الأخريين العاطلتين عن الكتابة. لقد طمست هذه التماثيل 
بفعل عوامل الطبيعة إلا أن الرموز الملكية وهي القلادة والأقراط ما زالت ظاهرة 
للعيان. ومن شكل التاج الذي يختلف عادة عند كل ملك من ملوك الساسانيين كما 
تدل عليه النقود المسكوكة فضلاً عن الكتابة نفسهاء يظهر أن النصب التذكاري 
أقيم تخليداً لاعتلاء نرسي (نرسيس) عرش الساسانيين وهو من ملوك الأسرة 
السابعة بعد أن أزاح في العام 293م ابن أخيه بهرام الثاني عن العرش. وقد سجل 
فيه جدول بأسماء الحكام المستقلين (المرازية - مرزبان) والزعماء التابعين فقط. 


259 


أما النصوص فتعتبر أهم وثيقة ميسورة في زمننا هذا باللغتين. مما يجعل هذا 
النصب ذا قيمة تاريخية ولغوية فريدة في بابها. 

إن البروفسور (و.ب. هدنك ومنمع]ة .8.8) نشر مقالا”"© في الآونة الخيرة» 
مفصلاً ومصححاً بعض استنتاجات (هرتسفلد) وبذلك ألقى ضوء على الأسباب 
التي دعت لاختيار هذا الموقع البعيد غير المطروق ليقام فيه النصب الفخم. كان 
ولي العهد الذي اعتلى العرش باسم (بهرام الثالث) صبياً قاصراً بعد وفاة أبيه 
(بهرام الثاني) ففضل حزب ذو نفوذ من (العظماء والأشراف ورجال الدولة) أن 
يجدوا للعرش شخصية قوية وعرضوا التاج على (نرسي) الذي كان آنذاك ملكا 
على (أرمينيا الكبرى) وهو أصغر وآخر حي من ولد شابور (سابور) الأول الكبير 
(حكم ما بين 241 - 272م) ولذلك خرج (نرسي) يقصد (قطيسفون > المدائن) عن 
طريق (كنزاكه) في آذربيجان وشهرزور واجتمعت هيئة الاستقبال من العظماء 
والأشراف في (بنقدره) التي تبعد زهاء 125 ميلاً شمال العاصمة ومكثوا ينتظرون 
أنباء مقدمهء ثم إنهم ركبوا منها في مسيرة يومين أخر شمالاً لاستقباله في سفح 
آخر عقبة جبلية يقطعها وهو يقصد السهل. وقد أقيم نصب (يه يكولى) التذكاري 
هناء بأمر من (نرسي) تيمناً بالموقع الذي نودي به (ملك الملوك). 

اجتزت جبل (به رانان) من مضيق (بشت رى) متبعاً طريقاً يبعد بضعة أميال 
شمال الطريق الخارجي وقطعت (تانجه رو) فوق جسر (توه قوت) وفي مشارف 
حلبجة التقاني عامل البرق الأنكلو هندي مع شرطة التعقيبات وأعلمني بأنه على 
إثر التقارير الواردة تبين أنه قد نصب لي رجال القبائل كميناً وأوقعوا بي» ولهذا 
خرجت جماعة كبيرة من شرطة السليمانية للبحث عني وأضاف بلهجة أسى 
مسرحية» بأنه أجاب على هذا كلهء ببرقية قال فيها: «مهما يحدث فإن العلم 
البريطاني سيبقى خفاقاً»» وأنا ما كنت أشك في صدقه» فهو ينتمي إلى طبقة 


(1) (وداع لخاقان آق أكاتاران) في مجلة مدرسة الأبحاث الشرقية والأفريقية لجامعة لندن» مجلد في 
0 ستئة 21952 ص 501. 


2140 


مخلصة جداً وشجاعة على الأرجح خلافاً للاعتقاد السائد. كانت هذه الحادثة من 
النتائج المتوقعة في الجو المشحون بالقلق. على أن جولتي كانت ناجحة وسالمة. 
إن مجرد القول بأن الجاف لم يشكتوا وإن حبلهم ظل على غاربهم كان يزعجني 


ويورثني القلق. 


من أوائل زائري في حلبجة» اثنان من شيوخ النقشبندية هما (حسام الدين ته 
ويله) و(علاء الدين بياره) انتدبا للترحيب بي. وكانت هديتهما لي صندوق «من 
السما»ء» (وهو نوع من الحلوى يعمل في كردستان وأنحاء أخرى من إيران» من 
مسحوق أبيض تفرزه حشرة على أشجار جبلية معينة)» وزوج من الجوارب ذو 
حياكة دقيقة وزوج (كلاش). وكانت الرزمة ملفوفة بمنديل حريري من الصناعة 
المحلية أيضاً. ولفت نظري بين جماعة (حسام الدين)» أحد أتباع (أمير مقتدر) 
الخان الأكبر في (تالش) وهي المنطقة القريبة من الحدود الروسية في الزاوية 
الجنوبية من بحر قزوين. وهو زعيم كانت تربطني به علاقات طيبة جداً أثناء 
وجودي في قزوين» باعتباره عدواً ومنافساً ل(كوجك خان) زعيم ثورة (جنكلي) 
ضد الحكومة الإيرانية الموالي للبولشفيك. وقد دلني حضوره إلى حلبجة على 
اتساع نفوذ هؤلاء الأحبار الريفيين الكبار في الطريقة النقشبندية وليس ثمة غاربة 
في قطع مسافة تقارب (400) ميل ليحظى بعدها بتقبيل يد دليله وشيخه. وكان على 
بطبيعة الحال أن أقوم برد الزيارة للمندوبين. 


إن الوصف العام لإقليم (لهون) من جهتي الحدود (ذات الخط غير المنتظم 
كما أسلفت) يمكن تشبيهه بنتوءات عظيمة تمتد منحدرة من هضبة (هه وره مان) 
متجهة بشكل عام نحو الجنوب الغربي تاركة فيما بينها أودية تتفاوت في الاتساع 
كمسننات المنشارء وتحتضن الوديان الكبرى قرى ذات أهمية» تتخللها وتحيط بها 
بساتين واسعة وغابات من أشجار الجوز. والوديان الصغرى لا تخلو من يتنابيعها 
الخاصة وبساتينها ومجموعاتها السكنية الصغيرة التي تتراوح بين ثلاثة أكواخ 
وأربعة. وكانت سفوح الروابي مدرجة بحذق وبراعة تدل على قدم السكنى في هذه 


241 


الديار وقد أخبرني مهندس ري شهير مرة أن علمه لا يمكن أن يضيف معرفة إلى 
معارف (الهاوراميين) في التسويات الهندسية لغرض إنشاء الأقنية في أراضي 
الجبال. 


و(ته ويلة - طويلة) هي مثل حسن لقرية (هه ورامية) كبيرة» دخلتها من طريق 
تحف به بساتين جوز كثيفة وغيرها من الأشجار يأخذ بعضها بحجز بعض وترتفع 
عن قاع الوادي. وكان من المتعذر إحصاء عدد المدرجات (ته لان). ولكن كان 
يوجد في بعض المواضع عشرون مدرجاً على أقل تقدير. وبعضها لا يتسع إلا 
لخط واحد من الأشجار. وكانت أقنية الري السريعة الجريان تتتابع متصلة بعضها 
ببعض لتروي عذة مدرجات وبعدها يسقط ماؤها في شلالات من مدرج إلى آخر. 
وكل ساقية يتعين عليها أن تسقي مدرجين أو ثلاثة. والماء مقسم بين أصحاب 
البساتين بحسب الساعات في الأسبوع الواحد. وحقوق كل شخص فيها معروفة 
ثابتة منذ القديم ولذلك لا يوجد نزاع مهما كان. والقرية نفسها تقع في نقطة اتصال 
واديين» وتبعد زهاء ثلاثة أميال من قمة الجبلء» وبيوتها التى تعد ما بين ثمانمائة 
وتسعمائة مبئنية بالحجر والجص». وهي ذات طابقين عادة» وهناك صفوف من 
البيوت تتراوح بين عشرة وعشرين» الواحد منها فوق الآخر في كل القرية. وعندما 
حل الظلام وبدأت الأنوار تشع من البيوت في الجهة المقابلة للوادي» كنت وأنا 


وفي بطن القرية تقوم تكية الشيخ حسام الدين» وهي جميلة المنظر غير 
منتظمة الهندسة إلا أن هذا الرجل العجوز وجد أن بقاء المختار (الهوراماني) 
الصغير في القرية معه أمراً لا يطيقه فترك تكيته إلى قرية جديدة تدعى (باخه كون) 
على مبعدة إلى الشمال. وهناك وجدته يقوم بالبستنة والعناية بروضة أزهار للزينة 
وبالقرب من التكية توجد مقبرة الأسرة الصغيرة حلالي منظرها في مناسبة أخرى 
فى أيار وقد أزهر فيها السوسن الأزرق ذو الساق الطويلة وكان يشوهه وجود 


- 


242 


القبور ذات المظهر الحقير وبعضها مغطى برقائق من الصفيح الصدئ وهو عبارة 
عن (تنكة بنزين) مفتحة الجوانب ذات سعة (أربعة غالونات). 

ومعظم أهالي (ته ويلة) صناع» يمتهنون الصناعات اليدوية فضلاً عن امتلاكهم 
البساتين. و(كلاش) ته ويلة» مشهور في كردستان. وقد راقبت إسكافيا يصنعه. كان 
النعل من قطع قماش بال صغيرة» يقطعها بالعرض المناسب لكبر النعل المطلوب. 
وبشكل يكفي لتطبيق ثنياتها مرتين أو ثلاثاً حسب السمك المراد. وكان أمام 
الإسكاف جذلة ارتفاعها حوالي قدم يستعملها بمثابة سندان. وكلما كان يثني 
الخرقة ثنية أو اثنتين يطرقها طرقتين أو ثلاثة بمطرقة نحاسية على شكل قطعة الرخ 
في لعبة الشطرنج. ثم يمد ما تكون من طيات على جذلته ويثقبها بالطول بسفود 
طويل ذي مقبض (بيكه نه) حتى يبلغ نصل السفود إلى طول النعل. ويعدها يعمل 
أربعة تقوب طويلة بآلة تدعى (دره وش) وهي أشبه بمثقب حاد الشفرة منه بسكين 
قاطعة. ثم يدخل في الثقوب أربعة سيور جلدية وتخرق خرقاً شديداً وتقوى نهايتا 
النعل من جهة الأصابع بقطعة تدعى (الأنف - لووت) ومن جهة الكعب بقطعة 
جلدية (جه ك) أو بقطعة من القرون وكلمة (كلاش) التي تطلق عموماً على كل 
حذاءء يقصد بها هذا النعل فقط. إن الجزء الأعلى من الكلاش (سري كلاش) 
نسيج من الخيوط القطنية (به ر ك). ومن الصناع الآخرين الذين لاحظتهم. 
الحدادون والنجارون» وإسكافية أحذية المطاط (كه وش)» والنساجون ووجدت 
أيضاً دكاكين بقالة وبائعي خردوات» وتجاراً صغاراً في بضائع الترانسيت الإيرانية» 
ومن أهم بضائع التجارة الصمغ (بنيشت) الذي يستخرج من شجرة (قه زوان - 
حبة الخضراء) التي تنمو في الجبال من تلقاء نفسها وأفضل أنواعه الأبيض وهو 
يستحصل من أول عملية احتلاب في السنة» وتقل الجودة إلى أن يصبح اللون 
مائلاً للصفرة أكثر فأكثر ويعتمد رزق كثير من القرويين على جمع هذا الصمغ 
ونقل جوزهم وتوتهم المجفف إلى مناطق السهول لمبادلته بالقمح”'' وتقطع 


(1) إن الدخول في موسم التوت يحتفل به بيوم لهو ورقص للجتنسين يدعى رقص كزيدان - التنظيف.- 


243 


الحدود الدولية هذين الواديين فوق نقطة اتصالهما بميل واحد. ومنها ركبت متجهاً 
إلى الغرب حتى بلغت نهاية البساتين بالقرب من عمود الحدود المرقم (76) وهنا 
وجدت غديرين ماؤهما مثلوج يصدر من نبعين في سفح الجبل ليحفظهما من 
شائبة القذارة بنيت قبة فوقهما وهذه القبة هي مقصد الذين لا عمل لهم في موسم 
القيظ. وتتصل البساتين الطويلة اتصالاً مباشراً ببساتين (دزاوه ر) على الجانب 
الإيراني الآخر من الوادي الثاني. على أن الخط الفاصل بين أملاك الطرفين مثبت 
الحدود لذلك لم يكن يثير خط الحدود الذي يتبعه تمامأء أية مشكلة خاصة. 


و(بياره) ليست غير موقع آخر مثل (ته ويلة) إلا أن خط الحدود هنا شديد 
التعقيد بدرجة تفوق كل وصف وهذه القرية مبنية على جانبي واد واسع وتعلوها 
ثلاث قرى تابعة لإيران وهي (هانه كه رمله) و(كيمنه) و(بيره رواز). وتتصل 
بساتين ورياض هذه القرى الأربع بعضها ببعض وهنالك ساقيتان على منبسط عال 
فوق الوادي مجراهما متعرج» يسقيان البساتين التي تلي البساتين العليا مع ساقيتين 
أخريين صادرتين من النبع الرئيس القريب من (بياره) وهكذا تنزلان لسقي 
المدرجات على التوالي. لقد وجد أعضاء لجنة حدود العام 4 أن تحقيقاتهم هنا 
اداو مهدا مكيب ورد امرأتين للمالك إحداهما تسكن بياره والأخرى تسكن 
(هانه كه رمله) فيقسم الزوج وقته بين البيتين. ووجد أن بعض الأملاك العقارية 
ايان بعر تحيديا عن مله مشتركة بين أشخاص يقطنون في كلتا الجهتين؛ 
وعلى العموم فكل البساتين التي تسقى بالسواقي العليا تعد أراضي إيرانية وكل ما 
يسقى بمياه المنخفض 0 ولذلك رسمت الحدود الدولية بموازاة 
مجرى قناة يكاد لا يبلغ عرضها ثلاث أقدام تمر وساط بساتين كثيفة» على أن 
يكون بينهما مسافة ليست قليلة» وجعلت الساقية في تركياء أما الطريق الذي 
يحاذيها فيدخل ضمن الحدود الإيرانية. وقد وجد فى مينان التطبيق العملي أن 


-تنظف أرض تحت أشجار التوت تنظيفاً جيداً قبل إرسال الصبيان لهز الأغصان وإسقاط الشمرء 
لتقوم النسوة بجمعه. 


244 


القرويين بإمكانهم دائماً الاتفاق على حل مرض لو تركوا وشأنهم. لكن عندما 
يكون موظفو الجانبين حريصين يحرص كل منهما على (درهم لحم عن فإن 
ذلك يؤدي إلى مشاكل خطيرة عند القرويين. 

ومن (بياره) انتقلت إلى (هانه كه رمله) بين غابات جوز» لأقضي ليلة ضيفاً 
على (آفراسياوبكك)»؛ كبير أسرة (لهون). وأذكر من زيارتي هذه دهشتي لرؤية 
وسائل صحية منزلية تفوق جداً كل ما شاهدته منها في العراق وإيران وخارج (هه 
ورامان) من قبل ومن بعد. وهي دليل واضح على تفوقها على كل منجزات 
فسياسيان”'' الصحية في إيطاليا! فمقابل المسجد على سفح التل يوجد خط من 
الغرف: الحنجرية المسقوفة لكل منها ياب خشبي». يجري في داخلها الماء يساقيتين 
منفصاتين وعلى مستويين مختلفين. العليا سهلة المتناول ويستخدم ماؤها للوضوء 
والسفلى مجرى سريع يقوم بمثابة مصرف للمياه القذرة. 


لا بد وأن (الهه وره مان) ظلوا منعزلين أكثر من غيرهم وبشكل تام؛ عن 
التأثير الأوروبي؛ مباشِراً أكان هذا التأثير أم غير مباشر - وذلك عن طريق 
الإصلاح الإداري (التنظيمات الخيرية)© التي جرت في تركيا أثناء النصف الثاني 
من القرن التاسع عشرء فهم أيعد من غيرهم عن المراكز الإيرانية والتركية. إن 
القصيدة التالية للشاعر الكردي (عبد الله كوران)0© ستقدم رغم ترجمتي الحرفية 


(1) تيتوس فلابيوس سابينوس فسباسيان (9 - 79م) إمبراطور روماني» اشتهر بعمرانه في إيطالياء 
وبنظام المجاري وإسالة الماء الذي ابتدعه في روما ولا تزال آثاره شاخصة. (المترجم). 

(2) وتعرف رسمياً «كلخانه خطي همايوني» ويعزى وضعها إلى مصطفى رشيد الصدر الأعظم في عهد 
عبد المجيد الأول العثماني (حكم 1839 - 1861) وهي إصلاحات قانونية واجتماعية. صدرت على 
شكل فرمان سلطاني نقلت به البلاد العثمانية من النظام القديم المبني على المبادئ القيلية إلى نظام 
الدولة الحديثة. فقد تبنت الأسس الحديثة للحريات الشخصية وواجبات الدولة في حمايتها كان أن 
منعت إنزال عقوبة بدون محاكمة» وساوت بين المواطنين بصرف النظر عن أديانهم إلخ. وعدت 
أول خطوة للنهضة العثمانية. (المترجم). 

(3) عبد الله كوران (1904 - 1962) هو عبد الله بن سليمان بيكك المعروف ب(كاتب القادرية). ولد في 
حلبجة وبدأ كشاعر رومانتيكي متأثراً بالرومانتيكيين الترك والإنكليز (أمثال شيللي وكيتس) قام- 


245 


السريعة» شرحاً لانطباعاتى هذهء يفوق أي وصف أقدمه أنا ولعل فيها إكباراً 
وتعظيماً لشأن التقاليد وطرق العيش التي بقيت سائدة منذ مجتمع الإقطاع 
الإسلامي الغابر. 


كه شتى له هه ورامان (جولة في هه ورامان) 


احادئفة فى ريكاق يان 
كومهلهشاخيك سهخت وكهردنكهشء» 
تكاسينمناتى سكي #برتسوت» عاروش 
سهريوشيلووتكهبهفر زور سيىء 
بودارستانرهش ناوهولي كليي. 
.جوكهىئاوهكانتيايقهتيس ماو: 
ههرئهرون ناكهنييجي شاخ تهوو. 
هووارو هازهي كهف ججهريني جهم 
بوت دهنيايي شهولايهلايهي خاهام! 
توولهرىباريكه. تووناوتوونثيشكن 
ريبوارئهخاتهثئهنديشدى بى بين... 
ناوريكاتهقتهقء لارى بوه ردى زل 
كههيشتاكوهررهوونيى ىنهدوةتل 
كلا سه رووروورهء كا سه برهو خخ واره 
تاي وشيرينيى دنياى ريبوره!.. 
-بدور تجديدي في الأدب الكردي شكلاً ومضموناً وصار واقعياً. قضى سنوات في السجون 
والمنافي. من آثاره المطبوعة (فرميسك وهونه ر) أي الدمع والفن و(به هه شت و يادكار) أي الجنة 


والذكرى. (هه لبؤارده) وهي مختارات من القصص المترجمة و(به ما بي كورد) أي الرسالة الكردية 
و(سروشت وده رووه) أي الطبيعة والضمير و(لاوك وبه يام) أي (اللاوك والرسالة). (المترجم). 


26 


الترجمة 

منظر في عرض الطريق 
كتلة من الجبال صلبة متيئة» جمعت في حضنها السماء الزرقاء 
والعباءة التي تكسو قمتها بشلج ناصع البياض وتلفها من الأسفل 
بسواد الغابة» في صمتهاالهاجعء في بطون الوديان 
والمياه الحبيسة في سواقيها تجري باستمرار» وتظل تلتف حول الجبال 
عد لتر لنطل غناء الساقية الصاخب ونواحها الحزين في هدأة الليل 
وشعب الجبل الضيق يتلمس دربه من نفق إلى نفق 
ليسلمعابرالسبيلإلى قلق لانهايةله. 
وعلى مدرج الشعب الصخريء وجوانبه؛ حيث الصخور الهائلة 
الع الت شدمه جود سيدا الو التوتارجف: 
هاهوالآن في قمةالجبلء.هاهوالآنفيأسفله. 
دلق سوعائع التمسافر التصوال؛ تحتو ة وميه 

2 - ريكاى ناوياخ 
بيش ئوهوهىبكهىبهئاواتى دى 
تنه«كشيتةتهناههوباختوولهمارى رى 
شلنهى سي بوهرى ذدارى كوي زوتوو 
كهسررى ثارهقى ريبورى مانوو... 
سهسكينىى ريكاى باخهوباخى ويل 


مانوونتهبىيهلهمكيلء» ا 
-سوهلامونعهلهيك مامهدى بن داركويز 


2417 


سولامى مانوولهييرىيىى هيز ... 
-مهرحهباسهرجاوء بهجكهىىء كاكولقيت"" 
سمورى س وهرردره روى لدي زرك وزنيت! 
توورى.ء»ههئوروى..توهلانبهةتوهلان» 


تهمجارئهكهيتهييجى به رمالان... 
ا : 
طريق بين البساتين 
قبلوصولكالقريةالتينقصدها 
يصعد بك الطريق كالحيةالملتويةبينالرياض 
والنسيمالرخي في خلال أشجار الجوز والتوت 
يجفف عرق جبينالمسافرالمتعب 
«قواك الله4ه» هذه التحية من ذلك المستقيل وذاك» 
زيل عدك أنئاب الطريق الوعرة هن بسعناة إلى مسعان 
السلام عليك أيها العم الجالس تحت شجرة الجوز 
تتكهىئى تحنية المتعيب: للعجوزالوافن. 
ا ا 1 
إن سنجابي على الشجرةيافتايالنشيط 
سرهء سرإلى الأمام من مدرج إلى مدرج. 
حتى تلص ل إلى حدوهدالبيوت. 





(1) كاكول: جوره سه رو كووودله يه كه له هه هه ورامان باوه. (المترجم). 

(2) إن فتيان أنحاء كثيرة من إيران وكردستان يرسلون شعر رأسهم إل الخلف حتى مستوى قاعدة الرقبة 
بأن يمشط ويقلب إلى الوراء ويكور ليخرج من تحت القبعة أو العمامة. وهو ما يطلق عليه 
(الكاكول) مثل (زي الحلاقة الحديث المنتشر بين الشباب الأوروبي اليوم). (المترجم). 


248 


3 - دى 


كامبهربهربهروجكوه زور ياصهفايه 
حجٍهشنلىىدلى شاددى يه ئكاوايدا! 
خانووىبهكزهدهلهساىدره ختا 
ا ا ا ا ا 0 3 ل ل 
خانووىئههالى يش زوريان دوو نهودم: 
يهكلهسهريهكتربهرهولووتكهى كيو 
حوئ تمان قنه جد وى يك هن 0 
لهدىداكامجيت كهورهبهرجاروكهوت: 


الترجمة 


قرية 


فيا لواف امريد مسن حب لقعي امدرستان 
ومنزلالبكزاده الذي يقع تحت ظلالشجرة 
هو أشبهبراحة العروس في حصن الحظ السعيد 
بعضه مستقيم عموديء» ويعضهمحدودب منتفخ 
مفضيةإلى السماء مثل درجات المارد الجني 
وأكبر مساكن القرية» هو منزل الآغاوالخانقاوالمسجد 


00 بى بيلكه : قالدرعه. (المترجم). 


219 


4 - زيني ديوه خان 
كهدكهيشتيتلهه بوه رههر كاى كهوره 
ههرخخزمهتكاروهوليتئ هلاه وره» 
زفنتك نيف ان نه وة ن تناكوديوه خان) 
كيترديوانهومهرحهباى ميولن... 
دور ستهى خزمهتكارفيشهكادانلهمل» 
ننه جضية فشحه و فشتك سه زوه تله ول 
دوست لهسهرخهنجهرجهاوهرىى فهرمان: 
جج بلوسهربرينء جبوسوهردانان! 
ههجكهسيك تازهبيتةتهدديوهخان 
حو نميو غتنبيى ننه ] انهو عبطا ا 
كدهرمههدي ونئى شهوى ب هكزهه 
تيكوهلوييكوهل بابهت ومساده!.. 
الترجمة 
عندما تبلغ مشارف باب كبير» تسمع ضجة الخدم والناس من حوله 
وهم يفسحون لك إلى المضيف حيث يستقبل الضيف مكرما معززاً 
ترى المضيفين بأجندة رصاصهم المشدودة على أكتافهم 
ورؤوسهم وطاقياتهم منتفخة بالعمائم الحريرية الزاهية 
قبضاتهم على خناجرهم ينتظرون أمرأء إما بقطع رأس أو المجيء بالعشاء 
كل قادم جديد ما يدخل الديواخان حتى يقوم بالتسليم ويحني هامته 
وتزداد اجتماعات البككزاده الليلية حرارة في تبادل الآراء الهامة الكثيرة 


(1) ته بله: كلاويكي ره قه له خورى, هه ورامى له سه رى ثه كا. (المترجم). 
(2) كرنووشى: سه لام به خو نووشتاندنه وه بوبيشه وه. (المترجم). 


230 


5 - مه لاى ديوه خان 
لهزذيرصميلزهرام وهلاى نووشةتاووه» 
زستكسنىق بصو سيسةة و ست كا برش وانتلاةة: 
قيافهتيهريووتوهك كيتقيى كون 
زمانى شيرين» سيماىنهختى مون 
بازىروحى جهش بهش يعروئهههب 
بودلامششيووه زووىعهجهموعهرهب.. 
بوصميوانبدبىئ ماي هى ته س هلا 
ل هكورىش وددا:: م هلاي هوم هل0! 
توومهلاوشيعروفهلسهفهى تئتيسلام 
كوي راكرتكنى تاوتااوى ع وه ومء 
بهبىزيادوكهمدينيتهييش جو: 
سهرتنتجى كويرانله نامهدى تنتووسرو..! 
كهديوان جول بووء جووبته ناو جيكااء 
ددس قهكريتهمل خ وهوى ياش ريكّكا! 
الترجمة 
انظر إلى الملا الذي ينوء بئقل عمامته الكبيرة الواسعة المنقوشة 
المبعثرة فوق صدره ووجهه المليء بالتجاعيد كأنه سفر عتيق. لسانه 
يقطر حلاوة وأذنه تنطق بالنعومة مثل البازي» رفع القناع عن شعره 
وأدبه ذي الأساليب القديمة بالفارسية والعربية وتنظر إلى الضيف الذي 
هو مصدر تسلية. وترى الناس في مجلس الليل ينادون «ملاء ملا». 
وأنت والملا والشعر وفلسفة الإسلام» والإصغاء المرهف يوضح 
بالضبط لا أكثر ولا أقل - درجة طاعة العميان لآيات القرآن. وعندما 
يخلو الديوان» وتأوي إلى حجرة نومك, ما تلبث أن تحتضن النوم 
الذيلا,بدهومدركلكك بعد سس فر. 


251 


(اتتعلت سه لانن ين) شعنية لقعا تحت داتعي 
تاريكوليلىبوهرىبهيائه 
ملكتىيهجىماولهسهقهرى شهو 
زوردولهترسى قاسيهقاسيى كهو! 
كهدستيرهى مهغريب وهكقهترهىئكهمهل 
ككزكزئكهتكيتهناوبهفرى سهركوهل! 
لهرىىئهوبهرى شا ده نكي زه وك دى» 
لهشويتىراوكهرتهقهىتفهنك دى! 
ههرسيحرى رووتهسروشت كيستاكه! 
وابهت هووىهدئت ي اوو ‏ و“تاكه 
رودره حت قوداشضنتدى بى سه حور 
لهسوهرجوكوهىئتاش قاازومروى 
جاه رى ى رورن ههلبيليتى جاوىء» 
بهلامتاخولقىنهكاجيشتهنكا" 
نايهتهناودىيرش ان كىك ههتو! 
الترجمة 
«الله أكبر» إنه وقت آذان الفجرء في ضوء أولى ساعات الفجر المعتم 
والقمر المتأخر من دورة الليل» شاحب الوجه ممتلئ خوفاً من صياح 
القطا ونجمة المساء مثل قطرة الأمل» تزداد عتمة ثم تسقط في الثلج 
الذي يكسو قمة الجبل ومن مكمن الصياد تدوي طلقة بندقية. انظر 
كيف أن الدنيا كلها منيرة. إن حسن وجهها غير مجلوب وغير مزخرف 


)0 مه به ست له به ر به رزى ى شاخه كانى ثه تراف» تا كاتى جيشته نككاو تيشكى رورٌ له نا ووى نادا. 
(المترجم). 


252 


ونسيم الصبح يهدهد الأشجار التي تميل بتألق شبيه بوخزات صداع 
الرأس والأوز والبط على ساقية الرحى ينتظر الصباح ليفتح عينيه فإن 
لم تدخل أشعة الشمس القرية فستبقى تنتظر فطورها 


7 - مزكه وت 





جيا ىمزكهوتينشتوتهناوجهم 
رووبهرهوقيبله بيشت لهجههه:نام! 
مزكهوتى كاتىى جيشتهنكااى جول 
وهوك مردووكلفنثئى بىدهزنكّى بي هكول 
سوورهجحجططنسارى ل كوويويدري رٌ 
سيبهرئهكابوخهوىبهرردهنوير! 
جار جار ئيمامىتهنيامى كوشهى حهوز: 
سهرسنك ماجئهكاريشىبهوهنهوز! 
كهسيك بانك تئودائهشلهقينى كوم 
كيمامههلدهشى:داربهدهستء» بشعكمما! 
ليا هوؤار شييةه سيروة ابيط امنيا 
نويؤبهتالنهبىىء جهماعدت بلاو 
جهنييريك كش هينب هخلتدى لافاو: 
سوووجيك كُوهرمئهكهن بيه رازى جوانى» 
تاخبهبائوووهنبيوهدنيى فانى! 

الترجمة 


مسحد 


أسس المسجد تغوص في الساقية» وقبلته مكة وظهره نحو جهنم 
إن السجد الغالي رفت الفطرن يديك مكفتا ركفن الصينت 


253 


وشجرة الجينار الأحمر تنشر أغصانها المديدة وتلقي بظلها على أرض 
الصلاة وبين آن وآخر يحني الإمام لحيته لتلشم صدره وهو جالس في 
ركن الحوض وحيدا ويقوم أحد الجماعة مؤذناً ويحرك ماء البركة 
فيقف الإمام وعصاه بيده وظهره منحن «الله أكبر» وقبل أن ينتهي 
الآذان» ما تلبث أن ترى المكان وقد امتلاً بالمصلين. انتهت الصلاة 
وانتشر المصلون. وتبقّى قليل من الشبان في الصحن جالسين في ركن 
يتذاكرون أسرار الشباب ويصعدون الحسرات على الدنيا الفانية. 
8 - كانى ى زنان 
سه رجشاووى محارييك: كنج اه اسيك الل ةا 
زنيك تىىئهجى. زنيكديتهههر.. 
كلهمهش لودبدىداكائتىيى رنئانههء 
ققلببلبل وفى دلنتارىى هه .رزه كارائنه! 
#تسيتحو اا تل تحدول اورف :قتي مول لنتويل: 
سهرهرىئثتهكرنسهركورموعهجوول 
ههج هندهاروى دىههياسهدى جوائيك 
اه تونلا تننة ىول فافتسرق تنا مانت يبتك 1 
الترجمة 
نيع النساء 
هنالك نبع تحيط به حافة من الحجر - امرأة تدخل وأخرى تخرج 
ذلكم هو نبع نساء القرية. وهو قبلة مكة للرجال. حيث يزدحم 
مساء؛ جمع بعد جمع من الفتيان ذوي الشعور الجعداء والرؤوس 


1( ديوارى وشكه به رد. (المترجم). 


254 


الحارة والصبر القليلء ليسدواالطريق.فماتسمع 
خشخشة حزام فتاة» حتى تتطاير من أعشاش أفواههم نداء «ألا رحمة بنا» 
و-زن 

نحي ته ور تيدان تنح تحت محا ا حصان 
سورجاى بونى مي خ هك وسمل 
تابلىى توهريوش؛ء ثال وولا جل 
به زن و بالاو جونه بهههن نهرموشل! 
نيونيكاىخهندهىنهستيرهىتهمهل 
نهدغعمهى كفتوكوي وهك جريوهوىمهل! 
ينى: بههارىعهئش تق وجونى! 
جيلوهكاى حوسى: رى ى باخ وكانى! 
الترجمة 

فتاة هه ورمان مثقلة بالحلى من قمة الرأس حتى أخمص القدم 
تفوح منها رائحة القرنفل والبلسه”" ما أجملها في ثيابها الزاهية بقوامها 
البديع» وبرشاقة جسمها ورخصه. ورقة حديثها الشبيه بزقزقة 
العصافير. وحياتها ربيع الحب والهوى والشباب إن موضع استعراض 
جمالهاهوطريقالعينمنالبستان 


0 - كوراني 


عه هشقى ئيورهى سهوهرورىى كانى 
بهرئوداتهجهم كليفى كوورائلى! 


(1) حلية يشيع لبسها بين النساء الكردستانيات تدعى (ميخه ك به ند) وهي ضرة قماشية لوضع الأطياب 
تحشى عادة بالقرنفل. 


235 


روز تلاوائهبى»جوهمتاريكدايه 
دهنكى«كنالهيل»!ههردوايى ناء تيا 00 
مانكك بهتريفوهى نودىثئهكاكهيلء 
هيشتاههرككوهرمهنالهى:«كنالهيل!!؛» 
«سياججههمانه: سس ياججه مان ع0 
بهههشتىعهشقوهئهمههوراماتهة! 
كلههوهنللكوى اروب وردى هط ههوراملان 
ردوحمهدت ل ه_نتى بيه :إن و بالا جون! 
«سياجههمانه.. سياجٍهسانهةة 
هوهورامان جلي كاى سياج همانه! 


الترجمة 


كوراني (أغنية) 
الغزل والنسيب على طريق العين» يطلق عير الوادي دفقة من أغاني 
غناء (كناله يل)”” بلا نهاية ويرتفع القمر وتسحر أخاديد الصخور 
بأضوائه ويظل صدى غناء «كناله يل» مستمراً يا عيوناً سوداء» يا عيوناً 
سوداء. ياهه ورمان يا جنة العشق والغزل. كل حجر وعصا في هه 
ورمان» لسان ينطق بجمال فتياتها. يا عيوناً سوداءء يا عيوناً سوداء! إن 
ههورمان هي بلدالجميلات ذوات العيونالسود. 
وصل (نويل) إلى حلبجة ليتسلم الوظيفة مني قبل مجيء جواب وزارة 


(1) كناله يل: كجى» يار. (المترجم). 


2( سياجه ماته: جاروره شه» جاوره سشٍِ- 
(3) هذا عنوان الأغنية ومعناه باللهجة الهورامية (القتاة المعشوقة). (المترجم). 


236 


الخارجية رداً على برقيات المندوب السامي حول عودتي إلى وظيفتي الأصلية. 
وطلب إليّ أن أرحل إلى (رانيه) للإشراف على الإدارة فيها مؤقتاً. وقبل مغادرتي 
حلبجة قمت أنا ونويل) بسفرتين قصيرتين بقيتا عالقتين في ذاكرتي. 

كانت أولاهما سفرة على الدواب من حلبجة إلى (موان) عبر شهرزور وهي 
مما لا يمكن اجتيازه بالسيارات المنطلقة من حلبجه في تلك الفترة من السنة. 
وكان الغرض منها بحث الموقف السياسي مع (غولد سمث). واخترنا للعودة 
طريقاً آخر مقارباً (لتانجرو) ولعل موسم الربيع القصير في شهرزور يكون على 
أجمل هيئة في حدود الأسبوع الأول من نيسان. الحق يقال إن كثيراً من الأزهار 
البرية لم تتفتح بعد. إلا أن اخضرار العشب وحشيش الزرع الفتي لم يزل في أول 
غضارته. كان الضياء لطيفا وسفوح الجبال تبدو في حلة بهيجة صافية شفافة.متعددة 
الألوان حين تمر فوقها الظلال المتكسرة التي تلقيها عليها قطع الغيوم ووجدنا 
حقولاً برمتها من الشقيق القرمزي (كولاله) وزهرة نيسان (كول نيسان) بألوانها 
الزرقاء والبيضاء الأرجوانية الفاتحة تزركش الأرض بقطع عظيمة من الألوان 
الصارخة. وكان ينبغي لنا أن نقطع في رحلتنا خمسين ميلاً. وأن نعود في اليوم 
نفسهء فأسرعنا ولم نتسكع. ولست أذكر لي سفرة على ظهور الخيل أكثر إرهاقاً 
من هذه السفرة» كنا نسير خبباً فوق العشب الناعم ونمر بما لا يحصى من التلول 
الأثئرية» ومن أبرزها تل (به كراوه) المخروطي المقطوم الرأس قرب حلبجة. وتل 
«ياسين تبة؛ المخروطي» في القسم الأدنى من (تانجه رو) وتل (بنكرد) المخروطي 
في (موان) بالذات”". وبعد تبادل الرأي قررنا أن نرفع للسيد برسي كوكس” رأينا 


(1) أعتقد أن كل الباحثين يتفقون الآن بأن (ياسين ته به) هو موقع عاصمة مملكة شهرزور الكردية التي 
قامت في القرون الوسيطة ويحسب ما ذكر سيايزر (المرجع السالف) أن أبعاده هي 600 7 660 قدماً 
وارتفاعه (60) قدماً ويثبت سبايزر أيضاً كلا من قريتي (به كراوه) و(بتكرد) هما مدينتا (اتليلا 
واراكدى) اللتين جاء ذكرهما في وقائع حملات آشور ناصر بال العسكرية على (زاموا). 

(2) سر برسي زكريا كوكس 1864 - 1937)» إداري بريطاني: خدم في الكاميرون ضابطا حتى 1889» 
ثم انتقل إلى الإدارة الهندية. ثم نائب قنصل في زيلا على ساحل الصومال ثم قنصلاً في بربره» - 


2237 


الذي أجمعنا عليه؛ وهو اتخاذ حل سياسي سريع لمعالجة القلق المتزايد. وإنه إذا 
ما اتخذ قرار بمنح الحكم الذاتي فإن «السيد طه شمدينان» هو خير المرشحين له 
وأفضل من الشيخ محمود. والمفهوم آنذاك أن السيد طه كان يعيش في إيران قرب 
(اورميه) وزدنا إلى هذا اقتراحاً يقضي أن أتوجه أنا شخصياً إليه من (رانيه) وأتصل 
به بأسرع ما يمكن. 


وأما السفرة الثانية فوقعت في 23 نيسان» وكانت إلى قرية (يالايني) التي تقع 
فوق واحدة من هضاب هه ورمان الجانبية. وكنت أريد مقابلة (محمود خان دزلي) 
عميد أسرة (بهرام بككي) الذي كان قد أعيد من منفاه في الهند كما أسلفنا. وهو 
الآن قد عاد يرفع لواء الثورة ويقلق المنطقة» حتى اضطرته سلسلة ناجحة من 
العمليات الجوية ضد قراه في الجانب العراقي من الحدود طوال شهر آذار» إلى 
طلب الدخالة. أذكر أني جلست في حلقة من رجال القبائل المعممين بأكبر العمائم 
وبأيديهم بندقياتهم وعلى صدورهم تتقاطع أجندة الرصاص وكان الإيوان المفتوح 
يشرف على منظر بديع: سفح جبلي مغطى بأشجار البلوط ويليه سهل شهرزور 
الواسع الممتد غرباً بين سلسلتي الجبال اللتين تحفان بجانبيه إلى أقصى ما يمتد 
إليه النظر. لقد نسيت تفاصيل حديئنا وأعتقد أنه كان ناجحاً أو ممهداً لطريق 
النجاح على الأقل» لأن تقرير المندوب السامي الرسمي عن العراق لسنة 1922 - 
3 يذكر هذا: «أبرم اتفاق مع دزلي في أيار» ولم يكن محمود خان مشاركاً 
عندما اتخذت عمليات حربية ضد القبائل الهورامية» قام بها رتل من الليفي بقيادة 
الجنرال انايتدكيل عادعهناطع7/1؟ في شهري أيار وحزيران. 


-ومسقط وبوشير - إيران 1904 ثم مقيماً سياسياً في الخليج» وفي 1914 سكرتيراً للدائرة الهندية في 
الهند. ثم كبير الضباط السياسيين لحملة العراق. ووكيلا للسفير البريطاني في إيران 1919: وكان 
آخر منصب تقلده هو المندوب السامي البريطاني في العراق حيث بقي خمس سنوات وأصبح بعد 
تقاعده رئيساً للجمعية الجغرافية الملكية 1933 ولعب دوراً خطيراً في تكوين العراق الحديث. 
(المترجم). ش 


258 


عندما أنظر إلى الخلف, أجد أن زيارتي هذه ل(يالايني) قد أثارت في نفسي 
تأملات معينة حول المسألة التالية: «في بلاد كهذهء ما أن يبلغ الذكر سن الحلم 
حتى يقتنئي بندقية. وفي كردستان هذه حيث لا شيء أرخص من حياة البشرء 
كيف؟ وإلى أي مدى يستطيع الضابط السياسيء» أن يبرر لنفسه وضع حياته 
ومقدراته تحت رحمة أو سيطرة أي رجل قبلي أساء التصرف أو كان لديه من 
الأسباب ما يحمله على الاعتقاد أنه يقف ضد الحكومة؟». بعد مرور هذا الوقت» 
لست أريد تبيان مقدار المخاطر التي تعرضنا لها في عملنا إذ لم يكن أحد منا فيها 
مستجداً. بل كنا نعلم بأن لا خوف علينا قط. ولقد أوضحت فيما مضى أن 
المندوب السامي كان يحاول حكم كردستان بقليل من الموارد والإمكانات وأن 
الضباط السياسيين كانوا مضطرين إلى الاعتماد على حسن تصرفهم على الأغلب. 
فإذا لم تصب الإدارة بانهيار تام» فليس في مقدورهم أن يفعلوا أكثر من التجول 
في مناطقهم والظهور بمظهر غير المتكرث وبأقل حرس ممكن. هذا من جهة ومن 
جهة أخرى (دعك من النتائج المؤسفة التي تؤدي إليها هذه الأحوال) فإن أخطر 
غلطة سياسية يقع فيها الضابط السياسي هو أن يرخص نفسه إلى حد الفتك به. فإذا 
قتل» تنهار الإدارة انهياراً تامًء وجرياً على قاعدة «إن كان لا بد من الشنق» 
فالأفضل أن تشنق بسبب شاة» من أن تشنق بشأن حمل». تهبّ المنطقة أو القبيلة 
المعنية كلها ثائرة وتضيع الأرواح الكثيرة وتقع خسائر جسيمة في الأموال قبل 
عودة الأمن إلى نصابه. في رأبي أن الضابط السياسي يجب أن يتحلى بالقابلية على 
تفهم عاملين: أولها حالة شيخ القبيلة الفكرية أهو (مأيوس - فاقد كل أمل) أو 
(أميدوار - كبير الأمل) على حد التعبير اللري”' الدقيق. وثانيهما وهو الأهمء 
الدرجة التي تتمتع بها الحكومة من هيبة بصورة عامة» ومكانة الضابط نفسه في 
تلك اللحظة. هناك مواقف لا يملك معها إلا الإصرار على القيام يعمل حاسم 


(1) لسنا بحاجة بعد كل ما ذكره المؤلف من أسانيد وأخبار عن اللربين ولرستان وصلة تاريخهم - 
التأكيد مرة أخرى على أن اللريين هم أكرادء وإن أنكر المؤلف ذلك في مفتتح كتابه. (المترجم). 


259 


مثبت للهيبة في مقر الإدارة المركزية (مع أنه قد يتردد في القيام بهذاء إن لم يقدر 
إمكان حصوله على إسناد قوة كافية في حالة رفض المركز). هناك وسائل أخرى لا 
سيما إذا خيل له أن الشخص المقصود بالإجراء الحكومي» قد يقدم على شيء 
سخيف بعامل الخوف من المجهول. دوافعه أمور أكثر من الشر أو المكر. وقد 
تقوم إذ ذاك زيارة مؤقتة توقيتاً حسناً بقمع تباشير ثورة في مهدها. لكن عندما يعمل 
كل شيء ويقال كل شيء فيجب الإقرار بأن الحظ يلعب دوراً لا يقل خطورة عن 
الحكم الصائب في الأمور. وبصورة عامة وعند الشك» ليس للضباط السياسيين إلا 
أن يختاروا سبيل الشدة والصرامة» ثم يتمسكون بأهداب الأمل. 


260 


- 13 - 
الكاكائيون 


في جنوب كردستان العراق» يطلق اسم (كاكائي) على طائفة دينية تعرف في 
غرب إيران عموماً ب(عليّ الله) أو (علي الا هي) أو (عَلّي الله). وكذلك سماها 
معظم الرحالة الأوروبيين وكتابهم وأتباع الطائفة أنفسهم يفضلون اسم (أهل حقيقة) 
أو (أهل حق) أعني جماعة الحقيقة الإلهية أو ذوي المعرفة الإلهية» أو بكلمة 
أخرى (أهل المعرفة 5ههم1) أو (أهل الله) وليس في هذين الاسمين كفاية في 
الدلالة» فثمة طوائف وطرائق صوفية أخرى وكلها تدّعي بأنها (أهل الحقيقة) أو 
الحق - دون سواها وهي تنتسب إلى ابن عنم النبي العربي محمد(ص) ومكانته في 
عقائدهم وطرقهم أسمى بكثير مما يضعه فيه الكاكائية. هذا وأن اسم الكاكائية جاء 
مباشرة من الأسطورة المتعلقة بنشوء هذه الطائفة بالذات. وهي لا تترك أي مجال 
للتوهم أو سوء الفهم. 


هنالك فذلكة مقتضية عن «العلي الآهية» في غرب إيران يتضمنها كتاب ١ج.‏ 
ماكدونالد كينير الموسوم تعليقات جغراقية عن الامبراطورية الفارسية”" 1813 
وكتاب (كك. كييل) الموسوم: حكاية شخصية لرحلة من الهند إلى إنكلترا - 
7. ويبدو أن أقدم بحث مفصل عنهم كتبه رحالة أوروبي كان بقلم 


(1) .لعممة1 تمده لعاعة14 .1 ممتوسظ سمنو8 عطا ذه معتمصع ك3 لمعتطوهومء) 
(2) .اعممعك1 .© ,لمفاومظ م1 مننه1 دده إعمعناه1 2 01 ع الأوسصواة لمدموءم 


261 


(راولنسن) وهو البحث الشهير الذي طالما نوهت بيه (ملحوظات عن رحلة من 
زهاب إلى خوزستان» من أعمال آسيا الوسطى 1939 - مجلة الجمعية الجغرافية 
المليكة). ويذكر أن (راولنسن) قضى مدة طويلة يقود لواء من الجيش الإيراني جُنْد 
أفراده على الأغلب من (علي آلهية) قبيلة كوران. لكن مع شدة اهتمامه والفرص 
الممتازة التي عنت له لم يتعمق كثيراً وينفذ من سطح التحفظ والتكتم الذي تمتاز 
به الطائفة. والفضل في أول اهتداء صحيح للحقائق عنهم يعود إلى (الكونت 
جوزيف آرثر دي غوبينو)”'' الذي قدم إلى إيران العام 1855 بمنصب سكرتير أول 
لبعثة نابوليون الثالث الدبلوماسية إلى البلاط القاجاري. وقد وصف ما توصل إليه 
من حقائق في كتاب على غاية من الطرافة لم يخلق جدته توالي السنين وعنوانه 
(ثلاث سنوات في آسيا). وهناك ذكر لهذه الطائفة تجده في آثار عدد كثير من 
الرحالة المتأخرين» إلا أن الأبحاث الوافية التي تصلح أن تكون مرجعاً هي تلك 
التي كتبها (ف. مينورسكي) في مقاله (ملاحظات عن طائفة أهلي - حق)””. 
ومقالتيه في دائرة المعارف الإسلامية تحت مادتي (أهل حق» وسلطان أسحق). 


جمع (مينورسكى) معلوماته في إيران» كما جمعت كل المعلومات المنشورة 
عنهم في أوروبا تقريباً. والبحث الذي سأعرضه في الصحائف التالية يستند إلى 


(1) لاتعصاطه© عل عنمن ,تنطاعة طمءوم3. (1816 - 1882). دبلوماسى فرنسي وكاتب» كتب في 
الصحف الباريسية فلفت إليه نظر وزير الخارجية توكفيل فجعله كبير أمناء سرهء وتقلب في عدة 
وظائف خارجية منها منصبه في إيران» إلا أن شهرته كانت في كتاباته ولا سيمال الشرقية منها. فقد 
كتب عن البهائية البابية وكتابه (عدم التساوي بين الأجناس البشرية)؛ أصاب أعظم الشهرة عند 
النازيين وتبنوا نظرياته. هذا إلى جانب روايات لطيفة جداً عن الشرق. (المترجم). ' 

(2) طبع في باريس سنة 1859. 

(3) «مجلة العالم الإسلامي»» مجلد 40؛ 45 لسنة 1920 - 1921. نشر في كتاب مستقل في باريس 
بمعرفة (أرنست ليرو) سنة 1922» إن أوائل منشورات مينورسكي باللغة الروسية» هي بالنسبة لى 
باب مغلق مع الأسف. لقد نشر بعد كتابة هذا الفصل كتاب عاد الحق في كردستان» بقلم (و. 
إيفانرف 173207 ./97) - بومباي وهو يتضمن كثيراً من المواد الهامة» ومعظمها من مصادر (اتش 
بكي) الإيرانية. 


262 


مواد وأحاديث زودني بها رجال دينهم الكبار ومعظمهم يقطن العراق إلا أن واحداً 
أو اثنين منهم يسكنان القرى الواقعة في إيران بالقرب من الحدود وهي معلومات 
تنشر لأول مرة.. هذا باستثناء ما ذكرت صراحة أني نقلته من مصدر آخر. وسيظهر 
أن نتائجي تعزز ما توصل إليه (مينورسكي) في معظم نواحي الموضوع وأظنها 
ستلقي ضوءاً جديداً على كثير من النقاط الغامضة إلى الآن ومع أن هناك حقائق 
واستنتاجات توصلت إليها تخالف ما توصل إليه من بعض النواحي فعليّ أن أنتهز 
الفرصة لأعرب عن مقدار امتناني والفضل الذي أدين به لأبحائه إذ لولا حصولي 
على المعلومات التمهيدية الأساسية لتعذر علي أن أقطع شوطأ بعيداً في أبحاثي. 

ولقد اعتزمت أن لا أنفذ في هذا الكتاب إلى أعماق عقائد الكاكائية السرية 
نفوذاً شديداً وألا أسهب في شرح طقوسها وإنما فضلت التركيز على تأريخهم 
وتنظيماتهم وانتشارهم الجغرافي وموقعهم من نظام مجتمع جنوب كردستان. 
وأستدرك فأقول إن الشك لا يخالجني في كذب قصص المراسيم السرية المختلفة 
التي تجري بعد إطفاء الأنوار وروايات أخرى مشابهة وهي التي طالما رويت في 
كل الأزمان عن مجتمعات وطوائف سرية لا نستثني منها المسيحيين الأوائل فكل 
هذه لا تستند إلى أساس من الحقيقة بقدر ما يتعلق بالكاكائية. 

أما مراجع بحثي فهي الآنية: 1 - كراس صغيرء أو (تذكرة) كتبه لي شخصياً 
كاكائي مثقف ذكي كان موظفاً مدنياً عثمانياً سابقاً”*'» وهو باللغة التركية. 2 - عدد 
من المنظومات الشعرية باللهجة الككورانية. 3 - مذكرات دقيقة مفصلة من ضمنها 
يوميات لي سجلت فيها عدة أحديث تبادلتها مع بضعة عشر كاكائياً. 

وأرى من الأفضل أن تروى قصة نشوء هذه الطائفة بعبارات (التذكرة) نفسها: 

إن مؤسس ورئيس هذا المذهب السري (مه ذهه بي باطني) هو (سيد أسحق) 
(1) (التذكرة)؛ مدونة بالقلم الرصاص وبخط في غاية الدقة وقد اعتمدت.على ترجمتها الكردية الأكثر 

وضوحاً في معظم دراستي؛ وكانت مرفقة بالأصل» إلا أني أشرت إلى النص التركي عندما كانت 


أي نقطة تبدو بحاجة إلى تحقيق وتمحيص. 


263 


الابن الأصغر (للشيخ عيسى”" برزنجي وكوراني). إن الشيخ عيسي هذا الذي 
يسمى في شجرة السلالة (بالقطب الأعظم)» كان قد غادر (همدان) وأنشأ قرية 
برزنجة شرق السليمانية في مشارف هورمان وشقيقه الشيخ موسىء الذي رافقه لم 
يعقب ذرية. والشيخ عيسى الذي هو ابن (بابا علي همداني) اتخذ أول زوجاته من 
قبيلة كؤاوي7 وأنجب منها ثلاثة أبناء هم (شيخ عبد الستارء وسيد عبد الكريم» 
وسيد عبد القادر). 

وفي يوم ما وقد بلغ الشيخ عيسي من العمر عتياًء زاره ثلائة دراويش من 
الأولياء (ارينلر) وألحوا عليه بالزواج ثانية فاعتذر بكبر سنه لكنه سمح لنفسه أن 
يقنع أخيرأء ورغب في أن يتزوج ابئة (مير محمد) زعيم الجاف المسماة 
(دايراك)”” التي اشتهرت بتقواها وأخلاقها. فما كان من (مير محمد) المتعجرف 
(الظاهري) المذهب. إلا وأعلن رفضه وأمر رجاله بتقطيع أوصال وسطاء الزواج 
إرباً. إلا أن الدراويش عادوا إلى الحياة مباشرة بعد قتلهم وتكرر العمل ثانية وثالثة 
حتى ثبت بشكل قاطع أن هؤلاء الدراويش من صانعي المعجزات (أصحاب 
كرامة) فوافق (مير محمد) على الزواج بعد استشارة وجهاء قومه وأكبرهم سناء 
وأراد أن يثقل كاهل طالبي الزواج ظاناً بذلك أنه يتخلص من إلحافهم فاشترط أن 
يقوم الشيخ عيسي بفرش الطريق الممتد من تكيته إلى باب بيت (المير) بالطنافس 
الثمينة» وأن يمهر العروس بألف حمل بغل من الذهب وعشرة آلاف رأس (بعير!) 
ومثلها من الخيل والأفراس والضأن خلال ثلاثة أيام فقط. فرحل الدراويش الثلاثة 
مساء وما كاد الصبح ينبلج حتى تحققت الشروط المطلوبة» أي في يوم واحد 
فقطء ولم يعد للمير محمد حجة أخرى فزوج بنته بالشيخ عيسى» وبعد سنة 


40 يتلفظ الكاكائية اسمي عيسمى وهوسى بإشباع الإمالة في حرف الياء» هكذا: (عيسي ١‏ وموسي). 

(2) نسبة إلى قرية كزاو قرب برزنجة. 

(3) هكذا جاء في (التذكرة) أيضاء أما مخبريّ من الأشخاص الذين اعتمدتهم فهم يسمونها عموماً 
(دايرا). 


واحدة من ذلك» أي في العام 671ه/ 1272 - 1273 ولدت «(دايراك خاتون) سيد 
أسحق». 

«ومرت السنون وشب سيد أسحق فتى» وكانت تكية الشيخ عيسى القديمة 
تحتاج إلى إصلاح» لكن عندما جيء بالعارضة الخشبية الأساسية لدعم السقف 
ورفعت فوق الجدران تبين أنها أقصر من أن تستقر نهايتاها على رأسي الحائطين 
المتقابلين ولما شاهد (أسحق) أباه مهموما مر يعتلي ظهر الجدار وأمسك 
بإحدى نهايتي العارضة ونادى أباه» أو أخاه الأكبر قائلاً: كاكه بكيشه! - أخي 
أسحب. وهكذا سحبثت العارضة فاستطالت ووضعاها في موضعها"". وامتلا أخ 
أسحق غيرة وحسداً لما نال أخوه من إكبار وإكرام من أبيه وكل من شاهد معجزة 
الفتى الصالح أسحق. وانتشر بين الناس أن قصة زواج أبيه العقيم الهرم إنما كانت 
نيوءة من الدراويش» وعروا أبوته الحقيقية لهم. وكان من نتائج هذه القصة 
والبغضاء التي حملها أخوته أن ترك موطنه ونزح إلى هه ورمان حيث بنى «نياز 
خانه1 وهو موضع عبادة يقومٍ مقام تكية اعتيادية... والمذهب الذي أنشأه... بد 
في هذا الموضع في 716ه 7 ريا أي في حدود 1316 - 1317م. 

واستقر السيد أسحق الذي سيعرف من الآن فصاعداً باسم «سلطان أسحق» في 
ورمان لهون) على يعد ميلين من عالية النهر في نقطة بدء انحدار الحدود الدولية 
نحو النهر وعرفت سنوات رسالته بفترة (يردي وار). 

واجتمع حول (سلطان أسحق) في (بردي وار) ثلاث حلقات تتألف كل حلقة 
من سبعة أشخاص أطلق عليهم اسم «هفتان» وهفتوانه»'© و(هفت خليفة) فضلاً 


(1) يزعمون أن العارضة الخشبية الموجودة اليوم في مسجد برزنجة هي التي جرت عليها المعجزة. 

(2) كلمة نياز بالإيرانية تعني «طلب أو رجاء؟ وفي الكردية تعني «نية»» وعند الكاكائية لها معنى خاص 
وهو ما يقدمه المريدون من ثمر وخضار (كضد للنذر - أي ضحية من اللحم). 

(3) على أن التذكرة تسمى الحلقة الأولى (هفت - تاني جاويدان - السبعة الخالدون). والحلقة الثانية 
(هفت تاني ناجيان - السبعة الذين عصموا عن الخطأ). 


265 


عن حلقات أخرى اقتصر هنا على ذكر حلقة «هفتادودو بير - الشيوخ الاثنان 
والسبعون». 

والهفتان هم صحابة (تلاميذ السلطان السبعة في يردى وار وإليك أسماءهم: 
(داود» بنيامين» مصطفاي داود داني» بير موسىء بير رازبار يارزرده بان» يئه 
وت) وكل بحث عن اتجاهات وأعمال هؤلاء الصحابة السبعة سيقودني إلى 
الخوض في العقائد الباطنية الكاكائية وطقوسهم ولهذا أكون قد تعديت اللحدوة 
التي رسمتها لنفسي وإني ما ذكرتها هنا إلا لأن أول اثنين منها قد ألهبا أخيلة بعض 
أوائل الرحالة وأقنعاهم بوجود صلة ما هاهناء بالديانة اليهودية»؛ وهو محض خطأ. 
وكذلك ذكرتهم أيضاً بسبب اقتران ثالث الهفتاد أي (هفت خليفة) بداوود الذي هو 
من (هفت تان). 

والهفتوانه أو (هه فتاني ناجي يان) هم أولاد السلطان أسحق السبعة وإليك 
أسماءهم : (سيد أحمد ميره سورء سيد مصطفى سه فيد بوش» سيد محمد» سيد 
عبد الوفاء سيد باوه''' عيسى علم دارء سيد شهاب الدين» سيد حبيب شاه) 
والأخيران لم يعقبا نسلاً من الذكور. أما الخمسة الأول فكانوا رؤوس الأسر 
المعروفة على التوالي: ميري أو ميره سوري. ومصطفاي وإبراهيمي - نسبة إلى 
اسم شاه إبراهيم حفيد سيد محمد (وقبره الآن في بغداد) وخموشي نسبة إلى 
خموش بن عبالوفا. وياوه سيى هذه هي أسر السادة الأصلية الخمس وسأعود إلى 
وصف دور كل أسرة منها في المجتمع الكاكائي - بعد قليل. 

أما (الهفت خليفة) أو الرسل السبعة فقد اختارهم السلطان أسحق من بين 
الشيوخ الاثنين والسبعين ليكونوا أدلة أو مرشدين بإشراف من (داوود) الذي كان 
من (الهفتان): لكل الطائفة بدون استثناء حتى السادة منهم. وتنوه (التذكرة) يبعض 
أسماء الأدلة مثل بير محي وبير نريمان» وبير عبد العزيزء وخليفة محمد وخليفة 


(1) (باوه) هي الكلمة الكردية المرادفة للفظة الإيرانية. (بابا). 


266 


شهاب الدين» وخليفة بابير»ء وخليفة جبار”" ويمثل الأدلة الخمسة في يومنا هذا 
سبع أسر لم تنحدر كلها من الخلفاء الأصليين مباشرة. 

وكل كاكائي (لا يستثني منهم أفراد أسرة السادة أو الأدلة) يجب أن ينتسب إلى 
سيد بوصفه بيرا له» وإلى دليل. وفي (بردي وار) تبادل (الهفتوانة) الانتساب فيما 
بينهم فأصبح واحدهم بيراً للآخر على النحو التالي: أحمد سور مع السيد 
مصطفاي» والسيد شهاب الدين مع السيد عبد الوفاء والسيد شاه مع السيد باوه 
عيسى» أما السيد محمود الذي كان أول السبعة وأعظمهم وأرفعهم وأبعدهم 
صيتاًء فقد اتخذ السيد أحمد له بيرا إلا أنه لم يجعل نفسه بيرا لأي من أخوته0©. 
وكان البيران الأدلة يلتزمون بواجباث معينة تجاه من ينتسبون لهم» ويتقاضونهم 
أيضاً حقوقاً معينة» كما يمارسون طقوساً مخصوصة فى الاجتماعات والحلقات 
الدينية. ولم يكن من الضروري التفقه والعمق فى أعيزان العقيلاة الكاكائية. وتناط 
مهمة الوعظ والإرشاد بأشخاص يطلق عليهم اسم (كالامخوان) وهؤلاء قد 
يكونون من أية مجموعة من المجموعات الثلاث. والكاكائى نظرياً» حر فى اختيار 
نيه ودليله (باتتكتاء الننادة متهم على الأرجع) إل أنه املا يتبع أآناة: وعتد.وفاة 
بيره أو دليله يكون له الحق في الانضمام إلى أية فرقة من فرق المريدين بين 
الأبناء» حسبما تعين له بالوصية. والمصاهرة ممنوعة بين الأشخاص الذين يتبادلون 
وظائف البير أو الدليل أو المريد أحدهم للآخر. 


وبمرور الزمن - ولأسباب جغرافية أو غيرها - حصل انتساب بين أسر 
الهفتوانة الخسم الأصلية وبين خمس أسر أخرى» ليست منها بحكم الضرورة. 


(1) هناك قائمة أخرى زودني بها أفضل مخبر من مصادري الشفوية. وهي تجعل كلا من (أمير) 
و(جهاني) ؟؟ أول اثنين. 

(2) لما لم يخلف اثنان من السبعة ذرية» وجب إعادة الترتيب» ويظهر أن الانتساب الحالي هو على 
الوجه التالي : الميره سورى مع المصطفاي متبادلا كالسابق. والإبراهيمي مع الخامشوي فتبادلا 
والباوه ره يسى مع الميره سوري ليس متبادلاً. 


267 


وقد سميت بأسماء خمسة أشخاص» جعلتهم حياتهم الصالحة وقدرتهم على عمل 
الكرامات» في صف أولئك الذين انحدروا من صلب المؤسس نفسه. وقد نوهت 
(التذكرة) باثنين من هؤلاء لإثيات أحقيتهم في مساواتهم بالآخرين وهما (باوه 
حيدر) و(شيخ هاياس - أياس ؟) إلا أن معظم مصادري من المخبرين يذكرون 
هذين مع ثلاثة آخرين هم: (باوه يادكار» مير حمزه) تهتشي 0 وظلت هذه 
الأسر الخمس كلها تنتسب إلى سادة أربع أسر من الأسر الخمس الهفتوانية 
الأصلية» فانتسب حيدر إلى مصطفاي وانتسب هاياس إلى خاموش» وانتسب 
يادكار وحمزة إلى إبراهيم وئه ته شي بك إلى ميره سور. 

ورد في (التذكرة) أن (باوه حيدر) كان بالأصل (دليلاً) (لم تذكر اسم الخليفة 
الأصلي الجد) ويجمع أضعاء أسرته الآن بين وظيفتي البير والدليل في الانتساب 
مع مريديهم. والمصادر كلها تتفق في أن تعزو إليهم المقدرة على الشفاء من لدغة 
الأفعى» والصرع والشلل. ومن مخبريء كاكائي يمارس وظيفة الدليل» كان قد 
قسم مريديه إلى مجموعتين هما أسرتا باوه حيدر» وعمر وتدان 22 وترى أفراد 
المجموعة الأولى يلصقون لقب (باوه) بأسمائهم. وتتألف المجموعة الثانية من 
بيرات خمسة هم: بير مخو (مخي؟) ويير نه ريمان» وببير محمد وبير إبراهيم 
(يجب ألا يخلط بين هذين الاسمين الأخيرين وبين نظريتهما من الهفتوانه) 
وياربيروز. وأعضاء هذه الأسر تحمل لقب (مام). ٠‏ 


(1) يقال إن سادة الباوه حيدري انحدروا من أخوية باوه دانيال وباوه خوبيار» وانحدر الهاياس من خادم 
الشيخ أو سادن ضريحه (داسوار) وانحدر اليادكار من الخادمين (داسال وخايال) والمعتقد أن (ميره 
حمزة) هو خادم علي قلندر (وهو ولي مجهول المركز والتاريخ) وهكذا فإن سادة هذه الأسرة 
يلقبون أحياناً ب(علي). ويذكر مينورسكي (حاشية ص 23) أنه عندما زار قبر (باوه يادكار) 1914 في 
زهاب؛ أخذ إلى قبر يعرف باسم (سيد واسال) الذي آثر عنه أنه ابن يادكار بالتبني. وقد عاش في 
5ه/ 1596 - 1597م. 

(2) في هذا الاسم أهمية؛ توجد قرية (عمر مندان) بالقرب من الطريق العام من كركوك إلى طقطق لا 
تبعد عن الزاب كثيراً. وعند مروري بالقرب منها في عدة مناسبات كنت أسمع أن أهاليها من السادة 
ولديهم قدرة على شفاء لدغات الأفاعي» ولم يذكر لي انتسابهم إلى كاكائية أسرة الشيخ (هاياس). 


268 


ومعظم الباحثين الأوروبيين ذكروا أن الكاكائية ينقسمون إلى (بطون) قبلية 
وجاؤوا بأسماء أسرة أو أكثر من الأسر العشر التي ينتخب فيها المريدون بيرهم. 
وهذا الاعتبار منهم يبدو ضثئيلاً بعض الشيء لأن كل فرد - كما وجدنا - يتمتع 
بحرية واسعة في الاختيار. وبهذا يمكن أن يختلف الارتباط بين سكان القرية نفسها 
أو حتى بين أغضاء الأسرة نفسها. إن المآثر الكاكائية ومعتقداتها هي على الأغلب 
منظومة في أناشيد وقصائد سهلة الحفظ باللهجة الكورانية أو باللغة التركية ويظهر 
على أكثر تقدير أن الخلافات العقائدية لا تتبع الانتسابات. بل هي بالأحرى ناجمة 
عن الانفصال الجغرافي ممتزجة بالبدع التي يدخلها سادة أو أدلة مبرزون ممن 
اختيروا ليكونوا وعاظاً (كالأخوان). وقد حصل هذا في أسرة (نه تيش بكي) إلى 
الحد الذي قد يمكن القول إنهم جعلوا من أنفسهم (بطناً) أو فرعاً مستقلاً. ورأبي 
هو أن المذهب الكاكائي وتقاليده قد حفظت في الجانب العراقي بشكل أنقى وأكثر 
بساطة منه في الجانب الإيراني. 

ويلاحظ في هذا البحث عن التنظيم الكاكائي أنه لا يوجد موضع لفرقة 
(الداوودي) خلافاً لما ذكره (غوبيئو) وغيره. وقد أعلمني موظف كركوكي ذو 
تجارب عظيمة (لم يكن هو نفسه كاكائياً) إن لقب الكاكائية وإن جرى إطلاقه على 
كل أهل الطائفة» فربما كان من الأدق قصره على السادة فحسب والاسم الذي 
يجب إطلاقه على الأسر الأخرى هو (داوودي). إن هذا التعليل يبدو منطقياًء ولا 
سيما بالنظر إلى مكانة (داوود الهفت تان) باعتباره معلماً وأباً أعلى لكل الأدلة. 
على أني لم أسمع باسم (ذاوودي) يطلق على الكاكائية قاطبة أو على فئة معينة 
منهم إلا في هذه المناسبة الوحيدة. 

وأهم سلالة من سادة الكاكائية في العراق هي (الإبراهيمي). وهو الفرع 
الأقدم. وفي زمني كان يمثله في منطقة طاووق ثلاثة أبناء عم» وهم (علي ابن 
رستم» وفتاح ابن خليل» وسليمان ابن والاد) وهم جميعاً أحفاد من يسمى (سيد 
محمود) وفي عام 1931 أطلعني هؤلاء عى شجرة الأسرة وهي مكتوبة على رق 
ملفوف طوله زهاء سبع أقدام وعرضه تسعة أنشات مصدرة بالبسملة وبمقدمة 


269 


طويلة. ووجدت أسماء الأصول الخمسة الأولى مدونة بالحبر الأسودء تليها أسطر 
متدرجة الألوان وبعدها تستقر على ترتيب لوني ثابت: الأسود والأزرق والأحمر 
والأصفر والأخضر سطراً سطراً وهكذا دواليك حتى تنتهي باسم (سيد محمد) 
الذي ذكرناه آنفاً وهي تحمل تاريخ 271215 رومي - (1799 - 1800م). وفيها أحنتام 
مختلف مشاهير الشخصيات الدينية ومنها ختم (كاك أحمد) الذي يشهد بصحتها. 
(وهذا هو ما قيل لي إلا أني لم أتحقق منه بنفسي في حينه). 

ويبدو أن السيد محمود هو الحفيد الثامن عشر المنحدر من صلب (سلطان 
أسحق) وهذا ما يجعل وجود واحد وعشرين جيلاً من السيد عيسى نوربخش حتى 
السيد علي والسيد فتاح» اللذين يمكن إثبات تأريخ ميلادهما ما بين عامي 1895 - 
و1900 بافتراض معدل مطلق لكل جيل قدره (32) سنة. وقد تكون أسماء بعض 
الأجيال ما بين الحدين مهمة في تحديد العصور التاريخية التي مرت بها الطائفة 
وقد أثبتناها في الهامش أدناه. والملاحظ أن اسم ابن السلطان أسحق قد دون 
في الشجرة (زياد الدين) لا محمد وهذا لا يخلق صعوبة لأن العادة الجارية عند 
الدراويش المرشدين توجب عليهم اتخاذ اسم وصفي يلحق به كلمة (دين) ويضاف 
كله إلى اسم الشخص. 


(1) تلك هي السنة الشمسية المالية التي اتخذها السلطان سليم الثالث تقويماً رسمياً بعد العام 1789. 
وهي توافق التقويم القديم إلا من جهة كون سنتها تبدأ في 12 آذار. وقد أعطى رقم (1205) لأول 
سنة رسمية منهاء وهو رقم السنة الهجرية المبتدئة في 10 أيلول 1790م (وحسب التقويم الجديد) 
وفي العام 1904 وافقت السنة الرومية 1320 - السنة الهجرية 1322 تمام اتفاق تقريباً. والتباين بين 
التقويمين سيظل يزداد باطراد سئة واحدة كل ثلاثين سنة تقريباً. 

(2) وإليك الأسماء بالتسلسل الصاعد. (السادة: محمدء إبراهيم» رستم» إبراهيم؛ علي؛ محمدء 
خليل علي خان» رضاء إبراهيم» ميرهء شاه علي خيران» جراغ. جعفر خان. ميرهء إبراهيم 
شاهء زيد الدين» أسحق) وإن نحن سرنا بشجرة البرزنجة الحقيقية إلى أبعد من هذاء نجد ثمانية 
أجيال أخرى تصل إلى الإمام هموسى الكاظم» تليها أجيال أخرى ترتفع إلى الإمام علي» تليها 
خمسة وأربعون جيلاً أخرى (منها إبراهيم وإسماعيل - يمثلان الجيلين السابع والعشرين والثامن 
والعشرين) حتى تصل الشجرة إلى (آدم) أبي الشجرة. 


200 


إن شخصية والدة سلطان أسحق تستدعي منا بعض التعليق. فالمأثور عنها أنها 
ابنة (مير محمد جاف) عند كتاب التذكرة» وابنة (حسن بككك جاف) عند معظم 
المخبرين الذين زودوني بالمعلومات. واسم (الجاف) لا يظهر في كتاب الشرفنامة 
(ألف سنة 1593) إلا أننا رأينا اسم القبيلة مذكوراً بالتتخصيص في معاهدة (زهاو) 
9م أي بعد تأليف الشرفنامة بأقل من خمسين سنة. أي عندما كانت هذه القبيلة 
كما لا يسع المرء إلا أن يفترض ذلك - سبباً لاحتكاك طويل الأمد بين 
الأمبراطوريتين. وإذا وجد للجاف كيان من القبائل الكردية في عهد يسبق بداية 
القرن الرابع عشرء فقد كانوا يسكئون على أقرب الاحتمال في (جوانرو) (إن 
انتقال الفرع المرادي إلى الشرق وراء سيروان لم يتم إلا بعد مرور أربعة قرون 
أخرى). وهي بقعة غير بعيدة كثيراً عن دائرة نفوذ رجل دين شهير مقيمْ في 
برزنئجة» بحيث يحمله على البحث عن عروس له منهم. وعندئذ يكون (مير محمد 
أو حسن بككك) فرداً من أسرة حاكمة سبقت الأسرة التي تحكم الجاف في يومنا 
هذاء أو خلفاً في الحكم دالت دولته مع أسرته في فترة ما بين منتصف القرن 
السابع عشر ومنتصف القرن الثامن عشرء أزاحه أحد أحفاد البكزادة ولعله السيد 
أحمد الذي تبدأ به شجرة الأسرة الحقيقية المجردة عن الأوهام والأساطير. 


فالكاكائية والحالة هذه هم بالأصل طريقة صوفية (دروشة) سواء من ناحية 
التنظيم أو المنشأ التاريخي» يشاركون غيرهم من الطرق الصوفية الأخرى معظم 
السرية» لكنهم يختلفون عنهم بشخصية المؤسسء مع معتقدات معينة غريبة عنهم 
أصلاًء تستند إلى استجلاء الحقيقة الإلهية (حقيقت) التي يزعمون أنها أعلى وأبعد 
منالاً من أولئك الذين ما زالوا على (الطريق) ومن باب أولى أصعب استكناها من 
أولئك الذين يطبقون ظاهر الشرع أي يتمسكون بالنص الحرفي لتعاليم السنّة (هنالك 
درجة أخرى من الوحي وتسمى بالمعرفة الغنوصية) ويبدو أن هذا يعتبر ميزة خاصة 
وكرامة لا يبلغها إلا ذو الصلاح العظيم المنفرد في أي من الدرجات الثلاث 
الصوفية. لذلك يصح أن يسمى كل اتباع الطريقة علواً أم سفلوا ب(أهل طريقة» وأهل 


211 


الحقيقة الإلهية)» لكن لا يمكن تسميتهم (بأهل المعرفة). والكاكائية مثل جيد 
للمسألة التي حاولت شرحها في الفصل السابق عن (الشيوخ والسادة)» فمع أنهم 
يجعلون الإمام علياً (وهو المتسلم الأول للأسرار التي تكمن فيها أسس التصوف 
الإسلامي). ونسله من الأئمة في موضع من الإجلال لا يعلو عليه أحد ويعتبرونهم 
ضحايا ظلم عظيم» مع هذا يرون أن ليس من حقهم أن يشاركوا في خلاف حول أمر 
شاءت حكمة الله أن يقع. وعلى أي حال فإن الذين يسلكون الجانب العراقي ظلوا 
يميلون إلى مذهب السنة أكثر من مذهب الشيعة - خلافاً لجيرانهم القزلباش. وهم 
يعقدون زيجاتهم على أصول المذهب الحنفي (تتبعه مراسيم أخرى) ويتخذون 
زوجاتهم من المجتمعات السنية ويسمون بناتهم باسم (عائشة) دون تحرج وكانوا 
يتمتعون أيام إدارة العثمانيين بامتيازات خاصة عن غيرهم. 

الظاهر أن المذهب الكاكائي كان قد انسلخ عن تنظيم سابق ازدهر في لرستان 
وأدخله إلى شهرزور - هه ورمان (مبارك شاهء باوه خوشين) وكان لديه أيضاً 
صحابته السبعة (مثل صحابة سلطان أسحق السبعة). وأسماء هؤلاء هي: (كاكه 
رضاء خواده؛ سيد فلك الدين» بافقي» فاطمة له ره بابه ى بزوركك. ميرزا 
هامان). وهي ليست غير (بيبي فاطمة) الشهيرة أخت الصحابي الورع (بابا 
طاهر)”" أعني أخت (بابا علي) الذي يدّعى كل من سادة البرزنجة الأصائل وسادة 
الكاكائية معاً بأنهم انحدروا من صلبه. وهذا يرجح لي أن ثمة (طريقة) نشأت أصلاً 
في أرض لرستان كان (بايا طاهر) أحد معتنقيهاء قد نقلها إلى منطقة هورمان في 
منتصف القرن الحادي عشر فاشتهر أمرها زهاء (50) سنةء ثم أصلحها وأعاد 
بناءها (سلطان أسحق) الذي جعل الزعامة وراثية في أسرته وحدها©. 


(1) مينورسكي (يابا طاهر) - دائرة المعارف الإسلامية» يقول إن بابا طاهر نفسهء كان رابع صحابة باوه 
خوشين السبعة؛ إلا أن اسمه لا يظهر في أي من القوائم العديدة التي زودني بها مختلف المخبرين 
و(التذكرة) لا تنوه بعصر (ياوه خوشين) مطلقاً. 

2 لكن يجب عليك أن ترجع إلى الفصل السادس مما سلف بخصوص الصعوبة في تحقيق تاريخ (بابا 
طاهر). 


2آ2 


ويرى بعض المتتبعين» أن طائفة الكاكائية رفيعها ووضيعهاء تنقسم إلى 
طبقتين : طبقة (الكوران) وهم أولئك الذين ينحدرون من صلب الأوائل. وطبقة 
(شمشير أورده) أعني الذين دخلوا الطريقة بحد السيفء وهم المهتدون 
المتأخرون. وهذا يفسر بدون شك الصفة الغريبة التي أثبتتها (التذكرة) للشيخ 
عيسى (برزنجي وكوراني) إلا أن فكرة الدخول إلى المذهب بحد السيف هي فكرة 
بعيدة كل البعد عما هو معروف عن الكاكائية. وهذا الفرق تعززه النصوص الدينية 
الأولى المعروفة باللهجة (الكورانية) من اللغة الكردية» فيبدو منسجماً تماماً مع 
الشرح الذي قدمت في فصل سابق» بنيته على افتراضات أخرى وقرائن منها أن 
شهرزور والمناطق المجاورة كانت موطناً لجماعة غير بدوية تتكلم (الكورانية) قبل 
أن تتدفق قبائل البدو الكردية التي تتكلم لهجة (الكردي الغليظة). وكانت قبيلة 
(جاف مرادي) واحدة من تلك الموجات المتأخرة. ويحتمل أن كثيراً من هذه 
الموجات كانت أخوات لهذه الطريقة» والقبور والمزارات التي تنسب إلى 
الأشخاص الغابرين لا تعد ولا تحصى. 


إن قبيلة (كوران) المستقرة في مجموعة كبيرة من القرى تمتد على طول 
الطريق العام بين خانقين وكرمنشاه وإلى شماله. وفي جوار (كرند). ريما كانت خير 
ما عرف من المجتمعات الكاكائية في إيران”"2 ويوجد عدد من المستعمرات الكبيرة 
لهم على امتداد الطريق بين كرمنشاه شرقاً ولا سيما في منطقة كرمنشاه نفسها وفي 
سهنه (يجب ألا يخلط بينها وبين سنه) وفى همدان. وفى الجنوب» تعرف 
بالكاكائية عدة قبائل من (بشت كوه) تتكلم اللهجة اللكية (تسكن هذه القبائل ذلك 
القسم من لرستان الذي يمتد بين (سايماره) غرباً وبين نهري (كاشفان) و(خرمآباد) 
شرقاً ونخص منها بالذكر قبيلة (الديلفان) والمعتقد عموماً (وهذا ما أكده أناس لا 
يدعون مشاهدته) أن الديلفان في حالة الوقوع في الغيبوبة الدينية ولا سيما في 


(1) إن البطون الرئيسة لهذه القبيلة هي (كوران تفه نكجىء فالخانى» ته لا زنجانى) قبائل الجاف التي 
ذكرت آنفاً أنها ربطت نفسها بالكوران لأهداف قبلية - بقيت سئية المذهب خالصة. 


213 


مناسبة العيد الكبير للتحول الشمسي الشتوي» يمارسون عادة السير فوق النار دون 
أن يصابوا بأذى. وفي كانون الثاني 1918» كنت مسافراً من خرمآباد إلى كرمنشاه 
بطريق (كوهي ده شت) يرافقني (نصر علي خان) والي (يشتكوه) الذي كانت قوته 
تضم عدداً كبيراً من متطوعة (الديلفان) فأبديت رغبتي في مشاهدة هذه الظاهرة» 
ولدهشتي لم يبد منه أي تمنع»ء وإنما وضع شرطأً وهو أن لا أضحك عندما تأخذ 
الأمور مأخذها الجدي» ولسوء الحظ حالت الظروف بيني وبين تتبع هذه الظاهرة 
أكثر من هذا. وأنا لم أسمع بأن الكاكائية العراقيين يمارسون هذه العملية باستثناء 
حادثة واحدة مشكوك في صحتها سأشير إليها بعدئل. 

وينوّه راولنسن” بضريح (شاه زاده أحمد) في (بالا كاريوه) إلى الشرق بعيداً. 
ويقول إنه مزار تجري على يده كرامات عظيمة» يعود إلى طائفة (علي الله) ويذكر 
أيضاً أن هذا الولي هو أخو (باباي بزوركك) الذي سبق وقلنا إنه أهم وأبرز صحابة 
(باوه خوشين) السبعة ويقع المزار في أعلى قمة جبل (كوس) الأشم الشبيه بالقبة 
على بعد (45) ميلاً شمال (دزفول) في بلاد (قلاوه ند) التي هي فخذ من قبيلة 
(دايريك واند) وسدنته يتميزون بعمائم ذوات لون أحمر غامق» وكثيراً ما يشاهدون 
في أزقة (دزفول) عندما كنت فيها العام 1917» وفي إحدى المناسبات لما كنت 
أتجول في (منكاره) شمالاً انضم إلى ركبي أربعة منهم لبضعة أيام وشاركوا في 
الضيافات التي كانت تقام لي. إن هؤلاء السدنة يطلق عليهم لقب (بابي) ويتمتعون 
بامتيازات وحصانة لا يتمتع بها غير السادة ولكن يبدو أن لا صلة بينهم وبين القبيلة 
المعروفة بهذا الاسم التي تسكن في عالية نهر (ديز) شمال (قلاوه ند) بالقرب من 
(جهار لنكك بختياري) التي هي فرع من (بروجرد). إن (الفلاوه ند)» وبعض 
(الدايريكواند) الذين يقدسون هذا المزارء ليسوا (على اللهية) بالتأكيد» إلا أن هذا 
ليس مهماً ما دام كثير من المزارات القديمة في كل آسيا الغربية» هي موضع 
احترام وتقديس من مختلف الديانات والمذاهب. ولم يقل لي أحد أن سدنة اليابي 


(1) المرجع السالف. ص95. 


214 


هؤلاء ليسوا إلا من غلاة الشيعة المسلمين. ولم ترجح خبرتي العلمية شيثاً سوى 
هذا. وقد يكون من الطريف حقاً أن يعرف المرء هل لدى هؤلاء فكرة ما عن 
شريعة (بردي وار)؟ أو أنهم يمثلون بقية تنظيم (باوه خؤشين) الأسبق منها؟ 


وقبل أن أترك موضوع لرستان» تجدر بي الإشارة إلى نقطة أخرى» وهي أن 
(بابا طاهر) يلقب عموماً ب(همداني) وليس هناك سبب للشك في أنه لم يستقر 
معظم حياته في همدان وهي مدينة بعيدة جدا عن لرستان. كذلك يقال إنه لري. 
وكلمة (لري) اللاصقة باسمه تلفظ بواو طويلة لأول مرة في حين أن كلمة (لر) 
التي يراد بها الشعب اللري في العنصر الكردي”'' إنما تكتب وتلفظ بواو قصيرة 
بصورة عامة» دون أن تلحق بها (الباء) في آخرها'”. وفي زمننا الحاضر يعرف 
السهل الواقع بين (دزفول) وبين أولى سلاسل الجبال الواقعة شمالاً بالاسم 
الحديث سهرائي (صحراء) لور بواو طويلة وليس (لر) كما هو متوقع. وهذا السهل 
هو موقع المخيم الشتوي لقبيلة (دايريك واند) وغيرها من القبائل اللرية”©. ولذلك 
قد يكون لقب (بابا طاهر) (لور) طويلةء وليس (لر)ء وهي منطقة لا بد وأنها 
كانت مركزاً مهماً لطريقته: هذا إذا صح أن تكون الأنحاء المجاورة لمزار شاه زاده 
أحمد دليلاً في هذا (الاستنتاج) بعد أن اتفق الباحثون أنها كانت داخل حدود 
لرستان. 


وأكد لي الكثيرون مراراًء أن معظم (السنجابي) المنتسبين للإبراهيمي عقائدياً» 
وبعض قبائل (الكلهور) التي تسكن ما بين كوران ولرستان» هم من الكاكائية. على 
أنه لم يتح لي الاتصال المباشر بهم» وأن أبحاث (مينورسكي وغوبينو) وآخرين» 
تشير إلى أن منشأ الطريقة كان في هه ورمان (القرن الرابع عشر) وأنها انتشرت 


(1) وهكذا نجد المؤلف يقر أخيراً بحقيقة أغفلها وأنكرها في صدر كتابه. فيدخل هنا العنصر اللرى في 
الشعب الكردي. قارن الفصل الأول. (المترجم). 

)2( عينور سكي - دائرة المعارف الإسلامية» انظر «بابا طاهر». 

(3) المؤرخون والجغرافيون العرب يذكرون المدينة الغابرة (لور) ويثبتون موقعها بالقرب من (دزفول). 


215 


انتشاراً واسعاً في زاغروس خارج موطنها الأصليء. وأن ثمة عدة مجتمعات 
انتشرت في عدة أنحاء شمال غربي إيران لا سيما أذربيجان وأقاليم قزوين وجيلان 
ومازندران فضلاً عن طهران نفسها". 


والموطن الأساسي المعروف جداً لكاكائية العراق اليوم؛ هو مجموعة تتألف 
من ثماني عشرة قرية تقريبً في مركز ناحية طاووق (لواء كركوك) غرب الطريق 
العام واستقرارهم هناء حصل في وقت متأخر بعض الشيء. ويعود تأريخه إلى قيام 
السادة (روستمء وخليل» ووالاد) بشراء تلك الأراضي في النصف الثاني من القرن 
التاسع عشر. جمع الإقطاعيون العدد مريديهم من القرى التي هي أقرب إلى الجبال 
على الجهة الأخرى من الطريق العاه”© أي في نواحي قره حسن» وكل وطاووق» 
وما يزال هناك بعض مزاراتهم وما زالوا يملكون فيها أراضي. أما ببخصوص 


(1) :في منتصف القرن الخامس عشر كان هذا الإقليم برمته تحت سلطان دولة القره قويوندو - الخروف 
الأسود. كان (شاه جهان) وهو الملك الثاني من الخط المستقل يحكم في كل من تبريز ويغداد من 
7 حتى 1467 واسترعى مينورسكي الانتباه في مقال أخير له عنوانه (جهان شاه قره توينلى - 
وشعره مجلة مدرسة الأبحاث الشرقية والأفريقية لجامعة لندن - 1954: مجلد 26 - 2) إلى قرائن 
وشواهد تتعلق ب(اهلي حق) إلا أنه يضع تاريخاً متأخراً للتكوين المتكامل على يد (سلطان أسحق) 
وهو بهذا يستنتج أنه لم تكن عقيدة أهلي حق أشبه بدين دولة القره قويونلى الرسمي. فالثابت أنها 
تطورت في جو واسع من حرية الزندقة السائد في عهد سلاطين (دولة الخروف الأسود) وأقدم 
تاربخ في (التذكرة) وهو 1316 - 1317 لا يعرض لأي عقبة جابهت الطريقة خلال عقود متعاقبة من 
السنين وهذا الفرض أيضاً أقرب وألصق بالشواهد الأخرى التي يظهر منها أن هذه المعتقدات 
انتشرت شمالاً من لرستان حتى كردستان ومنها خرجت إلى أذربيجان» لا بالاتجاه العكس. 

(2) ويذكر فيما يلي أكبر القرى مع عدد نفوسها بتقدير البيوت فيها كما جاء في العام 1922 (البو سراج) 
0 بيتاً (على سراى) 60 بيتاً (آل محمد مع واليس الكبير) 90 بيتاً (عه ريكوي) 100 بيت (الاسن مع 
طوبزاوه) 120 بيتاً (ماتيك) 40 بيتاً وأما القرى الصغرى فهي (بنشاخ» دايس الصغيرء محمد 
خاجك» روبيده سيده كانيان» سهيل» ترابه» زاتكرء زوغلاوه) وبطبيعة الحال يوجد كاكائية في 
طاووق نفسها. ومن المحتمل أن كل الفلاحين الأجراء عندهم ليسوا كاكائية مطلقاً. 

(3) يذكر من القرى بصورة عامة (باداوه» حصارء كولاكانى» تبه لو الصغيرء تبه لو الكبير» جيومر كه 
زيارات؛ شواروء جونلاور). 


206 


المزارات فإن مزار (باو ته ته ل) قرب قرية (كور مور) الطالبانية يقي إلى الآن كعبة 
القاصدين المصابين بلدغة الثعبان"' ولسهولة العملية يعتبر كاكائية هذا الموطن 
الجديد في كنف إقطاعييهم الأغنياء ذوي النفوذ وبمذاهبه المتعددة واحدامن ثلاث 
قبائل تقطن ناحية طاووق أما القبيلتان الأخريان فهما الطالباني والداوده. وانتساب 
الطريقة لمعظم هؤلاء القرويين قد تكون للإبراهيمي. 

هناك مجموعات أخرى استقرت على جانبي الحدود العراقية الإيرانية» وتتألف 
من كل منها من مجموعة قرى تراوح بين 10 و12 قرية لكل من قضاء خانقين 
ومنطقة قصر شيرين. والانتساب الروحي لمعظم القرى في الجانب العراقي هو 
بالابراهيمي. ولكل من (المره سورى) و(الباوه يسائي) قريتان. ولديّ ملحوظة 
خاصة نشير إلى الانتسابات الروحية لدى الجانب الإيراني أجد فيها أن قرية (سيد 
داود) تنتسب كلها للخاموشي. وقيل لي مرة إن أهالي قرية (باريكه) يمارسون 
السير على النارء إلا إني لا أملك ملحوظة بخصوص انتسابهم. 

وهنالك سبع قرى كاكائية على ضفاف الزاب الكبير بالقرب من مصب 
(الخازر) ثلاث منها على الضفة اليسرى وأربع على الضفة اليمنى” وهم معروفون 
في تلك الأنحاء باسم (صارلي) ولست أدري هل يقبلون هم بهذه الكتية» وقد 
تقدم مرة كردي سني مستخف بهم بتفسير للاسم لم أره خالياً من الوجاهة أبداً. 


(1) وبالقرب من هذه القرية يوجد أيضاً ضريح (خليفة بابير) ولا أدري هل المقصود به (بابير هفت 
خليفة). إن كان الأمر كذلك فإن الباوه - حيدرى هم ممثلوه اليوم. (انظر ما سبق في الفصل نفسه). 

(2) لم تتح لي الفرص زيارة هذه القرى» إلا أن الزائرين الذين قدموا إليّ منها زودوني بقائمة لها: في 
العراق أمين بابير» باوه إسماعيل» باريكه» جم جقال» داره خورمهء كابيه» كانى شاباز» 
ميخاسى»؛ مركز حداد» قالمهء قره بولهء ته به قيصرء هذا فى العراق» أما فى إيران فهى: مزرعة 
نصرت آباد (وتتألف من قرى السادة أحمد وخليل وزهراب وشريف) سيد أسد الله سيد داود» سيد 
لوفتهء دارينجيك» كازاوء قله سبزى» ماما مراد» يعقوب؛ تبه قادرسان؛» تنكاو. ومن المحتمل أن 
تكون بعض القرى الإيرانية قد ذكرت هنا مرتين مرة بالاسم الجغرافي» وأخرى باسم السادة. 

(3) وهي بالأسماء: الضفة اليسرى سونيه ماترات (قريتان) الضفة اليمنى (تل اللبن» كازكان» دردك» 
قرقشة). 


17خ2 


فقد رد الأصل إلى كلمة (صار الماق) التركية ومعناها اللف أو الطي» ويقصد بها 
حادئة مقتل الإمام علي؛ فبعد أن طعنه ابن ملجم في الكوفة حاول التخفي بلف 
أحد بسط القصب المفروشة على الأرض حول جسمه أن (الصارلي) يختلفون 
تماماً عن طائفة أخرى من الكرد غير السنيين موجودين في لواء الموصل ويعرفون 
(بالشبك) وهم القزلباش الكرد ليس إلا. 


وفي بلدة تلعفر التي يتألف معظم أهلها من التركمان. والواقعة غرب الموصل 
بمسافة أربعين ميلا تقريباًء تسكن أسرة معروفة باسم (طائفه ى وهاب آغا) وهي 
من السادة الكاكائية - الخط الإبراهيمي. وعدد الأسر الكاكائية الذي زودت به 
يختلف بين الثلاثمائة والأربعمائة والحقيقة تكمن بلا شك - في موضع ما من 
هذين الحدّين. وكان الانطباع الذي خلفه في أحد أفراد الأسرة الذي كثيراً ما كان 
يزور بغدادء هو أنه وشقيقه رئيس البلدية يريدان تثبيت سلطتهما الروحية والزمنية 
على الطائفة ويميلان إلى طمس معالم الفروق وإزالة الخلافات بين الكاكائية 
والقزلباش الأكثر عدداً في تلعفر تحت الجبة الشيعية المشتركة. ووجه الغرابة أنه 
يوجد في تلعفر أيضاً فئة قليلة من (آنش بكي) فضلاً عن الإبراهيمي. 

وخارج هذه المجموعات القروية المتعددة المذاهب بالزيادة والقلة» توجد 
بطبيعة الحال أسر منعزلة في بغداد نفسها وفي مدن كبيرة كالموصل وكركوك 
وخانقين والسليمانية» والأسرة البارزة في السليمانية هي (كوبيلازاده) وهي ذات 
مكانة محترمة في المجتمع هناك وأنها أصلاً من (شمشير آورده) وتنتسب إلى 
مصطفاي وهناك تقارير عن وجود مستعمرات أهم في بدرة وزرباطية إلا أني لم 
أتحقق من الأمر شخصياً. 

ولكي أختم هذا الفصل أرى أن خير ما أفعله هو أن أقدم وصفاً لجولة قصيرة 
قمت بها بعد مرور سنوات عديدة من وجودي الأول هناء (1914) بلغت بها إلى 
قرية (هاوار) أهم مجتمع للكاكائية تقريباً. وهي قرية منعزلة تقع في واد منعزل يبعد 
ثمانية أميال شرق حلبجة» وزهاء خمسة أميال عن (بردى وار) بخط مستقيم وهي 


218 


آمن مجتمع كاكائي متوحد ترك لهم في ما يمكن أن نسميه بأرضهم المقدسة. 
حيث كان مؤسس مذهبهم يتجول مبشراً. هذا الموضع قد آوى أتباع الطائفة ستة 
قرون بدون انقطاع. 


تركت حلبجه في 18 أيار ومعي قليل من درك الشرطة وساع مدني واسع 
الخبرة لكنه ثرثار (ذكرني بأنه رافقني على ظهور الخيل من حلبجه إلى كه لار في 
أول جولة لي بين الجاف مثل تسع عشرة سنة) وكانت وجهتنا العامة الجنوب 
الشرقي. وبعد قليل اجتزنا قرية للجاف اسمها (باموك) شديدة القذارة (لاحظت 
أوراق التبغ ما زالت صغيرة والخطمي ذات الألوان الوضاءة منتشرة في حقول 
القمح. ومعظم أصحاب المنازل قد أقاموا دكات صغيرة للنوم محاطة بالجيغ 
كيفما اتفق تخلصا من الحشرات». خارج منازلهم) وبعد مسيرة ميلين تقريبا 
(حلبجة) أخذ الطريق يصعد إلى منطقة تتألف من رواب جرداء وكان عن يميننا 
جبل (بالامو - 5200 قدم) وجبل (ماكيرك - 5500 قدم) 3 يسارنا جبل (شترَّوي 
- 6700 قدم) وبعد أن قطعنا ميلين آخرين» عبرنا وادياً قليل الغور يدعى (ملاي 
همالى) وفجأة وجدنا أنفسنا في شبكة من الأطراف التي قذفها عنه جبل (هه 
ورمان) نحو سيروان غير المنطقة التي يشق فيها طريقاً من السلسلة العظمى. 
وكانت سفوح الجبال تغطيها مقادير هائلة من عوسج يدعى (كتككر دزك) وهو نبات 
يؤكل عندما يكون غضاً والكرد يأكلونه في أوائل عمره. وإذا كمل نموه قطع وترك 
في العراء ليجف حتى تموز ويختزن علفاً للأبقار في أيام الشتاء. 

بقي لنا إلى الظهر ساعة واحدة؛ وكانت سفرتنا بطيئة في أنسب مناخ 
للرحلات. وترجلنا للراحة بالقرب من مخفر شرطة على رابية فوق قريتي (سازان» 
وكوسه) على بعد ميل ونصف الميل تقريباً من سيروان» وأربعة أميال شرق 


(موردين) وهي قرية ورد اسمها في أبحاث قديمة عن الكاكائية”' تقع على الطرف 


(1) مينورسكي: تعليقات» ص25. والقرية تعود الآن إلى قبيلة (كوكري). 


219 


الآخر من جبل (مككرك) وكان في المخفر عريف شرطة رسمي واحدء وحوالي 
ستة أفراد غير نظاميين يبدو عليهم علائم الجد والنشاطء بسراويلهم الفضفاضة 
الزاهية الألوان المحشورة أطرافها في جوارب الصوف المصنوعة محلياً لتبدو كأنها 
بنطلونات كولف» وينتعلون (كلاشات) نعالها من الخرق وهي أفضل ما يمكن 
للسير والحركة في بلاد جبلية عندما يكون الطقس جافاً. وكان العريف أنموذجاً 
صادقاً لتلك الطبقة التي تعيش دوماً في خدمة الحكومة (نوكري) وتقاليدها التي 
تمتاز بها هي الإخلاص المدهش للواجب الذي يبدو كأنه يقف سداً يحول دون 
الشعور بالوحدة وتفاهة الراتب» والإهمال الذي يعانون من رؤسائهم الذين لا 
يهتمون بمصالحهم. هذا العريف فقد ثلاثة أشقاء قتلوا في مختلف العمليات 
العسكرية» وهو نفسه أصيب بجرح بليغ في عنقه في حملة (رانيكول) المؤسفة في 
العام 271922 وكان جندياً من جنود الليقي الأول في السليمانية. ولم تكن شرطته 
غير النظامية مادة خاما فمعظمهم خدم في الليقي وهم يذكرون بحب باق كلا من 
فيتزغيبون» ودانيلزء وغيرهما من الضباط البريطانيين الذين خدموا بأمرتهم. 


وفي أثناء رحلاتي في ربوع كردستان أفاجأ دوماً بقيام قرى حديثة كثيرة في 
أشد البلاد وعورة وانعزالا. ويدعى سكان قرية (سازان) أنهم سادة انحدروا من 
شيخ ورع تقي (مررت بتربته في طريقي) كان قد قدم من بلاد كوران في إيران. 
وقد وجد الماء (سازان) أي ملائماء فقرر البقاء» وبنيت (كوساده) بطريقة مشابهة 
قبل خمسين سنة فقط بناها نازحون من قرية (ته شار) © الهاورامية الذين يؤلفون 
الآن نصف مجموع سكانها في حين أن النصف الآخر هم من ال(ايناخي) وهي 
عشيرة صغيرة من ثماني عشائر صغيرة تصنف أحياناً مع الجاف وتشغل قرى على 
ضفتي سيروان في هذا الإقليم وأبعد منه على الجانب الإيراني الجنوبي © 


(1) انظر الفصل السادس عشر الذي سيتلو. 
(2) هذه القرية مذكورة أيضاً في الأدبيات الكاكانية القديمة (انظر مينورسكى» تعليقات ص24). 
(3) القائمة التالية تبين أولئك الذين في العراق أو في كلتا الدولتين والرقم يشير إلى عدد القرى في كل- 


2230 


ول(ايناخي) أسرة حاكمة من البكزادة إلا أن بعض القرويين أيضاً يدعون انحدارهم 
من صلب السيد المشهور (يبر خضر شاهو). 


وفي أسفل قريتي (سازان» وكوساده) مباشرة» تمتد أرض مستوية واسعة 
الحدود تصلح لزراعة الرز. وقد نظرت وأنا في مخفر درك تركي قديم قائم على 
الحافة فشاهدت أربع دعامات جسر متقوض تحت قرية (لانه وان) الإيناخية على 
الضفة الإيرانية. ودلني أحدهم عن صخرة غريبة بالقرب منا من الواضح أن يد 
الإنسان قد نحتتها وأقامتها ربما لتكون مذبحا تقدم عليه الأضاحي أو لعلها قاعدة 
تمثئال أو عرش كما تروى أسطورة محلية. وتتلخص هذه الأسطورة. في أن الأميرة 
«(زيرنيه كه وش - ذات الخف الذهبي) وهي زوج لعظيم نبيل اسمه (مير عبد الله 
خان) عاش قبل ظهور الإسلام. كانت قد اعتادت المجيء إلى هذا الموضع 
والجلوس للتأمل في هذا المنظر المفضل مرسلة أبصارها إلى النهر المتعرج ثم إلى 
قمم وهضاب سلاسل جبال (جوانرو) الشاهقة”' وهئ على أغلب الظن - البلاد 
التي جاءت منها. 


في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي كنت على سرجي» وقد بكرت 
لمعرفتي أن يومنا سيكون شاقاً. وغدت وجهتنا العامة شرقاًء ورحنا ندور في 
منعطفات أطراف جبل (شِئَرْوي) الجنوبية» بمحاذاة مجرى سيروان ذي الماء 
الأزرق المخضوضر وهو يتلوى كالأفعى خلال الأخاديد العميقة التي هي عن 
يميئنا. وكان يلوح أمامنا جبل (شاهو) المكسو بالثلج على ارتفاع 10000 قدم 
بقممه المكسوة بالثلج» من خلال الضباب على بعد 20 ميلا تقريباً وقد بلغنا قرية 


-دولة: (في العراق أولا) (امامى: 1 و4 قرى)» (كوكوي 3 وصفر)»ء (بيناخى: 4 و12 قرية)» 
(وزاردوى 4 و6 قرى)» والقبائل التالية تملك قرى في إيران فقط: (باينيكانى» ميراولى؛ 
ساتياري » كلاشي). 

(1) إن أسماء عدد كثير من الجبال في هذا الإقليم تبتدئ بمقطع (ما) مثلاً (ماكازان» ماسانء ماكوان 
ماكار إلخ..) وهذا المقطع هو لجهة جوانروية معتاه وجه جرف صخري عمودي. 


2351 


(كوكوي) التي يسكنها (بوبين) بدرج حجري. وهنا توقفنا مقدار ربع ساعة لانتشال 
حصان أحد الشرطة زل به حافره وعصي في شق صخري ضيق. كان القرويون قد 
تركوا بيوتهم إلى مخيماتهم الصيفية فوق جبل (شنرو) فمضينا في سبيلنا إلى الأمام 
راجلين نقود وراءنا حيواناتنا في ممر شديد الانحدار يدعى (دالهارى - طريق 
الصقر) وقد سمي كذلك للشائع بأن الصقور قد اتخذت لها ركناً هنا. ثم وصلنا 
أخدوداً يدعى (ميلا - ثاجالان) ارتفاعه 5000 قدم وكان صعوداً من أشق ما يمكن 
وقد ذكرني العطش المحرق والاستراحات الكثيرة لالتقاط أنفاسي» بأني قد كبرت 
عشرين سنة من أيام وجودي في حلبجة ضابطاً سياسياً. 


وفي مضيق (ميلا اجالان) أرسلنا أبصارنا إلى أعماق هاوية سحيقة (2500 
قدم) وتبينا قرية (كريانه) الصغيرة التي قيل بأن نازحي (جوانرود) قد شيدوها قبل 
خمسين سنة. ونزلت مشياً لتفتيش نقطة الشرطة إلا أن الدليل ضل سبيله في سفح 
الجبل وبعد إضاعة بعض الوقت قررت العدول والاكتفاء بتأمل المنظر من فوق 
أئناء استثنافنا السيرء وهنا انضم إلينا شاب في (هاوار) متين الألواح يدعى (بهرام) 
التقينا به وهو يتبع قطاة كان قد أرداها برصاصة. وبعد الظهر بنصف ساعة بلغنا 
قرية صغيرة جداً اسمها (هاواره كون - هاوار القديمة) وفيها مزارات (لمير أحمد 
سور) من الهفتوانة» و(لاحمدي هاواري) وهو شخصية هامة ورد اسمها كثيراً إلا 
أني لم أستطع تعيين مركزه الديني تعييناً دقيقاً والأسرتان أو الثلاث التي تعيش م: 
تركت القرية كالأخريات إلى مخيماتها الصيفية على السفوح العليا من (شنروى) 
ولم يكن ثمة شيء أنعش لنفس المسافر المتعب المرهق بفرط الحرء من نبع 
القرية ذي الماء المثلوج وهو يتدفق من بركة تحيط بها ألواح من الحجر الأملس - 
صافية كالبلور النقي. فنهلنا وملأنا بطوننا وروينا الخيل والبغال في موضع بعيد من 
أسفل الساقية ثم استرحنا حوالي نصف ساعة في ظل شجرة توت وارفة ثم امتطينا 
خيلنا ونحن آسفون مترددون لأن الميلين التاليين كانا على طرف الجبل بارتفاع 
كبير فوق (ككه لي كريانه) وبعد نصف ساعة في صعود بطيء نظرنا فجأة إلى 


252 


تحت» فطالعتنا قرية تتألف من حوالي خمسين بيتاً معظمها ذو طابقين مبنية 
بالحجر المهندم وتقع في بقعة جميلة من البساتين والكروم. 

ونصبنا خيامنا على نتوء صغير جميل يشرف على القرية ويبعد عنها زهاء ربع 
ميل. وكان بالقرب منا (جايخانه) بلا سقف» وأقبل علينا مختار القرية (كيخسرو) 
وجندي عثماني سابق اسمه (حمه امين) كان قد فر أثناء الحرب العالمية الأولى 
من الجيش العثماني والتحق بالثورة العربية التي كان يقودها الشريف حسين. وقد 
عمل (قهوجياً) عند جعفر باشا العسكري. وكان ثمة شيخ هرم ظل مكباً على 
خياطة (كلاشه) أثناء الحديث». وإلى جانبه صوفي مهيب الطلعة ذو لحية بيضاء 
جعداء اسمه رشيد. وقال الجميع إن مورد رزقهم الأساسي هو الصمغ الذي 
يجمعونه من شجر حبة الخضراء والبطمء ويعتمدون أيضاً على سَوْق القوافل. وأما 
القمح والشعير فهم يجلبونه من الأراضي المنخفضة (كرميان) - في كفري وأربيل 
فيبادلون حملا بحمل من التوت المجفف ويكون النقل فى الذهاب والوياب على 
حسابهم. ْ 

تقع قرية (هاوار) على ارتفاع (3500 قدم) تقريباً في الجهة الغربية من واد يحق 
به نتوءان عظيمان يخرجان من سلسلة (هه ورمان) الكبرى بالقرب من أعلى قمة 
فيها (9800 قدم) وتتجه أولاً نحو الجنوب الغربي لتكون -خطي زاوية متوازيين عند 
النهاية» ويصير جبل (شنروى) الساعد الأدنى للزاوية الغربية وهو الذي كنت قد 
قطعته فى (ميلاجان) وأما جبل (قه لا كا) فهو ساعد الزاوية الشرقية ويكون خط 
جدود بواتقع (ته ويله) في أعلى نقطة من هذا الوادي. ومجراها الذي يصب فيه 
رافد صغير من (بلخه) قرب (هاوار) مباشرة يوجد منخفض مستدير عظيم ينفذ 
غائراً في أعماق جبل (شنروى)؛ هذا المنخفض تعلوه مباشرة قمة الجيل الرئيسة 
(6700 قدم) ومن الشمال الغربي قمة ثانوية ارتفاعها 1600 قدم تدعى (به فرى 
اميرى - ثلوج الأمير) وتشير إلى رأس الزاوية المار ذكره. 


لا شك أن (شنروى) كان وما زال مصيفاً للقرويين المجاورين قاطبة. وكان 


223 


سرور أصدقائي الكاكائية ظاهراً وهم يشيرون إلى مواقع أماكنهم المقدسة: (وه 
زيار) و(جادركه) مخيم سلطان أسحق نفسه و(سى قالتان - موضع النذور) أو نه 
زركه الهفتوانه مجتمعين» كانى بيروزه > ينبوع السعادة المخصص لبنيامين وقدس 
أقداس في (قمرى كلام). وقالوا إن (نه زركه) وشاه خوشين (كما يسمونه) هي 
على واد صغير من الجهة الخارجة للساعد الشمالي في المنخفض الكبير. (نه 
زركه) بير موسى هي خارج القرية على طريق (ته ويلة). إلا أن (بيره مككرون) هو 
واحد من الشيوخ الاثنين والسبعين. وثمة (نه زركه) أخرى للميره سور في 
: شهرزور شمال غرب خورمال. إن انتساب معظم سكان (هاوار) يكون «بالميره 
سوري» من جهة البير» وبالناريماني من جهة الدليل. 

في صباح اليوم التالي دخلنا القرية وكانت في غاية القذارة» واجتزنا البساتين 
التي تحف بها متجهين إلى المجرى الرئيس فعبرناه بجسر قريب من تربة بير 
اسكندر ابن سيد خواشين وتربة (بير إسماعيل) أحد الاثنين والسبعين الكبار الذي 
زعم (صوفي رشيد) أنه الجيل الثامن عشر المنحدر ووجدنا الضريحين قد رمما 
حديثاً. وسرنا مصعدين بالتدريج على الجانب البعيد وبعد حوالي نصف ساعة بلغنا 
بساتين جوز قرية (دار تووى)” ونه زركه سيد باوه سيد الهفتواني. وواصلنا 
صعودنا ومررنا بحديقة صغيرة أنيقة رعاها وترسها (حمه أمين) صديق الأمس الفار 
من الجيش العثماني. وبلغنا موضعاً مسيجاً متروكاً يدعى (كاني هه رميله - يتبوع 
شجيرة الكمثري) وشربنا منه ماء نميراً. وأخيراً بلغنا قمة نتوء (قه لا كا) البالغ 
ارتفاعها 5000 قدم وتعرف باسم (ميلا كالوزى - مضيق مقتل الثور) وهو على 
خط الحدود. وكانت السفوح تحت قدمي تغطيها الكروم من كل جانب» وبدت 
من الشرق خطوط طويلة قاتمة من بساتين مسيجة وغابات جوز حددت مواقع 
القرى الرئيسة في (لهون) تشمل ثلاثة وديان متوازية وهي (شوشمى» نه وسورء 
وزلي) على سفح الجبل شمال النهر. وتحتنا مباشرة تتخفى قرية (شيخان) تحجبها 


(1) أو (دار نفي) باللهجة الكورانية» و(نو) وتفى معناهما - توت. 


284 


عن العين طبيعة الأرض إلا أنه أمكنني مشاهدة خمس دعامات من جسر (يردى 
كوران - جسر الشباب)” كما تسمى (بردى دار) اليوم. 

بجبل (شنروى) خلفي و(يردى وار) أمامي» أكون في أرض الكاكائية 
المقدسة”7. إن الثورة الكردية التي عقبت الاحتلال الأنكلو - سوفياتي (آب 1941) 
أزالت كل هيبة للسلطة الإيرانية إلا أن مركزي الرسمي منعني من المخاطرة بتهمة 
التدخل السياسي. وبعد أن درت على سرجي عدة دورات متحسراً أسرعت 
بالابتعاد سائراً على خط الحدود ثم ترجلت ودخلت ظل بساتين جوز باردة تمتد 
مسافات طويلة. 


(1) لا شك أن هذا الجسر هو الممتد فوق (بردى كناجان - جسر القناة) الذي: يبعد أميالاً قليلة عن 
المجرى. 

(2) اطلع (مينوركسي) في زيارته ل(بردى وار) في العام 1904, على ضريح كل من (بير رازيار) 
و(مصطفى دادوداني) 


255 


- 14 - 
تائجه رق» سورداش» سه رجنار 


قبل خروجي من حلبجه إلى رانية قضية أياماً قليلة في السليمانية وأعتقد أن 
قله الع درن مناسبة طيبة لأعيد الكلام عن المناطق التي لم أصفها إلى حد 
الآن وإن عملي هذا يقتضيني قطع حديثي المتسلسل السابق. 

إن وادي السليمانية بين (ئه زمر - قره زرد) من الشمال الشرقي وبين (به رانان 
- بنزرد) من الجنوب الغربي ينقسم إلى ثلاث نواح وهي (تانجه رو - 10100 
نفس) وتمتد من حدود حلبجه حيث يتسع الوادي بعدها ليؤلف سهل شهرزور. 
إلى مشارف مدينة السليمانية» و(سرجنار >- 41100 نفس) إلى الشمال الغربي من 
السليمانية وتنتهي بخط يمتد عبر الوادي ليخترق قمة (بيره مه كرون) من وسطها. 
و(شوؤرةاكن - 12100 نفس) وتبتدئ من هذ الخط حتى نهر الزاب20©. 


وعلى بعد أحد عشر ميلاً شمال غرب السليمانية تقريباً يوجد سهل منخفض 
يقطع ناحية سرجنار فيفصل حوض (تانجه رو) عن المياه التي تصب شمال غرب 
الزاب وتتجمع هذه السيول في غديرين رئيسين هما (تابين) من شمال (بيره مه 


)01( كانت ناحية (تانجه رو) في العهد التركي تسمى (سرجنار - شرقي) وأما سرجنار فتسمى (سرجنار - 
غربي) وهما مرتبطتان دائماً بالمتصرف مباشرة أو بقائمقام المركز. وارتبطت (سورداش) زمناً 
بقضاء (ميركه) إلا أنها نقلت إلى مركز السليمانية قبل العام 1918 بسنين عديدة» وقد عادت ناحية 
(قره داغ) وهي رابعتهم لترتبط بالمركز إلا أنها كانت مرتبطة به (سه نكاوا) في معظم الفترة التي 
يتحدث عنها هذا الكتاب. وشُكلت معها مستقلاً. وقد أجلنا وصفها إلى فصل تال. 


236 


كرون)» ورافده (جه رمه كا) من الجنوب؛ ويشق هذا المجرى طريقه في حاجز 
(سارسرت) ويتسع هنا ليحتضن الوادي مسافة ستة أميال» ثم ينحرف شمالاً 
ليجري سبعة أميال خلال أخدود عميق كثير المنعطفات إلى النهر””'' ويدعى هذا 
الأخدود «سرقوشان» حيث يصب فيه على مسافة ستة أميال من (دوكان). 


وفي «سورداش» يضيق الوادي باستمرار أثناء امتدادة إلى الشمال الغربي 
وتصبح الأرض أشد وعورة» وتكتسي سفوح الجبال بغابات البلوط. في حين تبرز 
سلسلة جبال (ئه زمر) وتسمى هنا (جارمابان) من خلف الأطراف الشمالية الغربية 
لبيره مه كرون» وتقذف من الزاب بسلسلة من القمم المسننة والأطناف. وهناك 
مسالك لا تتسع لأكثر من شخصء» مصعدة خلال خوانق وتقع خلف قريتي 
(قمجوغه - جاسنة) مرتفعات فيها كروم تسمى (شيخ باخ) وتختفي المسئنات 
المنشارية المذكورة2 بعد ثمانية أميال من امتداد النهر. وتمد السلسلة خرطوماً 
عظيماً واسعاً إلى النهر يتطامن فكه الأسفل عندما يدنو منهء إلا أن الفك الأعلى 
ينتهي بخاصرة منحدر شديد لمضيق سحيق الغور ذي مناظر خلابة وقد ألصق اسم 
(قره سرد) بهذا الفك الشمالي» اسما على مسمى. ويعرف امتداده إلى الضفة 
الأخرى في منطقة (رانية) باجبل كوسَرَتْ) وإلى الأسفل بكثير اعتباراً من الوادي 
الأصلي وعلى خط واحد من القمة يقوم جبل (مه ركه) أي المرج الواسع وفيه 
يوجد ثلاث قرى صغيرة. وكثيراً ما أوصى الكرد بهذا الموقع ليكون مصيفاً. ولعل 
ذلك يعود إلى ميزة ينفرد بهاء وهي أن الظل لا يبارحه طوال اليوم حتى في 
الصيف» ويوجد منخفض ضيق آخر خلف (شيخ باخ» وقره سرد) وفوق الهضبة 


(1) إن الأسماء التركية ليست نادرة هناء وإن كان الأهالي أكراداً» وربما كانت (سرقوشان) بالأصل 
(سوقوشان - ملتقى المياه) مرادفة للكلمة الكردية (دو آوان - ماءان) الذي هو اسم مسافة ستة 
أميال من مجرىقى هذا النهر. 

(2) من فوق قمة (قمجوغه) يبدو لي أن الحافتين المستنتين اللتين يجري خلالهما (شيخ باخ) تنعطفان 
في دورة لينتهي النهر بقاعدة الجبل المواجه لسهل (سورداش) الأساسي. لذلك تكون فتحة (جاسه 
نه) نتوء صخرياً في إحداهما. وفتحة (قمجوغة) نهايتهما الناتئتين. 


237 


ينتهي بخانق عظيم ظنه (ماونسل) فم (قه لاجوالان) ويحوي عدداً من القرى 
الصغيرة» وكذلك قرية (سركه لو) المهمة. وحاجز الجبال الذي هو في الجانب 
الأقصى من ذلك الغورء إنما هو الحدود الفاصلة بين (سورداش) وناحية (مه ركه) 
في بشدر. وناحيتا (تانجه رو وسرجنار) غزيرتا المياه» والمعلوم أن جزءاً كبيراً من 
أراضيها هو ملك للشيخ محمود وبككزادة الجاف وغيرهم من أبرز أسرة البلدة. 
وأبرز شخصية في سورداش هو (حاجي شيخ عارف سه ركه لو) ويملك هو 
وأقرباؤه سواء بالصورة الشرعية أو بوصفهم سراكيل» حوالي ست عشرة قرية 
داخل الوادي الرئيس أو في الوهاد المنعزلة داخل الهضاب. على أن نفوذهم الديني 
يمتد إلى أبعد من هذاء وهم من أتباع الطريقة النقشبندية» ويخاصمون الشيخ 
و وكل استعلاء لفرع (نودى) من أسرة البرزنجة. 

إن معظم قرويي النواحي هم من الفلاحين (كوران) مع بقايا سكان شهرزور 
الأوائل الذين طردهم الجاف الغزاة في القرن الثامن عشر”" إلا أن بطون 
الميكائيلي ورغزادي وكه ماله يي من الجاف في (تانجه رو) أنشأوا في أقصى 
الغرب من مسالك هجرتهم بضع عشرة قرية خاصة بهم (لا شك أنهم أسسوا 
غيرها منذ ذلك الزمن) واختلطوا بالككوران في عدد من القرى الأخرى. 


إن (إسماعيل عوزيري) هو فرع آخر من جاف شهرزور الأولين بقي على حالة 
البداوة ويعد زهاء (100) خيمة. ومن البطون الأربع ترى (الميراودلي) عادة يقضون 
الشتاء في (سورداش) عند سفح جبل (بنزرد) أو على الهضاب في (قه لا سيوكه) 
أما (خيل فايزه) ويطلق عليهم عموماً اسم البطن (إسماعيل عوزيري) و(كوماله بى) 
فهم في سرجنار. وما (قره ويسي) فتتشر في (بازيان وسرجنار) (شارباثير) ومع 
أنهم طردوا من مقرهم الشتوي القديم فقد واصلوا الهجرة إلى مراعيهم الصيفية 
(1) وهم (شيخ إسماعيل» ماندومى» كلياغى» شنكى) وهنالك أيضاً سبع قرى من ال(كادانى) وقرية 

واحدة من ال(كالوبى) وكلها قيائل دخلت فيما بينهما حلفاً صغيراً ليس لديّ معلومات عنه. كذلك 


يوجد قرية واحدة ل(صوفي وه ند). انظر حاشية الفصل الأول وقرية واحدة أخرى ل(جافه ره شكه). 


258 


التقليدية في إيران. وهم يبلغون وادي (شلير) إما عبر (شاربازير) وإما عبر 
(شهرزور) ومن ثم يعبرون الحدود عند (كانى دزان) ويستمرون حتى إقليم مضيق 
(كالي خان) الذي يبعد عن (بانه) ائني عشر ميلاء بطريق (سه قز) فيكون موضعهم 
إلى الشمال الغربي من (ميكائيلي). وهؤلاء الإسماعيلي لا يدينون بقانون ولا نظام 
واشتهروا بالسرقة. وهم كسائر الجاف يميلون إلى الاستقرار في الأرض» وقد بنوا 
لأنفسهم ثلاث أو أربع قرى في (سرجنار)”0. 

ذكرت في فصل سابق أن نقشبندية كردستان (أقصد الفلاحين في القرى البعيدة 
لا رجال المدينة المتعلمين) يميلون بنوع خاص إلى بعض الشذوذ. وليس من ريب 
عندي في أن اتجاهات إباحية ظلت تشيع زمناً طويلاً في القرى الجبلية البعيدة على 
حدود (سورداش) و(مه ركّه) لانقطاعهم عن العالم الخارجيء» وندرة زيارات 
موظفي الحكومة. ولم يجتذبوا اهتمامي لأول مرة إلا في العام 1932 أي بعد عدة 
سنوات من وجودي فقد ذهبت وحدة من الشرطة لإجراء تيليغ في قرية (هه له 
ون) التي هي من أملاك الشيخ محمود وتبعد عن (سه ركه لو) أربعة أميال وعند 
عودتهم أبلغوني أنهم شاهدوا بأم أعينهم حفلة استحمام مختلطة للجنسين في 
حوض المسجدء وأضافوا إليها تفاصيل غريبة. وقد شكت سلطات الإدارة في 
صحة ما بلغها أول الأمر. إلى أن أبلغ بعض تجار التبغ المحترمين عن مناظر 
مشابهة في قرية (سه ركه لو) نفسها وقدموا شكوي لأنهم أهينوا واعّدي عليهم 
عندما حاولوا استنكار هذه الأعمال» وقد كشفت التحقيقات عن قصة غريبة فريدة 
في يابها. 


كان يسكن في (شاه ده له) القرية القريبة من (سه ركّه لو) شخص اسمه (عبد 
عرفت باسم (حقه) وتستند إلى التعاليم المعروفة (برقصات الصوفية) التي كتبها 


(1). علمت في 1957 أن (إسماعيل دوزيرى) قد استقروا وطلقوا حياة البداوة. 


259 


سلفه ولم يكن هذا السلف إلا (حاجي شيخ عارف نفسه) ولكنه آثر أن يبقى وراء 
الستار لأنه أبرز شخصية في المنطقة فضلاً عن مسؤولياته تجاه الحكومة» وكان 
هذا بعد نظر منهء ودهاءء وهكذا بدأ يظهر شذوذاً عن معظم آداب السلوك 
الصوفية؛ وشوهد أتباع الطريقة يدفنون أجسامهم حتى الأعناق في أكداس روث 
حيوانات القرية» وهم يتلون الأدعية لله. ووجد نوع من شيوعية الأموال» 
وبضمنها النساء. وراحت جماعات صغيرة من كلا الجنسين تتجول فوق الروابي 
والآكام بعد حلول الظلام» الرجال منهم في ثياب النساء أو حليهن, أما حفلات 
(الاستحمام) المختلطة في المساجد فكانت مظهراً منتظماً من مظاهر الطقوس» 
وكثيرا ما كانت تسحب الكلاب إلى الحوض مع المستحمين (الكلب المبلل عند 
المسلم الذي هو على المذهب الحنفي يعتبر نجساً)؛ وكانت أوعية البول تنتقل من 
يد إلى يدء وبلغ السيل الزبى عندما اقتحمت جماعة من الصوفية وهم في حال 
الوجد (السكر)» مسجد (سه ركه لو) وأحرقت علناً نسخة من القرآن وعندما 
استدعي الشيوخ والأدلة الصوفية إلى السليمانية للتحقيق. قالوا إنهم شخصياً لا 
يقرون مثل هذا الشذوذ على أنهم حاولوا الاعتذار لذلك بقولهم: إِنْ يقم المريد 
الذي هو في حالة وجد ولفترة محدودة - بتصرفات مخالفة للسلوك والأخلاق 
والدين» فليس عليه جناح. وأنا بالطبع لا أستطيع أن أؤيد التفاصيل لكنه يوجد 
بعض القرائن والدلائل الثابتة في التقارير الرسمية وقد يكون إنشاء المدارس ونشر 
التعليم أقوى ترياق وأكثر فعالية في تقويم هذا الانحراف. إلا أن هذه التدابير ليس 
مما يمكن أن يبادر إليه موظفو الريف. وظلت الإنذارات المتتالية عدة سنين تشير 
إلى أن مذهب (حقه)؛ يكسب أتباعاً وينتشر انتشاراً واسعاً في المناطق المجاورة. 


وفي آب 21936 أثناء فترة هدوء مؤقتة في ثورة (حقه) قضيت ليلة واحدة 
ضيفاً على الشيخ عبد الكريم في قرية (شه ده له) الواقعة في واد ضيق من (تابين) 
الأعلى بين (جارمابان وبيره مه كرون) ويبدو لي أن مشاهير الشيوخ ذوو موهبة 
نادرة في حسن اختيار موقع إقامة لهم بين القرى» سواء من الناحية الاستراتيجية أو 


230 


من ناحية جمال المنظر الذي تشرف عليه.. وقرية (شه ده له) ينطبق عليها هذاء 
فهي تقوم على شرفة واسعة قطعت من سفح جبل» وفيها تكية الشيخ وفي النهاية 
الغربية لها صف من شجر الإسبندار يلقي ظله على فسيفساء سجاجيد إيرانية 
ثمينة فرشت لاستقبالنا وفوقها مباشرة يوجد حوض واسع يحيطه جدار من 
الحجرء ويصب في الحوض باستمرار ماء ساقية تنحدر من الأعلى بماء مثلوج 
رقراق. وكانت عمامة مضيفي وجبته ناصعتي البياض» تتوسطهما لحية سوداء 
طويلة جعداء النهاية وعند الزلفين» تلمع بصبغة جديدة. وكان يتكلم بلهجة قداسة 
مهيبة كأنما يريد أن لا يذيب الزبدة من فمه. إلا أن الوميض المرح في عينيه. 
والفجوة الكبيرة في صف الفك الأعلى من أسنانه يكشفان عن تعابير محيرة 
تختلف عن تعابير صورتيه الجانبيتين. ولم يكن حديئه يخلو من الحكمة الدنيوية 
وكان يصعب عليّ ونحن جلوس ننظر إلى سفوح (بيره مه كرون) المكسو بأشجار 
العنب عبر الوادي - أن أؤمن بأني أجالس زعيماً دينياً لزندقة شاذة أقامت الإدارة 
الحكومية وأقعدتها قبل بضعة أشهر. وحدث تطور بالغ الحراجة في العام 1944 
أثناء الحرب العالمية الثانية» إذ قام متصرف أربيل» وهو شاب ذو مؤهلات وكفاءة 
نادرة ومبادرة سريعة باعتقال (مامه رضا) خليفة عبد الكريم وكان يسكن (كلكه 
سحاق) الواقعة على الجانب الأربيلي من النهرء مقابل (دوكان) دون الرجوع إلى 
بغداد أو استشارة زميليه متصرفي السليمانية وكركوك» وبعث به مخفوراً إلى 
(العمارة) على دجلة الأيسر وأودع معتقلاً للسياسيين هناك. فما كان من أتباعه إلا 
أن هجروا قراهم بالمئات مع نسائهم وأطفالهم وانطلقوا في رحلة على الأقدام 
طولها (500) ميل للحاق بدليلهم وهو في منفاه. وبصعوبة كبيرة أوقفوا في كركوك. 
ولم ينثن عزمهم على مواصلة الرحلة رغم جوعهم وإرهاقهم, إلا إعادة (مامه 
رضا) إلى الديار ووضعه في معتقل لائق ينسجم مع ذوقه هو مدينة السليمانية 
القريبة من أتباعه الذين استمروا في الحج إليه لتقبيل اليد المقدسة. وقد لقيته هناك 
بعد عودته فوجدته شيخا كبير السن رقيق الشمائل. ومهما تكن تعاليمه خاطئة من 
الناحية الدينية فلا يمكن أن تكون خطرأ على الدولة. 


201 


إن التلول الأثرية في هذه (النواحي) الثلاث لا تحصى كما في غيرها من 
المناطق وفي العام 1927 قام الدكتور (ي.أ. سبايزر) بتنقيبات في (عريت» بيستان 
سورء ياسيه تبة) إلا أنه لم يكشف عن لقى أثرية على قدر معلوماتي. كما يوجد 
ثمة عدة كهوف ظلت دائماً تستلفت الأنظار إما بسبب أهميتها لانتسابها إلى عهود 
ما قبل التاريخ» أو لقيمتها كملاجئ من الغارات الجوية في الوقت الحاضر. 
ويتضح للعين المجردة مجموعة منها في الأقسام العليا من جناح جبل (يه رانان) 
فوق قريتي (جيشانه وهه زارميرد) جنوب غرب السليمانية. وهي على شكل كوي 
قوسية مظلمة. وثمة كهف مشهور آخر قرب (عه ودالان) في الشمال الغربي من 
(سورداش) ويقال إنه ينفذ في باطن الجبل نفوذاً عميقاً لم يصل بشر إلى نهايته. 
والكهوف التي هي من النوع الأول كانت قد-استهدفت إلى تنقيبات الآنسة 
(دوروتي كارود 4معنة© زإطامره2) وهي مرجع في عصور ما قبل التاريخ من بين 
المنقبين الآخرين» فعثرت على أدوات تعود إلى العهد (البايلوليثي)”" إلا أنها لم 
تجد تماثيل ولا نقوش بارزة ولا تهاويل لأسطورة شائعة. وتوجد كهوف أخرى 
معروفة واسعة جداً في أطراف المسننات الصخرية العظيمة فوق (جاسه نه وقه 
مجوغه) اللتين ذكرناهما آنفاً. أوكل إليّ في صيف العام 1913 أمر إدارة دائرة الآثار 
العراقية بصفة مؤقتة إضافة إلى واجباتي الكثيرة في بغدادء وأنا لا أدعي بخبرتي 
في هذه الشؤون. وفي أثناء الأشهر القليلة لوكالتي أبلغني (أحمد بككى توفيق بك) 
أول متصرف عراقي للسليمانية» بأنه اكتشف في ناحية (سورداش) كتابة على 
الصخر يعتقد أنها بالفارسية القديمة فكان ذلك مفاجأة تامة. فمنذ 1918 حتى 
2+ عندما كان اللواء تحت الإدارة الكردية المباشرة» قام عدد كبير من الضباط 
السياسيين والعسكريين بتفتيش المنطقة ركناً ركناً في أثناء ممارستهم واجباتهم أو 
خلال نزهاتهم. ولم ينقطع سيل الزائرين منذ 1924 بعد سيطرة الحكومة العربية 


أبعد فترة فيه إلى 100,000 سنة قبل الميلاد. (المترجم). 


202 


وقد زرت أنا نفسي تلك المنطقة مرتين أو ثلاث مرات ولم أسمع كلمة واحدة 
تنبئ بوجود مثل هذه النقش الأئري. ولذلك صح عزمي على زيارة الموقع في 
أقرب فرصة إلا أن المصادفات السيئة أشغلتني طوال ثلاث سنوات ولم تتح لي 
الفرصة السعيدة إلا بحلول عيد الأضحى في نيسان 1934. 


وكان أحمد (بكنك) متصرفاً أيضاً فتركنا السليمانية بالسيارة حتى (موغاغ) ومن 
بعدها ركبنا الخيل إثر استراحة قصيرة تناولنا فيها الشاي في خيمة صغيرة ضربت 
لنا خارج القرية. وبعد ميلين اجتزنا نهير (تابين) عند نقطة التقائه ب(جه رمه كا) 
وواصلنا السير مغربين بمحاذاة الضفة اليمنى لنهير (دواوان) كما يطلق على هذا 
الجزء من المياه المختلطة وبعد أربعة أميال أخرى بلغنا قرية (زرزى) ويطلق على 
جيل (سرسرد) هنا اسم (كه جه ل - أقرع) ويؤلف من الجنوب جداراً شديد 
الانحدار من الصخر الأحم تثقبه كهوف طبيعية وأخاديد. ويقع (اشكه وتى قَرْقيانَ) 
وكهف (رائيقه ر) خلف القرية» تحت في وجه الصخرة بارتفاع (25) قدماً عن 
موضع أقدامنا. وقد صقلت المسافة بين الباب والمدخل صقلا عمودياً بحيث كان 
من المستحيل التسلق إليها إلا أننا استخدمنا حبالاً وسلمين مخلعين هيأهما لنا 
ال رن اكيم بكرنادا ابن (الشيخ حسام الدين) مسر 
على الطريقة القادرية يتمتع ببعض الشهرة» وكان في أوائل ثورة ة الشيخ محمود من 
ا 0 لأن 
آخر درجة من السلم تبعد بثلاث أقدام عن الفتحة. 


عندما صعدت إلى الفتحة وجدت نفسي في كهف خارجي منخفض ذي 
واجهة مفتوحة جعلت بمثابة شرفة لقصر أو واجهةء فيها باب قليل الارتفاع يفضي 
إلى حجرة داخلية. ويبلغ طول هذا الكهف الخارجي (23) قدماً وعرضه (90) قدماً 
ونصف قدم وارتفاعه ثلاث عشرة قدماً ونصف قدم والجدار الذي هو بمثابة 
واجهة القصر في صدر الكهف مقسم إلى ثلاثة أجزاء بعمودين أسطوانيين بارزين 
من الجدار بمقدار ثلثي قطريهما. وقاعدة العمود السفلي 7 تقوم على الأرض ويليها 


203 


204 


اشكوتي قزقبان ‏ نحت بارزجداري (الأرقام المثبتة في 





32 مس م سه 7 


التصوير هي انجات) 


قاعدة ثانية ا الخكارة ا يعلوها تاج ضخم 
على طراز النحت (الآيوني)”" بزخارف معرّشة بين الحلزئة وبين اللوح الذي يلي 
التاج. وهذا اللوح فيه زخارف تغرف عمونا أيا البيضة واللسان وفوق كل هذا 
نحت ثلاثة أوتاد قائمة متلاصقة فوق اللوح تحمل عارضة عليا واحدة في الجدار 
وزوجين من العوارض تؤلف الطنف. إن قاعدة العمود الأيمن شديدة التلف 
وحلزنة العمود الأيسر مهشمة ممسوحة. والبعد بين العمودين من الأسفل حتى 
القمة ينقسم إلى جزءين متساويين بخط أفقي محفور حفراً والنصف الأسفل فيه 
مدخل منخفض يفضي إلى حجرة ضريح داخلية منقورة في الصخر والباب تالف 
ويبدو أن الجدار الأعلى والمزلاج محفوران في الصخر. 


أما النصف الأعلى ففيه صورة محفورة يظهر فيها «بيت نار» على جانبيه 
شخصان يواجهانه والبيت يُرى فيه ثلاث درجات ثم أسطون ثم ثلاثة ألواح مدرجة 
من الأصغر إلى الأكبر بثلاث درجات أيضاً وفوق اللوح الأعلى نار مشبوبة مثلث 
بنصف دائرة. ويبلغ طول كل صورة بشرية أربع أقدام وخمسة أنشات أي زهاء 
ثلاثة أرباع حجم القامة الاعتيادية. واليد اليمنى لكل منهما ممدودة إلى أعلى نحو 
النار أما اليسرى فتمسك برأس” قوس وهذان القوسان يملآن الفراغ بين بيت النار 
والقدمين. وغطاء الرأسين خفيفان تنسدل أهدابهما على القذال منحسرين على 
نصف الوجه. وترى أيضاً عصابة تخفي الذقن والفم وتبرز اللحية من تحت 
العصابة. وفوق الحذاء شيء أشبه بسير أو أبزيم فوق فتحة النعل. ويختلف زي 
الصورتين» فالتي هي على اليمين مكسوة ما يشبه قميصاً طويلاً ينسدل حتى 
الكاحلين» والجزء الأدنى من الساعد خارج من كم الرداء إلى ما فوق المرفق وفي 


(1) نسبة إلى أيونيا وهو إقليم يوناني في آسيا الصغرى نزل به (ليونان) وأسسوا فيه مستعمرات في 
حدود القرن الثامن ق.م. وازدهر فيه طرز عمارة متميزة عرفت بالعمارة الأيونية. (المترجم). 

(2) سميت هذا الشكل (بالقوس) لأني لم أجد وصفاً آخرء وفي الملاحظات التي دونتها عن الموقع 
آنذاك أطلقت عليه اسم (قينار) والتمبيز بين الصفتين الأكثر انطباقاً صعب جداً. 


255 


الركبة تلف كبير أحدثته رصاصة بندقية. أما الصورة عن اليسارء فالظاهر أن 
صاحبها يرتدي معطفاً من القماش الثخين منسدلاً حتى الكاحلين وحافاته فيها 
أهداب زخرفية ما فوق الكتفين» والكم خال من اليد منسدل إلى أسفل والساعدان 
والساق الأمامية بارزة من تحت المعطف وربما كان الرداء الذي يغطي المنكبين 
والفخذ من قماش ثخين مبطن كخياط اللحاف. أما قصبة الرجل فهي ملساء وربما 
كان يكسوها حذاء عال أو طماق. 


وفي القسم الأعلى من هذه الصورة وفي الوسط تماماً تحت الطنف وما بين 
العمودين ترى صورة صغيرة (ميدالية) مستديرة غَلْظَ نقشٌ الجزء الأسفل من 
محيطها لتبدو أشيه بهلال. وفيها وجه جانبي ينظر إلى ناحية اليسار فوق رأسه 
طاقية خفيفة وفي وجهه لحية» وشعر رأسه يارز من أسفل الطاقية فوق القذال على 
هيئة (الكاكول) وقد ارتفعت يده بشكل أشبه شيء بالقدح أو بدبوس حرب كما 
يبدو وكأنه قاعد مشتمل يعباءة. 


وليس للقسم الأيسر من الواجهة غير زخرف واحد وهو إطار يبعد بحوالي 
عشر أقدام عن الأرضية وهو مربع الشكل تقريباً ضلعه يبلغ ثمانية وعشرين أنشاً 
وفي داخل هذا الإطار صورة شخص مجنح ينظر إلى جهة اليسار وهي شبيهة بهيئة 
(اهورمزدا) في نقش (بيستون) وغيره من المنحوتات الأخمينية لكنه يخالفها في إن 
الجناحين الأعليين مقوسان إلى فوق» تتجه نهايتاهما إلى زاويتي الإطار والجناحان 
السفليان قصيران زافقان هم الراس ولا يشاهد بكر أو عت والصورة قد لحقها 
تلف كبير بفعل العوامل الطبيعية إلا الجناحين الأعليين واليد المرفوعة بين الجناح 
الأعلى والأيسر والرأس والجناح الأيمن الأسفل» وشريط تحته وذيل» فهذه تبدو 
واضحة للعين. بينما لا يمكن تمييز الرأس بالنظر المجردء على أنه بدا أوضح في 
صورتي الفوتوغرافية. 

لاحر لابين عر ار ره ليحرت وال ررق ار اتوي 10017 
الوسطى» ويتألف من ثلاث دوائر متحدة المركز الواحدة منها داخل الأخرى. 


226 


وأكبرها يبلغ طول قطرها 18 أنشاً وهي والقرص الخارجي قد نحتا نحتاً بارزاً 
يمقارنتها بالدائرة الوسطى. وفي الحلقة الخارجية نقش أحد عشر شكلاً زخرفياً 
تشبه أقداح خمر ذات قواعد مخروطية وهي محفورة ويبدو القرص الداخلي أشد 
'حمراراً من الصخر المحيط بها ولعلها كانت ملونة في الماضي. 


إن الضريح الداخلي منقور في الصخر إلى عمق عشر أقدام ونصف قدم على 
مستوى الباب الصغير نفسهء وارتفاعه في الداخل يقل عن سبع أقدام. وهو مقسم 
جانبياً إلى ثلاث حجرات في كل واحدة منها حوض عمقه حوالي قدمين منقور في 
الأرضية أما الحوض الذي هو في الحجرة الوسطىء» فطوله يزيد عن ست أقدام. 
ويقل طول الحوضين الآخرين عنه بعلاث أنشات تقريباً لينزل فيها حافة غطاء 
حجري كغطاء والبايان اللذان يقومان بين الحجرات الثلاث فيهما جتار وعتبة لها 
تجويف صخري إلى يسار الباب الرئيس. وهنالك ثقب ينفذ في الجدار القصير 
كال محرت نذا ينصح قن ركوة تدر مكو عر ادحل ويساك سريف 
آخر فى الجدار الأمامى للحجرة اليمنى يبين منه أنه كان يوجد طريقة لقفل النهاية 
اندي اقمع كنا ذا كان الفيت رتيل بن كيك بات كو رسلا اليك 
الصعب أن نرى كيف يمكن أن يقفل إلا من قبل شخص يبقى في الداخل. 

إن هذا الكهف يواجه تماماً وادي (دو آوان). ويشرف على منظر مهيب كامل 
لجبل بيره مه كرون. 

أمضينا الليلة في قرية (قه لاباش) ضيوفاً على أخ (الشيخ عبد الكريم عه و 
دالان) وفي صباح اليوم التالي خرجنا لفحص ضريح صخري آخر يعرف باسم 
(اشكه ونى كروكج - كهف الفتى والفتاة) ويقع خلف قرية (شورناخ) حيث سفح 
جبل (بنزرد) يواجه الشرق عبر (جه رمه كا) إلى (بيره مه كرون). وكان بالإمكان 
أن نبلغها بدون سلالم وهذا بلا شك يفسر حالتها الحاضرة. إن بابها الخارجي 
يكاد يكون بطول باب الكهف الأول إلا أن عرضه لا يزيد عن ست أقدام أما 
العمودان فليسا ملتصقين بالواجهة وإنما يبعدان عنها بمقدار قدمين وقاعدة الأيسر 


257 


منهما فقط باقية مع مقدار عشرة أنشات من العمود وثمة عارضتان مستطيلتان 
كبيرتان أضخم من العوارض المثلثة في (قزقيان) تبرزان من الواجهة على طول 
سعة السقف مستندتين إلى العمودين وإذا كان يوجد أي نقش فى الواجهة فإنه قد 
تلفت ثماماً دون أن يخلف أثرا. ْ 

وليس ثمة إلا حجرة داخلية واحدة طولها سبع أقدام وعرضها خمس 
وارتفاعها أربع ويمكن دخولها من باب منخفض وهي منقسمة إلى جزءين 
متساويين تقريباً والفاصل بينهما حوض يستغرق الجانب الأيمن ولذلك لا يبلغ 
طوله أكثر من خمس أقدام ومن هنا يرى منظر لطيف (لبيره مه كرون) عبر الوادي. 
ولو كان الموضع قد انحرف بضع أقدام عن محله الحالي إلى منعطف السفح. 
فالمنظر سيكون كاملا تماماً لأن بيره مه كرون سيواجهه بالضبط فضلاً عن منظر 
جانبي رائع من السليمانية حتى شهرزور مع الحاجز الطويل لجبال هه وره مان 
التي ترتفع 7000 قدم فوق مستوى السهل على بعد ثمانين ميلا”". 

لم أجد أثراً لكتابة ما قرب الضريحين ولم يقم الخبراء بتقدير تأريخها حتى 
الآن وقد أعلمني المرحوم الدكتور (هرتسفلد) أنه عثر على ضريحين مشابهين في 
شمال غرب إيران بأعمدة نحتت نحتاً بارزاً على الصخر واعتبرهما من العصر 
(الميدي) كما وقع على ضريح آخر في موضع بين (برسو بوليس وسوسه)"© ذي 
أعمدة بارزة من الصخر فعده من العهد الفارسي لما يسبق السلالة”© الأخمينية. 


(1) عن وصف مفصل هذه الأضرحة مع تفاصيل أخرى ومخططات وقياسات وعدد كبير من الصور 
الشمسية» انظر مقالتي (ضريح في كردستان) نشر في مجلة العراق» المجلد الأول 1934 - لندن. 

(2) برسبوليس: عاصمة الفرس الأخمينيين تقع خرائبها اليوم على بعد 50 كيلومتراً شمال شيراز» 
اشتهرت بقصورها الفخمة وتقوم الآن فيها أجزاء كييرة واضحة من قصر الأباداثا. وسوسه - عاصمة 
العيلامين» وهي الآن خرائب وتقع في عربستان. اجتاحها شابور الثاني الفارسي (309 - 379) 
وضمها إلى ملكه. وفتحها العرب (638) وظلت عامرة حتى أدركها الخراب في القرن الثالث عشر. 
(المترجم). 

(3) الأخمينيون - سلالة ملوك حكمت فارس» مؤسسها «هاخمانيش» ظهرت على مسرح التاريخ في- 


258 


ويرى الدكتور كامرون ههم6هه00 .0.6 من جامعة شيكاغ 0 أن كهف (كروكج) 
ينبغي أن يرد إلى عهد الميديين ولعله ضريح فراورتس” ابن دايوكيس والد 
كيخسرو”©» الذي يقول (هيرودوت) إنه قتل في هجوم له على أشور في محل لا 
يبعد كثيراً عن (سورداش) أما ضريح (قزقيان) فهو يرده إلى عصر متأخر عن 
الضريح الأول والأسماء التي أطلقت عليهما جمهرة الكرد تشير إلى أنهم عزوا 
إليهم أسطورة تروى عادة وبشكل متواتر بخصوص الجسور الأثرية المتقوضة في 
إقليم زاغروس” تقول الأسطورة إنه كان يعيش هنا في (كروكج) أمير وقع في 
حب أميرة تعيش في (قزقبان) وراء نهر (تابين) وكان يزورها كل ليلة» فقامت 
الأميرة بنصب جسر لتسهيل زوراته كما توهمتء وليكون نشطأ غير متعب عند 
وصولهء فوجدت عكس ما أملت بحيث إن الأميرة أمرت يهدم الجسر. 

بعد أن أنهينا تنقيبنا ركبنا ودرنا حول الجبل تحت السفوح المنحدرة لتناول 
غذائنا في (عه ودالان) مع الشيخ عبد الكريم في تكيته وألح علينا مضيفونا كثيراً 
في أن نخرج لتفقد قلعة أثرية تسمى (جلندى) وهي عندهم أهم وأطرف من 
الضريحين. ومع أني كونت فكرة تقرب من الصحة عما سأجده من أجوبتهم عن 
الأسئلة التي ألقيتها عليهم» فقد سرني جداً أن تتاح لي فرصة استكشاف نهر 


-أول القرن السابع» وانشعبت إلى سلالتين» ولكن سلالة ملوكها تبدأ بكورش (ح559 - 530 
ق.م.) وتنتهي بداريوش الثالث (336 - 330 ق.م.) (المترجم). 

(1) انظر أيضاً (هرتسفلد)» التاريخ الأثري لإيران» طبع لندن 21931 ص30 - 32. 

(2) تاريخ إيران القديم» مطبعة جامعة شيكاغو؛ 1936. ص182. 

(3) فراورتس كما أثبته هيرودتس وذكر رواية قتله وهو بالفارسية خشاترثيا حكم بلاد مادي 673 - 652 
ق.م. ودايوكيس كما أثبته هيرودوتس هو داجواكو من أوائل ملوك الماديين حكم منذ 709 حتى 
5 كما ذكر المرجع نفسه. وكيكسارس هو كي أخسار أو كيخسرو المتوفي 585 ق.م. (المترجم). 

(4) أذكر بدون صعوبة» قصة أخرى شديدة الشبه بهذه؛ وتدور حول جسر (تاييت) على الزاب الصغير 
بالقرب من مصب (قه له جوالان) وأخرى عن (بردى كنجان) على سيروان جنوب شرق حلبجة» 
وعن تلول (فليافيله) و(سرود) على الضفة الأخرى من نهر دجلة جنوب بلدة (علي الغربي) حيث 
يكون النهر في أقرب مسافة من جبال لرستان. إلى غير ذلك من المواقع. 


209 


(سرقوشان) من النقطة التي سبق لي أن عبرته قبل خمس سنين ولذلك ركبنا إليها 
ومررنا بقرية (قوج بلاق) ثم وصلنا راقداً يسمى (جه مي ريزان) يصدر من 
الجنوب ويتجه نحو الشمال إلى مدخل كهف (عه ودالان) الشهيرء على ما 
يقولون. وعبرنا النهر من مصبه. وواصلنا السير بمحاذاة الضفة اليسرى من 
(سرقوشان) الذي ينحرف هنا إلى الشمال عن اتجاهه الغربي وبعد ميل واحد 
ينعطف المجرى ثلاثئة منعطفات حادة جداً بتتابع سريع خلال غور عميق 
واضطررنا إلى عبور خانقين شديدي الانحدار. وشاهدنا فوق رؤوسنا زوجاً من 
الخنازير على نتوء صخري ضيق قرب القمة وأمامه منحدر شديد. أزعجتهما طلقة 
نارية فأسرعا يهرولان بأقدام ثابتة ثبات أقدام الوعل وكان سفح الجبل مزدهراً 
بالسوسنء وخلافاً لشجيرات البلوط الكثيرة كان ثمة عدد لا يحصى من أشجار 
وشجيرات لا تؤهلني معلوماتي إلى وصفها وتسميتهاء ولاحظت وجود شجرة 
(حبة الخضراء > داره بن > قزوان) و(شوك المسبح > زبى) و«(الزعرور - كُويرٌ). 

تقع قلعة (جلندى) على الضفة اليمنى من النهر وفي ثالث منعطف لهء وهي 
قلعة جبلية من الطراز الذي يسمى (ديز) في لرستانء ويحميها من جهات ثلاث». 
سفوح شديدة الميلان تتجه نحو النهر وقد جرت تقوية هذا الاستحكام الطبيعي 
باستحكام من الحجر والجص. وفي القمة المسطحة توجد خرائب كثيرة قد يعتقد 
أنها أحواض ماء وثكنات واصطبلات. ولم أجد نبع ماء في أي مكانء. ولاحظ 
مرافقى ببعد نظر أن كل هذا الجص المستعمل فى البناء يتطلب كميات كبيرة من 
الماء 50 ورددا أسطورة مؤداها أن هذا الماء إنما جيء به من الضفة البعيدة 
بأنابيب» ولا يوجد أي مأثرة عن تاريخ الموقع. ويذكر (أوسكارمان)” الذي جمع 
نماذج من اللهجة الموكريانية في صاوجبلاغ (مهاباد) سنة 1902 - 1903 أنه سجل 
أغنية غزلية عنوانها (جلندى) وملخصها أن (جلندى) الملك الوثني أقلقه تقدم 
المسلمين فتحالف مع الشيطان (الذي اتخذ شكل آنسة بارعة الجمال كما جاء في 


(1) دراسات فارسية - كردية: اللهجة الموكريانية - الكردء ط. برلين 21906 ج1 صص228 - 246. 


2300 


أحد أبيات القصيدة الجميلة) ونجح في إغواء (علي أسد الله) ليقوم بمحاصرة 
(المدينة المنورة) ويخيف السكان وبعد كثير من الحوادث يستظهر عليه (علي) 
ويقتله. والورع الديني الكردي كان يغلب هنا بطبيعة الحال إذ إنه عزا إلى ابن عم 
النبي وزوج بنته بطولة كردية» ووضعها في إطار حجازي» بحيث ظل الاسم 
الأصلي للشخصية الشريرة منعزلا. ليس هناك شواهد جغرافية داخلية تعزز وجود 
أية رابطة لهذه الأسطورة بقلعة جلندى في (سورداش). 


الآن مضى من اليوم معظمه وقررنا الاستراحة حيث نحن بدلا من العودة إلى 
(عه ودالان) ووجد مرافقونا بقعة ترابية نظيفة قرب النهر يظلها نتوء صخري. لكنه 
لم يكن فوق خط الماء الأعلى كما هو واضح بحيث نأمن من فيض مفاجىئ». 
ولذلك انتقلنا إلى شرفة أعلى إلا أن الموضع لم يكن نقي الجو وأعدنا خيلنا إلى 
(قوج بلات) وبعد حلول الظلام أعلنت أجراس» وصول كروان صغير من (عه 
ودالان) يحمل لنا الأغطية والأفرشة (نووين) مع الطعام لجماعتنا الكثيرة العدد 
وأكلنا وجبة ممتازة على وهج نار فروع شجر البلوط تحت ضياء القمر الذي يكاد 
يكتمل بدرأ وكانت تحجبه بين آونة وأخرى الغيوم المتسارعة في السماء وأثبت ل: 
إسكافي (عه ودالان) أنه راوية ممتاز ولا بد أني غفوت على حكاية ابن الملك 
وبنت الوزير والمحاورة الجميلة لأبطال القصة عندما أيقظني وميض برق مصحوب 
بانفجارات رعدية هائلة يرن صداها في جوانب المضيق بالأسفل. وأبقتني أصوات 
هذه العاصفة الشديدة مستيقظاً أكثر من ساعة. 


وبكرنا في النهوض صباح اليوم التالي وتركنا موضعنا راجلين يتقدمنا مختار 
قرية (شيخان) بهيكله الضخم ووجهه الباش وعقبنا طريقاً ضيقاً لا يسمح بالمرور 
لأكثر من شخص واحد ويضيق إلى عرض أنشات قليلة في بعض المواضع ويمر 
فوق منحدر شديد الميلان على الضفة اليمنى. وأخذ السفح يتطامن وينداح باقترابنا 
من (زه رزى) ومن ثم اجتزنا (قزقبان) بأعمدتها وطنفها المألوفة الواضحة لأعيننا 
فن الأسفل ثم عبرنا (تابين) إلى (موغاغ) وهنا تناولنا وجبة طعام من القطا الجبلي 


301 


(كه و) والوعل (بزنى كيؤى) مع نبات الكعّوب (كنكر) الشوكي الذي يستمرؤه 
الكرد. ويعدها لحقنا بسياراتنا فركبناها إلى قرية (قه ره جه تان) وهنا أعلمنا 
(أحمد بك) بوجود درج حجري منقور في الصخر ريما كانت درجاته تفضي إلى 
معيد» إلا أن الجو كان ينذر بالسوء فقررنا أن نعود حالاً» وكنا على صواب إذ ما 
استقر بنا المقام في السليمانية حتى هبت عاصفة رعدية مع مطر غزير قطع طريق 
السيارات من كركوك في اليوم التالي. 


2302 


- 15 - 


رانيه ويشده ر 


إن النقيب و.ر. هاي :85 .7.8 (الآن: سير روبرت هاي). كان أول ضابط 
سياسي عين لأربيل المرتبطة بإدارة الموصل آنذاك وقد ذكر في كتابه (عامان في 
كردستان - طبع لندن 1921) كيف أدخل في كانون الأول 1918» إدارة الاحتلال 
إلى الأقضية الثلاثة (كويء رانية» يشدر) وكان الأولان في عهد الترك مرتبطين 
بلواء كركوك والثالث بلواء السليمانية وقد رسم أن تكون كلها ضمن حدود دولة 
الشيخ محمود» ذكر كيف أن (كوي) ألحقت (بقسم أربيل) المستحدث» بعد ثورة 
الشيخ بينما بقي القضاءان الآخران تحت إدارة السليمانية باسم منطقة رانية””2 وأبرز 
المظاهر الطبوغرافية لهذين القضاءين هي أولاً سلسلة جبال شاهقة تؤلف الحدود 
الإيرانية وترتفع إلى 780 قدم بالقرب من فتحة الزاب وتستمر بالارتفاع شمالاً حتى 
تبلغ 11800 قدم والمظهر الثاني هو السلسلة الجبلية الطويلة (كوركور - تاسوس - 
كيوه ره ش) الذي هو استمرار لسلسلة (كوره كازاو - كوجار - كوركور - 


(1) كانت حدود المنطقة بتشكيلها هذاء على النحو التالي: شرقاً الحدود الإيرانية» وشمالاً (بانحراف 
طفيف واحد). الخط الفاصل بين حوض الزاب. ومن الشمال الغربئ خط غير منتظم يشق الأرض 
شقاً نيصل إلى نقطة تبعد زهاء خمسة أميال إلى شمال (كوي) ومن الجنوب الغربي من هذه المنطقة 
إلى الزاب الصغير في هضبة طويلة مستوية تعرف باسم (هيبة سلطان - 3500 قدم) وهي امتداد 
سلسلة جبال (به رانان - بنزرد) نحو الشمال الغربي ومن الجنوب ملاصقة لسورداش. ومن 
: الجنوب الشرقي تلاصق (ماوه ت). 


2303 


شاربازير)» والمظهر الثالث هو الانحراف الحاد الفجائي للزاب بعد دخوله العراق 
بمسافة زهاء ثلاثين ميلا إلى الشمال الغربي» ومن ثم يخرق الجبال عند (ده 
ربندى رمكان) الذي يفصل قطاع (تاسوس) عن كيوه ره ش ثم يدور نحو الجنوب 
في مجرى واسع مفروش بالحصباء ثم يضيق ثانية عند مضيق (قه ره زه رد). 
وسلسلة جبال الحدود مكسوة بالثلج معظم أيام السئة. ومن خط القمم الوضاءء 
قمة تسمى (قنديل كوكز - أو قنديل الأصلي) يبلغ ارتفاعها 1324 قدماً وهي قمة 
جميلة المنظر. إن لم تكن أعلى القمم - أشبه صديق طيب يؤشر إلى المسافر دربه 
في التيه تحته. ويضيق خانق (تاسوس - كيوه ره ش) أثناء انفصاله عن كتلة الجيال 
بالقرب من (كوركور) ويفصل سهل (قلعة دزه) على الشمال الشرقي من سهول 
(مه ركه و بتوين) عن الجانب الجنوبي الغربي ثم يضيع مرة أخرى في عقد الجيال 
حول (رواندوز). وإلى جانب خط ضيق من القرى (باش كيو) لكن السهل الذي 
هو على الضفة اليسرى تتقاطع فيه عدة غدران سريعة منها (راوه) الذي ينبع من 
الجانب الإيراني على بعد 19 ميلاً من الحدود حيث يمتد خط أعلى قمم السلسلة 
العظمى غير مساير تساقط الماء»ء ومنها (كارقين) الذي ينبع من (قنديل) وهذان 
أهم مسيلين. وعلى الجانب الآخر من الخانق يفصل الزاب وهو في مجراه نحو 
الجنوب - بين (مه ركه) و(بيتوين) ويصب فيه من الضفة اليمنى رافد كبير يدعى 
(باسه لام)”2 والحدود التقليدية بين القضاءين هي نهر (زرزاوه) اعتباراً من الحدود 
حتى مصبه في الزاب» وتمتد الحدود على الزاب نفسه حتى مضيق (قره سرد)!© 
وتتألف رانية تأليفاً طبيعياً من ثلاث نواح وهي (ناوده شت) - 8650 نفس وتقع 
بين زرزاوه وكيوه ره ش وناحية رانية - 11000 نفس وتقع في الوسط. وناحية 


(1) أخذت هذا الاسم عن الخرائط» وهو معروف عموماً باسم (آوى خدران) لكن من المناسب أن 
نبقى على هذا الاسم الأخير لنطلقه على أحد عدة غدران يتكون الماء الأصلي من اجتماعها كلها. 

(2) ولذلك ان في عهد العثمانيين حدود اللواءين السليمانية وكركوك. مثلما أصبح فيما بعد حدود لواء 
السليمانية وأربيل. وعند (كينيه) وفي الحوليات التركية (سالنامه) تظهر (مه ركه) مركزاً لقضاء بشدر 
وتظهر وقلعة (دزه وسورداش) ناحيتين تابعتين (لمه ركه). 


2304 


(جيناران) - 4800 نفس جنوب (باسه لام) ويمكن تشبيه شكلها العام بمروحة غير 
منتظمة الشكل. وأول ناحيتين تتألفان من سلسلة سفوح ووديان ضيقة تنحدر من 
الشمال الشرقي والشمال الغربي حتى سهول الزاب في حين تمثل (جيناران) قبضة 
المروحة. ويتألف قضاء (يشده ر) من ناحيتي المركز أي قلعة دزه - 22500 نفس 
وتكاد تكون مثلثاً متساوي الأضلاع» ويميل برأسه إلى الأعلى من (زرزاوه) 
والزاب إلى سلسلة الحدود الشمالية» وناحية (مه ركّه - 13100)» يحيط بها 
الزاب؛. وتلتصى (يسورداش وماوه ت) ويقسمها (تاسوس) قسمين غير متساويين 
طولاً. وفي كل قضاء من الحدود الدولية ما يبلغ طوله (30 ميلآ). 


من قائمتى الخاصة بأسماء الرحالة أجد رائداً بريطانياً واحداً فقطا» وصل إلى 
هذه الأتحاف. وأما عن غير البريطانيين فإن (جيريكوف) كان هذا طبعاً مع لجنة 
الحدود في السنة 1849 - 1852 وسأجد لي فرصة للرجوع إلى عدد من النقاط ذات 
أهمية من مدونات كليمان (1856) وبريزيزوفسكي (1869)» وكان ماونسل (1888) 
أول إنكليزي يصف الإقليم. وإلى العام 1914 لم يرتد المنطقة غير (مارك سايكس 
السنة 1905)» إن لجنة حدود العام 1914 عندما وصلت المنطقة لم تبق فيها وإنما 
جاوزتها وضربت كل خيامها في إيران ولا نجد في (هوبارد) إلا تنويهاً عابراً أو 
تنويهين بالجزء التركي» وأما الإجراءات الإدارية التي وجدت لعمل يجري بها في 
السنة ٠1922‏ فقد كانت تختلف قليلاً عما أسلفته. وجدت معاون ضابط السياسي 
نفسهء. يدير مباشرة نواحي رانية ومه ركه وجناران وناحية ناوده شت المنفصلة 
حتى نهر (كارفين). وتدار الناحيتان الأوليان باثنين من الموظفين المدنيين والثالثة 
والرابعة بمرشحين ذوي روابط قبلية محصنين من الرصاص أما (قلعة دزه وناو ده 
شت) فتتم ممارسة السلطة عليهما عن طريق (بابكرى سليم آغا) زعيم قبيلة يشدر 
الكبيرة الذي ب يتمتع بدرجة قائمقام يتمتع بدرجة قائمقام قلعة دزه إلا أنه يعمل بصفة 
مسعشار لمعاون -70 السياسي في الأمور الخاصة بشؤون قبيلته فيما وراء 
الحدود وفي المواضع التي ينتفي فيها وجود الإدارة الإيراينة» وفي مناطق أخرى 


205 


مثل (مه ركّه) و(ماوه ت) حيث كان نفوذ يشدر قوياً وقد ترك لنا (هاي) وصفاً 
لبابكر آغا طيباً مفهماً بالتقدير لرجاحة عقله وبالشكر لإخلاصه في تلك الأيام 
الأولى قال «سيد من الطراز الأول أرجح عقلاً وأقوى شخصية من كثير من شيوخ 
القبائل الذين لقيتهم خلال عامين لي في كردستان». كان بالأصل قد عينه الشيخ 
محمود» لكنه أظهر ولاء وعوناً كبيراً للحكومة أثناء اضطرايات العام 9 وبقي 
في وظيفته هذه بعد قمع تلك الاضطرابات. 

عندما وصفت الجاف في فصل سابق بكونهم أهل قبيلة في الجنوب لم أشأ 
القول إنهم «أقوى قبيلة» فهذه الميزة تنطبق» وربما ظلت حتى اليوم تنطبق على 
(بشدر) وهذا الاسم معناه الحرفي «خلف المضيق؟ ويقصد به مضيق (ده ربه ندى 
رمكان) بالنسبة للناظر من الغرب. أما اسم القبيلة الأصلي بقضها وقضيضهاء فهو 
(النور الديني) ولقب أسرتها الحاكمة المتوارث (ميراودلي) وأغوات (الميراودلي) 
يبسطون سلطانهم على القبيلة بشكل مطلق لا ينازعهم فيه منازع وكانوا كثيري 
النسل» والسئوات السابقة على العام 1018 كانت عهد توسع سريع في تركيز 
سراكيلهم ووكلائهم في دائرة متسعة أبداً من القرى التي لم يملكوا فيها شبرأ من 
حقوق الملكية. لذلك استحقوا بعض الدراسة كنموذج لقبيلة كبيرة في مرحلة معينة 
من التطور السياسي والاجتماعيء في الواقع مرت أيام عزّْهم وسؤددهم لكن 
صلاتهم القبلية لم تعان بعد ما عانته قبائل الجاف من تمزق وتفرق منذ أمد بعيد 
وفي صورتنا التي سنقدمها ستبدو بطوناً معينة من القبيلة إلا أن البطن (النور 
الديني) بأعيانه وسائر أفراده من بشدر يكاد لا يبدو له أثر والحكاية هي حكاية 
الأسرة الحاكمة فقط. 


يزعم (الميراودلي) أنهم من ذرية البابانيين انحدروا من جدهم الأعلى (فقي0© 


أحمد دار شمانه) والقصة كما رواها لي (بابكر آغا) هي كالآتي: كان يعيش في 


(1) هذا هو اللفظ الكردي لكلمة (فقيه) ومعناها (العليم بالشرع الإسلامي) وقد دون ريج في السليمانية 
رواية أخرى لهذه القصة أطول وأكثر تفصيلاً (المرجع السالف» م. ص 292 - 296). 


306 


قرية مه ركه أخوان هما (كاكه مير وكاكه شيخ) وقد قتل كلاهما ولما كانت أرملة 
(كاكه مير) حبلى فقد هربت إلى (خدران) الواقعة في ناحية (جناران) الحالية 
وهناك ولدت طفلها (أحمد) ثم انتقلا إلى (دار شمانه) التي تبعد سبعة أميال شرق 
(قلعة دزه) ونشأ فقي أحمد رجلاً ذا بأس شديدء وعلم ومعرفة وفي معارك 
المسلمين ضد الكفار تمكن في وقعة واحدة من دحر (كيغان) الأميرة المحاربة 
الشجاعة بنت إمبراطور الإفرنج التي لم يستظهر عليها فارس مسلم من قبل» 
فأسرها وعاد بها إلى موطنه عودة الظافر المنتصر إلا أن أسداً هاجمه في الطريق» 
وتمكنت (كيغان) من الفرار. وبعد أن شفي (فقي أحمد) من جراحه خرج يطلب 
أسيرته من جديدء وكانت (كيغان) قد أغرمت وأعجبت بذلك الرجل الأوحد الذي 
استطاع قهرها في مبارزة. فرافقته مختارة إلى بيت في (دار شمانه) وولدت له ثلاثة 
أبناء هم (بابا سليمان) عميد الأسرة البابانية و(خان به داخ) عميد أسرة (أميراودلي) 
والغالث كان جد أسرة (موكري) الحاكمة ويقال أحياناً إن (كاكه مير) هو سليل 
صلاح الدين الكبير وإن الأسرة الأيوبية نزحت أولاً من سوريا إلى جزيرة ابن عمر 
قبل أن تستقر في (مه ركه) والجد الثاني الذي لا بد من ذكره هنا هو (ميراودال) 
الذي نسبت إليه الأسرة أحد أخوة ثلاثة انحدروا من صلب (خان به داخ). واستقر 
(ميراودال) في قرية (نور الدين) التي تقع على مسافة أربعة أميال من جنوب شرق 
(قلعة دزة) وخرج (مير زين الدين) إلى (اشكه وت سقا) التي تقع شرق أربيل 
بمسافة 18 ميلاً فكان هناك جداً أعلى للأسرة التي تتزعم (كردى) في ذلك اللواء 
وانتقل (مير شمزين) إلى الشمال واستقر في (شمس دينان - شمدينان) وهو الاسم 
الشائع عند الكردء وموقعها الآن في تركيا. 


وأقرب من هؤلاء كلهم إلينا الجد العام لكل الميراودلي» (حمه آغا) الملقب 
(كه وره > الكبير) ولعله عاش في 1790 - 71850" وقد ترك نسلاً كبيراً من سبع 


(1) الأعضاء الآخرون الوحيدون من الفرع الذين قابلتهم شخصياً هم جماعة (عمر آغا) الذين يسكنون 
ثلاث قرى بالقرب من (قلعة دزه). 


307 


نساءء وخلف أريعة عشر ذكراً ومن أولاده سلالة من الذكور لا يحصى لها عدد. 
وخلفه في زعامة بشدر ابنه الأكبر (بابكر آغا) الذي قال (كليمان)”؟ إنه لقيه قرب 
الحدود ما بين (آلان) الإيرانية وقلعة دزه في العام (1856) وكان له من العمر زهاء 
ثلاثين عاماً ويبلغ عدد أخواته العشرين وأخوته الثمانية عشر وكلهم في قيد الحياة. 
وذكر أن بإمكانه تجريد أكثر من ألفي مسلح. والفروع السبعة للأسرة التي أسسها 
(حمه آغا) يسمى عادة (بكزادة) لا لأن ذات الرحم أعرق أصلاً من بقية الزوجات 
الست كما أكدوا لي» بل هو دليل على الاستخفاف والاحتقار له بسبب سوء 
طبعها وشدة قبحها! والشجرة المقابلة تبين صلة القرابة بين الأغوات البارزين 
المعاصرين الذين تتردد أسماؤهم في هذا الحديث. 

في مركز ناحية قلعة دزة يمثل الفروع جميعها كل من (أحمد آغا وبابكر آغا 
ومحمود آغا) وبهذا الترتيب تتسلسل مكانتهم. وفي (مه ركه) كان فرع محمود آغا 
الأقوى» ويمارس كذلك نفوذه على قبيلتين مهمتين تمتان إليها بصلة القرابة وهما 
(شيلازك» وجافه ره شكه) وهؤلاء أبرع متسلقين على الجبال في سورداش» وفي 
ماوه ث» تفوقت أسرتا بابكر آغا وعلى آغا..أما أسرة البككزادة فمنتشرة حول القمة 
الرئيسة الوسطى لسلسلة (كوركور) ولهذا نجد أفرادها في كل نواحي قلعة دزه 
وماوه ات ومه ركّه وربما كان فرع بابكر اغا الأقوى قرب الحدود من الجهة 
الإيرانية. 


ويتضح من شجرة الأسرة أن (بابكرى سليم آغا) بغض النظر عن سجاياه 


(1) كان (كليمان) قد تجول في قطاع (سه ركيو) من الحدود. ويلغه من (شيوه كه ل) وعبر الزاب إلى 
(آلان) الإيرانية ودخل تخوم أراضي قلعة دزة حتى (كاتاو) التي تبعد مسافة نصف ميل عن الحدود 
قبل أن يقفل راجعاً إلى السليمانية عن طريق (ماوه ت) أما عن القبيلة بالذات فهو يذكر ما تنقله أدناه 
(بنصه الفرنسي): «وقد وجدت القبيلة الكردية (نور الدين) القوية المرهوبة الجانب. تضرب 
خيامها في تلك الأنحاء. إن أعمال العنف التي تقدم عليها قد اتسعت دائرتها حتى مشارف 
كويسنجق ومع أنه سار بالقرب من (قه لاجوالان) الأسفل وعبره فعلاً في (قه شان) فهو كما يظهر 
لم يدرك حقيقته. 


308 


الشخصية البارزة» فهو المرشح الطبيعي لزعامة يشدر دون معارضة لأنه العضو 
الأكبر في الفرع الأقدم. وقد اعترف بزعامته هذه عموماًء ولأن بابكر الأول كان 
قد ثوفي وهو صغير السن» فقد تولى الزعامة بصورة مؤقتة ولمدة وجيزة أخ أصغر 
له هو (محمود) وهذا ما لم يغب عن ذهن (عباس) ابن محمود الصغيرء فأخذ 
يدس الدسائس للإطاحة بمكانة (بابكري سليم آغا). وهذه المناورات التي كان 
يلجأ إليها بابكري للإيقاء على زعامته إضافة إلى المضاعفات والتعقيدات الناجمة 
عن التكتلات السياسية لمختلف أعضاء الأسرة فروعاً وأصولاً وبلجوء هؤلاء إلى 
التحالف مع القبائل المجاروة تسمم الجو السياسي بهذا المصدر الذي لا ينضب 
من القلاقل. ومهما يكن فهناك شيء طريف واحد في هذا التنافس والتكالب 
الداخلي» وهو أن تلك الأحقاد التي تميز بها الميراودلي عن أغلبية القبائل الكردية 
لم تؤد أبداً إلى سفك الأخ دم أخيه. وإنك ترى الروح الرياضية سائدة بينهم فمن 
وجد نفسه خاسراً في المكيدة أو مغلوبا في أي موضوع خلاف استسلم للقدر 
حالاء ثم بدأ لعبة جديدة ليبني عليها أملاً جديداً. 





309 


ربما يبدو ما ذكرته - تفاصيل مسهبة مملة» لكني أرى أن الإلمام بالتنظيم 
الداخلي وسياسة أكبر القبائل نفوذاً في جنوب كردستان ضرورياً لتفهم الأسباب 
التي دعت إلى انهيار صرح الإدارة البريطانية» وانسحابها من السليمانية مما سنأتي 
إلى ذكره فى الفصول التالية. أما العناصر الأخرى المكونة للسكان فسنجمل البحث 


إن اتحاد البلباس ويتألف من قبائل خمس وهي متكورء مامشء» بيران» سن» 
رامك (والمنكور الجبليون) هم قبيلة إيرانية مهمة استقرت في بقعة من شرق القسم 
الشمالي لمنطقة الحدود في رانية على ضفتي (لاوين) وهو أهم روافد الزاب العليا 
في إيران» وثمة فخذان من المنككور غير الجبليين يعيشان في العراق وهما (منكور 
زدي) ويسكنون في ست وعشرين قرية غرب شلال (رازادا) وفخذ صغير (منكور 
رووته > المنكور العراة) ولهم أربع قرى عراقية على الضفة الشرقية من (راراوا) 
قريباً من منبعه. وسكان الأراضي المنخفضة هؤلاء يعترفون بزعامة الأسرة الحاكمة 
التي تقوم على رأس أقرابئهم الجبليين وقد جرت العادة أن يقوم الزعيم الأكبر في 
الأسرة بترشيح فرد واحد من أسرتين جبليتين عريقتين لا تمتان لأسرته الحاكمة 
بصلة ليحكم سكان الأراضي المنخفضة سنة واحدة. و(مامش) قبيلة إيرانية مهمة 
أيضاً تسكن شرق لاوين وشمال (منكور) ويتصل بها أيضاً فخذ ضغير هو مامشه 
ره شكه”" - المامش (الأسود) وهو في أربع قرى عراقية قرب (زاراوه) فوق 
(منككوره رووته). وأما (ييران) فهو فخذ جبلي في إيران شمال (منككور) وغرب 
(لاوين) ومنه فرع يسكن بضع عشرة قرية في (بتوين) وهي سهول. لكن هؤلاء 
سكان السهل مستقلون تماماً عن أقربائهم الجبليين خلافاً للأولين وهم لا يعترفون 
بأي تبعية لهم. ورئيسهم في عهدي كان (سوار آغا) الذي تولى الزعامة وهو شاب 
وسرعان ما تعلقت به قبيلته وأحبته. أما (سن» ورامك) الذين كانوا مفخرة كتائب 


(1) قارن اسم (جافه رده شكه) - الجاف الأسود باسم البطن الذي انفصل عن سائر قبيلة (جاف - 
مرادي). 


210 


فرسان (نادر شاه)”'2 فقد هبط الزمن بعليائهم وساءت حظوظهم فباتوا يسكنون 
الآن خمس قرى صغيرة لكل فخذ قرية في إقليم (بتوين) قرب الزاب. وينقسم 
(الرامك) إلى فرعين يدعى أولهما (كجل وكلاوسبي - الأقرع ذو الطاقية البيضاء) 
وهو اسم يسترعي الانتياه» وثانيهما يدعي (فقي ويسي). 


وللتأمل تأتي قبيلة أكو بعد هذا. وهو تحالف غير وثيق من نوع غير اعتيادي 
وهو يحتل الطريق الخارجي لطيات (مروحتنا) الوسطى. وللتبسيط نقول إن القبائل 
المستوطنة يمكن أولاً تصنيفها جغرافياً بغلاث هي (اودشتء وشاوورء رانية) 
ومجموعة (ناوده شت) تتألف من قبيلتين رئيستين: (شروشي - وتحتل ثماني قرى 
في مرتفعات قنديل العليا) و(راريكه ري) وهو اسم غير معروف تاحراً ما يسمعة 
المرء» وتتألف هذه القبيلة من ثلاث بطون رئيسة هي (باوبي - تسكن قريتين فوق 
شروشيء وأربعاً في أعلى الوادي الضيق من ناحية الغرب) و(خيلا - تسكن سبع 
قرى بين شروشي وباوبي) و(ماندوماره - تسكن تسع قرى جنوب خيلا) (تقع 
على حافة السهل ما عدا واحدة إلى جنوب مجموعة جبال (زير ناكو) الشاهقة التي 
تحتضن وادي ناوده شت الأعلى من ناحية الجنوب). و(شاوور > أربع عشرة قرية 
في الأخاديد العليا من الوادي المسمى بهذا الاسم). وثالث المجموعات (رانيه - 
تسكن ثماني عشرة قرية على المشارف السفلى لماء شاوور حتى رانيه نفسها) 
ووجه الغرابة فى مجموعة رانيه وبطن (مانداماره) هو أن لكل قرية من قراها اسماً 
قبلياً مستقلاً فضلاً عن الاسم الطبوغرافي. وهذا الاتحاد يضم إليه أيضاً قبيلتين 
بدويتين تماما هما (بولى» وبابولى) وتعدان (150) خيمة ومصيفهم على جانبي 
الحدود. شرق رواندوزء ومشتاهم يتوقف على ما تتمكنان من استئجاره من 
المراعي (بووش)» إما في رانية أو كوي أو أربيل. 
(1) أو الشاه طهماسب (1688 - 1747) ملك فارسي كان جمالا ودخل في خدمة الشاه ثم بويع بالملك. 

في زمئه اتسعت رقعة بلاد فارس بضمها قسما من هند وآسيا الوسى» ولد في مشهد وتوفي في فتح 


آباد. قاد حملات كبيرة على العراق. واستولى على بغداد ثم تركيا وحاصر الموصل ثم تولى عنها 


311 


والأسرة التي تتزعم (آكو) بالأصل تعرف بلقب (باش آغاى) والاحترام الذي 
تلقاه عموماً متأت من كونها (الأولى بين الأقران) وهذا هو الواقع كلما يدل عليه 
اللقب. وهي على قدر معلوماتي لا تمارس أي نفوذ على الاتحاد ككل. إلا أن 
س الأسرة يملك قرية واحدة تدعى (سه ركه يكان) وتبعد أربعة أميال شمال 
غرب رانية» وقريتين أخريين هما (زركه لي» وبوكريسكان) في أقصى شمال 


لإناؤدة أشت) العليا قوق متخدر تهرت الدان00. 


وإكمالاً للجدول القبلي علينا أن نذكر عشيرتين صغيرتين أخريين تقطنان خلف 
جبل (كيوه ره ش) وهما (أوجاغ - وتوضع أحياناً في صنف البلباس) تسكن في 
ثمان قرى على الجانب العراقي فوق (منككور وزدي) ولها قرى أخرى على الجانب 
الإيراني و(خدر مامسنان > تسكن ثلاث قرى في الجزء الأدنى من نهر كرفين). 

كنا ارفس هر راشف دادر فيز ولتسيات عديدة» العوال لزه اويل 
المجاور أكثر من تأثره بأحوال السليمانية. وأرى لزاماً علىّ أن أتحدث هنا بشيء 
عن ثارات مدينة (كوي) الشبيهة بثارات (آل مونتيكو وآل كابوليت)©. ففي هذه 
البلدة أسرتان تلعبان:دوراً هاماً في حكاية رانيه السياسية الراهنة هما أسرة (غفوري) 
وأسرة (حويزي). فهاتان تتوزعان مساحات كبيرة من الأراضي في قضاء (كوي) 
وفي ناحية (جناران) المجاورة» ويصف النقيب (هاي) في كتابه وصفاً ممتعاً 
خصوماتهما ودسائسهما ومنافستهما ويورد كيف كان لكل أسرة صلاتها بمختلف 
قبائل قضاء رانية أو بأحزاب داخل تلك القبائل ولم يكن لزيارة (هاي) لها في 


(1) هنالك قريتان (باووبي) تقعان فوق منحدر الزاب أيضاً وهما (يانديزا) و(ليوزا). 

(2) لإيضاح فكرة المؤلف نقول إن التأر الذي شد ما بين هاتين الأسرتين الإيطاليتين النبيلتين في القرن 
الرابع عشرء أغنى الفن والأدب بملحمة عالمية هي مأساة حب روميو (مونتيكو) لجولبيت 
(كابوليتي) حال دون سعادة هذين الشقيين. ومهما يكن من أمر فقد أكد لي الأخ نافذ جلال حويزي 
وزير الزراعة الحالي أن العداء التاريخي ما بين أسرته وأسرة غفوري قد زال وانطفأ من تلقاء نفسه 
بالانتقال الطبيعي إلى حياة المدنية وبظهور الطبقة المثقفة في الأسرتين» ولم يكن بحاجة إلى مأساة 
غرامية كمأساة روميو وجولييت ليطفئه. (المترجم). 


312 


الواقع إلا وقوع سلسلة من الهجمات المسلحة على أملاك آل (حويزي) بقيادة 
(سوار آغا بيران) وبتحريض من (آل غفوري) وبلغت ذروة الهجمات بالإغارة على 
حي (آل حويزي) في البلدة نفسها وقد تخلل هذه الاشتباكات ضغط توسعي 
(لميراودلية) بشدر من جهة ولآغوات (كوي) من جهة أخرى مما جعل قبائل رانية 
في حالة دفاع دائم عن أنفسهم» تارة بترجيح كفة (يشدر) عندما تكون كوي ملحقة 
بكركوك أو أربيل. 


تعود مجموع هذه القبائل أن يقضي الصيف على جانبي الحدودء بقضها 
وقضيضها وسوادها وآغواتها ومواشيها: فتنزل (يشدر) في المنطقة ما بين الزاب 
وزاراوهء ويستقر (الأجاق) إلى شمال بشدرء يليها المنكور وزدى ثم آكو الثانويين 
بالقرب من قنديل» ثم بيران» ثم قبيلة (آكو) البدوية. وكان أغوات (كوي) على 
درجة من الثراء يملكون كثيراً من القطعان والماشية فنظموا رعاتهم على شكل قبيلة 
نصف بدوية عرف باسم (شوان كاره - الرعاة) وهي تتألف من أربعة فروع: (بابه 
رزوه > من المنكور) و(بنزيرى > من قرى مندماره) وكورد - من جافه ره شكه”) 
و(مروان - وهم آكو من قرية سيلا في ناوده شت العليا). 


وأصل لقب (آغا) تركي» وهو يلحق بالاسم كلقب (بككك) الذي هو تركي 
ويلقب به كل من كان أبوه أو جده باشا عثمانياً - ولا يقتصر الأمر على هؤلاء بل 
يتعداه إلى أفراد الأسر القبلية الحاكمة الكثيرين» ويبدو لي أن استعماله بهذا الشكل 
حديث نسبياً لأني لم أجد له أي ذكر في كتاب (الشرفنامة - 1596) فاللقب الشائع 
فيها هو (بككك). ويبدو أيضاً لقب (خان) الإيراني ولعله انتشر بالتدريج في 
كردستان بعد فتح السلطان مراد الرابيع بغداد عام 1637» والأمر في التعليلين سواء 
عندي» لأني أميل إلى الظن بأن أسر الأغوات تمثل بواقع الحال طبقة أعيان 
جديدة تدين بمكانتها الرفيعة إلى تعبينات خاصة خلعها أمراء الكرد المستقلين على 


(1) وهذا أفضل مثل لاستعمال صفة (كورد) بالمعنى الضيق الذي شرحناه في الفصل الحادي عشر. 


213 


الأشخاصء ويمكن أن يكون هذاء السبب الذي أدى إلى أن لا يمتد تاريخ كثير 
من القبائل الكردية (وهو عادة تاريخ سلالات أسرها الحاكمة) إلى أبعد من مفتتح 
القرن' الثامن عشر أو إلى النصف الأخير من القرن السابع عشر كحد أقصى. وقد 
رأينا فيما سلف كيف أن الشيوخ الدراويش رفعوا أنفسهم إلى درجة شيوخ قبليين 


وعندما انتزع الترك السلطة من أمراء الكرد المستقلين» أصبح الأغوات ممن لا 
يمكن لسواد القبائل الكردية الاستغناء عنهم ليكونوا بمثابة صلة بالموظفين الأجانب 
الذين عينوا عليهم. وكانت النتيجة الطبيعية» هي تمكن الطبقة الأرستقراطية 
الجديدة من تثبيت مركزهاء والدرجة التي ترقى إليها سلطة هؤلاء الأغوات تكاد 
تكون مطلقة وتعتبر مناسبة وأمراً مفروغاً منه وترسمها رسماً دقيقاً حكاية قصها 
علي يوماً (شيخ محمد آغا بالك) من أعمال قضاء رواندوز. قال إن أباه قام بقطع 
يد واحد من أبناء القبيلة عقابا له لارتكابه جريمة سرقة» وقلع عين رجل آخر 
لجريمة أكبر. وتسرب خبرهما إلى القائمقام التركي الذي أصدر أمره باستقدام 
هذين إلى رواندوز لضبط إفادتهما. ولكنهما أصرا على إنكار وجود أية علاقة 
للشيخ بما أصابهما مع مختلف وسائل الضغط والإغراء الذي مارسه معها. واعترافا 
بإخلاصهما هذا أعفيا مع كل ذريتهما من كل الضرائب والخدمات والإتاوات 
الواجبة للأغوات عادة» والمفروضة على رعاياهم باسم (الاغاتية). والضريبة 
الواجبة تحت هذا الوصف هي (زكاة) وتقدر بعشر الغلة الشتوية من القمح 
والشعير. ويلحق بهذا (المرانه) وهو واحد من كل خمسين رأس أو ما يعادله نقداً. 
و(البووشانه) أي ضريبة الرعي وجزء غير معين من كل نوع آخر من المزروعات 
تقريبا يختلف باختلاف الظروف. وكل ضريبة من هذا القبيل تكسب مهابة وجلالا 
بإضافة (انه) وهي صلة النسبة إلى آخر اسم الشيء. فما عليك إلا أن تضيف الصلة 
إلى (دهن السمن - روّن) ليتم لديك ضريبة جديدة عليه هي (الرونانه) وعلى هذا 
تكون (هرميانه) ضريبة الكمثري. و(هيلكانه) ضريبة البيض» وهكذا دواليك. وكل 


214 


هذه الضرائب (بالإضافة إلى مجيوه ر - وهي المساهمة في جزء من الراتب الذي 
يدفعه الآغا لوكيل داره) يبررها واجب معين قررته العادة الموغلة في القدم هو 
واجب الآغا أو أي وجيه محلي في إقراء كل ضيف أو مسافر يؤم القرية» ويسري 
هذا الواجب إلى عدد غير قليل من القرويين الذي يصادف وجودهم في المضيف 
أثناء تقديم الطعام. هذا مع العلم أن مصاريف بيت الآغا الخاصة لا يمكن فصلها 
طبعا عن نفقات المضيف! 

وإذا كان لتلك الضرائب بعض ما يبررها بحكم العادة. فأقل ما يمكن تبريره 
هي الإتاوات النقدية وتسمى (جه ريمه) وتدعى في الشمال (دراؤ)؛ ومعناها 
الغرامات التي تفرض على المخالفات. وأخفها عبئاً هي الأجور التي تدفع لقاء 
تسوية النزاعات. و(سورانه) وهي أجرة الزواج وتؤخذ من العروسين أو أبويهما 
وتتفاوت بين بضعة دريهمات وعشرة دنانير أو أكثر حسب درجة الغنى (وفي قضايا 
الخطف تؤخذ (جه ريمه) إضافية لقاء خدمات التحكيم في نزاع ينتهي بتسوية أمر 
الثأر). ويوجد نوع آخر هو (بيتاك) أي اكتتاب يدعى سواد الأهالي للمساهمة فيه 
إما لنفقات حفلة زواج في أسرة الآغا أو لغيرها من الحفلات الأخرى. 

وأسوأ من كل ما سبق بيانه من الضرائب» (بيكار» وهه ره ويز) وهما اسمان 
لمختلف أنواع ال(جورقي) أي السخرة مما يشعر الآغا بحق في فرضه على كل 
بيت. وهي قيام المكلف بالحصاد في أرض الآغا يومين أو ثلاثة كل سنة (هه ره 
ويزى جوت) أو الدرس أو التذرية للمدة نفسها (هه ره ويزى وره و وككيره) ويوم 
واحد بين وقت وآخر لقطع الأحطاب وجمع الخشب والأغصان (للوجاق) أي 
الموقدء وهو ما يعرف بعلف الشتاء (هه ره ويزي كه لوو دار)» وعمل اللبن لدار 
جديدة» او تنظيف ساقية» أو النزول إلى سوق المدينة في مهمة يكلف بها. ويقوم 
المكلفون بكل هذه الأعمال على حيواناتههم”' وبالاتهم. 


(1) في أقصى الزيبار بعيداً إلى الشمال» يلطف عمل السخرة اليومي بإطلاق كلمة (زيباره - معونة) 


315 


وعندما لا توجد للآغا رابطة قبلية قديمة برعيته وحين لا يعتمد عليهم في 
العون العسكري تصبح (الآغاتية) موضع سخط وعبئاً لا يحتمل كما سبق وقلنا. 
والقوميون العرب في بغداد”” يكرهون المبدأ الذي استنه العراق الحديث وهو أن 
يعين كرد في الوظائف الحكومية في المناطق الكردية أو أن يلموا باللغة الكردية 
على الأقل؛ مما يكون له أثره الفعال الذي هو أكبر من أن يدرك لأول وهلة؛ في 
القضاء على نفوذ الآغا وتقوية السلطة المركزية إذ لا يعود وجود الآغا ضرورياً 
ليلعب دور الوسيط بين سواد الأهالي وبين دائرة مدينة غريبة عنهم يصعب عليهم 
بلوغها. وبانتشار الثقافة» وبالتحسن الذي طرأ على وسائل النقل والمواصلات» لم 
يعد مناص من ازدياد الشكوي من (الاغاتية) مما يولد للإدارة مشاكل معقدة كثيرة. 
فإذا رفعت للموظف الاعتيادي شكوي بهذا الخصوصء فإنه لا يستطيع أن يؤيد 
جباية أموال بشكل لم تنص عليه القوانين. وما أقل عدد مدراء النواحي 
والقائمقامين الذين لديهم من المؤهلات والمكانة وقوة الشخصية ما يمكنهم من 
الملاءمة وابتداع طريقة منطقية لا تصيب النظام الاجتماعي القائم على العادات 
القديمة بضربة مفاجئة في الصميم. وتتمشى في الوقت نفسه مع قوانين البلاد 
السائدة. وأذكر مرة أني كنت مع (عباس سليم آغا) أخ بابكرء وهو شخص كيس 
ظريف المجلسء. نتحدث في مشاكل الزراعة فنصحته بأن يكون بعيد النظرء وأن 
يستسلم للواقع ويقوي من مركزه القانوني ببيع حصصه التي يملكها في بعض 
القرى وشراء حصص غيره في القرى الأخرى. فتهول سذاجتي وقال لي: لو أني 


-السخرة في (بروارى بالا) شمال العمادية يسمى (تأدى - تعدي) بكل صراحة» وهي كلمة عربية 
تدل على الاضطهاد أو الإكراه على الأقل. وأما (جه ريمة) فهي طبعاً الكلمة العربية (جريمة) 
ومعناها (غرامة) و(دراو) هي الكلمة العربية المصحفة (درهم) أي (مال). 

(1) نرى من الأسلم تفسير ما يقصده المؤلف هناء بالقوميين العرب» إنه يقصد الفئات التي كانت في 
الثلائينات تعارض النفوذ الإنكليزي في العراق ظاهرياً» وتنازع الفئات الأخرى حكام البلاد تحت 
ستار القومية العربية والوطنية لا غير. وليس ثمة أية علاقة تربط ما بين هؤلاء والتكتلات والحركات 
القومية العربيةة فيما بعد الخمسينات. (المترجم). 


316 


بتعت قرية كاملة لنفسيء فإن جميع الفلاحين فيها سيقطعون صلتهم بها 
ويصيحون أحراراً في الانتقال إلى قرية أخرى متى ما يريدون وإن خير وسيلة 
للرزق هي أن يكون له حصص في أكثر ما يمكن من القرى لتكفل له حق 
الاستقرار فيها أو وضع بديل أو وكيل عنه هناك وبهذه الوسيلة يضمن لنفسه 
(خدمات) أهاليها كافة. ويؤثر عن نساء (بلباس وآكو) ابتلاؤهن بعلة لا شفاء لهن 
منها هي العشق والغرام. والاختطاف (رْن هه لككرتن) والفرار الزوجي (رادو و كه 
وتن) التي هما من أسباب ذلكء كثيرا الشيوع بشكل خاص في قبائل هذين 
التحالفين. وكثير من المخطوفات لم يكن ليحلمن بالزواج لولا هذه العادة. وإذا 
كانت هذه الظاهرة اعتيادية فهي ليست من قبيل التقاليد الشكلية مطلقاء وموضوعها 
جدي وفي المراحل الأولى منها محض مغامرة محفوفة بالأخطار يجابهها العريسان 
في هذه البلاد حيث ينام كل أب وأخ وإلى جنبه بندقية. والفرار الزوجي قد يكون 
فيه اعتداء عام على الحقوق الزوجية الأولوية لابن عم الفتاة الذي هو أحق الناس 
بهاء أو قد يؤدي إلى خيبة آمال الوالد بمهر جيد لابنته» وبهذا تكون حياة المرء 
رخيصة. فإذا نجا الهاربان من مراحل الإشكال الأولى لجأ إلى (آغا) العريس أو 
إلى شيخ محايد أو شيخ ديني وعقد زيجتهما وفق الشرع الإسلامي. ويقوم آغاوات 
الأطراف المعنية بمعونة الشيخ الوسيط عند الضرورة بالمفاوضات لتسوية الأمور 
ويتسلم كل منهم طبعاً أجراً (جه ريمة)؛ وكذلك (سورانه) إن أمكن. وعندما تنتهي 
الشكليات حسب الأصول المتبع لا يبقى مانع من عودة العريسين إلى ديار العريس 
بكل أمان. وفي السليمانية يسمى مهر العريس (شيرباى - ثمن الحليب!) أما عند 
القبائل فالشائع له اسم (خوين - مال الدم) وهو المبلغ الذي يجب دفعه فدية 
لخسارة أسرة فرد من أفرادها سواء بالقتل أو بالزواج. 


تركت السليمانية في بداية أياز قاصداً مركز وظيفتي. وأذكر أني بلغت دوكان 
بسيارة فورد من طراز (تن ليزى) وعبرت الزاب بالكلك لأنضم إلى قافلتي التي 
كانت تنتظرني مع حراسها وكان الطريق على الضفة الثانية يرتفع ارتفاعاً معقباً 


317 


سفوح جبل (كوسرات) ومن فضوة بين قريتي (كلنيرى وتوربه) اكتحلت عيني بأول 
منظر رائع لمنطقتي الجديدة. ففي الأسفل مباشرة رأيت شريط الزاب الأزرق يتلوى 
كالأفعى بين مضيق (قره سرد). وعلى الطرف الأبعد تبدو الفتحة المظلمة الجهة 
لوادي (يالكو) الذي طالما ظن أنه فم (قه لا جوالان) وتراءت لي أيضاً سهول (مه 
ركه) و(بتوين) الخضراءء ومجرى النهر الرقراق الواسع بينهماء تقطعه مراراً 
خطوط مائية ضحلة ضيقة ذات لون فضي. ثم تبينت الخط الأسود الطويل لسلسلة 
(كوركور - اسوس) وهي تتطامن تدريجاً إلى فتحة (ده ربه ندى) ثم ترتفع ثانية 
لتكون جبل (كيوه ره ش) الذي يختفي عن الأبصار وراء بخار القيظ للجبال 
الواقعة إلى الشمال الغربي. وفوق الفتحة لاحت لي من بعيد مرتفعات (شاوور) 
و(ناوده شت). وفيما أنا أمعن السير راجلا في طريقي الوعرء أقبل علي من الجهة 
المقابلة صبي في السابعة أو الثامنة يرتدي زي رجل كردي كامل من سراويل 
فضفاضة من نسيج محلي إلى حزام عريض إلى عمامة ضخمة تتألف من عدة 
مناديل وبادأني التحية: - ماندونه بى (قواك وحياك). 


' ولم أسمع الكلام جيداً ووقفت لأسأل عما قاله. فإذا بالحدث الصغير 
المسكين المرتعب من منظر ثيابي الغريبة وحشود الفرسان الذين عقبوني» يغمض 
عينيه» ويفتح فمه ثم ينخرط في بكاء أليم. فأحزنني أن يكون ترحاب هذا الصبي 
الظريف الخالي من المجاملة والتصنعء سبباً لرعبه ولألمي. وأملي أن الروبية التي 
دسستها في راحة يده ستؤثر في إصلاح الموقف بشكل ما. 


ومال الطريق ولان هابطأاً نحو النهر ومررنا من منتصف (ميرزا روستم) وهي 
آخر مرحلة ملاحة في عالية النهر. ووجدنا أصحاب الأكلاك الحاذقين منهمكين في 
صنع أطوافهم ذات الخمسين حتى المائة من القرب وفي شد جذوع الزان لتطويفها 
حتى آلتون كوبري أو إلى بغداد. وبعدها بميلين خضنا غدير (باسلان) من مصبه 
واجتزنا خطأ من القرى تبدو عليه مظاهر الفقرء هي ديار (السن والرامك) وفيما 
نحن ندنو من مقر وظيفتي (ده ربه ند) وكان الموضع الذي اختاره سلفي مقراً 


318 


لإدارته» أدركتني ثلة من الفرسان يتقدمهم (بابكر آغا) نفسه بسراويله الفضفاضة 
وحزامه العريض وعمامته من الحرير الأشهب المخطط ملفوفة حول طاقية ذات 
رأس مدبب» تنسدل منها عذبات من القطيفة بلون برتقالي. وتقدموا للاستقبال 
وبعد أن تعرفت بالموظفين وبشيوخ المنطقة (لا أدري من قام بواجب التعريف لأن 
سلفي كان قد غادر المنطقة قبل وصولي) انصرفوا إلى قراهم تباعاً تباعاً وانفسح 
لي المجال لأقوم بتفقد ما سيغدو بيتي طوال الأشهر القلائل التالية. 

وأعتقد أن اختيار (ده ربه ند) مركزاً للمنطقة يرجع سببه إلى أنها تتوسط 
القضاءين» وكذلك لأن (رانيه) موبوءة بالملاريا بسبب سواقي الرز ومستنقعاته. 
وكانت الأبئية الحكومية تتألف من (بتكله) معاون الضابط السياسي» بغرفها الثلاث 
ومطبخها. ومن صف من الأكواخ للموظفين الكردء ومن دائرة فيها أربع غرف» 
فضلاً عن دار ضيافة لمبيت الزائرين الكردء وهي مبنية من خشب الزان والطين 
وعوارض خشبية على الطراز المحلي البسيط للغاية. وتقع على بعد مائتي يارد من 
مجموعة السكنى» وعلى منحدر يتجه إلى ضفة النهر ولم أجد بناء واحداً مسوراً 
بجدارء أو ربما قد يكون حائلاً دون عائلة قناص مستطرق في أي موضع من سفح 
(كيوه ره ش) خلف البناء» أو من (تاسوس) على الضفة المقابلة» إن شاء أن 
يتمتع بإطلاق النار لأعلى التعيين. وعندما نزلت لتفتيش الدائرة كان أول ما 
اكتحلت به عيني كتابة إنكليزية على عمود الزان الأوسط» بالأحرف التي تستخدم 
في الطباعة : 

(البالون ينطلق في شهر أيار!). 


319 


- 16 - 
الحياة في رانيه 


لا يتسع هذا الكتاب لسرد الأحداث التي وقعت في منقطة أربيل المجاورة أو 
في النصف الكردي من الموصلء وفي كتاب (هاى) تأريخ مفصل لما وقع هناك 
منذ إعلان الهدنة حتى شهر تشرين الأول 1920. أما الوضع بالنسبة إليّ في رانيه 
فهو أن الحدود منذ نهاية سئة 1920 قلصت إلى حافات سفوح الجبال ليترك قضاء 
رواندوز عن شمالي» وناحية شقلاوة وهي موطن قبيلة (خوشناو): الهامة - عن 
غربي» وهكذا انفتحت المنطقة وغدت مسرحاً لنشاط مثيري القلاقل الترك بل 
حتى لمجموعات صغيرة من القوات النظامية وحصلت اشتباكات مستمرة بينها 
وبين الليفي شاركت الطائرات فيها. ولم ينقطع دابرها منذ أن تم انسحابهم. ومن 
تلك الحوادث غارة قام بها الجنود النظاميون ببزاتهم العسكرية على قريتي شاوور 
ورانيه في آب العام 1921 كما ذكرت آنفاً إلا أن (كوي) ظلت هادئة بإدارة القائمقام 
(جميل آغا) وهو فرد بارز من أسرة (حويزي) تميز بزواجه من بنت (حسن آغا 
غفوري) الرجل الذي وصفه (هاي) بقوله «رجل كوي العجوز العظيم». ومما تلقيته 
أول وصولي (دربند) مذكرة وقعها عدد كبير من أغوات (ميرا ووسي) أو كما يطلق 
عليهم (اليشدر الناؤون). يقولون فيها إنهم يسبب تفضيل الحكومة شخص (يابكر 
آغا) واستئثاره ينعمهاء وبسبب إهمالهم والفظاظة التي يقابلون بها لم يتمكنوا مع 
الأسف من القدوم إليّ وتقديم إخلاصهم واحترامهم شخصياًء هذه المذكرة أثارت 
في الحال ويشكل حاد مشكلة مألوفة. 


2320 


لم يعد سلفي (س) إلى العراق بعد انتهاء إجازته ولم أواجهه قطء والظاهر أنه 
كان قوي الشخصية. ففي منطقته هذه نزع ثيابه الأوروبية وارتدى الزي الكردي 
وأقام علاقات شخصية متينة مع الأغوات ومختاري القرى أو حتى مع أشخاص 
أدنى منزلة من هؤلاء استلفتوا نظره أثناء مزاولته واجباته الإدارية. إن ظروف الحياة 
في (دربند) تتطلب بصورة خاصة تنامي مثل هذه العلاقات وتوثقهاء فهنا لا توجد 
قرية أو بلدة قريبة» والزوار القادمون من أماكن بعيدة؛ لا مفر لهم من قضاء ليلتهم 
في دار الضيافة الحكومي وتهيئة الفراش والطعام لهم والعلف لخيولهم» وبذلك 
يتوفر وقت طويل لتبادل الحديث عن أتفه مشاكلهم وأقل آمالهم شأناً. إلا أن 
الامتزاج والتبسط في بلاد كثيرة الشيع والأحزاب ككردستان» تحف بهما المزالق 
وتكتنفهما الأخطارء وإن كانا مفيدين من بعض الأوجة لضابط سياسي فتي قليل 
الخبرة» إلا أنه سيجد نفسه قبل أن يعرف ما يحصل إزاء نزاع من تلك التزاعات 
القبلية الحادة التي تمزق القبيلة أو القرية أو الأسرة وتكون النتيجة أن يشعر فريق 
من المختصمين بالغبن والظلم» ويظهرون ما يعتبرونه سخطاً عادلآء بوسائل تسود 
صفحتهم أمام الإدارة» ويتعاظم الخطب عندما يدركهم اليأس من الانتصاف لهم» 
ويثورون ثورة علنية على الحكومة. 


لا أقصد من كلامي هذا انتقاد سلفي (س)» إن الأحداث المفاجئة أو السياسة 
المرتجلة كثيراً ما تدفع الناس إلى الثورة» على أن الطاعة أو العصيان إنما هي 
مسألة طبائع في أغلب القضاياء والأشخاص الأكثر استعداداً لإثارة المتاعب لناء 
هم بصورة عامة أولئك الذين ناصبوا الأتراك العداء الدائم وثاروا عليهم مراراً. 
ولقد فوجئت الحكومة العراقية بتجربة كهذه بعد انتقال سلطاتنا إليها الآن. فثورة 
الشيخ محمود شقت كردستان الجنوبية من تحت إلى فوق وبقي حزب (بابكر) في 
أنحاء بشدر مع الفئات التابعة له في بقية المنطقة» صديقاً مواليا لنا على العموم, 
فى حين التزمت أسرة (محمود آغا) وأتباعه جانب العدو. وفى مثل هذه الظروف 
كان من البديهي أن تكافأ القلوب المخلصةء وأن يعاقب الثوار بعد إعادة الأمن 


321 


إلى نصابه. لكن لم يكن من السهل إقناع (القلوب المخلصة) بأن المفروض في 
الإدارة أن تعود إلى موقفها المحايد بأسرع مما يمكن وهو الموقف الذي يعود 
بالمصلحة على الطرفين في الزمن الطويل لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد قبلي أو 
كردي واحد يؤمن أن الفضيلة هي التي تكافئ نفسها أو أنه ما دام الانقسام شديداً 
حاداً فإن قطع الصلة بشخصية قبلية عينت في منصب يقتضي منها تحصيل 
الضرائب واعتقال الأشرارء قد يحتمل أن يكون أكثر ظهوراً من توثيق الصلة به 
وعندما تكون الحكومة قوية فأي موظف إداري كيّس موثوق يستطيع تحقيق موقف 
حيادي دون صعوبة تذكر. إلا أن شخصاً مضطراً إلى مزاولة الحكم حسبما يوحيه 
له رأيه وبمبادراته العقلية (وكان هذا حال كل الضياط السياسيين في قسم السليمانية 
تقريباً) لا يجرأ على المخاطرة بخسارة أصدقائه ومناصريه في مغامرة من هذا 
النوع. إن معاوني الضباط السياسيين المتعاقبين في رانيه حافظوا على هيبة الحكومة 
بإسنادهم (يابكر آغا) وإسناد هذا لهم ولذلك أصبح تعبيرا (جماعة بابكر آغا) 
و(خصوم بابكر آغا) مرادفين لتعبيري «جماعة الحكومة» وخصوم الحكومة». 

ولهذا وجد عملاء الترك في رواندوز مرتعاً خصباً لدعايتهم عند أعضاء أسرة 
(ميراودلى) الذي يتزعمهم (عباس محمود آغا) وهم أعداء (بابكر) مع كل حلفائهم 
وأصدقائهم وراحوا ينشرون دعايتهم أيضاً بين كل العناصر الأخرى التي وجدت 
أعمال الإدارة المدنية الاعتيادية مصدر مضايقة لهم ومخالفة لما يرغبون» وكانت 
(الخلافة) العثمانية عند الكرد البسطاء ورقة رابحة في اللعبة دوماً. وأولئك الذين 
لهم ذكريات أليمة عن نظام الحكم العثماني» كان يطاردهم شبح الخوف من 
احتمال عودة الأسياد السابقين وشيكاً. ولذلك كان القضاء في أيار 1922 كالمرجل 
يغلي بالثورة» وليس بعجيب أن يشعر (س) حتماً بأنه يجلس على فوهة بركان 
سيثور لحظة أن يغادره» تاركاً لخلفه الرسالة العجيبة التى نقشها على عمود 
الخشب كما بينا في آخر الفصل السابق. ْ 


إن الزوار البريطانيين العرضيين القادمين من جنوب العراق» ولا سيما أولئك 


322 


الذين يأتون ومعهم أدوات صيد السمكء تعودوا أن يجدوا (ده ربه ند) موقعاً 
ساحراًء وأنه والحق يقال يبدو عظيم الروعة في الوادي حيال أجمل البرك المترعة 
بالماء النمير المائل للزرقة وهو يجري فوق كتل من الصخور البيضاء البراقة خلال 
فتحة شق جبلي قاتم طويل. وعلى بعد شاسع تلتمع ذرى (قنديل) بالثلوج البيضاء 
ومع هذا فهو موضع سيء للعيش. ورحت أعجب كلما رجعت بفكري - كيف 
تتوقع. السلطات العليا أن نعيش هنا نحن معاوني الضباط السياسيين وموظفيهم 
الكرد ولا سيما إذا امتد العيش أربع سنوات اعتباراً من نهاية الحرب؟ (لم يكن 
يخطر ببالي شخصياً التفكير في حينه) لم يكن في الجوار قرية واحدة كما هو الأمر 
في حلبجة. وقد زاد شعوري بالوحدة هنا على كل ما شعرت في أي موقع آخر 
(عندما أجد وقتاً للتأمل في وضعي). وكنت قد ذكرت أنه لا يوجد أسوار حول 
البنايات. ولقد كنا نضطر إلى نقل ماء الشرب والغسيل من النهر إلى المرتفع على 
ظهور البغال ولذلك لم نزرع حدائق وكان الشوك الطويل الساق والعوسج ينمو 
حولنا بغزارة فيقتحم الأبواب والنوافذ وعملت على نصب مضخة هيدرولية في 
فتحة النهر لرفع الماء إلينا. إلا أن الجهاز لم يصل. ولم يكن لدينا ما نستضيء به 
غير الفوانيس» والنفط المتوفر لها سيء إلى درجة تتعذر معه القراءة على نورها 
أكثر من بضع دقائق. وكنت أقضي جل وقت فراغي الكبير بين العشاء والنوم وصيد 
العقارب الزاحفة على الجدران أو المتعلقة بالستائر في غرفي الثلاث. وقد ضربت 
رقماً قياسياً في إحدى الليالي إذ أرديت ثلاثاً وثلاثين عقرباً وأشفعتها باثنتين 
وثلاثين في اليوم التالي ولم ألدغ إلا مرة واحدة» إذ سقط عن فراشي العباءة 
الفارسية التي كنت أستخدمها بمثابة لحاف ومبذل, أثناء الليل وأنا في العراء نائم 
وفيما أنا أردفها على كتفي صباحاً شعرت بإبرة حامية تنغزر في فخذي مخترقة 
منامتي فشققت موضع الإصابة بالمؤسى. ونصحني خادمي الكاكائي الذي هو من 
كرند بإيران بوضع شيء من ملح الأمونياك في الجراح» فاستخرجت شيئاً منه من 
بطارية كهربائية في مكتب التلغراف وارتفعت حرارتي في ساعات الصباح وما إن 


3203 


أطل المساء حتى زايلني كل ألم أو ضيق خلا وخز الجرح الذي أحدثته قي ساقي 
ليذكرنى بهذا الحادث. 


وكانت أجمل الأصوات في وحدتي هذه.ء أزيز الطائرات المقتربة من الضفة 
المقابلة للنهر بالقرب من قرية (سرسيان) على رأس منعطف حاد. فهناك توجد 
أرض صالحة لهبوط مقاتلات (بريستول) وقاذفات (2.185.9) التي كانت مستعملة 
آنذاك. ولقد أنيطت حراستها وهي على الأرض بآغا متقدم في السن جهم الثنايا 
اسمه (رسول) وهو من قبيلة صغيرة تدعى (تركه ره شه) تحتل خمس أو ست 
قرى» وكان محل ثقة من (بابكر) وقد درب رجاله على إيقاد نار عظيمة الدخان 
كلما سمعوا أزيز الطائرات في الجوء حتى يشير لها إلى اتجاه الريح. فإذا كنت 
أنتظر زيارة من أحد عبرت النهر بالكلك الصغير الذي يملكه (رسول) ويجني منه 
ربحاً وفيراً في عمليات نقل غير رسمية» ولا يدفع عن امتيازه هذا للحكومة إلا 
رسما ضئيلاء فاستقبلت الزائر الطيار وغيره وعدت بهم إلى داري وإلى زجاجة 
بيرة مثلوجة. 


إن الموظفين الكرد في المركز هم مترجمي ورئيس كتابي (جلال صائب) وهو 
شاب شديد الذكاء على قسط كبير من المعرفة بالإنكليزية» ومأمور التحصيل 
والمحاسبة وعامل برق» وموظف كمركء ووكيل شؤون دار الضيافة (وكلهم من 
الموظفين العثمانيين السابقين) ويضاف إلى هؤلاء زهاء عشرين خيالا من 
المتطوعين المحليين يقومون بواجبات الشرطة والسعاة معاً. وفي (قلعة ذره) قام 
بابكر آغا بضم زهاء ثلاثين من أتباعه إلى مجموع الموظفين المدنيين الضروريين 
وفي النواحي»؛ خصص لكل مدير كاتبان أحدهما لجباية الضرائب» وثلة من 
الشرطة السعاة يتراوح عددها بين الخمسة والعشرة. إن الموظفين المحصنين ضد 
الرصاص مثل بابكر يتوقع منهم طبعاً الاعتماد على مواردهم الخاصة في تعزيز 
قواتهم عند الضرورة وقد جرت العادة في الحالات المستعجلة» أن يدعى شيوخ 
المنطقة إلى تعبئة أعداد من المتطوعين أو ما يسمى (لشكه ر) لمعاونة السلطات 


224 


المدنية لا يدفع لهم راتب بل يتسلمون كميات معينة من الأرز والقمح (من مخازن 
الاستهلاك) ودهن سمن (رون) للطبخ وعلفاً ومسامير وحدوات لخيولهم» وقيمة 
هذا (اللشكه ر) المحلي القبلي في أي مكان هو بقيمة الموظفين القبليين فدوره في 
الواقع سلبي» لأن وجوده كان لردع العناصر المعادية وترددها في الهجوم لثلا 
يورطها في ثأرات دموية. لكن تجاربي أثبتت لي أن أقصى ما يمكن إبقاء (اللشكه 
ر) في حالة تعبئة هو أسبوعان وبعدها يتعذر على أفراده إسكات شعورهم بالحنين 
إلى زوجاتهم وزراعتهم. وفائدة هذا النظام محدودة في أي أزمة طويلة الأمد. 


وكان (بابكر آغا) أهم زائر لمضيفي طبعاً. ووجدته لا يرفع طرف منديل 
عمامته عن عين واحدة أبداً. ولم يذكر أمامي شيئاً عن عاهته وبقيت أجهل حتى 
اليوم الظروف التي فقد بها عينه. أما العين الثانية فكانت دائماً تتألق بومضة الفكاهة 
والطيبة» وحتى في أثناء أخطر المناقشات. ووجه الغرابة أن فمه الذي كاد يكون 
خالياً من الأسنان لا يشوه أبداً من سحر ابتسامته الجذابة مع ذلك يجعله يبدو أكبر 
سناً من الحقيقة بكثير. كلما يتوتر الموقف السياسي (كما سنأتي إليه في الفصل 
التالي) ويزداد الاحتمال بمهاجمة (ده ربه ند) يأتي بنفسه ليقضي يوماً أو يومين 
للتأكد من عدم مساهمة يشدرى بأي من حال من الأحوال فتنشأ عن ذلك عداوات 
وأحقاد قد تنقلب ثأرات دموية داخلية» تحاول الأسرة الحاكمة دائماً أن تتجنبها. 
وفي مثل هذه الأحوال كنت أتناول طعامي على أرضية دار الضيافة وكنت أجد 
المشقة العظمى في إعطائه أجوبة مقنعة عن أسئلته ونحن نعود على الأبسطة 
نتجاذب أطراف الحديث. فيسألني مثلاً: لماذا لا تشأ سلطات بغدادء اتخاذ 
احتياطات أولية لحماية نفوذها من الخطر التركي المتعاظم؟ وفي رأيه الطبّعي الذي 
يتسم بالإقليمية الضيقة أن مصلحة الحكومة تتفق بأوثق ما يمكن مع المحافظة على 
مكانته ونفوذه هوء وكثيراً ما تدركه الحيرة كيف لا تحقق رغبة معينة من رغباته» 
حتى أنا الواقف على حقائق الأمور والعائش في وسطها؟ ومن هذه الرغبات» 
السماح له بتعيين وكيل عنه في قرية (الرامك) المسماة (قوره كو) أقرب القرى إلى 


325 


(ده ربه ند) من جهة رانية وهي ملك آغا تلك القبيلة المعادي» في حين كان بابكر 
آغا يملك فيها قطعة أرض» مع ذلك كله فلم يكن ليتردد قط في السير على 
الطريق الذي اختاره غير هياب وبإخلاص. 


وبطبيعة الحال كان يرافقه في زياراته بطانة صغيرة تتألف غالباً من واحد أو 
اثنين من الأغوات الصغار مخلصين له وأذكر منهما (ره سولى بيروت) وهو رجل 
في الأربعين ذو شارب أحمر منتفش تطوع يوم لهداية طائرة كانت تقوم بعملية 
استطلاع تتضمن إسقاط رسالة فوق الجبال وقد عانينا بعض الصعوبة في إقناعه بأن 
عمامته مهما كان شدها محكماً فستطيح عن رأسه بقوة الريح وهو جالس في 
المقعد الخلفي للطائرة المفتوحة» وأشرنا باستبدالها بخوذة طيران عادية» واتضح 
لنا سبب تردده عندما كشف عن رأسه أصلع لا شعرة فيه شبه بدجاج الماء. وأرشد 
الطائرة بشكل متقن حتى نقطة إسقاط الرسالة مع أنه لم يكن قد ركب طائرة من 
قبل. ومن خلصائي (حمه آغا رانية) وهو رجل قليل النفوذ ساذج صريح غير 
مشكوك في ولائه لا يصرح برأيه أبداً سواء في الأيام العكرة أو الصافية. ولعله كان 
السبب في نجاة سلفي من الموتء. فقد ألقى بنفسه بينه وبين مهاجمه في إحدى 
المناسبات ليتلقى كتفه طعنة خنجر عنه. وهذا ما أتاح ل(س) الفرصة الكافية لإشهار 
مسدسه وإطلاقه على المهاجم فأرداه قتيلاء فقام بينه وبين ذوي القتيل ثأر جعل 
رحيله السريع بإجازة أمراً لا بد منه. 


وهنالك زائر آخر طريف الأمر لا يتردد إلي كثيراًء وهو امرأة أريبة زكية تعرف 
باسم (اغا ن) زيج المدعو (سورك آغا) صاحب قريتين أو ثلاث في (شاوور). 
كانت (آغا رن - السيدة آغا) أصغر سنا من زوجها بكثير. وكان هو رجلا انطوائياً 
فيه غباء وتخريف. ولهذا أخذت على عاتقها القيام عنه بكل ما يتعلق بالمحافظة 
على توازن القوى السياسية داخل ذلك الوادي القصى. وكان (سورك) يرافقها 
أحياناًء إلا أنها تعمد دائماً إلى اتخاذ مجلسها فوقه ويندر أن تتركه ينطق بكلمة 
واحدة في فترات الصمت لثلا تؤدي عبارته إلى تعقيد الأمور. ولقد قتل المسكين 


5306 


في الاضطرابات التي وقعت بعد أشهر قليلة فقامت (آغا رُن) بالادعاء بثأر زوجها 
بأشد ما يمكن من الصرامة حتى نالت ما تبغي وفق التقاليد العشائرية. 

وهنالك شخصية أنئوية أخرى تعرف بالاسم الرجالي (فقي عارف) وهي في 
الواقع فتاة في حدود الخامسة والعشرين ظلت ترتدي زيّ الرجال منذ طفولتها 
وهي أشبه بالمهرج المحترف تتجول من مضيف إلى مضيف وتخالط الرجال 
وتجالسهم بكل حرية طوال ساعات النهار إلا أنها تنسحب إلى جناح النساء في 
الليل. وهي تقبل كل هدية تقدم لها. من الحصان حتى السروال. وكان عندها مهر 
صغير تمتطيه وتنظتم إلى أي كوكبة من الفرسان تخرج إلى كل حفلة أو مناسبة من 
المناسبات وتحمل بندقية وعتاداً كثيراً» وكانت تتردد إليّ كثيراً في (ده ربه ند) 
مدعية أنها من (رجالي) والحزب المناوئ يعاديها لإخلاصها للحكومة ولذلك زاد 
عدد خصومها. وأول رؤيتي لها في دار بابكر آغا في (قلعة دزه) وهناك اجتذب 
انتباهي صبي كان يناولني قدح شاي برشاقة غير مألوفة» في حين كان بابكر آغا 
يغمز إليّ من نهاية الغرفة بعينه الواحدة» مبتسما ابتسامة غامضة. ثم التفت إلى 
الصبي قائلاً: (بليم؟ هل أقول؟) ثم استدار نحوي وقال وهو يلوح بيده: 

- إنه ليس كما يبدو لك» فهو امرأة» أجل امرأة... ولم يحصل لها شيء أبداً 
وقد سألتها مرة لماذا لا تتزوج؟ فأجابت بكل بساطة (هذا ليس من طبيعتي). 

وكان معظم زائري أناساً ودودين. سواد من القوم البسطاء شديدو العضل متينو 
الألواح» ينحنون بأدب واحترام وهم يعرضون حاجاتهم البسيطة الساذجة. فإذا 
اتفق وأن شاركتهم طعاماً أو خيمت بين ظهرانيهم أثناء جولاتي» رأيتهم يقبلون 
عليَ وكلهم ابتسامات وترحيب لتجديد عرى الود. ولكن وجد بينهم من غلب على 
طبعه الإلحاح في المطالب. وهناك فئة تستمطر الإحسان بالتزلف وتروج لمصالحها 
بالأخبار ضد أولئك الذين يفترض فيهم أن يكونوا من معسكر الخصم. وقد عملت 
جهدي لأبقي هؤلاء الناس بعيدين عني مسافة ذراع. 


كانت خبرتي كافية لتفهم أخطار الوضع الذي وجدتني فيه وأتيت لوصفه في 


327 


مبدأ هذا الفصل. وصح عزمي على التعرف إلى كل جزء من قضائي ويأسرع ما 
يمكن وقررت أيضاً - فضلاً عن دعمي بابكر آغا بكل الوسائل المشروعة - أن 
أنتهز كل فرصة تعن لي لأوضح للآخرين بأن العفو هو العفوء وأن الماضي ولا 
أقول دروسهء سيكون نسياً منسياً شريطة أن يحسن سلوكهم» وكنت أريد تحقيق 
هدف خاص من محاولة كسب ثقة (سوار آغا بيران) الذي كنت مؤمناً بأنه لم يفز 
بهذا الحب العظيم من قبيلته إلا لما يتمتع به من سجايا حميدة ممتازة. ولذلك كله 
قضيت الأسابيع الستة الأولى في تجوال مستمر تقريباً. لكن التوتر السياسي المشتد 
باطراد منذ حزيران عوق برنامج رحلاتي كثيراً إذ لم يسمح لي بالغياب عن مقري 
ولا أن أكون بعيداً عن خط البرق. لما وصلت إلى بغداد قادماً من (قزوين) في أيار 
الماضيء سلمت حصاني (نو ترمب!)”؟ بكامل تجهيزاته إلى دائرة صنف الخيالة 
في بغداد تطبيقاً للقرار المتخذ باعتبار الخيل التي يملكها الضباط تعود لصنف 
الخيالة. ولم يتسن لي العثور عليه عندما عدت من إجازتي. لذلك وضعت اليد في 
رانية على حصانين تركهما سيلفي أحدهما مهر أشهب جامح إلى أبعد حد يدعى 
(سمكو) نسبة إلى شيخ سمكو زعيم (شكاك) الشمالية الذي كان ثائراً على 
الحكومة الإيرانية طوال حياته. والحصان الآخر حيوان وديع هادئ خصي ذو لون 
برتقالي فاتح وعرف وذيل جميلين يدعى (قازى) نسبة إلى السيد المهذب الرقيق 
ذي العمامة البيضاء أو اللحية الشهباء الذي يتولى القضاء في قلعة دزه. وكنت على 
الأغلب أفضل ركوب (سمكو) في جولاتي لأنه سريع العدو وإن كان صعب 
المراس -خطراً من عدة أوجه©. 


(1) مصطلح :سدح 305 في لعبة البريدج يدل على أن اللاعب يملك في يده ورقاً عالياً من جميع 
ألوان الكاغد الأربعة» أي أن يده جيدة جداً. وبإمكانة إدارة اللعب لصالحه بكل الألوان» من هذا 
يظهر أن حصان المؤلف هذا كان متعدد الفضائل والشيات. (المترجم). 

(2) إن عادة تسمية الحيوانات المحبوبة (الخيل والكلاب والقطط وغيرها) بأسماء أناس محترمين أو 
أبطال أو قادة هي عادة مستحبة ورائجة عند الأوروببين. (المترجم). 


328 


إن (جناران) قبضة مروحتناء هي ناحية ضيقة» يحدها الزاب ورافده (باسلام) 
من الشمال الشرقي. وجبل (هيبة سلطان) من الجنوبي الغربي. ويقسمها طولاً 
(كوسرات) وهو جبل منعزل محدودب الظهر تكسوه الهضبات لا يزيد ارتفاع أعلى 
نقطة فيه عن (5000 قدم). ولقد تم الاعتراف بالملكية المشروعة لأغوات (كوي) 
أصحاب حق الطابو في معظم الأراضي عندما عين أحدهم (إسماعيل آغا) مديراً 
للناحية. وكان هذا موظفاً طيب القلب مخلصاًء إن لم نقل لامعاً. سمح له أن يتخذ 
قريته الخاصة (خدران) مقرأ له» وهي التي ورد ذكرها في حكاية (فقي أحمد) 
وإني لأذكر قرية (جناران) لموقعها الرائع الساحر بقدراتها الكثيرة المياه التي تتخلل 
بساتينها الكثيفة المتعاقدة على سفوح (كوسرات) وتطل على منظر جذاب يشرح 
النفس» هو مجرى الزاب وسهل (مه ر كه). وهناك بقعة أخرى قمت بأكثر من 
جولة فيها هي (كانى آسبان > عين الخيل) وهو هودج بين مسندين عظيمين على 
ارتفاع (4000 قدم) في وجه (كوسرات) وفيه كهفان أو ثلاثة بتشكيلاتها الرائعة من 
(الستالا كمايت والستلاكتايت)”'" وقيل إنه يوجد كهف رابع لا نهاية له. وهذه 
البقعة لا تبعد أكثر من خمسة عشر أو ستة عشر ميلاً (ده ربنده)» وتصلح للرصد 
بالراقم الشمسي"©. ونازعتني النفس في إقامة مخيم صيفي هنا. ومرة توقلت طريقاً 
شديدة الانحدار حتى بلغت قمة (كوسرات) وقضية ليلة في قرية (شيخ حاجي) 
على الجانب الآخر منه. إن الغدران في الوادي الضيق الممتد بين (كوسرات وهيبة 
سلطان) تكاد تختنق بنبات الدفلى المتفتح. ولن أنسى ما حييت غديراً هناك وكان 
قطعة واحدة متراصة البنيان من الزهر الأحمر الوردي تمتد كالبساط مسافة مائتي 


(1) متراكم كاربونات الكلس في الكهوف التاريخية القديمة» وتكون على شكل مخاريط» قاعدتها 
سقف الكهف وتسمى 30316[ة]5 وإذا كانت على شكل مخاريط منخفضة قاعدتها أرضية الكهف 
فتسمى .6اندع 5:12 (المترجم). 

(2) الراقم الشمسي هو جهاز مخابرة عسكري قديم بطل استعماله» ويعتمد على الضوء والمرائي لنقل 
الرسائل والأخبار العسكرية بين القطعات. (المترجم). 


329 


لتصب في (باسه لام( ويتخلل المجرى عدد من الشلالاات الخلابة كان ماء 
أحدهما يسقط من ارتفاع 40 - 50 قدماً وعلى مسافة بعيدة من صخر الجبل. 


تتألف ناحية رانيه من الشمال الجبلي. ومن أربعة أضلاع من المروحة ومن 
سهل (بتوين) جنوباً. وتطبيقاً لقرار تقليص حدود (قسم) أربيل الإدارية لم تبدر أية 
محاولة للقيام بإدارة الأضلاع الغربية الثلاثة التي تقطن فيهما. (يشتكه لى) وهي 
إحدى ثلاثة بطون من قبيلة (خوشناو) والبطنان الآخران هما (مير يوسفي» ومير 
مهملى - محمد علي)؛ ويصح إطلاق اسم (شاوور) على الأخاديد العليا للوادي 
الثاني شرقاًء وهئي مفصولة عن (ناوده شت) من الجهة الشرقية القصوى بالعمود 
الفقري: جبل (بيرامكا) الذي يرتفع 8250 قدماً. و(برده رش - 8000 قدم) الذي 
هو امتداد جبل (كيوه ره ش). و(شاوور) مشهورة بنفاسة تبغها واسمها يطلق على 
أفضل ما ينمو منه في العراق وتجتمع مياه الأخاديد العليا على مسافة عشرة أميال 
من شمال غرب رانية. وتسيل في مجرى ضيق واحد تقوم على ضفتيه قرى (آكو) 
من مجموعة (رانية) ثم مخترق الجدار الجنوبي وتتدفق إلى السهل”'" وهنا يدعى 
(باستى استريلان) وتقسم سهل (بتوين) من الشمال إلى الجنوب فيعزل قرى 
(بيران) الغربية عن قرى (السن والرامك) الشرقية قبل أن يجتمع مع باقي الغدران 
الآتية من الغرب في نهر (باسه لام). 

ويقوم قسم من قرية رانية على سفح تل صناعي يبعد حوالى ميل واحد عن 
قاعدة (كيوه ره ش) والقسم الآخر يقع في السهل. ولم يكن يوجد فيها آنذاك إلا 
زهاء ستين بيتاً ولم يكن فيها ما يستوقف النظر. إلا أنه تتألف صورة جميلة من 
ميدان السوق الصغير بدكاكينه الستة أو السبعة مع المسجد ونبع ماء ثر يتدفق إلى 
بركة مربعة صناعية تستكن في ظل أشجار الجنار الوارف إلى أن يجف ماء النبع 
)01( من ضغط واجبايت الأخرى تراكمها منعني من القيام بزيارة (لشاوور) في ذلك الحين» وفي العام 

7 سرت راجلا من رواندوز على هذا الطريق» وهو الذي سلكه (سايكس) قبلي وعاد منه 


(ناوتد). 


330 


في نهاية الصيف. والماء كثير في كل بقعة هناك. ويوجد عدد من الأقنية الحكومية 
تؤجرها سنوياًء فيتنافس عليها المستأجرون ويتكالبون» وتدر زراعة الرز ربحاً طيباً 
ولذلك كان معظم سهل (بتوين) مغموراً بالماء» حاراً موبوءاً بالملاريا. وتقع قرية 
(سه ر كبكان) التي يقطنها (الآكو) على مسافة أربعة أميال شمال غرب رانية على 
ضفاف ماء (شاوور) قبل بلوغه السهل بقليل. وقد وجدتها في تموز لطيفة المناخ 
تصلح أن تكون مركزاً للإدارة أفضل من رانيه ودربند بكثير. 


وتكاد قرى سهل (مه ر كه) تكون قسمة عادلة بين قبيلة (تركه ره شه) شمالاً 
و(شلانه) في الوسط و(ميراودلي) من أسرة (عباس آغا) في الجنوب. وتقطن أسرة 
(محمود آغا) قرى (ياشكيو) على الطرف الآخر من (ثاسوس) وقد اتخذت من 
أفراد قبيلة (شلانه) ساكني السهول - فلاحين طائعين. ومارست أيضاً نفوذاً كبيراً 
على (جافه ره شكه) متسلقي الجبال في المرتفعات العالية. وأعتقد أن (مه ر كه) 
هي أجمل القرى في القضاء كله وكانت كما ذكرت مركز قضاء (يشدر) في. 
الماضي. فبيوتها حسنة البناء تجثم على أطراف السفح تتخللها بساتين كثيفة وأقنية 
لا تحصى من المياه المنحدرة من الأعلى. ولا يزيد عدد بيوتها عن الثمانين 
تتقسمها أربعة أحياء لكل منها مسجده الخاص. وكنت على الدوام ألتذ بزيارتي 
لها. وأذكر ليلة فيها عُقدث حلقات ذكر في المساجد الأربعة في آن واحد فكانت 
تتردد شهادة «لا إله إلا الله؛ تباعاً ويرن صداها في أرجاء البساتين بتساوق وانسجام 
لحني رخيم. في ذلك الزمن كان شيوخ القادرية في معظم أنحاء (قسم) السليمانية 
قد نظموا حملة صوفية نشيطة. ولذلك ألف المرء سماع جمجمة سريعة لمهتد أو 
مريد وهو يهرول بعد الغروب في الأزقة بين المنازل مردداً عبارات الذكر 
كالمجذوب. ولقد وقفت على حوادث عديدة أكيدة. لشقاة أوغاد لا يرجى لهم 
صلاح. أعلنوا فجأة ندمهم على ما قدموا وأصبحوا من أشد الناس صلاحاً وتقى. 
وكان (سعيد أفندي غفور) خير نموذج للموظف العثماني السابق» صريحا قليل 
الادعاء متواضعاً عفاً نزيهاً إلى أبعد حدء خبيراً في تقدير الزروع النابتة» وغير 


331 


ذلك من شؤون جباية الضرائب والأمور الاقتصادية الأخرى» وبمختصر القول كان 
نموذجاً ممتازاً لطبقة لا يندر وجودها مع قلة الراتب وعدم توجيه التقدير والشكر 
لأعمالها من قبل المراجع العليا - كما قد يتوقع القارئ الغربي من كثرة ما يطالع 
من الانتقادات الشائعة للموظفين الشرقيين وضعف ذممهم. 


ظلت المآثر التي يتناقلها السكان المحليون تشير إلى أن مياه القناة الرئيسة في 
رانيه كانت تنقل عبر الزاب إلى سهل (مه ر ككه) في (ده ربه ند) بوساطة قناة 
أنبوبية. ويشير الكرد إلى ثقوب معينة في السفح الصخري على الضفة اليمنى من 
الزاب قائلين إنها المواضع التي كانت تشد سلاسل حديد استخدمت لتثبيت تلك 
القناة. ولم أسمع طوال إقامتي هناك بذكر لنقش أو كتابة في تلك الأنحاء. لذلك 
ثار بي جب الاستطلاع بعد عدة سنوات عندما لاحظت في الخارطة الملحقة 
بكتاب السر برسي سايكس (تاريخ إيران)”''» في رأس منعطف (ده ريه ند) الحادء 
صليباً أحمر واضحاً يشير إلى عبارة نقش آشوري هام جداً على الصخر وهو أحد 
نقشين فقط موجودين ضمن الحدود العراقية هناك. مع أنه كان يوجد عدد كبير من 
المنحوتات الأثرية الهامة من هذا النوع المعروف جيداً في البلادء ولجأت بحيرتي 
هذه إلى (مينورسكي) الذي كان آنذاك أستاذاً في كلية اللغات الشرقية بباريس. 
وكانت مراسلاتي معه مستمرة في مختلف المواضيع التي تهمنا وقد اتخذت لها 
اسم (خرولوجي - التنقيبات الأثرية في زاغروس) فتفضل وأحالني إلى مدونات 
رحالتين شرقيين هما (كليمان» بريزوزوسكي) اللذين كنت قد اقتبست منهما كثيراً 
مما ورد في كتابي. 


إن (كليمان) الذي افترق عن زميله ليتفقد (ده ربه ند) وهو منطلق من (كوي) 
إلى رواندوز مجتارٌ منطقة (يبشت كلى) غرب (شاوور)» خصص صحيفتين لتلك 
الجولة ولكنه لم يورد فيها شيئاً عن منحوتات أثرية. على أن كتابات 


)01 طبع في لندن» 1915. 


232 


(بريزوزوسكي) زودتني بما أبحث عنه وهو المنظر العام الذي أشرف عليه وهو 
واقف قوق قمة (بيره مه كرون). وها أني أنقله بنصه الفرنسي. 


الإن قمم (بيره مه كرون) هي امتداد غير منقطع للجبال الشاهقة. تؤلف الطرف 
الأيمن الممتد نحو الجنوب الشرقي والشمال الغربي» وهي ليست استمراراً لسلسلة 
الجبال نفسها تلك التي عرفناها فيما أسلفنا باسم (ثازمر - داغ) و(كويجه داغ) 
ويشاهد أيضاً سلسلة أخرى قائمة إلى شرق (بيره مه كرون) إن القمة التالية تمتد 
إلى جهة الغرب» ومن الواضح جداً أن المياه التي تكتنفها الزاوية المؤلفة من تقاطع 
هاتين السلسلتين الجبليتين. وكذلك المياه التي تصدر من الجنوب وتدور حول 
كتلة (بيره مه كرون) وهي أنهار (تانجه رو) و(جاجى) و(بستان صو) ما تلبث أن 
تجد لها منفذاً إلى دجلة: وهذا المنفذ يقع على مسافة (35) كليومتراً بخط مستقيم 
من قمة (بيره مه كرون) عير واد داخل جبل (ده ر به ند) حتى جبل (كولارا) وهذا 
الوادي تقوم فوقه كتلة صخرية هائلة عمودية بنيت فوقهاء على ضفة الزاب اليمنى» 
قلعة تركية. وعلى الضفة نفسها قرب مدخل الوادي توجد صخرة عليها نقش شبيه 
بالنقش الصخري الأثري في أسفل نهر الكلب عند مشارف مدينة بيروت. والنقش 
رغم قوة الحفر وصلابته مشوه بعض الشيء. إلا أن صورة الملك فيه واضحة 
وليس على المنحونة أية كتابة. إن منطقة الجبال العالية التي هي في كل من بلاد ما 
بين النهرين وإيران» ترى الآن هنا أقل اتساعاً والجبال نفسها مسئنة عمودية على 
طول امتدادها ويستخدم مضيق (ده ربه ند) بمثابة طريق رئيسة بين نينوى وبلاد 
فارس. ترى ماذا كان اسم هذا الشعب في العصور الغابرة؟». 


وكنت أنتهز كل فرصة تعن لي للسؤال من الموظفين ومن زائري القبليين 
الذين جاؤوا إلى بغداد من رانية. ونفت أجوبتهم كلها وجود أية أسطورة معينة ثابتة 
حول نصب أو منحوتة في (ده ر به ند) والآن ترى (برزيزوفسكي) قد لاحظ بحق 
أن أنهار (شاربازير) تجد طريقها إلى الزاب فوق (ده ربه ند)» ولذلك فإن باقي 
وصفه الطبوغرافي يضع أمامنا عدداً من التساؤلات. وفي مقالة كتبتها للمجلة 


213 


الجغرافية”' تقدمت برأي وهو أن (برزيزوفسكي) الذي كان ضابط غابات في 
خدمة الحكومة» قد قام من دون شك بجولات أخرى غير تلك التي وصفها في 
موضوعه السالف. ولعله لاحظ وجود منحوتات صخرية قرب (باطاس) على 
الطريق البادئ من شقلاوة حتى رواندوز فخانته ذاكرته عندما راح يكتب ذكرياته 
بعد عشرين: مه 

وسرعان ما دفع مقالي العقيد (ماونسل) إلى كتابة رسالة لي عن طريق السيد 
هنكس وعلدد11 سكرتير (الجمعية الجغرافية الملكية) وكان آنذاك في السبعين من 
عمره. وقد جاء فيها ما يلي : 

الما كانت العبارة المقتبسة من مذكرات برزيزوفسكي تقؤل: إن وادي (ده ربه 
ند) يستخدم بمثابة طريق رئيسة بين نينوى وبلاد فارس فهذا لا شك أنه كان فعلا. 
ذلك لأن الطريق خلال الممر هو خير مسلك من نينوى (الموصل) إلى إيران 
اليوم. وإن الجبل الذي :يتفذ التهر هته يجري من الشمال الغربئ إلى 'التجدوت 
الشرقي بخط محدد تحديداً حاداً يكاد يكون متعامداً مع الأفقء خط صخري في 
غاية الصلابة يميل إلى السواد» ويمتد عدة أميال» ليفصل سهل (بتوين) عن سهل 
(يشدر) المجاور للحدود. وفتحة النهر ضيقة يتراوح طولها بين (400) و(500) 
يارد. والطريق يسير بمحاذاة الضفة اليمنى ولا توجد إلا فسحة قليلة بين المجرى 
وجدار صخري عمودي يقطعهما طريق ممهد قصير (هنا يأتي مخطط). إن الصخر 
صلب جداً» ولكي يحول المحاربون الآشوريون القادمون من نينوى إلى إيران دون 
انزلاق عجلاتهم الحربية وسقوطها في النهر شقوا قناة عمقها حوالي قدمين 
وعرضها ثمانية أقدام بمسافة (200) يارد تقريباً في المضيق نفسهء لأجل التقليل 
من هذا الخطر. وعند ملاحظتي ذلك اعتبرته دليلاً دامغاً على أن هذا الطريق كان 
مطروقاً جداً في العصور القديمة. ومن المحقق أن الكردي المعاصر لا يتجشم 


(1) «تعليق ثالث عن المنحوتات الحجرية في جنوب كردستان»؛ المجلة الجغرافية» ج77 رقم4؛ 
نيسان 1931. 


334 


متاعب شق هذه القناة في الصخر الأصم. ولاحظت فوق رأسي على ارتفاع زهاء 
أربعين قدماً نقشاً من الكتابة المسمارية على وجه الصخر محفوراً في فراغ تبلغ 
مساحته حوالي أربع أقدام مربعة. وقد صقلت تلك الفسحة خصيصا لهذا الغرضء» 
لم أتمكن من قراءتها ولا استنساخها من هذا الارتفاع. وكان يلزمني نصب صقالة 
أو الصعود إليها بسلم وهذا ما لم يتوفر لي في حينه. وفي ذلك الزمن كان وباء 
الطاعون مستفحلا في المنطقة يفتك بالكرد وهم في خيامهم. واضطررت إلى 
مغادرة المكان مستعجلاً إذ كنت أريد الالتقاء بأي قافلة أصادفها. ومهما يكن فإن 
الصدفة أسعفتني بهذه الملاحظة. الحقيقة أني لم أر نقشاً بارزاً وكل ما وجدته هو 
اللوح المربع المنقوش على الضخر. ولو تسنى لي الفحص الدقيق عن كثب فلريما 
اكتشفت صورة بارزة في الأعلى. إلا أنه كان يجب أن تحفر في الصخر الصلب 


ولذلك أستبعد أن يوجد صورة. 


وهكذا ازددت حيرة على حيرة. والظاهر أن (كليمان) لم ير أو يسمع عن أية 
قائلاً: لا يوجد أية كتابة مطلقاً. 


ورأى (ماونسل) كتابة مسمارية أعلى من أن يستطيع الوصول إليها ولم يلحظ 
وجود نقش آخر. وأنا نفسي لم أر ولم أسمع عن أية منحوتة في (ده ربه ند) في 
حين أن فرصتي في البحث أفضل من جميع أسلافي”" الثلاثة. وجددت 
استفساراتي وكلفت بعض الأصدقاء المخلصين ببحث منظم في المنطقة التي أشار 
إليها (ماونسل) ولقد كوفئت على إصراري ودأبي بعد وقت قصيرء إذ تسلمت 
رسالة من (حمه آغا رانيه) و(مامند آغا آكو) و(إسماعيل آغا خدران) ذكروا فيها أن 


(1) سمعت فعلاً كلاماً عن وجود كتابات في (مه ر كه). وعندفا تفقدت الموقع بعد سبع سئين لم أجد 
غير مجموعة آثار لمتحجرات فوق صخرة. وكانت كثيرة التحات بفعل العوامل الطبيعية وقيل لي 
مرة إنه يوجد نقش في (قره تيلان) خلف قرية (الزنك) المسماة (خدر - مامسينان) حيث يتدفق نهر 
(كه رفين) من المرتفعات. لكن وقتي لم يسمح لي بالتثبت من ذلك. 


235 


(الأنتيكة) قد تم العثور عليها. واهتبلت فرصتي في خريف تلك السئة (1931) 
لزيارة (ده ربه ند) وتمكنت بهديهم» ورغم نوبة شديدة أصابتني من (اللومباغو)؛ 
أن أتسلق إلى الموضع المعين وكان كما أوضحه (ماونسل) في مخططه بالضبط». 
إطار مربع مصقول على وجه الصخرة طوله حوالي ثلاثة أقدام وارتفاعه قدمان 
ونصف قدم. وفي الجزء الأيسر منه (إذا نظر إليه المرء مواجهة) يوجد بروز خفيف 
(لا يمكن وصفه بأكثر من هذا) قد يكون صورة بشرية بارزة» لكن لا يوجد أي أثر 
لكتابة مسمارية» ولم يكن في وسعي تصويره صورة وجهية مباشرة» إلا أن صورة 
(مامند آغا) المثبتة في هذا الكتاب تظهر النهاية اليسرى منه عن يمين رأسه. ولما 
رجعت إلى الطريق في الأسفل وصوبت نظري إليه استطعت أن أرى بوضوح كلي 
تهاية الإطار مع البروز. 


وأعود الآن إلى العام 1922» إن أمتع ما قمت به من جولات آنذاك هي 
رحلتي إلى السليمانية وعودتي عن طريق (ماوه ت). إن البلاد التي تقع شرق قلعة 
دزة يجب أن تسمى بالأرض «المتدحرجة» ولكن بالمقياس (الأطلنطي) وبدأت 
أشجار البلوط تبدو في الحقولء وإن الطريق المطروق والأسهل هو الذي يمر 
خلال الجزء الفارسي لنهر (آلان). وهو عبارة عن نتوء منعزل تماماً خلف وادي 
(كالو) ذو قمة شاهقة تمثل وجهاً لسفوح جرداء شديدة الانحدار نحو الجنوب 
وتسمى (باين دردى) وكان (الميراودلي) آنذاك يحتلون كل الجزء الإيراني من 
(آلان) ومعظمهم من أسرة (بابكر آغا). خرج (عباس سليم آغا) ابن بابكر 
لاستقبالي مع ثلة من الفرسان وبت ليلتي ضيفاً عليه في (كرماوه ند) وهي خير 
نموذج لكثير مما رأيته أثناء جولاتي في خط الحدود: لما تكون الحدود بين 
البلدين لا أكثر من خط وهمي (كما هي في قرية كرماوه ند) يعبر منها وإليها أفراد 
القبيلة الواحدة دون عقبة أو إذن. فإن الم ء يلاحظ فى الجانب الإيرانى مظاهر 
تدفعه إلى الاستنتاج بأنهم أكثر احتكاكاً بالمدنية من أبناء جلدتهم في الجانب 
التركي. فبناء الحجر أدق هندسة والبستانيون أحذق في صناعتهم. وهناك تهذيب 
وانتظام في الجو الأسري لا تجد مثله في الجانب التركي. 


336 


في صبيحة اليوم التالي عبرنا الزاب عائدين إلى العراق» عن طريق (تاييت) 
التي تقع على بعد ميلين من عالية مصب (قه لا جوالان). وقد تم عبورنا بجسر 
مفروش بأغصان الشجرء بناه (عباس)” فوق دعامات حجرية عتيقة ترتفع إلى 
علو لا بأس به عن مستوى الماء. ولاحظت بالقرب منه دعائم جسر أعتق منه. 
وهنا قص على مرافقي الحكاية المألوفة عن «الأميرين العاشقين». نحن الآن في 
منطقة (ماوه ت) الجبلية الرائعة التي تكسوها غابات جبلية فخمة وهي التي كان 
وقعها شديداً في نفوس الرحالة البريطانيين الأوائل. وبعد اجتزنا القرية التي تسمى 
الناحية باسمها راح الطريق يتطامن بنا منحدراً إلى حقول (قه شان) المنبسطة وهنا 
ما يلبث (قه لاجوالان) الذي يجري شمالآء أن يترك ما بدا الخط الطبيعي لتقدمه» 
ويشق سبيله شقاً في طرف الجبال غربء بصورة فجائية ودونما سبب أو داع» ثم 
ينعطف شمالاً مرة أخرى في غور سحيق ضيق ذي ضفتين عموديتين مجتزثاً 
فحسب فلذة صغيرة من الجبل ولا يخترق السفح اختراقاً إلى الحقول التي تركها 
قبل قليل. ووجدت في (قه شان) جسراً جيد الترميم» وخرائب جسرين أو ثلاثة 
يقال إن أحدها قد انهار تحت أقدام وحدة من وحدات جيش (نادر شاه) أثناء 
تقهقره من كركوك بعد ارتداده فاشلاً عن حصار بغداد. وبعد عبوري إلى الضفة 
اليسرى طالعنا مباشرة شارع واسع تحف بجانبيه بلوطات ضخمةء تلتقي فروعها 
فوق الطريق وعلى ارتفاع كبيرء إنه لكفيل بأن يكون مدعاة فخر لمقر أية عائلة 
عريقة في بريطانيا! ويرتد الطريق إلى النهر بعد حوالي أربعة أميال من فوق مصب 
(سيوميل) عند بقعة ذات جمال أخاذ تدعى (كنه ماسى - ثقب السمك) حيث 
توجد برك بديعة وحيث تبدو الحقول المنبسطة وادعة منبسطة مطمئنة بعد الأرض 
(1) هناك ثلاثة ملوك إيرانيون باسم عباس حكم الأول (1585 - 1628) والثاني (1642 - 1666) والثالث 

(1732 - 21736 ونرجح أن المؤلف لا يقصد بل يشير إلى عباس ميرزا الأمير الإيراني ابن فتح 


علي شاه الذي عقد صلح أرضروم مع الأتراك وقد تقدم ذكره. (المترجم). 


337 


الوعرة الجبلية التي اجتزناها ولم يتملكني العجب حين وجدت آخر عشرين ميلاً 
إلى السليمانية عن طريق مضيق (قياوه ند) مرهقة مملة. 

وفي طريق العودة تعقبنا طريق الذهاب بالضبط إلى مسافة خمسة وعشرين ميلاً 
ثم وبدلاً من عبورنا (قه لا جوالان) على جسر (قه شان) انعطفت إلى الشمال 
الغربي متوجهاً إلى (شينكي)”'' وهي قرية تعود ل(قميش). استضافني رئيسها (أمين 
بك) وهو أكبر أفراد أسرة (ميراودلي) سنا من فرع البككزادة. وفي صباح اليوم التالي 
خرجنا راجلين ونحن نقود خيلنا وبغالنا فوق طريق شديدة الانحدار حتى قمة 
(كوركور - 8000 قدم). وأذكر بوضوح فوهة بركان خامد فيها يبدو داخله وهو 
أشبه ببحر من الطين كان فيما مضى فائراً ويبدو الآن بعد تصلبه في أشكال عجيبة 
غريبة جداً. وكان نزولنا أكثر تحدراً من الصعود في الطرف الأبعد والقريب من 
قريتي البككزاده (كاني توو - نبع التوت) وهي بقعة جميلة لذنا أن نبيت فيها ليلتنا 
مع حيواناتناء و(جيناران) في ناحية (مه ر كه). ويخيل لي أنه أشد انحداراً من أي 
طريق صادفته في كل رحلاتي. 

قمت بزيارة سريعة ل(ناوده شت) والطريق المعتاد إليها يتخذ عكس مجرى (كه 
رفين) حتى قريتي (كرته ك وشهيدان) تعودان بصورة مستثناة إلى (بنزيرى آكو) فرع 
رانيه لا إلى أي فرع من مجموعة (ناوده شت) وبعدها يدخل الجبال من أخدود 
ضيق وهنا لاحظت مقابر كبيرة. ومن بين شواهد القبور وجدت نقشا يمثل ثلاث 
دوائر وصليباً واستمر الطريق يعلو ثم يهبط مراراً ليعبر المجرى ثم يرتفع» وأخيراً 
أو على مسافة قصيرة من نقطة اتصال واديي (ناوده شت) و(شاروني) يرتقي 
الطريق سلسلة متتالية من الدرجات الحجرية أولاً ثم يسلك ممراً شديد الانحدار 
حتى يبلغ رأس مضيق يدعى (زينوئي كورته ك). 


ومن (كورته ك) أرسلنا الطرف إلى قريتي (كومته ن) (مه نده ماره) و(بايوه ند) 
(1) يقال أن الشينكى هناء لا علاقة لهم ب(شينكى بازيان). 


338 


(خيلا) وإلى هضبة ذات جمال مثالي. ورحب بنا اثنان من المختارين اليسطاء. 
وبعد زيارة ل(محمود آغا خيلا) في قرية (بولى) (حيث تمكنت وأنا واقف على 
ربوة شاهقة من مشاهدة وادي شاروش وجدار الحدود الذي يليه) عدت لأبيت في 
إحدى القريتين. والقرويون هنا يكادون يعيشون على الفطرة ولا أعتقد أنه يوجد في 
كل الناحية ستة أشخاص يعرفون القراءة دعك من الكتابة. كان سلفي قد عانى 
الكثير من المتاعب من (الباووبى) الذين حاصروه في قلعته في (لويزه) بقيادة 
زعيمهم (غفور آغا) ففكرت بتعيين مدير ناحية (محصن ضد الرصاص"» بشخص 
«بهلول آغا' (وأقصد في الواقع بشخص ابنه الأكبر (كانبي) زعيم (مه نده ماره) 
وهو رجل عجوز مرح بدين مخلصء لم يتأخر عن إثبات صحة اختياري له عندما 
أزفت ساعة الامتحان وكان هو وابنه أميين» فعينت (رشيد صدقي) شقيق مدير 
ناحية (مركه) معاوناً له وكان هذا مفتتح مستقبل مدير نافع لأكثر أجزاء كردستان 
بدائية وفطرية. ولما كنت دائم البحث عن الآثار فقد سألتهما فأعلماني بوجود 
خرائب لديرين من ديارات النصارى أحدهما يعرف ب(مازون) ويقع خلف (بولى) 
والآخر (سالوت) قرب (يشتشان) في (شاروش). ولم أجد وقتاً لتفقدهما. وسمعت 
أيضاً حكايات عن تمثال صخري لطائر عظيم يشير بمنقاره إلى موضع كنز مدفون 
في أراضي (مه نده ماره) فقررت أن أجعل عودتي من طريقه. وصعدنا من 
(كومتان) بممر ضيق حتى (زيرناكو) الذي يؤلف الجدار الجنوبي الغربي لوادي 
(ناوده شت) وكان يوماً رائعاً صافي الأديم. وحين أرسلت طرفي وأنا في أعلى 
شعب على ارتفاع (5000 قدم) طالعني منظر فخم حقاً من وديان ورواب مكسوة 
بالغابات تمتد حتى قمم (قنديل)”'" ثم هبطنا إلى الأسفل بطريق طويل كثيب هو 


(1) وهنا أيضاً كما في أي موضع آخرء يصعب استخلاص التسميات الصحيحة لمختلف سلاسل جبال 
الحدود. وما سأورده هو نتيجة تحقيق قمت به في مناسبة تالية (عندما بلغت قمة كوكيز) للقاطع 
المحصور بين دعامتي الحدود (1914) المرقمتين 117» 118» كما أثبتنا في خريطة وزارة الحرب 
التي هي بمقياس (1 : 100000) والمؤرخة تموز 1942. قمة - 10151 - كلاله (صحيحة)» قمة 9337 
(حيث أن الحدود الآتية من الجنوب تنعطف إلى الغرب) - كوترال» ماماروت (صحيحة في- 


339 


شق (دوكومان). وكان يوجد على السفح الشرقي عدد لا يحصى من الكهوف. 
وفوق أحدها تتخذ الصخرة شكل صقر ذي جنحين مفتوحين ورأس منكوس 
ويخال لي أنه من عمل الطبيعة» إلا أن الخطوط فيه قوية» والانطباع العام يعطي 
المشاهد هيئة انقضاض يقوم بهاء والرأس متجه إلى كهف صغير هو في نجوة عن 
الكهوف الأخرى وتحتها. ويزعمون أن الكنز مدفون في هذا الكهف. وكان ثمة 
لوح كبير من الصخر ملقى فوق فم الكهف. ارتقيت إليه ودخلته فوجدته صغيراً 
جداً. ولم أتأكد هل أن جزء من الجدار هو صخر طبيعي منحوت أم هو هو بناء 
من الحجر والجص متعاشق ما زال البناؤون الإيرانيون يمارسونه. وقد قضت 
الأحداث التي سأوردها في الفصل التالي على مشروعي في العودة إلى الموقع 


بفؤوس ومتفجرات. 


-الخريطة»؛ قمة - 104 سه رى ناوا)» القمة التي هي في شمال آخر طرف من شيخ شارو بمسافة 
ميلين ونصف ميل» قمة 11324 - كوكيز قمة 11807 كج باش (وليست حاجي إبراهيم): قمة 
الحدود شمال شرق كج باش بمسافة ميلين ونصف ميلء» قنديل كجكه (قنديل الأصغر) ويطلق 
اسم قنديل على قطاع من السلسلة يبدأ من (سه رى ساوا) حتى قنديلى عموماًء وخاصة يطلق على 
كوكيز أضخم قمة وأعظمها استقامة لا أعلاها والأصح أن تسمى قمة 10304 في إيران إلى الشمال 
الشرقي من كج باس باسم (سرى كبه له ك) أي (تل النور المخطط) إلا أن السلسلة بين قمة 10304 
حتى قمة 9240 تسمى أيضاً بجبل حاجي إبراهيم نسبة إلى ضريح بهذا الاسم في القرية السفلى. 


340 


17 ب 
رانيكول 


إن (نكبة رانيكول) هي بالطبع وبواقع الحال مسألة بسيطة» وقد جر عليها 
النسيان ذيوله. لكنها لا تخلو من أهمية باعتبارها حدثاً في حياة ضابط سياسي يدير 
الأمور يعفو الخاطر ويميادرة منه. فهو لا يجدها مألوفة بدرجتها إن لم أقل 
بنوعيتها. وخير لي أن أبدأ القصة بإثبات الجزء الخاص بها من تقرير المندوب 
السامي إلى وزارة المستعمرات عن سير الإدارة في العراق لسنة 1922 - 1923» ثم 
أعود لملء التفاصيل وإن ظهر أني أميل إلى إلقاء التبعة على المركز العام في بغداد 
في بعض الأحيان فلا يدفعني» بعد هذا الزمن المتأخر جداً أية نية في اطلاب 
المدح لنفسي أو تنصل من الملام. وإني لأقص الحكاية بحرفية الملاحظات التي 
دونتها في ذلك الزمن قدر المستطاعء لتكون صورة صادقة للحوادث بالشكل الذي 
رآها خيالي المحدود وهو في وسطها. والآن إلى التقرير الرسمي. 

«... منذ تموز 1921» والعسكريون الترك المغامرون يقومون بأعمال» عدائية 
نشيطة في حدود العراق الشرقية مستخدمين عصابات صغيرة من القوات النظامية 
وضعت تحت أمرتهم» هذا فضلاً عن قيامهم بتحريض القبائل على الثورة. في 
الوقت الذي تبذل استعدادات جدية في الشمال بمصاحبة دعاية مشابهة بين القبائل.. 
وكان الشك في المستقبل فائدة ومغنم كل حزب معاد لنا في البلادء وهو الذي كان 
يمنع كل من يجد في عودة الحكم العثماني نكبة عظيمة - من التعبير عن آراته 
تعبيرا حرا... 


341 


«في 17 آذار 1922 خلعت حكومة أنقرة لقب قائمقام رواندوز على رمزي بكك 
أحد عملائها وأرسلته إلى ذلك القضاء. وبوصوله في نهاية أيار بدأ في الحال حملة 
مسعورة بين القبائل تدعمها تأكيدات عن قرب وصول نجدات عسكرية تركية كبيرة 
لانتزاع السليمانية وكركوك وأربيل من أيدي البريطانيين ثم أرسل بعده في أواسط 
حزيران عقيد يدعى (علي شفيق) ويعرف بلقب (أوزدمير) قدر له كعسكري مغامر 
أن يلعب الدور الرئيس في إثارة الخواطر على الحدودء وكان يشيع بين الأهلين أن 
واجبه» استعادة كل ولاية الموصل بالقوة». 


وقبل نهاية أيار أعطت تحريضات الترك للقيام بأعمال الفوضى ثمراتهاء فقام 
زعيم الجبارى الكرد في ضواحي جمجمال بمهاجمة مدير الناحية واصابته بجراح 
وراح يستنفر رجال قبيلته ويعمل على تحشيدها. وكان هجومه هذا بمثابة إشارة 
انطلاق عناصر (هماوه ندية) سائبة... يقودها المدعو (كريمي فتاح به ك) الذي 
كان من الملتحقين بثورة الشيخ محمود سنة 1919 فبعد أن أرسل هذا خطابات 
تهديد إلى معاون الضابط السياسي» تظاهر بالرغبة إلى المصالحة ودعا كلا من 
النقيب (بوند) 8084 والنقيب (ماكانت) :34318 قائد الليقي إلى الاجتماع به 
للتفاوض بالقرب من ممر (بازيان) في 18 حزيران. ومع أن زعماء الكرد الموالين 
أنذروا هذين الضابطين بنية الغدر المبيتة فإنهما اعتبرا أن واجبهما يحتم عليهما ألا 
يضيعا أية فرصة لتسوية سلمية وقبلا الدعوة وزالت شكوكهما بالاستقبال الحار 
الذي قابلهما به (كريمى) ثم قام أتباعه بإطلاق الرصاص عليهما من الخلف أثناء 
ما كانا إلى جانبه فوق حصانيهما. وبهذا انضم الزعيم الهماوه ندى إلى الجبارى 
في انتفاضة مسلحة. 

وراحت قوات من الليقي بإسناد القوة الجوية تلاحقهم في الجبال الصخرية... 
وفي نهاية تموز ورد نبأ يفيد أن (كريمي فتاح) قد انتقل إلى الشمال والتجأ إلى 
الترك. وعبر الليفي الزاب وهو يطاردهم ودخلوا منطقة يشدر الواقعة في إدارة رانية 
حيث وجدوا (بابكر آغا) يعاني ضغطاً شديداً من جزء معاد من قبيلته التي ما 


3042 


عتمت أن انسحبت إلى الحدود الإيرانية ولكن الأتراك راحوا يدفعونها لمهاجمة 
(بابكر آغا) إلا أن وصول الليفي مكنه من إعادة التوازن والاستقرار. 


وكان من الضروري أن يعطى الرتل فترة يستريح فيها وينظم صفوفه بعد 
الإرهاق الذي أصابه جراء الحملات والاشتباكات المستمرة تحت أشعة شمس 
الصيف اللاهبة» ولذلك سحب إلى السليمانية في 9 آب. وتكالبت عدة عوامل 
أخرى خلاف انسحاب الرتل» لتؤدي إلى تدهور سريع في الموقف. فانضمام 
(كريمي فتاح) زود الكماليين بأمل آخر في تعاون قبائلي. وتحركت جماعات 
صغيرة من الترك جنوباً متجهة إلى حدود (رانية) حيث انضم إليهم فريق بشدر 
المعادي. ومع أن وحدات من الجيش الهندي وصلت رانية في 21 آب» ثم عززت 
بما تيسر من الليقي» إلا أنها عجزت عن إيقاف تدفق الانضمام القبائلي المتعاظم 
إلى جانب الأعداءء يشد من عزمهم تلك التقارير الكاذية عن وصول نجدات 
تركية. ولهذا انسحب الرتل البريطاني من رانية في (1) أيلول...». 


كانت استخباراتي في رواندوز حسنة التنظيم بحيث استطعت إرسال تقرير في 
كل قضية حال وصولها إليّ مباشرة فأنبأت أولاً بوصول (رمزي) ثم بقدوم 
مجموعة من الضباط مع مدافع جبلية وكمية كبيرة من عتاد الأسلحة الخفيفة 
لتوزيعها على القبائل كما تم ضبط عدد من الرسائل صادر من القائد التركي لجبهة 
الجزيرة إلى أعيان المنطقة وشخصياتها البارزة يوضح فيها أن ولاية الموصل ما 
هي إلا جزء من تركيا ولن تكون العراق ويدعوهم إلى (الجهاد) وإني ما زلت 
محتفظأً بالفقرة الأخيرة منها: 


«يجب أن يعمل كل إخواننا في الدين على تحقيق الاتحاد الذي تنشده 
الحكومة العثمانية.. فليتنفس المسلمون الصادقون هواء الحرية ثانية. إن نقص العتاد 
عندكم وغير ذلك من الضروريات الأخرى يلقى منا الاهتمام. وسنسد حاجاتكم من 
كل شيء عما قريب. ألا فلينصر الله أولئك الذين يجاهدون في سبيل الدين 


3203 


ويبذلون دماءهم رخيصة. ولعنة الله على المشركين أولئك الذين باعوا دينهم 
للإنكليز وعلى فيصل وأعوانه. آمين». 

وكان ثمة رواح ومجيء مستمر للرسل بين رواندوز وقبيلة يشدر التي كانت 
في مخيمها الصيفي على الجانب الإيراني من الحدود تماماً. 

لم يكن من الصعب إحباط هذه الدسائس إلا أن مقتل (يوند وماكانت) في 18 
حزيران كان أشد ضربة تمنى بها الإدارة ومكانتها في النفوس. وقد نجم عنها عامل 
جديد في غير صالح الموقف الذي زاد تعقيداً. وفي العشرين منه بعثت بالبرقية 
التالية : 

«بالنظر إلى غموض الموقف في جمجمال ووجود نشاط معين في رواندوز لم 
أتمكن حتى الآن من تشخيصه تماماً فإن نشاط الجنود المعادي في بشدر قد زاد 
أهمية. وربما نجم اختلال في توازن هذا القضاء بسبب الحوادث الأخيرة (واتبعت 
هذا برؤوس أقلام لتدابير اقترحتها. مع طلب المزيد من المال للمخصصات 
السرية) إن وصول (أوزدمير) في 23 منهء حاملاً لقب قائد «الانتفاضة الوطنية» كان 
نذيراً بزيادة نشاط العدو زيادة عظيمة ١لا‏ تقتصر على رانية وحدها بل تتعداها إلى 
كوي والخوشناو في أربيل». 

وفي 2 تموز لخصت الموقف بمذكرة بعثت بها إلى كل من (كولد سمث) 
والمندوب السامي: «قبل حوالي أسبوعين أرسل آغوات بشدر الثائرون وفداً مؤلفاً 
من أربعة أشخاص إلى رواندوز للإلحاح على الترك بمساعدتهم في حركاتهم 
المعادية لبريطانيا وفي حدود 28 حزيران عاد ثلاثة من أعضاء هذا الوفد وقد حمل 
كل منهم بندقية وخمسمائة إطلاقة (على سبيل الهدية) ومعهم رسالة مكتوبة على 
ورقة حكومية مصدرة بعنوان «قائد الشعب الإسلامي في فلسطين وسوريا» وموقعة 
بتوقيع يحمل عنوان «قائد الشعب الإسلامي في العراق وكردستان» جاء فيها: 

«إن مصطفى كمال وجودت يعرفان جيداً خدمات آغوات يشدر. وقد انشغلا 
لحد الآن عن مساعدتهم. بالحرب في الشرق والغرب. والآن وبعد أن أصبحت 


344 


أيديهما حرة فسيرسلان أحمد تقي مبعوث كردستان إلى (وزنة) (في إيران قرب 
عمود الحدود المرقم 116) برفقة خمسين جندياً لتقديم المساعدة الفعالة. ويرى 
بابكر آغا أنه إذا وصل هذا الشخص فسيجد الأغوات الثائرون أنفسهم مضطرين إلى 
القيام بعمل ما ليزكوا أنفسهم في عين القادم. وهذا «العمل» قد يتخذ شكل هجوم 
على (ده ر به ند). أما إرسال الجنود الخمسين فهو حديث خرافة. إلا أن الواقع 
سيظل كما هو: أي أن الأتراك قد وثقوا صلتهم بالفريق المعادي من بشدر. وهو لا 
يحتاج إلى تشجيع كثير ليخرجوا بالثورة إلى حيز التنفيذ. وهذا ما يعطي إشارة 
انطلاق لعناصر أخرى ما زالت إلى الآن فاترة الهمة هادئة. فتنظم إليهم. وهذا 
القضاء سيبقى غير مستقر ما دام سيظل هؤلاء البشدر بمنجى من العقاب. إنهم الآن 
في الجبال على خط الحدود. وإن أمكن أن تتخذ ضدهم عمليات قمعية» فالأفضل 
أن تباشر في الخريف. إلا إذا اضطررنا إلى العمل قبل ذلك. إن مقدرتهم على 
اصطناع الشر تبلغ أوجها في الصيف بعد الحصاد وإذ ذاك تهتبل كل عناصر الشغب 
فيها اللحظة المناسبة. فالموقف إذن في كل من (شاوور» وناوده شت» وبشدر) 
يستدعي إرسال القوات العسكرية حالا إلى هذا القضاءء بوجه الضرورة القصوى. 


وفي خلال الأيام القلائل التالية» وفيما كانت المعلومات تتقاطر عن نشاط 
(أوزدمير)» عقبت مذكرتي هذهء بعدة طليات لاستخدام القوة الجوية ضد رواندوز 
نفسها. والقيام بتحليق فوق مخيمات بشدرء وإرسال القوات الأرضية إلى (ده ربه 
ند) حالاً. وأوضحت قائلاً «لقد أزف الوقت لتنفيذ جانب من سياستنا السلبية 
الحاضرة». وكان زميلي النقيب و.آ. لاين في أربيل يشعر مثلي بحراجة الموقف 
فضم صوته إلى صوتي منذراً منبه”. ولم يخف على المندوب السامي دقة 
الموقف وخنطورته» وجاءني العون الكريم من (كولد سمث) في السليمانية ومن 
بورديللون من دار المندوب السامي. على أن الكلمة النهائية حول تحريك المشاة 


(1) مع أن مراسلاتي كانت معنونة إلى الضابط السياسي في السليمانية حسب تسلسل المراجع إلا أنها 
كانت تكرر رأساً إلى المندوب السامي الذي يتصرف بها كما لو كانت موجهة إليه بالأصل. 


245 


أو القيام بقصف جوي كانت رهناً بأمر القيادة العامة وهو من أصعب الأمور. 
وأخيراً وافق القائد العام على قصف رواندوز. لكنه ظل مصراً على رفضه إرسال 
قوات أرضية؛ أو حتى المصادقة على إجراء تحليق جوي فوق المخيمات. وتم 
القصف في 210 11» بقوة كبيرة جداً (كما عدت في حينه) تتألف من سربين. مع 
جهل تام بالأثر المحدود للسلاح الجوي في الأراضي الجبلية. (لم تكن في ذلك 
العهد أجهزة تهديف وقذف وإن وجدت فلم يعمم استعمالها في أسراب القوة 
الجوية في العراق). ولما كنت قد وضعت آمالاً كبيرة في هذه العملية فقد أدركتني 
خيبة أمل شديدة عند ورود التقارير الأولى عن النتائج: معظم القنابل سقط في 
الخلاء على سفح جبل» ولم تشتعل أية حرائق» وقد لحق بجدران أربعة منازل 
تلف وجرح جندي تركي واحد. 

وواصلت اتخاذ مثل هذا التدبير الواقي كما وضح لي محلياً» في حين بقيت 
أرجو بغداد إزاء ترددها - بأن تنظر إلى الموقف بمنظار أكثر جدية. ويمكن 
استخلاص ذلك من بعض ردودي. 


البرقية: (16 تموز) آسف جداً لقراركم عدم إرسال الطائرات» لو لم أشعر 
بضرورتها الشديدة؛ لما طلبت ذلك. إني أجمع (له شككر) من القبائل لكني غير 
واثق من إمكاني الحيلولة دون انفجار الوضع دون مظهر من مظاهر الإسناد 
الحكومي القوي. إن لم تحلق الطائرات فوق (ساوان - كرماوان) (وهي مخيمات 
بشدر الصيفية على الحدود) فإن تحليقات فوق السهل قد لا تخلو من فائدة. لا 
يخشى من أن تتوهم القبائل بأنها طائرات تركية». 

ا«برقية: (17 تموز) أعرض لكم باحترام أنه ليس من الحكمة في شيء اعتبار 
القلاقل الحالية في رانيه» حركة جانبية لا علاقة لها.. لقد وصل (أوزدمير) بمهمة 
واضحة وهي تنظيم (انتفاضة وطنية) ذات طابع عشائري. ويتوقف مدى نجاحه 
مطلقاً على الحزم الذي ستؤخذ به انتفاضته إن أضعف نقطة عندنا هي... يشدرء 
ومن توصل فيها إلى قرار ما عاد يحتاج إلى إغراء أو إقناع. وقلقي كله كان مركراً 


346 


حول منع هذه النقطة الضعيفة عندنا من التهافت والانهيار وتدفق الطوفان من 
ثغرتها. ما أن تحصل أول كسرة في السدء فليس من يستطيع التكهن بالحد الذي 
سيبلغه اتساعها... يسرنى أن أعرف هل تنوي السلطات العليا اتخاذ كل الخطوات 
المتزورية الإعياظ مهمة أوزكميرة :رإذاحان الجوات بالإنجات فإن ين طريقة 
تستخدم هي إضعاف روح العشائر المعنوية: باستعراض قوى كافية» قبل أن ينتتهي 
ترددها وتشعل النار في مراكبها وتنظم إلى الترك». 

وشرحتٌ برقيتي بمذكرة في اليوم نفسهء قلت: 

مذكرة - 17 تموز: 

الموقف السياسي ما زال غامضاً» ويتعذر التكهن بتطوراته المقبلة.. وعلى أي 
حال فالأمر الذي لا يمكن الصبر عنه أن يظل الفريق المعادي من يشدر سادرا في 
غلوائه وفي موقف يخلق لنا هذا وهو بمأمن من العقبات إني أوصي باتخاذ قرار 
فوري» بإرسال رتل تأديبي ضدهم ومن الضروري أن لا يكون أقل من ذلك الرتل 
الذي كان يعمل على طول حدود (حلبجه) وإن لم يذعنواء فقد يكون أيلول خير 
شهر للعمليات. لكننا قد نضطر إلى تأديبهم قبل هذا الموعد. 

وطلب مني مقترحات أكثر تفصيلاً فأجبته بالآتي : 

برقية - 19 تموز: أقترح تجريد حملة لا تقل عن (600) بندقية» أو أكثر إن 
أمكن. مع إسناد من الرشاشات. وللحيلولة دون قيام أية مقاومة في القرى أفضل 
استعمال المدافع. ثم نتقدم إلى بشدر. فإن قاوموا فبإمكاننا أن نؤدبهم تأديباً قاسياً 
وإن ظلوا مستحكمين وراء الحدود فنسدور على قراهم ونصادر أموال الأغوات 
المنقولة. إن أنصار بابكر آغا سيتعاونون معنا. تأثير العقاب على الزعماء سيكون 
كبيراً عند القبائل الأخرى. وإذا تمكنا من تأخير اندلاع الفتنة قبل انضمام العناصر 
الأخرى فستكون عمليتنا العسكرية بسيطة نسبياً.. إن أعمال الفوضى يذر قرنهاء 
لقد دخلت عصابة (مه ر كه) بأوضح نية وهي قتل المديرء وإني أحاول تطويقها 
واعتقال أفرادها. 


3047 


كل ما ظفرت به من جواب على توصياتي وتحذيراتي» هو إرسال فصيل 
واحد من الليقي إلى (ده ربه ند) وإعادة قصف رواندوز مرة أو مرتين بدون أثر 
يذكر. وعجزت عن إقناع القيادة العامة بقصف (ساوان) الإيرانية التي تبعد سبعة 
أميال عن الحدود حيث كان وفد تركي يعقد اجتماعاً مع زعماء القبائل على 
الحدود. 


وفي 23 تموز بينما كان العقيد (ي.س.ت. مينيت 301066 .8.0.1) قائد قوات 
الليفي في السليمانية يعقب قتلة (بوند وماكانت) تسلم تقريراً» سبق أوانه بحوالي 
عشرة أيام كما ظهر فيما بعدء جاء فيه أن (كريمي فتاح بك) قد عبر الزاب قرب 
دوكان وهو يتقدم من رواندوز فعقبه بسرعة خاطفة بكل قوته وبلغ (ده ربه ند) في 
7 منهء هذا التطور أحدث عاملين جديدين مهمين في كل الموقف. إن تعزيز قوة 
أوزدمير بأكثر من مائة من أصلب مقاتلي كردستان بقيادة زعيم مقدام مشهور 
سيكون إن صحء نجدة ثمينة لقوات هذا المغامر التركي» قد تزيد من فرص إثارته 
تمرداً قبلياً. كذلك فإن وصول رتل (مينيت) يؤمن استعراض القوة الذي طالما 
ألححت فيه. وقد يتمكن في الوقت المناسب وبعد تعزيزات قليلة أن يضطلع 
بعملية التأديب الضرورية. وفي ذلك الوقت أيضاً تسلمت جواباً من (سيد طه) رداً 
على رسالة كنت قد نصحت بإرسالها إليه حال نقلي من حلبجة إلى رائية (انظر 
الفصل الثاني عشر) وفيها يخبرني أنه سيقابلني في مضارب (بابكر آغا) في 10 آب. 


جاءني (مينيت) مفعماً بروح القتال العالية» كان قبل الحرب العظمى مزارعاً 
من مزارعي المستعمرات. وبعد استشارة (بابكر) أرسلنا رأياً مزدوجاً إلى رئيسنا. 
نوصي بوجوب تحرك الرتل حالاً إلى قلعة دزه. والهدف هو إرهاب الزعماء 
المعادين والسيطرة على الموقف بنشاط دبلوماسي مشفوع بحركات جوية 
محدودة» وبهذا نتجنب العمليات البرية إلى أن تتم مقابلتي مع (سيد طه) ثم نشرع 
بالعمليات بقدوم الخريف عندما تعود بشدر بأغنامها وماشيتها من الجبال وتكون 
أسهل منالاً من قواتنا. وأشرنا بأننا قد نكون مضطرين من حيث المبدأ إلى طلب 


28 


الموافقة على عملية التأديب بالشكل الذي رسمته في برقياتي الماضية. مع الإيضاح 
بأننا سنحاول جهدنا اجتناب ذلك. 

تمت الموافقة على الحركة إلى قلعة دزه» ورفض باقي خطتنا. ودخلنا البلدة 
في 29 تموزء وفي اليوم نفسه وردت إليّ معلومات موثوقة بأن سبعين جندياً مع 
رشاشات وقافلة من العتاد قد خرجت من رواندوز على طريق (شاوور وئاوده 
شت) وأنها نجحت في قصف (ساوان وكانى ره ش) اللتين تبعدان زهاء (3000) 
يرد عن الحدودء حيث يوجد مخيم لضابطين تركيين! فأيرقت (دون جدوى) ما 
يلي : 

أعرض لكم أن الحدود الإيرانية في هذه المنطقة هي خط وهمي لأن (كانى ره 
ش) هو المضارب الصيفية المقررة دوليا لبشدر القاطنين على جهتي الحدود. 
وليس فيه رعايا إيرانيون أو قرى دائمة. كذلك لا يوجد أي أثر للسلطات الإيرانية 
على مسافة سبعين ميلا والموقع هو بؤرة للنشاط المعادي لحكومتنا.. 

كان التأثير المباشر لتحركنا إلى قلعة دزة طبق ما توقعنا. فأرسلت ما يلي : 

برقية: 4 آب. إن وصول رتل (مينيت) قد أحدث أثره المهدئ في كل القضاء. 
إن الخطط التركية لهجوم من ناوده شت وشاوور التي كادت تتبلور على ما يبدو 
قد تباطأت الآن. ويجب أن يعزى إلى هذاء التأخير الذي وقع في (رايات) لجماعة 
كانت سترسل إلى (ساوان)... لما كان البشدر قد أعلنوا صراحة أن نيتهم الانتفاض 
على الحكومة فلا أرى بقاء شك في ضرورة تأديبهم. والخريف على كل حال هو 
أفضل وقت لذلكء وعليه تم الاتفاق بيني وبين (بابكر آغا) وآمر الرتل بأن يقوم 
الأول بالإجابة على اتصالات القسم المعادي» والاستفادة من الجنوب لمحاولة 
فرض بعض التدابير المؤقتة عليهم وبذلك يمكن اجتناب عملية عسكرية آنية. 

برقية: 6 آب. عاد (بابكر آغا) إلى قلعة دزه أمس وأبلغني أن الفريق المعادي 
قد قبل شروطهء ووافق على طرد الضابطين التركيين من (كاني ره ش) (ظهر أنهما 
صديقان قديمان لي هما عرفان وحسن) وأن يبتعدوا على النشاط التركي المركز في 


349 


رواندوز. ولقد أفلح في إقناعهم أن مستقبل الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية لا 
يتوقف على النزاع الداخلي بين اليشدر وإن كانوا قرروا أن يظلوا مخلصين لتركيا 
كما يزعمون فبإمكانهم تقديم الدليل على هذا إذا احتل الترك بغداد. أو عندما 
يحتلونها. وبابكر يعتقد أنهم سيقيمون على هذه المصالحة العائلية بضعة أسابيع. 
إلا إذا ظهرت بوادر غير متوقعة في مناطق أخرى. إن هذا الاتفاق لم يَسمُ بعد إلى 
عملية استعراض القوة في مؤخرتهم. لقد تجنبت إقحام نفسي مباشرة في 
المفاوضات لثئلا يؤخذ شيء مما أقوله أو أعمله دليلاً على أن الحكومة صفحت 
وأغضت عن جريمتهم. 


وفى 8آب2 قبل ساعات قليلة من خروجى لمقابلة (سيد طه) وصلتنى منه 
رسالة تشير إلى تعذر حضوره » وتأجيل المقابلة» بسيب وصول دعوة عاجلة له من 
صديقه (سمكو) الذي كان قد أعلن ثورته التاسعة على الحكومة الإيرانية وكان 
مهدداً بتحشيد قوات متفوقة عليه. 


وفي الوقت نفسه هاجمتنا موجة من الحر لا تطاق كما تفشى وباء الملاريا 
الخبيث وسقط أربعة أخماس جنود (مينيت) طريحي الفراش وتوفي عدد منهم 
بضمنهم ضابط بريطاني. فقرر (مينيت) العودة إلى السليمانية لسد النقص ومعالجة 
الجنود المرضى تاركاً وحدة تتألف من مائة بندقية وأربع رشاشات في (ده ربه ند) 
وكان واثقاً من العودة بقوة مناسبة خلال يومين من صدور الأمر إليه وكان قراره 
هذا مما لا يجادل فيه ولم يعد لي سوى الأمل باستمرار الهدوء المؤقت لكن هذا 
الأمل قضى عليه بوصول (كريمي فتاح) إلى رواندوز من الهماواند (كان النبأ 
صحيحاً هذه المرة) وفي 14 آب اتضح لنا أن الحالة أشبه بما كانت قبل مجيء 
(مينيت) وأن الأزمة ما زالت تطبق على خناقنا. وأوضحت مع (لاين) أن الموقف 
يتطور بسرعة إلى التعقيد مما يتطلب من الضابط السياسي أن يلح على المندوب 
السامي بإجراء عمليات جوية. مما وضع الأمر في يد القيادة العامة. فأرسلت 
تعليمات إلى أسراب الموصل وكركوك. وطلبت أن يُعطى قادة الأسراب الحرية في 


2330 


قصف الأهداف التي نقوم نحن بتوجيههم إليها مباشرة وكذلك طلبت إرسال جهاز 
لاسلكي لي وقد تبادلت البرقيات التالية في 16 منه: 

من معاون الضابط السياسي إلى الضابط السياسي والمندوب السامي: 16 آب. 
وزعت رسائل (أو زدمير) على كل رؤساء (ناوده شت) يناشدهم فيها الانضمام إلى 
القوة المغيرة. في صباح هذا اليوم أبلغت بوجود أربعين تركياً مع مدفعين رشاشين 
ومائة وخمسين من رجال القبائل في (ليوزه). أطلب حركة رتل مينيت (مينكول© 
امءهنة) إلى هنا بأسرع ما يمكن وأن يخول طيران كركوك بالقصف عند أول 
الطللب. 

التاريخ نفسه: وصلتني تأكيدات عن وجود الترك في (يه نديزه وله ويز) كثير 
من رجال القبائل قد انضم إليهم. اقصفوا حالاً رجاء» وعند الضرورة بمقدوري أن 
أزودكم براصد كرديء الريح تعرقل الهبوط. 

«من الضابط السياسي إلى معاون الضابط السياسي: لما كان كل الليفي في 
حالة إنهاك فلا تطلبهم إلا كحل أخير. وحبنئذ قد يمكن إرسال أربعة مدافع رشاشة 
ومائتي بندقية. لا شك أن قصفنا (فى ناوده شت) قد يكفي لمنع الحركة من 
الاتساع». 

«معاون الضابط السياسي إلى الضابط السياسي: الآن وبعد شهرين من 
الاستعداد تحرك الترك أخيراًء من التسرعء الافتراض بأن الهجوم على (ناوده شت) 
هو عمل منفرد. ويجب علينا أن نتوقع حالاً غزوة في نقاط أخرى. من الضروري أن 
ترسلوا إلينا كل رجل متيسر بلا تأخير يجب أن نبقى في رانية و(ده ر به ند) وأن 
يبقى بابكر في قلعة دزه. إن آمر الحامية هنا لا برى من الحكمة تجزئة قوته 
الصغيرة». ْ 

واستمر تبادل البرقيات في السابع عشر منه: 


(1) هذه الأحرف الأولى من عبارة هتعدااه0 86106 وتعني بالضبط رتل مينيت. (المترجم). 


3531 


امن المندوب السامي إلى معاون الضابط السياسي . القيادة العامة : لا نوافق 
تحريك الليقفي». 

«معاون الضابط السياسى إلى الضابط السياسي , المندوب السامي القائد العام : 
مضت ثمان وأربعون ساعة على إغارة الترك على (ناوده شت) إن سكوتنا وعدم 
إبداء أية إشارة تعبر عن استنكارنا هذاء أحدث تأثيراً سيئاً في القضاء كله.. ثبت أن 
الترك بقوة (لشكه ر) تبلغ أربعمائة مقاتل على ما قيل» قد دخلوا يوم أمس قرية 
(شاوور) من مضيق (ناوكيوان) وهم يزحفون إلى رانيه» حيث يوجد عندي قوة 
صغيرة من (اللشكه ر) لا يمكن الاعتماد عليهم قط. ضروري جداً أن يسحقوا قبل 
وصولهم رانيه» ستبقى وحدة الليفي في (دربند) لمراقبة الجبهتين. وعليكم في هذه 
الأثناء أن تقصفوا بشدة واستمرار كلاً من (ناوده شت وشاوور) إلى أن تصل 
القوات البرية» إذا أردتم أن تحتفظوا بالقضاء.. سأقطع خط البرق على الأغلب 
قبيل الفجر ولا سبيل إلا أن أترك لكم اتخاذ كل الإجراءات الضرورية دون أنباء أو 
شرح مني». 

وفى ساعة متأخرة من الليل وصلتنى برقية تعلمنى أن القيادة العامة قد أمرت 
بحشد قوة أطلق عليها اسم (رانيكول - رتل رانيه) على أن يتألف من سريتي مشاة 
وفصيل رشاش واحد من كتيبة السيخ الخامسة عشرة. وحظيرة وبطارية واحدة من 
مدفعية (امبالا) الجبلية» ورعيلين من خيالة الليقي. وما بقي من فوج ليقي 
السليمانية الرابع مع المائة بندقية وفصيل الرشاش الأثوري من الفوج نفسه 
الموجود الآن في (ده ربه ند) وطلب مني شراء أرزاق وتجهيزات معينة ولا سيما 
عدد كبير من ذكور العنز وهو اللحم الوحيد المحلل شرعاً للسيخ على ما أظن. 
لكن تحشيد أصغر قوة نظامية وإعدادها للمعركة رأساً وبدون اتخاذ خطوات إنذارية 
سابقة» يتطلب وقتاً ولذلك مرت أيام دون أن يظهر أثر (للرانيكول) وفي (ناوده 
شت) التحم (يهلول آغا) المخلص الكبير السن بالعدو. غير هياب» بعد أن قصفته 


352 


القوة الجوية البريطانية خطأ وكبدته عدة ضحايا من بينها ابئه الثالث الذي أصيب 
بعاهة مستديمة. وقطع عليه خط الرجعة عند (قنديل) ولم ينقذ نفسه إلا بمروقه إلى 
الأراضي الإيرانية بعد لأي ونجدة جاءته من (لشكه ر) صغير يقوده (بابكر آغا) 
وفي 21 آب قامت قوة معادية باحتلال (مه ركه) أهم مركز تجاري محلي وأسرت 
مديرها. وكان قد مر على (اللشكّه ر) الذي جمعته من رجال (البلباس وآكو) في 
رانية زمن طويل بحيث ما عاد بالإمكان الاعتماد عليهم. وخرجت (جندان) عن 
سيطرتنا وفي قلعة دزة كانت سطوة (بابكر آغا) تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال 
حتى ذكور العنز فقد كان ينبغي إبقاؤها بعيدا عن (ده ربه ند) بمسافة نصف ميل 
لأن المراعي القريبة مصوحة تقريباًء وأن يوضع عليها حرس خشية تفرقها. صحيح 
أن القوة الجوية بطائراتها القليلة قامت بأعمال مجيدة فوق بلاد وعرة جداًء لكن 
الوقت غدا متأخراً جداً لإيقاف مد الثورة بعمليات جوية فقط. 


أخيراً طار العقيد (ه) آمر رتل رانيه (رانيكول) لمقابلتي في 17 آب. وقد 
تخلف لديّ انطباع عنه بأنه أوصى أن يكون على حذر من توصيات معاون الضابط 
السياسي المتهورة التي سيطرحها أمامه. على أنه اقتنع بأنه لا يجمل به الانتظار 
حتى يكمل تجميع القوة كلها في (كوي) كما كانت نيته. وفي 29 منه؛ وصل (ده 
ربه ند) مقر الرتل» وسرية من السيخ والبطارية الجبلية ورعيل الخيالة الليقي. وبعد 
ترك سرية من مشاة الليفي ورعيل من فرسانها بقيادة النقيب (ه. ى. ل أور يونيكك 
0-8 .آ.21.5) للدفاع عن رانيه. ووضعت بنايات دائرتي تحت تصرف العقيد 
(ه) وأصبحت بنكلتى مطعماً للضباط وسطحها مناماً لهم؛ وهكذا تنفست 
الصعداء. لقد أوقف (أوزدمير) لأكثر من شهرين بالخداع والحيلة وبأفانين من 
الدبلوماسية القبلية المعقدة. وفي آخر لحظة عندما استنفد كل هذه الحيل 
والوسائل» أقبل الجيش لتصفية الحساب وأصبح كل شيء على ما يرام ورفضت 
القيادة العامة اقتراح تقدم جديد إلى مكامن البشدر وأبلغت (بابكر) بأن دوره من 
الآن. سيكون الاحتفاظ بقلعة (دزه) وبأكبر ما يمكن من مساحة قضائه (لم يشاهد 


2353 


بابكر في مخيمه الصيفي إلا قليلاآً منذ حزيران وكان قد تعود المجيء بنفسه إلى 
(ده ربه ند) كلما بدت الخطط ناضجة للهجوم). وحانت فرصتي بعلة مجيء 
الكيكن افسمححت رسما بحل اكه ر( رانيه. 


قبيل أن ينبلج فجر الحادي والثلاثين بساعة أو نحوها هببنا من رقدتنا على 
دوي رصاصة بندقية تلتها أخرى وأخرى وفيما نحن نسرع بارتداء ثيابنا علمنا أن 
ربيئة تتألف من اثني عشر جندياً من كتيبة السيخ الخامسة عشرة تعرضت إلى 
هجوم وكانت معسكرة فوق أول كتلة صخرية عالية من (تاسوس) إلى الطرف 
الأقصى من النهر. ثم أصبحت النار كثيفة شديدة» ولم يمر طويل زمن حتى تناهت 
انفلاقات القنابل اليدوية على مسافة غير بعيدة من المدافعين ثم حل سكون فجأة 
ثم بدأت تظهر أشكال رجال تتحرك في خط السماء الحالي على نور الفجر 
الباهت: تسعة» ثم عشرة» ثم أحد عشر ثم اثنا عشر ثم ثلاثة عشر ثم أربعة عشر. 
إذن فهذه هي! وبدأ الرصاص يثئز مارقاً من آذاننا وعندما اندفعنا إلى خط البغال 
ظهر لنا أن صنف النقلية قد تكبد أول الضحاياء وكانت بنكلتى معرضة للنار بحيث 
لا يرجى منها نفع» فأخليت. أما بنايات الدائرة فكانت صالحة للسير إلا أنها غير 
كافية لإيواء الخيل والبغال. واستطاع جنديان من السيخ عبور النهر إلينا. ليبلغانا أن 
رفاقهم العشرة قد صرعوا ورغم قصف الطائرات ونار البطاريات الجبلية ظلت النار 
مستمرة من الجرف المقابل طول اليوم. ولم تتيسر أية حماية للجماعة التي أرسلت 
إلى النهر لجلب الماء. وكان العقيد (ه) قد قدر في ساعات النهار الأولى أن 
ضعف قوته لا يسمح له بمحاولة استعادة موقع الربيئة» وأرسل يطلب خروج (أور 
يوينكك) من رانيه لنجدة ده ربه ند. لكنه أصدر أمراً في عصر ذلك اليوم إلى رتله 
بإخلاء (ده ربه ند) عند الغروب والانسحاب إلى رانية ملغياً أمر خروج (اور 
يوينكك) إلا أن هذا الضابط كان قد نفذ الأمر الصباحي وخرج من رانيه فاحتلتها 
القوات المعادية التي أقبلت عن طريق (شاوور). فلذلك توقف في قرية (بوسكين) 
الواقعة إلى الجنوب الشرقي على مسافة ميلين تقريباً من رانية» حيث كان تل أثري 
كبير وماء غزير. بعد أن دخل العدو رانية قرر العقيد (ه) الانسحاب إلى (كوي). 


234 


عند الغروب انقطعت نار العدو وانتظم الرتل استعداداً لإخلاء (ده ربه ند) 
فعجلت إلى مسكني وحزمت فراشاً بقدر حمل بغل وبعض الحاجات الثمينة منها 
يومياتي لسنتين وستة أشهر تقريباً ابتداء من نيسان 1920 مع حسابات رسمية ورزم 
من الأوراق المالية تبلغ عدة آلاف من الروبيات» كذلك قمت باتخاذ تدابير وقائية 
لموظفيّ المدنيين؛ وشرطتي السعاة الذي لا يرتدون بزات رسمية وإنما يضعون 
عصابات كتف مميزة. فأعطوا موضعاً في وسط الرتل خلف حيوانات النقل مباشرة 
وفيما نحن نوشك أن نبدأ السير أقبل جلال أفندي ليبلغني أن ضابطأ بريطانياً شديد 
الحذر مفرط الدقة قد أزاح هؤلاء «الكرد الذين لا خير فيهم» عن المواضع 
المخصصة لهم فعالجت الأمر مع ضابط ركن الرتل وأعدتهم بعد إيضاح 
أشخاصهم لأقرب ضابط وحدة إليهم وجعلت نفسي من حرس المؤخرة إلا أن 
جوادي (سمكو) الذي كان يمد في سيره ويجرني جراً سرعان ما بلغ بي إلى وسط 
الرتل» وتمكنت من الاطمئنان على بقاء جماعتي حيث هم. ثم ما لبث أن قذف 
بي إلى حرس المقدمة» وعندما بلغت رأس الرتل ألويت عنانه لأكون في محل 
قريب من جماعتي المدنيين. وفيما كنت أجتاز بطارية المدفعية والنقليات» إذ بأربع 
أو خمس إطلاقات نارية تصدر من قرية (كوره كو) عن يميننا التي تبعد حوالى 
ميلين عن (ده ربه ند). 

وعندما عبرت الإطلاقات دار كل الرتل أو بالأحرى ذلك الجزء الذي تشاهده 
عيني دورة بزاوية قدرها (225) درجة ثم شكل خط هجوم وتقدم نحو بركة صغيرة 
كبريتية تعرف باسم (كّه ناو أو الماء الكريه) تقع عن يسارنا وما زلت أذكر ما 
حدث كأنه حدث أمس: سيقان رفيعة لكناس هندي ضثيل الجرم يعدو كأرنب 
ممسكاً بالفانوس الذي عهد به إليه. ووجه الغرابة أن يفكر المرء فى هذه 
المناسبات بأشياء سخيفة قد تخرج من فم أحدهم. وربما بسبب ترويض نفسي 
على مبدأ الحذر من تدخل الضباط السياسيين في أي تفاصيل ذات طابع عسكري» 
أذكر أني ناديت ضابط المدفعية قائلاً (بشيء من البرود) : 


255 


- أتريدنى أن أعاونك فى إيقاف هؤلاء الجنود؟ 


فرد علىٌ بالإيجاب. وهنا سنحت (لسمكو) فرصة الحياة لدقيقة أو اثنتين إلا 
أن كل مجهوداتنا لم تثمرء ولن أنسى قط شعور الخيبة والاستيحاش المطلق الذي 
غشيني حين وجدتني واقفا بمفردي في ضوء القمر الفضي. كل قوة (الرانيكول). 
أولئك الجنود الذي وضعت فيهم هذه الثقة العظيمة قد ابتلعتهم أحشاء الليل على 
قدر ماأرى”" وإلى الأبد. بعد دقائق قليلة أقبل آمر الرتل يصحبه النقيب (س. 
فوسديك عك:كوه5 .5) من فرسان الليفي مع اثنين أو ثلاثة من المشاة الهنود 
(السبوى) وكان أحدهما البوقي نأمر بنفخ نداء التجمع والتحق حرس المقدمة 
الليفي» وسرية الشيخ بنظام لا بأس به من جهة اليمين ثم اقتربت جماعة من جهة 
اليسار فلولاً مبعثرة من المدفعية وجنود النقليات والمدنيين» ولم يصدر من قرية 
(كوره كو) نار بعد الرشقة الأولى» وبعد صعوبة أعيد تنظيم الرتل وسرنا نحو 
(بوسكين) حيث وجدنا (أور وينكك) مخندقاً بصورة مريحة. وفي اتجاه (ده ربه 
ند) كان بإمكاننا مشاهدة لهيب ساطع يصعد إلى عنان السماء ولم يكن لدى 
الجنود من الطعام ما يأكلونه خلال اليوم (بالطبع اختفى العنز ورعاته لحظة أن بدأ 
اليوم التالي وهو الأول من أيلول قبل استئناف السير. إن الطهو كان يستغرق وقتاً 
فأمر الرتل بالحركة حوالي العاشرة قبل أن يتناول الجنود طعامهم أو على الأقل 
جنود الليقي الذين اخترت رفقتهم. فسرنا قبل أن تدركنا الطائرات لتغطية انسحابنا 
وفي الوقت الذي أقبل العدو يحوم حولنا مرة أخرى وكان قد تفرق في مختلف 
القرى لقضاء ليلة أمس. وفي هذه المرة رافقت النفيضة التي أخرجها الليفي. وفيما 
(1) علمت فيما بعد أن مطلقي النار كانوا ثمانية من رجال (سه لا نه) دخلوا القرية للمبيت بعد أن 

هجرها سكانها (الرامك) فبوغتوا بسماع وقع أقدام الجنود وبعد شيء من التردد قرروا إطلاق صلية 


من الرصاص واحدة باتجاه الصوت قبل أن يفكروا فيما يعملون» ولم يكونوا لهم فكرة عن التنائج 
التي .تمخض بها عملهم هذا. 


356 


نحن ننظم صفوفنا على بعد مائة ياردة من القرية» وقبل سير الرتل بعشر دقائق 
أصلينا بنار كثيفة من ثلاث جهات. ثلة من شرطة رانيه وبعض الموظفين الكرد 
وأفراد نقليات مختلطة خرجوا على ظهور الخيل من (يوسكين) واقتحموا صفوف 
حرس المقدمة متجهين إلى تل (ده ربه ند) الكبير وجرف المشاة الليي وهم 
يقومون بمحاولة إبقائهم في المقدمة وفشلت كل المجهودات التي بذلت لموقف 
النقليات التي أصبحت الآن خليطاً من الليقي والآثوريين (كان عدد كبير من البغال 
دون سائقين) وكلما كان النقيب (كريفيت 805 6) قائد حرس المقدمة يحاول 
إيقاف المشاة أو يعيد تنظيم صفوفهم إلى حد ما يصطدم بالنقليات التي تهاجم 
تلك الصفوف أو تقف فيما بينهم وفي كل هذا لم أجد حالة خوف فردية واحدة 
بين المحاربين الليفي» وأرسلت كوكبة من فرسانهم إلى الأمام إلى المجنبة اليسرى 
فاختفت وكانت بقيادة كردي مشبوه هرب فيما بعد إلى صفوف الترك0©. 


كنا طوال هذا الوقت معرضي الجتاحين إلى نار مستمرة كثيفة. وتقدمت أعداد 
من العدو وقد شجعها المنظر المضطرب حتى أصبحت على مسافة قصيرة بحيث 
إن السيخ تمكنوا من مهاجمتهم بالحراب فأوقعوا بهم شيئاً من الخسائرء بشكل لا 
يتفق وذوق القبائل مطلقاً. وقد نالوا أوسمة شجاعة استأهلوها حقاً. 


على مسافة زهاء ميلين من رانية يمر أفضل طريق إليها قوق رأس حرف قليل 
الارتفاع وهو آخر نتوء متطامن من الدار الجنوبي الغربي لجبل (شاوور) الذي 
يندفع داخل بتوين شرق (به ستى ئه ستريلان). ولم تُعجب آمر الرتل هذه العقبة 
فأصر على أن يسلك طريقاً أكثر انحرافاً إلى الجنوب عبر الأرض السهلة وهو واثق 
أن في إمكانه العثور على طريق يدور حول حقول الرز التي ترويها أقنية رانية. ولما 
خرج الزتل عن السيطرة اللازمة لتنفيذ أي أمر بالوقوف ريثما يتم استطلاع الطريق» 


(1) هذه العبارة تكاد تكون منقولة نصاً عن تقرير كتبته بعد الحادث مباشرة بناء على طلب من مقر 
القيادة العامة حول سلوك جنود الليفي. 


237 


فقد توجه بقضه وقضيضه إلى حزام من الأرض واسع تغمره المياه فغاص فيه 
ولصق. وظلت نار العدو كثيفة» وفي هذا المكان بالذات فقدنا كل المدافع 
والأثقال بلا استثناء (بضمنها أوراق الخزينة المالية وحمل بغلي الثمين) تلك كانت 
ورطتنا عندما سمعنا أزيز الطائرات العذب. تبعه على الأثر صليات مدفعها الرشاشة 
وهي تقوم بعملها بدقة على ما أعتقد وفي الساعة التي أعطيت لها في اليوم السابق 
قبل وقوع التغيير في المواعيد صباحاًء مما نجم عنه.هذه الكارثة. وبدأ أزيز 
الرصاص يتلاشى من جهة العدو بالتدريج بينما راحت بقية الرتل تخرج من الجهة 
القصوى من حقول الرز وأعيد النظام ثم تحرك الرتل» وبلغ موضعاً يدعى 
(بوريش) دون أن يتعرض له العدو ومن (بوريش) سرت إلى (سه رخوما) بحرس 
قليل وهي قرية (سوار آغا) لأجس نبض البيران. وكانت سيطرته مطلقة على 
قبيلته» حال بعد نظره دون الدخول في المعركة إذ لم يكن يطيب له أن يصير 
لبشدر مطية أو يحرق يده لإخراج كستنائهم من النار! هذا فضلاً عن وجود جنود 
(كوي) القريبة الذين لم يدخلوا المعركة وهي سرية (السيخ) من الفوج الخامس 
عشر ورعيل من خيالة الليفي وصلوا متأخرين فلم يستطيعوا اللحاق بالرانيكول في 
(ده ربه ند) وعلى كل حال فقد خدمنا بعد نظره وكان يقلقني التفكير فيما كان 
سيحدث لو أن البيران استعدوا لمقابلتنا في غرب الحمأة التي خضناها. 

وبعد ارتياحي من المقابلة التي أجريتها عدت إلى (بوريش) محاولاً اختلاس 
ساعتين من النوم قبل أن يحين الأجل المضروب لاستئناف مسيرة الرتل» وعندما 
نزعت خوذة الفلين وجدت ثقبين صغيرين دقيقين من الطرف الأيمن وعلى استقامة 
واحدة بينهما وبين رأسي ربع إنش. وهنا تذكرت أني شعرت بين (بوسكين) 
والمستنقع بهزة خفيفة دفعت خوذتي فوق عيني اليسرى دفعة طفيفة ومن محاسن 
الصدف أني قادر على النوم ليلا وبصرف النظر عن تعب اليوم دون أن أرق. لكني 
استيقظت مرة متوهماً أني أسمع صليات من المدافع الرشاشة (بوب» بوب» بوب) 


فإذا به شخير أسيرنا الأوحد جندي تركي ببزته الرسمية. 


358 


امتطينا خيلنا في منتصف الليل تقريباً» وخير ما أذكر عن هذا السري في ضوء 
القمر الساطع ونحن نتقدم من كوي» سلوك (سمكو) المحبب فقد كان يحاول 
باستمرار وهو يصهل» مقاتلة كل حصان؛ وأن يشب على كل مهرة يصل إليهاء 
ورحنا نتلمس طريقنا منحدرين في ممر ضيق من قمة هيبة سلطان نحو البلدة. وفي 
ظهر اليوم التالي وصلت أوامر تقضي بانسحاب (السيخ) حالاً إلى أربيل» وبعودة 
الليئي إلى كركوك. وبدا الأمر وهو أشبه بالهزيمة السيئة الأثر وزادت من تهديد 
مكانة البريطانيين. رافقت الليفي حتى بلغنا (طقطق) في تلك الليلة وعبرنا نهر 
الزاب خوضاً قبيل الفجر وأقلنا في (رى ده ر) مركز ناحية (شوان) من حر اليوم» 
ثم استأنفنا السير طوال الليلة التالية حتى بلغنا كركوك في صبيحة الرابع من أيلول 
قاطعين المسافة كلها في ضوء القمر النيّر وتخللت تلك المسيرة استراحة أمدها 
ثلاث ساعات. وهنا أعلمنا أن كل البريطانيين والهنود قد نقلوا جواً من السليمانية 
يوم أمس وأن (كولد سمث) وضباطه قد عادوا إلى بغداد. هذه الحادثة أثارت 
اهتمامنا في إنكلترا! أكثر من الدواعي إليها. لأنها حسب اعتقادي أجرأ عملية نقل 
جوي من نوعها حصلت في تأريخ الطيران. وقد تكرمت عليها مجلة أخبار لندن 
المصورة بصحيفتين كبيرتين مزدحمتين بالصور اللطيفة. 


قام «(كولد سمث) قبل مغادرة السليمانية بتسليم كل محتويات الخزينة 
ومسؤولية الإدارة (وبضمنها قيادة وحدات الليقي الباقية في المدينة») إلى المجلس 
البلدي المنتخب الذي كان يشارك معه في الإدارة وفقاً لمواد تصريح المندوب 
السامي في 6 أيار 1» وهؤلاء بدورهم اختاروا من بينهم (قادر) أخ الشيخ 
محمود رئيساً. وكان قد سمح له بالعودة إلى السليمانية قبل بضعة أيام. وقد جيء 
بالشيخ محمود من الهند وأسكن الكويت. والاستنتاج المنطقي لإمارات التهدئة 
إزاء الشيوخ . وعدم مسجىء السيد طه إلى مقابلتي حسب الموعد الذي ضربته له. 
في العاشر من آب هو القرار المتخذ بإعادة الشيخ محمود إلى السليمانية ليخلف 


359 


أخاه بالطبع في رئاسة مجلس إدارة السليمانية وبمقابل هذا يتعهد أن يمنع الترك من 
دخول المدينة وأن يتولى طردهم من .أجزاء كردستان الأخرى وقبل أيضاً الشرط 
الذي فرض عليه وهو ألا يتدخل في شؤون كركوك وأربيل؛ ورسم أن يرافقه 
(نويل) مستشاراً له وممثلاً للمندوب السامي. 


بعد شهر أو ستة أسابيع عن خروجي من (ده ربه ند) عرضت علي في آن 
واحد وظيفتان» الأولى من المندوب السامي وهو منصب مدير لشؤون الضرائب 
في العراق. والثانية عرضها الوزير البريطاني في طهران فقد أرسل جواباً على 
استفسارات السير (برسي كوكس) في نيسان بعد كثير من التأخير. وقد جاء فيها أنه 
مخول بأن يعرض عليّ وكالة القنصلية في شيراز مع وعد بتثبيتي قنصلاً حالما 
تسمح أنظمة الخدمة بذلك. فرفضت كلا العرضين» وأعتقد أن السبب في رفضي 
ثورة اعتملت برأسي وشوق لأرقب عن كثب نهاية الاضطرابات في رانيه على أني 
حاججت نفسي لإقناعها يما يلي بالنسبة إلى العرض. فالضرائب ليس ميدان 
اختصاصي وأن طينتي لم تجبل للعمل في مديرية مركزية. وأما بالنسبة إلى العرض 
الثاني فقد كانت ندرة الترفيعات المزعجة في خدمة قنصليات الشرق تجعلني أنتظر 
إلى ما شاء الله حين يتحقق تثبيتي قنصلاً. وعلى أي حال فإن عملية الانسحاب 
أثارت مرة أخرى موضوع مستقبلي بشكل لا يحتمل التأخير. إن تقسيم الدائرة 
السياسية القديمة قد بت فيه وجرى التوزيع بين دار المندوب السامي ووزارة 
الخارجية وجرى تثبيت ملاكهما ولم تدخل أسماؤنا نحن الذين كما معينين في 
قسم السليمانية» أحد هذين الملاكين. لذلك صرنا بالمصطلح الحديث من صنف 
الموظفين الفائضين عن الحاجة. إن دائرة المندوب السامي صغيرة لا فسحة فيها. 
و(كورنواليس) مستشار وزارة الداخلية الجديد قدم من الخارج ولا يعرف أحداً منا 
وكان من الطبيعي أن يشك فيصل ووزراؤه في الموظفين الذين استخدموا لتطبيق 
المشروع الهادف إلى اقتطاع جزء من ولاية الموصل من مملكته الجديدة كما وأن 


3600 


لبعض زملائنا السابقين مصلحة أكيدة في استبعادنا لثلا تؤثر على فرص ترقيتهم 
إلى درجات أعلى. ولم يؤخذ رأينا عند توزيع الوظائف لسوء الحظ. وأما عن 
مسألتي فمع أني لم أذهب إلى كردستان باختياري فإن رفضي لوظيفة الضرائب لم 
تعزز طلبي وظيفة أخرى في العراق. كما أني لا أتوقع أن ترحب وزارة الخارجية 
البريطانية بأي عرض أقوم بعد مرور فترة قصيرة على رفضي عرضاً لها فيه إغراء 
لشخص مندفع مثلي سبق أن تخلى عن دائرة خدمته الأصلية سبع سنوات. 

ونظراً للغموض الذي اكتنف الموقف. فقد كان المندوب السامي حكيماً بإبقاء 
وضع يده على خدماتنا ردحاً من الزمن. وعلى ذلك أنيطت بنا بعض المهام في 
بغداد وكانت رواتبنا تصرف من عائدات ضرائب السليمانية الشحيحة التي تجبى 
تحت إشراف دار المندوب السامي. وصادف أن ميجر (س. س. مارشال .5.5 
القطعة) مستشار قسم كركوك قد ذهب في إجازة. وكان معاونه الأقدم (لاين) 
مشغولاً جداً في معالجة آثار (رانيكول) في قسمه الخاص (أربيل) فعجز عن 
تصريف شؤون كركوك. لذلك تقرر بعد فترة قصيرة قضيتها في بغداد أن أسافر إلى 
كركوك واحتل المنصب على ألا أكون مسؤولاً عن (أربيل).: وحدث أن (مارشال) 
سقط مريضاً وهو عائد من الإجازة ولم يعد إلى وظيفته. 


وبتثبيتي بوظيفة مستشار قسم في ملاك وزارة الداخلية نبذت جانباً وبشكل بات 
مستقبلاً فى وزارة الخارجية البريطانية. وقدر لى البقاء بعيداً عنها مدة (23) سنة 
أخرى» مما جعلها ثلاثين سنة”" متواصلة. وإني لآسف على ذلك حين أرجع 


(1) للمحافظة على درجتي الخاصة وحقوقي التقاعدية. كانث الحكومة العراقية تدفع يدل المساهمة 
المناسب لخزيئة الحكومة البريطانية» وكنت أدفع في الوقت نفسه ضريبة دخل إنكليزية مبنية على 
تقدير وهمى لراتبى الأصلى على الأساس الذي كان يجب أن أستوقيه لو اشتغلت فى وزارة 
الخارجية فعلاً. وهذا ثمن غال دفعته. كنت أشعر بوطأته كلما اقتربت نهاية الراتب الوهمي 
وارتفعت نسبة الضريبة. لكن إحساسي بوجود خدمة دائمية تتتظرني دفع إليّ شعوراً بالاستقلال ذي 
قيمة معنوية كبيرة لي. 


361 


بفكري إلى الوراء» وإن تم فيما بعد إدماج فروع وزارة الخارجية الخمسة في وقت 
مناسب لاستفادة زميل أو اثنين من زملائي. الحق يقال إن مناصبي الرسمية كانت 
مقصورة على ناحية صغيرة جداً من آسيا لكني كسبت مختلف الخيرات ضمن هذه 
الحدود الضيقة. والتخصص لا يخلو من متعه ومسراته0©. 


(1) تطرق السيد علي كمال صديقنا إلى هذا الموضوع في مذكراته التي يقوم الآن على كتابتها. ومما 
يذكره» وهو يلقي أضواء جديدة على التدخل العسكري التركي» أن السلطات التركية وقع اختيارها 
عليه أيام كان ضابطاً في الفرقة الثانية بجزيرة ابن عمر وعلى ضابط كردي آخر هو صالح زكي بك. 
فقد استدعاهما قائد الفرقة أمير اللواء عاكف بك الالبانى الذي دمر مدينة الحلة وقتل وسبى أهلها 
أثناء الحرب العالمية الأولى ليقوم هذان الضابطان الكرديان بالدور الذي قام به (أوزدمير) فيما بعد 
ويروي السيد علي كمال في مذكراته أيضاً أن هذا القائد وجه الكلام إليهما بقوله: «اخترتكما 
لتمزجا العقل والحكمة بالشجاعة وتذهبا إلى رواندوز فهناك ثورة عامة في عربستان وكردستان وفي 
رواندوز بالذات شخص يدعى نوري باويل قائم بالثورة ضد الإنكليز لطردهم من المدينة. 
وسيساعدكما هناك الضابطان ماجد وقادر عايشة اللذان يشتغلان في جهات كردستان وأريد منكما 
السفر إلى رواندوز لتحريك العشائر وإشغال جناح الجيش الإنكليزي أثناء تقدمنا نحو الموصل 
وبغداد» وطلب منهما إعداد قائمة بالوحدات والعتاد والأرزاق والهدايا لرؤساء العشائر كما 
حذرهما من إعطاء أي وعد لسكان المنطقة بالاستقلال أو بالحكم الذاتي أو ما يجري مجراهما من 
الوعود السياسية ويستتلى على كمال في مذكراته أنه خرج مع زميله بعد المقابلة وبعد المداولة أنبأه 
بعزمه على الهرب من الجيش التركي حال وصوله إلى رواندوز فوافقه زميله. ويتنبأ الكاتب بعد 
ذلك أن القائد التركي ندم فيما يظهر على اختياره ضابطين كرديين وكلف الكاتب بالذهاب بمعية 
أمين العمري. وكلف زميله بالذهاب مع أحمد السنوسي الذي كان الأتراك يحاولون الإفادة من 
نفوذه الديني في الحملة على العراق. ويخبرنا الكاتب أيضاً أنه فر من صفوف الجيش التركي بعدها 
بسنة واحدة. وعين السنة 1922 ضابط شرطة في كوي وهناك علم بمجيء (أوزدمير) وهو عقيد 
متقاعد من ولاية حلب مع معاونه رمزي ويتفق الكاتب مع مؤلف كتابنا بأن القصد من إرسال هذين 
الرجلين فقط إلى العراق ما كان يقصد به إلا إثارة الفتنة أثناء قيام المفاوضات حول مستقبل ولاية 


362 


الباب الثالث 


2363 


- 18 - 


كركوك 


قدمت في الفصل الثاني وضفاً غاماً لطبوغزافية لوه تركوك: هذا وأن الحدؤة 
الإدازية له قد طرأت عليها عدة تغييرات سواء في الفترة التي يستغرقها هذا الكتاب 
أو ما بعدها. ولأجل أن أقدم إحصاء للتكوين القبلي والقومي لسكانهء أرى من 
المناسب جداً أن أرتب جدولاً بالتنظيم الإداري بالشكل النهائي ثم أشير عند 
الضرورة إلى اختلافه عن التقسيمات التي وجدتها سارية في 1922. 


قضاء تائعة ققناء ناحية 
(المركز) (المركز) 
مالا جمجمال. أغجلر 
المركز شوان سه نكاو 
تون كويري (المركز) 
قره حسن كفري قره تبة 
(المركز) قه لاشيروانه 
طاووق قادر كرم بيواز 
طوز خورماتو 


365 


في العام 1922 كانت نواحي جمجمال الثلاث المثبتة أسماؤهاء مرتبطة 
بالسليمانية وقد بحثتها في موضع آخر. ولم يكن هناك قضاء اسمه (طاووق) 
فالناحية التي كان يطلق عليها هذا الاسم ارتبطت بكركوك. أما طوز فكانت تابعة 
لكفري وكانت (قادر كرم) مقسمة إلى ثلاث مناطق قبلية هي (كل) ؤيرأسها شيخ 
من الأسرة الطالبانية» مسؤول أمام كركوك و(زه نككنه) ويديرها آغا من تلك القبيلة 
مسؤول أمام كفري (وجبارى) وهي ضمن جمجمال كما سبق بيانه» كما يوجد 
أيضاً منطقة صغيرة من القرى تعود إلى بعض شيوخ البرزنجة وتدار من ناحية (سه 
نكاو) وكانت (قه لا شيروانه) جزء من مركز كفري. وبيواز تعود إلى (وارماوا) في 


وقد بنيت كركوك على تل كبير مستطيل يرتفع 220 قدماً عما يجاوره وبني 
بعضها تحت التل على ضفتي مجرى واسع مليء بالحصباء وهو مجرى (خاسه 
جاى) ومعظم النصف الغربي من التل خرائب وأنقاض. وأعيان الأسر المسلمة 
تسكن بيوتاً حديثة البناء إلى حد ماء في الأحياء المستجدة من القسم والسهل 
والحي المسيحي الذي يقع في الجانب الشرقي ما زال مأهولاً ومظهره حسن» 
تتخلله عدة منازل واسعة ترتفع جدرانها كأنها أسوار مدينة محصنة من حافة السفح 
الشديد الميل ومن بين كثير من المساجد والتكيات والمزارات وغيرها من الأماكن 
الأثرية في المدينة سأنوه بموقعين فقطء أولهما القبر المعروف بقبر (دانيال) 
وثانيهما البرج الأثري المثمن الذي يعود تاريخه إلى عهد السلاجقة. إن الأسطورة 
التي تروى عن أولهما تتعلق بالطبع بالأتون الناري المتقد وهو النار الأزلية لغاز 
البترول الطبيعي الذي يشتعل في منخفض (بابا كوركور) على بعد ميلين تقريباً من 
شمال غرب المدينة» وبالقرب منه آبار نفط ضحلة حفرت بالأدوات اليدوية 
لاستخراج النفط منها بطريقة بدائية اشتهرت هنا منذ أيام (هيرودوت)”2 وما قبله. 
(1) كنااههم»81 (حوالى 484 - 425 ق.م.) مؤرخ يوناني يلقب أحياناً «بأبي التاريخ» جمع خلال رحلاته 

في العالم المعروف كثيراً من المعلومات الجغرافية والتاريخية والأركيولوجية. يعتبر كتابه من أهم 

المراجع التاريخية. (المترجم). 


366 


أما ثاني الموقعين فيبدو من الكتابة التي نقشت عليه» أنه أقيم تخليداً لذكرى 
سيدة نبيلة اسمها (بغداي خانم) إلا أن له الآن قيمة خاصة أخرى عند أصحاب 
المساكن المجاورة. فسطحه المستوي يؤمن لهم موضعاً مناسباً لإلصاق أقراص 
(الجَلة) على جدرانه لتجفيفها واستعمالها وقوداً. دخلت كركوك في الأملاك 
العثمانية دخولاً رسمياً ثابتاً وفق معاهدات الحدود الأولى ولا سيما معاهدة 1555» 
إلا أن الإيرانيين احتلوها مؤقتاً مرتين على أقل تقدير أثناء الحروب التي حصلت 
في القرنين التاليين للمعاهدة. في المناسبة الأولى ضبطها ما بين 1623 و1630 الشاه 
عباس وفي المناسبة الثانية استولى عليها نادر شاه ما بين 1743 و1746» ويبلغ عدد 
سكان المدينة زمن كتابة هذه السطور (25) ألفاً تقريبً”'' ربعهم كرد ومعظمهم من 
التركمان والعرب والنصارى واليهود. في القرن الثامن عشر كانت مركز إقليم 
(أيالة) عثماني يدعى (أيالة شهرزور) تدخل فيها ألوية كركوك وأربيل والسليمانية 
(اسميا) ويحكم تلك الأيالة (متسلم) يعينه والي بغداد. وفي إصلاحات (مدحت 
باشا والي بغداد 1869 - 1872) أطلق اسم شهرزور على سنجق كركوك (الذي 
يطابق الحدود لواءي كركوك وأربيل الحالية مجتمعاً) في حين بقيت (شهرزور) 
التأريخية خارجة» وارتبطت بسنجق السليمانية المستحدث. وتم تأليف ولاية 
الموصل في العام 01879 وبقيت كركوك بلدة هامة من الناحية العسكرية ووضعت 
فيها حامية دائمة» كما أنها كانت موطنا مهما يمد الحكومة العثمانية بالموظفين 


(1) كان هذا قبل أن تبدأ شركة النفط العراقية في تنقيباتها عن النفط طبعاً. إن رقم ما قبل الحرب قد 
يكون أكثر بقليل لكنه لا يبلغ على أية حال ال(70,000) الذي ذكره (سايكس) ولقد غدت كركوك 
منذ ذلك الحين مركز نشاط شركة النفط العراقية. على أن إحصاء 1947 يشير إلى أن عدد سكانها لا 
يزيد عن (69) ألفاً. إن الذين كتبوا تقرير عصبة الأمم حول مسألة النزاع على الحدود بين تركيا 
والعراق (نظر الحاشية فى الفصل السادس والعشرين) كانوا يشكون في صحة التمبيز الذي حاولت 
الحكومة البريطانية وضعه بين تعبيري #ترك» واتركمان» وقد استعملت في كتابي كلمة (تركمان) 
لأهل القرى أو المدن الذين هم من سواد المجتمع وعلى المتكلمين باللغة التركية عموماً. 
.واستخدمت كلمة (ترك) للموظفين العثمانيين والضباط وأفراد الأسر الأرستقراطية. 


367 


المدنيين والدرك (الجندرمة) موضع الاعتماد» وإلى هذا تعود أسباب التشكيل 
العنصري واللغوي للسكان. 

إن الأسر الأرستقراطية البارزة؛ هي إما تركية وإما تعتبر نفسها تركية حتى وإن 
كانت كردية الأصل. وأهم تلك الأسر آل (نفطجى زاده) الذين يملكون ويستغلون 
لأنفسهم ينابيع النفط القديمة كما يدل اسمهم؛ وآل (يعقوب زاده) وهم ملاك 
أراضي قيل إن أصلهم من (زنكنة) الكرد وآل (قيدار) وهم ملاك أراض وتجار. 
وفضلاً عن هؤلاء يوجد عدد من العسكريين والموظفين المدنيين بلغوا أسمى 
المراتب في خدمة الدولة العثمانية وإن لم يكونوا من الأسر العريقة» وعادوا إلى 
مسقط رأسهم بعد تقطيع أوصال الإمبراطورية» وأبرز شخصية كردية في المدينة 
هو (سيد أحمد خانقاه) من أسرة (البرزنجة) إلا أنه نقشبندي الطريقة خلافاً 
للأغلبية» وبيته الذي هو في تكيته الغنية بأوقافها - مفتوح دائماً للناس ومن 
البديهي أن يمارس سلطاناً عظيماً على أتباعه الفلاحين الكرد الذين يؤلفون أوسع 
مجتمع قومي في اللواء ككل. 

كانت كركوك في أيام الإمبراطورية الساسانية مركزاً مشهوراً من مراكز 
النساطرة» وكرسياً لرئيس أساقفة (بيت كرمى - باجرمى). هذه الطائفة القديمة 
يمثلها اليوم زهاء مائة وخمسين أسرة كلدانية” يسكن معظمها كما أسلفت في 
الأحياء القديمة من التل. ويدير أمورها الدينية مطران يدعى (اسطيفان جبري) بقي 
ختمه الكنسي يحمل الاسم القديم» ويتزعم الطائفة ثلاثة من أغنياء تجارهم 
وملاكهم وهم (ميناس غريب» وقسطنطين» وتوما هندي) ولهم مقام محترم في 
مجتمع المدينة» وأولهم عضو في مجلس الإدارة المنتخب» وهو مجلس كان في 
عهد الترك ذا صلاحيات واسعة:ء إلا أنه راح يفقد استقلاله تحت ظل الإدارة 
العراقية الأكثر مركزية» وقد فخرت هذه الطائفة إلى ما قبل الحرب العامة بأقدم 


(1) إن الكنيسة الكلدانية الجامعة تتألف من النساطرة السابقين الذين دخلوا الكثلكة وخضعوا لسلطان 


365 


بيعة للنصارى في العالم هي (بيعة الشهداء) التي بنيت في القرن الخامس الميلادي 
تخليداً لذكرى شهداء اضطهاد الملك الساساني (يزد كرد الثاني: 438 - 457م). 
لقد استخدمها الأتراك أثناء الحرب مخزئاً للعتاد والذخيرة ونسفوها بما فيها 
وخربوها تخريباً تاماً عند انسحابهم في العام 1918. 


كانت الطائفة اليهودية أفقر وأدنى منزلة من طائفة النصارى» فقوامها صغار 
التجار والبدالون. ويقوم على رأسها (حاخام) وتاجر اسمه (أسحق أفرايم) الذي 
عين فيما بعد عضواً في مجلس النواب عن الاقلية اليهودية للموصل فترة من 
الزمن. وأذكر (عزيز أفندي) مدير خزينة اللواء اموه قدير عفٌ جداً ومن 


اليهود المحليين. 


إن القرى والبلدان التي يتكلم أهلها اللغة التركية» الواقعة على خط الطريق 
السلطانية العظيمة قد ورد ذكرها عدة مرات في الفصول السالفة» وجاء في دائرة 
المعارف الإسلامية تحت (مادة كركوك) أن هؤلاء الترك ربما كانوا موجودين فيها 
قبل الفتح العثماني. ولكن لا يمكن أن نؤكد رد أصولهم إلى الحاميات التركية التي 
كان خلفاء القرن التاسع الميلادي وقد وضعوها هناكء أو إلى حركة (الهجرة 
التركمانية) أيام سلاطين السلاجقة (1037 - 1117) وسلاجقة العراق وكردستان 
(1117 - 1194)» وأتابكة آل بكتكين في أربيل (1144 - 1232) إن كاتب المقال في 
دائرة المعارف تلك لا يذكر عن أصلهم شيئاًء ونحن نجد أن المذهب السني هو 
الشائع في بعض مستعمراتهم (ونخص) بالذكر مدينتي كركوك وكفري اللتين كانتا 
مركزين هامين للإدارة العثمانية» وبلدة آلتون كويري التي هي أقرب إلى (أربيل). 
على أن معظم سكان المناطق الأخرى يدينون بمذهب شيعي ويتكتمون جداً في 
معتقداتهم ويطلق عليهم محلياً اسم (القزلباش) ومجتمعاتهم الأساسية توجد في 
(تازة خورماتو» وطاووق» وطوز خورماتو وقره تبه) وكلها تقع على الطريق 
السلطانية. كذلك القرية الكبيرة (تسين) قرب كركوك وقرية (بى شير) قرب (تازه) 
و(ليلان) في قره حسن. إن المؤرخين العراقيين الذين ناقشت معهم مشكلة مجيء 


309 


هؤلاء التركمان كانوا على اختلاف في الرأي وهم يتأرجحون بين فروض خمسة 
هي : 

[ - جاء بهم السلاجقة العظام من الأناضول. 2 - هم أحفاد أسرى الحرب 
الترك المائة ألف الذين وقعوا في يد (تيمورلنك)» فأعتق رقابهم من السيف بتدخل 
خواجه (علي) شيخ أردبيل الذي مر بنا الكلام عنه بوصفه المنشئ الأول للطريقة 
الصفوية ذات الميول الشيعية الأولى (ولذلك يكون تاريخ استقرارهم في 1392 - 
2. 3 - نقلهم من الأناضول كل من السلطان سليم الأول «ياووز»؛» سليمان 
الأول القانوني (1512 - 1566) ليقوموا على حماية الطريقة السلطانية. 4 - هم 
أحفاد الأذربيجانيين من (مراغه) الذين كان الشاه إسماعيل الصفوي (1502 - 
4) قد حشدهم بمثابة حاميات عسكرية أثناء فترة احتلاله العراق. 5 - يمكن أن 
ترد أصولهم إلى الحاميات الأذربيجانية التي أنشأها (نادر شاه - 1730 - 1747). 
واسم (قزلباش - الرأس الأحمر) كان يطلق على القبائل التسع الأذربيجانية (بسبب 
لون عمائمهم) التي ألفت النخبة الممتازة لجيش النساء إسماعيل وهو الجيش الذي 
وضعه على عرش إيران. ثم أطلق الاسم فيما بعد على طوائف الزنادقة في آسيا 
الصغرى. ويبدو أن معظمهم من أتباع الطريقة الصفوية المعروفة بالبكتاشية”" إن 
إطلاق اسم قزلباش على الإيرانيين عموما كما ورد في وثيقة المصادقة على معاهدة 
زه هاو إنما كان إهانة سوقية متعمدة لاقترابها اللفظي من كلمة (أوباش: أوغاد أو 
سوقه). هنالك أدبيات كثيرة حول البكتاشية سواء في اللغات الأوروبية”” أو في 
اللغة التركية دونها أتباعها السابقون بعد إصلاحات (مصطفى كمال) ولست أجد 
حاجة في حديثي هذا إلى الكلام حول أكثر من ثلاث نقاط تتعلق بتاريخهم: 
(1) النصرانية والإسلام في عهد السلاطين» بقلم ف. و. هاسلوك عاءدالكة1ة .27:18 طبع أكسفورد 

9.؛ الفصل 12. 


(2) تاوباش ومعناها الحرفي أولئك الذين يرشون الأرض بالماء. (المترجم). 
(3) نظر بصورة خاصة (طريقة الدراويش البكتاشية) [ج. ك. بورج عهتنا8 .213.16 ط. لندن 1937. 


200 


(الأولى) أن منشئ الطريقة هو (حاجى بكتاش والي)”'' وهو ولي وبير من 
(خراسان) استقر في (كرمشهر) بالأناضول في الثاني من القرن الثاني عشر. وقوي 
نفوذه بالأسلوب المعهود. إلا أن تنظيم الطريقة يعزى إلى (بالم سلطان) الذي 
عاش في مفتتح القرن السادس عشر. (الثانية): إن الهيئة العسكرية المعروفة 
بيني جري - الانكشارية)© وهي العمود الفقري لجهاز السلطان الحربي طوال 
أربعة قرون» يتألف بالأصل من صبيان ينزل عنهم قسراً رعايا الإمبراطورية 
المسيحيون ويجبرون على اعتناق الإسلام. هذه المنظمة العسكرية أنشأها (أورخان 
6 - 1359) ثاني سلاطين آل عثمان وكانت من أولها تقترن اقتراناً وثيقاً بالطريقة 
البكتاشية» وقد جعلوا (حاجي بكتاش) شفيعاً وولياً لهم وظلوا طوال تاريخهم 
حتى القضاء عليهم في العام 1826 يتخذون (بابات) البكتاشية كهنة دائمين في 
معسكراتهم ويبدو من كل هذا أن البكتاشية رغم زندقتهم ومبالغتهم في تقديس 
الأئمة الاثني عشر - يعتبر حزباً سياسياً عظيماً يقف على الخط السني أكثر منه على 
الخط الشيعي. (الثالثة): في تاريخ غير معلوم نشأت زندقة شاذة متطرفة للغاية هي 
الزندقة المعروفة باسم «هروفى - حروفي» بشر بها فضل الله وهو إيراني من 


(1) صوفي مسلم من أئمة الصوفية نبغ في القرن الرابع عشرء تمتاز طريقته برفض الشعائر الإسلامية 
لأنها ترى فيها قيوداً لا تربط العارفين وهي تدين بالنظريات الحلولية كانت بالاصل طبقة من 
الدراويش أوجدها الحاج بكتاش سنة 1957 عندما استدعاها السلطان مراد الأول للدعاء لجنودة 
فسماهم (يني جرى - انكشارى) أي الجنود الجدد. (المترجم). 

(2) الانكشارية: وهي الطبقة العسكرية العثمانية أو الطبقة المحترفة تألفت منذ القرن الرابع عشر حتى 
القرن السادس عشر من أولاد المسيحبين الذين كانوا يؤخذون قسراً أو يشترون من آبائهم أو من 
يؤسرون في القتال ويدربون وفق أنظمة عسكرية وصوفية ويتشربون حياة الخشونة ليعدوا الككنات 
بيوتهم الخاصة. وبقوا عدة قرون وهم زهرة الجيش العثماني. ولم يكن يدفع لهم أجور إلا وقت 
الحرب ولذلك سمح لهم بتعاطي التجارة والعمل بسلك الشرطة وكثيراً ما كانوا يعمدون إلى 
الثورة. وكانت نهايتهم في آخر ثورة لهم باستنبول في العام 1826 حيث تم القضاء عليهم ذبحا. 
(المترجم). 


3/1 


استراباد أعلن ألوهيته في السنة 1398 فقتله تيمورلنك. هذه الزندقة أو ريما أتباعهاء 
وجدوا حماية ورعاية تحت عباءة الطريقة يقة اليكتاشية الواسعة الانتشار. 


وجدت (قزلباشية) منطقة كركوك أكتم للأسرار وأحفظ لها من الكاكائية بكثيرء 
إلا أن تعقيباتي وتحرياتي أظهرت أنهم ينقسمون إلى طائفتين هما (درويشان 
وصوفيان) والطائفة الاولى تسكن في (طاووق وطوز وليلان) والطائفة الثانية تسكن 
في (تازه خورماتوء وبى شير وتسين) ولم أتحقق من قره تيه ولعل أهلها من 
(الدرويشان) وبعد أن استنتجت اساعذ ت شخصياً بأن طائفة (الصوفيان) لا بد وأن تكون 
ممثلة للتطور الأخير ليق الصفوية أو بعبارة أخرى أصل القزلباش» راح اثنان 
ممن يعتمد عليهم يؤكدان لي تأكيداً قاطعاً بأن ما استنتجته هو الحقيقة بعينها ولا 
سيما وأن افتراضي يتفق مع التاريخين الثاني والرايع لمجيء التركمان كما أسلفت. 
ولعل الدرويشان يمثلون مجموعة قزلباشية أناضولية أخرى أقرب إلى البكتاشية 
الأصلاء كما قام على تنظيمها (بالم سلطان). وهذا قد يتفق مع التاريخ الثالث من 
التواريخ المفترضة لمجيئهم. وبالطبع فإن أسبق الترك إلى السكنى قد تمت هدايتهم 
إلى الطريقة على يد الدعاة البكتاشيين وهم في مواطنهم الأولى لكن توجد أسباب 
قوية في إثبات تاريخ استقرار العناصر المتزندقة من الأهالي التركمان في وقت 
متأخر كثيراً عما جاء في دائرة المعارف الإسلامية. ومهما كان تاريخ هؤلاء 
البكتاشية - القزلباشية» فهم في الوقت الحالي وخلافاً للكاكائية لا يعتبرون من 
الجعفرية وكان مجتهدو كربلاء والنجف لا ينقطعون عن إرسال الوفود إليهم 
لتصحيح أخطائهم ولتلقينهم مبادئ العقائد الجعفرية بشكلها الصحيح. وكانت تلك 
المحاولات تلاقي سخطاً كبيراً لدى أعيان الترك السنية في كركوك. فضلاً عن 
حنق أتباع الطريقة أنفسهم وقد اضطررت أكثر من مرة أثناء وجودي في المدينة إلى 
أن أعيد هؤلاء المبعوثين من حيث جاؤزوا لأسباب تتعلق بالأمن وعلى أي حال 
فقد أصاب هؤلاء الرسل بعض النجاح. ووجه الغرابة في ذلك أنهم أفلحوا مع 


312 


الدرويشان أكثر من الصوفيان» وربما كانت الأسرة الطالبانية في اللواء أهم الأسر 
ككل وقد سبقت إلى التنويه بذكر فرد شهير من أفرادها هو (شيخ رضا) ناظم تلك 
القصيدة التي أشادت بأمجاد البابانيين (أثبتناها في الفصل الخامس) وهي كردية 
وتقوم مثلاً نموذجياً لبيت ارتفع عماده وعلا شأنه في زمن متأخر جداً وأصاب 
الثراء والنفوذ الدنيوي عن طريق النفوذ الديني لرأس الأسرة: الشيخ الدرويش. 
وقد سجل الشيخ رضا مناسبة نشوء الأسرة المشيخية بالأبيات التالية: 

خودا وه ختى كه حهز كابهندهيكى خوى بكاخوشنوود 

له زيكنهى دوره وه بوى دى به بى خوى شاهيدى مه قصود 

لههندستانهوهشهش مانكهرى تا خاكى كوردستان 

خودا شيخ احمدى هندى ره وان كردبومهلامحمود 

ملا محمودى زه تكله 
الترجمة : 

كذا شاءت إرادة الله أن ينعم على أحد عبيده بالسعادة 

وبأمنيةقلبهالبعيدةمن حي ثلايدري 

فرحلةستةأشهرمنهندستانإلى أرض كوردستان 

بعثالله (أشيخ أحمدي هندي) إلى ملا محمود. 

ملا محمود زنكته 
ويمضي الشاعر ليصف كيف أن أركان ضريح ”ملا محمود» تردد بلا انقطاع 

صدى ذكر الدراويش «يا هو ويا معبود يا هو؛ وكيف أن جبة المشيخية التي 
أعطاها (الشيخ أحمد) ظلت تنتقل من الأب إلى الابن حتى وصلت إلى أخيه 
(شيخ علي) ويختتم قصيدته معتذراً لحقارة شأنه» وعدم لياقته أن يكون فرداً من 
هذه الأسرة التقية الورعة بقوله : 

(ره زااش له و ته سله يه بى به خشه ياره ب جونكه قهت نابى 

كولى بى خارو يه حرى بى بوخارو ثاكّرى بى دوود 


313 


الترجمة : 
و(رضنا) امنا عن تيدليى الافتسيعيف عغراتك باوث 
إذليس هناك زهر بلا شوكء ولا بحر بلا أبخرة» ولا نار بلا دخان 
والشجرة المقابلة تظهر نسب أعضاء الأسرة البارزين التي وردت أسماؤهم في 


هذا الكتاب. 
ملا بحفون ت_- ( الدرويش الاكبر لمير اسماعيل) 
أحيد 
عبد الكريم غفور عبن الرحين محمد عارفا عؤْيسز 
عيد الله ظ . 
ا تادر را على 
سيار 


1١1 1 1 1 |‏ ]ا 
قادر هدرزالدين نض حسيب حبيب سندطى 


| 


فائق 


وإذا خصصنا لكل جيل من نسل محمود ثلاثين سنة» فقد يمكن القول إنه 
عاش في أواخر القرن الثامن عشر واقترن بابنة أو حفيدة (مير إسماعيل) الذي كان 
زعيماً بارزاً لقبيلته الزنكنة يسكن (قه يتوول) وانتقل ابنهما (شيخ أحمد) إلى قرية 
طالبان ومنها أخذت الأسرة اسمها وتقع وراء نهر (باسه ره) في إقليم جمجمال. 
وانسل الشيخ أحمد تسعة أيناء خلفوا هم بدورهم ذرية من الذكور كثر نسلهم 
بحيث صار الجيل الثاني يعد بالعشرينات وفي الجيل الثالث عدوا بالمئات. ومن 


314 


أولاد أحمدء (غفور) الذي كان عميد فرع (كوي)» و(محمد عارف) الذي 
استوطن زه هاو اشتهر بصلاحه وعمله الكرامات وتقول إحدى الحكايات إن 
تدخله المعجزة في إحدى المعارك ضد الإيرانيين على حدود (زه هاو) كان فعالاً 
وحاسماً بحيث قلب الهزيمة التركية إلى نصر مؤزرء حتى أن الباشا الممتن كافأه 
على كرامته بعدد من القرى في مقاطعة (بن قدره) شمال خانقين. ومن الجيل 
الثالث المنحدر من ملا محمود كان (شيخ حميد) بلا شك من أدهى البشر وأمكر 
الماكرين وهو ابن أحمد ابن عزيز الذي كان أول من ملك أرضاً في الجبال» وفي 
زمن الاحتلال البريطاني 1918» عدّ أهم شخصية في اللواء» فهو عدو للترك 
لدودء ولذلك أوقف كل جهوهه لنا واعترافاً بخدماته هذه قد كوفئ بإطلاق يده 
حرة في إدارة مجموعة القرى الطالبانية في (كل) دون تدخل مدير الناحية أو 
الشرطة» وبأن يستغل لحسابه الخاص آبار النفط الصغيرة في المنطقة لقاء رسوم 
اسمية» وقد توفي هذا العجوز في 1921 ولم يقع نظري عليه. وخلفه في التكية 
وفى امتيازاته هذه أحد أبنائه الأصاغر المدعو (طالب). وكل أولاد (حميد» ذوو 
إضامة راف يدانه وعم امتدكاء للادارة عموماً وإن كانوا يميلون إلى المتاجرة بما 
جمعه لهم أبوهم من رأسمال عطف السلطات الرسمية عليهم. ويوجد للأسرة 
فروع في كل من ناحيتي (قره حسن) و(طاووق). 


إن قبيلة (الزنكنة) الأصيلة» ورد ذكرها فى (الشرفنامة 1596) التى لا تذكر 
عنهم أكثر من قولها إن أفراد أسرتهم الحاكمة تولوا مناصب رفيعة عند الشاه 
إسماعيل (1502 - 1524) ولما لم يبق لديهم زعيم ذو شأن تفرقوا ليخدموا مختلف 
أمراء الشيعة. على أننا نجدهم في عهد الحكم (القاجاري)”" مستقرين كقبيلة كبيرة 
متلاحمة الأواصر في (ماهى ده شت) وغيرها من مناطق كرمنشاه بزعامة أسرة 
حاكمة ذات نفوذ تدّعي أنها نسل من يدعى (شيخ علي) الذي بلغ منصب وزير 
(1) أسرة مالكة إيرانية حكمت إيران منذ 1794 حتى 1925. كان عميدها آغا محمد شاه وآخر من حكم 

منها أحمد ميرزا الذي خلع. (المترجم). 


23215 


لأحد ملوك الصفويين (قبل السنة 1736 إذن). وزنككنة العراق وهم سنّة ما زالوا 
يعيشون فيما يزعمونه مسقط رأسهم الأصلي وهو عالية نهر (اوه سبى) (فضلاً عن 
مجموعة قرى بالقرب من كفري إلى الجنوب الشرقي). وهم يؤكدون أن (الشيخ 
علي) هاجر من هذا الموقع لينضوي في خدمة الشاه الإيراني» ولهجتهم ليست 
(كوردى) وإنما لهجة تتألف من مجموعة لهجات (ماجو ماجو) أعني (كوران). إن 
أفراد الأسرة الحاكمة الحالية في العراق يحملون لقب (آغا) وهم من ذرية (إبراهيم 
خانجي): (انظر الشجرة) ويحلو لهم كثيراً ذكر المير إسماعيل الكبير بوصفه الجد 
الأعلى لهم. لكن لقب (الآغا) اللاحق بهم يؤيد زعم منتقصيهم والمقللين من 
شأنهم بأن (إبراهيم خانجي) هو في الواقع محدث نعمة» عينه البابانيون لحماية 
قرية هامة وخان للمسافرين (كاروان سه را) يقعان على الطريق العام بين (كفري) 
و(قه لاجوالان) والسليمانية. وما زالت القرية تسمى باسمه. وفي 1922 نصب 
(حمه كريم آغا) الذي استقر في إبراهيم خانجى مديراً مسؤولاً عن الأمن والنظام 
في مجموعة من القرى تبلغ (35) قرية منها حوالى عشرين في أيدي سراكيل 
(الزنكنه) ولم يكن له ولا لأعوانه أي سلطان على أراضي الطالبانية وغيرها من 
الأراضي المجاورة حيث كان أغلبية الفلاحين من قبيلة (الزنكنة) في الواقع. 


ويكاد العداء يكون مستحكماً بين طالبنية كل وطاووق وبين جيرانهم وقبيلتي 
الجبارى والكاكائية والداووده هؤلاء الذين غدوا هدفاً لما لا يحصى من قصائد 
الشيخ رضا البديعة التي تكاد لا تخلو من فحش وإقذاع. وكنت قد أتيت إلى ذكر 
الجبارى والكاكائي أما الداووده فهم نموذج القبيلة الكردستانية الجنوبية 
المستوطنة» ليس لها تاريخ خاص أمكنني تعقيبه وأسرتها الحاكمة تزعم أنها 
انحدرت من (حقى بككك) وفي عهد الجيل الخامس له كانت أراضي ناحيتي 
طاووق وطوز خورماتو تعج بهم إذ كانوا يحتلون ويملكون عدة قرى كبيرة. 
والشجرة التالية تبين درجة قرابة زعمائها الثلاثة الكبار المتصلين بالإدارة في 1922. 
وكان أثراهم (دارا بك) يملك مع أقربائه الأدنين بضع عشرة قرية كبيرة في ناحية 


316 


طاووق. وهو شخص. دؤوب هادئ منحاز دائماً إلى جانب السلطة. وكان (رفعت 
بك) مع أقربائه وقسم من القبيلة يستغلون مزرعة أميرية واسعة باسم (البو صباح) 


ايراهيم خاتجى 
سر حصيدر 
أ السككداا 
سفسوك 
روسحم عرز 
ا 
كريم على لامر غقارس 
ِ | | ٍ 
خصية سن 3 3 
يان فور عيد الكريم 


جوار ناحية (طوز) والمشهور عنه أنه شخص لا يستقر على حال مستعد للانحياز 
إلى أية حركة تخريبية قد تلوح في أفق الجو السياسي أما (عزيزي عباس) وهو 
أكبر الثلاثة سنا فالمأثور عنه العداء للسلطة وظاهر سلوكه الابتعاد عن الاحتكاك 
بموظفي الدولة ما استطاع وقد سهل عليه تحاشيهم لأن مجموعة قراه تقع في (ده 
شتى بانكى) وهو سهل صغير المساحة على ضفتي (أوه سبى) ولا يبتعد في الواقع 
عن طوز خورماتو كثيراً لكنه منفصل عنها وعن الطريق العام بأول سلسلة جبال 
منخفضة فيتعذر الوصول إليها بالسيارة. والآن بعد فراغنا من وصف أهم القبائل 
والأقليات الدينية أعتقد أنه يجمل بي إكمال الصورة الخلفية بشرح مختلف 
الوحدات الإدارية كل بدورها متناولاً كل مهم من الوقائع أو مما هو ذو علاقة 
بالحديث الذي سيتلو. 


3717 


وبخصوص مركز الناحية (24500 نسمة) هناك القليل مما يكن إضافته إلى ما 
سبق الكلام عن المدينة نفسها وعن قريتي (طوز خورماتو وتسين) هذا وأن القرى 
البضع عشرة الواقعة إلى الشمال الشرقي من الخط المستقيم المار ب(آلتون كوبري) 
وكركوك كلها قرى كردية. وأما القرى التي تفوقها عدداً في الجنوب الغربي فهي 
خليط عظيم وفي معظمها تتعايش القوميات الثلاث» وهناك بضع مستعمرات عربية 
خالصة على حافة سهوب الحويجة وهي موطن قبيلة «العبيد» العربية المشهورة 
بتربية الجمال ومعظم القرى ملك لأسر أرستقراطية من سكان المدن لا ميزة قبلية 
لها. وقد عين على سبيل التجربة ولفترة مؤقتة مدير ناحية اتخذ مقره في واحة 
(الحويجة) الصغيرة للإشراف على إدارة (العبيد) وغيرها من العشائر العربية 
الساكنة قرب جبل حمرين إلا أن هذا التنظيم لم يدم كثيراً. 


318 


عن 


وتقع (مالا - 15000 نفس) على امتداد الضفة اليسرى من الزاب في نقطة تبعد 


آلتون كوبري بحوالى اثني عشر ميلاً إلى الجنوب الغربي حتى مصبه في دجلة. 


وبذلك يكون طول الناحية زهاء 45 ميلاً والحدود الداخلية خط غير ثابت وهي لا 
تبعد كثيراً عن النهر وتفصل المستعمرات البدوية ومضارب عدد من العشائر العربية 
الصغيرة ومستعمرتين صغيرتين للججن عن بطاح الحويجة”'" (هؤلاء الججن) 
هاجروا في منتصف القرن التاسع عشر من القفقاس عندما ضم الروس*© بلادهم 
ومعظم العرب هنا من (الجبور) وهي عشيرة برمائية تقريباً ألفت سكنى الضفاف 
الدنيا للزابين وضفاف دجلة المجاور”” لها. والجبور قاطبة سباحون ماهرون لكنهم 


40 


(2 


شعب يسكن اليوم فيما يدعى بجمهورية ججن اينكوش السوفياتية وتقع في شمال سلسلة جبال 
القفقاس وهم مسلمون وأحد شعوب جبال القفقاس المتعددة. والمؤلف يشير هنا إلى إخضاع 
روسيا القيصرية لهم في 1859 وهجرة قسم كبير منهم إلى الجنوب. (المترجم). 

في العام 1922 كانت الحدود النهرية أقرب إلى آلتون كوبرى بسبعة أميال لكن بعد ثلاث أو أربع 
سنوات نقلت مجموعة متراصة من حوالى 25 قرية نصفها كردي ونصفها عربي (البو حمدان) إلى 
ملاك إدارة آلتون كوبرى ونقل مركز الإدارة (مالا) إلى قرية (تل علي) الأكثر توسطاً لوقوعها في 
الطرف الشمالي الشرقي إلا أن الاسم القديم بقي للناحية ومنذ العام 1940 وما بعدها أنشأت مديرية 
الري العام نظام الأقنية المعروف (مشروع الحويجة) وكان كله يدخل في ناحية (مالا) مما أوجب 
تحديداً أدق وأكثر ثباتاً للحدود الداخلية ولما بُدء بتوزيع الأراضي التي يرويها المشروع أعطيت 
حسب رواية الشيخ شاهر رئيس عشيرة «جبور زمار» شمال الموصل أن هذه القبيلة تنقسم إلى 
بطون أصلية خمسة: 1 - الجلوس وتسكن على ضفاف دجلة شمال الموصل ومعظم هؤلاء 
يحتلون الضفة اليمنى وناحيتي زمار والحميدات مع قليل على الضفة اليسرى في قضاء دهوك. 2 - 
البو طعمة وهم أساساً فخذ من «الجاموس» انتقلوا إلى جنوب بغداد وسكنوا عند الأقنية والترع 
هناك. 3 - البو نجاد وتسكن على ضفتي القسمين السفليين من الزابين وعلى ضفتي دجلة في الجزء 
تسكن قرب خائقين وهم هناك يعرفون باسم جمور وقد تمازجوا وتزاوجوا مع قبيلة (باجلان) 
الكردية وأصبح مظهرهم الخارجي لا يميرهم عن الكرد. وبطبيعة الحال أن كل بطن من هذه 
البطون يتفرع إلى أفخاذ صغيرة فمثلاً ينقسم البو نجاد في كركوك إلى «ابو جبرء الصقرء البو 
جحش »2 وما إلى ذلك. 


3219 


لا يرون معرة في شد القرب المنفوخة على أجسامهم في مواسم الفيضان لقطع 
النهرين بالطريقة التي تراها مصورة في المنحوتات الأشورية بالضبط. واشتهروا بما 
لا يحسدون عليه وهو أن كل مجتمعاتهم مصابة على ما يقال بمرض خبيث هو 
(البجل) الذي يعتبر من فصيلة أمراض السفلس ولا منجى لهم منه رجالاً وأطفالاً 
ونساءً وعدواه تتم بالطريق المألوفة ويصيب ضحاياه عادة وهم في الحداثة الباكرة 
أكثر مما يعديهم'" بعد البلوغ. وتقع ناحية (آلتون كوبري - 15000 نفسه) على 
الضفة اليسرى من الزاب وعلى جاتبي الطريق العام من كركوك إلى أربيل. إن 
القسم الأصلي من البلدة التي أخذت الناحية اسمها منها تقوم على جزيرة في وسط 
النهر ويعني الاسم «جسر الذهب» وهو على ما يقال مشتق من اسم سيدة تدعى 
«آلتون» وهي إما بانية الجسرين وإما بُنيا لها أو ربما سمي كذلك بسيب المبالغ 
الطائلة التي أنققت على بنائهما وهو وجه النكتة الأعظم لخراب الذمم والتفسخ 
الخلقي. وتسمى عند العرب «القنطرة» فحسب ويسميها الكرد #بردى - جسر» 
والموضع مركز هام للآكلاك ومعظم سكان البلدة تركمان على مذهب السنة إلا 
أسرة البككزادة فهي كردية يزعم أفرادها أنهم جاؤزوا من «اشنو» بالقرب من 
(أورمية)” مع حوالي أربعين أسرة من عشيرة (صالحي) الكردية وقليل من العرب 
ويقال إن منازل الفقراء فيها تكاد تغص بقاطنيها. وكل قرى الناحية كردية خلا عددا 
قليلاً من القرى العربية تم نقلها بعدي من ملاك (مالا) و(الصالحي) قريبون من 
النهر يليهم البيباني إلى الجنوب الشرقي» على أن معظم الأراضي الزراعية هي 
ملك لأعيان المدينة وليس لهؤلاء الحضريين أية وشائج قبلية وثيقة. وهناك اثنان 
(1) «البجل: سفلس معد للأطفال» مقال في المجلة الأميركية للأمراض الاستوائية» جزء 18» رقم 6 

تشرين الثاني 1938. بقلم الدكتور ي.ه هدسن «ه5ن13 .8.11 وهو أول من درس المرض دراسة 

مستفيضة وأدخله في عالم الدراسات الطبية وهنا عليَّ أن أشكر الدكتور و. كورنر ##ممه0 ./278 


الذي يسر لي هذا المرجع. 
)2( هي رضائية اليوم. (المترجم). 


3530 


من زعماء الصالحي (طه وتوفيق) يقطنون كركوك غالباً أو قرى أخرى يملكونها 
على حدود (قره حسنٌ وجبارى). 


وتقع (شوان - 11000 نفس) على الضفة اليسرى من الزاب شرق آلتون 
كوبري وصفة أراضيها متعادية قليلة التضاريس وليس كأقسام من قواعد الجبال إلى 
الجنوب ومن وادي الزاب تأخذ الأرض بالارتفاع ثم بالانخفاض تباعاً فلا ترى إلا 
وهاداً ونجاداً متتالية حتى جبال (خال خالان) التي تعلو إلى ارتفاع 3000 قدم 
تقريباً قبل أن تنحدر ثانية إلى وادي (خاسه) وسهل كركوك. والأراضي غزيرة المياه 
ومرعى ممتاز للغتم. بمحاذاة النهر مباشرة تمتد سلسلة من القرى يسكنها شيخ بزه 
ينى التي انتقلت إلى السليمانية ردحاً من الزمن كما أسلفت وبقية الناحية تقطنها 
عشيرة (شوان) وكلهم فلاحون (الاسم يعني هنا الرعاة) وليس فيهم آغاوات وهم 
لا يدينون بأي ارتباط أو تبعية لأية قبيلة في العراق وهم عموماً يخضعون لملاكي 
أراضيهم الذين يسكنون المدن كال نفطه جي وغيرهمء إلا أنهم في الوقت نفسه 
لا يخلون من شعور بالصفات القبلية وفي ميدان السياسة القبائلية هم على أحسن 
صلات التفاهم مع جيرانهم (الهماوه ند) في الجنوب الشرقي وتنقسم شوان إلى 
ثلاثة يطون وهي (كاشيك) ويبلغ مجموع قراهم (45). و(سرخاسه ئى كولم كوه) 
أفقر الثلائة وأضعفها ويسكنون ست قرى في الجنوب قرب النهر كما يدل عليه 
الاسم (وعزيزي شريفي جليل) الشخصية الهامة التي تعرفها الحكومة أو بالأحرى 
الشرطة من (يه خته كان) هو وغد عجوز ملتح ذو سمعة داوية في عمليات قطع 
الطريق لا يباريه فيها أحد حتى ال(هماوه ند) أنفسهم. 


وتقع (قره حسن) - 14000 نفس إلى جنوب (شوان) شرق مركرٌُ كركوك 
وتتألف من 55 قرية سبعة منها تملكها أسرة من السادة مستوطنة تعرف ياسم 
(سادتى قره حسن) وخمس تعود إلى (كانى كه وه) من البرزنجة وحوالى العشرين 
إلى آل الطالباني وأما الباقي منها فإما تعود إلى الإقطاعيين الذين يسكنون المدن أو . 
إلى الفلاجين الذي يتصلون بنسب قبائلي وثمة أربع قرى تركمانية في (ليلان - 


351 


0 بيت)7 و(يه حياوه - يحيى ثاوا - 150 بيتاً) و(ته رجيل > 150 بيتاً) و(قره لو 
- 70 بيتا) وأول قرية ذكرنا عنها أنها إحدى المراكز للقزلباش ولا شك أن جزءاً 
كبيراً من سكان القرى الثلاث الأخرى هم من أتباع الطريقة نفسها وقد وجدت 
السلطات من المريح لها أن تعتبرها مجال نفوذ طالباني صرفاً منذ أول أيام 
الاحتلال وفي العام 1922 وجدت (شيخ حبيب) وهو ابن أخ (الشيخ رضا) ما يزال 
مديراً للناحية وقد سمح له بأن يتخذ قرية خاصة (خاله بازيانى) مقراً له وتقع ناحية 
(طاووق أو داقوق) على جانبي الطريق السلطانية جنوب مركز كركوك مباشرة 
ونسبت إلى اسم المدينة العتيقة التي كانت في عهود الإسلام مركزاً أكثر أهمية من 
كركوك كما يبدو" ولا يزال يرى فيها اليوم قاعدة منارة أثرية مزججة مزخرفة» 
والبلدة الحديثئة ذات السوق الصغير تقوم على الطريق السلطانية قرب نهر (باسه ره 
- طاووق جاى) وهو هنا منخفض واسع مفروش بالحصباء لا يمتلئ إلا بعد 
سقوط أمطار غزيرة في الجبال وعلى مسافة خمسة أميال تقريباً من صدر النهر أول 
ما يخرج من آخر خانق جبلي بنى الترك جسراً من الآجرء جرفت عدة أقواس منه 
الفيضانات الأولى مباشرة بعد إكماله ولم تنجح المجهودات التي بذلتها مديرية 
أشغالنا العامة لإصلاحه لكن قلما يتعذر عبور النهر خوضاً حتى أن السيارات كانت 
تتجاهله أيام صلاحه اختصاراً للأميال العشرة واقتصاداً في طول الطريق. وأما عن 
سكان (طاووق) فهم من التركمان القزلباش بالدرجة الأولى وسكان معظم القرى 


(1) في (نزهة القلوب) لمؤلفه (أحمد الله مصطفى القزويني من أعلام القرن الرابع عشر) لم ترد كركوك 
إلا بشكل عابر وآبار النفط ومنابعها إنما ذكرها عند كلامه عن طاووق وقد جاء عنها ما يلي «بلدة 
متوسطة لا هي كبيرة ولا صغيرة» وهواؤها خير من هواء العراق العربي» ووصف النهر بأنه أحد 
ثلاثة نهيرات من العراق العربي «الآخر هو نهير ببان ولعل قصده آوسبى» وذكر أن بالقرب منها 
الممر الجبلي المسمى «دربندى خليفة» الذي هو «بازيان» حتماً وأن أول ذكر لكركوك عند الكتاب 
المسلمين جاء كما يبدو في تاريخ تيمورلنك المعروف ب«ظفر نامه - كتاب النصر» لمؤلفه علي 
اليزدي ألفه في القرن الخامس عشر «انظر بلدان الخلافة الشرقية - لسترانج #وصدماة مآ ص92). 

(2) هذه القرية ليست تركمانية وإنما هي كردية وأهلها يتتمون إلى عشائر المنطقة. (المترجم). 


352 


خليط من الكرد والعرب مع قلة من البيوت التركمانية في قريتين صغيرتين بالقرب 
من طاووق ويوجد عدد كبير من القرى الكردية الخالصة شرقاً وثلاث قرى أو أربع 
قرى عربية خالصة غرباً وملكية الأراضي موزعة بين ثلاث أسر كردية هي السادة 
الكاكائية الذين يعتبرون في مرتبة شيوخ القبائل (يملكون 18 قرية)» والطالبانية 
بشخص الشيخين فيض الله وعز الدين ولدي عم (شيخ حبيب) و(يملكان 7 قرى) 
والداوودة بشخص «دارا بك) ويملك 11 قرية كبيرة. وفي آخر ربيع كل سنة أو في 
أوائل الصيف عندما يبدأ منسوب الماء بالنقصان تلوح بوادر الخصام وتندلع ألسنة 
الخلاف حول تقسيه”" الماء إلا إذا عجلت الحكومة باتخاذ الإجراءات لضمان 
التوزيع العادل. 

وناحية (قادر كرم - 15000 نفس) هي ناحية (كل) التركية القديمة تقريباً 
قسمت في العام 1922 إلى ثلاث مناطق قبلية أتيت إلى بحثها في محل من 
الكتاب. 

وناحية (طوز خورماتو > 30000 نفس) تجاوز (طاووق) من الجنوب الشرفي 
ربطت في 1922 بقضاء كفري وهي كطاووق تقوم على جانبي الطريق السلطانية 
ونتسندها هنا نهنا (قاوةاسس) أو,(اق عيو) كما تسم مكايا > إلى تسمين هق 
الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. والناحية تسمى باسمها وهي كما سبق بيانه 
أهم مركز للقزلباش التركمان في اللواء والاسم مشتق من آبار ذات ماء أجاج تقع 
في فتحة يمر منها (ثاوه سبى) في خروجه من أول سلسلة منخفضة قريبة من 
السهل وكلمة (طوز) هي تركية ومعناها (ملح) إن ثلاثة أرباع السكان هم من 
الداووده وثلثا الداووده يسكنون في أسافل الجبال والثلث الآخر يسكن السهل. 
والعنصر الآخر الوحيد الهام في الناحية (البيات) هو قبيلة عجيبة التكوين يقال إن 
نواتها جاءت بالأصل من (خراسان) وقراهم التي تزيد عن العشرين تقع في الربع 
الجنوبي القصي من الناحية إلى جواز جبل حمرين وناحية (قره تبه)؛ وثاراتهم 


2( ما زالت هذه الخصومات قائمة إلى يومنا هذا. (المترجم). 


2353 


وصداقاتهم مع القبائل العربية أكثر منها مع الكردية وكانت صلاتي بهم قليلة وأنا 
أذكر زيارة بالصدفة قام بها اثنان أو ثلاثة من زعمائهم لي ولم يتسن لي معرفة 
شيء كثير عنهم في مبدأ الأمر على أني حفظت ملحوظة عنهم جاء فيها أنهم 
ينقسمون إلى سبعة بطون هي (البو حسين) السنية المذهب العربية اللسان 
و(العمارة) و(البو والي) التركمانيتان السنيتان و(بير أحمد) و(قزاوالى - بيلانجى) 
التركمانية القزلباشية و«عمارلي» القزلباشية التركية المستكردة وكلها تعترف (بفارس 
بك) من «عمارلي» زعيماً أكبر لأغراض المراجعات الحكومية. 

(وكفري - 20000 نفس تقريباً) هي البلدة الثانية في اللواء ومركز القائمقام تقع 
أمام فتحة أخرى في أول سلسلة من المرتفعات وكذلك على الطريق السلطانية في 
نقطة ينطلق منها أقرب طريق للقوافل إلى السليمانية باتجاه (إبراهيم خانجى) و(سه 
كرمه) لذلك كانت سوقاً للعشائر المجاورة لها ومركزاً تجارياً مهما للبضائع الكردية 
قبل اتصال السكة الحديد بكركوك وإلى الجهة الشمالية من الفتحة يوجد منجم 
فحم حجري هو في الواقع بئر للقير المتحجر بلغت كمية ما كان يستخرج منه 
سنوياً قبل العام 1915 حوالى مائة وخمسين طناً. ثم إن السلطات العسكرية التركية 
رفعت كمية المستخرج منه إلى 1000 طن سنويا””' خلال الحرب. إن الحجر الذي 
يقلع من مقالع الروابي القريبة فاتح اللون وقد ساعد على إظهار البلدة بمظهر 
نظيف كان دوما يلفت نظري كلما قمت بزيارة لها وقد لحظ (هيود) ذلك وهو من 
السياح الأوائل. وأعيان الأسر فيها تعد نفسها تركية وسكانها بصورة عامة خليط من 
الكرد والتركمان وكان القضاء والمركز في أيام الترك يسميان رسميا (صلاحية). 

ثم إن ناحية كفري قسمت فيما بعد إلى: المركز يتألف من البلدة وما يجاورها: 
(5000 نفس)» و(قه لاى شيروانه) (16000 نفس) على أنه قد يكون من الأبسط لنا 
أن أصفهما كما عرفتهما. كل من يسكن خارج البلدة كرد (جاف كيزء وطالبانية 
وده لو وداووده عزيزى عباس) وهذا الأخيرة تقطن نتوءاً صغيراً يدعى (داووده 


(1) استغل ثانية خلال أيام الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945. 


354 


كردستان) انفصل عن باقي الداووده باسفين زنكنه وقبل نهاية الحكم العثماني 
ببضع سنوات قام الزنكنه بطرد (الده لو) من ديارهم التاريخية إلى منطقة شمالية 
قصية واستقر بعضهم هناك في قوس من القرى مثل أرقام الساعة حول بلدة كفري 
وبالقرب منها من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي؛ وبعضهم استقر في 
الأراضي المنتقلة ملكيتها إلى شركة نفط خانقين الإنكليزية - الإيرانية بمقتضى 
الامتياز وبقي سكان كفري منهم على جاهليتهم لا يخضعون إلى نظام. ولعبوا دوراً 
رئيساً في الهجوم على كفري وقتل موظفي الضابط السياسي البريطانيين أثناء ثورة 
العشرين وبالتأثير الحضاري الذي جاءت به شركة النفط واستخدامها منهم حراساً 
لها في خانقين أصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع. وربما أمكن قولنا أن (الكيتر) 
هم (الكارٌ) الذين ورد ذكرهم في (الشرفنامة) دون أية تفاصيل - ضمن قائمة 
القبائل الكردية في إيران» و(كي) باللغة الكردية تعني الشخص الدائخ أو الطائش 
وخصومهم يدعون أن الاسم ينطبق على المسمى» وهم يسكنون قريتين أو ثلاثاً 
على نهر سيروان قرب (قه لاى شيروانه) وقريتين أخريين غربهما على نهر (نارين) 
وهم فلاحون هادئون ويقال إنهم كاكائيون» على أني لم أتحقق من ذلك. 


و(بيواز - 5500 نفس) مع بعض الزيادة» تشتمل على ساق ناحية (وارماوا) 
الذي كان محشوراً بين سه نكاو سيروان - في أول تنظيم إداري للسليمانية ثم 
ألحق بكركوك لما غدا قره داغ حذّا بينهما. والسكان عموماً من الجاف مع قليل 
من الزنكنه قرب ئاوه سبى غرباً. وتحتل ناحية (قره تيه - 21000 نفس) الزاوية 
المحدثة بين نهر سيروان وجبل حمرين في أقصى الجنوب الشرقي من اللواء. 
وأهل قرية قره تبه خليط من التركمان والعرب والكرد. إلا أن أغلبية سكان القرى 
الأخرى من العرب وأهم قبيلة تحوي هذا المزيج العنصري المثلث هي (كاراوى) 
في رأس الزاوية. ويروى كثيراً من مزارعها بمياه (سيروان ونارين) إلا أن حياة (قره 
تيه) كانت دائماً خاضعة إلى مورد الماء الذي ينازعها فيه إقطاعيون وقبائل أكثر 
نفوذاً إلى جنوب جبل حمرين. ويمثل الكرد هنا قبيلتا (زند» وبالانى) على 


355 


(سيروان) شمال (كاراوى) وقبيلة (كيْ) على نهر (نارين) كما ذكرنا (والبالاني) 
أناس لا يلفتون النظر يحتلون سبع قرى أو ثماني» و(الزند) يسكنون عشر قرى هم 
على مذهب السنة» ويزعمون أنهم من أتباع الملك العظيم (كريم خان حاكم 
إيران: 1750 - 1779) الذي ما زال يذكر بالخير والفضل في عاصمته (شيراز). 


356 


- 19 - 
الحياة في كركوك 


غادرت بغداد قاصداً كركوك بخط السكة الحديد الضيق فى 20 أيلول 1922 
وكان الشيخ محمود ونويل في القطار نفسه. ووصلنا صبيحة اليوم التالي إلى اسن 
السكة في (كلكربان) التي تبعد أربعة أميال عن كفرى. وبدخول القطار المحطة 
اقتحم السياج مئات من فرسان القبائل المجاورة كانوا قد تجمعوا لاستقبال الشيخ 
وراحوا يهتفون ويلوحون بالأعلام وقذفوا بأنفسهم عليه وخطفوه خطفاً وساروا به 
مسيرة الفاتح المنتصر قبل أن يتمكن الوفد الرسمي في السليمانية أن ينطق بكلمة 
واحدة من خطب الترحيب التي أعدها لإلقائها في هذه المناسبة. ومكثنا في كفرى 
البلد وطار بى الملازم (س.م. كنيكيد 16121620 .5.34) من مرتبات السرب الثلاثين» 
إلن كرقوك””. 

إن التنظيم الإداري في كركوك مختلف كثيراً عن السليمانية فمع أنه لم يضم 
رسمياً إلى مملكة فيصل إلا أنه كان يدار وكأنه ضم إليها فعلاً ما خلا استعمال 
اللغة التركية» فلم يكن قاصراً على الشؤون الرسمية المحلية بل تعدّاه إلى 
(1) كان كنيكيد أحد أعضاء فريق القوة الجوية الذي ربح (كأس شنايدر) من الإيطاليين في البندقية عام 

7. فقد أنجز أسرع دورة انقضاضية إلا أن محرك طائرته تعطل قبل النهاية وكان الرابح الفعلي 


الملازم الطيار (وبستر 7/605]65). وقد قتل كنيكيد في العام التالي أثناء محاولته تسجيل رقم طيران 
عالمي جديد فوق (سولنت 5016©064). 


3537 


المخابرات مع بغداد. وكان كل موظفي المدينة من سكانها (وليس ينضب معينهم 
السرايء لذلك كان المتصرف الذي هو الرئيس المسؤول عن الإدارة والممثل 
الأول لكل وزراء بغداد هو الذي ينقل أوامرهم إلى القائمقامين ومدراء النواحي 
والموظفين الآخرين أما مستشار (القسم) فهو تقنياً. مجرّد من الصلاحيات 
التنفيذية. ولكن بعد نقل السلطة ولفترة من الزمن وعندما أعوزت الوزراء 
والمتصرفين الخبرة» جرت العادة في الشمال والجنوب أن تكتب بعض المخابرات 
المهمة باللغتين الإنكليزية والعربية في حقلين متقابلين» على أن يكون النص 
الإنكليزي عادة هو الأصل المعتمد. أما هنا فقد حلّت التركية محل الحقل العربي. 
وتتم غربلة ودراسة المشاكل المعقدة التي تتطلب تبادل وجهات النظر الدقيقة بين 
اللواء والمركز» أولاً بمخابرات شبكة رسمية بين مستشار (القسم) وبين المستشار 
البريطاني للوزارة الخاصة قبل أن يتقدم بالنتيجة على شكل توصية وتعليمات مذيلة 
بتوقيع المتصرف أو الوزير حسب ما تقتضيه الأحوال. وبعد أشهر قليلة من 
وصولي إلى كركوك أبدل عنوان وظيفتي من (مستشار قسم) إلى (مفتش إداري) 
تمييزاً لطابع المنصب ودلالة على خلوٌه من الصلاحيات التنفيذية» ولكن المندوب 
السامي بقي عدة سنوات بعدها وظل في الواقع حتى نهاية الانتداب تقريباً يتدخل 
تدخلاً مباشراً في كل شيء قد يتعلق بالموقف السياسي الكردي. وبقي وضعنا 
أقوى بكثير من وضع زملائنا في الجنوب. 


وكان المتصرف (فتاح باشا) وهو جنرال تركي سابق أصله من طوز خورماتو 
سيداً مهذباً طاعن السن يسرّه كثيراً أن يترك معظم الأعمال على عاتق المفتش 
الإداري. وكان بين غرفتينا في الطابق الأول من السراي باب مفتوح وكانت 
مشاوراتنا كثيرة وقد رفعنا الكلفة فيما بينناء وهو كمعظم الضباط العثمانيين 
السابقين يستطيب مجالس السمر الليلية لذلك لم تقصر اتصالاتنا على ساعات 
الدوام» وتفاهمنا إلى آخر درجة ونما ودي له وتعاظم. وأذكر صديقاً مخلصاً آخر 


358 


هو رئيس البلدية (مجيد بك) من أسرة (اليعقوبي زاده) ذات النفوذ وهو شخصية 
قوية وإداري نشيط ذو آراء متقدمة على كثير من آراء زملائه في الأنحاء الأخرى 
من العراق» وفي رأيي أن (مراد بك) كان من أهم الموظفين» وهو مدير الشرطة: 
ضابط تركي سابق لم يكن ينتمي إلى قبيلة (كيرْ) إلا من جهة الأم أو بالمصاهرة. 
وقوة الشرطة في العراق تتألف من فرقة مشاة أشبه بالدرك (الجندرمة) وكانت تقوم 
بالواجبات المعتادة التي تشمل أعمال (البوليس) ومن فرقة خيالة هي أشبه بالدرك. 
و(مراد) إلى جانب منصبه يقوم بمهام مدير ناحية المركز لغايات عملية (وهي 
تدخل ضمن المسؤولية المباشرة للمتصرف دون تدخل القائمقام أو المدير» بالنظر 
إلى نظام الإدارة العثماني العجيب الذي سبق وصفه) وكذلك فهو ينوب عن 
المتصرف في فض النزاعات القبلية في كل أنحاء اللواء وفق أنظمة ومواد دعاوى 
العشائر أو بطرق غير رسمية. وقد وجدته واسع الخبرة محباً للنكتة وكنت دائماً 
أستمتع برفقته في الجولات الكثيرة التي نقوم بها معاً في المنطقة. 


وفي سلك القضاء تغطي شخصية نائب رئيس المحاكم (عمر نظمي بك) على 
شخصية رئيسها وهو من أهالي كفرى قذر له أن يلعب دوراً مشرقاً في النضال من 
أجل ولاية الموصل» ثم ارتفع إلى أعلى المناصب فعين متصرفاً ثم وزيراً للداخلية 
ثم نائب رئيس الوزراء. ومن الشخصيات الأخرى البارزة والقادرة على التأثير في 
الرأي العام أذكر (عزت باشا) وهو جنرال سابق أصبح وزيراً للأشغال 
والمواصلات في أول حكومة عراقية» و(ناظم بك) عميد أسرة (نفطجى زاده) 
الذي كان عضواً في مجلس المبعوثان عن كركوك. وكان مطمئئناً إلى أن يقع عليه 
الاختيار لتولي متصرفية كركوك. فغدا ساخطاً لتفضيل (فتاح باشا) عليه؛ وثم (عبد 
الله صافي أفندي) شقيق مجيد بك وعميد أسرة (اليعقوبي زادة) عضو آخر سابق 
في مجلس المبعوثان عن كركوك. ومن الرؤساء الروحانيين كما يطلق عليهم رسمياً 
كنت قد ذكرت (سيد أحمدي خانقاه) ورئيس الأساقفة الكلداني. وممن أذكر أيضاً 
رجلاً يلقب ب(خادم السجادة) نسبة إلى شهرة في أسرته هي أنها تتوارث حيازة 


23059 


قطعة من سجادة صلاة النبي محمد(ص). وأذكر كذلك (الشيخ محمد علي 
طالباني) الأخ الأكبر للشيخ حبيب قره حسن أعتقد أنه غير شقيق) وهو عجوز 
ملحاح مُعجَز ثرئار في مرحلة طفولته الثانية يكثر من التردّد على السراي وغالباً ما 
يرى في الشوارع منطلقاً من تكية الأسرة على ظهر جحش (بحريني) أبلق ضخم 
والريح تعبث بجبّته الطويلة ويده قابضة على شمسية واسعة يبقى يرفعها فوق رأسه 
لتقيه حرٌ الشمس,. 


وزملائي البريطانيون الأقربون هم النقيب (أ.ف. ميللر علانة .4.5) معاون 
المفتش الإداري» والنقيب (ف. ريف 866786 .7) مفتش الشرطة والدكتور (وليام 
كورنر) طبيب الصحة المدني وثمّة أيضاً مهندس للأشغال العامة تشمل دائرة 
واجباته أربيل. وكان (ميللر) من أفضل الواقفين على اللغة التركية إلا أنه لم يتعلم 
الكردية والعربية كما دبت فيه البدانة فلم يعد يستطيع الركوب لذلك كانت قيمته 
محدودة في الأعمال خارج المدينة على أنه كان من أخلص المساعدين. يحبه 
الموظفون والأعيان الترك» وكلمته عندهم مسموعة. أما (كورنر) ففضلاً عن 
كفاءته المهنية التي أكسبته ثقة سائر الطبقات المطلقة» كان أخا سفر رائع لا يعرف 
للتعب معنى. وطار صيته بين القبائل لنجاحه بالوصول على متن سيارته الخاصة 
إلى مواضع وعرة جدأ كانت تعتبر عاصية ممتنعة عن كل ما يسير فوق عجلات» 
وكان يقطن الجزء الداخلي من بيت تركي عتيق بينما اختصصتٌُ بالجزء الخارجي 
منه وقد واصلنا تطبيق المشروع الذي وصفه سَلَفِي وهو تخصيص غرفتين من 
الصحن الخارجي بمثابة مطعم وناد خاص يختلف عدد أعضائه من حين لآخر 
وكان (كورنر) سكرتيراً له. 

ومع أن أربيل كانت تابعة للمتصرف فتاح باشا (اسمياً) فقد اقتضت الأغراض 
العملية أن تكون إدارتها مستقلة تماماً من كركوك على أن اللواءين كان يشاركان في 
كثير من المصالح. ويتفقان في كل المشاكل وكنت دائماً أحصر على صلة صداقة 
مباشرة مع معاون المتصرف (أحمد أفندي) الذي كان رئيس البلدية في عهد الترك 


210 


وهو من أسرة أربيلية ذات نفوذء وكذلك كانت علاقتي بزميليه في أربيل النقيب 
(لاين) والنقيب (س. لتلديل 16هههانانة .©) مفتش الشرطة. 


وتتمثل القوة الجوية في كركوك بضابط الاستخبارات الذي يسكن المدينة 
وبرف أو سرب من المقاتلات (حسب ما يقتضيه الجو السياسي) يسكن أفراده في 
حديثة يملكها (ميناس غريب) بالقرب من المطار في ظاهر المدينة الجنوبي وبفوج 
مشاة كوك عماوه0 الثامن والخمسين الهندي» وسرية من خيالة الليفي وكلهم 
يحتلون الثكنات الملاصقة للسراي. ولاحظت في السوق عدداً من البقالين الهنود 
لا بأس به تبعوا جيش الاحتلال. وكانوا في غياب ممثل بريطاني قنصلي ينظرون 
إلى المفتش الإداري نظرة الحامي لمصالحهم المشروعة. وما زلت أحتفظ برسالة 
تسلمتها من أحدهم أراني مسوقا إلى إثباتها هنا. 


«أتشرف.بكل احترام أن أعرض أمامكم السطور التالية القليلة بمثابة استئناف 
لتنظروا فيه بعين العطف. كان اليوم الموافق 11/7/ 1923 عيداً كبيراً للهندوس 
ويعرف باسم (ديقالي > ديوالي) وهو يعد عندهم يوم عطلة فلا يشتغلون فيه ولا 
يتعاطون عملا بل يقضونه باللهو والمرح والأكل وما أشبه... ويلعب الهندوس في 
كل أنحاء الهند لعبة شائعة جداً أصبحت بمرور الزمن أبرز طابع في احتفالات 
ذلك اليوم وهي لعبة يتم لعبها بقطع نقود فضية قليلة القيمة وبورق اللعب وإذا 
أخذنا بنظر الاعتبار شيوعها وأهميتها في هذا العيد الديني» نجد أن الحكومة لم 
تعترض عليها ونحن نمارسها في الأسواق والحوانيت علناًء وفي المنازل بشكل 
ظاهر للعيان فى عيد ديقالى. وبصفتى هندوسياً فقد دعوت بعض الأصدقاء إلى 
مطعمى فى ذلك العيد ليشاركونى فى العشاء واحتفالاات العيد ويحسب العادة 
المذكورة وضعت ورق اللعب أمام ضيوفي لغرض تزجية الوقت بهذه اللعبة دون 
أن يخطر ببالنا أنها ستعتبر مقامرة» وبعد بضع دقائق من البدء فيها دخل علينا 
عريف الشرطة وأوقف اللعبة وطلب مني أن أقدم نفسي إلى مركز الشرطة صباح 


301 


اليوم التالي ففعلت وأحلت إلى المحاكمة مخفوراً ففرضت على غرامة قدرها (25) 
روبية وكانت تهمتي لعب القمار وأنا أرجو الآن من سعادتكم أن تتلطفوا بالنظر في 
قضيتي على ضوء الحقائق التي سردتهاء لتروا كم أن هذه اللعبة بعيدة عن صفة 
المقامرة. وإني على علم تام بأن القمار جريمة فكيف أسمح لنفسي. أن ألعب وأدع 
الآخرين يلعبون في محل عام كالمطعم؟ إن هذا ما لا يمكن أن يتعاطاه أحدء ولم 
تكن لعبتنا لأجل ذلك وإنما للاحتفال بالعيد جرياً على عادتنا الهندية التي تسمح 
بها الحكومة وعند 00 هندوساً آخرين للتثبت في صحة 
مزاعمي وإني أؤمل تحقيق العدالة من القضية وإعادة الغرامة التي دفعتهاء ولي 

وطيد الأمل بذلك وسأبقى يا سيدي الخادم المطيع». 
هافه لى رام 
صاحب مطعم فكتوريا 
فأبلغت المستدعي بأني لا أستطيع التدخل في قرارات المحكمة وإذا ما رغب 
فى المرة القادمة أن يحتفل على طريقة بشكل لا يثير الظنون وسوء التفسير فعليه 

أن يزاجم الشرطة لاستحصال إجازة سابقة. 

وهذا يذكرني بحادثة أخرى مضحكة. إن الظروف التي تسير عليها حياتنا في 
كزكرك إن لم كن يداية عينحافي دريد وشليجة نه على كل :فى غابة البسنائلة 
ولقد نبئت يوماً أن مخزناً جديداً قد فتح بالقرب من الجسر وهو يعرض للبيع بضائع 
أوروبية فقصدته لألقي نظرة فإذا بشيطان الإسراف يركبني وإذا بي أبتاع كل ما وقع 
عليه نظري من أشياء لا نفع فيها في سبيل الشراء لا أكثر ومما ابتعته زجاجة أملاح 
عظارية هما ستتحيع في الامجعمام غالية العمن من مب اتعضيرات ركه أدرات 
وعطور تجميل إنكليزية شهيرة. ولم يتفق لي في حياتي كلها أني اقتنيت شيئاً يغلب 
عليها طابع التأنق والخنوثة ولم يكن لديّ أية فكرة عن كمية الأملاح التي يجب 
استخدامها كل مرة. فعندما ذهبت أستحم استعداداً للعشاء أفرغت نصف الزجاجة 
في حوض حديدي مليء بالماء الحار وضع لي في أرضية الغرفة وانتشرت في 


202 


الحال رائحة عطرية خانقة ملأت غرفة نومي أولاً ثم زحفت إلى المطعم بعد 
عبورها باحة الدار وكان أعضاء النادي وضيوف القوة الجوية قد بدأوا يتقاطرون 
وتضاعفت الرائحة عندما دخلت عليهم وبجسمي رائحة نفاذة منه. ومع هذا كله لم 
أكف عن استخدامه طوال الأيام التالية ولكن بكميات قليلة حتى نفد. هذا وإن 
إسالة الماء في الجزء الذي تسكنه من المدينة قد نظمت بالطريقة الشائعة المألوفة» 
أي بساقيتين مفتوحتين تمران بالمنزل تباعاًء في إحداها الماء النقي (أو هذا ما 
يقال عنه لأننا كنا نأتي بماء الشرب من صدر الماء) وفي الثانية تجري المياه 
القذرة. وبعد يوم أو اثنين من استنفادي محتوى الزجاجة العطري نقل لي الدكتور 
كورنر رسالة مهذبة من جيراننا الذين يسكنون فيما يلينا حملوها له أثناء ذهابه 
لمعالجة أحد أفراد أسرتهمء قالوا له إنهم سيكونون شاكرين أعضاء مطعم الضباط 
السياسيين» فيما لو كفوا عن صب الويسكي في الساقية (النظيفة) فالكحول (وهذا 
معروف عندي) محرم على الورعين ومبتغى الثواب وقد ظهر لي فيما بعد أن 
إهمال صاحب البيتين هو المسؤول عن وضع الساقيتين المتجاورتين؛ وعدم 
ملاحظته لهما قد سيب في أن يفيض جزء من ماء الساقية الثانية على ساقية الماء 
النظيف أثناء مرورها تحت الجدار الفاصل» وإن جيراننا المهذبين ظلوا عدة أشهر 
يشربون المياه المستخلفة من حمامي وحمام سلفي! 


إن تعييني في كركوك امتدّ عامين ونصف عام وبهذا ذقت كل فصول السنة. في 
عر الصيف ترتفع أقصى درجة الحرارة هنا إلى مستوى حرارة بغداد إلا أن الفصل 
أقصرء وفصل الشتاء أبرد بكثير إلا أنه ليس قاسياًء ومن متع الخريف والشتاء التي 
مارستها بعد انتهاء الدوام عادة» هي أن أحتقب بندقيتي وأخرج وأنا شبه متأكد من 
أني سأعود بزوجين أو ثلاثة أزواج من طير الشيقب أو ربما ببطة برية من مشارقف 
النهر أو في إحدى ترع الري الكثيرة. وأقع بين الفينة والفينة على (سماني) جائثم 
في الحشيش النابت. أما يبخصوص الدراج الأسود وهو الاسم الشائع على ألسنة 
البريطانيين في الشرق الأوسط للفرانكولين هناهمهعة فاطلابه أصعب من هذا وكنا 


393 


نمضي إلى مسافة بعيدة ونخصص يوماً كاملاً له. وموضع صيدنا المفضل القريب 
نوعا ما هو قرية (هه فته غار) التي تقع على (طاووق جاى) وهي ملك (دارابك) 
حيث يقوم هو ورجاله بتشكيل خط من الفرسان للحيدة بالصيد واستنفاره فيهتفون 
مسرورين كلما يسقط طير بطريقة تهديف لم تشاهد قبل وصول الجيش البريطاني 
ويوجد قليل من (الدجاج العراقي) وموسمه عادة بعيد عيد الميلاد» في بساتين 
القرى قرب كفرى وفي الأدغال التي تنمو على ضفاف سيروان شرقاً وخير موضع 
لصيد البط ملء حقيبة الصياد» هو (قره تبه) حيث يوجد مستنقع واسع يمكن أن 
تعمل في أرجائه ما بين اثنتي عشرة وعشرين بندقية صياد» والدراج الأسود متوفر 
في موضع قرب سيروان يدعى (كاراوى) إلا أني كنت كثير التجوال والانشغال في 
أنحاء اللواء فلم أتردد إلى هذه الأمكنة أكثر من مرة أو اثنتين طوال إقامتي. وقد 
اعتدت أن أقوم بنزهة صباحية يومية على حصاني طوال فصل الخريف ولم أواصل 
مدة طويلة إذ وجدت أن الساعة الواحدة التي أقضيها مع (سمكو) تثقلني نعاسا في 
حدود الساعة الحادية عشرة أثناء الدوام فأقلعت عن العادة. وأجمل النزهات هي 
في غرب المدينة وكثيراً ما كنت أمرٌ بتل مرتفع يدعى (بلاوه) تنتشر على سطحه 
طبقة من الصوانيات وكسر الفخار التي تعود إلى العصر الحجري المتأخر. 
واضطرمت حماسة (كورنر) للتنقيب الأثري بكتاب صغير عنوانه (كيف تنقب عن 
الآثار القديمة) أمر مدير المتحف البريطاني بتصنيفه وتوزيعه على نطاق واسع بين 
الضباط البريطانيين والموظفين المدنيين» فجمع كورنر مقداراً كبيراً من الكسر 
الصوانية ليس من (بلاوه) وحدها بل من تلال أخرى كان قد استطلعها في أثناء 
جولاته الصحية» ثم بعث بها إلى المتحف البريطاني فأثارت بعض الاهتمام ثم 
وُفْق إلى اكتشاف هام جداً بتعقيبه بعض الرقم الأجرية ذات الكتابات المسمارية 
بناء على معلومات أنهى بها إليه مريض شاكر فضله؛ ودله على موقعها بالضبط. 
عرفت هذه الرقم باسم (رقم كركوك) وكان قد عثر على قليل منها ووجدت سبيلها 
إلى المتاحف الغربية. في زمن ما بين العامين (1922 و1923) حصل خسف ترابي 
في طرف من تل كركوك الكبير على إثر أمطار غزيرة فجرف التراب حاملاً معه 


234 


عدداً من الرقم استخلصت بعد رفع الأتربة المنهالة؛ ولم يكتب ثبت رسمي 
باللقى. إلا أن ثماني آجرات عليها كتابات وصلت متحف بغداد بوساطة تاجر لا 
معلومات لديه عنها أكثر من أن مصدرها كركوك. وكان (كورنر) قد شاهدها في 
أثناء زيارته للمتحف فقام بعد عودته بالتحري عمن عثر عليها. فنجح وكان مواطناً 
مسلما محترما فابتاع منه خمسة وعشرين رقيما على حساب متحف بغداد وثمانية 
عشر رقيماً لنفسه (اشتراها منه المتحف البريطاني) وكانت هذه الألواح ملقاة فوق 
بلاط عمقه عدة إنشات من مادة كاربونية. وإلى هذه الوضعية يعود الفضل في 
قوتها وحسن طبخها. وبطلب من (كورنر) قامت الآنسة (كرترود بل) بإرسال 
الدكتور (إدوارد جيرا 3:نهك فند»54 .:2) من المعهد الأمريكي للأبحاث الشرقية 
في بغداد وزوّد بمخصصات صغيرة قدرها (500) روبية ليقوم بتنقيبات أخرى في 
شباط 1925 إلا أن فحص الموقع أظهر أن طرف التل لا يمكن التنقيب فيه إلى 
أعمق مما فعلته الأمطار دون تعريض المنازل القائمة على الحافة إلى السقوط. 


في ذلك الزمن كان (كورنر) قد سمع حكايات عن قروي من (تر كه لان) التي 
تقع على مسافة تسعة أميال من جنوب غرب كركوك؛ كان قد عثر قبل (35) عاماً 
على شيء من الرقم أثناء محاولته استخراج بعض الآجر من أساس أرضي نافر في 
موقع يدعى (ويران شار - المدينة الخربة) بالقرب من تل كبير يدعى (يورغان تبه) 
وواصل هذا القروي تنقيبه سرأ بضعة أشهر والظاهر أنه كان يحفر أنفاقه باليدء 
وأشيع أنه قام بعدة رحلات إلى بغداد مع جحش إلى أن وجد في صبيحة يوم 
مختنقاً في إحدى أنفاقه التي حفرهاء فعرف الموقع منذ تلك الحادثة باسم (عطيه 
خرابه سي - خرائب عطية) وكانت آثار نشاطه ماثلة للعيان عندما قام (كورنر) 
بأخذ (جيرا) إليها بعد أن استحصل له إجازة من مالك الأرض (حسين بك نفطجي 
زاده) عم (ناظم) وعندما زرت (جيرا) بعد أربعة أسابيع من بدئه العمل وجدته قد 
أزاح التراب عن صحن دار مرصوفة بالأجر تغطيها طبقة من الرماد استخرج منها 
ستين لوحاً عليها كتابات مسمارية وكان القلق يساوره لأن المخصصات قد 


295 


أوشكت على النفاد» وسرني جداً أن أمد إليه يد العون» فأبرقت إلى الآنسة (بل) 
ملحاً بضرورة زيادة المخصصات لإكمال موسم التنقيب» فنجح مسعاي وفي 
اعتقادي أنه لم يكن في الإمكان تعقيب مصير أكثر من الواحد والخمسين رقيماً 
التي ذكرنا أنها حصيلة تل كركوك» والثابت أن كل ما يدعى برقم كركوك مما بلغ 
المتاحف الأوروبية قبل العام 1925 هي في الواقع حصيلة تنقيبات (عطية) غير 
المشروعة. 

نشر المستر (س.ج. كاد 4هه© .0.3) في «مجلة آشوريات وعلوم الآثار الشرقية 
- 1926 دراسة للرقم الواحدة والخمسين من تل كركوك والواحد والثلاثين رقيماً 
من (يورغان تبه) التي أصبحت من ممتلكات المتحف البريطاني. وقد تمكن أن 
يجزم بشكل قاطع أن كركوك الحالية» إنما هي المدينة الغابرة (أرايا مطمجهعم)» 
وكان موقعها قبل هذا الاكتشاف موضع أخذ وردء كما أثبت أن (خرائب عطية) 
ليست إلا موقع مدينة (نوزوو) وكثير من أسماء الأعلام الواردة فيها لم تكن لا 
بابلية ولا آشورية. وإن المعاملات الاجتماعية التي ورد وصفها في مقررات 
المحاكم والعقود المنقوشة في معظم الألواح تشير إلى مجتمع يختلف اختلافاً 
جوهرياً عما كان يسود المجتمعات المعاصرة المجاورة. 

واستأنفت التنقيب في (نوزوو) خلال الأعوام التالية» بعثات أمريكية متتالية 
حسنة المعدات فكشفت الكثيرء من ذلك آلاف من الرقم المسمارية أثارت بحوثاً 
علمية هامة ونجم عنها مكتشفات تاريخية واجتماعية وأنا مدين للأستاذ سدني 
سميث بالتعقيب التالي : 


«إن كتابة ولغة الرقم الأولى تعود إلى عهد ملوك أسرة (الأكيد) التي عاشت 
في القرن الثاني والعشرين ق.م. تقريباً حيث كان الموقع واسمه آنذاك (كاسور) 
تحت سيطرتهم. هذه الأسرة امتد نفوذها إلى (عيلام) فترة من الزمن. وفي القرن 
التاسع عشر ق.م. ذكر في رسائل التجار التجارية من الذين استقروا قرب (قيساريه 
- مازاكة) وهم رعايا آشوريون» شكل من المنسوجات بوصفه (من كاسور) وفي 


5346 


زمن (حمورابي) أي في النصف الأول من القرن الثامن عشر ق.م. كان موقع 
(يورغان تبه) الحالي يدعى (نوزوو) وقد ذكرها الآشوريون في رسائل عثر عليها 
في (مائير) وإن الملك الأول من الأسرة الحاكمة الكاشية التي استولت على بابل 
يذكر بسط سيطرته على (كوتيوم) (حلوان - المان)» وعلى بلاد الكاشيين الأصلية 
بشكل يدل دلالة واضحة أن منطقة كركوك كانت تحت حكمه في 1600 ق.م. 
تقريباً. إن التنقيبات في (نوزوو) لم تزودنا بأي دليل كتابي عن الفترة المنحصرة 
بين عصر التجار (القرن التاسع عشر ق.م) وبين نهاية القرن السادس عشر وبداية 
القرن الخامس عشر ق.م. والمقدار الكبير من الرقم الذي يعود إلى القرن الأخير 
برهنت محتوياتها على وجود طبقة سكتى في (نوزوو). ويتضمن نشاط أريعة أجيال 
من الأرستقراطية الإقطاعية (الحورى) وهو الشعب الذي يسمى في التوراة 
(الحوريون) وكان يستخدم لغة كاد يكون ثابتاً أنها متصلة باللغة (الأورارتية) 
المتأخرة ووجدت كتابات» بالمسمارية البابلية» وبالمسمارية الأبجدية (لرأس 
شمرا). وغدت أساطيرهم وطقوسهم الدينية معروفة إلى حد ما من النصوص الذي 
عثر عليها في (بوغاز) ويظهر أنهم كانوا أصلاً من إقليم (طوروس) بدأوا ينتتشرون 
في بلاد ما بين التهرين في أوائل القرن الثامن عشر ق.م. حتى وادي العاصي 
واختلطوا بسكان (آتشاناه - عطشانه) التي كشفها (وولي ,هلاهه/9) وكانوا عنصراً 
كبيراً آنذاك. وفي أوائل القرن الخامس عشر ق.م. تم تحالف من ممالك أسماؤها 
ذات مَشَّابه بالشكل القديم للغة السنسكريتية.قد يمكن اعتبارها أسماء هندو إيرانية. 
ومن هؤلاء الملوك الأحلاف ملك الميتانيين (ساوستا) الذي هو زعيم التحالف 
وفاتح مدينة آشور وناهبها. ولقد عثر في (نوزوو) على رسالة منه تشير إلى أنه كان 
باسطاً سلطانه فيها ويعود تاريخ تلك الرسالة إلى حدود (1440 - 1420 ق.م.) أي 
إلى النصف الأخير من الفترة التي تمثلها الأجيال الأربعة أو الخمسة في وثائق 
(نوزوو). ولما استفاق الآشوريون من تلك الضربة التي وجهها إليهم ملك 
الميتانيين» كانت خطواتهم الأولى الهجوم على إقليم كركوك وأن آخر وثيقة 
عرفناها من (نوزوو) تثبت وقائع نهب الآشوريين للقرية في حدود العام 1400 ق.م. 


397 


وكان الإقليم برمته يسمى <أرابيا) والعاصمة التي هي في كركوك يمكن أن يطلق 
عليها هذا الاسم. على أنها كانت تعرف باسم (مدينة الآلهة) ويظن بعض الباحثين 
أنها كانت عاصمة لملك تابع» ويعتقد آخرون بأن ملوك ما بين النهرين كانوا 
يقيمون هنا. ومن الثابت أن ملكاً من الملوك كان لديه قصر في (نوزوو) خصص 
جناح منفصل منه للنساء والأطفال» ومن المهم أن نذكر هنا أن (كيخسرو) الميدي 
الذي تحالف مع (نبوبولاصر) في آخر حرب ضد نينوى (617 - 612 ق.م.) 
استهدف (أرابيا) أولاً. هذا وأن تاريخ إقليم كركوك القديم يشبه في كثير من 
الأوجه الدور الذي لعبه في تاريخ النزاع الطويل بين العثمانيين وشاهات إيران». 


هناك اكتشاف آخر ذو أهمية تاريخية حصل في 1923 فقد عثر جماعة من 
الليفي الأثوريبن أثناء ما كانوا يقومون يتسوية ساحة العرضات مقابل ثكناتهم على 
جرة مختومة» ملثت إلى الحافة بألفي مسكوكة نقدية ساسانية تقريباً» ونال معظمنا 
عدداً من هذه المسكوكات وفي المجموعة التي نالها (كورنر) وجد المتحف 
البريطاني ما يمثل خمسة ملوك وهم (قباذ الأول 499 - 531م) و(خسرو الأول 531 
- 579) و(خسرو الثاني 590 - 628م) و(هرمزد الرابع 579 - 590م) و(بهرام 
السادس 590 - 591) وآخر المسكوكات يعود تاريخها إلى 601م» وهنالك ما يميل 
بنا إلى الافتراض بأن هذا الكنز كان قد دفن عندما أخذ الغزاة العرب يهددون 
كركوك بعد معركة (القادسية) الفاصلة في 636م التي توجت بالاستيلاء على 
(قطيسفون) عاصمة الفرس الشتوية وهي تمهيد لانقراض الأسرة الساسانية في 
1م 

وأشهر شخصية محلية في كركوك قذف بها العصر الحديث» هي بلا منازع 
(الشيخ رضا الطالباني) الشاعر الذي اقتبست من آثاره أبياتاً. ولعله (باستثئناء حاجى 
قادر كوي) أشهر شاعر في كردستان الجنوبية وأحبهم إلى النفوس» رغم لغته ذات 
الأسلوب العتيق بما يتخللها من كلمات عربية كثيرة. ووقائع حياته تشذ عما يقع 
عادة بالكردء وخصوصاً أبناء الأسرة الدينية الصغار التي اشتهرت جداً في فترة 


208 


حكم السلطان عبد الحميد. وقصائده تنطوي على أعظم الأهمية لأنها تعكس 
ملامح معينة من المجتمع الذي عاش فيه» وأرجو ألا يعتبر نبواً في السياق إذا 
ختمت هذه الصورة للجانب المرح من حياة كركوك بفذلكة مختصرة عن هذه 
الشنتخصنية الشهية”. 

الشيخ رضا هو حفيد (ملا محمود) مؤسس الأسرة وابن عم الشيخ حميد ولد 
في حدود العام 1840 وتوفي في 1909 وارتحل كثيراً في صدر شبابه متجولاً في 
الأقطار العثمانية ومكث ثماني سنوات في الأستانة برعاية (كامل باشا) الكبير 
وقضى سنتين عند خديوي مصر يعلم أولاده الفارسية ثم عاد إلى الأستانة وبقي 
فيها فترة» ثم حج إلى مكةء وعاد بعدها إلى كركوك. وأخيراً استقر به المقام في 
بغداد ولم يبارحها. إن ما يمتاز به أسلوبه الشعري هو ما يسميه النقاد الفارسيون 
بازور كلام - أي قوة التعبير) وهي ميزة أرجو أن تنكشف للقارئ من غموض 
ترجمتي الحرفية الدقيقة لما أثبته من مقطوعات ويظهر في كثير من قصائده أنه مبتز 
للمال لا يخجل ولا يرحم» وهجّاء مقذع. ويظهر أن بعض رحلاته كانت تثير 
خصومات ونزاعات مع أفراد أسرته وهو أمر ليس بمستغرب إن كانت المقطوعة 
التالية نموذجاً للرسائل التي يبعث بها إليهم. 


به رخى تير 
قهومهكانبهوذاتهواحو كمى لهسهر بيحروبهره 
بهدرخى نيرى كهنهنيرىههركسى خاوهنمهره 
ديتمبهكريائهى درمكهر(فيالمثل) شيري نهره 


(1) أكثر المواد التي أدرجتها في الفقرات القادمة ظهرت في مقالي «شاعر كردي هججاء: الشيخ رضا 
الطالباني» نشر فى (مجلة جمعية أواسط أآسيا:الملكية) المجلد : 22 لسنة 1935 (كانون الثاني)» وقد 
ظهر بعدئذٍ في العام نفسه» ديوان له يحوي مجموعة من قصائده الكردية والفارسية والتركية طبعت 
في مطبعة (مريوانى) ببغداد. 
ملاحظة المترجم : إن مريوانى التي وردت في هذه الحاشية ليست المطبعة وإنما هو الناشر. 


2359 


بانهقهوميست ونهنزاننثهمههمووشوروشهرة: 


كشت له سه رب به رخى شه ل و كاورى له رو به رخى كه ره 


ياقومي أقسم بذاتهء ذلك الذي وسع حكمه البحر والبر 
من كان يملك غنماً منكم ولا يرسل كباشاً فأهاجمه وأمزقه 
وإندكانلهفعل صولةالأسدالغض نفر 
وخير له أن لا يؤول إلى هذا وأن لاا يعرف الناس أن كل هذا 
الشجارء هو حول كبش أقزل وجدي أجرب وحمل هزيل 
والمقطوعة التالية هي حكاية يرويها عن لسانه نفسه حول مغامرة لابن أحخيه. 


برازا عزيزه كه م 
رووم كرهبهرفسي خاسى برازاعزيزهكهم 
ئهمشهويهصهوتهواضهع و ئيخلاص وسهركزى 
روانيملهدرزى قايى بهوه خوي وتابعيان 
دانيش بوون دووريزهلهدهورى خلهى كهزى 
دهت دوت نه مى كرايوويهمه خصوصى قايبييهوان 
خوي كرد به نيره تورك ووتي (كيم بيلير سزي)؟ 
بييموتمهوفلانهكهسممامه شي خرهزامء 
تانمزميس خومهييسئهفهندىمهكّهربزى؟ 
ئهمسوددى بابهبومتههء كيظهاركهتابروم 
يانمهدرحهمتكهحيزهلهسهرماكونمتهزى'" 
غ0 لم ينقل المؤلف هذين البيتين من القصيدة: 
ثه مجا به كوردى هاته ته كه للوم» وتى به لي 


400 


وهو ختى كودلامموعامهلهزاينمعهرهزجىبه 
دهدرحالكهرامهياشهوونتهمايهعاجزى 


الترجمة : 
ابن أخي العزيز 


قصدت مجلس ابن أخي العزيز الخاص» وكنت تلك الليلة أشعر 
بكثير من التواضع والإخلاص والوداعة» ونظرت من شق الباب 
فإذا به وخلانه قاعدون فى صفين حول (خفرابن كزى) 
وأعتعد أن حارس البات قد اندر بسكل متغضرمن فانتصب أعامئ 
قائلاً بالتركية«من تكون؟ فأجبتهإني فلان ابن فلان 
عماجل شي رما الاعسرقه)] يا حمسيس انتحدى !نذا 
كان إغلاق الباب في وجهي بسببي فقط فأصدقني القول 
وسأذهب. وإلا افتح لي أيها «المأبون» فخصيتاي تقضقضان برداً! 
(لجأ الكاتب إلى حذف شيء غير مستحب ذكره في هذين البيتين الأخيرين 
فأثبتناهما نحن كما هما): ش 
وعندماتبين لى الغرض المأمول من هذهالمعاملة 
العترفت إلى خال هتينك ورثيه ركعينيي التعيطا 
وكان (خفر) المذكور هناء راوية مشهوراً لقصص من نسيج الخيال والكذب 
والمبالغة وهو خير نموذج لرجل ينسب إلى أمه (كزى) عوضاً عن أبيه وبمعرفتنا 
حقيقة طبع شيخ رضاء لنا نفترض أنه كان أقل غيظاً لسلوك (أخيه) الفاضح». من 
حرمانه قصص (خفر) وقد أكد لي الشيخ حبيب الطالباني أن الشيخ رضا في 
قصيدته هذه لا يقصد (ابن عمه العزيز) وإنما يريد أخاه الأكير (محمد علي) 
العجوز صاحب الشمسية والجحش! 
> له و شيخه حيله بازه كن و قومار بازر كه ردزى 
وترجمتها: وهنا طفق يتحدث بالتركية قائلاً: بلى إني أعرف أن أمثال هذا الشيخ هم الخداعون 


والمكارون وسراق الحمير. (المترجم) 


401 


ولم يكن ابتزازه قاصراً على ذوي قرباه» بل تعداه إلى الآخرين» والرسالتان 
الشعريتان التاليتان قيل إنهما موجهتان إلى كل من السيد (نوري النقيب) أحد أفراد 
أسرة البرزنجة الساكن في السليمانية» وإلى (حاجي أسعد آغا حويزى) الساكن في 
(كوي). 


كه له شيرى 
كهلهشيرى يه ررهزا)لازمهكرماشانى 
زيرهكوجابوك ودهممكهرمودروشهررائنى 
كله شيرى كهقهيى كرت لهبناكويى كهلهشيرى 
يربهدهمبيجرىٌهدهك سهكّى ههورامانى 
كهلهشيرى كهئهكهرشيرىنهرىبيتهمهساف 


راى رفينى بهشهقى ميسلى كهرى تالانى 
بهدريؤى وهكومهولانذبهكهلهى ميرىبهيات 
بيهدجهسامهت وهكوكوبخازلهكهى بيبانى 
نهدى نه قيب ززدهبنيرهكهلهشيريكى وهها 
بورهزاكهىكهكدي قابييهكهيكهيلاني 
الترجمة : 
ديك القتال 
«(رضا)ءيلزمهديك قتالء» ديك كرمشاني 
ذكي؛ء سريعء؛ نقاره قويء عراك؛. مقنام 
ديك عندمايطبق منقاره على شحمةديك آخر 
يقلعمنهاماءفم.ء مثل كلب ٍهوراماني 
ديكإن صال عليه أسدغضنفر فسيدفعه 
عنهمثلمايدفعالمرء جحشأاًمنههبِاًأمامه 
ديك طويل الرقبةكمولاناالبك(ميربيات) 


402 


أي نة زادة! ابعث بديك قتالكهذا 





إلى (رضا) ذلك الكلب الذي يحرس الحضرة الكيلانية 


توتن 
تؤكهمنهزهرىدهرحهقى منايستهكهئاغا 
منماوهههواى صوحبهتى تومههرلهدهماغا 
بوتوتنهكى بيشهمه (شاوور)و(شيتنله) 
شينتبوومونههاتوهختوهدلمدهرجى لهداغا 
جاران جه به جاغوجهيهباربوتههنارهدم. 
نالهنيرىثئهميستانهبهبارونهبهجاغا 
رىوي نهونهوكهباجكيرىئهكهرزورهدهفهرموى 
رىوي خاسهبهش هو خالىيهبابى بهبلاغا 


الترجمة : 


أنت يا آغافي هذه الأيام تتناسى إعطائي حقّي 
وأماعنيء فشوقيإليكلايبارح فكري 
وإني لأعيم حبأًيتبغ(بيشمه وشاوروشيتنه) 
ولم يردني منهشيء.. وهاأن قلبي يكاديتفجر آلاماً 
فيالماضي كنت تبعث به إلى جراراً وأكياساً 
أماالآن فأنتلاترسلهلا بالجرر ولا بالأكياس 
وتقول إن جباة الاستهلاك كثيرون على طريق بثر النفط 
لوص حهذافطريق خاسةمهجورليلاً 
ولك أن تمةدمهفهه تاي إذذننئ لامها 


403 


أعتقد أن معظم أجزاء القصيدة واضح مما سبق ذكره في هذا الفصل وما قبله. 
في القصيدة الأولى يقصد بنهيق الجحش المنهوب, إن الحيوان المسروق يصعب 
حنّه على السير في أي وقت وحالة» ولذلك يستدعى بذل مجهود بشري فائق 
لقيادة جحش منتهب إلى بر الأمان قبل أن يدركه المفتشون عنه» وهذه الحقيقة 
يعرفها أصغر طالب مدرسة كردي, وأما في القصيدة الثانية ف(شيتئه) هي قرية 
و(بيشمه) هو اسم نوع من التبغ ذي نكهة خاصة» وطريق بثئر النفط يدخل كركوك 
من الغرب قاطعاً ما هو الآن حقل يعود إلى شركة النفط العراقية وطريق (خاسه) 
يسلك قاع النهر الجاف من الشمال الشرقيء و(بلاغه) هي عين ماء في أسفل التل 
الكبير قرب موقع (بيعة الشهداء) الأثرية. 

على أن تلبية هذه الطلبات لا تعني أن متسلمها سيكف ويقنع بما جاءه» وهذا 
توضحه القصيدة التالية الموجهة إلى (ميرانى خدر بككك) من -خوشناو. 


كيسترى ديارى 
ميربهصهدمنتهت ههناردى ئيستريكى رووت وقووت 
ده ست ويا سسست و سه قه تاثه ندامى هه روه ك عه نكه بووت 
خاوه نى تاليكىى ناليمبى نهداوهموتلهقا 
داويهتى ثئهمماوهكوبيستوومهقووتى لايمووت 
يشتى رئيش و شانى زامذار ج هده وبوناعيلاج 
جه ند قروو شيكمههبووبومدابهنهوتوعهنزهرووت 
(سهى فتاح)ى مهيتهرمرورى بهموجههت لى ى نه وى 
كلكلى ده رهيناله بن ئهمجابهئاستهم كوي ى بزووت 
كهرجى ناتوانى ببزوى هيندلهروكهمقووهته 
ده نكهجويهكى نيشاندهوى تاقيامهت دى لهدووت 
يووش له لاى حه لوايه» حه تتاكوو يه لو شهى جنكك كه وى 
باىثئهدالوولىثئهداء. قووتىثهدامانهندى حووت 


404 


كهرقهلهوبىنهمئهجننهنبرهته سخير ناكوي 
غهيرى جه ندهده رويش ره فاعى به زه برى جه لجه لوووت 
مهدسلهحهت وايهههتانهى خواردووم بينيرمهوه 
زورئهترسمدهفعهدىبدابمكابهقووت 


البغل المهدى 


الترجمة : 
مَنَ علي (المير) من عظيمة بإرساله لي بغلاً عارياً أجرد! 
قوائمه الأربع ضعيفة عجفاء وجسمه مثل جسم العنكبوت 
لا أقول إن سيده لم يطعمه شيئاً من العلف. حاشاي طيعاً 
فقد قدمله شيعاًء قيل لي إنه«القوت الذي لايموت» 
ظهره مقروح» متكياه مسلوخان مدميان كتفاه متقيحان 
وبمابقي عندي من قروش قليلة ابتعت له نفطأً وعنزروتاًء 
وفي يومء مال إليه بيطري «سيد فتاح» وقد أعيته منه الحيل 
وجِرّذيله حتى قلعهمن جذوره. وهنارفت أذنه قليلا! 
ومع أنه عاجز عن الحركة؛ لضعفه وهزاله الشديدين 
فإنك لو أريته حبة شعير واحدة فسيتبعك حتى يوم القيامة 
التبن عنده حلوىء فماإن تشد أسنانه على قبضةمته 
حتى يهزها ويلوكها بين ناجذيه ويبلعها كالحوت الجائع 
وإذا أدركت السمنة هذا الغول الطماع قلا علاج لأمره 
إلا ابالشيخ رفاعي يقرأعليهأسماء الجلجلوت 
وخيركئ أن اتيت إلى أفكلة فبكل أن يأكتفي 
وأنا أخشى أن يبلعني يوماً ويجعل مني وجية طعامله 
ويقصد بالبيت الأول أن البغل لم يكن عليه سرج ولا برذعة عندما أرسل له. 
أما العنزروت فهو على ما يقال نوع من الأعشاب فيه زهرة صفراء سامة تشبه زهر 


405 


التبغ؛ ويشيع استعمالها علاجاً كما ذكر في القصيدة. ودراويش الطريقة الرفاعية 
اشتهروا بشفاء لدغات الحيات. والجلجلوت هو كما يظهر كائن غير بشري أو 
غول يستحضره هؤلاء عند ممارستهم شعبذتهم. 

وهناك طائفة من أشهر قصائد (رضا) تتضمن هجاءً مقذعاً بأعضاء الأسرة 
الطالبانية»؛ وبعض القبائل الأخرى كالجبارى والداووده والكاكائية إلا أن أغلبها 
موجّه لأفراد معينين وهي أقذع وأفحش من أن تترجم. 

في الفصل الثالث والثلائين من كتاب كّيبون الشهير «انحلال وسقوط 
الامبراطوزية الرومانية»» ذكر لما أطلق عليه (الأساطير السخيفة لتاريخ الكنيسة 
الأول) تلك الخرافة الخالدة عن (ثُوام إفسس السبعة) وأقصد بهم الشبان النصارى 
السبعة الذين بنى الامبراطور (داقيوس) جداراً فسد به مدخل الكهف الذي كانوا 
فيه فظلوا هناك نائمين مائة وسبعة وثمانين عاماً» حتى جاء (ثيودوسيوس) إلى 
الحكم وهذه الوقائع تختلف عما جاء من (سورة الكهف) الثامنة عشر حسب 
التسلسل القرآني. إذ ذكر أن نومهم كان ثلاثمائة وتسع سنوات والتفاصيل الجذابة 
الرائعة تثبت أن كلبهم كان مستلقياً عند المدخل بيدين ممدودتين. وأما عن عدد 
«أهل الكهف»؛ (أصحاب الكهف كما يسميهم القرآن الكريم) فقد ورد في الآية ما 
يلي : #بعضهم يقولون ثلاثة ورابعهم كلبهم» وبعضهم يقولون خمسة وسادسهم 
كلبهم وبعضهم يقولون سبعة وثامنهم كلبهم. . .© وشارحو القرآن المسلمون 
يفسرون الآية» بأن الكلب داخل في عدد أصحاب الكهف ولذلك كان حتماً من 
الداخلين إلى الجنة معهم. وكان (الشيخ رضا) قد توفي في بغداد ودفن في مقبرة 
الشيخ عبد القادر الكيلاني؛ وعلى شاهد قبره يرى الزائر الآن مقطوعة شعرية 
فارسية نظمها قبل موته تشير إلى هذه الأسطورة: 

يارسول الله! جه باشد جون سكى صاحب كهف 





داخل - . ت شومدرزمرهاص حاب تو؟ 
او رود درجنت ومندر جنهمكى رواست؟ 


او سكى اصحاب كهفقفء ومن سكىاصحاب تو 


0406 


الترجمة : 
يارسول الله! ماذالو كنت كلباًلأصحاب الكهف؟ 
أيدخل هو الجنة» وأذهب أنا إلى النار؟ فكيف لو شئت أن أكون 
كلباً لأصحابك أنت مثلما كان ذاك كلباً لأصحاب الكهف؟ 


407 


- 20 - 
راولاش 


يمكنني الآن استئناف الحديث السياسي من النقطة التي وقفت عندها في بداية 
الفصل الأخير. في أيام بقائي في كفرى وهي ثلاثة» تجنبت مقابلة (شيخ محمود) 
إلا أني اجتمعت بضع دقائق مع رؤساء وفد السليمانية وهم (أحمد بكي» توفيق 
بك وحه مه ي عبد الرحمن آغاء وعزت بك جاف» ومصطفى باشا) وهذا 
الأخير جنرال تركي سابق. أذهلتني جرأتهم في اعتبار أنفسهم أعضاء الحكومة 
الكردية الوطنية المؤقتة. وعلى كل كان شيوخ القبائل يتحدثون بحماسة عن 
(كردستان) التي تمتد إلى جنوب جبل حمرين؛ كان التهديد التركي بطبيعة الحال 
هو شغلي الشاغل عند وصولي كركوك. لقد أشفع (أوزدمير) نجاحه في رانيه 
باحتلال كوي بقوة صغيرة. وبإرسال (عباس محمود) من اليشدر المعادية على 
رأس جيش عشائري (له شكر) مع قوة.من جنوده النظاميين لتهديد السليمانية 
بالذات» على أن أحد وجوه المدينة أقنع (عباس) بالتوقف في (سورداش) انتظاراً 
لمقدم (الشيخ محمود) ووصلت دوريات من (كوي) إلى الزاب حتى (طقطق) 
وأسقطنا إنذاراً من الجو على (كوي) نمهل موظفيها ثلاثة أيام لطرد الأتراك إن 
كانوا يريدون أن تبقى مديتتهم بمنجى من القصف. ولم يكن هذا عدلاً منا كما أراه 
الآن ولقد أجابوا أن وجود العشائر في صف العدو يجعل ما طلبناه مستحيلاً 
واستمهلوا وقتاً واتفقت مع (مينيت) الذي كان الآن قائداً لكل قوات الليثي في 
كركوك بأن أول ما ينبغي لنا عمله هو وضع حامية في (آلتون كوبري) لحماية 


405 


الجسرء وتأمين المواصلات مع أربيل والموصل» واقترحنا أيضاً هجوماً جوياً 
شديداً على جيش قبائلي في سورداش. وفي 27 أيلول تسلم (مينيت) جواب 
الرفض المألوف لكلا الاقتراحين من القيادة العامة» وفي اليوم نفسه زارني ضابط 
ركن أقدم من القوة الجوية بعثه نائب مارشال الجو (السير جون سالموند) لبحث 
الموقف. لأنه كان يتوقع نقل القيادة العسكرية في العراق إليه في الأول من تشرين 
الأول تطبيقاً للقرار المتخذ في مؤتمر القاهرة. فكانت الزيارة مثل نسمة من هواء 
منعش»ء وخطوة تمهيدية لتفاهم ودي وثيق كان طابعاً مميزاً للصلات بين (الضباط 
السياسيين) وبين قادة القوة الجوية طوال السنوات التالية. ولثقتي التامة بأن تعيين 
(السير جون سالموند) جاء في وقته المناسب لإنقاذ العراق فقد أسرعنا في تحقيق 
خططنا. إذ لو ضاعت ولاية الموصل فإن ولايتي بغداد والبصرة وحدهما لا يمكن 
أن تقوم منهما دولة قوية» وفي اليوم التالي لزيارة ضباط الأركان» بل قبل نقل 
القيادة بصورة رسمية» كانت الطائرات فوق (سورداش) تبحث عن ال(له شكر) 
المعادي ومع أنها لم تعثر عليه في مكمنه الصخري المكلل بالغابات فإن مجرد 
استعراضها الجوي كان لا يقدر بثمن. 


وركبتني الحمى يوم وصولي كركوك واضطررت إلى تصريف كل هذه الأمور 
وأنا في فراشي» وشعرت في 29 منه بقوة تكفي لترك الفراش وركبت سيارة إلى 
آلتون كوبري ولم أطأ بعد بلاط مكتبي في السراي وكانت سفرتي مملة في طريق 
طوله ساعتان» وهناك كان عملي يتضمن مواجهة الاستعدادات التركية واتخاذ 
إجراءات تهدف إلى تحسين استخباراتنا في المناطق التي أخليت» ولأضع اليد 
على ثلاثة خانات حتى تعسكر فيها قوة من الشرطة المدنية» كنا نزمع إرسالها مهما 
كانت الظروف وسريتين من الليفي» كنت وائقاً بأنه سيصادف على إرسالهما في 1 
تشرين الأول إن لم يكن قبله. 1 


ذكرت أن قرية آلتون كوبري قد بنيت على جزيرة وسط النهرء وقوامها 400 
منزل مع سوق على جانبي الشارع الرئيس» حيث كانت وسائل النقل المارة تصدم 


409 


البضائع المعلقة خارج الدكاكين وسيقان الجالسين على مصاطب المقاهي ولم تكن 
الأبئية قد انتشرت بعد على ضفتي النهر الخارجتين وكانت القوات التركية 
المتراجعة في 1918 قد نسفت الجسرين فأقيم عوضاً عنها جسر حديدي ذو 
عوارض متشابكة ليس فيه شيء من الجمال إلا أنه لم يقو على إفساد روعة المنظر 
من الجنوب رغم قلة المياه في ذلك. الموسم: هذا المنظر هو سراي حكومي 
صغير عتيق مشاد على جانب الطريق كقنطرة» وزرقة ماء النهر المخضوضرة 
الشفافة يجري من عاليته خلال أقنية عميقة ضيقة كأنها نحتت نحتاً في الصخر ومن 
جهة قصبته يمر بأرض زرعت بطيخاً على أسفل السفوح الصخرية التي تنتهي 


.6م 06س 


ولم يتسنْ لي الحصول على المعلومات الكثيرة عن الوضعء لأننا كنا نفتقر 
إلى جهاز استمداد للملعومات منظم. ولكني علمت من أصحاب الأكلاك القادمين 
من (ميرزا روستم) أن (أوزدمير) قد نصب مدير ناحية في (طقطق) هو أحد أغوات 
الكوي الحاقدين. وتوالت التأكيدات حول انضمام قبيلة (شيخ بزينى) إلى العدو. 
وأنها انتشرت على الطريق العام بين كركوك وكوي على ضفتي الزاب. وفي 21 
أيلول أي بعدها بيومين تحرك (مينيت) بكل قوة الليي إلى التون وكوبري وفي 
الوقت نفسه شئّت القوة الجوية من الموصل وكركوك هجوماً جوياً شديداً على 
منطقة الذكنات في كوي وعلى قرى (شيخ بزينى) الكبيرة. وفي 5 تشرين الأول 
وصل كركوك جدّ (السر جون سالموند) وبات ليلة ضيفاً عليّ. كان رجلا أقرع 
وسيماً أنيق اللباس» وُهِبٍ خلقاً ساحراً عالياً» ويشع نشاطاً وحيوية» وقد أوضح 
لي بصورة جازمة أن خطنا من الآن سيكون خط هجوم وقضينا ليلة لا تنسى. فقد 
جلسنا بعد العشاء فوق سطح المنزل في ضوء القمر الساطع الذي يكاد يبهر 
البصرء وأصغى هو بصبر وأناة إليّ وأنا أنفث ما أثقل على نفسي وجثم على 
صدري من أخطاء الماضي وعرضت تقديراتي للموقف السياسي والقبلي وكان معنا 
ضابط كبير السن اسمه (دي د...) فكلف بتدوين الملاحظات لما أقوم بشرحه»: 
لكنه ظل يغفو ويهوم وهو جالس في كرسيه المريحء فلاحظ رئيسه ذلك وراح 


40 


يسلي نفسه بين آن وآخر بالاستفسار منه «هل دونت ذلك يا د..؟2 فينتفض (د) 
ويصحو ويجيب في الحال «نعم يا سيدي» ويشرع في الكتابة مسرعاً بينما أقوم أنا 
بمعاونته بإعادتي أسماء القبائل الصعبة النطق ثم ما تمر فترة وجيزة إلا ويستسلم 
لإغفاءة أخرى. وكانت نتيجة حديئنا أن وافق القائد العام على عمليات أرضية 
تعقب القصف الجوي يقوم به الليفي ضد (شيخ بزينى) وقال | إنه سيكون مستعداً 
لإرسال رتل من القوات النظامية إلى (كوي) إن عجز القصف الجوي عن إخراج 
العدو منها. وغادرت الجماعة كركوك إلى بغداد صبيحة اليوم الثاني إلا أن دفتر 
ملحوظات «(د) المأثور ظل ملقى في مطعم ضباط السراي بكركوك مدة أسبوع لا 
يال ع حر راتررت الغائم حر مراع نقذ مر اقوااتامن تين ,بيني 
الطاعة حال بدء العمليات وفكر آخرون بفرصة أفضل إذا ذهبوا إلى (نويل) وشيخ 
محمود في السليمانية ولذلك لم يجد (مينيت) إلا فلولاً من العصاة في البر وإزاء 
عداء أهالي (كوي) اضطر الترك إلى أخلائها وكانوا قد بدأوا بتعزيز حاميتهم. 
وكان ذلك في 7 تشرين الأول» وبعد أربعة أيام ركبت سيارة مع (لاين) إلى أربيل 
وكان قد خرج صحبة (ليتلديل) مع رتل من شرطة المدينة لاحتلال كوي» وفي 14 
منه تمّ لهم ذلك دون حادث. 


أربيل مديئة تستوقف النظرء فقد بنيت فوق تل مستدير عال ذي سفوح شديدة 
الميلان وفي وسط سهل منبسط» وإلى هذا الموقع هرب (داريوس) بعد أن مني 
بهزيمة أمام الاسكندر المقدوني في معركة اشتهرت في التاريخ باسم (أوبيلا) على 
أن ساحة هذه المعركة الصحيحة إنما هي سهل (كّه و كه ميلا > الوكميلة) بالقرب 
من قرية (كرمليس) المسيحية الحالية”؟ الواقعة * شرق الموصل على مسافة 16 ميلاً. 
والأسر التركية والكردية البارزة في المدينة خلافاً لما في كركوك ما زالت تسكن 


(1) #تعقليان حول عبور الاسكندر نهر دجلة وحول معركة أربيلا بقلم: أوريل شتاين». المجلة 
الجغرافية» رقم 4» تشرين الأول 1942. أعلمني الأستاذ سدني سميث أن موقع المدينة المندثرة 
غير معروف ويكاد يكون من المؤكد أنها تقوم على التل ومن الغرابة بمكان أنه لم يعثر قط على 
كتابات مسمارية في أربيل. 


41 


التل في بيوت أجدادهم الوسيعة المبنية على الحافة فتبدو جدرانها المتلاصقة كأنها 
جدار استحكام يحيط المدينة إحاطة السوار بالمعصم وليس يوجد من الطرق التي 
يدخل منها إلى القلعة غير ثلاثة أو أربعة وكلها شديدة الميل ومنظرها العام أكثر 
مهابة من (أكروبوليس) كركوك المتقورض. وفي ذلك الزمن لم يكن قد بني كثير 
من المنازل تحت التل» وأهمية المدينة موقعها الذي هو وسط منطقة واسعة من 
حقول القمح وكونها على الطريق العام بين كركوك والموصل ومركزاً تجارياً لأنها 
سوق للقبائل الجبلية الساكنة إلى الشرق والشمال. 


وفيما كانت العمليات العسكرية البرية متواصلة» لم ينقطع الهجوم الجوي ضد 
جماعات العدو في (رانية ومركه) ولم تظهر التتائج بسرعة لكن بدأت تصل أربيل 
وكركوك والسليمانية أعداد متزايدة من طالبي العفو من شيوخ القبائل» وكان 
معظمهم قد انضم إلى الترك بدافع الخوف وزادت سفراتي الجوية”' ما بين كركوك 
وأربيل وكوي وكفرى وبغداد وكنت أقوم بمهمة إرشاد الطائرات إلى أهدافها. 
وكانت أول تجاربي في هذا هو القصف الجوي في 27 تشرين. جاء عنه ما يلي في 
يومياتي : «اليوم بدأنا بقصف عنيف (لمه ر كّه)» طرت لأرشد إلى الأهداف», طيار 
طائرتي (مكلارن رايد 864 مع:مآه304) وقد أبدع في قذفه قنبلة (كوير) واحدة 
انفلقت أمام باب السراي ولا بد أنها أخدثت بعض الأضرار. إحساسي تنعشه 
عملية القتصف وأنت تحوم فوق هدفك.. ثم تدور على عقبيك بعد كل قذفة 
لاستطلاع نتائج عملك قبل أن تقوم بدورة هجوم أخرى كأنها مجموعة كبيرة من 
الزنابير العاصفة الدائبة في عملها القثّال». 


(1) في هذا الزمن نقل السرب الثامن (دي هافيلاند 9 - أ نيناك) من كركوك؛ وحل محله السرب 
السادس ويتألف من مقاتلات (بريستول) مع رف واحد من السرب الأول من مقاتلات (سنايب) 
ذات المقعد الواحد وكانت بريستول مفتوحة المقعد وفيها كرسي خلفي مرتفع بحيث تكون كتفا 
الجالس وصدره فوق مستوى برج المدفع الرشاش أما المظلات فلم تكن من ضمن التجهيزات 
آنذاك. 


42 


إن الخراب الذي تمخض به قصف طوكيو وحوض الروهر مما لا يزال طرياً 
في الأذهان ولا شك أنه يطمس ما يعتبر بالنسبة له قصفاً تافهاً جداً. في العام 1922 
كانت قنبلة «كوير؛ م0005 هي القذيفة المعتادة على قدر ما أتذكر وهي مهدد 
(شراينيل) تزن 25 ياوند وكان يسبق القصف إنذار به دائماً» وقد خلق استخدام 
القنابل التي تزن ماثة باوند ومائتين وعشرين باوند ضجة واسعة. ولم تستعمل قنابل 
الحريق لأول مرة في التاريخ إلا في 1 تشرين الثاني. وفي يومياتي: 

«ابوصول قنابل الحريق حلقت سبع طائرات من طراز (كههنة تيناك)من بغداد 
وهاجمت (مركه). كل الطائرات المقلعة من هنا شاركت في إلقاء قنابل اعتيادية. 
لوحظ أربعة حرائق كبيرة صباحاًء إلا أنها في الظاهر لم تنتشر في رقعة واسعةء 
لأنها أخمدت عصر اليوم. إن بيوت الطين مادة تخيب كل أمل». 

ولم تمر العملية دون ضحاياء ففي 6 تشرين الأول سقطت طيارة (لوك ووترز) 
وهو طيار جذاب من جنوب أفريقياء ومن السرب الثامن كان يسكن معيء 
تحطمت وقتل بسبب ذلك قرب (تركه لان)ء وفي 24 منه لم يعد الضابط الطيار 
(هوريكس 1102865) وهو من سلاح المقاتلات (سنايب عونه5) إثر هجومه على 
رانيه» وثمّة واحد أو اثنان آخران لا أعرفهما شخصياً. كانت وظيفتي تتطلب مني 
خلال السنتين التاليتين أن أدعو القوة الجوية إلى بعض العمليات فى أحيان كثيرة» 
وكان القلق يمتلكني في مثل هذه المناسبات وأنا أرقب الظائر ات تعره من نفمانها 
فوق سطح السراي ولا أرتاح إلا عندما أتبين رقم الطائرة بوضوح وهي قادمة. فقد 
كنت أصعد دائماً عندما يأزف وقت عودتها وأظل شاخصاً إلى الأفق بعين لا تريم. 

إن كانت أضرار القصف المادية قليلة» فإن الأثر المعنوي له كان عظيماً 
وظلت طائرات (البريستول والسنايب) تقوم بعملياتها يومياً لأسابيع» وامتدٌ نطاق 
نشاطها من (مه ركه) إلى قرى يشدر المعادية ثم إلى وادي (شاوور) الذي هو خط 
مواصلات العدو الأساسي مع رواندوز» وفيما كانت هذه العمليات مستمرة ضد 
الغزاة وأحلافهم من القبائل» لم تكن الأحوال في السليمانية مرضية قط. 


43 


ربما كان (الشيخ محمود) صادق النية عندما تعهد قبل تركه بغداد» أن يقصر 
نشاطه السياسي على لواء السليمانية» لكن الاستقبال الهائل في ميدان محطة قطار 
(كنكربان) وهواء كردستان المسكر الذي تنشقه في طريقه إلى السليمانية بكثير من 
من زعماء كفرى وشيوخها حتى البيات منهم قد رافقوه إلى عاصمته وسرعان ما 
وصلتني عدة شكاو من شيوخ الطالبانية وآخرين مؤداها أن الشيخ محمود أرغمهم 
وهو في رحلته على توقيع وثيقة بطلب تأسيس دولة كردية بزعامته» وفي 30 من 
أيلول وصل السليمانية فحيته الجماهير حكمداراً» أو زعيماً لكردستان المستقلة» 
وأوضحت الصحف المحلية في السليمانية أن (نويل) لم يأت إلا بصفة ضابط 
ارتباط وهذا في الحقيقة يجعله بمثابة قنصل من نوع ما وحلقة اتصال مع المندوب 
السامي» وفي 10 تشرين الأول صدر بلاغ في السليمانية عاصمة كردستان بإنشاء 
مجلس وزراء يتألف من ثمانية وزراء» وفى تشرين الثاني اتخذ الحكمدار لقب 
ملك كردستان» إن المسألة الكردية كما ناقشها الوطئيون الكرد فى السليمانية ريما 
أمكن توضيحها بأفضل ما يكن في إيرادنا مقتبسين من جريدة (روزى كردستان” 
- شمس كردستان). (المقتبيس الأول هو من أول عدد مؤرخ 5 تشرين الثاني 
2 والمقتبس الثاني هو من العدد السادس المؤرخ في 27 كانون الأول 1922). 


0) 


لإنها.. (يقصد صحيفة عربية تصدر في بغداد) تتكلم عن كردستان كأنها جزء 
من العراق وتسميه لواء السليمانية لوجود بعض العلاقات التجارية والاقتصادية 
الوثيقة بينه وبين بغداد. وهي أيضا تسد مجلس وزراء كردستان (مجلس الإدارة 
المحلية) وهذه الأقوال مؤسفة جداً. لا يمكن أن يصدق المرء أن يبلغ شخص 
(1) انظر مقالي (صحيفة كردية: روزى كردستان)» مجلة جمعية أواسط آسيا الملكية» مجلد 12» سنة 
25 


414 


مثقف هذا المبلغ من الطيش في إصدار الأحكام المتسرعة» إننا لم نتوقع أن يطأ 
جارنا الصديق العظيم حقوقنا التي يمتد عمرها ألف سنة بقدمه. ويقطع العلاقات 
الطيبة بين الحكومتين والشعبين أو.. أن يعتدي على حدودنا.. إن قيام حكومة 
كردستان يعرض للعراق الفوائد بالألوف لا بل إن كيان العراق ووجوده لا يمكن 
تحقيقه إلا بوجود حكومة كردستان. إن علوم التاريخ والجغرافية هما شواهد عدول 
على أن الأمة الكردية كانت تعيش وحلة قائمة بذاتها. وقد أثبتت هذه الأمة قوامها 
القومي بوقائع عملية أن أبناءها لا يقلون ثقافة ومدنية وتمكنا في الصناعة والتجارة 
عن أمثالهم إن لم يفوقوهمء وهم كذلك يساوونهم في حقوقهم كبشر سويّ وفي 
حيازتهم شرط الأرض والسكان وما إلى ذلك.. إن مبدأ حق تقرير المصير تجيش 
به نفس وعقل كل مواطن من الشعب الكردي, إن نِعَم الحقوق القومية والحدود 
الإقليمية التي قررتها عصبة الأمم بحق لهم قد قررتها لنا أيضاً ولأجل المحافظة 
على نصيبنا في ذلك سوف نبذل كل التضحيات الواجبة ونسخو بكياناتنا المادية 
ورمجهوداتنا المعنوية.. إننا نصرح بكل فخر بأننا شعب نقي خالص لا يعرف 
للخوف معنى» نحن أحراراً ولسنا عبيداً ونحن الآن نحمد الله لأن ليلنا انقلب 
نهاراً وإن... زعيماً عظيماً وقائداً مثل ملك كردستان (الملك محمود الأول) بعث 
إلينا مرة أخرى يأعتجوبة من عائت المسيم إن الغاية المقدسة الى وضعها لال 
ملك كردستان نصب عينه» كانت رعاية حقوق كردستان وحماية حدودها الطبيعية 
والمحافظة على علاقتها طيبة حسنة النوايا مع جيراننا...»”". 


(1) تضطرنا أمانة النقل والترجمة إلى إثبات ما أورد المؤلف رغم عدم اثتلافه مع آرائنا ومع المفاهيم 
الجديدة التي يعيشها العهد الجديد العراقي. تلك المفاهيم التي أكدت الوحدة العراقية والمصلحة 
المزدوجة التي تحتم على الشعبين الكبيرين في العراق العيش في وطن واحد. ولا شك أن القارئ 
المنتبع يسهل عليه تفهم 'بواعث الاشتطاط في التحمس العنصري والمضاعفات الخطيرة التي 
يولدها إن لم تتم معالجته بحكمة على صعيد التثقيف السياسي. (المترجم). 


41 


2) 

«(كردستان) عندما ينطق رجل مثقف بهذا اللفظ فهو لا يعني به قسم 
السليمانية فحسبء» وإنما يقصد به إقليمياً جغرافياً واسعاً» ويفكر في شعب كردي 
موحد كثير العدد. إن الحدود الطبيعية لهذه البلاد.. وهي واضحة... ولما كان 
جميع أهالي ولاية الموصل كرداً فلماذا يطلب شعب غريب استعادة هذه الولاية 
ولماذا يريد آخر ضبطها؟ إن الترك والعرب والأثوريين» يدعمون مطاليبهم لها 
بوجود عدد قليل من أبناء جلدتهم فيها.. إن المطلب الذي وضعناه أمام مؤتمر 
(لوزان) ليس حماية أقلية وإنما تزكية وتثبيت حق الحياة لشعب عظيم حرٌ مستقل 
داخل بلاده الخاصة به). 

هذه الآمال العراض التي أظهرها متحمسو السليمانية» ما لبثت أن أحدئت 
غلياناً في الألوية المجاورة» إن المواطنين البارزين بوصفهم أعضاء فعالين في 
الأسر القبلية الحاكمة أو ممثلين لها حتى ذلك الوقتء» كانوا لا يستطيعون أن 
يفكروا في الخضوع لا إلى حكومة عربية في بغداد ولا إلى حكومة كردية في 
السليمانية» في حين تلكأت أغلبية الكرد في إعلان ولائها وقبولها دولة لكردستان 
يحكمها شيخ محمود. وكانوا يفضلون نوعاً من «الإدارة الذاتية الخاصة» بإشراف 
المندوب السامي أشبه بشيء يقف بين الامتياز الإداري الذي أعطى السليمانية وبين 
السيطرة المركزية لحكومة بغداد على باقي البلاد وأن يظل ذلك سارياً حتى انتهاء 
البتَ في مستقبل ولاية الموصل. 

وفي كركوك كنا بعيدين جداً عن المشاكل الأخرى التي أنجمت حلقات 
سياسية في العاصمة وفي الجنوب؛ وكانت الطبقات الناضجة سياسياً في العراق 
تفسير اصطلاح (الانتداب) بفكرة حكومة فرضت على البلاد فرضاًء لا نوعاً من 
الوكالة والأمانة محددة هوية العمل الذي يمكن للدولة المنتدبة أن تدعوه بحق 
الفتح على ضوء مفاهيم القانون الدولي العام الماضية. واشتدت معارضة كل فكرة 
(انتداب) بسرعة عظيمة وقررت حكومة صاحب الجلالة البريطانية بعد فترة قصيرة 


416 


من تأليف الحكوفة العراقية المؤقتة» استبدال الانتداب بمعاهدة تحالف تحدد 
علاقاتها بالدولة التي شكلتها وأن يلحق بهذه المعاهدة سلسلة من الاتفاقات 
الجانبية لتثبيت الأسلوب الذي تتبعه سلطة الانتداب في نقل سلطاتها وواجباتها 
وتحديد الهيئات التي تقوم بذلك» فبعد توقيع المعاهدة» كانت الخطورة الثانية 
للتقدّم الدستوري العراقي هي انتخاب مجلس تأسيسي لإنجاز ثلاث مهام محددة 
وهي : المصادقة على المعاهدة وسن دستور» واشتراع قانون انتخاب عام جديد. 

إن مشكلتنا المحلية هنا تقدمت إلى الطليعة عندما نشرت المعاهدة في 10 
تشرين الأول أي بعد قدومي بثلاثة أسابيع”" وعلى إثر التعليمات التي أرسلت إلى 
متصرف كركوك ومعاون المتصرف في أربيل لاتخاذ الإجراءات الضرورية حول 
انتخاب المجلس التأسيسي. وكانت تعليماتي هي أن أعمل بدأب ولكن ليس 
بالحاح. لزحزحة كركوك عن موقفها المنعزل إلى حد ما عن الدولة العراقية وكان 
أعيان المدينة يدركون بدقة أن الإسهام في الانتخابات سيعني حتماً إلحاق الأذى 
بالقرار الذي كانوا يهتمون كثيراً بإرجائه في الوقت الحاضر. ولم يكن مندوحة من 
نشوب خلاف شديد في الرأي بيني وبين (نويل) حول السياسة التي ينبغي علينا 
اتباعها وبدا لي وكأنه يميل إلى النظر في المسألة بكثير من اللامبالاة» من خلال 
غدسته الفكيرة: لمان 


(1) هوجمت مدة سريان المعاهدة المحددة بعشرين سنة هجوماً عنيفاً» وسرعان ما اتضح أن الأمل 
ضعيف بالمصادقة عليها دون إجراء تعديلات؛ ولذلك شرع في مفاوضات وتم الاتفاق على 
بروتوكول ملحق بالمعاهدة وقع في 30 نيسان 21923 يقضي بإنهاء حكم المعاهدة عند قبول العراق 
في عصبة الأمم. وإن لم يكن فعلى أبي حال بعد أربعة أعوام من المصادقة على معاهدة الصلح مع 
تركيا (لقد افترض خطأ كما أتضح فيما بعد أن معاهدة صلح مع تركيا قد تتضمن تنازلها عن كل 
مطلب لها بخصوص السيادة على العراق كله) إن الاتفاق اللاحق المذكور لم يتم التوقيع عليه إلا 
في العام 1924. ٠‏ 

(2) لا شك أنه كان شعوراً متبادلاً. وإني أدلي بهذا التفاصيل لا لأثبت بأني المصيب وهو المخطئ 
وإنما لأوضح نوع المواقف الصعبة التي كنا نجد أنفسنا متورطين فيها باستمرار» حتى تمت تسوية 
قضية الموصل مع تركيا أخيراً ولقد كنت في السنتين الأخيرتين حصان الحلبة في اختراع مشاريع- 


41 


كنا قد يئسنا من إبقاء الترك خارج الحدود بمواردنا وإمكاناتنا الخاصة فعدنا 
إلى استخدام الشيخ محمود لترصين الشعور الوطني الكردي لكونه الوسيلة الوحيدة 
لدرء خطر الترك وكان علينا أن نقبل بكل آثارها ونتائجها المنطقية أو النزول إلى 
كل مطاليبه المدعومة من كل أكراد الألوية الثلاثة إلا إذا ثبت خرق سياستنا وقصر 
نظرها. ولذلك كتبت في 17 تشرين الأول إلى المندوب السامي ما يلي: 

«إن لهجة التقارير الأخيرة من السليمانية تملأني بالهواجس والسياسة التي 
نتبعها اليوم» ترتكز على سلسلة من فرضيات زائفة تؤدي إلى نتائج خطرة للغاية. 
إن مطلب إجراء انتخابات عاجلة مستندة إلى الافتراض بأن أغلبية سكان كركوك 
الساحقة ستصوت للشيخ محمود وقد بينت في رسالة أخرى أن نتيجة كهذه 
مشكوك فيها جداً. وعلى أي حال فعلينا أن نتهيأ لاحتمال تصويت الأغلبية ضد 
(الشيخ) ولقد قيل لنا إنه سيناصبنا العداء إذا حاولنا طبخ النتائج. وإذا كان مقتنعاً 
حقاً أنه حائز أصوات ثلاثة أرباع اللواء قفي حالة فشله في كسب الانتخابات 
سيروح به الظن إلى أن العملية قد (طبخت) والنتيجة ستكون هي هي (ثم مضيت 
أصف العراقيل العملية التي تحول دون إقامة أي استفتاء عام من النوع المقترح 
طبقاً لمواد قانون انتخابات المجلس التأسيسي). 

وفيما كان الشيخ محمود يجاهد جهاداً عنيفاً لكي يتم الاعتراف به رئيساً لدولة 
كردية موسعة» أخذت الأمور في السليمانية تنحدر من سيء إلى أسوأ فالمبالغ 
الكبيرة التي تركت في الخزينة وقت إخلائنا المدينة بعثرت في الأسابيع الأولى 
الثلاثة وفرق معظمها كهدايا لشيوخ العشائر الذين اجتمعوا في المدينة وذهيت 
نفقات استضافة أتباعهم الكثيرين» وأن الضباط الكرد الذين تفضل الجيش العراقي 
بإعطائهم الإدارة ليكونوا نواة من المثقفين قد استبعدوا وفضل عليهم الشيوخ غير 
المثقفين. واغتيل ضابط سابق عالي الثقافة اسمه (جمال بكره) كان قد استقر في 


-وتنظيم الخطط لعمل محلي ممكن ولقد ظهر الكثير من مشاريعي غير عملي عند التطبيق أو أنه 
أعطى نتائج تافهة وإنك ستجد بعد قليل مثلاً واحداً من تلك الخطط في السطور التالية. 


418 


السليمانية» وكان سبب قتله هو انتقاد حكم (محمود) ويشاء سوء حظنا أن ينضب 
مال الخزينة في الوقت الذي وصلت أولى شحنات تبوغ الموسم الجديد إلى 
مخازن مكوس السليمانية» وهذا المحصول هو مصدر المال الأساسي للمنطقة» 
فتمكن محمود من تمويل حركته بجباية العشر الاعتيادي وفرض الضريبة حسب ما 
قررته القوانين وكثيراً ما كنت ألجأ في حالات الضرورة إلى اتخاذ عمل عاجل 
ضارباً عرض الحائط الإجراءات العادية المركبة» فأصدرت تعليمات تقضي بعدم 
اعتبار الوصولات الصادرة من السليمانية وصولات رسمية أو دليلا على استيفاء 
الضريبة (وهي ضريبة مركزية لا محلية كالعشر الاستهلاكي) ولسبب ما بدا 
الموظفون الماليون أضيق عقلاً من غيرهم إذ لم يعتم أن وصلني احتجاج شديد 
من. مدير الجمارك والمكوس العام حول تدخلي السافر في دائرة اختصاصه. 
وقضيت زمناً طويلاً لأفهمهم بأن المبالغ التي تجبى في السليمانية إنما تنفق على 
أغرض معادية وأنهم يخسرون فعلاً عوائد هامة» على أن هذا الإجراء» لم يحرج 
(الشيخ محمود) أو يعطل أموره أكثر من أسابيع قليلة وفضّل التجار أخيراً دفع 
الضريبة مرتين على حرمانهم من تجارتهم حرماناً تاماً. 


وفي نهاية تشرين الأول انحرف مجرى الأحداث انحرافاً روائياً جديداً بوصول 
(إسماعيل آغا سمكو) زعيم قبيلة شكاك المرهوب الجانب إلى الحدود الإيرانية 
التركية في إقليم (قوتور) ثم قدومه فجأة وبدون إنذار إلى (ديره) القرية التي تبعد 
عن شمال أربيل بثمانية عشرة ميلاً. فبعد أن انتزع من الحكومة الإيرانية كل مناطق 
الحدود من (دلمان) حتى (بانه) في ثورة حاول إكساءها الطابع الوطني الكردي». 
إنهار فجأة أمام عملية عسكرية مزدوجة قامت بها قوات تركية من الغرب» 
والجيش الإيراني الذي جددت شبابه إصلاحات رضا خان - من الشرق. فخسر 
مدافعه ورشاشاته وقطار بغال محملاً بالعتاد كما فقد ضحايا كثيرة منها زوجته 
وأشر عي الهاقن الناضة كان قرة عينه فجاء إلى العراق يطلب العون وذهل وتألم 
من رفضنا السماح له بالمجيء إلى أربيل على أن قضية (سيد طه) ساعده الأيمن 
كانت تختلف عن قضيته فقد جاء بمفرده» بعده بيوم أو اثنين وكان عثمانياً ولديه 


49 


أملاك قبلية ومصالح إقطاعية في قضاء رواندوز» وهو كما يذكر مرشح محتمل 
للمنصب الذي اضطرنا تعاقب الأحداث إلى إسناده للشيخ محمود ولذلك طلب 
منه أن يأتي إلى كركوك قبل كل شيء.. وهناك قابلته في 31 من الشهر. 


كان (سيد طه) رجلاً ضخم الجثة وريما بلغ وزنه 112 كيلو غرام وكان يرتدي 
سترة من القماش المحلي على الزي الشمالي» وسروالاً عريضاً من الأسفل ذا 
خطوط رمادية وفوق السترة الصدار الصوفي السميك المألوف وفي رأسه طاقية 
روسية (بالكالافا) منسوجة أشبه بالخوذة وفي قمتها كرة (كوينكك) اتخذها رمزاً 
لحركته القومية الكردية الخاصةء على جاري عادة الآسيويين في مثل هذه 
الأحوال. ووجدته رجلا ذكياً كيساً مفرط التهذيب» حسن المِقُْوّل متين العضل» 
شديد الحيوية رغم بدانته واشتهر بأنه هداف بالبندقية لا يشق له غبار وكانت خيبته 
ظاهرة للعين عند سماعه أن المندوب السامي على الأغلب لن يتبنى اقتراحاً حول 
القيام بنشاط خارج حدود العراق. على أنه عرض تعاونه لإعادة سيطرتنا على 
رواندوز وكان يرى من السهولة بمكان طرد الترك الذين يتجاوزون (130) رجلا في 
منطقة رانيه و(120) رجلاً في رواندوز و(50) رجلا في الزيبار غرباً. وقال إنه 
سيستخدم رجال قبيلته الذين كان يوجد منهم في العراق زهاء ثلاثمائة أسرة» كما 
يستطيع استمالة رجال قبيلة ال(هه ر كى) البدوية الكبيرة التي كانت تقترب في ذلك 
الحين من مشتاها في (عقره)؛ وأن يقنع شيوخ القبائل الذين يتصلون به اتصالاً 
وثيقاء وكل ما يطلبه هو قليل من الإسناد الجوي وكمية من البنادق والعتاد ومبالغ 
كافية لتموين (له شكر) بالطعام ولم يطلب لنفسه مكافأة» وإنما عرض تعريضاً بأنه 
يأمل أن يوكل إليه أمر الإشراف على أقضية رواندوز وعقرة والعمادية مثلما أطلقت 
يد الشيخ محمود في السليمانية. 


وراقت لي فكرة سياسية سريعة تجاه رواندوز ضمن الخطط التي تستهدف 
إعادة سيطرتنا حتى حدود ولاية الموصل مع حل مشكلة السليمانية في الوقت 
نفسه بالحيلولة دون تعامل الشيخ محمود مع الترك مباشرة فأوصيت بغداد بهذه 


110 


الخطة وتحمس لها بورديللون ونقل (السيد طه) إلى بغداد بالطائرة ليشارك في 
مؤتمر ثلاثي منعقد بين الملك فيصل والمندوب السامي ووفد من السليمانية» 
حول مستقبل العلاقات بين اللواء ذي الحكم الذاتي وبين الحكومة العراقية؛ 
وطلب مني في الوقت نفسه أن أخرج لمقابلة (سمكو). 


وعلى هذا ركبت الطائ ة إلى (كوي) في 4 تشرين الثاني للاجتماع ب(لاين) 
وكان قد عاد من كوي بالسيارة - وأحمد أفندي (وليتلديل) بالسيارة» لملاقاته في 
(كردى) حسب الموعد وهو على طريق (ديره) الخارج من (باريكه) وعلى مسافة 
عشرة أميال منها. كان يرافق (سمكو) أخوه (أحمد) واثنان أو ثلاثة من أقربائه 
وزهاء عشرين من الأتباع وكان زي الأغوات أنيقاً إلى حد كبير فشكله موحد ومن 
قماش (السيرج) الذي يستخدمه الجيش البريطاني وينتعلون جزم ركوب روسية 
طويلة و(كلاوات) أسطوانية طويلة شائعة عند (الشكاك) تخفيها تماماً عمامة مؤلفة 
من عدة مناديل حريرية ملفوفة حولها لف محكماً وكانت سترهم مزدوجة الصدر 
ذوات ياقات قوية عالية مزرّرة حول العنق ويشتملون بمعاطف مما يرتديه الفرسان 
أما سراويلهم فمحكمة التفصيل وكأنها خرجت لتوها من (سافيل رو «20 11<د5) 
وكان كل منهم متقلّداً أجندة رصاص عديدة وعند بعضهم نواظير تتدلى من 
أكتافهم. وأما (سمكو) فكان رجلا متين الألواح ممشوق القامة ربعة وملامحه لا 
تختلف قط عن أي قسمات أوروبية وشاربه المشذب على طراز فرشاة الأسنان 
يصلح أن يكون مظهر أناقة لأي ضابط بريطاني وقد كشف عن انتظام أسنانه 
البيضاء اللامعة بابتسامته العذبة التي قد تبدو ابتسامة تواضع وخجل. 


وكان موقفه كموقف (سيد طه) فهو لا يكنّ للإيرانيين شعوراً بالحقد خاص 
فقد جرعهم بقدر ما جرعوه وأعطاهم قدر ما أخذوا منه لكنه يريد الآن تصفية 
الحساب مع الترك الذين تظاهروا بدعمه ثم انقلبوا عليه. واستغرب كثيراً لحذرنا 
من إثارة شعور الإيرانيين. في حين أنهم يتعاونون تعاوناً سافراً مع الترك على طول 
الحدود بعد طردهم من رواندوز ورانيه وهم ما زالوا يحاربوننا علناً وقال إنه جاء 


41 


مؤملاً أن نكون على استعداد لتبئئي قضية تحرّر الشعب الكردي» بالوقوف ضد 
الحكومتين المعاديتين لناء فإذا كان مخطثاً في أمله هذا فلا رغبة له في أن يطلب 
حق اللجوء منا بل سيعود إلى دياره وقبائله ويبذل جهوده بمفرده. 

في هذه المقابلة اكتشفت شيئاً هاماً... وتوصلت إلى كل سؤال ظل يراودني 
دائماً وهو كيف يسهل عليّ أن أتزود بمعلومات دقيقة عن أي مؤامرة قبائلية كردية؟ 
كان اجتماعنا ب(سمكو) قد تمٌ داخل أبواب مغلقة في مضيف جميل (أغا كّه ردى) 
وكان الخادم (القهوجي) يدخل بين أن وآخر لتوزيع فناجين القهوة علينا بالطريقة 
العربية التي تقتضي منه القيام بدورة أو دورتين أو ثلاث كل دفعة. ولاحظت بعد 
كل دورة أنه يسنده ظهره إلى ركن الباب كأنه غير ملق بالا إلى ما يجري. وبدا لي 
أن الكرد المجتمعين لا يلحظون أبدا بأنه يصغي بأذان مرهفة إلى ما يدور. وكانت 
مهمة إخراجه أو إيقاف الحديث عند حد والتزام جانب الحذر تقع علي أو على 
(لاين). 

إن الخطة التي نجمت عن محادثات بغداد لم تكن وفق هواي» فقد زاد (سيد 
طه) على طلباته من البنادق العتاد والمال» بطلب تسريح (150) متطوعا كرديا في 
الجيش العراقي ولمدة شهر واحد لتعزيز القوات القبلية بها وطلب أن يناط (بنويل) 
مهمة الإشراف السياسي وكان آنذاك في بغداد صحبة وفد السليمانية. 


ورُسم أن أذهب إلى كركوك وأهيئ نفسي للانتقال والعمل في عقرة بعد ذلك. 
كما قُرّر أن يُنشر تصريح حول حقوق الشعب الكردي حالما يتم الاتفاق على 
صيغة بين الحكومتين البريطانية والعراقية. والآنء وبينما كنت أتوقع تحريك 
جانب من قطعاتنا النظامية كالليفي لدعم وتثبيت سيطرتنا في أية منطقة قد يحمل 
أهلها على إخلائها بالتهديد التركي - القبلي» بدا لي الجنود المائة والخمسون 
الذين أبعدو اعن وحداتهم بمدافعهم الثلاثة وحرمانهم خدمات صنف الإعاشة 
الضروري جداً في ميدان الحرب أشبه بمبلغ من النقود يسدد جزء من الدين لا كله 
كما أنها تحبط عملية الإنهاك التي كنت قد رسمتها في ذهني لما يتخلل العملية من 


002 


بطء وغموض وكذلك بوجوب تسليم زمام الأمور (لأحمد أفندي ولاين) 
المشرفين على الإدارة في أربيل وأن لا يبقيا خارج نطاقها مثلي ومثل (نويل) (إن 
خضوع أربيل لكركوك كان شكلياً بحت وقد قدر له أن ينتهي بنهاية العام). على أني 
لم أستطع التنصل من كل مسؤوليات الأبوة وإن لم يكن ثمّة وليد كما أملت تماماً 
ولذلك انتقلت إلى أربيل في الحادي والعشرين منه. 

وحالف الفشل وسوء الحظ عملية (راولاش: رواندوز له شكر) منذ البداية. 
في 17 منه فتحت السماء أبوابها وصبّت سيولاً من المطر الغزير ثلاثة أسابيع كاملة 
بدون انقطاع ووصل الجنود المتطوعون من الموصل وبغداد في 26 - 28 منه بعد 
أن خاضوا بحاراً من الطين والمطر وقاسوا البرد والزمهرير دون أمتعتهم. وقد 
عصفت روح التمرّد والسخط فيهم. ولما وصلت تجهيزات الحملة بعد بضعة أيام 
وجد أن معظمها من القديم الملغى» كان صنف المدفعية قد اعتبرها حطاماً غير 
صالح للعمل. وخيب (سيد طه) الأمل المعقود عليه إذ ظهر أنه بالغ في مزاعمه 
حول موارده إلى أقصى حدود المبالغة» ولم يلق من الهركي الذي يعتمد عليهم أية 
استجابة وحماسة وظهر لنا أنه لا يملك خطة معينة لنشاط ونطاق عمله وإن كان 
يعتمد على القصف الاعتباطي لا فوق الأهداف المعادية وحدها بل فوق زعماء 
القبائل الذين لا يتعاونون معهء وفيما كانت تمر دون إشارة للتقدّم بدأ المتطوعون 
الجنود يتساءلون عن مصيرهم إن لم يلتحقوا بوحداتهم بعد نهاية الشهر. وكان 
التأخير في نشر التصريح السياسي المنشود يصيب الضباط بالحيرة والتردّد. 

ومرّ على حملة (راولاش) أول أسبوع من شهر كانون الأول وهي قاعدة في 
أربيل بقليل من الأمر في حركة قريبة وأسقط في يدي ووقفت عاجزاًء وأخيراً اتفق 
أن أزور (كوي) لأعمل فيها ما يمكن عمله لعرقلة جماعات العدو ومضايقتها 
وكانت في منطقة رانية» وبعد إنجازي ذلك أعود إلى كركوك. 

وكان بابكر آغا قد زارنا في أربيل فغادرناها معاً في 8 كانون الأول مع حرسه 
البالغ سبعين فارساً بشدريا وأنعشتنا إشراقة الشمس الأولى بعد ثلاثة أسابيع 


003 


وأشاعت الدفء في أوصالنا. وبعد ثمانية أميال من السير في طريق منحدر بلغنا 
أرضاً وعرة متعادية تتقاطع فيها مجار لا تحصى. وتسيل في وديان بين جرف 
صخرية حمراء غامقة ترابية. وعبرنا عدة مضارب لقبائل (بولى) البدوية وهم في 
طريقهم إلى مراعيهم الشتوية في سهل أربيل ولم نصادف قرية حتى المغرب حيث 
وصلنا إلى واحدة واسعة تتألف من مائة بيت وتعرف باسم (شخاه يشكه) ومن 
الجمهور الذي خرج لمشاهدتنا جندي تركي سابق من مدينة (أدرنه > أدريان بول) 
راح ينفخ في قربة موسيقية من صنع محلي ويخرج أنغاماً وكانت قربته واسعة 
بحيث تفسح له مجالا لترك مزمارها عندما تمتلئ بالهواء وإنشاد عدة مقاطع من 
أغنية تركية في حين ما تزال الأنغام تخرج من القربة يتلاشى ضغط الهواء منها. 
وفي (كوي) نزلنا ضيوفاً على القائمقام (جميل آغا حويزى) وقد ذكرت في يومياتي 
أن نساء بيته أعددن لنا ألذّ وجبة طعام ذقتها في كردستان وكان من بين زواري 
الكثيرين (زياد) ابن شيخوخة وقرة عين (حمه آغا غفوري) ورشيد بك زعيم (شت 
كه لى) وقد أبلغني أن الترك في رانيه الذين ما عادوا يجرأون على الحركة نهاراً 
خوفاً من القوة الجوية البريطانية» قد انسحبوا ليلاً وفرّوا عن طريق (بيتواته) الواقعة 
في وادي (مروحة) رانيه إلى غرب (شاوور) مباشرة وأنهم يتراجعون تراجعاً عاماً 
إلى رواندوزء إن قصف (مه ركه ويشدر) المستمر قد أرغم حليفهم الرئيس 
(عباسي محمود) على نقض الحلف أخيراً في حين جعلتهم الإشاعات عن 
الاستعدادات القائمة في أربيل يخشون على مواصلاتهم» وهذا دليل عرضي على 
أن فكرة (راولاش) لم تكن فكرة سخيفة برمتها ولو أن إساءة تطبيقهاء ومفاجآت 
الطقس قلّلا من فرص نجاحها التام» واستمر (نويل) يكافح صامداً مستميتاً ليجمع 
بين سيد طه وسمكو وشيخ محمود ليقوموا مع بعمل مشترك إلا أن مساعيه انتهت 
بالفشل لإصرار الشيخ محمود على استعمال الأول والثاني مرقاة يبلغ بها مطامحه 
ويحقق أهدافه مع أنهما كانا رجلين يائسين لا يأملان من الترك أي رحمة. ودعت 
(بابكر) بعد قضائي ليلتين في (كوي)» وغادرته وهو مستاء لأني لم أتمكن من 
قطع وعد له باحتلال رانيه ويشدر احتلالاً سريعاً. وكان يوم عودتي صافي الأديم 


404 


رائعاً وانطلقت على صهوة حصاني جنوباً في أرض وعرة متعادية مخضوضرة 
بالدفلى التي كانت تنبت في كل ماء. وعند ترجلي في منتصف النهار لم يبق بيني 
وبين الزاب غير ثلاثة ليال وأشرفت عليه وهو يجري مثل خيط من الفضة فوق قاع 
مفروشة بالحصباء بينما ارتفعت خلفه شواهق جبال (خال خالان) و(شوان) 
الخضراء وإلى الشرق كانت قمم (جاسنه وقمجوغه) الشم تشمخ بأنفها خلف.نهاية 
جبل (هيبة سلطان) وكانت قمم (ييره مه كرون) المكسوة بالثلج تطل على (سه 
رسيرد) وتظهر للعين قريبة جداً مع أنها تبعد أكثر من أربعين ميلاً. وبتٌ ليلتي في 
(طقطق) ثم عبرت النهر بالطوف صباح اليوم التالي وكان طريقي يقطع مروجاً 
ربيعية غزينية الأرض ثم صعدت,ء ثم هبطت وعبرت قيعان مجار لا تحصى وكان 
أعرضها مجرى (به ستى عمر مندان)”". 

ينبسط أمام نظر المسافر في نقطة عبور (خالخالان - بارتفاع 2500 قدم) منظر 
خلاب للجبال الشمالية والشرقية: هذه البقعة أصبحت أفضل مواضع النزهة 
للقادمين إلى كركوك من جنوب العراق؛ بعد إنشاء طريق السيارات. وجدت عند 
عودتي إلى مقري» نفوذين يصطرعان في الحقل السياسي: كان شيخ (قادر كرم) 
ويكزادة الجاف وبعض المعتدلين معهم قد بعثوا برسائل يذكرون فيها أنهم قطعوا 
علاقاتهم بالشيخ محمود بسيب صلاته مع الترك» ومن جهة اتضح لي إن 
(راولاش) أفضت إلى فشل مريع وأن رفض الشيخ محمود المستخف التعاون مع 
السيد طه أكسبه مكانة مرموقة ولا سيما عند شيوخ عشائر اللواء من نهاية كفرى 
فيه» حتى الطالبانية أنفسهم فقد شعروا بوجوب مباشرتهم لعبة السلامة فشدوا 
الرحال إلى السليمانية لزيارته» ولذلك ألححت بضرورة التعجيل في نشر التصريح 
الرسمي المنشود حول الحقوق الكردية واقترحت أن يبعث به رسمياً لا إلى الشيخ 
محمودء بل إلى السياسيين المعتدلين في السليمانية. فتمت الموافقة على اقتراحي 


(1) طقطق هي الكلمة الكردية للتيار المائي السريع أو الشلال؛ وعن قرية عمر مندان. أنظر الفصل 
الثالث عشر. 


405 


وقرّر في الوقت نفسه أن يتلقى النقيب ([آ. اج جايمان هدسوفصط .4.3 أوامره مني 
وكان يسكن القلعة في السليمانية - حتى يعود (نويل) (هذا ما لم يفعله). وعلى 
هذا تركت كركوك بالسيارة في 22 كانون الأول» ومعي (الدكتور كورنر وريف) 
حاملاً بجيبي التصريح الرسمي واتجهنا إلى (هه فت ته غار) قرية (دارا بكك) 
وفيها تمتعنا بقترة قنص عصرونية وبتنا الليلة فيها وفي اليوم التالي انطلقت بنا 
السيارة في أرض متعادية حتى (بهرام بككى) مقر الشيخ (طالب الطالباني) رئيس 
مجموعة قرى (كل) القبلية. وهناك تعرّفنا بثلاثة من أخوته وهم (جكال أكبرهم - 
وغالب» ورشيد) وكان الجميع يرتدون جبباً قاتمة على الزي الأوروبي ويشدّون 
على رؤوسهم كفافي عربية ذات لونين من الأزرق القاتم» ويثبتونها يعقال من شعر 
الإبل من النوع الذي يشيع بين حضريي الجنوب. وهو مناسب لصفتهم الدينية. 
وكانوا في غاية الخجل لزيارتهم السليمانية وراحوا يعتذرون ويبذلون الوعود 
للمستقبل. كانت (بهرام بككى) مركز صناعة استخراج نفط بدائية شبيهة بأختها في 
كركوك» وقد قمنا بتفقّد أجهزة التصفية الثلاثة في القرية مع الأبار العشرة التي تبعد 
عن القرية حوالى عشرة أميال» قبيل مغادرتنا صباحاً. كان الطريق إلى (قادر كرم) 
يشق أراضي وعرة كثيرة التضاريس إلى حد الإزعاج وكان يتخلّل الوديان العميقة 
طين أحمر وحجر رملي وصلصالء ودهمتنا عاصفة مطر غزير جعلت الطريق 
الضيق زلقاً وخطراًء وبلغنا غايتنا قبل حلول الظلام وقد ابتلت أجسامنا بالماء 
وعلانا الطين ونحن نقضقض برداًء واستقبلنا ابن الشيخ الذي خرج إلينا راكبا 
وراح يقود خطانا فوق آخر السفوح الوعرة إلى دار ضيافة ذي طابقين في التكية. 
ورخب بنا الرجل العجوز في غرفة العلية المفروشة بالسجاد حيث توجد نار كبيرة 
من خشب البلوط في موقد مكشوف. 


قدر لي الالتقاء بالشيخ عبد الكريم كثيراً في السنتين أو الثلاث التالية وكان 
مطمحه الأعظم كما سبق لي ذكره - أن يرى قيام دولة كردية بزعامة شيوخ 
البرزنجه على أن ذكاءه وبعد نظره كان أمضى من أن يشجب ترشيح الشيخ محمود 


0406 


لأعلى منصب في تلك الدولة لكونه ألدّ أعدائه بعد أن حصل شبه إجماع عليه في 
الواقع. وكان يرضى عن تصرفات المرشح الوحيد وينتقد أساليبه لا لكونها خاطفة ' 
بحد ذاتها خشية أن تؤول إلى خسارته عطفنا تجاههم وبذلك تهدّد فرص تحقيق 
آماله الوطنية. ومهما يكن فإنه حليف مفيد لنا في مهمة الساعة التي كانت تهدف 
إلى حشد الآراء المعتدلة وتجميعها: 

إن التصريح الرسمي الذي كلفت بإبلاغه هو الآتي: 

«تعترف حكومة صاحب الجلالة البريطانية؛ والحكومة العراقية بحن الكرد 
الذين يعيشون داخل حدود العراق - في إقامة حكومة كردية ضمن هذه الحدودء 
وتأمل الحكومتان أن العناصر الكردية على اختلافها ستتوسل بأسرع ما يمكن إلى 
اتفاق فيما بينها حول الشكل الذي ترغب أن تقوم تلك الحكومة وحول الحدود 
التي ترغب أن تمتد إليها وأن يرسلوا موفدين ذوي صلاحيات إلى بغداد للتداول في 
العلاقات الاقتصادية والسياسية مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية والحكومة 
العراقية». 

إن صيغة التصريح» ولا سيما استعمال تعبير (حكومة كردية) بدلاً من (إدارة 
كردية) وعدم ذكر أي حدود جغرافية» كان أبعد بكثير مما توقعتء. نظراً إلى 
الموقف السابق الذي وقفته الحكومة العراقية والمندوب السامي. ولقد قمت 
بترجمته شفوياً (لعبد الكريم) وفي نفسي شك وهواجس إلا أن المسؤولين في 
بغداد لم ينتابهم شعوري هذاء ونشر بشكل بلاغ رسمي. في ذلك الوقت قضينا 
عيد ميلاد جميل ونحن نصطاد الأرانب برفقة ابن الشيخ» على الضفة الأخرى من 
النهر. وبعدها خرجنا من (قادر كرم) قاصدين طوزخورماتو فقطعنا المسافة في 
مرحلتين وبعد زورتين خاطفتين لكفرى وطاووق» عدت إلى كركوك في وقت 
مناسب جداً لأجد لي مقعداً خلفياً في طائرة (كنكيد) من طراز (نيناك) فأقلتني إلى 
بغداد. وحللت ضيفاً على آل (بورديللون) وغرقت في بحر من البجامات الحريرية 
والمناديل الزاهية وأحلاق الستائر النحاسية المستوردة من البندقية. 


4017 


- 21 - 


كويكول (1) 


راحت الأبصار كلها تشخص الآن إلى (لوزان) حيث افتتح مؤتمر الصلح في 
العشرين من تشرين الثاني 1922 وكان اللورد كرزن وعصمت أينونو الممثلين 
الرئيسيين لبريطانيا العظمى وتركيا. وكانت تركيا تطالب بإعادة كل ولاية الموصل 
حتى جبل حمرين في حين كانت الحكومة البريطانية تطالب يحدود تزيد عن تخوم 
الولاية الشمالية. وتوقفت المفاوضات توقفاً تاماً ولم يتزحزح أي جانب قيد شعرة 
عن موقفه الأول إلى أن تم الاتفاق أخيراً في 4 شباط على استبعاد قضية الموصل 
من منهاج المؤتمر وإعطاء الحكومتين مهلة قدرها سنة واحدة لعلهما تتوصلان 
خلالها إلى تفاهم مباشر فإن فشلنا في الاتفاق» يحال النزاع إلى عصبة الأمم وفي 
غضون هذه المدة يبقى الوضع الراهن على حاله ويحترمه الجانبان» وبهذا القرار 
ذي النتيجة السلبية تم قبر معاهدة (سيقر) المجهضة قبراً تامأء وقبر معها واجب 
حكومة الانتداب بإبقاء باب ممارسة كرد العراق حق تأليف دولة كردية» قد يمكن 
إقامتها في أقاليم تركيا الشرقية. 

وفي أوائل كانون الثاني 1923 بينما كانت مباحثات لوزان لا تزال تجري» 
وضح لنا أن الترك يحشدون قواهم في جزيرة ابن عمر (الجزيرة» أو الجزيري) 
على بعد أميال قليلة من زاخو. وكان الأهلون سريعين في الوقوف على التحركات 
التهديدية وملاحظة إعادة توزيع وحدات الجيش البريطاني التي عقبت ذلك. وبلغ 
الهياج في كركوك حد الهستيريا وأامتقعت وجوه الموظفين المحليين الذين يعملون 


428 


معنا وبان الرعب في أساريرهم ولو أن وحدة مشاة (كركوك) تحركت بطريق كفري 
بدلاً من طريق أربيل في 27 منه لحدث انفجار شنيع. وانبثقت في عشية وضحاها 
لجان سرية موالية للترك يساهم فيها معظم الأسر المتنفذة بتمثيل أنفسها يواحد 
واثنين على الأقل من أفرادها الصغار ووجه الغرابة في الأمر أن قيادة روح الإثارة 
كانت بيد (سيد أحمد خانقاه) أما إبقاء الاتفاق على وضع قضية الموصل على 
الرف فقد بلغت كركوك في أوائل شباط» مع معلومات تفيد أن مستقبل الولاية ما 
زال موضع بحثء» وهذا ما زاد في الهياج العام ضغئاً على إبّالة. في هذه الظروف 
لم يعد متوقعاً حصول أي تقدم في حل المسألة الكردية وفي 8 كانون الثاني وصل 
السليمانية «بطل كردستان المغوار سعادة إسماعيل آغا سمكو:”' كما وصفته 
صحفها المحلية واستقبل باستعراض عسكري وأطلقت تحية له سبع إطلاقات 
مدفع وأعلن يوم وصوله يوم عطلة عامة» ومع أنه لم يتوصل إلى اتفاق مع الشيخ 
محمودء إلا أن قدومه صب المزيد من النفط على نار الحماس الوطنية. وأرسل 
الشيخ محمود إلىّ رسالتين يطلب مقابلتي أولاً في (قادر كرم) ثم في كركوك. 
وكان يعتذر في آخر لحظة كل مرة وحضر ممثلان شخصيان بدلا عنه في العشرين 
من كانون الثاني أحدهما (كريم بكى جاف) إلا أن تعليماتهم كانت عمومية بدرجة 
لم يكن في الإمكان إجراء مباحثات جدية. وفي أوائل شهر كانون الثاني رفع 
(محمود) علمه على رانيه ولما كان هذا القضاء جزء من لواء السليمانية فقد عد 
عمله شرعياً غير مخل بالشروط المرسومة له عند عودته إلا أن ذلك دفعه إلى 
الاحتكاك المباشر برواندوز وبالفعل زاره ضابطان تركيان في السليمانية بعد ذلك 
وفي أوائل شباط وصل أخ زوجته (فتاح أفندي) من أنقره وكان يزباشياً (نقيباً) في 
الجيش العثماني يحمل معه وعوداً بالمساعدة. ومع أن (أوزدمير) كان يتجنب 
ببراعة كل مطلب في إعطاء تأكيدات على حقوق الكرد (كما علمنا بعدئذ من 
المراسلات التي وقعت بأيدينا - بين محمود ومقر قيادة الفرقة التركية في الجزيرة) 


(1 لإعادة ترتيب أحداث هذه القترة على ضوء صحف السليمانية.. انظر مقالي (صحيفة كردية...). 


409 


فإن الشيخ محمود ألقى بجانب الحذر أخيراً وانطلق يعمل لتحريك الثورة في 
الأجزاء الكردية من لواء كركوك. 


وفي وجه هذين التهديدين: تهديد الجماعات الموالية للترك» وتهديد الشيخ 
محمودء بذلت ما في وسعي لتقوية الروح المعنوية في المتصرف والموظفين دون 
ما خوف أو مصانعة» وقمت بزيارات عديدة لعبد الكريم قادر كرم ولزعماء 
الطالباني والجاف وغيرهم من رؤساء القبائل لتشجيعهم في مقاومة الدعاية العدوة 
التي تنثال عليهم من الجهتين وأنبأني (لاين) واستخباراتي الخاصة بأن اندلاع 
الثورة قد وقت في أوائل آذارء وأن كركوك وكوي ستكونان الهدفين الأولين. وفي 
14 شباط طار (بورديللون) للتشاور معي» قاتفقنا أن مشكلة السليمانية سيحل 
نصفها لو أمكن طرد الترك من رواندوز لكن لما كان هذا العمل لا يمكن أن 
يبحث فيه من وقت قريب» فمن الضروري أن تقوم بعمل مباشر ضد الشيخ 
محمود. 


وفي 16 كانون الثاني طرت إلى بغداد وعقدنا اجتماعاً حضره كل من السير 
(هنري وو 10 و(بورديللون) وأنا من جانب» ومقدم الجو (أ.ي. بورتون .4.8 
وآمر السرب (و.ف. كانيس 2402666 .018.5 عن مقر القوة الجوية واتفقنا 
على خطة عمل في نقاط أربع : 


أولاً: في 21 كانون الثاني يرسل المندوب السامي برقية إلى الشيخ محمود 
يطلب فيها حضوره إلى بغداد. 
ثانياً: عند رفض الشيخ ذلكء تقوم قوة من الطائرات بمظاهرة جوية فوق 


(1) كان السير برسي كوكس في العراق آنذاك. لكنه كان منصرفاً إلى الأمور المتعلقة بالتطور الدستوري 
للدولة الجديدة وكانت مشاكل الغدارة الاعتيادية يتولاها مستشاره وخليفته المرشح السير (هنري 


دوبس) وكان (بوديللون) سكرتيراً للمندوب السامي. ثم رفع إلى منصب مستشار عندما شغر بتولي 
(دوبس) منتنهصب المندوب السامي. 


030 


السليمانية تلقى فيها مناشير تعلن فيها إزاحته عن الحكم وتمنحه خمسة أيام أخرى 
للحضور خلالها إلى بغداد مع.كل أعضاء المجلس الإداري. 


ثالثاً: تتحرك سريتان من كتيبة السيخ الرابعة عشرة بالقطار حتى (كنكربان) 
ومن هناك تنقل جواً إلى كركوك (هذا عملية عسكرية جديدة لم تسبق في عالم 
التكتيك الحربي) لتعزيز قوات الليقي كإجراء وقائي ضد أي اندفاع مفاجئ نحونا. 

رابعاً: إذا رفض الشيخ محمود مغادرة المدينة تقوم القوة الجوية بقصف 
ثكناتها ومقر الشيخ محمود. 

كما أني خولت إبلاغ (سمكو) أن الحكومة الإيرانية بعد توسط المندوب 
السامي وافقت على إصدار العفو عنه؛ وأن أشجعه على مغادرة السليمانية. وكنا 
نتوقع أن يفضل الشيخ محمود الانسحاب إلى قراه الواقعة على مسافة قريبة مقلقة 
من السليمانية وأن يختفي عن الأنظار في إيران وهو أقصى ما نتمناه على الاشتباك 
معنا في حرب. وبطبيعة الحال سيتخذ كل التدابير التالية على ضوء تطورات 
الموقف» وقد تهيأت لوضع مشروع فصل أقضية رانيه وجمجمال وحلبجه وإلحاق 
الأول منها بأربيل والثاني والثالث بكركوك إن تعذر إقامة سلطة مركزية قوية في 
السليمانية تكفي للهيمنة على اللواء بأسره وتقرر أن تعزز دائرتي بخدمات كل من 
(جايمان) الذي سيستدعى من السليمانية». والنقيب (ى.ج. دوغلاس 858أوناه2 .[.18) 
من ضباط قوات السليمانية السابقة وعندما رجعت إلى كركوك في 19 تشرين الثاني 
وجدت المطار قد استحال مستنقعاً بسبب الأمطار الغزيرة وغاصت كل الطائرات 
عند الهبوط» وفي مساء العشرين منه أبرقت للشيخ محمود برسالة المندوب 
السامي فأجاب طالباً مني الذهاب إلى دائرة البرق لإعطائه إيضاحات أخرى» 
فأجبته ني غير مخول بمناقشة قرارات رئيسي وعليه تنفيذ الأوامر التي تلقاها ثم أنه 
تم نقل وحدات (السيخ) جواً في الثاني والعشرين منه وكانت ضجة هائلة في 
كركوك عندما شوهدت (الأرمادا) العظيمة المؤلفة من عشرين طائرة وهي تحوم في 
الاجو ثم تنطلق نحو الشرق؛ لكن أسفاً على تلك الخطط الموضوعة بأدق ما 


431 


يمكن». فقد انتهت تلك المظاهرة العظيمة بمهزلة كاملة» لما وصلت الطائرات إلى 
سماء جمجمال أغمي على الضابط الذي يقود العملية وكان يشكو من حمى 
الملاريا فانحنى ميكانيكي الطائرة إلى الأمام وهو في مقعده الخلفي وأنقذ الطائرة 
من دورانها على نفسها إلا أن الضابط الذي لم يستغرق إغماؤه أكثر من ثانية 
واحدة لم تكن حاله تسمح له بالاستمرار فقفل راجعاً وكان مجال الرؤية خلف قره 
داغ سيئاً للغاية فاستنتج عدد من الطيارين أن قائدهم قرر إلغاء العملية فقفلوا 
راجعين خلفه وضل آخرون سبيلهم ووجد الملازم الطيار (أ. ت. ك. شبرايت 
أطعة#«منة5 .8.1:16) نفسه وحيداً في سماء السليمانية» فألقى بما حمله من بيانات 
على الجموع المحتشدة في الشوارع وفي طريق عودته التقى بالضابط الطيار (د. و. 
ف. بونهام كارتر امن تسقطده8 .2.78/.5) على بعد حوالى اثنا عشر ميلا وكان هو 
الآخر يسعى إلى هدفه وحيداً في الضباب ويلوح برزم المناشير ليشعر رفيقه بأنه لم 
ينه مهمته» فاستدار كلاهما إلى الهدف ثم عادا إلى كركوك بسلام» ولهذا كررت 
العملية نفسها في اليوم التالي باثتتي عشرة مقاتلة من نوع (بريستول) وأربع طائرات 
من طراز فيكرز - فرنون ه7650 - ورماء1/ا ذات المحركين وقاسينا لحظات قلق 
مرة أخرى» ففي الضحى أَبِلِغْنا بسقوط ما لا يقل عن سبع طائرات في غور 
(بازيان): أرغمت طائرة (بريستول) واحدة على الهبوط لخلل طرأ على المحرك 
فهبط إليها الملازم الطيار أ. مكلارن - رايد بطائرته لمعاونتها ورغم إشاراته» 
هبطت طائرة أخرى من طراز (فرنون) وغاصت في الطين» وهبط عدد آخر من 
المقاتلات إلا أنها تمكنت من التحليق ثانية عدا طائرة (الفرنون) وقمت بإسقاط 
رسائل على قرى ثلاث لأغوات (الهه ماوند) الأصدقاء أطلب فيها منهم وضع 
حراس عليهاء ففعلوا وبقيت في مجثمها عدة أسابيع حتى تم إنقاذها وفي منتصف 
ليلة 24 راحت البرقيات المتبادلة تترى بيني وبين الشيخ محمود وأخيه شيخ قادر 
وأعيان السليمانية عدة ساعات وكان (محمود) يناور ويداور بينما راح أعيان المدينة 
يعتذرون له ويطلبون مهلة. وأنا أكرر بأن أوامر المندوب السامي يجب أن تطاع 
بالحرف الواحد وأن الطائرات التي أرسلت في الثاني من آذار لإلقاء بضع قتابل 


432 


تنفيذاً لقرارناء اضطررت إلى العودة لسوء الأحوال الجوية» إلا أن القنابل سقطت 
بدقة في اليوم التالي» وفيه وصل إلى كركوك وفد يضم (شيخ قادرء ومصطفى 
باشا) ولما لم يجد أي فائدة من النقاش قصد مصطفى باشا دائرة البرق وقضى 
الليلة فيها يتصل بالشيخ محمود وبأعيان المدينة» ثم إنه أيقظني في الساعة الرابعة 
والدقيقة الثلاثين فجراً ليبلغني أن (محموداً) غادر السليمانية في الساعة الثانية 
والدقيقة الثلاثين بعد منتصف الليل إلى جهة غير معلومة يرافقه معظم وحدات 
الليفي وأموال الخزينة. 


في الوقت نفسه تقدمت أنا والمتصرف بطلب مزدوج لتخويلنا صلاحية اعتقال 
وإبعاد (سيد أحمد خانقاه) باعتبارها أبعد الإجراءات خطراً وأشدها حزماً ضد 
الدعاية التركية في كركوك. وكان عملا دقيقاً للغاية لمكانة السيد الدينية ونفوذه 
الروحي. وكان علينا أن نحكم وضع خطتناء فاتفقنا أن يرسل المتصرف بطلبه 
ويوضح له بأننا على علم تام بنشاطه» وبعدها ينادي (النقيب ريف) ليقوم باعتقاله 
(ذلك لأن مراد كان يقوم بجولة خارج المدينة). تظل طارمة السراي عادة مكتظة 
بالمراجعين وذوي الحاجات المنتظرين لذلك كان من الضروري وضع عدد كاف 
من الشرطة لمنع أي محاولة لإنقاذه أثناء إركابه سيارة الشرطة التي ستحمله رأساً 
إلى طائرة ذات محركين منتظرة في المطارء واتفقنا أن أبتعد عن مسرح الحادث 
قدر الإمكان على أن أكون مستعداً لكل طارئ في غرفتي التي لا يفصل بينها وبين 
غرفة المتصرف إلا جدار فيه باب داخلي وفي صبيحة اليوم المقرر وهو السادس 
من الشهرء أبلغني فرّاشي بوصول (السيد أحمد خانقاه) في الموعد المضروب» 
وبقيت أنتظر دخول المتصرف علي لإبلاغي بانتهاء القضية ومرت خمس دقائق ثم 
عشر دون أن يظهر له أثر ولما امتد بي الوقت ربع ساعة عيل صبري وقررت أن 
أستطلع جلية الأمرء ولما دخلت وجدت (فتاح باشا) جالساً وراء مكتبه منقلب 
السحنة في وضع نفسي يرثى له» وبينما كان (السيد) مقتعداً كرسياً ذا مسندين 
بمهابة وؤجلال وقد خلا ذهنه على ما يبدو من الأسباب» التي دعت إلى استقدامه. 


0413 


ونظر إليّ الباشا العجوز نظرة ضراعة واستنجاد فلم أر بداً من تولي الأمر بنفسي 
فجابهت رجل الدين التقي بأعماله السيئة وراح هو يتدرج من الجد إلى 
الاستخفاف إلى الاستنكار حتى انتهى بقوله أن يضيق ذرعاً بسماع هذه الشكوك 
ولا يتحملهاء وأن العيش في كركوك لم يعد مناسباً إذا كنا حقاً نصدق هذه 
التخرصات والوشايات. ولم أكن أنشد ركيزة خيراً من هذه. فأجبته بأنني 
والمتصرف قد توصلنا إلى النتيجة نفسها وأننا اتخذنا التدابير لضمان راحته في 
سفره إلى بغداد إن شاء الخروج إلى السيارة المنتظرة في الخارج الآن. فهب من 
مجلسه قائماً واحتج بقوله إنه لن يسافر من كركوك قبل أن يتهيأ ويستعد. إلا أن 
(ريف) الذي دخل تلبية لنداء الجرس» تقدم منه ونقر بأصبعه على كتفيه كما 
تقضي به أصول المهنة - وأشار إليه بأن يتقدم إلى الباب. فجذب (السيد) طيات 
جبته إلى صدره وبحركة كبرياء وتعاظم دفع برأسه إلى الخلف حتى أصبحت أرنبة 
أنفه تشمخ عالياً ثم خرج من الغرفة. كان أسفي حقيقياً لاضطرارنا إلى إزاحة 
(السيد) عن كركوك بهذه الوسيلة. فقد جئت كركوك وله في قلبي ودء غير ناس 
أنه كان موالياً مخلصاً للإدارة لا يتزعزع أيام (لونكريك) لما مررت بالمديئة مع 
حملة (فريزر)» إلا أن شيئاً ما حصل له ما بين 1919 - 1922 لا أدري أكان مرده 
قوة الدعاية للخلافة» أو لاعتقاده أن الترك سيكونون أقل اهتماماً منا بتنصيب 
(الشيخ محمود) ملكا عليه» أو ربما لخيبة ظن فينا؟ ولقد وجدته امرؤ لا يسلس 
قياده حتى قبل انتباهنا إلى فعاليته في إثارة الخواطر وإذكاء نار الفتن. وعندما 
التقيت به في ظروف تالية طيبة وجدته لا يقر بالتهم ولا ينفيها وإنما شكا بأنه لم 
يعط أغطية كافية ليتقي برد الطائرة الشديد. 


بعد اعتقال السيد مباشرة. وجد بعض ذوي الضمائر المثقلة بالوزر أن الحكمة 


تقضي عليهم بالاختفاء والتسلل سراً إلى تركياء ولم يكن في المقدمة غير ناظم 
بك نفطجى زادة نفسه أعظم شخصية في كركوك! وفي تلك الأثناء حالفنا حظ 


عظيم قد نوهت به عرضاًء هو وقوع تقرير طويل في أيدينا قرب الموصل» مع 


434 


عدد من المرفقات - مرسل من (أوزدمير) إلى الجنرال التركي قائد جبهة الجزيرة. 
أكد لنا هذا التقرير معلوماتنا عن الهجوم المبيت لكركوك وكفري ومدى مشاركة 
الشيخ محمود فيه. بل أظهر أيضاً أن (أوزدمير) كان ينوي الهجوم على أربيل في 
أثناء ذلك وأنه كان أيضاً متصلاً بقائد القوات الإيرانية على الحدود بخصوص 
السماح لجنوده بالمرور عبر الأراضي الإيرانية» وتجنيد محاربين لتعزيز قواته غير 
النظامية من القبائل التي تسكن إيران. 


ورد السر (جون سالموند) على هذا بحيويته المعهودة. فوصل كركوك في 7 
آذار للتزود بآخر المعلومات والاطلاع على تقديري للموقف السياسي» ثم طار إلى 
أربيل في اليوم التالي للاجتماع ب(لاين)؛ ثم انتقل إلى الموصل لتنفيذ العملية التي 
كنت أنا و(بورديللون) قد صرفنا النظر عنها قبل ثلاثة أسابيع مضطرين لأنها 
«ضرورية لكن لا مجال للتفكير فيها» وتتلخص تلك العملية بتأليف رتلين أولهما 
(كويكول) بقيادة العقيد (ب. فنسنت 656همة/7 .8 شكل من الوحدات التالية : (وحدة 
الكاميرونيين» ولواء [وِسْت يوركشاير] وفوج السيخ ال1/ 13 - «سابقاً ال15». 
وبطارية مدفعية إمبالا الجبلية المحمولة على البغال» وبعض المستكشفين) يتحرك 
هذا الرتل من الموصل إلى أربيل ثم إلى (كوي). 

وثاني الرتلين (فرونتيركول - رتل الحدود) ويكون بقيادة العقيد (ه. ت. 
دوبين هنطه2 .11.7) وهو يتألف من الليقي بأفواج مشاته الثلاثة 2» 23 4 والبطارية 
الجبلية.. ووحدات الشرطة» ويتم حشده في أربيل بعد تحرك (كوي كول - رتل 
كوي) ثم يتقدم نحو رواندوز ليبلغ ما كان وقتذاك طريق الكروان الرئيسية المارة 
ب(ديره ودوين قه لا) عابراً شعب (سبيلك) وقدر أن تمر أربعة أسابيع أو خمسة قبل 
أن يصبح الرتلان متهيئين للتقدم الأخير» واعتزم في الوقت نفسه بألا يسمح لأي 
تراخ يعتور إجراءاتنا للسيطرة على الوضع المحلي في كركوك والسليمانية وأربيل. 

بعد خروج الشيخ محمود من السليمانية في فجر يوم 4 آذار أخذت الأخبار 
عن وجهته تتناقض في ما بينها يوم أو يومين» ثم ما لبثنا أن عينا موضعه وهو 


0435 


الشمال الغربي من سورداش فهناك اتخذ مقره في كهف عظيم بالقرب من (جاسته) 
أما وحداته من الليقي وأنصاره القبليون وأتباعه الآخرون فقد وزعهم في القرى 
المجاورة. وباشر في جباية الضرائب وما إلى ذلك من مظاهر السلطة التي امتدت 
حتى (سرجنار وشاربازير) كما علمت بكل أسف أن صديقى القديمين (رضا بك 
وعبد الرحمن آغا) كانا على رأس جماعة في ظاهر السليمانية يلقيان الهلع في 
نفوس سكانها ويجبيان المال قسراً من التجار وكل من يناصبهم العداءء وكان 
الشيخ محمود قد أخذ معه مطبعة البلدية. وفي الثامن من الشهر أصدر العدد الأول 
من جريدة (بانكى هه قه - نداء الحق) في صحيفة فولسكاب واحدة على غرار 
سابقتها روزى كردستان والاسم نفسه يوحي بالتعصب الوطني الشديد لأن كلمة 
(الحق) تعني في اصطلاح الصوفية أيضاً المشيئة الإلهية أو الذات الإلهية والمقال 
الوحيد فيها يتضمن إعلان الجهادء هذا كله بالإضافة إلى نشاط (رضا بك) الذي 
أدى إلى استقالة مجلس الإدارة المعين من قبل المندوب السامي بعد خروج 
محمود مباشرة» يوضح أن الشيخ كان مصراً على الثورة لا تلين قناته. فقمنا 
باستطلاعات جوية فوق السليمانية وسورداش وهوجمت جاسنه بين آن وآخر 
وجرى الهجوم على كل قطعة متحركة من الفرسان تطلق النار. واستحصلت أمراً 
باحتلال جمجمال وإيداع الإدارة إلى قائمقام «محصن ضد الرصاص» هو (أمين 
رشيد آغا) من الره ماوند تابعة للهماوند ومن أعداء (كريمي فتاح) وبذلت جهوداً 
في أماكن أخرى لبث الجماعة في عناصر صديقة أو معتدلة» لمقاومة جمع 
الضرائب الذي يقوم به ممثلو (الحكمدار) المعزول. 

صدمت كركوك بإبعاد (السيد أحمد) وقرار (ناظم بك) وهدأ الناس كأنما 
جرى ذلك بسحر ساحر وفي منتصف الشهر طرت إلى كفري ورسمت 
(لدوغلاس) أن يعتقل أغوات معينين من الزنكنة وجلالى جاف بضمنهم مع 
الأسف (توفيق آغا أبوكل...) وفرضت هيبة الحكومة بالشروع في إحصاء أغنام 
الجاف وجابية ضريبة (الكود): فحركت هذه الإجراءات البسيطة سيلا من عرائض 
الدخالة وطلب العفو من أشخاص كثيرين لم تعد تطالهم يد الشيخ محمود. 


0436 


وفي 23 منه وصل السر هنري دوبس كركوك ورافقته في اليوم التالي إلى أربيل 
للمداولة مع الأمير زيد أخ الملك فيصل الأصغر الذي كان قد أرسل إلى الموصل 
في أوائل الشهر لتنظيم المقاومة العربية في وجه التهديد التركي بالغزو - والمفتش 
الإداري في الموصلء و(لاين). وكان الموضوع الرئيس في جدول أعمالنا هو 
السياسة التي ستعقب احتلالنا رواندوز.على أني انتهزت الفرصة قبل عودتي 
لأوضح أن العملية الأولى يجب أن يعقبها إعادة احتلال السليمانية أيضاً. 


وكان من المقرر أن يصل (كويكول) إلى كوي في 4 نيسان وكنت متلهفاً للقاء 
العقيد (فنسنت) و(لاين) الذي رافق الرتل ضابطأً سياسياً. وقررت ألا أركب طائرة 
بل السفر براً لأعرض نفسي على ملا من الأشهاد ماراً بقرى (شيخ بزه ينى) - 
المعادين الآن - على جانبي الزاب على طريق (شوان) وكان ممكناً وصول سيارة 
الفورد إلى نقطة تبعد 14 ميلا عن كركوك بطريق طقطق ومنها انطلقت على ظهور 
الخيل وبت أول ليلة في قرية (حاجى به ى خان) بعد أن قطعت سيعة أميال في 
هذه الأراضي المتطامنة حيث لا يوجد ثمة غابات بلوط ولا مقالع حجرية والبيوت 
هنا تبنى عادة على الطراز العربي الشائع في القرى والتدفئة تتم بنار الجلة (الروث 
البقري المجفف) تكوم في نقرة وسط الغرفة. وليس هناك مدخنة. وفي كثير من 
الأحيان لا توجد فتحة تهوية في السقف وأظهر مختار القرية حماسة وشوقاً في 
استقبالناء وسرعان ما امتلأت غرفة الضيفان بدخان حاد الطعم جعل حناجرنا 
تختنق» وأسال الدمع من عيوننا. ولا شك أن كثيراً من الكرد الذين يسكنون 
جنوب البلاد يقضون معظم موسم الشتاء في مثل هذا الجو الذي يضر ضرراً بالغاً 
بقواهم البصرية وصحتهم العامة. 

واستأنفنا الرحلة في صباح اليوم التالي في طقس نيسان الجميل وكانت 
مرتفعات (شوان) قد غرقت في الحشيش الأثيث الأخضر والبساتين مزدانة بالأزهار 
الفاغمة. وفي (طقطق) كان الزاب الذي تعاظم جرمه كثيراً بأمطار الربيع ونداهء 
يندفع عرماً دفاقاً بلونه البني الغامق وقد بلغ عرضه 150 يردا وجرف التيار عبارتنا 


0137 


مسافة بعيدة قبل وصولها الضفة الأخرى واستغرقنا في العبور وسحب القارب إلى 
موضعه زهاء خمسين دقيقة بعد انجرافه بعيداً عن نقطة انطلاقه الأصلي. 

كانت (كوي) تعج بالجنود وقد أحالها المطر إلى مَوْحَلة. ونزلت ضيفاً على 
ملا (حويز آغا غفورى) ودعا هو وجميل آغا القائمقام قائد القوات والضباط 
الأقدمين إلى عشاء فاخر جرياً على تقاليد الكرم الكردية المأثورة»؛ ووصل السر 
جون سالموند نفسه جواً في التاسع منه ليعطي آخر تعليماته للعملية وفي اليوم 
التالي عبر رتل كوي (هيبة سلطان) متقدماً نحو (سرخوما) وتحقق بذلك أول 
تثبيت للسلطة الحكومية في رانيه (دعك من العمليات الجوية) منذ تقهقر رتل رانيه 
الشنيع قبل سبعة أشهر ولما لم يكن يتوقع حصول تطورات رانية فقد قررت السفر 
إلى آلتون كوبري”" ثم زيارة ناحية (مالا) التي أهملتها إلى اليوم بسبب شدة 
انشغالي في الشؤون الكردية الخاصة بالسليمانية. وبعد ركوبنا الخيل بعشرين دقيقة 
مررنا ب(هه رموته) وهي القرية الوحيدة يتألف سكانها جميعاً من المسيحيين في 
قضاء كوي. وسرنا عدة أميال بمحاذاة (روبارى آوى) وهو في هذا الوقت من 
السنة ماء جار» ولا بد أننا عبرناه من ضفة إلى ضفة عدة مرات قبل الابتعاد عنه 
غرباً ومررنا (بعمر كمبد) و(سيكر دكان) وبأفول الشمس وصلنا مضارب (محمود 
آغا شيخ بزه ينى) على ضفة مسيل رائع يدعى (به ستى هاوار) ويبعد حوالي ميل 
واحد عن قرية (سارتك) وثلاثين ميلاً عن كوي. 

قضيت ليلة مريحة في وسط مروج خضراء جميلة يخال المرء أنها بعيدة بآلاف 
الأميال عن المشاهد التي تركها صباحاً. وانتقل بنا الحديث إلى اللغة فقال مضيفي 
إن أهالي القريتين اللتين مررت بهما في ذلك اليوم (عمر كمبد وسيككردكان) 
يتكلمون لهجة خاصة. وإنهم ينتسبون نسلاً إلى (شيخ بزه ينى) كسائر القرى 
الواقعة على ضفتي الزاب بهذا الامتداد لكنهم حافظوا على اللغة القديمة» ولم 


(1) قبل لي في آلتون كوبري أن قريتي (دارماناو) على الضفة اليسرى مقابل (باستى هازاد يسكنهما 
اللكى) لكن أهلهما لا يمتون بنسب إلى أهالي (سيكر دكان وعمر كمبد). 


438 


ينصرفوا عنها إلى (الكوردى) الذي تتكلم به القبيلة كلها الآن وقد تم هذا في وقت 
متأخر نسبياً ومما عرض عليّ من مفردات لغوية قدرت أن اللهجة قريبة من 
(كوردى) كرمنشاه أو كردية (اللكى) في شمال لرستان والقارئ يذكر أن (شيخ بزه 
ينى) تزعم أن نزوحهم الأول كان من الموصل أو من شمالها. وعلى هذا تكون 
القرائن اللغوية أكثر دعماً للقصة التي رواها لي (جمال آغا كوي) وهي أن أهالي 
القريتين هم نازحون ينتسبون إلى قبيلة تدعى (ده ربه ندى) جاءت من إقليم (زه 
هاو) شمال الطريق العام الإيراني بالقرب من شعب (تقى كزه) حيث يدخل نهر 
(حلوان) جبل (در به ند) أو (ده رته نتكك) في طريق إلى قصر شيرين وخانقين. 


وفي صباح اليوم التالي وجدت في آلتون كوبرى (ميللر وجايمان) يننظراني في 
مهام الدائرة» وكان برفتهما الملازم (جارلس كورنكت) وصتهت وعاتدتك وهو الذي 
أصبح أسطورة من أساطير البطولة لضروب البسالة التي أبداها في ثورة العشرين 
بسيارته المصفحة (هارفستر)؛ وقد عين الآن مشرفاً على دوريات خطوط 
مواصلاتنا. وكنت الساعتان اللتان قضيتهما في مطالعة الأوراق كافية» وبعدها 
تركتهما قاصداً كركوك بالسيارة مواصلاً نزهتي بمحاذاة النهر حتى (مالا) ومنها إلى 
مقر ناحيتها وهي آخر مركز كردي في تلك الجهة. وفي اليوم التالي قطعت سيارتي 
منطقة عربية خالصة حتى (تل علي) واجتزت عدة تلول ترابية منها (ماهوس» 
ورمان» ومطيبيخ) وغيرها (أكد لي أن مقادير كبيرة من الآجر والجص الجيدين قد 
استخرج منها ومن (تل علي) نفسه وجد فيه آجر كبير مربع ضلع الواحدة (قدمان) 
وهي بدون شك مواقع آشورية» لأن مدينة آشور نفسها لا تبعد عنها أكثر من 
عشرين ميلاً. قبل أن أترك كركوك كان (مراد) قد حذرني بألا أنزل ضيفاً على أية 
قبيلة عربية في تلك المنطقة ولا سيما الجبور بسبب إصابتهم العامة بمرض البجل 
الخبيث المعدي ولذلك شعرت بارتياح عظيم حين وجدت في (تل علي) ضيفاً 
على حاجي حسن آوجى زاده وهو مزارع من أعيان كركوك» عصري النظرة كان 
قد بنى لنفسه قبل بضع سنوات بيتاً قرب النهر وكانت ساحته تضيق بأجزاء المكائن 


439 


الزراعية التي استورد بعضها قبل الحرب وهي الآن عاطلة لحصول عطب جزئي 
فيها وافتقارها إلى الصيانة وقطع التيار: كان في ذلك الوقت مشغولاً بشق ترعة 
يأمل منها استصلاح أراضي بور لم تزرع منذ العصور الوسطىء إن الخرائط 
المستعملة في ذلك الحين تظهر ترعتين قديمتين عريضتين اسم أولاهما (صفير 
الفيل) رأسها يبعد ستة أميال من ناحية تل علي. وثانيتهما «عباسية» ويبعد رأسها 
عشرين ميلاً أخرى من صدر النهر ولست أدري مصدر الاسمين. أخذني (حاجي 
حسن) إليهما ورجاني أن أجلب اهتمام دائرة الري بهذه المنطقة التي كانت فيما 
مضى من أخصب البقاع ففعلت» ومرت أعوام عديدة قبل أن يبرز مشروع 
الحويجة في منهاج ضخم من الأشغال العامة الرئيسية» وفي العام 1944 أتيح لي 
أن أزور تلك المنطقة فسرني أن أجد بضع مئات من أسر (الجججن) وقبائل 
الجبور العربية والعبيد قد استوطنوا هناك في رخاء من العيش في حين كانت أسر 
أخرى تنتظر دورها للاستقرار عند كمال الفرع الثاني للترعة الجديدة'”". ومن 
الترعتين انطلقنا لتفقد الخرائب في رقعة واسعة من الأرض تعود إلى العصور 
الإسلامية وسماها العرب (الإسماعنيات) وقد لاحظت أن أهم الأنقاض فيها هي 
بنايتان مستطيلتان تقومان جنباً إلى جنب مع ضريح يعرف ب(أم اسماعين) وينتسب 
إليه الموقع عموماً كما يوجد أيضاً منارة متقوضة وجدران وأكداس من الآجر 
والجص لا يعرف ماذا كانت. وأول البناءين المستطيلين حسن البناء من الآجرء 
وواجهة الجدار فيها صفوف من الزخارف الهندسية» والمدخل هو عقادة مديبة 
وفي الداخل غرفة واحدة تبلغ مساحتها حوالى 20 قدماً مريعة والجدران مكسوة 
بزخارف من الكلس الأبيض وكل جدار يحوي ثلائة صفوف من البواكي الباروكية 
تعلوها خمسة أقواس ضيقة الواحد منها فوق الآخر ودائرته العليا حادة» وهناك 
آيات قرآنية (آية الكرسي الشهيرة) منقوشة على ثلاثة جوانب أما الجانب الرابع ففيه 


(1) هناك تفاصيل أكثر مدغمة بالصور في مقالي (موقع أثري عباسي على الزاب الصغير). المجلة 
الجغرافية» مجلد 145 لسئة 1932» ص332. 


440 


الباب بين البواكي والأقواس. وآخر كلمات من الكتابة بعد ختام الآية مشوه بعض 
الشيء إلا أننا تمكنا من قراءة اسم «محمد يحيى» مع تاريخ 670ه - 1271/ 1272م 
وهذه الزخارف الداخلية تشبه إلى حد كبير (نصب الأربعين - 660ه) الذي يقوم 
على ضفة دجلة بمسافة ستين ميلاً عن هذا الموقع”". أما البناية الثانية فتبعد عشرة 
ياردات عن الأولى وهي تشبهها إذا نظرتها من الخارج وليس فيها زخارف كلسية 
من الداخل ويظهر على أجر البنايتين آثار تزجيج قديمة من الداخل في بعض 
المواضع إلا أن الطلاء قد امٌّحى. وسعة ضريح (امام اسماعين) لا تزيد عن سعة 
البناء الأول إلا أنها أحسن حالاً إذ ما زال باقياً جزء من القبة» والقبة نفسها يعلوها 
هرم مُثمن وقوس الباب غوطي الطراز والمدخل مثمن والجوانب مكسوة إلى 
ارتفاع أربع عشرة قدماً من الأرضية وفي كل جدار مشكاة» وفي الجهة الجنوبية 
محراب صغير متجه إلى القبلة ويوجد قوس في كل وجه من الوجوه الثمانية فوق 
الكساء الجصي وتبدو في قاعدة القبة عوارض خشبية. 

ويرى (حاجي حسن) أن الاسم القديم لهذا الموقع يقارب لفظة (زويج) وإني 
لوائق بأن الإسماعينيات هي في الحقيقة خرائب (البوازيج) التي كتب عنها!© 
لسترانج ما يلي : 

«إلى الشرق منه يقصد شرق السن» وهو موضع التقاء الزاب بدجلة؛ وعلى 
بعد أربعة فراسخ فوق الضفة العليا من الزاب الأسفل تقوم بلدة (البوازيج) أو 
(مدينة البوازيج) عند ابن حوقل. ويبدو في يومنا أنها لم تترك لنفسها أثراً على 
الخريطة... وينوه بها (ياقوت) فيسميها (بوازيج الملك) وكانت عامرة في القرن 
الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) ويذكرها (المستوفي) قائلاً إنها تدفع أربعة 
عشر ألف دينار لخزينة الإيلخانيين». 


0)» ص222 - 224 الصور 109 - 113+ ولوحة رقم 30. 
(2) المرجع السالف.؛ ص91. 


441 


في الوقت نفسه كانت الحركات العسكرية تتقدم وفق الخطة المرسومة. ففي 
5 نيسان عندما احتوتني كركوك؛, كان رتل الحدود قد وصل سهل (حرير) وهو 
تقريباً منتصف الطريق بين أربيل ورواندوز إلا أن (سبيلك) وهو ممر وعر كان على 
الرتل أن يقطع خلاله الجبال المحيطة بالسهل من الجهة الشمالية الشرقية 
والمعلومات كلها تشير إلى أن العدو قد اتخذ فيه مواقع محكمة. وأما عن كوي 
فقد قام بعدة غارات تأديبية في (بتوين) تمكن بها من استعادة مدفعية كان رتل رانيه 
قد فقدهما (ناقصاً مغلاقاً واحداً وجد بعدئذٍ في رواندوز) ثم عاد إلى (سرخوما) 
ليتهيأ للحركة التالية: وفي اليوم نفسه قام قائد القوة الجوية باستطلاع شخص من 
الجو وأدهشته مناعة (سبيلك) الطبيعية واستنتج استحالة اختراقه عنوة! إلا ببذل 
تضحيات كبيرة - وأنه لا سبيل إلى اقتحامه إلا بحركة تطويق موقوتة. فأمر العقيد 
(فنسنت) بإعمال الفكر للتخلي عن خطته بالاقتحام الجبهي» والسير مع (كويكول) 
حتى (دولى كه شان) وهو الوادي الثاني في مروحة رانيه غرب شاوور خلال 
أراضي (بشت كه لى) إلى (باليسان) ومنها إلى وادي (آلانه) شرق جبال حرير0» 
ولما كان (فنسنت) يتوقع هذه التطورات فقد طلب مني ومن (لاين) بمناسبة 
زيارتي (كوي) تزويده بأوفى ما يمكن من المعلومات عن طبيعة هذا الطريق الذي 
يمر في بقاع لم تمسح مسحاً طبوغرافياً بعد وكان قد جمع وسائل النقل الكافية 
لهذا الغرض. كان (فنسنت) والحق يقال قائداً صلب الرأي ثبت الجنان لا يثنيه 
تهديد خطوط مواصلاته المتسبب عن طبيعة الأرض الوعرة وعداء الأهالي» وقلة 
الاعتماد على الأرزاق التي تحملها بغال استؤجرت محلياً وبعد أن أكمل استعداده 
صار متهيئاً لتنفيذ الخطة في أية لحظة. 


في 77 منه طار , فى أهير السرب السادس (ي. ر. ماننغ 18 8.1) إلى 
(سرخوما) لمقابلة (ثنسنت) ولتبادل آخر معلومات مع (لاين) وكانت (بتوين) أشبه 


(1) الرسالة المؤرخة في 22 أيار 1923 من نائب مارشال الجو سير ج. سالموند إلى وزارة الطيران 
نشرت فى «ملحق لندن غازيت» فى العاشر من حزيران 1924. 


442 


ببحيرة من الطين غب أمطار غزيرة. وحققنا هبوطاً سليماً فوق بضعة ياردات في 
حافة من الأرض هبوطاً عددته معجزة» وبقينا حتى مر بنا آخر رجل في الرتل في 
طريقه ثم طرنا عائدين إلى كركوك. 

ونجحت العملية مائة بالمائة ولقي (رتل كوي) مقاومة عنيدة كما توقعئا في 
أول يوم» كذلك حصل اشتباك عنيف في التاسع عشر منه فيما وراء (باليسان) لكن 
العدو اندحر بتعاون القوة الجوية الوثيق بعد أن مني بخسائر فادحة ولم تزد 
خسارتنا عن خمسة جرحى وفي ليلة 19 - 20؛ تخلى (أوزدمير) عن مواقعه في 
(سبيلك) دون أن يطلق رصاصة واحدة. وقد وجدنا أننا لم نبالغ قط في تقدير 
مناعتها بعد أن بلغناها وتفقدناهاء وتم اجتلال رواندوز بدون مقاومة بعد ظهر 22 
منه وكانت مسألة شكل الإدارة الذي سيرسم لرواندوز مسألة شائكة فالحكومة 
العراقية وأقصد بها الملك ورئيس الوزراء» ومتصرف أربيل أيضاً هم و(كورنواليس 
وبورديللون ولاين) من الجانب البريطاني يرغبون في تعيين موظف اعتيادي 
لمنصب القائمقام. إلا أن السر (هنئري دوبس) يظاهره قائد القوة الجوية العام أصر 
على تعيين (سيد طه) بوصفه شخصية «محصنة ضد الرصاص» وأكثر استعداداً 
لمواجهة الموقف الذي يتوقع بروزه هناك. فقد علم من مصادر سرية أن جماعات 
من المغامرين سيبعث بهم الترك إلى المدينة عقب انسحابهم عنها لإبقاء المنطقة 
في غليان وثورة مستديمتين» ولذلك أنيط به أمر تصفية شأنهم بغير مساعدة من 
الجيش» وليس في إمكاني الحكم: أي الجهتين هي المصيبة» حتى على ضوء 
الأحداث التالية. إلا أن اختلاف الرأي كان له أثر سيء معاكس لخطتي الخاصة 
بالسليمانية. 


443 


2 


كويكول (2) 


كنت أتناول العشاء في بغداد مع كل من مقدم الجو (ل.ي. جارلتون) وآمري 
الأسراب (هيرسن 113:608) و(ماكنيس وبورديللون) عندما وصلت البرقية التى 
تزق نيأ احتلال رواندوز. وكنت قد طرت إلى العاصمة في اليوم السابق لأبحث 
في منهاج العمل بخصوص السليمانية» كذلك لأحضر حفلة عشاء وداعية لآل 
(كوكس) بمتاسبة مغادرتهم العراق يعد تقاعد (السير يرسي). 


وكانت مناسبة أليمة لي لأني قضيت في دائرته السنوات العشر منذ أول قدومي 
شاباً إلى (بوشير) للسنة 1912» وكان معظمها تحت رئاسته المباشرة ومنه ومن 
السيدة كوكس لقيت أعظم اللطف والعطف وإني لا أستطيع حتى الآن إعادة 
مطالعة التقرير (السري)”" الذي كتبه عني قبل تركه الوظيفة بلهجة أبوية حانية» إلا 
ويتملكني شعور الحب البنوي له. كانت نتيجة محادثات بغداد اتفاقاً تاماً في 
رجهات اللي وف إنالم يتم تخطيم التنظيم الذي تيلف (الشيخ محمرد) في 
مقره بسورداش فالأمل ضئيل في أن تتمتع كركوك بإدارة مستقرة حتى بعد طردنا 
الترك من رواندوز. هذا وإن الفوجين البريطانيين اللذين يتألف منها رتل كوي 
يكادان يتكونان كليهما من مجندي ما بعد الحرب الشبان وقد أبلوا والحق يقال 


(1) تنص أنظمة الخدمة أن ما يدعى بالتقارير السرية (الشخصية) تعرض دائما عَلى من صدر التقرير 
بحقه قبل إرسأله إلى المراجع العليا في بريطانيا. 


444 


بلاء حسناً في العمليات التي فصلتها في الفصل السابق إلا أنهم في طريق العودة 
سقطوا صرعى بالزحار وما إليه من الأمراض الاستوائية التي يسهل إصابة 
المستجدين بها ولذلك قرز استبدالهم بفوجين من المحاربين القدماء من الجيش 
الهندي وهما قوة الحدود ال1 - 13 (سابقاً فوج كركوك ال 55) والرماة البنجاب ال 
3 - 16 (سابقا الفوج ال33) وهذا الرتل كما بينا سيتقدم لاحتلال السليمانية. 


وعدت إلى كركوك في 27 منه ثم طرت إلى كوي في اليوم التالي مع الملازم 
الطيار (أ. و. وود 8.0.77004) وباقترابنا من المدينة صفعتنا (الريح ا ره 
شه با) بشكل عنيف لم يسبق له مثيل مكتسحة أطراف (هيبة سلطان) وهي تتقاذفنا 
بخشونة كالكرة» ورفعنا جيب هوائي عات عن مقعدينا ونحن نهبط إلى الأرض 
وكان الهدف من هذه الزورة ومثيلتها في الثالث من أيارء إبقاء صلتنا مستمرة 
بالتطورات القبلية في قضاء رانيهء ومقابلة الشيوخ الأصدقاءء أو موفديهم ولا 
سيما مبعوثي (بابكر آغا) الذي كان منشغلا كعادته في أفانين الدبلوماسية وهي 
هوايته التي لعبت في حياته دوراً كبيراً وزف إلى ابنه أنباء نجاح كنت في وقتها لا 
أعلق عليها أهمية كبيرة. وهو انفصال (بايز آغا) زعيم فرع (عباس) من أسرة 
(ميراودلى) عن يشدر المعادين وكان هو وأولاده يحتلون (هه نجيره) مع قريتين أو 
ثلاثة مجاورة في أقصى النهاية الجنوبية لسهل (مه ركّه). 

وفي 5 أيار نشر آمر العمليات في القوة الجوية أمراً مصدراً يعبارة (الهدف) 
وهذا نصه: 

«الهدف الأساسي هو تثبيت الإدارة للحكومة المحلية: يقوم رتل (كوي) 
المعاد تشكيله كما ذكر في الفقرة السالفة» ويتقدم لاحتلال مدينة السليمانية تارك 
كركوك حسب الأوامر - في 14 أيار» وبعد احتلالها يشرع بعمليات صغيرة حسبما 
تمليه الضرورة. وتستهدف إلحاق الهزيمة بالشيخ محمود ووضع حد نهائي لموقفه 
وتأديب تلك القبائل التي أظهرت عداءء ومع أنه لا يمكن تحديد سعة هذه 
العمليات» فيجب أن تقصر على الضرورة لتحقيق الهدف المذكور آنفاً. على أن لا 


445 


تجري فى مسافة بعيدة عن المركز (السليمانية) بحيث يصعب تحشيد الرتل وانتقاله 
من مكان إلى آخر في مدة قصيرة». 


وفي الثامن من الشهر ألقي بيان على المدينة وغيرها من مراكز الأقضية 
والنواحي من الجو مؤكداً نية الحكومة في احتلال السليمانية (دون ذكر التاريخ) 
وموضحاً للأهالي بلهجة جازمة أن العقاب سيكون قاصراً على من يقاوم الجيش 
ليس غير» وعدت إلى بغداد في الخامس منه وبقيت حتى اليوم العاشر وأنا أحاول 
الحصول على تعليمات واضحة للسياسة المقرر اتباعها بعد احتلال السليمانية فلم 
أفز بطائل ولم يقرر شيء حول بقاء (رتل كوي) هناك طوال الصيف (لقد طلبت 
القيادة العامة رأي الحكومة البريطانية في ذلك) أو أن تتجزأ منه حامية من الليفي 
تبقى هناك حتى يتم استقرار السلطات المدنية» ويشرع في تشكيل قوة من الدرك 
قوامها (500) رجل تدفع رواتبها من خزينة بغداد المركزية ويتم تدريبها لتحل محل 
الحامية التي أعارتها الحكومة المنتدبة» وأما ببخصوص شكل الإدارة فقد نشأ 
خلاف حاد في الرأي بين المندوب السامي والحكومة العراقية مرة أخرى. فكان 
السر (هئري دوبس) مقتنعاً أن أي نظام إدارة ذاتية في السليمانية لا يكتب له البقاء 
ما دام الشيخ محمود حرأء وأنه إن لم يقتل أو يؤسر فمن الأفضل الوصول إلى 
اتفاق معهء ومن الطرف الآخر القصي تقف الحكومة العراقية متجاهلة حقيقة 
الموقف تجاهلاً تامأء وناسية تصريحها الرسمي في يوم عيد الميلاد للسنة 1922 
كأنها لم تصدره وهي الآن تصر على إقامة شكل معين من الإدارة مرتبطاً ببغداد 
ارتباطاً وثيقاًء وهذا ما لا يرضي قادة الرأي الكردي بالنزول إليه بمحض اختيارهم 
وأما أنا فقد كرهت السياسيين بوصفي الضابط السياسي الواقف على الأمور في 
مظانها. وفي الوقت الذي كنت مقرأ بوجاهة أسباب (دوبس) كنت بعد تجربتي 
للعامين 1919 و1922 مقتنعاً بأن أي تفاهم مع (الشيخ محمود) سيرجع بنا إلى 
الحالة الماضية التي جردنا حملتنا لإزالتها ولا شيء آخر غيرها. فقدمت حلا وسطأ 
وتسوية كريمة قد تكفل رضى الرأي المعتدل الكردي وتعطى الإدارة شبه ذاتية 


0446 


فرصة تثبيت نفسها بأمل مساعدة ممكنة من سلطات الانتداب ثم من حكومة بغداد 
المركزية دون اللجوء إلى ما يشبه تصريح عيد الميلاد وأجاب (دوبس) على 
حلولي المقترحة؛ أنه وفي الوقت الذي يصر على رأيه الخاص ويعتبره السبيل 
الأقوم» فهو لا يحاول فرض رأيه الخاص ولا مقترحاتي أنا على الحكومة العراقية 
الرافضة لهماء بسبب احتكاكه الذي نجم عن إصراره السابق على تعيين (سيد طه) 
في رواندوز. 

هذا هو الوضع العامء عندما جلستٌ في مطعم مقر قيادة (فنسنت) مع كل من 
(جايمان) معاون الضابط السياسى» و(كراودن ده200) مفتش الشرطة فى كركوك 
الذي كان بأمرته خمسة وثلاثون شرطياً: رانكرهن الساسرين قير هلين الميجر 
(أ. ف. باستاو «660ه8 .4.5) ضابط ارتباط القوة الجوية» ولم يكن لدي إلا الأمل 
بانجلاء الأمور عند الوصول إلى هدفنا. وفى الوقت نفسه كنت منتعش النفس وأنا 
أعود لألعب دور الضابط السياسى تازرف الذي يرافق الجنود إلى ميدان القتال. 
التعاش قلل ننه تذعريئ:يأنه كنت قبل اريخ سكين بالضبيظ أقوم بالعفل نفسه مع 
فرق واحد وهو أننا لم نكن نتوقع هذه المرة أن يخالفنا الحظ كما حالفنا في تلك 
الحملة. 
إن تقرير الوضع الراهن السياسي والقبلي الذي أعددته لقائد الرتل كان كما 
يلي : 

لبعد خروج الشيخ محمود وحل الإدارة في السليمانية» غدا البرزخ الضيق 
الذي يتألف من قوى (شيخ بزه ينى) العازلة ناحية شوان عن غيرها معلقاً في الهواء 
ولوقوع حالات قتل وغيره من القلاقل هناك فقد اضطررت إلى تعيين مدير ناحية 
كركوكي محصن ضد الرصاص يدعى (وهاب بك) مع عدد قليل من الشرطة غير 
النظامية تدفع رواتبهم من الضرائب المحلية ثم أعدت إلى الوجود ناحية الزاب 
القديمة بأن أضفت إليها قرى (قه لا سيوكه)”؟ الشمالية وبذلك أصبحت قبيلة 


(1) إن القرية الهامة في هذه المجموعة وتسعى (عسكر) هي مسقط رأس أسرة جعفر باشا العسكري- 


047 


(شيخ بزه ينى) تحت السيطرة. وبهذا الإجراء قبضت على ناصية الحال في 
جمجمال خلال الشهرين الأخيرين بواسطة (أمين رشيد آغا) على أن معظم 
البكزادة من البطن الأقوى قد أعلنوا ولاءهم ولذلك لا يتوقع أية. متاعب من هذه 
القبيلة الكثيرة الشغب. في الواقع هناك كثير من الكركوكيين الخارجين عن القانون 
في حماية (السيد محمد جبارى) ويحتمل أن يقع صدام مع هؤلاء في جنوب 
الطريق إلا أن هدوء (السيد محمد جبارى) الأخير» والسرعة التي تم بها حشد 
الرتل في كركوك» تجعل احتمالنا هذا بعيداً والشيخ محمود نفسه عاد خائباً قبل 
مدة وجيزة من أراضي يشدرء لأن بابكر اغا أحبط كل مجهوداته لإثارة البلاد مرة 
أخرى في مؤخرة رتل كوي أثناء تقدمه الحالي إلى رواندوز» وأن قواته المؤلفة من 
الليقي والقرويين ربما بلغ عددهم كافة 600 مقاتل وهم بقيادة (صالح زكي 
صاحبقران) ويعسكرون الآن في مختلف القرى بين مدينة السليمانية والزاب. وبقي 
مقر الشيخ محمود في (جاسنه) كما كان ولم تضم إليه أية قبيلة. لكن أي نجاح 
يصيبه في القتال قد يؤدي إلى إسراعها إليه. ومحمود بالتأكيد يريدها حرباء إن لم 
يكن في (بازيان) ففي (طاسلوجة) على أننا نملك وسيلة ما لمعرفة درجة ما يتمتع 
به اتباعه من معنويات». 


سقط مطر غزير في كركوك أثناء الليل» وعندما تركناها في السادسة من صباح 
الثاني عشرء كان التراب قد زال من الجو ولم نجد في البرد لذعة» بل انتعاشاً 
وقصرنا المرحلة الأولى على سبعة أميال وأنزلنا أثقالنا فى (جيمان الكبير) حيث 
يوجد أرض مخيم جيدة» وماء غزير في النهر. وفي 13 منه بلغنا (باش بولاق) 
وهو مخيم جميل آخر يقع على نبع ماء دفاق جنوب الطريق على بعد 12 ميلاً من 
جمجمال و23 ميلاً من شعب (بازيان). في اليوم الثاني لنا في جمجمال أيد لي كل 


-الأصلي. وهو أحد زملاء (فيصل) في ثورته العربية ضد الأتراك وصهر نوري السعيد رئيس وزراء 
العراق لعدة مرات» إذ تزوج كل منهما أخت الآخر. وفي 1924 (فصلت ناحية الزاب) المصطنعة 
وأعيد شريط (شيخ بزه ينى) إلى (شوان) وأعيدت (قه لا سيوكة) إلى (جمجمال). 


448 


من (أمين رشيد)» وصديقي القديم منذ 1919 (مشير آغا بككزادة) صحة تقاريرنا 
الجوية التي قالت إن الشُعب غير محصن. وعندئذ قرر (فنسنت) التقدم حالا إلى 
(تكية كاك أحمد) القديمة وهي القرية التي تبعد ميلين لا أكثر من الممر حيث 
يوجد ماء طيب نمير. وقبل حلول الظلام شاهدت السيخ على مرتفعات الجانبين 
وامتطيت حصاناً وسرت داخل الشعب نفسه مسافة قصيرة فلم أصادف كردياً 
واحداً. وفي 15 منه أمرنا بالتقدم السريع ما وراء (بازيان) إلى شعب (طاسلوجة) 
و(كوندى كاوه) التي تبعد 12 ميلاً عن السليمانية؛ وهكذا قطعنا ثلاثة وأربعين ميلا 
خلال يومين. إن سرعة التعبئة والتقدم قد أحدثا مفاجأة تامة. وتظهر المراسلات 
التي وقعت في أيدينا بما لا يقبل الشك أن النية كانت منصرفة إلى الدفاع عن 
طاسلوجة. وفي (كوندكاوه) هناء تسلمنا خطاباً من الشيخ محمود مؤرخاً في 14 
منه إلى آمر الرتل في كركوك يشير عليه بألا يحاول التقدم من جهة جمجمال وفي 
صباح هذا اليوم نفسه خرج الشيخ محمود من (جاسنه) يقصد السليمانية لتنظيم 
الدفاع عن مداخلها ولما علم (أو ريما شاهد بنفسه) أن الرتل قد عبر آخر عقبة 
أسرع يعود حالاً وأمر بتقهقر عام عن طريق (شيخ باخ) إلى (ماوه ت وشاربازير) 
الأمر الذي يشير إلى نيته في اجتياز الحدود الإيرانية. 


وفي 6 منه تقدمنا نحو (سرجنار) وسط زوبعة رعدية طويلة الأمد عنيفة» 
ودخلناها واستقدمنا إليها أعيان المدينة بإسقاط رسائل جوية قبلها بيوم واحد. وفي 
صبيحة هذا اليوم أنهى إليّ (فنسنت) بنبأ ملأني غماء فقد أرتأى البقاء في 
(سرجنار) يوماً واحداً ثم التقدم بالرتل حتى وادي (سورداش) ومنه إلى (مه ركه) 
لتأديب (شلانه) التي لعبت دوراً فعالاً في مهاجمة رتل رانيه بإطلاقها النار عليه من 
كمائن في الضفة المقابلة من النهر في نيسان. لا نكران في أن هذه العملية الزجرية 
مفيدة جداً وكانت في الواقع تحتل صدر قائمة العمليات التأديبية التي اقترحتها 
على رتل كوي أثناء وجوده في منطقة رانيه إلا أن توجيه الرتل إلى رواندوز جعل 
العملية مستحيلة على أني كنت أؤمل تحقيق ذلك في الوقت المناسب بعد احتلال 


449 


السليمانية» أما الآن فهي حركة تبعد كثيراً عن الوجهة التي سلكها (محمود)» وغير 
مجدية إلا بعد اتخاذ الخطوات الضرورية لإعادة السلطة الإدارية إلى مركز اللواء: 
مهما يكن فالأوامر هي الأوامرء ولذلك دخلت المديئة مع سراتها وحدي» وقمت 
بما استطعت من الإجراءات الوقتية ريثما يعود الرتل. فأعيد تنظيم الشرطة بقيادة 
مديره السابق. وطلب من البلدية أن تتفرغ إلى واجباتها ونصب (أحمد بكى توفيق 
بك) مشرفاً عاماً على كل الدوائر المدنية وجعل (شيخ قادر) أخ (محمود) مسؤولاً 
عن الأمن العام واستقدم متعهدو الآر زاق واتخذت التدابير لإرسال المؤونة والطعام 
إلى سرجنار قبل حلول الظلام قمت بتصريف الأمور كلها من مقر الشيخ محمود 
في المدرسة الثانوية التي كانت دائرة للضابط السياسي سنة 1919. دخلت المكتبة. 
ورأيت خلف المقعد. صورته معلقة على الحائط ومثبتة بإطار ومسامير مما يستخدم 
للرسم والإطار هو شريط أحمر من القرطاسية الرسمية وقد سمرت الصورة على 
اللوحة الخشبية التي تستقر قوتها الآلة الكاتبة وكانت ملصقة بورق أسمرء 
ووجدت أيضاً علماً كردياً مع تاج مزخرف أعد لتثبيته فوق العلم كميزة للعلم 
الملكي”'؛ عن سائر الأعلام. 


وفي 177 منه أقبلت وحدتان من الثوار إلى سرجنار مستسلمتين» وقضيت 
معظم هذا اليوم في المدينة مكملاً المهمات التي بدأت بالأمس ومستقبلاً بعض 
وفود القبائل والقرى بعد توقفنا لهذا اليوم؛ تحركنا إلى الشمال الغربي وبلغنا 
الزاب في اليوم الثالث وضربنا خيامنا على التوالي في (كرده بور» وحاجى ثأوه» 
ودوكان) وكنا نعقب طريقاً على امتداد قاعدة (بيره مه كرون) الذي يرتفع بجلال 
ومهابة ارتفاعاً عمودياً إلى (6000 قدم) اعتباراً من قاع الوادي القريب الذي يقع 
(1) ما زلت أحتفظ بهذا العلم ضمن تذكاراتي. كذلك حصلت على الصبغة واللوحة التي كانت 

تستخدم لطباعة الطوابع البريدية التي عمّمت أثناء فترة حكم الشيخ» وقد أهديتها للمستر (أ.ه 


ميسن ارط ان| .11.مة) المهندس الحكومي المعماري وهو من الخبراء الكيار في الطوابع ومن 
هواتها. 


0ذ]0 


على يمينناء وفي (سورداش) كانت شجيرات البلوط القصيرة كثيرة النمو على 
سفوح الجبال وكان ثمة مجموعات من الأشجار الباسقة التامة النمو يشير وجودها 
إلى مواقع المقابر القديمة والمزارات الدينية وتنشر ظلاً ظليلاً يرحب به السائر في 
أية وقفة. وكان زهر الدفلى مشرقاً فاغماً على طول مجاري الأنهار كلها و(تابين) 
في (حاجى ثاوا) كان يبدو بصورة خاصة في عجيج من الألوان الأخاذة» وهنا 
حيث يعبر الطريق من (تابين) وجدنا سيارة شيخ محمود الخاصة غائصة في 
المجرى. 


وفي اليوم الثالث خرجت عن الرتل مع وحدة من مشاة (كوك) قاصداً 
(جاسنة) وفي شق جبلي خلف القرية كان يوجد مضيق شديد الانحدار فيه ممر 
ضيق يفضي إلى (شيخ باخ) كان مسيل جميل ماؤه بارد كثلج بلوري ينساب رقراقاً 
فوق صخور بيضاء عظيمة» بين حشد هائل من (الدفلى) الحمراء. فتوقفنا لنملأ 
بطوننا ريا قبل أن نبدأ البحث. إن مدخل الكهف الشهير الذي يقع داخل الشق من 
الجهة الجنوبية كان محجوباً بعض الشيء بالجدار الصخري ولم يظهر لنا إلا بعد 
أن واجهناهء وجدنا بالقرب منه سرير الشيخ محمود الحديدي وعدداً من 
المصاطب التي يشيع استعمالها في المقاهي» وكميات كبيرة من علف الخيل» 
ووجدنا أيضاً في بيت قريب علمين ملكيين» وجهازاً تلفونياً كان يستخدم للاتصال 
(بشيخ باخ وقمجموغة ودوكان)» وآلة كاتبة ومخزناً للدقيق» رفعنا منه عشرين 
حملا. 


وفي ذلك المساء أقبلت وفود من قرى سورداش الشمالية الغربية برمتها ومن 
قرى أخرى في خوانق (قره زرد) وما يليه. وأما عن الطريق الذي يعلو (قره زرد) 
فقليل ما يعرف عنه خلا أنه في غاية الوعورة ولم يكن من الحكمة في شيء أن 
نكشف تلميحاً أو تصريحاً عن خططنا بالقيام باستفسارات مكشوفة حول سيطرة 
جماعات معادية على الطريق أم خلوه منهم. وللمرة الثانية قدرنا بأننا لن نواجه أية 
مقاومة وكان مرد ذلك إلى سرعة الحركة» ووفود القرى والتأكيدات التي جاؤوا 


411 


بها حول تراجع الشيخ محمود آغا مع أتباعه الذين تناقصوا إلى مجرد سبعين فارساً 
وانضمام (بايز آغا بشدر) رئيس (هه نجيرة) على الجانب الأقصى من الممر في 
(مه ركه) إلى حزب (بابكر آغا). 


وبعد أن تركنا عجلاتنا في (دوكان) تقدمنا فجر يوم 21 منه في طريق سهل 
فوق أول سلسلة الجبال وبلغنا (طوبزاوه» وريكاوه) في واد صغير يدعى (دوله 
رووت) ثم صعدنا مرتقى وعراً ارتفاعه ألفا قدم بطريق يكاد لا يكفي لرجلين معاً 
واجتزنا بساتين عنب ثم غابة بلوط كثيفة وكلتاهما تصلحان ستراً ممتازاً لقناصة 
العدوء حتى بلغنا القمة وكان سيرنا شاقاً» لكن التعب زال عنا بسرعة بفعل النسيم 
البارد الذي كان يداعب وجوهنا ويشعرنا بالانتعاش ونحن جالسون في الظل وكان 
المنظر المنبسط أمامنا رائعاً والحق يقال: فمن حولنا أشجار البلوط القصيرة 
وأشجار التين الصغيرة القميئة ومختلف أنواع الأشجار الأخرى» وأمامنا بساتين 
الكروم على سطح جبلي (كيوركاني وبالكو) المنحدرين إلى الغور العظيم الذي 
ظل الاعتقاد سائداً مدة طويلة بأنه فم (قه لاجوالان) يليه نهر الزاب خارجاً من 
فتحته (دربند) ملتوياً متعرجاً في شبكة من الخيوط الفضية خلال سهل (بيتوين) 
و(مه ركه) حتى ينكمش تحتنا تماماً ليدخل مضيقاً إلى شمال (دوكان) وعن يسارنا 
خط سلسلة (هيبة سلطان) الطويل يليه (كوسرات) بثلاث من القرى تجثم على 
سفحه الشرقي» وشواهق (شاوور وناوده شت) القاتمة البعيدة خلف السهل تكاد 
تكون على خط واحد مع (دربند)» وقمم (قنديل) وهي تلمع بثلوجها متحدرة إلى 
جبلي (كه لانه وكوترال) ذوي العروق المرمرية. وبالقرب منا عن اليمين يرتفع 
حرف (كولاره) حتى جبل (كوركور) الذي لما يزل الثلج يتوجهء وسفوح هضبات 
(جافه ره شكه) الجنوبية الجرداء. 


وصلنا المنطقة في وقت قصيرء ولم يعد بالإمكان إخفاء وجودنا ومقاصدنا 
وقرر (فنسنت) الشروع بالعمليات التأديبية حالاً. إن مقاتلات القوة الجوية البريطانية 
في العراق» وقاصفاتها لم تجهز باللاسلكي بعدء كما أن الأجهزة اللاسلكية 


452 


الأر ضية للوحدات العسكرية ما زالت نادرة. واتصالاتنا البدائية مع الطائرات كانت 
تتم بوسيلة تعرف ب(حتار يوفام [6هةط هقطمه2) وتتكون من قطعة جنفاس سوداء 
مستطيلة تعترضها خطوط بيضاء على نظام معين يمكن كشفها أو تغطيتها بحافات 
سوداء وترسل الرسائل عن طريق التأليف والترتيب بين الخطوط البيضاء التي تترك 
مكشوفة بشكل سبق التفاهم عليه» وثمة طريقة أخرى أدق من هذه لتبادل 
الرسائل» تتم بالتقاط الطائرة لها من الأرض أو إسقاطها ولالتقاطها في حقيبة ذات 
شريط زاهي اللون تشد بخيط طويل يمتد بين عمودين قائمين وتقوم الطائرة بالتقاط 
الحقيبة بخطاف حديدي مشدود إلى حبل يقذف إليها. وتُسقِط الطائرات رسائلها 
في حقائب ممائلة. وكان قسم المخابرات الجوية يغذ السير في طريقه بمؤخرتنا. 
على أن ضابط الارتباط (كيس) شد عمودين قصيرين جداً فوق شجرتين مرتفعتين» 
فقامت الطائرة (بريستول) بالتقاط تلك الرسالة في أول محاولة وكانت تتضمن 
تعليمات حول الإسناد الجوي. 


كان الانحدار إلى قرية (هه نجيره) طويلاً شاقاً ومنها خرج (بايز آغا يشدر) 
للترحيب بنا وإعلان ولائه. وبعد استراحة قصيرة انقسمت القوة إلى قسمين» 
وانضممت إلى وحدات البنجاب التي اتجهت نحو قريتئ قبيلة (شيلانه) الرئيستين 
(بنكردء وبرده شان) وتعرضنا إلى نار غير محكمة» منهاء أن العقوبة الوحيدة التي 
كان في مقدور آمر الحملة التأديبية إيقاعها في هذه الأحوال هي مصادرة أية ماشية 
تقع يده عليها في القرية» ثم إشعال النار في بيوتهاء ولم تكن بالعقوبة الرادعة كما 
تبدو للقارئ فالبيوت لا تعدو خصاصاً طينية» على أن إعادة السقف الخشبي 
تقتضي نفقات» وتعترضها مصاعب» وقد رتبت أن أضع حرساً على مساجد كل 
قرية ندخلها بمعرفة الضابط الآخرء لأن المساجد فيها تكاد لا تفترق عن سائر 
البيوت ولا يمكن تمييزها إلا لعين خبير حتى لا تنهب أو تحرق فتجر وراءها 
المشاكل. وكان سلوك البنجاب ومشاة (كوك) الذين صحبتهم إلى قرى (شيلانه) 
الأربع على ضفة النهر في اليوم التالي» مما يحمدون عليه حقأًء سواء بخصوص 


0453 


معاملتهم للشيوخ أو النساء الذين تركوا في القرى ولقد كان البنجاب مسلمين أما 
(جايمان) فقد لقي عتنتاً كبيراً مع السيخ الذين رافقتهم إلى (مه ركه) وهذا يرد إلى 
اختلاف الدين بلا شك وإلى الضحايا التي تكبدوها أثناء العمليات في تل رانيه. 
أرسلت رسالة جدية إلى (بابكر آغا) من حاجى ثاوا لإسقاطها على قريته بالقرب 
من (قلعة دزه) وقد طلبت فيها أن يقابلني في مطار (سرسيان) ولم يكن موعدي 
هذا يوحي بشيء عن العملية الأرضية المقبلة. فخف إلى الموعد والتقينا في قرية 
(مامنداوه) التي تبعد ثلاثة أميال وراء مخيمنا في (بنكرد) وبعد أن أنهى إليّ بآخر 
معلوماته عن موقف القبائل في المنطقة أخذته لمقابلة آخر الرتل الذي كان مسروراً 
بمقابلة هذه الشخصية الشهيرة وبإبلاغه تقدير القائد العام لمساهمته المفيدة في 
إحباط خطط الشيخ محمود أثناء التقدم إلى رواندوز. 


وفي 24 منه عبرنا (قره سرد) راجعين إلى (دوكان) وآب الرتل إلى السليمانية 
من غير عجلة. وأبلغنا بوجود مخزن للقنابل في محل يدعى (جله خانه) في هضبة 
(شيخ باخ) فخرجت إليه ومعي وحدة من سلاح الهندسة بقيادة النقيب (هاملتون) 
للتفتيش عنها وإتلافها واخترنا الطريق الذي يمر بقرية (قجوغه) لأنه على ما قيل 
أسهل من طريق (جاسنه) وكانت الأولى خلافاً للثانية تقع في فم الشق ووجدنا 
المدخل محصناً بأبراج وجدران وغيرها من التحكيمات التي أقيمت على أسلوب 
العمق منذ عهد البابانيين مقابلة منهم لبناء قلعة في (ساردكه) على الضفة المقابلة 
للزاب في عهد أمير رواندوز الأعمى (كور باشا) وكان المضيق الأعلى لا يقل 
روعة وجمالاً عن المضيق الأسفل. وبعد زهاء نصف ساعة وصلنا إلى غابة بلوط 
ولم نقف ورحنا نصعد حتى بلغنا قرية (سرمورد) ومنها خرجنا إلى أرض منبسطة 
لهضبة خلت من التضاريس تقع بين قمتين متناظرتين تشبهان أسنان المنشار وهما 
من الصخر الجيري الأجرد الباهت اللون» وهي تبدو هنا وكأنها تنعطف انعطافاً 
خلفياً لتؤلف الفتحة التي خرجنا منها. وشاهدنا من خلالها منظراً ساحراً يمتد 
مستقيماً طوال خط المنظر حتى فتحة الزاب بين نهاية (سرسردء وهيبة سلطان)» 


454 


وهنا يبدل النهر اتجاهه من الجنوب إلى الغرب واخترقنا بساتين كروم وبعد 
ساعتين من تركنا المخيم وصلنا قرية صغيرة اسمها (ؤووره جاي) تستكن بين 
الأشجار تحت قمجوغه وعلى قمة فتحة (جاسنه) وكان يشاهد من هذه البقعة منظر 
جميل غير وادي (سورداش) فوق (سرسرد): ترى قمم (عبدالان) و(قره داغ) عند 
مضيق (بازيان) حتى تل جمجمال. كلها كانت تبدو واضحة من بعيد خلال 
الضباب المؤتلق الساخن الذي يتخلل السفوح الصاعدة الهابطة. لم نزل بعيدين عن 
الكهف زهاء ثلاثة أميال» وانفصلت عن. الجماعة لأسأل الكرد الذين كانوا 
يشتغلون في بساتين العنب عن الاتجاهات. ولما وصلت إلى (جله خانه) تبين أني 
نجوت من موت محقق, فلو تأخرت لحظة واحدة» لكنت ضمن دائرة تفجير أحد 
كدس العتاد وهو كما ظهر قنابل مدافع ألمانية من عيار 75 ملمتراًء وكان هاملتون 
يهم بإشعال الفتيل» تمكنت من الاستتار قبل الانفجار بلحظات. وعند عودتي 
كتبت في يومياتي ما يلي (خلاصة للاستخبارات السياسية عن رتل كوي من 12 
حتى 27 أيار 1923) وليس في فكري أي شيء مما كانت الأقدار تخبئه لي عندما 
ختمت تلك الخلاصة بالعبارة التالية التي أخشى أن يكون فيها شيء من التطرف: 


(إن عدم تعرض الرتل لأي مقاومة قد يحمل المرء على الظن الخاطئ يسهولة 
إخضاع الكردء لذلك أشعر بأن الواجب يقضي مني إثبات عبارة تحذير هنا لا 
سيما وأن تدابير إدارة السليمانية ستكون موضع بحث قريب ومداولة. لقد تميز 
كاتب هذه الأسطر بالخدمة في حملة (فريزر) للسنة 1919 بوظيفة ضابط سياسي 
وكذلك كان في حملة (كويكول) في 1923. وظل على صلة وثيقة بالأحداث التي 
أدت إلى اضطرابات في 1922 وكان حاضراً في نكبة رتل رانيه. وقد استخلص من 
كل تجاربه هذه أن كردي الجنوب قد يمكن قوده وأنه قد ينسحب أو يستسلم أمام 
قوى متفوقة. أما إن أرسلت ضده قوات غير كافية» أو أن القوات الكافية كانت 
تفتقر إلى قيادة كفوءة فسيجد في عدوه قابليات هجومية لا يمكن أبداً التقليل من 
شأنها. وخير دليل على هذا ما لقيه الأتراك المتقهقرون في 1918 منهم وما ذقناه 


435 


من هزائم على أيديهم في 1919 - 1922 أن القوة المتفوقة هي الشيء الوحيد 
المجدي ولذلك يجب أن تستعمل القوة لا غير لإخضاعه؛ ربما قوة فيها بعض 
المرونة والليونة لكنها القوة بالدرجة الأولى» أن الاضطرابات القبلية بصورة عامة 
تستغرق وقتاً طويلاً لتنضج وتسفر عن نفسهاء وسرعة العمل هي عامل أساسي 
للنجاح. وإذا عولجت مبادئ الثورة بحزم وسرعة فقوة صغيرة نسبياً تكفي 
للمحافظة على الأمن» وبخلاف ذلك إن تركت الأمور تنضج فلا سبيل إلا إلى 
تجريد قوة شبيهة بحملة (فريزر) ورتل كوي في فترات متقاربة متزايدة”". 


بوصولنا السليمانية في 28 منه وصلتنا تأكيدات قاطعة أن الشيخ محمود 
انسحب إلى (بيران) وهي من قرى (مه ريوان) وتبعد ميلين عن الحدود الإيرانية؛ 
وعشرة أميال إلى جنوب ينجوين. وأقبل عدد من أنصاره يعلنون ولاءهم وكان عدد 
آخر في طريقه إلينا وفي 29 أيار وصل إلى السليمانية بطريق الجوء رئيس الوزراء 
عبد المحسن السعدون» وأمين العاصمة صبيح بك نشأت وهو كردي من أربيل 
لبحث التدابير الإدارية التي ستطبق وكان يصحبهما (كورنوالس) الذي صعقني 
عندما أبلغني أن رتل كوي سيسحب في منتصف حزيران» وأنه لا يوجد مشروع 
لإرسال الليقفي لاستبداله به. كانت الحكومة البريطانية في لندن تلح بسرعة خفض 
عدد الجنود البريطانيين في العراق إلى حد ستة أفواج فقط. ولقد تردت العلاقات 
مع تركيا إلى الحد الذي أدى إلى تجدد الخوف من عملية مباغتة ضد العراق من 
قاعدتهم (جزيرة ابن عمر) فلم يكتف برفض اقتراح بقاء رتل كوي طوال الصيف 
في السليمانية وإنما تقرر عودة كل الوحدات إلى مراكزها الأصلية دون تأخر يوم 
واحدء فضلاً عن هذا. فإن المندوب السامي أقنع بتبني وجهة النظر التي تقول 


(1) إن أخف ما يمكن التعليق به على هذا الرأي» هو أن المؤلف كان قد تبناه وهو شاب متحمس 
لخدمة الإمبراطورية البريطانية التي كان يؤمل أن يكون أحد أبنائها في هذه البقعة من الأرض» فمن 
المعلوم أن القوة المجردة هي سلاح ذو حدين دائماً وأبداً والشعوب في اقتبالها ذلك لا تتفاوت. 


456 


بوجوب وضع حامية في رواندوز إلى جانب تعيين (السيد طه) قائمقاماً زيادة في 
الحذر والتأكيد وفي 2 خزيران لحق (السير هنري دوبس) برئيس الوزراء في 
السليمانية وبوضع مشروع للزعماء الكرد مستمد بجوهره من التوصيات السابقة» 
لكن بحذف عدد من النقاط. هذا المشروع لا يكلف الحكومة العراقية شيئاً ولا 
يحملها عبئاً إلا أنه وْضِع لأجل مماشاة المشاعر الكردية» وانقطعت المفاوضات 
لعجز المندوب السامي عن إعطاء تأكيدات للحكومة العراقية حول إبقاء الجيش 
البريطاني إلى أن يستتب الأمن خ تماماً ويتاح للإدارة وقت كاف للثبات. وكان جل ما 
وافق عليه هو تأجيل التصريح الرسمي بسحب القوات انتظاراً لأمر ثان من لندن» 
وعاد الجميع إلى بغداد في 4 حزيران. 

وكانت الأيام العشرة التالية ميدان نشاط محموم لي. وتشير يومياتي إلى سبعة 
أيام منها قضيتها في الطيران بين السليمانية وكركوك وبغداد محاولة مني لإقرار 
مشروع (إنقاذ بعض الحطام)» أخيراً وفي 14 حزيران عانيت مقابلة أليمة جداً 
لمجلس الإدارة المؤقت في السليمانية فقد قدموا استقالاتهم بالإجماع عندما أبلغوا 
بشكل بات أن القوات البريطانية لن تبقى بل سترحل خلال ثلاثة أيام فقط قبل أن 
يتم تحقيق شيء في إقامة إدارة محلية بمساعدة الضباط البريطانيين وقبل أن يتم 
تجنيد دركي واحد من القوة التي وعدوا بها. 

كانت تلك الأيام الثلاثة كابوساً حقيقياً. أخذت جموع من المواطنين الخائفين 
وكثير منهم أخلص لنا الخدمة يحاصرون الدائرة ويسألوننا عما سيكون من أمرهم. 
أو يلحون في طلب حيوانات ليسهل نزوحهم بها. واختفيت أنا (وجايمان 
ودوغلاس) الذي نقل جواً لينضم إلينا بعد عودتنا من عمليات (شلانه) ولم نستطع 
أن نسفر عن وجوهنا في الشوارع إلا وتحاصرنا النسوة ملوحات بدفاتر التقاعد 
وهن يولولن قائلات: إنهن لم يتسلمن شيئاً منذ أشهر عديدة» وغيرهن من الناس 
الذين ركبهم القلق والغم. 

في آخر زيارة إلى بغداد تمكنت بعد جهد من المصادقة على تخويلي حق 


457 


الرجوع عند الحاجة» إلى تطبيق المشروع الذي كنت قد رسمته قبل أن تجرى آية 
محادئات عن احتلال رتل كوي المناطق القريبة من كركوك وأربيل لأجل إدارتها 
من هذين المركزين وبذلك تتقلص مسألة السليمانية وتصبح ضمن دائرة لا تزيد 
كثيراً عن مركز قضاءء ووافق (أحمد بكى توفيق بك) و(شيخ قادر) وهما الآن 
مشاوري وقالا إن هذا هو خير ما يمكن عمله لا بل إنهما تطوعا لقبول المسؤولية 
في مركز القضاء شريطة تخصيص المبالغ اللازمة لتجنيد قوة أمن تتألف من (350 
رجلاً) وإبقاء ضابط بريطاني أو حتى ضابط صف إن أمكن وكان يسر (جايمان) أو 
(دوغلاس) أن يبقيا إلا أن (دوبس) أوضح بصورة قاطعة أنه لن يسمح بذلك مهما 
كانت الظروف. وجدت خير ما يمكن عمله هو دعوة سراة المدينة وتحميلهم 
مسؤولية منع وقوع الجرائم كلا في حيه الذي يسكنه كما أني حللتهم من مسؤولية 
أي اضطراب وشغب مصدره خارج المدينة ووعد (الشيخ قادر) أن يبقى بضعة أيام 
بعد خروج القوة» ليحول دون قيام أعمال سلب أو إشعال حرائق. وكان هذا مما 
يتوقع حصوله كأول رد فعل لزوال آخر مظهر خارجي لسلطة الحكومة. 

وخرج سيل من اللاجئين يقدر بحوالى 2000 من النازحين عن المدينة إما 
منفردين أو مواكبين للرتل وهو في انسحابه الذي تم في 17 حزيران» ولاذ كثيرون 
بالقرى» ونصبت عدة كمائن في الطريق» ونهبت جماعات من (الهه ماوند) عددا 
من النازحين أثناء فرارهم» وقمت بإنابة (جايمان) عني لتولي مهام الضابط 
السياسي لقوات (فنسنت) ثم عدت في اليوم نفسه مع (دوغلاس) إلى كركوك جواً 
لأشتغل في مشروع (الحزام الصحي) كما كان سيطلق عليه فيما بعدء دون إضاعة 
دقيقة واحدة. وفي آخر هزة خفيفة عملتها الطائرة قبل تركها الأرض ازدحمت في 
مخيلتي ذكريات السنوات الأربع الماضية متراكمة متصارعة متلاطمة بعضها مبهج 
وكثير منها محزن. فامتلأت بشعور من الخيبة والإخفاق كان له طعم المرارة في 
فمي ولاحت مني التفاتة إلى (ييرمه كرون) الشاخص أمامي» فخيل لي أنه أكثر 
تقطيباً وجهامة. ورحت أتساءل في سري: ماذا تخبئ الأقدار لهذا اللواء الثائر في 
مستقبل الأيام؟ ْ 


458 


- 23 - 


الحزام الصحي 


عدت إلى كركوك وأنا برم بالحياة إلى الحد الذي قررت فيه للمرة الأولى أثناء 
وظيفتي» استعمال الحق الذي تخولنا إياه عقود خدمتنا وهو استحصال إجازة 
قدرها ثلاثة أسابيع وقضاؤها في إنكلترا. وقد لبت طلبي شريطة أن أبدأ بالإجازة 
بعد إكمال مستلزمات (الحزام الصحي) وبمقتضى ذلك ستبقى علاقتي بالمتصرف 
بخصوص لواء كركوك كما كانت» على أني سأكون مسؤولاً مباشرة أمام وزارة 
الداخلية عن إدارة الوحدات المسلحة في السليمانية باستثناء قضاء رانيه الذي ضم 
إلى أربيل» مع إعطائي حرية تصرف واسعة وكذلك تكون مسؤوليتي مباشرة أمام 
المندوب السامي حول أساليب التصرف إزاء السليمانية (البؤرة المركزية التي 
هجرناها) حيث رسم أن يترك الشيخ محمود لشأنه حيث هو موجود آنذاك مع 
التلويح بالعصا بين آن وآخر إن تجاوز الحد. 

وكنت قد أسلفت أن الإدارة وضعت يدها على جمجمال لأغراض عملية لا 
مفر منها. قبل حملة رتل كوي وثبت (أمين رشيد آغا) في منصب القائمقام يعاونه 
(مجيد أفندي) من سراة السليمانية ووضعت الشرطة تحت إشرافه أثناء احتلالنا 
القصير الأمد. وقد سمعت حكايات لا ترتاح إليها النفس قط عن سلوك هذين 
الموظفين في المدينة خلال الأيام الثلاثئة المنحصرة بين إعلان الانسحاب وبين 
الانسحاب الفعلي وخصوصاً عن مختلف حوادث العنف والاعتداءات التي وقعت 
في محلة اليهود على أني لم أكن في ذلك الحين قادراً على إظهار ما أبطن» وما 


459 


يجب من الغضب والسخط. ولم يمر طويل من الزمن إلا وانتشر طاعون قطع 
الطرق في مختلف المسالك الخارجية من كركوك ولما حققنا عنه وتقصينا جذوره 
ظهر صلته بالقائمقام» وفي اليوم الأول من تموز اضطررت إلى توقيفه مع شريكه 
ابن بلده وثمانية عشر من أنصاره» وجئت (بوهاب بك) الذي أظهر كفاءة في ناحية 
الزاب» على أنه ذو خبرة في واجبات أقل شأنا من هذا المنصب» تتعلق بروتين 
نظام الإدارة العثماني» كتقدير الزروع النباتية لغرض فرض الضريبة وما أشبه» وقد 
زكته غلظته وإقدامه ومعرفته العامة بأحوال البلاد» فكان عند حسن ظني» ونجح 
في استرجاع معظم الأموال التي نهبت في عهد سلفه السعيد واستحصل الغرامة 
الكبيرة التي فرضناها على (ره ماوه ند) وكان بطلاً لحكاية طالما استمتع بروايتها 
نوري السعيد وغيره من كبار الساسة في بغداد إلى زمن متأخر وإن كانت ضدهم 
(وهذا مثال لحب النكتة الشديد البارز في خلق كل الطبقات العربية في العراق) 
وهم يروونها عادة بصدد وقائع الانتفاضة الوطنية في أول أيام الانتداب عندما حان 
الوقت لعودة الإدارة إلى وضع الاستقرار الطبيعي» أصبح من الضروري أن يخلي 
(وهاب بك) منصبه لموظف مدني محترف» خاصة وأن أساليبه الخاصة لم تكن 
دائماً بالشكل المألوف وكنت في كركوك آنذاك فقمت ببذل أقصى الجهود 
للتخفيف من وقع الصدمة عليه بسبب خدماته الماضية وأنا لا أذكر عن الحادثة 
المقصودة شيئاً ولم أدون كلمة عنها ومع هذا فقد شاع أنه أرسل رسالة باللغة 
التركية هذا نصها «ادمونسه سويله به نى أيه ر بيردها تعين اتميزسبى وطني 
أولوريم» وترجمتها (قل لأدموندز إن لم يعيني في وظيفة فسأنقلب وطنياً). 


وشكل قضاء جديد بدمج كل من ناحيتي (قرداغ وسه نككاو) الجنوبيتين اللتين 
كانتا تحت نفوذ سادة البزرنجة أساساء وعين له فرد من الأسرة هو الشيخ (عبد 
القادر) من فرع(قازانقاية) وهو ابن عم غير بعيد للشيخ (عبد الكريم قادر كرم). إن 
الشيخ (عه ول سه نكاو) كما يعرف عموماً يسكن عادة في (كوب ته يه) وهي أهم 
قرى الناحية وتقع في نقطة استراتيجية هامة سواء لأغراض مشروعة أو غير 


0400 


مشروعة أعني نهاية ممر (سه كه رمه) السفلى بالقرب من الطريق الوحيد على 
طول الوادي بين (أج داغ) وسلسلة (قره داغ)؛ وطريق القوافل الرئيسي الممتد من 
كفري حتى السليمانية. إن شاربي (الشيخ عه ول) الضخمين وعينيه القاسيتين اللتين 
ترسلان شواظاً من نارء تضفي على وجهه طابع شراسة ينسجم مع سمعته الداوية 
في الوحشية والقسوة إذا ما واتته الظروف. كان مغرماً بالشمين من الثياب والزاهي 
من الحرير ويضع على رأسه عقالاً عربياً من شعر الجمال والصوف ضخم الحجم 
لتثبيت مناديل عمامته عوضاً عن لفها حول الطاقية» دليلاآً على مركزه الديني. وكل 
ما أهله إلى هذا المنصب هو انحيازه إلى الحزب المعتدل في سياسة كردستان 
بتأثير الشيخ عبد الكريم» وأنه يتمتع بحصانة من الرصاص وهو أيضاً قادر على 
وقف حوادث قطع الطرق التي يقوم بها غيره» أو أن يكف عنها هو نفسه ورغبة 
في أن يتصدر واجهة الإدارة وقد ألحق به موظف مالي مجرب لإنجاز الأمور 
الحكومية بخير ما يمكن من الانتظام. 


أما عن حلبجة فقبل مغادرتي السليمانية قمت بتوزيع وظائفها المختلفة على 
رؤساء بككزادة الجاف - فنال منصب القائمقام (أحمد بك) ابن (السيدة عادلة 
خان)», وفاز بمنصب معاون القائمقام (حميد بك) وكيل (كريم بك الجاف) 
وجعلتهما يوقعان تعهداً بألا يكيد أحدهما للآخر وأن يتعاونا بإخراج أي وكيل 
مرسل من (الشيخ محمود) وبعد أن دفعت لهما مرتب شهر ومبلغاً صغيراً من 
المال للنثريات طلبت منهما أن يأتيا إلى كركوك قبل نهاية الشهر للتداول في 
التعيينات الأخرى وغيرها من الأمور. ْ 


ولأجل أن أمنح (شيخ محمود) من تثبيت أي شكل من أشكال سيطرته في 
أنحاء (بشه در وماوه ت) واصلنا الاعتماد على مساعي (بابكر آغا). وكنا ندفع له 
مخصصات واتصلنا به فى رحلات جوية عديدة إلى (كوي وسرسيان) على أني 
كنت أفضل التجوال في البلاد والسير خلال المناطق القريبة من كركوك» فأبيت 
الليالي في القرى ومضارب القبائل. ولما انسعت واجباتي وتبدلت طبيعتها اقتضى 


4601 


أن أكثر من حلي وترحالي» فزاد على ما كان قبل فشل السليمانية وكنت أسجل 
تباعاً رحلاتي وطيراني في يومياتي (ربما أغفلت تسجيل عدد قليل في حينه) وعند 
تأملها أجدني قضيت 225 ليلة من أصل 585 ليلة بعيداً عن مقري وأني كنت 43 
يوماً في الجو وهي الفترة المحصورة بين 20 أيلول 1922 يوم قدومي كركوك وبين 
6 نيسان 1924 وهو يوم بدء إجازتي» ولم أسجل دائماً أسماء الطيارين» على أن 
أكثر الأسماء تردداً هو: (كنكيد) من السرب الثلاثين (يأتي في الطليعة) و(ماننغ) 
و(ماكلارن رايد) و(وشيبرايت) من السرب السادس”” على التوالي. 

ومع أنه كان من الضروري أولاً تعيين رجال من طائفة المحصنين ضد 
الرصاص وجب عليّ أن أخلق وظائف لكثير من الكتبة ومساعدي مأمور المال 
والضرائب لأولئك الموظفين المدنيين المحترفين الذين ألغيت وظائفهم نتيجة 
إخلاء السليمانية» لا في (الحزام الصحي) وحده حيث كانت التعيينات من 
صلاحيتي» بل في لواء كركوك أيضاً وبمساعدة متصرفها واضطررت إلى خوض 
معركة طويلة الأمد مع وزارة المالية لاستصدار القرار الذي يثبت خدمة موظفي 
لواء السليمانية لغرض احتسابها للتقاعد عن الفترة التي سبقت الانسحاب البريطاني 
سنة 1921» وعن المدد التي قضوها في الخدمة أيام كان الشيخ محمود السلطة 
الإدارية الشرعية إما بقوة تصريح رسمي أو ببيان من المندوب السامي معركة لم 
يتحقق لي فيها النصر النهائي إلا بعد سنتين» عندما نقلت إلى بغداد وصرت قادراً 
على تعقيب مقترحاتي تلك بصورة مباشرة. هؤلاء الموظفون كانوا يمثلون جبهة لا 
يستهان بها من العناصر المثقفة» وكان جلهم من الأسر الأرستقراطية فضلاً عن 
ذلك. وهم يطبيعة الحال لم يجهلوا مجهوداتي في سبيلهم» وأعتقد أن هذاء هو 
الذي خلق قدراً كبيراً من الثقة لدى الطبقات التي يحق لها التصويت إلى جانب 
مطلب الحكومة العراقية عندما أقبلت لجنة عصبة الأمم للتحقيق في قضية 
الموصل. 


(1) حل السرب الثلاثون محل السرب السادس في حدود تموز 1922. 


462 


ولم يكن (الحزام الصحي) بالقضية المهمة الوحيدة التي طلب مني معالجتها 
قبل أن يسمح لي بإجازتي» فقد وجدت عند عودتي إلى كركوك رسالة من 
(كورنواليس) يقول لي فيها إن البروتوكول الذي يحدد فترة سريان المعاهدة 
العراقية الإنكليزية قد تم التوقيع عليه وإن الملك والوزراء قرروا أن يوقفوا كل 
مجهوداتهم على إنجاز الانتخايات العامة للمجلس التأسيسي الذي”') ستكون مهمته 
المصادقة على المعاهدة©. وهم الآن منشغلون في تبادل وجهات النظر حول 
الخطوات الإجرائية التي ستتخذونها ضد تصريحات مجتهدي الشيعة بأن 
الانتخابات المقترحة غير شرعية. 


منذ فرار (ناظم بك نفطجي زاده) أصبح الأخوة (آل يعقوبي زاده) أبرز من في 
المدينة وأكثرهم نفوذاً بلا منازع. و(ميللر) الذي يعالج شؤون المدينة ويضمنها 
البلدية كما أسلفت ويتكلم التركية بطلاقة» كان على صلة صداقة وثيقة جدا 
(بمجيد اليعقوبي) رئيس البلدية ولقد قام أثناء غيابي بخدمات ممتازة جعلت 
الأرض ممهدة أحسن التمهيد» وكنت ألتقي أنا والمتصرف بهؤلاء الأخوة وغيرهم 
من السراة كثيرأًء وبالنتيجة أمكننا أن تُعلم بغداد في نهاية الشهرء ثقتنا في مقدرتنا 
على قطع الخطوات التمهيدية المباشرة من مراحل الانتخاب» بقدر ما تقطع بغداد 
نفسها (كما يبدو) وغيرها من الألوية الوسطى العربية (حيث علمنا أن عقبات 
ومصاعب قد قامت في هذا السبيل) شريطة أن تقوم الحكومة أولاً بإذاعة بيان 
تضمن فيه بقاء اللغة التركية» لغة رسمية للواءء وأن يبقى اختيار الموظفين من 


(1) انظر (حاشية ص303 من الكتاب)». لقد صدرت الإرادة الملكية بإجراء الانتخابات في تشرين 
الأول الماضي لكن العمل بها توقف بسبب معارضة المجتهدين في الجنوب. والمجتهد هو رجل 
دين جعفري ذو مركز سام مخول بإعطاء تفسير خاص» في أحكام الشرع (السنة لا يعترفون بسلطة 
تملك مثل هذا الحق) أما الفتوى (التفسير) فهي بصورة عامة حكم في واقعة معيئة صادر من سلطة 
دينيه. 

(2) بموجب القوانين العراقية المطبقة تتسم الموافقة على أي معاهدة باستصدار قانون خاص مقتضب 
يخول الملك حق المصادقة عليها. 


403 


سكانها. إن هذا الترتيب يعتبر تقذماً كبيراً في وضع كركوك لأنه ألغى الشرط الذي 
كان يقوم في كل المفاوضات السابقة» وهو وجوب إتمام الصلح مع تركيا أولا 
وغير ذلك من الشروط الأقل شأناً وإزعاجاً. وفي خلال هذه الاستشارات استطلعنا 
رأي هؤلاء الوجهاء حول قيام الملك بزيارة للمدينة فشعروا أنه لا يوجد حجة 
يستندون إليها لتوجيه دعوة إليه بعد رفض كل مقترحاته السابقة لكنهم سيستقبلونه 
بإجلال إذا جاء على كل حال. واستنتجنا أنه يجمل بنا الاستمرار في إنجاز المهمة 
الحالية بهدوء وبأقل ما يمكن من الضجة والعلنية» وأن نؤجل الزيارة الملكية حتى 
تحين مناسبة أخرى. إن رأي وجهاء المدينة في الانتخابات تضمنه قرار رسمي 
اتخذ مجلس الإدارة المحلية وأرسله المتصرف بصورة رسمية إلى بغداد وصادق 
عليه رئيس الوزراء في 1 تموز بالبرقية الجوابية التالية : «نرجو إبلاغ مجلس إدارة 
اللواء أن مقترحاتهم مقبولة وأن الحكومة تصادق على إملاء شواغر الوظائف 
بالمواطنين المحليين فقطء وأن اللغة المحلية ستكون لغة رسمية.. ولكم أن تبلغوا 
المجلس بذلك وأن تعدوهم بإنجاز هذه الشروط بالرسائل الرسمية». 


لم يزل وزراء بغداد وموظفوها المدنيون قليلي الخبرة بطبيعة الحال ويظهر 
أنهم لم يستوعبوا حقيقة الوضع هنا. فلو كانت بذرة كركوك المغروسة فقد 
أخرجت نبتة غضة:؛ فإن هذه النبة تحتاج إلى رعاية دقيقة حذرة. وزاد قلق 
المتصرف ورئيس البلدية للأوامر الجازمة القاطعة من يغداد بوجوب الإسراع في 
الانتخابات على أن تسبق العاصمة وغيرها من الألوية الوسطى العربية في هذا 
المضمار» (وكان لرئيس البلدية مسؤوليات معينة بحكم القانون كتسجيل أسماء 
الناخبين وما إليها من الإجراءات التمهيدية). وكان يوجد في كركوك خطيب مسجد 
شديد التعصب اسمه (ملا رضا) أثرت مواعظه النارية تأثيراً كبيراً في عواطف 
الجمهور ودفعتها إلى مغارضة الانضمام إلى الدولة العربية إلا أنه تم إسكاته بضعة 
أشهر بتعيينه في منصب مدير الأوقاف المحلية. هذا الملا جرى فصله من يغداد 
ببرقية ومن دون استشارة سابقة مع المتصرف ليخلي المجال لنكرة (محسوب) من 


404 


محاسيب الوزير المختص والأنكى من هذا والأشد غباء أن رئيس البلدية الذي كان 
يتوقف على تعاونه نجاحنا أكثر من أي جهة أخرى صارت تنهال عليه الانتقادات 
الرسمية حول كيفية إدارة البلدية هو مغيظ ومزعج وتافه. وفي حين كانت البلدية 
بموجب قانون البلديات العثماني الذي ظل سارياً تتمتع باستقلال ذاتي أكثر بكثير 
ما تريد وزارة الداخلية أن تسمح لهاء على أن رسالة واحدة مني إلى (كورنواليس) 
كانت كافية لتصحيح الأوضاع والقضاء على هذه المزعجات إلا أنه مما يورث 
الحنق والسخط أن نجد الأشخاص الذين نحاول معاونتهم مبتلين بقصر نظر 
عجيب ومهما يكن فقد تغلبنا على هذه العقبات كلها. وفي النصف الثاني من آب 
بوشر بإعداد قوائم الانتخاب. 

وتقرر أيضاً أن تبذل محاولة لإقناع أهالي المناطق المنفصلة والداخلية ضمن 
الحزام الصحي» للمشاركة في الانتخابات ولهذه الغاية أعد مجلس الوزراء في 
بغداد تصريحاً آخر حول موقف الحكومة من الكرد (نشر في وقت واحد مع جوابه 
إلى كركوك) وإليك التصريح: 

إن الحكومة العراقية لا نية لها في تعيين أي موظف عربي في المناطق الكردية 
خلا الاختصاصيين منهمء كما ليس لديها أية نية في إرغام أهالي المناطق الكردية 
على استعمال اللغة العربية في المراسلات الرسمية. وستتم المحافظة على حقوق 
السكان والطوائف الدينية والمدئية» وتكون مصونة أبداً. 


إن الوطنيين الأكراد لا يلامون طبعاً إذا ما شكوا بأن محتويات هذا التصريح لا 
علاقة لها بحقوقهم التي تم الاعتراف بها في (تصريح عيد الميلاد). لكن أصبح 
واضحاً للجميع في هذا الوقت باستثناء أكثرهم عماءً أن ضم كردستان إلى العراق 
هو المستقبل الوحيد الذي رسم لبلادهم المثخنة بالجراح» على أن هؤلاء الذين 
انكشفت لهم تلك الحقيقة كانوا يأملون أن يروا في الحكومة المركزية من الحكمة 
ما يمكنها من تقوية ولائهم وذلك بأن تعترف بكيان الكرد كأمة ذات خصائص 
متكاملة وبحقوقهم على نطاق شعبي لا فردي» وأن لا تنظر إليهم من هذه الزاوية 


405 


كأفراد لهم من الحقوق ما للأفراد العرب الذين هم أغلبية ومنوا أنفسهم باتباعها 
سياسة تتصف بالشهامة إزاء مطامح تلك الأمة الثقافية والاجتماعية وغير ذلك من 
مظاهر الوعي القومي بوصفهم عنصراً من البشر أصيل في جامعة شعوب غربي 
آسيا. وهكذا مضت الاستعدادات متساوقة مع الاستعدادات في لواء كركوك إلى 
حد أن سكان مركز لواء السليمانية (المهجور) طلبوا المساهمة في الانتخابات في 
نداءات لا تحصى» فأجيب طلبهم وسمح لهم أن يسجلوا ناخبيهم في أقرب مركز 
من مراكز إدارتنا. 


وفى الوقت نفسه أصبحت دعوة مقاطعة الانتخابات» والمعاهدة التي دعا إليها 
علماء الجعفرية» تحت الصدارة في قائمة المشاكل وألقي القبض على ابن (السيد 
مهدي الخالصي) إمام الكاظمين وهو يقوم بإلصاق نسخ من الفتوى التي تدعو إلى 
المقاطعة وتعتبر الانتخابات غير شرعية في السوق وعلى ملأ من الناس فاعتقل 
الأب ونفي إلى الحجازء وعندئذٍ خرج أكابر مجتهدي كربلاء والنجف وعلماء 
الدين فيهماء قاصدين إيران فى قافلة سيارات شبه مظاهرة احتجاجية إلا أن 
الحكومة تحسبت نياتهم» فاعترضهم وهيأت قطاراً خاصاً تحت الحراسة وكدستهم 


ولم يكن (الشيخ محمود) ساكتاً فقد أرسل دعاته إلى مدينة «السليمانية» في 
أعقاب الرتل البريطاني المنسحبء على أنه لم يدخلها شخصياً إلا في الحادي 
عشر من تموز وأقال «صالح زكي» من القيادة العامة للجيش الوطني الكردي». 
وعين بدلا عنه «ماجد بك مصطفى» وهو ضابط تركي سابق جم النشاط ذو 
قابليات بارزة» قدر له في السنوات التالية أن يصبح متصرفاً ناجحاً ثم وزيراً 
وبعودة «الشيخ محمود' إلى مرسح السياسة غدا من الضروري جداً تحديد مكانته 
ببيان رسمي آخر. لكني عندما وصلت بغداد جواً في السابع عشر من الشهرء 
وجدت مسألة مجتهدي الشيعة قد طغت تماماً على القضية الكردية وآضت شغل 
دوائر الدولة الشاغل. إن طرد رجال الدين لم يحدث أي أثر تقريباً في العراق بل 


406 


قوبل بقلة اكتراث على أنه أثار زوبعة في إيران. فأرسلت طائرة من طائرات السرب 
الثامن إلى طهران لنقل الوزير البريطاني (السر برسي لورين) إلى بغداد للتشاور 
ولذلك قضيت ثلاثة أيام وأنا ألح دائباً لا أنال الموافقة على إرسال رسالة كنت قد 
كتبت صيغتها - للشيخ محمود وهذه هي : 


«القد طرق سمع المندوب السامي بأنك عدت إلى السليمانية لذلك أمرني 
بإبلاغك أن كل التدابير قد اتخذت لإدارة أقضية «رانية» وقلعة دزه وجمجمال» 
وقره داغ وسه نكناو) فضلاً عن ناحية ماوهت وأن عليك ألا تتدخل بأي شكل كان 
في شؤون المناطق المذكورة آنفاً أو في القرى التي تعود لسادة (سه ر كه لو). فإن 
خالفت لا سمح الله هذه التعليمات وتدخلت في شؤون المناطق المذكورة أو قمت 
بدس الدسائس ضد الحكومة بوسائل أخرى فستتخذ بحقك أشد التدابير. أما في 
الوقت الحاضر فإن فخامة المندوب السامي لا ينوي اتخاذ أية إجراءات ضدك 
شريطة أن لا تتدخل في شؤون المناطق المار ذكرها وأن لا تأتي بأعمال معادية». 


وبعد أن وضعنا سياستنا الجديدة على الأساس تركت كركوك قاصداً خانقين 
في 23 منهء مؤملاً بلوغها في فجر اليوم الثاني ثم أبلغ بسيارة مأجورة إلى (كرند) 
في هضبة إيران مساء ذلك اليوم. لكنني جوبهت بسلسلة من العراقيل المزعجة لم 
تكن في الحسبان وربما كان يتعذر تذليلها: أولاً عند الحدودء وأخيراً في (قصر 
شيرين) فاضطررت إلى المبيت فيها. لم أر من كل المواضع القاحلة المغبرة لوناً 
يشبه لون قصر شيرين الأربد. فقد شيدت حول تلين تشرف عليهما قلعة (جوامير) 
الزعيم الهماواندي المشهور. وطالعني منها لأول وهلة منظر موحش تعافه النفس 
إلى أن وقعت عيني فجأة على نهر عريض سريع التيار على حافة الجرف - هو نهر 
(الوند أو حلوان) الذي تقع عليه خانقين أيضاً. وكانت ضفته المقابلة الخضراء 
بأدغال من القصب والشجر والصفصاف. ولاحظت نشاطاً عظيماً في البناء. 
وعلمت أن عدد السكان قد ارتفع في غضون السنتين الأخيرتين من ألف إلى أربعة 
آلاف» على إثر وقف التجارة الإيرانية مع روسيا وانتقالها إلى هذا الطريق. 


407 


وفي مشرب شاي صغير يقع على الضفة رحب بي مدير الكمرك وهو عراقي 
مسيحي يدعى (نعوم) كنت على معرفة سابقة به منذ أيام (بوشير)» وأعلمني بأنه 
قد أبلغ قبل فترة وجيزة بفصله من خدمة الحكومة الإيرانية بموجب قانون جديد 
يمنع استخدام الأجانب في الوظائف المدنية بعد أن قضى معظم حياته في الخدمة 
هنا. وما لبث أن انضم إلينا وكيل كان واجبه تأمين السيارة لرحلتي القادمة. وهو 
رجل قصير القامة ذرب اللسان اسمه (آغا مهدي). بعد أن ظل يتكلم بالأسلوب 
الفارسي المأثور عن انحلال بلاده وحاجتها إلى (حاكم)؛ انتقل إلى الأمريكان 
الذين كان اهتمامهم بالبلاد جديداً (في ذلك الزمن جاءت البلاد بعثة ملزيو 
دداونس طعددمةل:34) واتهمهم بالعمل أولاً على نيل امتيازات 'لأنفسهم واستطرد 
متفلسفاً «لكن تلك هي سنة الحياة فكل امرئ يهتم بذاته حتى الله عزّ وجل عندما 
أرسل نبيه (عليه السلام)» فقد فعل ذلك كجزء من خطة لبلوغ غايته الخاصة». ومر 
وقت طويل قبل الفراغ من شكليات الكمرك وفحص جواز السفرء وأخذني (نعوم) 
إلى طبيب روسي بقي في البلدة بعد انحلال الجيوش الإمبراطورية» لأكون ضيف 
الليلة عليه وقد فهمت أنه لم يلق نجاحاً في ممارسة المهنة هنا وهو يفكر في 
الانتقال إلى (سنه) لتجربة حظه فيها. 


وفى هذه الرحلة وقعت لى حادثة طريفة مما يسببه الاضطراب فى تفسير 
معاني الكلمة العربية الداخلة 5 اللغتين التركية والفارسية. ولقد خضرت أنانتك 
أني مسافر في إجازة وأن زيارتي إيران لا تشوبها أية صفة سياسية. وكانت اللغة 
الفارسية آنذاك أقوى اللغات الشرقية التي أعرفها ولذلك أعلمت زملائي وأصدقائي 
العراقيين بأني ذاهب في (مرخصي) وهذه الكلمة المصحفة عن أصل معناها 
العربي» يستخدمها الإيرانيون للدلالة على (الإجازة) وأما الفعل العربي (رخص) 
فمعناه (سمح) واسم مفعوله (مرخص) قد حرف معناه باللغة الفارسية إلى ما معناه 
المسموح له بالذهاب» وهي أيضاً كلمة شائعة على لسان الرئيس لصرف المرؤوس 
بمعنى (انصرف). أما اللفظة التي استعملتها فهي الاسم المصدري المصاغ من اسم 


4068 


الفعل. على أن الكلمة (مرخص) بالتركي تؤدي إلى معنى (الاستنابة في الذهاب) 
أو (المندوب) ولذلك فعندما قلت إني ذاهب إلى (مرخصي)» فهم كل من في 
كركوك أني ذاهب كمندوب في مهمة خاصة وهو عكس ما رغبت أن يفهم تماماً. 


ومهما يكن فقد أجريت حواراً سياسياً واحداً في (كرند) وأنا في طريقي. فقد 
أوقفت أمام أحد تلك الحواجز التي توضع لأجل فحص جوازات السفر أمام كل 
قرية تقريباً ولاستيفاء ضريبة من أبعث ضرائب السفر الغليظ والسخط وتسمى 
(نقلية) وأقبل جندي فأخذ مني جواز سفري ثم عاد ليقول إن الضابط يرجو 
حضوري فذهبت. ولم ينهض لاستقبالي كما تقضي بذلك أصول اللياقة التقليدية 
التي وجدتها سائدة قبل سنتين. إلا أن حديثه كان يختلف تماماً عن هيئة الاعتداد 
بالنفس التي لقيني بها. فقد راح يستطلع رأبي في أمر (سري للغاية). وهو أن البك 
الشاهنشاهي الإيراني يعتزم إرسال مبلغ قدره مليون تومان من المسكوكات النقدية 
عن طريق قصر شيرين فبماذا أشير عليه والطريق غير مأمون بسبب وجود (الشيخ 
محمود) بالقرب من (قوره توو) على الحدود؟ وأمكنني إدخال الاطمئنان إلى نفسه 
بخصوص مقر (محمود) الفعلي ومقدرته على العمل في رقعة تمتد حتى هذه 
المسافة» على أني ختمت كلامي بنصيحة لا بد منها وهي أنه نظراً لجسامة المبلغ 
فمن الحكمة أن يرسل أكثر ما يمكنه الاستغناء عنه من وحدته الصغيرة لحراسة 
القافلة» فشكرني قائلاً إنه سيظل مديناً إلى الأبد بهذه النصيحة الحكيمة ورافقني 
حتى السيارة معدلاً بذلك أسلوب السلوك الذي يعزوه الإيرانيون لأنفسهم «خوش 
استقبال وبد بدرقة - أحسن استقبال وأسوأ وداع». 


وفي همدان قضيت ثلاثة أسابيع بهيجة ضيفاً على (س.ت. بيل علم8 .7:©) 
الذي قد أشغل وظيفة معاون ضابط سياسي في كردستان ما بين 1918 - 1920 وهو 
الآن مدير للبنك العثماني. حللت في بيته الجبلي و«حديقته» كما جرت تسميته 
بحسب الاستعمال الإيراني اللطيف ويقع في ظاهر المدينة على ارتفاع 7000 قدم. 
وكتابي هذا يضيق بوصف النزهات التي قمنا بها إلى الأنحاء المجاورة (أذكر منها 


409 


رحلة ممتعة للغاية إلى جبل الوند - 11600 قدم) والأحاديث الطلية التي تبادلناها 
مع الحاكم والجنرال قائد المنطقة العسكرية الغربية وغيرهما من الموظفين 
والوجهاء وبقّالي الأسواق. وكان مصدر متعتي الخاصة هو التحدث باللغة الفارسية 
مع أهلها. فهي أول لغة شرقية نطق بها لساني وتفتح لها قلبي. ومع أنه معظم 
مثقفي الكرد في السليمانية يتكلمونها بفصاحة إلا أن لسانه يشوبه رطانة. كما أنهم 
يفتقرون إلى المفردات الحديثة. فهي لذلك تفقد موسيقاها الإيقاعية. 

وقفنا من التأريخ السياسي لمسألة الموصل إلى حد 4 شباط 21923» حيث تم 
التوصل إلى الاتفاق على إخراجها من جدول أعمال مؤتمر الصلح في لوزان» 
وإعطاء الفرقاء المعنيين مهلة سنة واحدة لأجل التوصل خلالها إلى اتفاق ودي 
نتيجة مفاوضات مباشرة. ولذلك استؤنفت المحادثات في 12 نيسان وهو اليوم 
الذي عقب عودتنا إلى (رواندوز) وكانت نتيجتها التوقيع على معاهدة (لوزان) في 
4 تموز (بعد خمسة أسابيع من إخلائنا السليمانية كما جاء شرحه في الفصل 
السابق» وفيما يأتي نص المادة الثالثة من المعاهدة وهي التي تتعلق بموضوعنا: 


«إن الحدود التي هي بين العراق وتركياء سيجري تثبيتها باتفاق ودي يبرم بين 
تركيا وبريطانيا خلال تسعة أشهر. وعند عجز الفريقين عن الوصول إلى اتفاق 
خلال المدة المذكورة يحال النزاع إلى مجلس عصبة الأمم» وتتعهد الحكومتان 
التركية والبريطانية خلال فترة بحث موضوع النزاع حتى التوصل إلى قرار نهائي في 
موضوع الحدودء بألا تقوما بأية حركة عسكرية أو غير عسكرية ينجم عنها أي 
تعديل في الوضع الحالي من الحدود الذي يعتمد تثبيتها النهائي على ذلك القرار». 

وتأثير هذه الوثيقة الرسمية الثنائية (وهو التأكيد مرة أخرى على أن مستقبل 
ولاية الموصل ما زال غامضاً) كان إعاقة لنا لا معاونة في معالجة مشاكلنا المحلية. 
لقد وجهت أول اهتمامي بعد عودتي إلى كركوك في 16 آب إلى موضوع 
الانتخابات الذي لم يكن يتقدم تقدماً جيداً ولا عجب. ففي 21 آب عانينا مقابلة 
عسيرة لوفد من وجهاء كركوك وبعد مناقشة حادة تبودل فيها الكلام الصريح 


00 


وسادته المهاترة أنقذ (عبد الله صافي) الموقف اليائس بتدخله في اللحظة المناسبة. 
وتوصلنا أخيراً إلى اتفاق بتأليف لجنة التفتيش التي سيناط بها أهم عمل انتخابي 
وهو الإشراف على مختلف المراحل التحضيرية له وفي مساء ذلك اليوم وزعت 
بيانات في المدينة ذات لهجة عنيفة تشجب الانتخابات وتدعو إلى مناصبة 
البريطانيين العداء إلا أن انتخاب اللجنة تم في اليوم التالي كما اتفق عليه؛ ورضي 
الجميع بالأمر الواقع تدريجياً. وأشاعت تقديراتنا للموقف ارتياحاً عظيماً في بغداد 
كما دلت عليه البرقيات التي وردتنا بعد رسالة شخصية من (كورنوالس) «إن حمل 
كركوك على المشاركة في الانتخابات عمل جيد للغاية» وأنا أهنئك من صميم 
قلبي كذلك أهنئ (ميللر) الذي أشدت بعمله كثيراً ونحن نقدر ذلك هنا تقديراً 
كبيرأ». ومن الطريف أن أذكر هنا بأن أعظم مشقة عانيناها في أثناء إعداد قوائم 
الناخبين المنقحة كانت مع قبيلة (العبيد) العربية بزعامة شيخها (حسين العلي) 
العجوز. ولم تتم تسوية المشكلة إلا بعد أن أرسلنا إليه التاجر المسيحي قسطنطين 
أفندي يرافقه (مراد) لإقناع الشيخ الكثير الشكوك بأن يوعز لرجال قبيلته بتسجيل 
أسمائهم في القوائم» وهذا مثال جيد للنفوذ الكبير الذي يتمتع به التجار 
المسيحيون واليهود في عهد العثمانيين بسبب أمانتهم وتعاملهم الصادق مع أكثر 


رجال القبائل شكاً وصيرورتهم وكلاء بيع وشراء”". 


وأما عن (الشيخ محمود) ففي صباح يوم عودتي هوجم مقره في السليمانية 
بالطائرات (لأول مرة في التاريخ استخدمت قنابل من زنة 220 باونداً) على إثر 
محاولاته التدخل في المناطق المحظورة عليه لا سيما (ماوه ت). وكان ثمة كثير 
من حوادث السلب وقطع الطريق» على الطريق العام إسناداً لتكتيك الشيخ ووجد 
(ميللر) أن الحكمة تقضي بتأليف دورية حراسة للطريق من السيارات المصفحة 
التي تعود للقوة الجوية ما بين كفري وكركوك. وسمعنا فيما بعد أن الشيخ (محمد 


(1) هناك مثل آخر من أسرة (خلاصجي) اليهودية التي ظلت تقيم أحقاباً في (الشامية) من الفرات 
٠‏ الأوسط. 


411 


غريب) صهر الشيخ محمود»ء قد دخل حلبجة في اليوم ذاته لكنه استدعي على 
جناح السرعة بعد القصف الجوي مباشرة. ولم يبد بكزادة الجاف الذين ظلت 
الانقسامات العائلية تمزقهم أية مقاومة رغم تعهدهم بذلك» فكشفوا عن عجز لا 
يبرر قط الاعتماد عليهم» إلا أن القسم المستوطن من قبيلة (نورولى) هاجموا 
الحملة المقهقرة من تلقاء أنفسهم في جنح الظلام فقتلوا رجلاً واحداً وغنموا عدداً 
من الخيول والبنادق والواقع أن حلبجة كانت بعيدة عنا ونحن في كركوك فلم نبذل 
أية محاولة جديدة لإعادة الإدارة فيها عدة أشهر ما عدا جزء من (وارماوا) جنوب 
سلسلة (به رانان). 


توجد نقطة ضعف واحدة في استحكامات (الحزام الصحي) وهي وجود 
واحات لقبائل الطالباني وزنككنة داخل لواء كركوك إلى الجوار من (جمجمال وسه 
نكاو) لذلك لم نأسف لا أنا ولا المتصرف للفرصة التي أتاحها لنا سوء تصرفات 
أفراد الأسرتين الحاكمتين وانتهازها للقضاء على مركزهم الممتاز بإحياء ناحية 
(كل) العثمانية القديمة (قادر كرم الحالية). كان (الشيخ رشيد أخو الشيخ طالب) 
قد أغار برجاله المسلحين على قرية (دربه سارى) الواقعة على الضفة الجنوبية لنهر 
(باسه ره) والتي تبعد عن طاووق 11 ميلاء وكان ادعاء الطالبانية هو أن القرويين 
يقاومونهم دائماً والإدارة لا تعترف بحقوقهم. وقد أصيب رشيد نفسه بجر 2172 في 
فخذه إلا أن فتاح باشا أخذ تعهداً من أخوته بأن يحضروه عند الطلب. وكان الوجه 
المادي للعقوبة هو إجباره على أن يبني من جيبه الخاص وبحسب توصيتنا مخفر 
شرطة ارتأينا إقامته. وأما (عبد الكرمي آغا وحمه كريم آغا) المتنافسان في زنكه 
اللذان كانا يحتربان ويتعرضان للشرطة ويلفتان إليهما الأنظار. فقد حكم عليهما 
(0) يُمَدهنا بأيام قليلة ؤاز (كووتر) قزيع»: وود جوع مطيما تحت ايساد ينال من قطفة ققارة من 

جلد العنز وضعت على الجرح بشعرها وكان وجوده سبباً في إنقاذ الساق وحياة صاحبها (رشيد) 


أيضا. 


4712 


بدفع ديات للقتلى» وبالإبعاد إلى خارج منطقتهما حتى يبت في تنظيم السلطة 
الإدارية المباشرة» بعد قضاء فترة سجنهما القصيرة0©. 

إن استبدال الإدارة القبلية العرفية بالإدارة المباشرة في هذه المنطقة المعقدة 
بات من المتوقع أن يكون موضع استحسان السلطات في بغداد يحدوها في هذا 
شدة تعلقها بالمركزية وبغضها الامتيازات القبلية لكننا جابهنا بعض الصعوبات في 
ترويج مقترحاتنا. وكان السبب في هذا وجود موظف في البلاط فضولي كثير 
التدخل شديد اللهفة إلى إثبات خبرته المزعومة في الشؤون الكردية مما حدا به 
إلى خلق ما يدعى به (حزب الملك) في الألوية الشمالية التي ظلت حتى ذلك 
اليوم بمعزل تام عما يجري. فكر هذا أن خير طريقة لإنجاح مشروعه هو إحباط 
جميع القرارات التي تتوصل إليها السلطات المسؤولة خارج العاصمة بإصدار 
قرارات مضادة كلما وجد أن الأولى قد لا تقع موقع قبول من ذوي المراكز الدينية 
والقبلية. ولما كوشف الملك بالحقيقة لم يقره على هذه المناورات واستطاع 
المتصرف أن يخيب آمال المتهربين من الضريبة» بممارسة الضغط المتزايد عليهم 
لدفع الرسوم المستحقة عن أراضيهم قائلاً إن قضاءهم فترات طويلة في فنادق 
العاصمة المرتفعة الأجور وإزعاج الوزراء والبلاط بكثرة الزيارات ينفي زعمهم 
بالفقر وعدم تيسر المال لدفع ما تراكم عليهم من الضرائب. وهذا أسلوب كان 
يحض دوماً بمساندة وزارة المالية الشديد. ووقع الاختيار على (عزيز أفندي) وهو 
موظف تركي متقاعد ليكون أول مدير لناحية (كل) وكان قد أشغل منصباً مماثلاً 
في عهد العثمانيين فراح يعمل بنشاط كبير وتمكن بعد أسبوعين من تسلمه 
المنصب في بداية تشرين الثاني أن يجبي متأخر سنتين من الضرائب. 

إن تشددي في موضوع جباية الضرائب قد يحتاج إلى بعض الإيضاح: كانت 
موارد خزينة الدولة قبل ظهور عوائد النفط تأتى من مصدرين أساسيين هما 


(1) إن (النتوء) الجباري الذي نقل من مركز كركوك إلى السليمانية بعد أول محادثة (لتويل) مع الكرد. 
إعيد إلى كركوك ثانية باسم ناحية (كل) في شباط 1924. 


043 


الكمارك ومردود الغلات الزراعية (العشر أو أكثر حسب صنف الملك) وهذه 
تجبى بصورة مباشرة. وبصرف النظر عن حاجة الخزينة إلى موردء فإن درجة نجاح 
أية إدارة في جمع الضرائب هي بمثابة محرار دقيق» يسجل كفاءتها العامة. ورفض 
المكلفين دفغها هو تخد للإدارة.وإذا ها أخذ ماحذاً جديا يمكن أن يؤثر تأثيراً سيئاً 
على تطبيق القانون واضطراب حبل الأمن بصورة عامة. لا مفر لهذا الأسلوب في 
أن يؤدي من الجهة الأخرى إلى نتائج سيئة بالنسبة إلى صغار الموظفين فقد بات 
عدد كبير منهم يرون أن تحصيل الضرائب هو الهدف الأول والأخير لوجودهم. 
وإنهم وإن كانوا يخشون ملاحقة الأغنياء وذوي النفوذ فقد كانوا مضطرين إلى 
تشديد الخناق على الضعفاء والفقراء وعدم التسامح معهم وإن عجزوا عن الدفع. 
وكانت السلطات المركزية المالية تتلكأ في المصادقة على الإعفاءات المعقولة 
بسب حدوث آفات طبيعية أو هبوط شنيع في الأسعار يعد أن تثبت النسب 
المختلفة صعوداً ونزولاً فيرغم الموظفون الحريصون المّدِينين على بيع حيواناتهم 
وماشيتهم بثمن بخس ليدفعوا ما استحق عليهم. ولا يسهل علينا دائماً اقتناع 
الوزراء برأينا حول الأقاليم البعيدة. وهو إن أردنا استيفاء الضرائب فعلينا أن نقدم 
مقابلها نوعاً من الخدمات الاجتماعية» وأقلها مثلاً تعيين طبيب في دائرة ريف 
قطرها خمسون ميلاء وأن لا نقصر إصلاحاتنا على بناء مخافر شرطة وتطبيق مواد 
قانون العقوبات. 


014 


بعد إخلاء السليمانية في حزيران» مباشرة» صودق على طلبي بتشكيل قوة 
خاصة من الفرسان الجوالة قوامها (120) شرطياً لاستخدامها عند الحاجة في أي 
جزء من لواءي كركوك والسليمانية إضافة إلى الوحدات الإدارية في الحزام 
الصحي. وفي نهاية أيلول تم تدريب هذه القوة وأكملت تجهيزاتها وغدت مستعدة 
للقيام بما يتطلب منها. وفي أوائل تشرين الأول تركت الموصل في جولات متتابعة 
على الخيل وقد أدى بي أولى جولتين في الأراضي الواقعة بين (بنزرد - به رنان)» 
إلى الشمال الشرقي بين الطريق العام الممتد بين كفري وكركوك. وقد سبق في, 
الفصل الثاني أن أتيت إلى وصف الميزات الطبوغرافية الأساسية لهاء وهي لم تكن 
مجهولة لدى الرحالة البريطانيين الأوائل فقد مر بها ما لا يقل عن سبعة من أصل 
الأحدى عشرة الأولى في قائمتي. إلا أن (راولنسن» وماونسل) فقط عقبا مسالك 
أخرى بعيدة عن طريق القوافل الرئيس بين بغداد وتبريز خلال (إبراهيم خانجي) 
ومضيق (سه كرمه) والسليمانية وقد كنا نلقى عوناً كبيراً من القوة الجوية في 
جولاتنا كلهاء وتزودنا بجهاز (حتار بوقام) للاتصال البصريء. وجهاز تبادل 
الرسائل المكتوبة أيضاً وكانت الإجراءات الغامضة التي تتبع في إرسال الرسائل 
وهدير محركات الطائرات المنقضة بارتفاع قليل تسقط حقائب الرسائل بشرائطها 
الزاهية أو لتلقط حقائبناء ترفع المعنويات وتقوي بمظاهرها موقفنا السياسي لا في 
الأنحاء التي نؤمها بل في أصقاع أبعد منها إذ تنتقل بسرعة مع مبالغات كبيرة عن 


0 


حجم القوة البرية وعدد الطائرات التي تدعمها. ولم نكن ننزل ضيوفاً ثقلاء على 
أحد إلا عند الضرورة القصوى بل كنا نبتاع اللحم والعلف من القرى الكبرى 
ضرائب الحكومة التي يدين بها بائعوها. 


خرجت قوة الخيالة من كركوك في أول جولاتها في 7 تشرين الأول» وكان 
في الركب عداي - كل من (مراد وكراودن) والعريف (برجس) وكلهم من الشرطة 
وبدا منظر الرتل مهيباً شديد الوقع ببزاته الجديدة الأنيقة وخيوله المطهمة وامتلأ 
قلبي فخراً وأنا أترك المدينة على وقع سنابك الخيل وجلجلة اللجم المعدنية. 


هنالك عضو في جماعتناء أقدمه بدون أي حراجة أو خجل وهو خادمي (حمه 
علي)؛ الفتى الكردي من كفري. كان (دوغلاس) قد حمد لي مزاياه يكل حماسة 
قبل أن يترك البلاد وظل معي طوال السنوات الائنتين والعشرين التالية لا يفارقني 
في كل رحلاتي حتى تزوجت. وعندها أقلقه تغير الوضعء وتحول إلى وظيفة مدير 
شؤون البيت العام يشرف على كل كبيرة وصغيرة فيه. وقد أتقن ترتيب المائدة 
بدون أي خطأء والوقوف على خدمة بضعة عشر مدعواً طوال وجبة طعام طويلة 
تتألف من خمس نوبات دون أن يبدو عليه كلل. وأقر بكل ثقة أني طوال هذه 
السنوات الاثنتين والعشرين - لم أفقد قطعة واحدة من النقود مهما صغرت ولا 
أعتقد أن قائمة المشتريات زادت فلساً وكانت معرفته بما أملكه أكثر من معرفتي. 
وهو يشير إلى الحاجات التي يعود تأريخها إلى أيام عزوبتي بكلمة (أشيائنا) 
وبإمكانه أن يخبرك بالضبط عن تاريخ ومناسبة شراء أية قطعة أثاث أضفناها إلى 
بيتنا. كثيراً ما يوجد في علاقة الخادم بالمخدوم في بلاد الشرق الأوسط شيء 
عاطفي جذاب. فبصرف النظر عن شدة الاحترام الذي يبديه الأخ الأصغر لأخيه 
الأكبر أو الجيل الفتيّ للجيل المسنء لم يكن خروجاً عن المألوف أن يقوم 
قريب صغير المكانة بخدمة رئيس الأسرة أو كبير فرع منها أو فرد أكثر غنى فيهاء 
أو أن يقوم له بأشغال أخرى. وهذا ما يؤدي حتماً إلى إزالة الحاجز الاجتماعي 


06 


اللازم بين الخادم والمخدوم. فترى الخادم يستقبل بكل الاحترام الواجب لمخدومه 
عندما لا يوجد هذا في الحجرة. وكان (حمه علي) من هذا الصنف. فهو محترم 
من هذه الجهة وبذلك غدت قيمته لا تقدر إذ كنت أستطيع القيام باستفسارات غير 
مباشرة أو إبلاغ بعض التلميحات المقصودة بخصوص رغباتي عن طريق رجل 
يحترمه شيوخ القبائل ويثقون به (كحمه علي). 

وكان أول أهدافنا (جمجمال) لكننا آثرنا طريق القوافل القديم على طريق 
السيارات المعروف» وكان سبيلنا هذا يبعد بضعة أميال إلى شمال قاع نهر (خاسه) 
العريض ويسير بحذائه بين آكام منخفضة طينية المظهر. وهذا هو الطريق الذي 
شرحه (الشيخ رضا) في قصيدته لأجل تهريب هدية التبغ إليه. ووجدناه فائضاً في 
تلك السنة على غير غادته ولاحظنا حقولاً واسعة مزروعة بالبطيخ أمام كل قرية 
وعلى حافتيه المفروشتين بالحصباء. وترجلنا للراحة قبيل الظهر في قرية (كوران) 
الصغيرة (تعرف قبلياً باسم - شوان سه رخاسة) وتقع في نقطة ملتقى المجرى 
الرئيس بالرافد الصغير (شيوه ته خت) الصادر من الوادي إلى الجنوب الشرقي. 

وفي صبيحة اليوم التالي عقبنا نهير (شيوه ته خت) حتى القرية الكثيرة 
السكان» (ساتي - أو سه خاسة) وموقعها جميل يشرف على بقعة تتشابك فيها 
بساتين من أشجار التين والجينار الضخمة بين مرتفعين تكسوهما طبقة خضراء من 
الطحلب المتخلف عن مواسم ربيع عديدة. سرنا فوق هذا البساط الأخضر حتى 
أشرفنا على نهاية منطقة (شوان) ورحنا نتطلع إلى السهل الواسع الذي ينتتصب في 
وسطه تل جمجمال على بعد ستة أميال» وخلفه خط (قره داغ) الطويل بدربنديه: 
(بازيان) و(باسه ره) الظاهرين بكل وضوح. 


كان يوجد الكثير من الأمور السياسية وشؤون الشرطة مما يجب تصريفه في 
مقر القضاء الذي عين له قبل فترة وجيزة (وهاب بك) فبقين ليلتين» وفي اليوم 
التالي أقبلت طائرتان هبطتا في مطار صغير قرب التل وكسر إحداهما عمود برق 
ولم يقع ضرر خطير آخر لحسن الحظ. 


477 


كانت خطتنا أن نمتطي حيواناتنا فجراً لنقطع المسافة المعينة لكل يوم. حتى 
تضرب خيامنا ظهرأً كأقصى حد للسير لأن حرارة الطقس ما زالت مؤذية. وهكذا 
وجدت نفسي فوق السرج في الساعة السادسة صباحاً للبدء في المرحلة الثانية. 
وارتفع رقم القوة إلى مائتين لانضمام حرس كبير من (الهه ماوه ند) الفرسان 
(يحملون بندقياتهم على أكتافهم وتحيط أجندتهم صدورهم) واتجهنا جنوباً فقطعنا 
أولاً السهل ثم دخلنا أرضاً جبلية وعرة حتى بلغنا مجرى عريضاً لنهير يسمى 
(شيوه سور - الوادي الأحمر) وبتركنا قرية (طالبان) التي منحت اسمها للأسرة 
الشهيرة إلى جهة اليمين بلغنا نهر (تَيْنال) الذي يدعى هنا (باسه ره) ويؤلف الحد 
الفاصل بين (جمجمال وسه نكاو) ولم تقتضينا هذه المسيرة غير ثلاث ساعات. 
وخضنا عالية مسيل صغير لقرية (قرخ - همه مه وه ند سيته به سه ر) وبعد ساعة 
وربع ساعة بلغنا عيون الملح التي تسمى رسمياً (قم مملحة) وتقع على سفوح 
جبل (آج داغ) الجنوبية. 


هذه الممالح تتألف من عدد كبير من الينابيع على طرف الجبل ويسيل منه 
الملح إلى منخفضي بتخير قليلي العمق. وثمة مخزن واسع يعود تاريخ وجوده إلى 
عهد العثمانيين» فيه موضع سكني مؤثث للموظف المسؤول ١لأن‏ الملح هو 
احتكار حكومي) أو (الملتزم > المتعهد) الذي منح امتياز استغلاله. ويفضل هذا 
لأسلوب في الأماكن التي لا تكون الإدارة فيها قوية» وعند وصولنا (سه نكناو) 
صادقت على إيجار (الشيخ) المملحة لأحد أقربائه الصغيري الشأن (ولو كان البدل 
بخساً جداً) شريطة أن تدفع الأقساط المستحقة إلى خزينة كركوك. ولم يكن 
المستأجر قد دفع شيئاً بعد. ولما طلب منه ذلك أجاب أن خسارته كبيرة وهو 
عاجز عن دفع فلس واحد دعك عن فكرة الربح. وفي هذا الموضع انضم إلينا 
(الشيخ عه ول) قائمقام قره داغ الجديد مع ثلة من أتباعه فرساناً. وإذا كانت خيالة 
الشرطة تدفع أثمان علفها وطعامها ففرسان (الهه ماوه ند) وقره داغ لا يدفعون 
فلسأً ولا شك أن استضافة الملتزم لهذه الجماعة ولو ليلة واحدة قد تفتح في 


418 


موارده ثغرة كبيرة. وتمديد فترة بقائنا هنا قد يكون نكبة لهء لذلك بادر بدفع أول 
قسط من بدل الالتزام (2500 روبية)”' ووعد أن يدفع الأقساط الأخرى في 
مواعيدها. 


وفي اليوم التالي قطعنا ساعة ونصف ساعة إلى الجنوب» بين (آج داغ) 
وهضبة تابعة له تسمى (باسكي زيور) وهي علامة الحدود بين (كل وسه نككاو) ثم 
عرجنا نحو الشمال الشرقي وصعدنا ممراً صخرياً شديد الانحدار فوق (آج داغ) 
حتى بلغنا القمة وأرسلنا الطرف من ارتفاع 3000 قدم إلى كل من (سه نككاو) 
(والاسم على المسمى «حجر وماء») وإلى أطناف قره داغ التي لا تبعد أكثر من 
ثمانية أميال. وبعد ساعة أخرى من السير بلغنا (كوب تبه) مقر الناحية. وبعد ساعة 
راحة تناولنا أثناءها الطعام وقمنا باتصالنا اليومي الأرضن مع الطائرة: سرنا ستة 
أميال أخرى عبر الوادي لنبلغ القرية العامرة (كريجينه) وكان في استقبالنا الشيخ 
(عبد الكريم قادر كرم) للانضمام إلى الركب. 

كانت (كربجينه) مقراً لشيخ برزنجي معروف هو (عبد القادر) ثان. وقص علينا 
الشيخ عبد الكريم قصة طريفة عن موته الذي وقع في العام الماضي» كان قد رحل 
إلى (هه ورامان) زائراً وهو في أحسن صحة. وفي مساء يوم ما بعث بطلب أولاده 
دون سابق إنذار ولما اجتمعوا حوله أنهى إليهم بوصية ورفع عمامته ووضعها على 
رأس أحدهم وبذلك عينه خلفاً له ومسؤولاً عن تكية الأسرة ولم يجب عن 
أسئلتهم الحائرة إلا بأن الموت هو نهاية كل حي عندما يحين أجله: وأنه خطر بباله 
الإفضاء الآن برغباته الأخيرة ليس إلا. ثم نام مقدار ساعة واستيقظ وتوضأ وأدى 
صلاة الفجر وصعد منبر المسجد (وكان نازلاً فيه) وتلا الشهادتين «أشهد أن لا إله 
إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله» وتهاوى على الأرض ميتاً ولم يفارق اسم الله 
شفتيه حتى سكنت حركته. إن هذه الصورة الحافلة بالقداسة التي عرضها عنه بنو 


(1) كان بدل الإيجار الذي عقد عليه الشيخ محمود لقريبه يقل كثيراً عن (50000) روبية وهو البدل 
الذي كانت هذه الممالح تؤجر به في 1927» كما تشير ملحوظة احتفظت بها. 


409 


قومه ومريدوه» لا تأتلف قط مع سمعة ذلك الشيخ العجوز الكثير الدسائس المثير 
للفتن... والله أعلم. 

وفي (كريجينه) واتانا الحظ بإلقاء القبضص على شقي من الشقاة» كانت شرطة 
كركوك جادة في طلبه عن تهمة حريق. ولقد انضم إلى عصابة من المجرمين قبضنا 
عليهم ونحن في طريقنا ونقلناهم معنا إلى أن تسنى لنا إرسالهم إلى موقف 
حكومي بقليل من الحرس لتقديمهم إلى المحاكمة. 


إن الطريق الممتدة بين (كريجينه) ومضيق (سه كرمه) أقصر لكنه أصعب من 
الطريق الرئيسة التي تبدأ مباشرة من (كوب تبه). ولم يقتض هنا ساعة ونصف 
ساعة لبلوغ القمة (15000 قدم) وهذا الجزء من الجبل تكسوه الغابات الكثيفة. 
وآثرنا أن نجلس في الظل قرب نبع ماء. بيئما راح أنباع (الشيخ) يخرجون السماور 
وأقداح الشاي من خرج البغل السريع الذي يرافق مسافري الطبقة العليا عادة. 

وناحية قره داغ التي نوشك على دخولها الآن تشغل ذلك الجزء من الوادي 
الممتد بين (قره داغ) وبين سلسلة (به رانان)” الواقعة إلى الجنوب الشرقي من 
فتحة (باسه ره) وتتصل (ببازيان) من الشمال وتنقصل عن (سيروان) بساق فتحة 
(وارماوا) الذي سبق لنا وصفها. وثئمة خط نهري فاصل داخلي (أعلى نقطة منه يبلغ 
ارتفاعها 4000 قدم) بقطع الوادي مقابل ممر (سه كرمه) ويفصل حوض (تينال - 
باسه ره) عن حوض (ديوانه > أي المجنون) وسمي بهذا لثوراته العنيفة المفاجئة - 
الذي يصب في سيروان» والوادي الذي هو على الجانب الجنوبي الشرقي من 
الخط المائي تقسمه بالطول هضبة جيرية قصيرة (أعلى نقطة فيها تبلغ 4600 قدم) 
تعرف باسم (ككلوش). ومن (سه كرمه) إلى (زرده) وهو هضبة ناتئة عالية (5900 
قدم) تبعد عشرة أميال عن (سيروان) - تنشطر سلسلة قره داغ إلى سلسلتين 
مزدوجتين مثل (جارمبان) في (سورداش) لكن بشكل مكبر إذ تخرج من الطرف 


)1( وتسمى هنا (به رائان كه وره قه لهج و(به راتان در ساله). 


450 


الشمالي الشرقي جداراً صخرياً وعراً تقطعه عرضانياً سلسلة من الأخاديد» تفضي 
أو تسمح على الأقل برؤية هضبة مكسوة بالغابات تعرف بهضة (قوبى) بين حدي 
السكين: الم حوعطة.. والشق وق الكتوف«التيعدة زمره الغرب إلى الشرق كبر فيه ب(دويتد 
سه كرمه) و(دربند جافران) و(دربند كوشان) و(ده ربند دارى زه رد) و(ده ربئد 
براولى) و(ده ربند ئه ستيل) و(ده ربند كاور) و(ده ربند تكية) و(ده ربند ووشك) 
و(ده ربئد مامشه) و(ده ربئد ماسوره). وفي معظم هذه الخوانق توجد ممرات 
للرجالة ضيقة» مفضية إلى سكين آخر يبدأ من (قوبى) نازلاً حتى (سه نكاو) 
والقرى هناك قليل ومعظمها يقع على السفوح من الجانبين والوادي بينهما روضة 
غناء» عظيمة الجرم من أرض يكسوها العشب الأخضر الأثيث المرقش بأشجار 
البلوط وتتخللها مياه بيضاء مفروشة القيعان بالحصباءء تنحدر من ينابيع الجبال. 


وراح الطريق يلعب بنا ويخادعنا بعد مرور أربعين دقيقة على استئناف مسيرتنا 
من الجهة القصوى (لدربند سه كرمه) فقطعناها في أرض سهلة حتى بلغنا الشق 
الذي هو الجدار الشمالي الشرقي وكان وادياً ضيقاً شديد الانحدار عبرناه مرتين 
فوق جسرين خشبيين على الطراز المحلي القروي قوام بنائه جذوع الشجر. وبعد 
خمس عشرة دقيقة أخرى بلغنا قرية (جافران) وكان رئيسها (سعيد آغا) من 
أصدقائي القدماء. ما يزال يعتز بساعة ذهبية وبندقية من طراز (دووزاداه ميل - 
ع:ه8) كان قد أهداهما له الحاكم المدني العام للمساعدة التي قدمها في أحداث 
عام 1919. وامس القرية مشتق من (جاف) القبيلة المعروفة و(ران) أي القطيع. إلا 
أن أهلها كانوا قد قطعوا منذ زمن بعيد كل صلة تربطهم بالقسم الرئيس من (جافه 
ره شكه) في (مه رككّه). ولم يكن القرويون قد عادوا بعد إلى أكواخهم الطينية التي 
تركوها بمناسبة فصل الصيف كغالبية الكرد ليسرح فيها البعوض في الربيع. 
واستقبلنا الآغا في شرفة طويلة مقامة من أغصان البلوط في أعلى خط السطوح. 
وجيء بصوانٍ كبيرة مثقلة بالأعناب وغيرها من الفواكه لكل القوة. وكان مضيفنا 
خبيراً في زراعة العنب وقد سجلت عنه قائمة بعشرين صنفاً منه» تسعة أصناف 


481 


سوداءء وإحدى عشرة بيضاء. ويدخل في الصنف الأول الأحمرء والأحمر 
الغامق. وكانت الكردية التي ينطق بها تشيع في نفسي لذة ورا لأنه فصيح 
جميل الوقع ليس فيه كلمة أجنبية. وفي قرية قره داغ وهي مركز الناحية خرج كل 
السكان لاستقبالنا ولمحت على مبعدة منهم :ثلة صغيرة من الرجال لا يتجاوزون 
الستة. لم ألبث أن ميزتهم يهوداً من قسماتهم الدقيقة وأعينهم الشفافة وثيابهم 
القاتمة فضلا عن لحيتيّ كبيريهم سناء فقد كانتا مسترسلين جعداوين. واليهود هنا 
بقية جالية أكبر بكثير. ظلت إلى زمن متأخر””' نسبياً كما كانت في كثير من قرى 
السوق البعيدة في مجاهل كردستان. وربما كان أول سكناهم يعود إلى السبي 
البابلي الذي وقع إثر هدم (نبوخذ نصر) هيكلهم الأول في أورشليم عام 586 ق.م. 

ونظم لنا (سعيد آغا) حملة لصيد الخنزير في اليوم التالي. وجيء في الصباح 
الباكر بكل الكلاب التي تحويها القرى المجاورة» وهي ليست من ضخامة كلاب 
الرعاة الجسيمة التي يربيها البشدر والبلباس في الشمال» غير أنها قوية شرسة أنيط 
أمرها بإشكارجية) نشطين أخذوا يقرعون طبولاً صغيرة ليحافظوا على تجمعها. 
وانطلقنا على صهوات الخيول وبعد ساعة ترجلنا لنتوقل ممراً ضيقاً لا يصلح 
للحيوانات ولم نسلك سبيلاً واحداً من الدربند وإنما علونا الشق وشفرة السكين 
إلى (قوبى) ذات الغابات الكثيفة. وظهر الإعياء حتى على رفاقنا الكرد. وبعد فترة 
راحة قصيرة تقدمنا (سعيد آغا) إلى نقطة الانطلاق حين يفترض أن تقوم الكلاب 
بطرد القنيصة إلى جهتها وانتظرنا ولم يظهر شيء. وقتلت الكلاب خنزيراً صغيراً 
ولم يعثر على غيره. ثم إننا تناولنا غداءنا قرب نبع (كاني ثه ماره ت) نسبة إلى 
بقايا بناء قديم متداع قريب مقابل قمة صخرية بارزة من الحرف الذي يمتد إلى 
الأسفل ولقد أكد لي مرافقي أن الخرائب هي بقايا أسوار قلعة يبرز منها مقدار 
ثماني أقدام أو تسع. وفيها بثر. 

و(كانى ئه ماره ت) هي عين من عدة عيون عملت بها ثبتاً في مناسبة أخرى 


(1) ج.ب. فريزر: المرجع السالف. ج1 ص 167 - 2170 يقدم وصفاً دقيقاً لعبور (سه كرمه). 


432 


قبل آب 21936 عندما دخلت (قوبى) عن طريق (دهر بندى جافران) وسرت على 
امتدادها عدة أميال بحثاً عن مواقع مناسبة لإقامة مصايف حكومية وكان خير نبع 
هو (كانى زه رد > 4850 قدماً). غدا الموقع ساحراً بعد أن أقام (سعيد آغا) الأريب 
عدداً من العرائش. وهيأ وجبة طعام شهية تتألف من الدجاج المشوي على السفود 
والباذنجان المحشو والطماطم. وبعناقيد العنب الذي قطف تواً. لقد وجدت 
الصنف المسمى (موور) لذيذاً للغاية؛ ومهما يكن من أمر فقد رأيت أنه لا يصلح 
تطويره إلى مصيف جبلي» فالينابيع المستخدمة لإرواء حقول تبغ صغيرة ليست 
غزيرة الماء وإن كان يمكن زيادته بتوسيع فتحاتهاء والشمس تلقي أشعتها عليه من 
وقت شروقها حتى غروبهاء وتتضاعف الحرارة بالإشعاع من الجدار الجيري الذي 
يقوم خلفهء عندما أويت إلى فراشي في العراء تحت النجوم لم أتحمل فوق 
جسمي أكثر من قطعة قماش خفيفة وإن لذ لي نشر بطانية فوفي في ساعات الفجر 
الأولى. 


ومن (كاني ثه ماره ت) عاد القسم الرئيس من حملتنا إلى قره داغ من أقصر 
طريق» على أني أقنعت (سعيد آغا) وآخر بمرافقتي إلى (ده ربندي كاور) إن كلمة 
(كاور) هي الشكل الكردي (كبر) الذي يطلقها الإيرانيون في يومنا هذا على 
الزردشتيين. ويطلقها الكرد على كل ما يعود إلى عهود ما قبل الإسلام أو ما هو 
وثني. إن التقارير المستمرة التي تردني جعلتني أؤمن بأني سأجد شيئاً من 
المنحوتات هنا. ولم يخب ظني فالنقش البارز الذي وجدته كان في باطن الفتحة 
وعلى وجه السفح الصخري ولم يكن يسهل بلوغه أو تصويره بالفوتوغراف 
والرسم الأساسي هو محارب ملتح ينظر إلى اليسار قدرت طوله بعشر أقدام 
ولحيته محلوقة في الجزء الأقرب إلى الذقن. ثم تسترسل بخصلات متموجة حتى 
تصل إلى مستوى اليد اليسرى المنثنية نحو الجسم ثنية أفقية فوق الحزام؛ ممسكة 
بقرس» وثوبه مفتوح أمام العنق وعضلات الصدر والعضدان» والمنكبان توحي 
بقوة صاحبها الخارقة ومتانة تركيبه الجسماني والحزام الذي يحيط بالخصر ذو 
أربعة خطوط متوازية تلم إلى الجسم ما هو أشبه باتنورة) واليد اليمنى مجتمعة 


013 


على مقبض سيف صولجاني الشكل. وفي كل معصم سوار أو ما يمثل أهداب 
الكم. والساق اليمنى موترة والساق اليسرى مرتفعة إلى حد الركبة كأنما يهم 
صاحبها بصعود جبل. والصخرة المنحوتة تحت الرداء (التنورة) قد بليت بعامل من 
العرامل لكن يشاهد تحت كل قدم رسم شخص مستلق على الأرض حجمه يبلغ 
ربع حجم صورة المحارب وقدماهما منفرجان وجديلتا شعرهما متدليتان إلى أسفل 
من قمة الرأس ولقد كان النقش كله رائعاً مهيباً بما أودع فيه النحات من روح. ولم 
أتبين وجود كتابة مسمارية. 


كانت صوري الفوتوغرافية ناجحة إلى حد ما وتمكن الأستاذ سدني سمث من 
المتحف البريطاني الذي كان آنذاك مديراً لدائرة الآثار العراقية من تحديد هوية هذا 
النقتش. فوجده يشبه (مسلة النصر) الشهيرة التي أقامها (نارام سن) الأكدي تخليداً 
لانتصاره على (ساتوني) ملك شعب (للو) في حدود العام 2400 ق.م. كما يظهر 
من الكتابة فيها. وبصرف النظر عن القيمة الفنية الأولية للمنحوتةء فإن هذا 
الاكتشاف قد ساعد على تحديد موقع بلاد (للو) الذي كان إلى حد تاريخه موضع 
حدس وتخمين. كما أمكن أن يلقي ضوءاً جديداً على أهداف بعض الحملات 
عسكرية لعدد من الفاتحيد". 


إن وصفي هذه المنحوتة (قوبى) يجرني جراً إلى وصف رقوق آفرومان التي 
نوهت بها آنفاً. 


(1) أول كتابات عن هذه المنحوتة الصخرية نشرت في (المجلة الجغرافية» مجلد 65 رقم 1)»: وقد 
أشار إليها الأستاذ سدني سمث مع كتابه (تاريخ آشور القديم» ص94). إن مسلة انتصار (نارام سن) 
لها تزين جلد كتاب (تاريخ سومر واكد) لمؤلفه (ل.و. كنغ وصنفكظ./1..18 - لندن 1910) وقد وصممت 
فيه بكونها من أجمل المنحوتات البابلية التي اكتشفت حتى الآن. وقد وجدت بين أنصاب وغنائم 
حرب بابلية أخرى» وأخص منها بالذكر المسلة التي نقشت عليها شريعة حمورابي. في بعض غنائم 
الحرب هذه كتابات أضافها إليها الملك عيلام تخليداً لانتصاره (غ.غ. كاميرون «معصت .6.6. 
المرجع السالف ص19). 


434 


هذه الرقوق الثلاثة هي من رق البارشمنت. الأولى والثانية مكتوبة باللغة 
اليونانية» والثالثة باللغة البارثية. جاء بها إلى إنكلترا في 1913 الدكتور سعيد خان 
كردستاني. وابتاعها المتحف البريطاني منه بعد فترة وجيزة من قدومه" يقول 
الدكتور (سعيد خان) إنها وجدت في كهف جبلي يعرف ب(كوهي سالان) قرب 
قرية (شارى هه ورامان) وكانت محفوظة حفظاً جيداً متقناً في جرة مختومة. ولعلها 
جزء من مجموعة كبيرة من الوثائق اختفى دون أن يبين له أثر. وفي ظهر أحد 
الوثيقتين اليونانيتين يوجد توقيع مختصر باللغة البارثية يكاد لا يبين» ويظهر كأنه 
اختصار للنص الأصلي تسهيلاً للاطلاع والتمييز. والحجج الثلاث هي سندات بيع 
نصف بستان عنب (يظهر نفس البستان في كل صفقة بيع منها) وكل سند يوناني 
مكتوب مرتين جرياً على العادة الشائعة في الأزمنة القديمة: الأولى (أ) تحتل 
الجزء الأعلى من الرقعة ملفوفة لف حزيقاً ومشدودة بخيط يمر من ثقبي النهايتين 
وهي مختومة. والثانية (ب) تحتل الجزء الأسفل من الرق غير مشدودة أو مختومة 
لإمكان الرجوع إليها للتدقيق في أي وقت. وفي كل من المستندين يوجد فراغ بين 
الجزءين الأعلى والأسفل. والرق الأول مؤرخ في (225 من العهد السلوقي - 88 - 
7 ق.م) أي أثناء حكم (مثريدات) الثاني البارئي. والرق الثاني مؤرخ في (291 من 
العهد السلوقي - 22 - 21 ق.م.) أي أثناء حكم (فراتس) الرابع اليارثي. وأما السند 


(1) يستند الملخص الذي قدمناه في السطور التالية إلى مقال كتبه الأستاذ (ي.ه منس كممنقة .58.15) 
من كلية بمبروك» وكمبردج بعنوان (رقوق عن العصر البارثي) من (فرومان إلى كرستان)» نشر في 
مجلة (الدراسات اليونانية) سنة 1915. وإلى مقال آخر كتبه الدكتور (ه س. نايبرغ 3078 .51.5) 
في مجلة العالم الشرقي 1923 وبعنوان (الوثائق البهلوية من أورامان)» إن الرقوق المكتوية باليونانية 
تلقي ضوءاً على عدة مسائل ذات أهمية تاريخية وقانونية ولغوية» فإلى ما قبل اكتشافها لم يكن أحد 
يدري أن اللغة اليونانية كانت في هذه البقاع خلال القرن الأول ق.م. لتدوين المستندات القانونية بل 
ولم يكن ليخمن ذلك تخميناً. وأنا هنا سأقصر اهتمامي على أسماء المواقع. إن الدكتور سعيد خان 
وهو كردي يتتمي إلى أسرة أرستقراطية بارزة في كردستان الإيرانية» وهو مسيحي الدين مستمر في 
مزاولة مهنة الطب بنجاح كبير في مجتمع طهران» وكان ابن له يعمل ضابطاً في سلاح الهندسة 
الملكي البريطاني معنا في (قوة نورير ع6ه:8 مهم,ه3). 


45 


الغالث البارثئي فهو أقصر بكثير من زميله وفي حالة أخلق وأرث. وإذا كان يوجد 
نسخة ثانية له فلعلها مزقت من فوق أو من تحت. وهو مؤرخ في (300 من العهد 
السلوقي > 13 - 12 ق.م.) في أثناء حكم (فراتس) نفسه. 

وفي السندين اليونانيين توجد أسماء أربعة أمكنة. هي اسم بستان العنب 
(الهييارجى). واسم مرحلة الطريق (ستائثثموس) حيث تم التوقيع على السندات 


داد باكاباكك . 


دات باكان (تعود 





إلى) كنجه كان 


إن المقاطع الأخيرة من الأسماء التي أعطيت لبستان العنب وهي (راس) 
و(باغ) تعني على التوالي (كرم وبستان) (في الفارسية الحديثة - رأس و - باغ وفي 
الكردية ره ز - وباغ؛ فهي على هذا الأساس قابلة للتبديل وليست أجزاء ثابتة في 
الاسم. وكما أنها لا تقبل التعريف كالكلمات اليونانية. إن اسم بستان العنب في 
السند الثالث» يفسر الفراغ المتروك في السند الأول بين قسميه الأعلى (أ) 
والأسفل (ب) (بالكردية الحديثة - كه نجه كان - معناها (كنوز) ولا سيما الكنوز 


(1) وفقاً لحساب (منسي). 


46 


الدفينة) إن أسماء المواضع المردفة بلفظة (كه نج) شائعة جداً في اللغتين الفارسية 
والكردية. وكل الأسماء الأخرى ما عدا لفظة (ديساكديس) - في السند الثاني (أ) 


و(كوبانيس) و(كوفانيس) هي صيغة المفرد البعيد. أما الباقي فورد بصيغة الجمع 
البعيد (كلها صيغ صرف يونانية). إن ظهور اسم موضعين من إقليم قره داغ الغني 
جداً بالأحداث التاريخية» وهما (قوبى) و(باسيرا) الغريبان لفظاً من (كويانيس) 
ولاكوقاتسن) ز(سهيزا) و(باتعرسورا) المكحة كن تومن المتتكداتم هوشدة 
يلفت النظر بشدة. وثمة عدة اعتبارات بعال الاعتقاد بأن الملك العقاري 
الذي كان موضوع تلك العقود الثلاثة إنما موقعه هنا في قره داغ لا في (هه 
ورامان) حيث تم العثور عليها. 

1 - لا يعرف الدكتور (سعيد خان كردستاني) أسماء حالية لأي موضع في 
الأراضي المجاورة لمحل الاكتشاف تشبه الأسماء الواردة في الرقوق. كما لم أجد 
شخصاً ما يثبتها في قائمة خاصة بأسماء القرى للمنطقة القبلية في أواخر مسح 
أرضي (1942). 

2 - في النصوص الإغريقية من المستندات ظهر اسم (كوبانيس - كوفانيس) 
في مكتبتين مختلفتين. ومع ذلك فهو يعامل كالأسماء الجغرافية المألوفة في 
النماذج التي تنتهي بصيغتي (آنى) و(ينى) وأعتقد أن صلة (آن) في هذه الصيغ 
اليونانية» هى دليل على أن الأسماء المذكورة تشير إلى مقاطعات إدارية وجدت 
أساساً أيام الح السلوقي. وظلت على حالها حتى العهد البارئي”" ولذلك لا 
يكون مقطع (آن) جزءاً أصلياً من اسم الموضع الحقيقي. 

3 - إن ممر (سه كرمه) الذي يقع في نقطة عبور الطريق السلطاني الشمالي 
والجنوبي بين بغداد وتبريز - لجبل قره داغ» وحيث يدخل المسافر مقاطعة (قوبي 


40 (و. و تارت 7 دراسات سلوقية 9 بارثية في (وقائع أعمال الأكاديمي البريطانية)» مجلد 
166. 


47 


- كوبي) من الجنوب» يبعد (55) ميلاً عن غرب (كوهي سالان) وقمة هذا الجبل 
(ارتفاعها 8500 قدم) تبعد ما بين خمسة أو ستة كيلومترات إلى شرق الشمال 
الشرقي من قمة (هورامان > 9800 قدم) عبر نهر سيروان الذي ينحرف هنا فجأة 
حول (سالان) ثم يغير اتجاهه من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. لكنه يبقى 
في الجانب الشرقي من السلسلة العظمى (لزاغروس) وإقليم (هه وره مان) هو 
اليوم كما كان في ماضي العهود مأوى الهاربين من إقليميْ (شهرزور وقره داغ). 

4 - وبطبيعة الحال لا مندوحة لأي سلطة تحكم تلك الربوع من أن تقيم 
مرحلة طريق بحماية مخفر عسكري قرب هذا الممر الخطر الصعب وفي طريق 
هام جداً في هذا الجزء منه أو ذاك أو كليهما ربما كان في المركزين الإداريين 
الحاليين (كوب تبه وقره داغ)» إن اختلاف الأسماء بين المستندين الأول والثاني 
لا تثيران أي مشكلة فما أسهل تغيير اسم هذا الموضع في فترة ست وستين سنة 
على تحرير المستندين ولعل طرفي العقد قد جاءا من مركزين مختلفين في كل 
مناسبة توقيع منهماء على ما يظن. 

5 - و(سه كرمه) هو على بعد يقل عن خمسين ميلا من كفري» وكفري التي 
تقع في السهل وحيث طريق الشمال يتصل بالطريق السلطاني من الموصل وأربيل 
وكركوك وطاووقء. لا تبعد أكثر من (150) ميلاً عن بغدادء ولا شك أن هذه 
المنطقة أسهل تماساً بالتأثير اليوناني بقاعدته مدينة (سلوقية) (ثمانية عشر ميلاً 
جنوب بغداد) من تأثير البلاد البعيدة الوعرة التي تقع وراء حاجز (هه ورامان) 
العملاق. 

إن كان اسم المقاطعة (الهيبارجى) محفوظاً في (باسه ره) حقاً فتخميني أنها 
كانت تتألف على الأقل من قضاء (بازيان) حسب تنظيمه في عهد العثمانيين من 
النواحي الحالية آغجلرء مركز جمجمالء» سه نكاوء بازيان» بزيادة ناحية قره داغ 
وقرى (وارماوه) المجاورة مما يجعل منها وحدة إدارية طولها زهاء ثمانين ميلاً 
وعرضها يتراوح بين 20 و25 ميلاء وتقطعها بالطول سلسلة قره داغ التي كانت هي 


458 


نفسها منقسمة إلى جزءين متساويين في فتحة (باسه ره). ولقد استندت في تخميني 
هذا إلى فقدان الدليل المعاصر في الاعتبارات الجغرافية» وإلى تجربتي الخاصة 
في إدارة تلك المنطقة. هنالك أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن المقاطعات الكبرى 
(للساترابيات) في أيام السلوقيين والبارتيين إنما هي (الهيبارجى) وهذه الأخيرة 
كانت جزء الجزء"'". على أن الإقليم الذي حددناه يبدو صغيراً لذلك أميل إلى 
الافتراض أن «الهييارجى) قد تشمل لواء كركوك الحالي بزيادة الوادي الأول وراء 
قره داغ إلى سلسلة (بنزرد - به رانان) هي بالضبط المنطقة التي نديرها نحن الآن 
من كركوك. وإن طاووق بموقعها الأكثر مركزية من كركوك كانت أهم من الأخيرة 
في العهد الإسلامي لذلك يحتمل أن تكون المركز الإداري للمقاطعة©. 


من قره داغ عبرنا أرضاً أشبه بالحديقة على الجانب الجنوبي من (كالوش) 
وبلغنا قرية (سي وسينان) العامرة. وأقام لنا (كويخه نجم) وهو من أنصارنا في 
العام 1919» وحلفاء (سعيد آغا) المخلصين - مأدبة حافلة قبل خروجنا إلى قرية 
(علياوا) التي تبعد عن الأول مسافة ثلاثة أميال. وهناك وجدنا أرضاً صالحة جداً 
لضرب خيامنا. لقد أسلفت أن الكردي قل أن يعييه اختراع عبقري لاسم من 
الأسماء. وهذا ما دفعني إلى تحليل اسم قرية (كويخه نجم) ورده إلى أصول معينة 
بالطريقة التالية: (سى - وسى - نان) وهذه المقاطع تعني (السيد والرغفان الثلاثة) 
ولا بد أن هذا يشير إلى حكاية ولي الله الذي لم يكن يملك أكثر من ثلاث رقاق 
خبز في دارهء إلا أنه كان قادراً دوماً على إطعام الضيوف مهما بلغ عددهم مع بقاء 
فضلات كثيرة منه. مثل معجزة تكثير الخبز والسمك في الإنجيل. ومثال آخر 


(1) (كارن) المقال السابق. 

(2) كتبت مقالتي «أسماء المواقع في رقوق آفرومان» المنشورة في مجلة معهد الدراسات الشرقية 
والأفريقية لجامعة لندن. 1952 مجلة 14 - 7. وأنا في عجلة شديدة لكي ينشر في مجلد من 
دراسات معينة تقدم للأستاذ مينورسكي في عيد ميلاده الخامس والسبعين. إن اقتراحي الذي أثبته 
هنا بخصوص ضيعة (إقليم) باسيره وراء هو تعديل لفكرتي الأولى. 


49 


للمزجيات الشائعة عَنْ لي في هذه الرحلة» (باسه را) من (يا) أي الريح» و(سه 


لا بد أني قضيت ساعات بطولها أتحدث إلى الشيوخ عن الأمور المتعلقة 
بإدارة القضاء الجديد؛ فضلاً عن مسألة الشيخ محمود والسياسة الكردية بصورة 
عامة. فمنذ منتصف حزيران وأنا مشغول في تنظيم وتقوية الحزام الصحي. لم يكن 
الشيخ محمود أقل مني انشغالاً في محاولة اختراقه. ومرت أيام بدا فيه رصيده وكأنه 
بلغ أوطأ حد بحيث أشعر أن دفعة واحدة تكفي لإسقاطه وتمر أيام يسودنا فيها 
الخمول والتكاسل بنتيجة انحراف المؤشر إلى الجانب المعاكس بكل قوة. وكثيرا 
ما طالبت بعمل جوي أو حتى بقيام الجيش العراقي لاحتلال السليمانية. وهذا هو 
الجيش الوحيد الذي يحتمل سحبه بسرعة إذا ما وصل المديئة - وبذلك نصيب 
العدو بمقتل طلقة أخيرة أو نوقف العطن حسيما تفرضه علينا الحالة»؛ إلا أن 
المندوب السامي كان يفضل تكتيكه السلمي. كنت من جهتي» أجهل الاعتبارات 
الواسعة التي تملي عليه هذه السياسة. هنالك عدة يوميات مدونة في ذلك الخريف 
تفصح عن نفاد صبري القليل بالأصل لما وصفته «برخاوة دوبس». كان الشيخ 
محمود خلال تلك الفترة يمطرني ويمطر المندوب السامي برسائل يؤكد فيها براءته 
الماضية والحاضرة والمقبلة من أي نوايا عدوانية؛ شاكياً أننا نسيء فهمه. وكانت 
الخطة الفضلى التي التزمتها دعاياته لمن يحيط به من الكرد هي أن البيانات التي 
تصدرها السلطات ضده والأعمال العسكرية التي تقوم بهاء لم تكن إلا مناورات 
ظاهرية لأجل الرأي العام الدولي» بينما التفاهم موجود في الواقع» وأنه ما يلبث 
أن يعود لتولي زمام السلطة في الوقت المناسب. لذلك شعرت أن المسؤولين في 
بغدادء بريطانييهم وعراقييهم يظهرون من التساهل ما يفوق الحد باستقبالهم 
موفدين عنه كنت أنا نفسي قد رفضت مقابلتهما إيمانا مني أن قبولي في هذا الوقت 
بالذات قد ينسجم تماماً مع خطة دعايته ويذلك تضعف المعنويات في كل من 


400 


الحزام الصحي وكركوك. وما لبثت محادثاتي مع الشيوخ الموالين أن أيدت وجاهة 
الفكرة التي حملتين على اختيار (قره داغ) و(كل) لتكونا مرسحاً لأول جولة 
مسلحة لي. وبكلمة أخرى لإيمانهم بقرب إعادة (محمود) ولتلهفهم للمحافظة على 
مراكزهم كانوا يعملون كوسطاء فيما بيننا وأخص بالذكر (عبد الكريم) الذي جعل 
شعر رأسي يقف من منابته عندما أوضح لي بلهجة العارف ببواطن الأمور أن 
الروس الشيوعيين يسهمون الآن في اللعبة عن طريق (سمكو). والحكمة تقضي 
علينا باستخدام (محمود) دعامة لتثبيت وضعنا. وفي (قره داغ) أنشا لسك 
رسالتين من الشيخ محمود ورضا بك صديقي منذ 1919» لا شك أنهما كتبتا 
باقتراح من أصدقاء الطرفين وكان في اختيار المرسل الثاني بعد نظر - وقد طلبا أن 
أحدد لهما موعداً للمقابلة» لكني بقيت أرى من الأنسب رفض الطلب. 


على أني سررت باستقبال (الشيخ قادر) أخ الشيخ محمود في مضاربنا ومع 
النشاط المتزايد في حبك المكائد السياسية التي أتيت إلى وصفها فقد تقدم إعداد 
قوائم الانتخابات بشكل مرض وكملت قائمة (قره داغ) بأسمائها الأربعة آلاف. 
وحصل تقدم جيد في (سه نككاو) ورجع بضع مئات من سكان المناطق الخارجة 
عن الحزام الصحيء طالبين تسجيل أسمائهم» ووافق (قادر) بعد لأي على قبول 
ترشيح نفسه لعضوية المجلس التأسيسيء» وقد أفادنا نجاحه فيما بعد وقدم دليلاً 
جديداً هاماً للهيئة الدولية» يدحض الزعم القائل بأن «الملك الطريد» يمثل الرأي 
العام الكردي حقاً. 


وعاد كل من الشيوخ المجتمعين في (سى وسينان) إلى دياره واستتبعنا بلذة 
الراحة التالية في (علياوا). وخيل لعدد كبير من أفراد الشرطة أنهم يحسنون الغناء 
والعزف والتمثيل بصنفيه الجدي والهزلي» فكانت حفلة ممتازة» أمثال هذه 
المسامرات الليلية على نار المخيم ببرامجها المتسقة بإطراد أصبحت فهي من أهم 
مظاهر جولاتناء وساعدت على شد عرى الشعور بالزمالة ودوح التضامن بين أفراد 
القوة. إن تجميع القابليات المحلية في القرية أو المخيم ساعد على توثيق عرى 


491 


الصداقة بأولئك الذين يقصر نظرهم عن رؤية الفوائد والجوانب المرحة من 
ضروب نشاط الإدارة المحلية. 


وسلكنا من (علياوا) سبيلاً صخرياً ليس وعراً يمتد بطول سفح قره داغ تحت 
قمة (زه رده) المشمخرة. وصعدنا حتى رأس ممر (يه يكولي) وتمكنا هنا ونحن 
نتأمل الوادي شمال (ديوانه)» أن نشاهد الشعاب الثلاث (سولى) و(كوره قه لا - 
قلعة الكافر) نسبة إلى خرائب أثرية قرب القمة و(ياشرى) فوق سلسلة (به رانان)0© 
كما راقبنا أول قوافل (جلالى جاف) تعبر (يه يكولى) في رحلتها إلى جنوب» 
وثيرانها وحميرها موقرة بالخيم السوداء والمهود والأطفال والعمد وأسنار القصب 
وقدور الطبخ الكبيرة» وقرب السمن. 

وقبل تركنا الموضع ترجلنا لنستريح عند المقدمة الجنوبية بالقرب من نصب 
(نرسي) التذكاري. وهنا لاحظت أن عدداً كبيراً من الحجارة قد زحزح عن 
مواضعه في العام 1919 بفعل تنقيبات هرتسفلد. وقضيت بعض الوقت ألتقط الصور 
الفوتوغرافية وأدون الملاحظات التي استفدت منها في كتابة الفصل الثاني عشر من 
هذا الكتاب وأتبعنا بعد ذلك طريقاً وعراً في أعلى كتف جبل زه رده إلى (جه جه 
قه لا) وهي مركز للتصوف مشهور. وبعد وقفة أنجزنا خلالها الاتصال بالطائر 
توجهنا إلى (تبه كارووس) وهي قرية لروغزادى الجاف المستوطنين. 

وفي صبيحة اليوم التالي انحرفنا جنوباً وقطعنا وادي (سه نككاو) حتى الفتحة 
الكائنة بين (آج داغ) وبين (بركاج) وهو امتداد (آج داغ) الجنوبي الشرقي. وفيما 
نحن ندنو منها شعرنا أن الصخرة التي تدوس عليها سنابك خيلنا ترن رنيناً غريباً 
كما لو كانت مجوفة الباطن وانتشرت رائحة كبريت نفاذة من عيون صغيرة لا 
تحصى. وكان يلتقي داخل الفتحة مسيلان شتويان أحدهما يصدر من الشمال 
الغربي والآخر اسمه (تافتاف) يأتي من الشرق وكانا في ذلك الوقت (17 تشرين 


(1) يطلق على هذه النهاية من السلسلة اسم جبل «كوره قه لا» عادة. 


002 


الأول) جافين. ولاحظنا ينبوعين كبيرين يصدران من تحت طنف صخري أفقي 
يبعد أحدهما عن الآخر (120 يارد) وكل منهما على جانب من الفتحة ولا بد 
وأنهما المصدران الدائمان لنهر (آوه سبى) إن ماءهما الحليبي مثقل برائحة 
الكبريت ولعل الصبغة الخضراء التي شاهدناها فيها ذلك اليوم تعود إلى زرقة 
السماء فوقهما. وعلى مقربة منهما نبع آخر ماؤه صاف يسمى (ترش ثاو - الماء 
الحامض) وفي اعتقادي أنه محلول حامض الكبريت. إن النبع الكبريتي الكبير في 
سفح (آج داغ) ما أن يجري قليلاً حتى يشكل بركة؛ شعرنا بدافع لا يقاوم 
للاغتسال فيها بعد أن أوحينا لأنفسنا أن ماءها شاف وفعلاً أصبنا حماماً منعشاً 
لذيذاً شابه التصاق بقع من الزيت بأجسامنا عند خروجنا. هذه البقعة كانت في زمن 
ما موطن قبيلة (ده لو). ويتفاوت تاريخ طردهم على ألسنة الرواة فيما بين أربعين 
ومئة سنة من وقتنا هذا. تقول الرواية: قام الزنكنة بشن غارة ليلية مياغتة على قبيلة 
(ده لو) انتقاماً لثأر قديم. وأوقعوا بهم مذبحة كبيرة أظهروا فيها شراسة غير مألوفة 
قط في عالم الحروب القبلية. وبعد أن دفنت (ده لو) قتلاها في قبر واحد بعت 
بوفد كبير إلى كركوك لعرض شكواها وطلب الفدى. وانتهز (الزنكنة) فرصة غياب 
(الده لو) فنبشوا القبر وأخرجوا الجثث وملأوا الحفرة بما استطاعوا جمعه من 
كلاب وبغال وجمال نافقة» ثم أسرعوا في أعقاب المشتكين إلى كركوك وطلبوا 
من السلطات أن تقوم بإجراء تحقيق دقيق في التهمة الظالمة التي لفقها عليهم 
أعداؤهم الألداء - فأجري الفحص على القبر وكانت النتيجة في صالح (الزنكنة) 
فاقترح قاضي التحقيق ترحيل (الده لو) قسراً إلى منطقة كفري وما يليها وهكذا 
دخل قاموس اللغة مصطلح (زنكنة بزيى - غش زنكئنة) لكل حيلة ماكرة من أي 
نوع كان. 

في اليوم التالي عقبنا الضفة اليسرى من (ثاوه سبي) متجهين إلى الجنوب 
الغربي وبعد أن عبرنا ثلاثة غدران عريضة محصبة هي (ما مسران ولاهيز 


وميردولات) انحدرنا غرباً من عقدة (دارى خيلا) وبلغنا مرحلة الكروان الشهيرة 


003 


(إبراهيم خانجي) وتمتعنا هنا بحمام لذيذ في بركة منفصلة نوعاً ما عن سائر النهر 
الذي فقد هنا كل أثر من كبريته وزيته. وفي الجوار قريتان منفصلتان تبعد إحداهما 
عن الأخرى نصف ميل كل قرية تعود لواحد من آغوات الزنكنة (عبد الكريم) 
و(حمه كريم) المتنافسين وكلاهما معتقلان على سبيل التحفظ في كفريء, إلا أن 
أولادهما كانوا قد خرجوا إلينا يتنافسون في استضافتنا. فلم نر بدا من ضربنا الخيام 
بين القريتين وقبلنا دعوة الغداء من جانب». ودعوة العشاء من جانب آخر. 


ومن (إبراهيم خانجي) أخذتنا مرحلة متعبة مملة عن طريق قرية آل زنكنه 
(ثاوباريك). إلى قرية الشيخ (جلال الطالباني) اسمها (فرهادبكك) وكان هذا قد 
رحل إلى بغداد مرتين معترضاً على استحداث ناحية (كل) وانتهز الفرصة لزيارة 
عيادة طبيب أسنان دجال كان يربح أرباحاً طائلة من إقناع أغنياء الناس» بإكساء 
أسنانهم النخرة منها والسالمة برقائق الذهب وكانت النتيجة وبالاً على أسنانهم 
وصحتهم العامة. ولم تؤثر حربه لمشروعي العزيز في الإصلاح الإداري على 
حرارة لقائنا. وحياني بمودة وقبلني من كتفي وقد وجدت بشكل عام أن مظاهر 
الود مهما كانت السرائر» تؤذيني أكثر مما تؤذي صاحبها. إلا أن للسلوك الأثر 
الأعظم. وقد علمتني تجربتي بين الإيرانيين والعرب والكرد على حد سواء أن 
المرء منهم لا يحمل ضغينة على السلطة التي أدبته أو أوقعت به عقاباً يستحقه 
ويعلم في سريرته أنه جزاء وفاق لخطأ ارتكبه. وإن كان موقفه يختلف إزاء فرد من 
أبناء قومه ظن أنه الواشي به أو سبب نكبته. وبعكس ذلك يذهب إلى أبعد الحدود 
المتصورة لإطفاء جذوة انتقامه إذا شعر حقاً أنه ضحية ظلم مدبر أو مقصود. 


بعد تناولنا العشاء راح (شيخ جلال) يقص حكايات كثيرة عن كهف واسع في 
(آج داغ)» وقال إن الوصول إليه ممكن بممر مقوس من مدخل الشعب قرب (قم 
مملحة). وذكر أن في الكهف مدينة كبيرة كان فيها على ما يبدو شوارع وصهاريج 
وبيوت وأسواق بل حتى أشجار! وزاد أحد الجالسين في زعمه أنه دخل إحدى 
دكاكين تلك المدينة السفلية ولمس بيده ما خاله صرة من القماش فتنائرت رماداً 


404 


في الحال. كما رأى نبع ماء يخرج منه ثلاثة أنهار هي (آوه سبى) من الجنوب 
الشرقي ونهر (قم مملحة) من الشمال الغربي و(قه يتول) من الجنوب الغربي. وأنه 
يمكن دمج ماء أحدهما بالآخر برفع آجرة واحدة. وزعم آخر أنه وجد طبعة قدم 
عفريت لا تخطثها العين. وهذا ما استنكره الشيخ بشكل حاد وختم به المباراة! 
مهما تكن هذه الحكايات المتداولة مغرقة في الخيال» ففي اعتقادي أن (آج داغ) 
مليء بالكهوف, ولا شك أنها ستكون يوماً ما موضع اهتمام عالم من علماء 
سكان الكهوف. وكنت أود أن أتاخر لأقوم بجولة تفقدية لها. لكن الريح التي 
بدأت تهب كانت تنذر بهطول أول أمطار الخريف الغزيرة. وكان ضرورياً أن نصل 
كركرك في اليوم التالي قبل أن ينقطع الطريق من (ليلان) وما بعدها - حيث كانت 
سيارتي بانتظاري. 


لم أجد ما يلفت النظر في الطريق بين (فرهاد) و(ليلان) لكني سأضيف كلمة 
فحسب عن زيارة أخرى لهذا الإقليم في النصف الأخير من تشرين الثاني إكمالاً 
لوصف (كل). 


في (قادر كرم) شاهدت منظراً عجيباًء كنت أجالس (شيخ عبد الكريم) في 
عريشته وإذا بنا نسمع أصواتا مختلفة بين غناء وقرع طبول صارت تعلو باقترابها 
منا. حتى ظهر للعيان جمع من القرويين والدراويش (الخيرون يمكن تمييزهم من 
نظراتهم الزائغة وشعورهم الطويلة المشعثة) بدوا فوق عارضة جسر منخفض غير 
بعيد عن القرية. وكان يتقدم الموكب قارع طبل وناقر دف وكان الطبل (ده هول) 
محمولاً على ظهر رفيق ثالث. وما استقر بهم المقام في الساحة التي تقع أمام 
ضريح (شيخ محي الدين) والد مضيفي حتى انتظموا حلقة واستمروا في الغناء 
والزفن بهز الرأس إلى الأمام والخلف هزات عنيفة؛ حتى يخيل للمرء أدمغتهم 
ستسيل من. جماجمهم. والظاهر أنهم مريدو (الشيخ عبد القادر) الذي رويت قصة 
موته في مبدأ هذا الفصل. وهؤلاء الجماعة كانوا في طريقهم إلى (كربجينه) لزيارة 
ابه وخليفته» بعد عودة الأسرة المفجوعة من (هه ورامان) مؤخراً. 


00 


بعد يوم أو يومين وجدتني في (ثاوباريك) ثانية» على بعد (14) ميلاً تقريباً إلى 
الجنوب. فانتهزت الفرصة لتفقد موضع طالما سمعت به يدعى (خورنه وه زان - 
حيث لا تشرق الشمس قط) وظهر لي أنه (كه لى) صغير ينحدر من ناحية الشمال 
إلى (أوه سبي) بنقطة تبعد مسافة 4 أميال تقريباً عن جنوب القرية حيث يجري 
النهر غرباً بين جرف جيرية سامقة شاقاً طريقه خلال جبيل (مازوخ) الممتد من 
الشمال إلى الجنوب. وصعدنا في أخدود ضيق جوانبه مخضرة بنبات الأشئة 
والخنشار خلال أشجار متكاثفة من التين والرمان والسماق. هذا الأخدود ينتهي 
بجدار عمودي يسقط منه شلال صادر من نبع قريب للقمة وكان لتساقطه مائة 
جرس منغوم خفيف إذ يصطدم دراكاً بحصى ذات لون قاتم كأنها كتل حديدية: 
وكان الهواء رخياً تمازجه رائحة النعناع وما إليه من الأعشاب العطرية. موقع كهذا 
لا يجتذب اهتمام سكان الهضاب والجبال الشمالية» لكن هنا في قدمات الجبال 
الموحشة الجرداء يبدو ذا سحر فريد في بابه. ومن غير المستبعد أنه كان موضع 
خلوة قدسي في عهود الوثنية. عدت من حيث جئت بعد قضائي يوماً وليلة في 
النتوء الذي يحتضن قرى الداوودة (وجه الغرابة أنه يدعى داوده كردسان) حيث 
أنجزت تحقيقاً في نزاع بين السكان الأصلاء والمستوطنين الجدد النازحين من 
(روغزادى جاف) ويمّمت غرباً فعبرت (مازوخ) على مساحة أربعة أميال تقريباً 
جنوب (خورنه وه زان) ويبلغ ارتفاع القمة عن الطريق 2000 قدم (أعني أنه يقوم 
على ارتفاع 800 قدم عن مستوى النهر) وكان منظراً متسلسلاً لا يعترضه عائق من 
الشمال الشرقي فوق قدمات الجبال حتى قره داغ وجبال إيران ومن الغرب حتى 
(آوه سبي) الذي يخترق سهل (ده شتي ياته كي) الواسع إلى الفتحة التي تميل أول 
سلسلة متطامنة بمحاذاة الطريق المرتفع عن طوز خورماتو والتقينا هنا بقرويين كانا 
قد حالفهما الحظ بصيد ثعلب فضي الفروة بأن اضطراه إلى ترك جحره بدفع 
الدخان فيه. وقضيت تلك الليلة وما تلاها في (شاوري) الواقعة على السهل قرب 
النهر ضيفاً على (عزيزي عباس) أحد الأغوات الثلاثة الكبار في (داووده) وقضينا 


406 


يوماً ممتعاً في صيد القطا ومن بعد هذا قل خجل هذا الرجل العجوز كثيراً من 
مراجعة الحكومة - وزادت جرأته في دخول دوائر الدولة. 

وسرنا في طريق هين من (شاورى) عبر سهل حتى الفتحة. والنبع المحلي 
الذي سميت باسمه (طوزخورماتو) و(طوز) بالتركية معناها (ملح) ومنه استمدت 
البلدة بعض أهميتها وقبل العودة إلى كركوك بالسيارة» انتقلت إلى كفري لمقابلة 
الميجر أليك هولت 4161101 من سلاح الهندسة وكان قد وصل لتوه. لأجل 
المباشرة في مد خط السكة الحديد من (كنكربان) إلى كركوك. ولقد أكمل عمله 
قبل الموعد المقرر بعدة أسابيع. وبهذا أسدى خدمة اقتصادية قيمة للعراق؛ فضلاً 
عن قيمة عمله من ناحية النتائج السياسية في خضم الكفاح الدبلوماسي الذي كان 
المستقبل سيكشفه مما سنذكره في محله المناسب. 


007 


- 25 - 
عودة إلى الجاف وحلبجة 


أزف الوقت الآن لتوجيه المزيد من الاهتمام بالجزء الجنوبي الشرقي من 
(الحزام الصحي)»؛ وأمامنا هدف محدود وهو السيطرة على المناطق طِوار خط 
سلسلة (به رانان) عند نهاية (سيروان) وهذا يتضمن كخطورة أولية - إعادة جهاز 
الإدارة في ناحية (وارماوا) وكخطوة ثانية فرض سيطرة الحكومة على الجاف البدو 
الذين انحدروا الآن إلى مشاتيهم» بجباية المتأخر من ضريبة الأغنامء وإنجاز 
إحصاء جديد لها للسنة المالية الحالية واعتقال أشخاص معينين تتعقبهم الشرطة 
ووقع الاختيار على (حسين بككى حسن بك) رأس الفرع الأصغر من أسرة 
(كيخسرو بكى) ليتولى مديرية ناحية (وارماوا) وكان بإمكانه مباشرة الإحصاء بدعم 
محلي لأنه مالك عقار هناك. كما أنه أظهر دون سائر البكزادة مسلكاً في أحداث 
6 آب. وأما منصب وكيل الجاف الرسمي فقد ظل (كريم بك) يتولاه بوصفه أقدم 
البككزادة الساكنين في الجنوب. وكان الوضع في حلبجة غير مرض على الإطلاق 
رغم انسحاب حامية (الشيخ محمود) السريع في آب. وهكذا ففي الوقت الذي 
رحت أفضح خطتي» قام أعيان البككزادة وعلى رأسهم (أحمد وعزت وحميد) 
بزيارة السليمانية لإعلان ولائهم (لملك كردستان). فما كان مني إلا أن تركت 
كركوك في 7 كانون الأول على رأس كل قوة الخيالة المتحركة التي هي بأمرتي 
وكان معي (مراد وبرجس) كما جاء النقيب (س. وايت. عانة/5.17) الأسترالي بدلاً 
من (كراودن) بصلاحية مفتش شرطة. وأخذت معي النقيب (ي. س. ه. البان 


408 


هدطاخ .8.0.51 خلف (جابيمان) في كفري يسبب غيابه في الإجازة وتقرر أن تكون 
(كفري) قاعدة تقدمنا ولم نشأ سلوك طريق السيارات وإنما توجهنا في ثلاث 
مراحل بأقصر طريق داخل السلسلة الأولى وخلال (ليلان وجاورى) قاطعاً الطريق 
الذي كنت قد سلكته أولاً في عدة نقاطء وملاقياً معظم السكان الذين لقيتهم أولاً. 


3 ١ 
- وماناظ إزنشة‎ 
خخصاك الأجنرنا‎ 7 1 4 
١ لانم | 2 كخ ناكم‎ 


0 


هجا مهاعمميم] 


( ىدو / «رهدانه8 5 و جه 72 م4 وم ث4 2 م2 1 © م م 





499 


وفي كفري تسلمت برقية من المندوب السامي جاء فيها: «نظراً لأن الشيخ 
محمود خرق الشروط المفروضة عليه مرات عديدةء ولتواتر الدلائل على نياته 
العدوانية فقد اقترح فخامته استنفار القيادة الجوية البريطانية لقصف السليمانية بعد 
الإنذار الاعتيادي طبعا. «وقد رحبت بطبيعة الحال بهذا القرار متحمسأ وهو في 
رأبي متأخراً كثير». على أنه لم أجد أي داع لإدخال تعديل على الخطط التي كنا 
قد رسمناها لقوة الخيالة». 


بعد سدنا نقص مخازن أرزاقنا عند رأس السكة الحديد في 12 كانون الأول» 
انطلقا لطيتنا فعبرنا فتحة الجبل المتاخم لشمال البلدة ثم انحرفنا نحو الجنوب 
الشرقي لنعسكر في شاكال. ونظراً لامتداد حقول الزرع امتداداً واسعاً حول (قره 
تبه) فقد أصيح حداً جنوبياً لمدى رحلة الجاف. ورتبنا مع القوة الجوية زيارات 
عديدة لنا. وفي اليوم التالي حقق الملازم الطيار (إريك راوث اناه ع8) من 
السرب الثلاثين هبوطأ رياضياً. في حقل محصود تواً قرب منزل (كريم بك). 
والطائرات من طراز 2.1.9.4 في وقتها لم تكن مجهزة بآلة قدح ذاتية. وكل من 
قدر له كثرة الطيران صار يحذق بعض الشيء ما أسميه بإدارة مروحة المحرك باليد 
وأكثر الرجال خبرة هو الذي يقوم بتدويرهاء بينما يقف ثلاثة أؤ أربعة لمعاونته في 
تدويرها بصورة أسرع ولجر زميلهم الأول خارج منطقة الخطر حالما تدب الحياة 
في المحرك وتدور المروحة بسرعة من تلقاء نفسها وقبل أن ترديه شفرة منها 
صريعاً. وقبيل خروجي من (كه لار) وصلتني رسائل من حلبجة ظهر منها لي أن 
(أحمد وعزت) قد سمعا بجولتي يوم كانا في السليمانية يجثوان أمام عرش 
(محمود) فخفا إلى مقرهما مسرعين وهما يريدان التأكيد لي أنهما لم يقصدا 
السليمانية إلا عندما أعلنهما بوصولي إليها وكتبت (عادلة خان) أيضاً تقول إنها 
ستسافر إلى قرية (فقي جنه) التي تقع على القدمة الجنوبية لمضيق (ياشارى) فوق 
(به رانان)» وكانت مركز ناحية (وارماوا)» لأجل مقابلتي. 


إن مراحل سيرنا الثلاث الأول من (كه لار) أدت بنا إلى أرض وعرة غرب 


5200 


سيروان شمالاً بامتداد الطريق الذي سلكته السنة 1922 أو بالقرب منه. وهي في 
الخرائط أرض خالية لا علامة فيها. لكن القوة الجوية قامت بتزويدنا بنتائج مسح 
جوي جيد نوعاً ما قبل بدء سيرنا فأعاننا كثيراً وتمكنا نحن من إضافة أسماء مجرى 
المياه والآكام والقرى إلى هذا المسح. 


وأمضينا أول ليلة لنا مع (شاتري) في (كاني جه قه ل > عين ابن أوى) قرب 
فم أحد قيعان تلك المجاري العريضة المفروشة بالحصباء المنحدرة من وادي 
(خيلا) وأمضينا ثاني ليلة مع (الهاروني) في سهل (بيواز) (وارماوا آنذاك) وبتنا 
الثالثة في ضيافة (هاروني) آخرين في (كاريزه) التي تبعد مسافة قليلة عن هاروني 
الأولى وكان الطقس رفيقاً بناء والمناظر الأخاذة تتعاقب أمامنا كلما غذذنا السير 
شمالاً فوق الأرض المتعادية. فهذا هو مضيق (ده ربندى خان) حيث يخرج 
(سيروان) من بين قمم (به رانان). وهاهنا قمة (خوشان) الحدباء العظيمة. و(به مو) 
الشاهق بأخاديده الهائلة» وتلك هغببة (باوه يادكار) الجميلة الأنيقة. يليها قمتا 
(داله هو) و(كلهور) المصطبغتان بلون الورد الزاهي وقت الغروب وكان المنظر 
كله يبدو متحركاً على نفسه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الشرقي في دورة ذاتية 
أثناء ما نحن نتقدم. في حين كان مجرى النهر الذي هو عن يميئنا مباشرة زاهياً 
بألوان الخريف من أشجار الصفصاف والطرقاء. 


وفي الصباح عندما نرفع خيامنا يندفع الأطفال والدنسوة في غزوة لأرض 
المعسكر المتروك لاستعادة ما استعرناه منهم من قدور الطبخ وقرب الماء. 
ويجمعون ما ألقينا من علب الصفيح والزجاجات الفارغة فلكل وعاء قيمته عند 
البدو الرحل. إن زي التساء يتألف عموماً من سراويل واسعة فضفاضة تعمل من 
قماش أزرق أو أي لون آخر قاتم مكورة قرب الكاحلين ليكون شبيهاً بانتفاخة 
سروال الكولف السلفى. وكذلك من قميص طويل أو اثنين من القماش نفسه. 
تعلوها سترة ضيقة قصيرة وعدة مناديل من الحرير تشد على الكتفين مثل رياط 
الكشافة؛ وعمامة قائمة أو ملونة حسب سن المرأة. ويشد حول الخصر حرام 


5301 


تتوسط حلية ثقيلة من الفضة المسبوكة. والفتيات الصغيرات يضعن على رؤوسهن 
طاقيات ذات ألوان زاهية وذات أهداب تخاط بها سلسلة من النقود الفضية وهي 
تقوم مقام العمامة. 

وأدهشني أنْ رأيت مضارب الجاف تبعد كثيراً عن مجاري الماء في أغلب 
الأحيان. لما كان عامل الزمن ثانوياً فلا حرج في أن تساق الحيوانات أو أن تركب 
وتؤخذ إلى أقرب عين ماء أو مسيل. والإناث من كل الأعمار مدربات أحسن 
تدريب وفي كل الظروف على حمل قرب الماء المبللة مسافات كبيرة. والكميات 
التي ينقلنها كافية للشرب والوضوء المختصر قبل الصلاة؛ ولحاجة الطبخ وغسل 
بعض الأواني لكن الأمر كان مصدر إزعاج لناء حتى اضطررنا أكثر من مرة إلى 
إجراء تغيير في خططنا فلا نعسكر قرب القبيلة التي نريدهاء بل نؤثر أخرى أقرب 
إلى الماء. 

لم تكن مهمتنا سهلة تماماً» فالهاروني كانوا بنوع خاص ثائري الخواطر إلى 
حد الانفجار حول مسألة صغيرة تتعلق بالضريبة المتأخرة» حتى اعتقلنا عدداً من 
أشد (الكويخات) عناداً وأخذناهم معنا وتمت جباية كل المتأخر حالاً وأخذ ضمان 
عبن لم يدقع 

وفي مساء الليلة الثالثة ساءت حالة الطقس» واتجهنا صباحاً إلى (توون باوه 
عه مره) وهو جبيل يبلغ ارتفاع إحدى أعلى قممه 3650 قدماً. ويمتد بمحاذاة (قره 
داغ) وكانت الأرض كلها متلفعة بضباب اسكتلندني مثقل بالندى. وكنت طبعاً أريد 
الوصول إلى مركز الناحية (فقي جنه) إلا أنه بلغني عن وجود الشيخ محمود في 
جنوب شرق (شهرزور) فوجدت من الحكمة ألا أتخطى شمال مضيق (يه يكولى) 
لعلا يسرع بعبور (ياشارى) دون أخطار ويسعى إلى مقابلتي التي سبق لي أن 
رفضتها وقد يكون في هذا أيضاً إحراج مضاعف لعلمي أنه قد يقصف من الجو 
في أية ساعة. لذلك أرسلت رسالة إلى (عادلة خان) معبراً عن أسفي لنكولي عن 
الموعدء إلا أن ذلك لم يثن من عزمها رغم سوء الأحوال الجوية وسنها المتقدمة 


5302 


(68 عاماً). فعبرت مضيقي (باشارى) و(به يكولى) على ظهر حصان ووصلت ظهراً 
(بساركان) التي تبعد زهاء ميلين أو ثلاثة جنوب (نصب نرسي) الأثري وبرفقتها 
أبناؤها وبطانة كبيرة. لاحظت أنها لم تهمل العناية بنفسها وهندامها قبيل وصولها 
كذلك الابنان اللذان لم يضيعا وقتاً في تغيير ثيابهما الموحلة بثياب حريرية نفيسة. 
وكانا كثيري التوجس والقلق في محاولتهما تبريري مسلكهما الأخير. وتركتهما 
أمهما الماكرة آناء والحيية آنا - يستأثران بمعظم الحديث في حين راحت بين الفينة 
والفينة تدعم أقوالهما بعبارة : 

- (به خوا وه هايه ئه ري وه الله ئه ري والله) والله هي الحقيقة» تلك هي 
والله. ثم انتقلا بالتدريج من الاعتذار عن الماضي إلى الاختيال بعظائم الأمور التي 
سينجزانها من اليوم فصاعداً. وألحفا بطلب تعيينهما في الوظائف التي فصلا منها 
على إثر إخلائنا السليمانية برواتب مناسبة. ولم يقع الرفض وقعاً مفاجئاً لهما. 
أوضحت لها بلهجة جازمة أن مدير ناحية (وارماوه) الذي ستعزز قوته غير النظامية 
ببضعة عشر شرطياً نظامياً ستكون صلته بكفري لا بحلبجة. 

وفي صبيحة اليوم التالي وبعد مقابلة أخيرة مع (عادلة خان) وابنيها تركنا (بسار 
كان) قاصدين (بكر بايه ف) وهي مجموعة تتألف من ثماني قرى يملكها شيوخ 
(سوله). كانت الأرض كلها ملفعة بالضباب الكثيف والمطر يهطل مدراراً. ومجال 
الرؤية لا يعدو بضعة ياردات» فيتعذر تماماً القيام بملاحظات طوبوغرافية ذات 
قيمة ونحن في طريقنا نصعد وننزل في طريق شديد المنحدر. وليس ثمة عمل 
أصعب من نصب الخيم المبللة تحت سيول دافقة من المطر وعلى أرض استحالت 
بحراً من الطين ولقد استخدمنا خيامنا للمبيت إلا أننا أرسلنا الشرطة إلى القرية. 
وبعد إنجازنا كل شيء قررنا أننا نستحق جرعة منعشة حارة ولما تبين لي أن آخر 
زجاجة ويسكي جئنا بها من كركوك قد فرغت قبل ليلة. أمرت (حمه علي) بفتح 


فتدوق جديد كنا قد 'تسلناة ماشرة من مخرن الثاقن هذه" فى رامن 


(1) مخازن بيع لأفراد الجيش البريطاني وترمز إلى الأحرف الأولى من الاسم إليه. (المترجم). 


203 


السكة الحديد. وبعد لحظات عاد وقد جحظت عيئاه كأنما رأى شبحاأً وهتف 
قائلاً: «صاحب! ويسكى نيهء بارته!» كان من عادة (النافي) أن يسد الطلبات التي 
ترده من مختلف النوادي ويضع المواد المطلوبة في أي صندوق يقع تحت يده 
لذلك وضعوا كمية من قناني الشراب الذي طلبه سكرتير نادينا في كركوك بمناسبة 
عيد الميلاد» في صندوق ويسكي. فسلموه لنا عوضاً عن المطلب الحقيقي 
بمحض الخطأ. ولا شك أن (البورت) شراب ممتازء إذا تلقاه المرء في المناسبة 
المكانية والزمانية» إلا أنه تعريض تافه جدأً عن ويسكي (جون هيغ وبلاك أند 
وايت). إن معظم الضباط العثمانيين السابقين الذين دخلوا الخدمة هناء قد 
يستمتعون بين الفينة والفينة بليلة سعيدة بتعاطي (الكيف) وهو شعور النشوة التي 
تبثه كحول الخمر والمشروبات الروحية في جوانب أنفسهم لطيب المعشر وحسن 
المجلس الذي يتضمن ذلك. وتكون أولى كأس أو كأسين هي (الأساس) فحسب» 
وتعد ضائعة إلا إذا أعقبتها كؤوس إضافية عديدة لاستمرار النشوة. وكان (مراد) 
من أولئك في ذلك الحين (ما ليث أن أقلع عن العادة تماماً) وكنا قد جلينا كمية 
من الخمر المحلية المعروفة (بالعرق) وريما كان هذا مكراً منا وأملاً بأن ذوق مراد 
المتساهل سيرضى بهء ويجعلنا نستأثر بالخمر النادرة طوال رحلة بعيدة عن أي 
مركز تموين. إلا إن النجاح لم يكن خليفنا هذه المرة ومع تأكيدي له أن نوع 
الخمر لا أهمية له قط عند مدمن الخمر القوية» فقد أصر أن يشرب من «ذاك 
الأحمر»! وكنت كثير الود له فنزلت عند رغبته ولكني لم أستطع حبس آهة 
حسيرة» وأنا أرى بنت الكرم التي كانت ستتوج مأدبة عشاء عيد الميلاد بعد 
أسبوع» وهي تجري دهاقاً إلى جوف ساقية صغيرة أخشى أن أصفها بالساقية التي 
لا تميز طعوم الخمر! وكان المطر ينصب سيولا طول الليل بلا انقطاع. ورفع 
الخيام المبللة لا يقل سوءاً عن تثبيتها. على أن الغيوم انقشعت أثناء سيرنا إلى 
الشمال الغربي. وترجلنا للغداء في مضارب جماعة من (روغزاوى جاف). وبدا 
الهلع الشديد على كويخه (أحمدى شاسوار) عند وصولنا لكن سرعان ما أفرخ 
روعهء واستقبلنا هذا العجوز الظريف استقبالاً كريماً في خيمة من الشعر حسنة 


204 


الموقع وأغدق على الشرطة الطعام الكثير وتعهد بدفع متأخر الضريبة في غضون 
أسبوعين. وتركناه ودخلنا أرضاً وعرة للغاية معظمها على شكل مسطحات مدرجة 
معشوشبة صغيرة المساحة بين أطناف متنقلبة من الصخر الرملى» وبعدها بلغنا 
مارت (النيكايلن) تعان'الشجية الجتوية لجل (رركاج) الذي لا ينعد عن منازم 
(ثاوه سبي) وبعد ذلك عدنا إلى (سه نككاو). 

وفي اليوم التالي واصلنا سيرنا في الاتجاه نفسه فترة من الوقت» لكي نزور 
مضارب ثانية (للميكائيلى) قريبة من قاعدة (آج داغ) ثم استدرنا إلى الجنوب 
الغربي وبتنا الليلة قرب قرية (كوييك) التابعة لجبل على (ثاوه سبى) في مضارب 
(روستمي حسن حاجي قادر)”" أغنى وأيرز كويخات (الميكائيلى) وهو رجل 
وسيم أنيق يلبس الحرير الغالي كالبكزادة» إلا أن لحيته محفوفة من أسفل نهايات 
الشفتين وتحت الذقن مشذبة على الطرز الشائع بين رجال القبائل الاعتياديين الذين 
يبذلون عناية كبيرة بمظهرهم الشخصي. وفي هذا الموقع أسقطت طائرة الاتصال 
زجاجتيْ ويسكي تلبية لنداء عاجل منا يوم أمس لقد وضعتا في كيس محشو بالقش 
فسقط أحدهما سليماً ووجدنا الزجاجة الثانية مكسورة لأنهم وضعوا معها في 
الكيس علبة سكاير من الصفيح ذات خمسين سيكارة. 

وكانت مرحلتنا الثانية نحو الجنوب مرحلة طويلة فوق (كه ورى) وهو ذراع 
طويلة قذفت بها عقدة جبال (دارى خيلا) نحو الغرب» ثم سرنا في أوعر وأجرد 
جزء من أرض جبلية لنبلغ (ناوه). وعاد الطقس إلى صفائه وروعته. ولم يكن 
بمستغرب أن تخطثنا الطائرة في هذه المتاهات من التضاريس الأرضية العجيبة وإن 
كان رتلنا طويلا. 

بعد تركنا (ناوه) بقليل انحرفنا عن قصدنا لزيارة شخصية هامة» وهو (سليمان 
خان) كويخه روغزادى الذي كان قد استوطن إيران وأثرى» في المراعي التي 


(1) وهذا مثل جيد لذكر كل من اسم الأب والجد للتأكد من عدم حصول أي خطأ في هوية المسمى. 


205 


تخص قبيلته وبعد سنوات غضبت عليه السلطات فعاد إلى حياة البداوة. سبق لي 
أن ذكرت أن مدنية إيران القديمة في أقاليم الحدود تبدو برة معنا لمن ليزي 
فتؤثر فيهم ويظهر سلطانها في أسلوب الحياة اليومية وعالم الأدب والهندسة 
المعمارية» وتصقل من النفوسء وكل هذا حرم منه أولئك الذين خضعوا 
للمؤثرات العثمانية لا غير. و(سليمان خان) خير نموذج لهذا. كانت خيمته مفروشة 
بأجمل السجاد والرياش والفرش المكسو بالحرير. 

وفي أحد أركانها (سماور) جميل يتصاعد منه البخارء وأكواب الشاي ذات 
شكل غير مألوف ومن نوع ممتاز جداً ملبسة بأطر فضية مخرمة؛ من أجمل ما 
أخرجه صاغة أصفهان. 

وكانت تلك الليلة نهاية جولتنا في مضارب (شاترى)» بالقرب من (هومه 
رمل) التي تبعد زهاء عشرة أميال عن كفري» ووجدت التقويم يشير إلى 22 كانون 
الأول لكن شمس أمس وقبله كانت دافئة» وقد محت من ذاكرتنا متاعبنا السابقة. 
وهنا ألقيت على الشرطة خطبة قصيرة حول الغرض من جولتنا والنتائج التي 
حققناها وكانوا يتمتعون بروح عالية ونشاط جم ونظموا أبدع مهرجان هزلي. حتى 
إن الموقوفين الذين جلبناهم معناء وأفسحنا لهم موضع الصدازة في الصف 
الأمامي نسوا حرياتهم المقيدة في سرورهم بما يشاهدون. ولم يعد يهمهم تدبيرنا 
في إجبارهم على دفع الضرائب التي كنا شبه متأكدين بأنهم جمعوها من أفراد 
قبائلهم وكانوا يأملون أن يحتفظوا بها. 

وفي كفري علمت أن يوم عيد الميلاد هو اليوم الذي تقرر فيه قصف (الشيخ 
محمود) من الجو. فأسرعت عائداً من كركوك بالسيارة» كانت العملية سرية جداً 
وقرر أن تقلع الطائرات من أربيل لا من كركوك وللمرة الثانية عصف القلق بأنفسنا. 
وخسرنا طائرتين. الأولى اضطرت إلى الهبوط في ضواحي السليمانية قرب (سه 


206 


رجنار) وهبط السر جون سالموند نفسه (بمعية قائد السرب جون ويليامز)”!» 
أخرى لمساعدة (راوث). وسقطت الثانية في مضيق طاسلوجه من ناحية السليمانية 
وهنا أيضاً أمكن التقاط الطيار واستنقاذ الطائرة. واضطرت طائرة أو ائنتان إلى 
العودة قبل وصولهما الهدف لخلل طرأ على محركيهما. أخيراً لم تفلح الطائرات 
في إلقاء أكثر من نصف حمولتها. على أن (كنكيد) استطاع أن يصيب باب دار 
(الشيخ محمؤد) الخارجي إصابة مباشرة. وقصدت آمر العملية الجوية عند عودته 
وسلمته منشورات جديدة لإلقائها على الشيخ محمود بجعله مسؤولاً عن حماية 
الطائرتين حتى يتسنى انتشالهما. وقد حقق طلبنا حالاً بالنسبة إلى الطائرة الأولى إلا 
أن الثانية دمرها (كريمي فتاح) اله ماوه ندي قبل وصول الطلب. 

وفي تلك الليلة» نظم ضابط السلك السياسي وطيارو القوة الجوية حفلة عشاء 
مختلطة بمناسبة عيد الميلاد وبالثياب التنكرية في مطعم المطار ودامت الحفلة 
حتى الثالثة صباحاً. وكاد يقع حادث مؤسف عندما قام أحد المحتفلين وقد 
استخفته النشوة والطرب بوضع لهب عود ثقاب في ثنايا لحية تنكر من القطن 
والصوف لأحدهم فاشتعلت بسرعة إلا أن الأيادي الجريئة سارعت بإخماد اللهب 
وخرج ذو اللحية بما لا يزيد عن احتراق شعر هدبيه وحاجبيه. لقد قدمنا الحفلة 
نحن الضباط السياسيين متهيئين للنوم حيث نتناول العشاء» وبعد فطور جيد صباح 
يوم العيد (ة2 ههنده8 من البيض النيء بحيث أظهرنا ميلاً ناجحاً بعدم تأثرنا 
بالشراهة التي بدت منا ليلة أمس في التهام الديك الرومي وفطير الأجاص. 

كانت أشهر كانون الثاني وشباط وآذار من العام 1924 خالية من الأحداث وأن 
غارة يوم عيد الميلاد الجوية على (الشيخ محمود) إن لم تحقق فق شيئاً فقد أجهضت 
(1) آمر السرب جونز وليامز وأصدقاؤه يسمونه (جون ويلي) كان من أبرز الطيارين في تلك الأيام. قتل 

في العام 1930 حين اصطدمت طيارته بجبال (أطلس) قرب تونس ليلآ» وهو في محاولة كسر رقم 


السرعة العالمي في المسافات الطويلة. 


5307 


دعايته القائلة إن الحكومة تكاد تصل إلى اتفاق معه. لذلك قرر بعض أنصاره من 
سراة المديئة كرضا بك وعبد الرحمن آغا أن يتخلوا عنه. وأعقب القصف مناورات 
جوية عديدة كلما شعرنا يأن ذكرى عملية القصف قد اعتورها بعض النسيان أو 
يظهر أن آثارها قد طمست من الأذهان. وتظهر يومياتي في تلك الفترة أني كنت 
دائم التنقل برأ وجواً في مختلف أنحاء اللواء والحزام الصحي وليس ما يستحق 
التسجيل عن هذه الفترة غير حادثتين. 


في إحدى الليالي من أواخر شباط أويت إلى فراشي في ساعة مبكرة 
واستغرقت في نومي لأستيقظ مجفلاً على دوي طلقة نارية تبعتها أخرى وأخرى ثم 
كثغرت وغدت صليات شديدة الوقع» وراح ظني لأول.وهلة أن قوة من أنصار 
الشيخ محمود تمكنوا من اقتحام المدينة تحت جنح الليل. وكان أول رد فعل 
عندي هو شعور الأسى لنجاحه في استباقي مرحلة واحدة» بينما كنت أمتدح 
نفسي لوصولي بنظام استخباراتي غاية الإتقان. ولكن ما لبث أن أفرخ روعي عندما 
ميزت في الضجة طقطقة الأوعية المعدنية وغير ذلك من أفانين القرع على الصفيح 
والنحاس وشخصت إلى السماء فرأيت ما لا يمكن أن تخطئه العين في السماء 
الصافية - رأيت البدر تزحف عليه حلقة صغيرة سوداء وها أن المدينة كلها تعالج 
الخسوف كما كان يعالجه أجدادهم في العصور الأولى بحمل التنين على ترك 
القمر الساطع الذي يحاول ابتلاعه. وقد أشاع السرور في نفسي نبأ وصلني بعد أيام 
قليلة مفاده أن الشيخ محمود في ليلة الخسوف تلك كان نائماً في داره التي تقع في 
ضواحي السليمانية الشمالية وفوجئ مثلي بإطلاق الرصاص فتوهم ما توهمته. 
وأمر أن يسرج أسرع خيله في الحال للهروب من طريق (كويؤه) قبل أن يعلم 
السبب. 


في ذلك الزمن كانت في الجو عاصفة من تلك العواصف التي تهب في قدح! 
بطلها ذلك الفضولي في البلاط الذي ذكرته سابقاً. فقد بدأت فجأة أتسلم رسائل 
ومذكرات مذيلة بعشرات التواقيع والأختام والتأشيرات محتجة على تعيين (جعفر 


508 


سلطان) رئيس (الهه وره مان) بمنصب قائمقام حلبجة. هذا الانفجار أسلمني إلى 
حيرة شديدة. فالتحسن الذي عقب عملية عيد الميلاد الجوية» وجولة الفرسان بين 
عشائر الجاف» والنجاح في إتمام إحصاء المواشي الذي عقب ذلك. كل ذلك 
سبب المصادقة على اقتراحاتي في أمور إعادة تنظيم الإدارة هناك» وكنت أهم 
بإرسال مجموعة من الموظفين وأعداداً من الشرطة (لأحمد بك) الذي ظل مع ما 
أظهره من خور - الشخص اللائق الوحيد لمنصب قائمقام حلبجة الخطير. وقد 
ظهر أن رجل الدين مثير المشاكل في (الهه ورامان) المدعو (ملا حسن) قد سافر 
إلى بغداد وظفر من صنوه وشبيهه في القصر بوثيقة كتبت على ورق البلاط 
الرسمي تشير إلى تعيينه (مفتياً) وتعيين (جعفر سلطان) قائمقاماً. وليس ثمة خطأ 
أكبر من هذاء فجعفر سلطان إيراني الجنسية وسكناه في إيران ومهما يكن فإن 
تعيين زعيم (هه ورمانى) لحكم منطقة يكاد أهلها يكونون من الجاف قاطبة» لا بد 
سيؤدي إلى إراقة الدماءء وقد ألغي هذا التعبين بطبيعة الحال حالما انكشف أمره. 


وفي منتصف آذار بينما كانت إحدى ثلاث طائرات تحلق فوق منطقة 
(شميران) على الضفة اليسرى من الزاب جنوب غرب حلبجة» وهي آنذاك جزء 
من ناحية (وارماوه) نفذت طلقة بندقية في مخزن بترولها واضطرت إلى الهبوط في 
وهدة قرب النهرء فقام (كتكيد) والضابط الطيار شرلوك عاعه 1رعطه الملقب بالقرد 
بهبوط رائع عند الضفة وجاؤوا بالضابط (ر. د. ويلان هداء»ط77 .8.2) مع طائرته 
سالمين. وكان مقرراً أن أسافر بإحدى هاته الطائرات الثلاث لكنى عوقت فى 
المطار لمقدم (هيرسن) في آخر لحظةء فقد أقبل جواً ليبحث معي السياسة العامة 
نيابة عن قائد القوة الجوية. 

وفي نهاية آذار بدا الوضع الكردي في منطقتي مستقراً إلى درجة يسمح لي 
بإخراج مشروعي المفضل إلى حيز التنفيذ» ألا وهو جولة نويتها بين عشائر 
(العبيد) والعشائر العربية الأخرى التي تقطن حوالى الطريق العام وفي جبل 
حمرين.. وقررت وزارة الداخلية انتهاز هذه الفرصة التي تمتاز بوجود قوة كبيرة من 


509 


الشرطة الحسنة التنظيم لغرض تسوية نزاع طويل الأمد بين قبيلتي (العبيد والعنرّة) 
والأخيرة من قبائل ديالى تسكن الجهة الأخرى من (حمرين). وتضيق صحائف 
الكتاب بوصف هذه الرحلة الطريفة جداً التي امتدت أسابيع ثلاثة. ولكني سأذكر 
منها ما حصل في (حاوي المايته) على نهر (العظيم) في منتصف المسافة ما بين 
حمرين ودجلة. في 30 آذار اعترتنا الدهشة عندما لمحنا الطائرة الخاصة بقائد القوة 
الجوية المميزة بلونها الأحمر وهي تحوم فوقناء ثم ما تلبث أن تهبط وتدرج على 
الأرض ويخرج منها (السر جون سالموند) وكان يقوم بجولة وداعية لسائر 
مؤسسات القوة الجوية قبل تسليم قيادته ولما أعلمه (كنكيد) بمكاننا أبى عليه 
حسن خلقه إلا أن ينحرف عن طريقه وينزل لتوديعنا. 


ولما عدنا إلى مقرنا طالعتنا أنباء السوء من حلبجة» كان رد فعل الشيخ 
محمود على إرسالنا الموظفين المدنيين والشرطة» إغارته على القضاءء وذححره 
كوكبة من الفرسان الجاف أخرجها (أحمد بك) لصده. وتقلص نفوذ كل ممثلي 
القليل من المعلومات عما يجري - وكان من المقرر أن أباشر في استعمال إجازتي 
يوم 26 نيسان (ففي العام 1924 أكون قد قضيت في البلاد ثلاثة فصول صيف 
متوالية) لكني مع هذا طرت إلى (حلبجة) في 21 نيسان لأتأكد بنفسي من حقيقة 
الوضع وكانت الرحلة الجوية التي دامت ساعة كاملة مفيدة جداً لفحص معلوماتي 
الجديدة التي جمعتها عن الأرض في جولاتي. هذه أولاً أراضي (الجبّاري) 
المتعادية تبدو أقل كآبة من مألوف عادتها بعد أن كساها الربيع ببساطٍ من الحشيش 
الغض. ثم (باسكى زنور) ثم (آج داغ) ومنابع (ثاوه سبي) وسهل (سه نككاو) 
وحدبة (زه رده وقه ره داغ) فمضيق (به يكولي) ودزياييش وسهل شهرزور الممرع 
المترامي الممتد إلى الجدار الجبار الذي ما زال كاسياً بقية ثلوج الشتاءء جدار هه 


ونان 
وقد اتفقنا أن يهبط (كنكيد) أولاً وتبقى الطائرتان الأخريان في الجوء فإذا 


5310 


وجدنا حلبجة في أيد صديقة يقة هبطنا. ا ا فد كان 
الوقت صوم رمضان ولا بد أن الأهالي يتمتعون الآن بقيلولة بعد سهر الليل 
الطويل. لكن ما مرت دقائق معدودات على وصولنا الأرض حتى بدأ الأهالي 
يتقاطرون زرافات إلى المهبط وبينهم وجوه وسراة يركبون الخيل» تتقدمهم (عادلة 
خان) متبرجة بما وضعته في وجهها من أصباغ مرتدية صداراً ربيعياً أحمر مرقشاً 
بالأخضر. فلما أيقنت أن الأمور على ما يرام أشرت للطائرتين بالهبوط وكان 
المطار صغيراً للغاية قائماً على قدمة منحدر ولم يكن الهبوط سهلا نظراً إلى تعيين 
الاتجاهات على هَذدْي قمم الجبال وأقبلت الطائرة الثانية في زاوية ميل حادة 
وتعلقت بها أنظارنا المرتقبة حتى شهدناها تصطدم لتقف على نهايتها وقفة عمودية 
في الهواء ثم تتقصف إلى نصفين بصوت مرعب فأسرعنا إليها متوقعين أن تندلع 
النار فيها حالاً. وكان الحظ حليفناء وأخرجنا من فيهاء سالمين إلا من خدش 
أصاب شرلوك (القرد) وكتفا جريحة لميكاني» أما الضابط الطيار آيرى انه ..آ. 
فقد هبط من الطائرة الثالثة في الجهة القصوى من المطار. كان النظام يسود الجميع 
بشكل يدعو إلى الاستغراب» وقد اصطفوا جميعاً على مبعدة من المدرج وبعد أن 
عولجت كتف الميكاني ووضعت في حمالة رقبة توجهنا إلى دار السيدة عادلة 
وهذه أول مرة يرى الأهالي ضباطاً بريطانيين منذ تسعة عشر شهراً بعد تلك النكبة 
- واجتزنا بعض الأزقة وعبرنا السوق وفيه قوبلنا بكل مظاهر الترحاب والتكريم 
والبهجة. ورأينا الرجال دون استثناء يقفون ويرفعون أيديهم بالسلام في حين 
أطلقت النسوة من فوق السطوح زغاريدهن العالية وهي من مظاهر الأعياد 
والحفلات - وفي بيت (عادلة خان) لم تحاول الصبايا بمناديلهن الشفافة البيضاء 
المضفورة فوق عمائمهن وأكتافهن أن يبذلن أي مجهود لإخفاء أنفسهن عنا لما 
رحنا نجتاز (الطارمة) في طريقنا إلى غرفة الطعام. وسرني أن أجد كل الوعود التي 
قطعتها لرفاقي عن الأطعمة النفيسة العديدة التي سيتناولونها من مطبخ (السيدة) 
المشهور وقد تحققت بالحرف الواحد وبأبدع ما يمكن وتأكد لي أن الموقف 
السياسي هو كما يلي: منذ هزيمة (أحمد بك) أمام له شكر (محمود) قبل 


511 


أسبوعين وهو باق في حلبجة مع كل الموظفين والشرطة الذين أرسلوا إليه في 
آذار. وإن أغلبية قرى ال(نورولى) المحيطة بحلبجة كالسوار من حوالى ثلاث 
جهات تؤلف ستار استحكام طبيعي للبلدة. ولم يتوقف العدو عن استغلال نجاحه 
إلا لنفاد ذخيرته» ثم بوصول (جعفر سلطان) مع عدد كبير من أولاده الكثيرين 
وأقربائه وأتباعه المسلحين استجابة لنداء (السيدة) العاجل. إن الخوف من حصول . 
مشاكل قبلية مع (هه ورامان لهون) كان وما يزال رادعاً قوياً لمن تسول له نفسه 
العدوان. وقد كان (سلطان) في انتظار مأدبة الغداء وأكد لي أنه لا يعرف شيئاً عن 
دسية (ملا حسن) المضحكة إذ لم يخطر بباله قط منازعة ورثة (عثمان باشا) 
مركزهم المتوارث في شهرزور. وهو مستعد الآن للبقاء في حلبجة والدفاع عن 
حق السيدة» طالما رغبت الحكومة. وبهذا نجت البلدة الآن على أن جيش 
(محمود) كان يحتل (خورمال ووارماوه) شمال (به رانان) وقد انهارت الإدارة 
هناك. وكانت عادلة خان (بعد أن شجعتها زيارتنا ودعمها جعفر سلطان) تعتقد أنها 
قادرة على إبقاء الأمور كما كانت لمدة شهر أو نحوه إلا أنها كانت ترجو ألا تتأخر 
الحكومة كثيراً في حسم الموضوع وإنهاء الحالة التي لا تطاق. وفي رحلة العودة 
زاد المقعد الخلفي لكل من الطائرتين رجلاً واحداً وهو لا يتسع إلا لشخص واحد 
وتضايقنا أنا و(شرلوك) فكلانا بدين وهذا ما جعل طائرة (كنكيد) مثقلة الذيل 
بصورة مزعجة له. وكان الجو كالعادة عاصفاًء مليئاً بالجيوب الهوائية وزادت 
المطبات الهوائية المستمرة من ضيقنا. ولما رحت أذكر مشاعر القلق التي كانت 
تنتابني وأنا فوق السراي أرقب عودة الطائرات المغيرة لم يسعني إلا أن أتساءل في 
سري ونحن نقترب من كركوكء ماذا سيكون شعور أصدقائنا في الأرض عندما 
يشاهدون طائرتين فقط؟ وشاع في نفسي إحساس غريب بالراحة لمعرفتي بحقيقة 
لا يشاطرني فيها غير خمسة. 


ومع أن المشاكل الخاصة بالجاف وحلبجة تكاد تحتكرني. كان يوجد مشكلتان 
أخريان على درجة كبيرة من الأهمية» ذات صبغة عامة أعمق أثراً. 


512 


في 12 آذار تم الانتخاب في موعده المقرر. والقانون ينص على حق الانتخاب 
لكل الذكور البالغين المسجلين» وهؤلاء كناخبين أوليين» ينتخبون المنتخبين 
الثانويين الذين يقترعون فعلاً على النواب وهذا نظام حسن جداً في بلاد فقيرة في 
وسائل المواصلات» وتسود فيها الأمية وقد خصص عدد من النواب لكل لواء 
على أساس عدد سكانه المقدر تقديراً. ولم تكن الأحزاب والمناهج السياسية 
معروفة وكان معظم المنتخبين الثانويين ومن بينهم ممثلو القبائل يراجعون السلطات 
الإدارية لإرشادهم إلى كيفية ممارستهم هذا الجق الجديد”". وكانت النتيجة أن كلا 
من كركوك والسليمانية أرسلا مجموعتين طيبتين جداً من النواب ومن ضمنهم 
(صالح بك نفطجي زاده) وهو وجيه كركوكي و(جميل بك بابان) من سراة كفري 
(وشيخ حبيب الطالباني) و(دارا داووده) وكلاهما من كيار الشيوخ القبليين 
و(اسحق أفرايم) وهو يهودي و(شيخ قادر أخ شيخ محمود) من شيوخ البرزنجة 
و(أحمد بكى توفيق بك) وهو من سراة السليمانية ذو صلة قربى يشدر و(عزت 
بك) ابن السيدة عادلة» و(ميرزا فرج) وهو من كبار التجار. ولم يمارس أي ضغط 
على المنتخبين القانونيين. إلا أنها ثبتت سابقة في السنوات التالية وراحت تزداد 
سخفاً وحقارة حتى أصبح الانتخاب لا أكثر من مجرد تعيين حكومي مفضوح لا 
يستوجب الخجل. وإن أي فشل في ضمان نتيجة التعيين هذه والتأكد من عدم 
حصول مفاجأة مرهون بما يساوي مركز المتصرف من قيمة آنذاك. 


وفى أواسط آذار بوغتنا بتبأ اتخاذ المجلس الوطنى الكبير التركى قانوناً بإلغاء 
الخلافة في (3 آذار) ولم نصدق. كانت دعاية الترك التي أبقت كردستان في غليان 
البركان الثائرء قد اعتمدت أساساً على احترام الكرد إمام دينهم ولا شك أن الترك 
قد أوقعوا أنفسهم في ورطة بهذا القرار الذي بدا يفوق أقصى آمالنا ولم نتأخر طبعاً 
(1) عبارة مهذبة استخدمها المؤلف لتغطية عملية الاستشارة أي إلقاء أسماء النواب الذين يفضلون على 
غيرهم في أذان المنتخبين الثانويين لانتخابهم وهي عادة جرت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة 
فيما بعد. كما يظهر من عبارة المؤلف التالية. (المترجم). 


513 


عن استغلال هذا الوضع الجديدء لكن دخول هذه الحقيقة إلى العقول الجامدة 
لأغلبية السكان الذين هم من الفلاحين» اقتضى وقتاأ غير قصير»ء ولم تقبر مكانة 
برها الزن يوضقها حإضرة الخلامة سهولة: 

وعندما مررت ببغداد وأنا في طريقي إلى بلادي وجدت جواً عاماً من الكابة 
يخيم على النفوس. فالمناقشات البرلمانية حول المعاهدة تسير سيراً سيئاً وكثير من 
الساسة المحامين الكبار من ذوي النفوذء منشغلون في بناء جماهيرية لأنفسهمء 
وانفجرت مظاهرة صاخبة أمام المجلس التأسيسي وأطلق الرصاص على نائب من 
قبائل الفرات كان يصرح بأنه سيصوت في صالح المعاهدة وأصيب بعطل مستديم. 
وجرت محاولات ممائلة أخرى ضد غيره. والدوائر البريطانية كانت ترى في نجاح 
الشغب والتظاهر ضربة لمكانة (الملك) الذي كان ينتهج سياسة منسجمة مع 
المعاهدة. ولم يكن الموقف مفتقراً إلى من يهمس بأن (جلالته) يحسب حساب 
تعديل بعض بنودها في المستقبل ولذلك فليس هو ببعيد عن عوامل الغليان كما 
يعتقد. ومن المسؤولين البريطانيين الكبار عن السياسة التي جاءت (بفيصل) إلى 
العراق» كان (كورنوالس) يحمل هماً ثقيلاً لم يلاحظ فيه من قبل. والآنسة 
(غرترود بل) كانت تشكو مرضاً حقيقياً بهالتين سوداوين تحيطان عينيها في حين 
وجدت (السر هنري دوبس) خلي البال منشرح النفس رغم أن كل الفشل الذي 
سيصيب سياسة الحكومة البريطانية غامضة في مكياجه الإيرلندي وكان في حديثه 
معي يتساءل بلهجة لا تخلو من فرح خبيث عفدعمعفدته؟ الع سي الي 
إذا ما رفضت المعاهدة وقررت الحكومة البريطانية العمل؟ أإلى الملك؟ أم إلى 
جنرال تركي؟ وأكثر ما جلب انتباهي أن الكل كان يضع أمله في أصوات سبعة 
عشر مندوباً عن الألوية التي تسكنها أغلبية كردية للتصويت على إقرار المعاهدة. 
وهم نواب ألوية السليمانية وأربيل وكركوك - لضمان الأغلبية المنشودة في 
العقو ا 00 


(1) تم اختيار هؤلاء النواب بعناية دقيقة من قبل المؤلف كما بين هو في الصحائف السابقة لضمان هذه 
النتيجة. (المترجم). 


214 


الباب الرابع 


215 


- 26 - 
لجنة الموصل (1) 


يذكر القارئ أن معاهدة لوزان التي وقعت في 24 تموز 1923 تضمنت إعطاء 
الفرقاء الموقعين مهلة تسعة أشهر ليحلوا فيما بينهم النزاع حول الموصل بالطرق 
الودية. وقد شرع رسمياً بالمفاوضات الثنائية لهذا الغرض في 5 تشرين الأول. 
بمذكرة بريطانية إلى الحكومة التركية. ثم اتفق أن تبدأ الأشهر التسعة من هذا 
التأريخ» إلا أن المباحثات الفعلية لم تبدأ إلا في 19 أيار 1924 لأسباب مختلفة» 
فوصل وفد بريطاني إلى استنبول برئاسة (السر برسي كوكس) وعضوية النقيب 
(ر.ف. جاردين :هنل:ة3 .8.5) معاون المفتش الإداري للواء الموصل الذي ظل 
يمارس وظيفته هذه منذ العام 9ه وقد أعد دراسة خاصة جغرافية وبشرية 
بسكان منطقة الحدود. 


كانت السلطات البريطانية في هذه الفترة مشغولة بالمشكلة الخطيرة مشكلة 
مستقبل النساطرة المسيحيين الذين يعرفون بالأثوريين سكنة جبال حكارى. وهذا 
الإقليم هو ولاية تقع شمال ولاية الموصل. في ربيع العام 1916» انتقض هؤلاء 
المحاربون الجبليون الأشداء على الحكم التركي بإغراء من قائد الجيش الروسي 
المهاجم إلا أن تراجع قطعاته التالي أدى إلى بقائهم في الميدان وحدهم معرضين 
إلى نقمة وتأديب حكومتهم الشرعية» فلم يجدوا بدأ من الجلاء هم وعائلاتهم إلى 
إيران والسلاح في أيديهم يقاتلون قتال الانسحاب وضلوا يحاريون بأمرة القيادة 
الروسية» إلى أن انحل الجيش الروسي الإمبراطوري» ففقدوا نصيرهم الوحيد 


517 


وعُدموا قوت الحياة. وقد تم إخلاء (35) ألفاً منهم (معظمهم من حكارى وبضع 
مئات من منطقة العمادية على الطرف الأقصى الشمالي من حدود ولاية الموصل» 
وبضعة ألوف من الرعايا الإيرانيين سكان قرى سهل أورمية) بحماية القوات 
البريطانية التي ما زالت في غرب إيران. وأودعوا معسكر لاجئين كبيراً في بعقوبة 
التي تبعد عن شمال بغداد بثلاثين ميلاً. وفي غضون أربع سنوات (1919 - 1923) 
تم إسكان معظم من يحمل الرعوية التركية ومن بينهم 7000 - 8000 نفس استقروا 
فعلاً في جنوب (حكارى) على الحدود حيث لم يكن يوجد أثر ما للسلطة التركية. 
وأسكن آخرون الجانب العراقي من الحدودء وجند عدد كبير من الرجال في 
الليفي العراقي تحت أمرة ضباط بريطانيين. 


وعندما اجتمع الفريقان لبحث موضوع النزاع؛ حدد الممثل التركي طلب 
حكومته في استعادة كل ولاية الموصل وأدلى (السر برسي كوكس) بمطلبه خط 
حدود يبتعد كثيراً عن حدود الولاية إلى الشمال مما يترك في العراق كل موطن 
الأثوريين القديم - فضلاً عن الجزء الذي عادوا إليه» وهذا يفوق بلا جدال أي 
اقتراح عرض في (لوزان) ولم يتزحزح أي فريق إنشاً واحداً عن موقفه. وفي 5 
حزيران انفض المؤتمر بلا نتيجة. وفي 6 آب أي بعد مرور شهر واحد على نهاية 
المهلة المقررة في المعاهدة رفعت الحكومة البريطانية موضوع النزاع إلى عصبة 
الأمم. 


وفي الوقت نفسه ونظراً إلى الوضع العصيب الذي خلفته سياسة الشيخ محمود 
النشطة في دخوله المناطق المحظورة عليه؛ عاد المندوب السامي يعتنق فكرة 
احتلال السليمانية بقوات من المشاة. وتم ذلك في أواسط تموز بسوق رتل من 
الجيش العراقي تدعمه قوات من الشرطة ووحدة من الليقي الأثوريين وتعززه القوة 
الجوية البريطانية وأنيط ب(جايمان) الإشراف على الإدارة مخولاً صلاحيات 
المتصرف ومرتبطاً بأوامر الحكومة العراقية على أن يكون لفترة من الوقت متصلاً 
بالمندوب السامي ومتسلماً الأوامر منه. 


515 


وفي مفتتح شهر آب قرر الترك أن يحكموا قبضتهم على حكارى الجنوبية 
وكانوا في مناسبات عديدة قد احتجوا أمام العصبة على عملياتنا الجوية المختلفة» 
وتحركاتنا العسكرية إلى رواندوز والسليمانية إلا أنهم أصيبوا بنكسة. فالأثوريون 
الذين عادوا مؤخراً إلى الاستقرار على جانبي الطريق الذي يوصل (جولاميرك - 
جووله مرك) بمركز ناحية (جال) ألقوا القبض على والي حكارى أثناء سفره في 
جولة تفقدية لهذا المركز الإداري الصغير. على أننا اتخذنا تدابير عاجلة لإطلاق 
سراحه. إلا أن الترك قابلوا هذا العمل بتحشيد قوة عسكرية في (جزيرة ابن عمر) 
وعبروا نهر الهيزل. ودخلوا الأراضي العراقية وواصلوا زحفهم رغم تعرض القوة 
الجوية البريطانية» إلى ولاية الموصل عدة أيام قبل أن يعودوا أدراجهم متجهين 
إلى منطقة (جال) وهناك قاموا بطرد ثمانية آلاف آثوري وجدوا أنفسهم مرة أخرى 
لاجئين إلى العراق. 


نظرت العصبة في خريف تلك السنة التزاع المعروض» مع كل الاحتجاجات 
التي قدمها الطرفان بخصوص النشاط العسكري الذي قام به فريق ضد فريق» وفي 
(30) أيلول أصدر مجلس العصبة قرارا جاء فيه: (إن الفريقين كانا قد تعهدا مسبقا 
بقبول أي قرار يصدره المجلس في المسالة المعروضة عليه». وأن يمتنعا في الوقت 
نفسه عن القيام بأي عمل عسكري يرمي إلى إحداث تغيير في الوضع الراهن) كما 
قررت أيضاً تعيين لجنة خاصة لدراسة المسألة موقعياً وتقديم توصيات لمساعدة 
مجلس العصبة على التوصل إلى حل. إن التعهدات المتعلقة بالأعمال العسكرية قد 
بعثت المشاكل المألوفة وأئارت خلافاً جديداً حول أي (وضع راهن) ينبغي 
المحافظة عليه. هل هو وضع 24 تموز 1923 (كما طلبت بريطانيا العظمى) أم 
وضع 30 أيلول 1924 (كما طلبت تركيا)؟ ثم هل أن قيام أحد الفريقين بإعادة 
احتلال رواندوز والسليمانية» وقيام جنود الفريق الآخر باحتلال حكارى» ينطويان 
على تغيير أي منهما ليس في مصلحة الفريق الآخر؟ أم أنه عمل بوليسي داخلي؟ 
وجرى اجتماع فوق العادة لمجلس العصبة في (بروكسل) للبحث في الاحتجاجات 


5319 


المستجدة. وبالأخير وافقت الحكومتان في 29 تشرين الأول على سحب قواتهما 
إلى جانبي الخط الذي اقترحه الوسيط البلجيكي مسيو برانتينك وهنهةء8 وهذا 
الخط يمتد على مجاري الأنهار بدلاً من قمم الجبال وهو في الحقيقة يطابق تقريباً 
حدود الولاية القديمة ما بين الموصل وحكارىء وبهذا القرار مُهد الطريق للجنة 
التحقيق لتبدأ عملها. 

وشهدت بغداد أيضاً صيفاً عصيباً مليئاً بالزوابع» فالمناقشات في المجلس 
التأسيسي حول المعاهدة امتدت حتى أيار»ء وفي هذا الجو الذي كهربته 
الاجتماعات السرية والمظاهرات الصاخبة التي كشفت عن عداء شديد؛ أعلنت 
الحكومة البريطانية أن عدم المصادقة على المعاهدة في موعد نهايته 10 حزيران 
سيحملها على اتخاذ خطوات أخرى لتطبيق القرارات المتعلقة بالعراق التي اتخذتها 
الهيئة العامة لعصبة الأمم. وفي اللحظة الأخيرة امتنع (69) عضواً من أصل (100) 
من أعضاء المجلس التأسيسي عن حضور آخر جلسة وقبل بضع دقائق من انتهاء 
الأجل المضروب أي في منتصف الليل صودق على المعاهدة بأغلبية (39) صوتاً 
ضد (24) وامتناع (8) عن التصويت ولم يستجب نواب ألوية السليمانية وكركوك 
وأربيل ونواب أقضية الموصل الكردية لكل عوامل التهديد والإرهاب وكانوا أكثرية 
نصف أغلبية الأصوات التسعة والثلاثين التي أقرت المعاهدة. على أن هذا الإقرار 
تضمن تحفظاً وهو أنه سيكون باطلاً إن لم تقم الحكومة البريطانية بحماية حقوق 
العراق في جميع ولاية الموصل. ثم سن المجلس التأسيسي القانون الأساسي 
(الدستور) وقانون الانتخابات وحُل بعد إنجازه ذلك وتمت المصادقة على 
المعاهدة بالطرق المألوفة فوقعها الملك جورج في 10 تشرين الثاني ووقعها الملك 
فيصل في 12 كانون الأول سنة 1924. 


وفي أثناء غيابي عن كركوك وقعت حادثة مؤسفة» ففي 4 أيار وعلى إثر 
منازعة فردية في السوق حول ثمن حاجة بسيطة بين بائع واثنين أو ثلاثة مع الليفي 
الأثوري (استبدل بالسيخ في الخريف الماضي) ثارت ثائرة سريتين وتمردتا على 


5220 


الأمر واستخدمتا مدافعهما الرشاشة» فقتلت خمسين من أهالي كركوك وجرحت 
عدداً أكثر من هذا حتى سيطر عليهما ضباطهما البريطانيؤن» وقامت عناصر من 
الأهالي المسلحين الهائجين برد الكيل في اليوم التالي فهاجمت حي المسيحيين 
الكلدان القديم ونهبت بيوتهم وقتلت عدداً منهمء ومن سوء الحظ أن اللجنة التي 
شكلت التحقيق إثر ذلك لم تتمكن من حصر مسؤولية القتل في أي فرد من الليي 
بالذات. وظلت الحكومة العراقية والرأي اعام على حد سواء مقتنعين بأن السلطات 
البريطانية تحمي المجرمين الأثوريين. وتم في الحال نقل الفوج الأول من مشاة 
إينسكيلينغ #مئلاناءنه1 الملكي جوأ من بغداد لمواجهة الموقف المتأزم. ويذكر أن 
(السيخ) كانوا قد نقلوا جواً من كفري إلى كركوك في كانون الثاني 1923. إلا أن 
فوج (إينسكيلينغ) سيبقى يفخر بأنه أول فوج نقل جنوده جواً في تأريخ الحروب» 
وأنزلوا في ميدان الأحداث مباشرة مستعدين حالاً للدخول في المعركة. 


كانت عودتي إلى العراق بعد الإجازة من طريق ذهابي وهو خط السيارات 
البريدي عبر الصحراء من بيروت إلى الرمادي ماراً بدمشق. وصلت بغداد في 15 
تشرين الثاني ووجدت في مخفر الكمارك رسالة من (الليدي دوبس) تدعوني 
للإقامة في دار المندوب السامي وكان (السر يرسي لورين) الوزير البريطاني في 
إيران وزوجه من ضيوف الدار. كان قد سافر إلى جنوب إيران لبذل محاولات في 
إقرار نوع العلاقات بين (رضا خان) رئيس الوزراء الإيراني الذي نصب نفسه 
(شاهاً) بعد شهرء وبين شيخ المحمرة الزعيم العربي شبه المستقل الذي توجد 
مصافي نفط الشركة الأنكلو- إيرانية (عبادان) ضمن منطقة نفوذه. فضلاً عن أميال 
وأميال من أنابيب النفط. وبعد ذلك جاء الوزير إلى بغداد لبحث علاقات الحدود 
وغيرها من المشاكل المعلقة بين البلدين مما يمكن أن تقوم مساعي بريطانيا 
الحميدة بتسويته. وبعد أسبوع رائع في ضيافة (دوبس) الكريمة. عدت إلى كركوك 
بعد أن غبت عنها سبعة أشهر. وكان القطار قد وصل (طوز خورماتو) وامتداد 
الخط الحديدي بإشراف المهندس الحاذق (أليك هولت) قد بلغ مشارف كركوك. 


221 


على أني فضلت إكمال السفرة بسيارتي التي كانت تنتظرني في محطة (قه رغان) 
على حدود لوائي. وقطعت رحلة شبنعاء مزعجة فوق طريق رملي غير مزفت 
ووسط عاصفة رملية هوجاء عقبتها ريح نكباء كادت تخنقنا بما تحثو علينا من 
غبار. ولم يزد مدى الرؤية عن خمس ياردات وكلما أبطأنا السير زاد سمك سحابة 
الغبار التي تحيط بنا. ولم تكن الأمطار قد بدأت بعد. ورحنا نقطع أميالاً إثر أميال 
من سهل أربد لا لون فيه مهما قلّ لترتاح العين به. إن التناقض الكبير بين الريف 
الإنكليزي الباسم الذي خلفته؛ كان عظيماً جداً ولذلك شعرت بكآبة غير قليلة. 

وسرعان ما سرى عن نفسي بالاستقبال الحار الذي كان بانتظاري على 
الطريق» ولقد ظلت مراسيم الاستقبال التقليدية سائدة في الألوية الشمالية بعد أن 
خرجت عن الموضة الشائعة في الجنوب الأكثر واقعية. وتحدى موظفو كفري 
وطوز وطاووق العاصفة الرملية لمقابلتي كل في حدود قضائه. وفي (تازه) التي 
تبعد 12 ميلاً عن كركوك وجدت (مجيد اليعقوبي) الذي خلف (فتاح باشا) العجوز 
في منصب المتصرف على رأس مجموعة من الموظفين والأهالي عراقيين 
وبريطانيين. 

كان السرب الثلاثون برمته في كركوك وهو الآن تحت أمرة روب #000 (هو 
الآن مارشال الجو الأكبر السير جيمس روب) وكنت قد عرفته وطرت معه عندما 
نقل في عمليات تعزيزات خاصة للطيران المتواصل هنا. إلا أن صلاتنا الآن 
اشتدت وزادت عمقاً وانعطافاً وربطتنا علاقات الاحترام والتفاهم المتبادل مثلما 
كانت تربطني (بكنكيد). وبذلك زاد الائتلاف بين القوة الجوية وهيئة الضباط 
السياسيين وقويت أواصره. 

وعاد (جابمان) يتلقى الأوامر مني الآن. وكان منذ تعيينه متصرّفاً في السليمانية 
مرتبطاً بالمندوب السامي رأساً. ولم أضيع لحظة واحدة في السفر إليه جواً لتفقد 
الأمور بنفسي. وكان يتملكني في أول ست وثلاثين ساعة من عودتي شعور غريب 
في أن كل ما حولي ذو مظهر خادع غير حقيقي. لكني شعرت وكأني لم أغادر 


522 


المنطقة أبداًء عندما وجدت نفسي في صباح اليوم التالي أحلّق في جو كركوك 
منتظراً إقلاع خمس طائرات أخرى» ثم أصعد في طبقات الجو العليا متجهاً نحو 
الشمال فوق سهل جمجمال وتلهاء ثم فوق قره داغ ومضيق بازيان عن اليسار» 
وفتحة (باسه را) القائمة عن اليمين» ثم فوق معسكر الليقي الآثوري في (تينال) 
ومعسكر الجيش العراقي فوق قمة طاسالوجه؛, ثم تلوح (سرجنار) أخيراً! كان 
(السر هنري دوبس) قد قضى يومين في السليمانية قبل أسبوع واقتنع بضرورة القيام 
بعمل جوي ضد الشيخ محمود الذي كان يتربص بنا في (سيته ك) مما يلي (ئه 
زمر) في (شاربازير). وكانت هذه هي مهمة طائراتنا الست. إن المنظر المهيب جداً 
لوادي (قه لاجوالان) كان أجمل من الجو وأشد وقعاً على النفس. وتمكنت في 
الضوء الصافي البلوري أن أعين وأسمي كثيراً أدق معالم وإشارات الأرض ظلت 
عالقة في ذهني من زورات العام 1919. وكان القصف في (سيته ك) جيداً وألقيت 
القنابل ذات الانفجار العالي وأشفعت بقنابل محرقة ليتبعها بعد لحظات قليلة» نار 
واسعة متأججة ثم دخان كثيف» وبعد انتهاء القصف هبطنا في السليمانية. لقد أعيد 
احتلال المدينة ونصب مديرو نواح محصنون ضد الرصاص من كنايات مختلفة 
متفاوتة. منهم (سليمان خان روغزادى - تانجه رو) وذلك للإشراف على نواحي 
وادي السليمانية. وتم خلق واجهة إدارية كاملة» ومع هذا كان الوضع السياسي كما 
بسطه (جايمان) أقل مدعاة للارتياح مما كان في الربيع وأخذت فصائل الشيخ 
محمود تنجم من قواعدها شاربازير وبنجوين ولا تتورع من بلوغ مشارف 
السليمانية وسمعة الإدارة في حلبجة قد هوت إلى الحضيض بسبب الخصومات 
الداخلية بين البكزادة أنفسهم. وكان (شيخ ثاوول) في قره داغ يعمل عملاً سافراًء 
ما شككت فيه قط قبيل رحيلي ويواصل ابتزاز المال من القوافل والمسافرين غير 
متكرث وعاد الجاف إلى مراعيهم الصيفية وراء الحدود وقد اتخذوا طابع التحدي 
المكشوف يعمليات السلب والنهب على طول خط رحلتهم الشتوية العريض» 
وأضاب الجيش العراقي نجاحاً طيباً في بعض اشتباكاته مع الفئات المعادية» 


5323 


وقامت القوة الجوية البريطانية بكئير من العمليات (زودت مؤخراً بمقاتلات ذات 
مقعد واحد من طراز (سنايب) لضمان استمرارية العمل). 


وهكذا قضيت أول شهرين بعد عودتي في أعمال روتيئية مألوفة» وغبت عن 
كركوك نصف هذه الليالي الستين. وكان اغلب طيراني مع (روب) وأحياناً مع 
(آيري) إما زائر السليمانية وحلبجة» أو مرافقاً غارات حقيقية أو طيران استطلاع. 
وكثيراً ما كنت أضطر إلى البقاء في كفري وهي أقرب قاعدة لأخطر أعمال شقاوة 
الجاف في (كُلٌ وبيواز ووارماوا) وكنت هناك متحرراً من أعمال الروتين التي 
تتكدس فوق مكتبي في مقري وتمكنت بمشاركة ضباط سرية مصفحات القوة 
الجوية في معسكرها (كنكربان) من تنظيم حفلات صيد رائعة في بساتين القرى 
المجاورة التي يوجد فيها أو فيما حولها عدد غير قليل من القطا عع0موط» فضلا 
عن الدرّاج الأسودء والشنقب عءم70000. 


هنالك حادثة واحدة تستحق الذكر في هذه الفترة» وهي زيارة الملك فيصل 
الأولى كركوك منذ قدومه البلاد. فقد كان يقوم بجولة واسعة في الألوية الشمالية 
ليؤلف القلوب من حوله قبل وصول لجنة العصبة. وفي 19 كانون الثاني وهو اليوم 
الأسبق لوصوله سقط ما يدعوه الكرد (يه له) وهو أول مطر غزير مستمر شتوي من 
شأنه أن يشبع التربة بالماء إلى عمق لا يقل عن أربعة أنشات. وفي أقطار الشرق 
الأوسط حيث ترسيب الماء في التربة محدود» يعتبر سقوط المطر الغزير قُبيل 
مقدم شخصية كبيرة فألا حسناً وزيارة ميمونة ويرفع من قدر الزائر. وفي هذه 
المناسبة كانت ال(يه له) قد تأخرت عن موعدها المألوف شهرين كاملين وكان 
القلق الشديد يسود الناس. ولذلك لم يكن ثمة ساعة أفضل يختارها الملك 
للزيارة» من هذه الساعة. 

ويظهر أن (موظف الأنواء الجوية) كان قد قرر أن لا يعمل الأشياء أنصافاً 
أنصافاً. ففي صباح العشرين انطلقت بسيارتي مع (ميللر) وعدد من الموظفين 
الآخرين لاستقبال الملك في (آلتون كوبري) وهي حدود اللواء. وفي قرية (ياروه 


524 


لى) التي تبعد أربعة أميال عن كركوك» وفي نقطة عبور نهر (خاسه) وجدنا النهر 
فائضاً مزبداً يندفع هادراً بتيار سريع لونه لون الشوكولاته. وحاول سائقي (خليل) 
تهوراً منه وطيشاًء أن يخوض الماء بالسيارة من الموضع المألوف فغاصت في 
الطين حتى المحور وطفى الماء عليها حتى بلغ مستوى غطاء المحرك الأمامي 
وأطفأ الماكنة. فاضطررنا إلى الخروج وخضت الماء حتى فخذيّ إلى البر. وكان 
هذا إنذاراً للسيارات الأخرى فأوقفت عند الضفة. ثم بعثنا نطلب كل تاكسي في 
كركوك احتياطاً لنقل الحاشية الملكية إلى المدينة في حال اضطرارهم إلى عبور 
النهر بالقوارب. ولم يكن يتوقع وصول الملك قبل ساعتين أو ثلاث لذلك لجأنا 
إلى (ياروه لى) ورحنا بين آن وآخر نخرج لتفقد المياه باحثين عن نقطة عبور ذات 
قاع صلبة راكبين خيولاً استعرناها من جماعة من الفرسان (الهه ماوه نده) 
(سوارى) كانوا قد احتموا بالقرية وقبل وصول التاكسيات التي طلبناها بنصف 
ساعة عثرنا على موضع يصلح للعبورء وانتقلنا منها إلى الضفة الأخرى وأعددنا 
أنفسنا لإرشاد السيارات القادمة أثناء عبورها ولا شك أن (ميللر) كان بطل الميدان 
فمع أن بدانته كانت لا تؤهله لركوب الخيل كما ذكرتء إلا أنها ساعدته على زرع 
نفسه كالطود في وسط التيار الجارف جاعلاً من نفسه (شاخص خطر)بشري. وكان 
في مبدأ الأمر يشير إلى السيارة بالتقدم نحوهء حتى إذا دنت منه زود سائقها 
بالاتجاهات الصحيحة للجزء الباقئ من النهر. وامتلأ الملك إعجاباً بما رأى حتى 

أنه كثيراً ما ذكر الحادثة في السنين التالية» وما أن تم عبور القافلة الملكي 0 
حتى انفتحت أبواب السماء عن أمطار غزيرة شديدة. ولم يحل هذا دون التثام 
شمل عدد كبير من السراة والوجهاء لاستقباله وكان الأهالي قد خرجوا زرافات إلى 
ظاهر المدينة وبانضمام وحدات الليقي والشرطة وخيالة القبائل إلى المستقبلين 
ضمن مظهر مهيب لدخول الملك كركوكء ورفع العلم العراقي لأول مرة في 
تاريخ المدينة لشرف المناسبة وبقي مرفوعاً دون أي اعتراض بعد رحيل الملك. 


.واستمر الطوفان طوال الليل واليوم التالي ولما انتهى منهاج الاستقبال والولائم 


2325 


التي تخللتهء كانت الأنهار الثلاثة (طاووق جاى) و(ثاوه سبى) و(قوروجاى) (وهو 
مسيل صغير شهير بصعوبة عبوره وزوغانه» يقع بالقرب من كفري) قد فاضت 
فيضاناً عظيماً وانقطع الطريق الجنوبي تماماً وتسببت أمطار أخرى في الأيام التالية 
تأ الركب الملكي وظلت تمطر دون هوادة» ولم تدع فاصلاً حتى يوم عيد 
الميلاد. وفيه قرر الملك تجربة حظه بعد أن شجعته التقارير المنبئة بتحسن الطقس 
وكان الثلج يتساقط عندما تركنا كركوك» وتمكنا من عبور (طاووق جاى) بسياراتنا 
فوق الجسر الحديد الجديد الذي لم يكمل بعد. وعثرنا على معبر جيد في (ثاوه 
سبى) قبل أن تدركنا زخة مطر أحالت كل ما حولنا من قيعان إلى بحيرة عظيمة. 
وقضيت الليلة مع سرية مصفحات القوة الجوية في الذي ما زال يعتبر رسمياً رأس 
الخط في (كنكربان). واستيقظت صباحاً لأجد رصيف المحطة مغطى بلحاف من 
الثلج والقطار نفسه كاسياً حلة بيضاء منها ثخنها ثلاثة أنشات. وكان الملك 
وحاشيته والموظفون العراقيون قد باتوا ليلتهم ضيوفاً على وجهاء كفري. والتأم 
الشمل في الثامنة صباحاً. وقمت أنا والمتصرف بإجراء حديث طويل أخير مع 
الملك وأعرب لنا عن سروره بنجاح زيارته بصريح العبارة. ووعد أن يحث وزراءه 
ليصادقوا على المقترحات التي نعرضها لتثبيت الإدارة والعمل على اطمئنان 
المشاعر العامة. 


يندر سقوط الثلج في السهل حتى إلى مسافة بعيدة شمال كفري. وإني لأذكر 
يومها. وإن لم أدون ذلك في يومياتي - سقوط الثلج في بغداد تلك الليلة ولأول 
مرة منذ عشر سنوات على ما قيل. وهجمت في اعقاب الثلج موجة برد صقيعية 
عدة أيام وجمد نهر خاسه في كركوك. 

وبطبيعة الحال كان الوضع في السليمانية مضطرباً إلى حدٍ حال دون زيارة 
الملك وقد شعرت بعد برقيات قلقة من (جابمان) أن واجبي يفرض عليّ السفر 
إلى السليمانية وخسارة حفلة رأس السنة الجديدة التي تم الإعداد لها. وكانت 
المطارات كلها معطلة فحاولت السفر بالسيارة وخرجت في فجر 311 منه برفقة 


5326 


ضابط بريطاني من الليفي الآثوري في سيارتي الفورد. وكان قد سقط شيء من 
الصقيع وكاد يتعذر سير السيارة وباشرنا بدفعها بسواعدنا فوق مرتفعين شديدي 
الانحدار. وعصينا في المرتفع الثالث عندما بدأ الثلج يتساقط» وانقضت عدة 
ساعات لم نقطع فيها أكثر من عشرة أميال وفقدنا كل أمل ببلوغ جمجمال تلك 
الليلة. فقررنا العودة من حيث جئنا. وبعد كثير من الجر والدفع بلغنا كركوك وقت 
الغروب فرأيناها مغطاة بعباءة من الثلج ثخنها أنشان أو ثلاثة. وفيما كنت أستمتع 
بألذ كوب شاي شربته في حياتي صك أذني دوي عيار ناري اخترق زجاج النافذة 
واستقر في ساق المنضدة القريبة من ركبتي. واتضح فيما بعد أن مصدر الطلقة (ابن 
المتصرف) وهو صبي مستهتر سيء التربية يبلغ من العمر ستة عشر عاماً كان يلهو 
بمسدس أبيه بعد أن أخرجه من الدرج. 

وفي أوائل كانون الثاني لطخ (روغزادى الجاف) أنفسهم بالعار عندما نهبوا 
قافلة كانت تسير في طريق (إبراهيم خانجى) وكانت عمليات التأديب الجوية 
بحقهم ناجحة؛ وانحدرت إلى كفري لأقبل من الفئة المجرمة فروض الطاعة 
وأبحث في التعويضات وإذا بي أتسلم وأنا هناك في ساعة متأخرة من الليل برقية 
مستعجلة جداً صادرة من (كورنوالس) في العشرين منه: 

«أرجو أن تصل إلى بغداد جوأ حلت ديك كدر ها ينكو ننه الاتعسة زويها 
طلب منك مرافقة اللجنة إلى الموصل». 

ولكي أكون واثقا من تسوية الحادثة التي جئت لتسويتها في الحال» أصدرت 
تعليمات خطية جديدة لكريم بك الجاف وغيره من الموظفين المحليين ذوي 
العلاقة تتضمن عقوبات أخف كثيراً فن التقويات الفاسية التى كيت اتوي قرضبهاء 
وتركت كفري إلى كركوك قبيل الفجر لأحزم أمتعتي وفي 22 منه طرت إلى بغداد. 

كاك الح اق اولي نعلت رلك ذل رمع ان انم ل اا 
السيد أ.ف. فيرسن 7/1508 .4.5 وهو سويدي الجنسية والكونت بول تيليكي :صيام© 
اعاء1 لدم وهو بلجيكي الجنسية وكل من السنيور رودولو 1000010 وهو إيطالي 


527 


الجنسية وهوراس دي بوتاليه 8165),ناه5 عل 110206 السويسري الجنسية بمثابة 
مقرزين. 

كان (فيرسين) وزيراً أقدم في السلك الدبلوماسي وقد انتخبه زملاءه رئيساً 
للجنتهم ربما لأنه يمثل بلاداً بقيت على الحياد طوال الحرب وهو لم يكن ينتظر 
منه اهتمام بتحميص لب المسألة أكثر من محاولته إيجاد منافذ توفيقية. وكان 
(تيليكى) بخلافه تماماً لا يرضى بغير الحلول البتارة. ففى بلاده هنغارياء كان أحد 
قادة الحركة المعادية لثورة العام 1919 الى اتسبيدد قن إمقاة حكومة (بيلاكون) 
الشيوعية. وكان رئيس وزراء في حكومة بلاده منذ تموز عام 1920 حتى نيسان عام 
1 وهو في الوقت الحاضر رئيس منظمة الكشافة الهنغارية”'" وكان اهتمامه 
الأساسي بمشكلة الموصل منصباً على المظاهر الجغرافية والتكوين القومي. وقد 
سبقته قصة لا أدري مبلغ الصحة فيهاء .وهي أنه كان عضواً بارزاً إن لم يكن رئيساً 
لجمعية تدعى (جمعية الحجاج الهنغار) التي كان سبب تأسيسهاء توثيق عرى 
الصداقة مع تركياء بزعم وجود صلة عنصرية قديمة بين الشعبين التركي والمجري. 
وباجتماع هذه القصة مع جنسية العدو السابقة التي يحملهاء نشأ في نفوس 
العراقيين كره لهء وزاد من هذا الكره على ما يبدو - ظاهرة غريبة في اسمه عندما 
يكتب باللغة العربية فهو إذ ذاك يعني (ثعلب) باللغة التركية! وكان (ياولس) أيضاً 
عاطفي المزاج ذا خبرة طويلة في أعمال التجارة والإدارة في الكونغو فقد كان 
مستشاراً أو وزيراً صغيراً في السلك الدبلوماسي الإيطالي أعيرت خدماته لعصبة 
الأمم. و(بورتاليه) سليل الفرع السويسري من أسرة كبيرة جداً تحدث بالإنكليزية 
كأحد أبنائها. 

وأظنه أخبرني أنه كان تلميذاً في مدرسة توجيهية بإنكلترا - وهو أيضاً نظراً إلى 
تقاليد الأسرة العريقة كان قد خدم قبل الحرب في لواء فرسان يروسي من فرسان 


(1) تولى (تيليكى) المسكين رئاسة حكومة المجر عام 1939 مرة ثانية» وفي نيسان 1941 أقدم على 
الاتتحار مفضلاً الموت على الخضوع لمطلب هتلر باستخدام الجيوش الألمانية أراضي بلاده. 


5228 


الصاعقة ولم يكن من ملاك موظفي عصبة الأمم الدائم. إلا أن السكرتير العام 
آنذاك السير أريك دروموند 0«وصصبح2 5,6 ز5 كان يختاره بين آن وآخر لمهام 
خاصة من هذا النوع. وألحق بهذين المقررين محاسب وموظف سويسريان ووافق 
(تيليكي) وصيفه الخاص الذي عهد إليه بالإشراف على الطعام والتحى باللجنة فيما 
بعد (ج. ه. كرامرز 132655 .1.51) وهو مستشرق هولندي شاب ليكون مترجماً. 
وكانت التركية أحسن ما يتقن من اللغات الشرقية» ومهما تكن درجته العلمية فهو 
لم يدع معرفة بلغة التخاطب العربية أو الفارسية» وخلافاً (ليورتاليه) كان (تيليكي) 
يحسن الإنكليزية. أما (فيرسن) فحظه منها قليل» إلا أنه كان ملماً بالفرنسية» وأما 
(باولس ورودولو) لا ينطقان من الإنكليزية حرفاً. 


وكان الوفد التركي الذي وصل برفقة اللجنة» مؤلفاً من رئيسه الجنرال جواد 
باشا مفتش الجيش العام لجبهة الجزيرة والقائد العام المرشح لها (كما علمنا فيما 
بعد) عند بدء العمليات الحربية ضد العراق. وكان مجيئه بمثابة مستشار ومراقب» 
وهو أحد القواد الوطنيين الذين اعتقلتهم لجنة الحلفاء العليا في استانيول العام 
0 وأبعدته إلى (مالطا) وكان معه كأعضاء وخبراء: الرائد (كامل بك) للواء 
الموصل و(ناظم بك نفطجى زاده) للواء كركوك و(فتاح أفندي) للواء السليمانية 
وألحق بهم ملازم شاب اسمه (بدري بك). ووجدنا (كامل) خير نموذج للضابط 
التركي» عرف كردستان حق المعرفة وأنجز مهمته العسيرة بأسلوب صائب كفوء 
قدر ما يجوز لنا الحكم عليه. أما (ناظم) الذي هرب من كركوك قبل سنتين» 
و(فتاح) صهر الشيخ محمود فكلاهما كانا نشيطين في حرب الدعاية الباردة التي 
سبقت هذه اللجنة. وقد تولى (ناظم) فعلا منصب الضابط السياسي للرتل الذي 
دخل الأرض العراقية وهو في طريقه من الجزيرة إلى (جال) في آب الماضي. 


ووقع الاختيار على (جاردين) ليكون المراقب البريطاني. وكان كما يذكر 
القارئ قد رافق السير (يرسى كوكس) إلى استانبول في آيلا يساعده في مهمته 
ممثل الحكومة العراقية (صبيح بك نشأت) وهو محدث بارع دائم البشاشة 


5329 


والمرح» لا يسقط في يده إيجاد مادة للحديث. ولما كانت معرفته بالفرنسية أرقى 
بكثير من الإلمامة القليلة التي تعتبر عند الضباط العثمانيين السابقين» معرفة تامة 
في هذه اللغة الدبلوماسية» فقد كان بالإمكان الاعتماد عليه ليؤثر تأثيراً طيباً في أي 
مجموعة من المندوبين قد يطلب منه العمل معها. 

بعد أن قابلت (كورنوالس)» أسرعت لمواجهة المندوب السامي فابتدرني 
بقوله: إنه وجد نفسه في ورطة فجاردين قام بجميع الدراسات المحلية للمشكلة. 
فضلاً عن كونه قد قدم لعصبة الأمم وللجنة على أساس كونه المراقب البريطاني» 
ومن الناحية الأخرى فهو صغير السن لا خبرة ماضية له أو أن خبرته قليلة في 
التعامل مع الأجانب على مستوى أعضاء لجنة خارجية موفدة”' والمناظرة مع 
المراقب التركي. وليس من العدالة في شيء أن يطلب منه مواجهة مثل هذه 
المدفعية الثقيلة» لا يعاونه أحد غير (صبيح). وأما أنا (يقصدني) وأن لا أزيده 
بأكثر من ثلاث أو أربع سنوات فقد درست في أوروبا وأتقنت الفرنسية والألمانية 
والإيطالية هذا فضلاً عن الصلات الدولية التي خبرتهما في إيران وهو شيء لم 
يمارسه معظم زملائي الذين خدموا في العراق والهند فحسب وأنه (أي المندوب 
السامي) يرغب مني الالتحاق بالوفد الأنكلو - عراقي إلا أن مسألة القدم تقلق باله. 

فأجبته أن (جاردين) من خيرة أصدقائي وآخر ما أريده هو منازعته حقه في 
المنصب الذي توصل إليه بجدارته ودقة أبحاثه وأني على استعداد للعمل بأي 
شكل يشعر أنه ذو فائدة. وبعد المداولة تم الاتفاق على أن ألتحق باللجنة بصفة 
(ضابط ارتباط) وبهذه الطريقة يمكنني دائماً بحث أمورنا ومسائلنا مع جاردين 
وصبيح. هذا ولما كانت صلات ضابط الارتباط ستشمل كل أعضاء اللجنة مع 
المراقبين الترك وتغدو رسمية» ولما ستكون معالجتي لأية عقبة أو مشكلة ذات 
طابع انفرادي منفصل عن معالجة المراقب وخبرائه المخولين حق الدفاع المباشر 


(1) من هنا فصاعداً سيكون من الأنسب استعمال لفظة (لجنة) عندما يراد بها كل الجماعة. واستعمال 
لفظة (المندوبين) للأعضاء الثلاثة الحيادبين الذين أوكلت إليهم عصبة الأمم وضع التقدير. 


230 


عن المصالح الحيوية للبلاد التي يمثلونها فسأجد نفسي قادراً على مد يد العون في 
الإدلاء بتوضيح لين خفيف مضاد لما استميلت إليه اللجنة وهي في مهمتها الدقيقة 
جداً. وليس من شك ساور أحدنا في أننا الآن نخوض معركة حياة أو موت بالنسبة 
للعراق ذلك ليقيننا أن البصرة وبغداد دون الموصل لا يمكن أن يبنى منها دولة 
معقولة لأسباب اقتصادية واستراتيجية ومع أن الصحافة العالمية كانت تصور هذه 
المعركة كجزء من الكفاح الجبار للسيطرة على النفط» فمن المهم أن نعود إلى 
الوراء لنذكر كيف أن اسم النفط كان قليل الظهور في كل حساباتنا السياسية» على 
مستوى عملي على الأقل فأنا لا أذكر وثيقة واحدة ذكر فيها النفط كعامل يبارز 
يرتفع إلى الصدارة في ميدان التجارة العام استيراداً أو تصديراً مما يجعل الولايات 
التركية الثلاث السابقة وحدة اقتصادية ذات كيان متكامل غير ممكن تجزئته”'". وقد 
تبودلت عدة مذكرات على مستوى خبراء» قبل وصول اللجنة وبعده في أثناء إجراء 
التحقيق إلا أن القضية أجملت بعبارة بليغة وردت في مذكرة رائعة كتبها الملك 
فيصل بيده وقدمها للجنة: الذلك أعتبر الموصل للعراق بمنزلة الرأس لسائر 
الجسدء واعتقادي الراسخ هو وإن كان الموضوع تعيين الحدود بين العراق وتركيا 
إلا أنه في الحقيقة موضوع كيان العراق ككل ولذلك فإن سعادة وشقاء أربعة 
ملايين من البشر هي الآن بين يدي لجنتكم العالية:20 وهناك اعتبار آخر كان يدفعنا 
نحن ضباط الأقسام البريطانيين الصغار الذين كنا في موضع أفضل لنرى ألا فرق 
بين المصالح العراقية النهائية وبين مصالح بلادنا المباشرة”” ومكانتها (ما زلت أظنه 


(1) نشك كثيراً في أن النفط كان ساقطاً من حساب الإنكليز في العراق» فما زال المؤرخون يذكرون أن 
تعديل اتفاقية سايكس بيكو وخروج ولاية الموصل بما فيها كركوك من المنطقة الفرنسية كان بسبب 
النفط لا غير هذا على أقل تقدير. (المترجم). 

(2) مقتبس من ص7: (تقرير في مسألة الحدود بين تركيا والعراق: وثيقة العصبة؛ من 400م 147 سنة 
5+ ج7) وسيشار إليه في الصحائف التالية باتقرير فيرسن) للسهولة وإن كان دوز هذا الشخص 
في تنظيمه أقل بكثير في (تيليكى وباولس) ورودولو الذي لا يحب الظهور. 

)00( المرجع السالف». مجلد (1)» ص347. 


5231 


حقاً) فلقد كرهنا التنازل عن حق حزناه بشكل أعلمتنا دراساتنا الأولية فى القانون 
الدولي» أنه حق لا غبار عليه ألا وهو (حق الفتح). ومن الناحية الأقرب إلى 
المثالية فأظننا جميعاً كنا نستوحي مما يلوح لنا الرؤية نفسها التي تكشفت لعين 
(لايارد) قبل 85 سنة. (إن موقع وموارد هذا الإقليم التي لا يمكن أن يُضاهي 
وجوده بين الشرق والغرب بنهريه العظيمين الصالحين للملاحة اللذين يكادان 
يبلغان البحر الأبيض المتوسط ويصلانه بالخليج والمحيط الهندي. لا بد أن يجعله 
مرة ثانية وبمرور الزمن غنياً كثير السكان كما كان عندما عد أهم جزء من 
إمبراطوريات بابل وآشور وفارسء وعندما كان حاضرة للخلافة) لكن يجب أن 
يحدث تغيير عظيم ومستمر لفترة طويلة من الزمن قبل أن يمكن إصلاح الفوضى 
والخراب اللذين أحدثهما سوء الحكم والاضطهاد والإهمال. وفي اعتقادي أن 
الأقدار هي التي ستوكل إلى إنكلترا مهمة أحداث التغيير المفيد جداً والمهم إلى 
أقصى درجة في سلم التجارة والمدنية. 

ما أن وصلت البعثة حتى اضطرب الجو وتحرك. فالحكومة العراقية زاد قلقها 
بعودة (ناظم وفتاح) المفاجئة تحت رداء الحصانة الدبلوماسية. وكلاهما يعتبران 
عندها خائنين هاربين. والأنكى من هذا كما تبينت وأنا في طريقي إلى بغداد - أن 
عودتهما قد أثارت سخطاً مراً لا يخلو من الخوف لدى القلوب الخائرة في 
لواءيهما. وأرسل المندوب السامي احتجاجاً شديداً (لفيرسين) بهذا الخصوص. 
وفي الوقت نفسه وبينما كان أعضاء اللجنة وجواد باشا ضيوف شرف في مأدبة 
أقامتها لهم دار المندوب السامي» وضع الخبراء الثلاثة في ثكنة عسكرية خارج 
المدينة فاحتجٌ المراقب التركي على هذا العمل ووصف المسكن بمعسكر اعتقال 
وكان مبالغاً في هذا طبعاً. وتدخل (فيرسين) فنقلوا إلى منزل صغير بالقرب من دار 
المندوب السامي وفي الوقت الذي أوضح المندوبون واجب السلطة في منح 
أعضاء الوفد التركي حرية التنقل الكاملة ما أن يدخلوا حدود منطقة النزاع» فقد 
وافقوا على ملازمة الخبراء بيتهم إلى أن يحين موعد السفر إلى الموصل. 


532 


تم لقائي بكل المندوبين والأعضاء عدة مرات في كثير من المؤتمرات ومآدب 
العشاء والاستقبالات الرسمية. وفي 26 منه وقبل أن نستقل قطار الليل بساعات 
تناولنا العشاء معاً في دار المندوب السامي. وكان (ناظم وفتاح) من بين 
المدعوين» وبدا أولهما صورة ناطقة بالغم تستدر العطف والشفقة وهو في ثيابه 
الأوروبية التي لا تناسب جسمه. ولاحت على وجهه ابتسامة خجل خرقاء عندما 
صارحته بالألم الذي داخلني عندما رأى أن يخرج من كركوك خلسة. وبعد كثير 
من الأحاديث الصريحة التي تبادلتها معه في جو من الصداقة. بدي حول 
نداء الواجب الوطني. ولم يسبق لي أن التقيت ب(فتاح) وكان رجلاً ضخم الجثة 
غليظ الرقبة كالثور» ولم أجد فيه أي جانب جذاب. 


كانت البلاد كلها تعاني أقسى شتاء عرفته منذ سنين عديدة. وفي الليالي كثيراً 
ما أشار المحرار إلى درجات عديدة تحت الانجماد وكان البرد لا يطاق في القطار 
الخالي من جهاز تدفئة ولم تغمض عيني لا أنا ولا (ليتلديل) شريكي في 
المقصورة وهو الآن مفتش الشرطة لولاية كركوك وأربيل والسليمانية. وبلغنا رأس 
السكة الحديد في شرقاط وهي تبعد زهاء (55) ميلاً شمال (بيجي) وكان الوقت 
ظهراً فأمكننا مشاهدة التل الكبير الذي يغطي خرائب عاصمة الآشوريين القديمة 
(آشور). وفي شرقاط استقبلنا متصرف لواء الموصل (عبد العزيز يك القصاب) 
وهو عميد أسرة بغدادية بارزة» ذو خبرة إدارية طويلة في سلك الوظائف التركية 
وكان بصحبته الرائد (ه. ى. لويد 94م1 .581.1) المفتش الإداري وبعد انتهاء التعارف 
وتبادل التحيات ركبنا السيارات إلى الموصل ووضع تحت تصرفنا بناية متداعية 
تعرف باسم (القصر الملكي) لأن:الملك فيصل كان قد أشغلها في زيارته الماضية. 


او ال 1 
رئيس اللجنة حالاً ليبحث معه الأوامر التي تلقياها من وزارة الداخلية العراقية 


بيخصوص تيسير عمل اللجنة من جميع الوجوه. وبالأخص موضوع حماية الوفد 


5333 


لهماء قال إنه يرغب في التداول مع زملائه قبل أن يبحث الأمور مع السلطة 
المحلية» لكن بسبب قلقهما الشديد» سوف يقابل (جواد) حالاً ويطلب منه ألا 
يخرج إلى المدينة. 


وما أن بلغت غرفتي في الطابق الأرضي حتى دخل عليّ عبد العزيز وهو 
يشتعل غيظاً وسخطأً ليشكو من خروج (جواد) إلى المدينة برفقة (تيليكي) وقال إن 
الشوارع تغلي هياجاً وصخباً. فركبت سيارتي مع (جاردين) حالاً. وما لبثنا أن 
تلاقينا مع (تيليكي وجواد) وكان هذا في بزة جنرال تركي كاملة وهما يسيران 
الهوينا نحو القصر يحيط بهما حشد من المصفقين الهاتفين في حين كان حشد اخر 
يهتف بحياة العراق وفيصل ويهم بالإطباق على الفريق الأول من الرصيف الأيمن. 
وكان شرطيان أو ثلاثة يجاهدان عبثاً في حفظ النظام!". 

كانت هذه المظاهر أشبه بالطلقات الأولى قبل بدء الاشتباك الهادف إلى 
ترصين المواقع» وقدر له أن يكون السبب في إيقاف عمل اللجنة لمدة أسبوعين» 
وأعتقد أن الجانبين يتحملان مسؤوليته. 

كانت تحقيقات اللجنة هذه أول سلسلة من التحقيقات التي قامت بها العصبة 
بخصوص العراق منذ العام 1925 حتى 1935. ركيت أستدعن في كل مرة لألعب 
دوراً معيناً وني كل مناسبة منها كنت أتحسس حالاً بوجود برزخ عميق الغور 
سايكولوجي الطابع بين أخلاقنا الضيقة الحدودء أخلاق سكان جزيرة منفصلة عن 
القارة» وبين طبائع ساسة القارة الأوروبية وموظفيهاء ولا أستثني منهم أولئك 
الذين ننتظر منهم إظهار الود الكثير لنا وأخص بالذكر مواطني الدول الصغيرة. فإن 
كانت هذه أول فرصة يتعاملون بها معنا فهم بدون استثناء يباشرون مهماتهم وفي 


(1) إن رواية (تيليكي) لهذه الحادثة قد وردت في تقرير (فيرسن)؛ ص9. إلى جانب روايات المندوبين 
لمعظم الحوادث الأخرى التي أوردت ذكرها في المتن. 


2334 


أنفنسهم شك عظيم بدوافعنا وأخلاقنا ويبدأون أعمالهم وقد عقدوا العزم بألا 
يسمحوا بأن يفرض عليهم شيء منا نحن المتكبرين المتجبرين الذين جئنا عبر 
القتال. وكلهم على العموم لا يملكون خبرة في شؤون الشرق الأوسط. ولذلك 
وجدت في المراحل الأولى لتحقيقات كل بعثة من هذا القبيل - فترة خصصت 
لإزالة التحامل؛. ومحو الآراء الثابتة المسبقة» أو تصحيح عقائد زائفة ومن ثم 
يشرع في نقطة البدء فبعد أن يعرف كل واحد منا طينة الآخرء بعد أن تنشأ ثقة 
متبادلة ترى العمل يسير بخطى واسعةء وينثني إلينا أصحاب اليوم ليلومونا لأننا لم 
نوضح لهم الوقائع ووجهات النظر إيضاحاً جيداً من البداية» تلك الوقائع التي 
يسارعون الان إلى الإقرار بوجاهتها. 


ولا نكران - في هذه المناسبة بالذات - أن ميزات التكتيك في موقفنا نحن 
ممثلي الحكومتين البريطانية والعراقية؛ كانت إلى جانبنا نسبة إلى الوفد التركيء 
فكل المظاهر الخارجية كانت تشير إلى أرجحية كفتنا بكثيرء ذلك لأننا كنا نسيطر 
على الإدارة ومن ضمنها قوات الشرطة» وهذا ما يجعلنا في وضع نستطيع به 
الضغط على أية طائفة أو فريق من السكان. كما أننا نتمتع بوسائل تسهل علينا 
الحصول على آخر المعلومات وأدقها وهي أمور لا بديل عنها لبناء قضية محكمة 
مقنعة. وكان كل من أعد أو ساعد في إعداد المذكرة التي تشرح مطاليبنا وتتضمن 
أجوبتنا عن الاستفسارات» موجودين معنا بأشخاص المراقب والموظفين الذين 
يريدون شؤون المنطقة المنازع فيها. أما الجانب التركي فليس فيه من ساهم بشيء 
في إعداد قضيته كما يجري البحث فيها الان والمذكرة نفسها ضعيفة الحجة بائسة 
تستند إلى سجلات خاطئة عتيقة مما هو متيسر في استانبول» وربما مدعمة بما 
علق بذاكرات الضباط والموظفين المدنيين الذين خدموا في الولاية منذ سنوات 
عديدة؛ وكلها غامض يلفه ضباب الشك والنسيان. ولم نجد في المراتب والخبراء 
من يجمع في نفسه الثقافة والمعرفة الصحيحة» لإعداد بيانات جديدة أو دحض 
البيانات التي يقدمها خصومهم. 


5355 


ومن ناحية أخرى» لا بد وأن القارئ قد استخلص مما قرأ هناء مبلغ المخاطر 
التي تحف بموقف الإدارة في أجزاء كبيرة من البلاد. إن منزلة الدولة التي حكمت 
هذه البلاد قروناً عديدة» ما زالت سامية في القلوبء وزادها النجاح المذهل الذي 
حققه (مصطفى كمال) وكانت الدعاية التركية تعد يقرب العودة وتتوعد بالعقاب 
الصارم كل الخونة. ولم يعترها وهن ولا وقف حتى جعلت الأهالي في وضع من 
الأمل الدائم الحيوي وفي حالة من الفزع والقلق بحسب الأمزجة. وكان ثمة عدد 
كبير مثل القطارات المشحونة بالمتفجرات لا تحتاج لغير شرارة واحدة لتفلق اللغم 
إلى طبقات الجو العليا وتجرف أعضاء اللجنة والمذكرات والإدارة المحلية وكل 
شيء. وفي هذا يكمن أفضل فرصة للمراقب التركي. لقد علمنا بمخطط توزيع 
آلاف الأعلام التركية في الولاية لنشرها من نوافذ منازل الموصل وغيرها من 
البلدان والمدن التي ستزورها اللجنة وتبين لنا أن اختيار (ناظم وفتاح) دليل على 
أن الترك بنوا كل آمالهم على الدعاية والدسائسء لا على المنطق العلمي» وأن 
إصرار الحكومة التركية على أهمية الاستفتاء العام هو مما ينحو منحى الدعاية. إذ 
ليس أشد ما يؤثر في هدم السلطة الإدارية في أعين السكان من مجيء مجموعة لا 
تدين بطاعة لأحد الذين ريما ضايقوهم في تحصيل الضرائب أو أنزلوا العقاب 
بإخوانهم أو أبناء عمومتهم لقتل أو قطع طريق أو لمجرّد رغبتهم في استبدال 
أولئك الحكام بغيرهم. ويفدح الخطب عندما تكون الأغلبية الساحقة من هؤلاء 
السكان جهلة أميين يأكلون وينامون وسلاحهم لا يفارقهم قليلي الاكتراث بحياة 
لمر 

كانت الحكومة التركية قد ختمت مذكرتها الأساسية بفقرة وزنت وزناً دقيقاًء 


لتؤثر تأثيراً طيباً في نفوس مواطني الدول الصغرى الذين أنيط بهم مهمة تحكيم 
دولية : 


«لأول مرة منذ تأسيس عصبة الأممء يعرض أمام مجلس العصبة نزاع ذو 
أهمية كبيرة نشأ بين دولة غربية معظمة وبين دولة من دول الشرق الأدنى» 


216 


موضوعه يتعلق بتقرير مصير شعب شرقي. إن مشاعر الثقة المتبادلة ومظاهر حسن 
النية بين الشرق والغرب وإيمان الشعوب الشرقية بالعهد الجديد الذي تقف عصبة 
الأمم حامية له إنما يعتمد كثيراً على الحل الذي ستتوصل إليه لجنتكم بعد 
تدقيقات شاملة مستفيضة لموضوع النزاع. وإن حكومة الجمهورية مقتنعة بأن 
لجنتكم ترغب رغبة صادقة في المساهمة في خلق هذه الثقة المتبادلة بين العالمين 
الشرقي والغربي وستكون هذه النتيجة مرغوبة للغاية» وهي أيضاً تحقيق انتصار 
العدالة برفعها توصية إلى المجلس تقضي بضرورة إفساح المجال لأهالي ولاية 
الموصل لتقرير مصيرهم بأنفسهم بمنتهى الحرية». 

إذن فقد كانت مهمة المندوبين دقيقة صعبة للغاية» ولذلك وطنوا العزم - وهم 
مصيبون - بألا يسمحوا للسلطة التي تمارس نفوذها فعلاً على الأرض المنازع فيها 
- بشل حركتها وحركة الوفد التركي المرافق أو شد وثاقهماء على أنه لم يكن 
بينهم واحد ذو خبرة حقيقية في أمور الشرق الأوسطء والاعتراض الشديد على 
إجراء أي استفتاءء فضلاً عن قلق الحكومة والسلطات المحلية الطبيعي» 
بخصوص اضطراب حبل النظام ومسألة حماية الوفد التركي من التعرض» كل هذا 
فسّروه بأنه قرائن تعزز شكوكهم السابقة» ووسائل ترمي إلى منعهم من الوصول 
إلى الحقائق. ومنع خصومنا من الحصول على المعلومات أو التأكد من مشاعر 
الأهالي الحقيقية. ولقد زاد انزعاجهم مما اعتبروه تكتيكاً ضيقاً بخطأين حقيقيين 
ارتكبهما الجانب العراقي» أولهما خطأ متعمد يتسم بالحمق وثانيهما يعزى إلى 
التسرع وقلة الخبرة. 


يختلف وضع لواء الموصل الداخلي اختلافاً ماديا عن وضع ألوية كركوك 
وأربيل والسليمانية. وموقف المتصرف والمفتش الإداري والشرطة أصعب بكثير 
من موقفنا في الألوية الثلاثة المذكورة. فالموصل فضلاً عن كونها ثاني مدن العراق 
حجماًء أقل تأثرأً بالعثمانيين ولعلها أكثر شعوراً بالقومية العربية من بنداد ويعزى 
هذا إلى وجود أسرار أرستقراطية كثيرة فيها تسيطر تمام السيطرة على السياسة 


537 


المحلية. ممثلة تمثيلاً جيداً في الوزارات المتعاقبة وغيرها من مناصب الدولة 
العليا. ولعلها طبقات معينة كانت تشعر أن مصالحها الاقتصادية مرتبطة بحلب أكثر 
من ارتباطها ببغداد. ويعيش من أصل ستمائة ألف من سكان اللواء مائتا ألف تقريباً 
في المديئة ومع أن الكرد أكثر من نصف السكان فهم بعيدون عن المركز قليلو 
الإسهام في السياسة خلافاً لأشقائهم في جنوب كردستان. وقبيل موعد وصول 
اللجنة صدرت تعليمات من بغداد بتأليف لجان (الدفاع الوطني) في كل أنحاء 
البلاد لإثارة المشاعر الوطنية وإظهارها عن طريق الاجتماعات العامة 
والمظاهرات؛ وإحياء الحفلات الدينية والبرقيات للبرهان على عزم المواطن الثابت 
في الدفاع عن أوطانه المقدسة حتى النفس الأخير. وفي الموصل نفسها حيث 
تصاعد الاستنكار والسخط إلى أعلى درجة بمجرد إلقاء الغبار حول (عربية 
الموصل)» طبقت هذه التعليمات بحماسة» وقَدِمٍ من بغداد شخصيات موصلية 
بارزة للمساهمة في الحملة. إلا أن أعضاء اللجنة (المندوبين) لم يكونوا أغبياء 
حيثما باشروا عملهم. فقد اكتشفوا حالاً أن (لجان الدفاع الوطني) وكتل الوطنيين 
العراقيين تضم أعداداً كبيرة من المشاغبين الوصوليين”'' الكثيري الحركة وهو نوع 
متوفر دائماً في الشرق الأوسط يؤجج نفوسهم كرههم الأوروبيين بصورة عامة. 
ويزيد في وقيده التعصب الديني. وفي أحيان كثيرة تسأل هذه العناصر المتحمسة 
سراً عن الجانب الذي يفضلونه شخصياً فيكون جوابهم: إنهم في الحقيقة لا 
يدافعون عن حق العراق بهذه الضجة التي يفتعلونها افتعالاء وإنما يريدون تركيا! 
ولقد شاهد اثنان من المندوبين مبارزة شخصية بالمدى بين وطني شاب متحمس 
من بغداد يدعى إبراهيم كمال وبين آخر من وجهاء الموصل العرب (أصبح إبراهيم 
كمال فيما بعد وزيراً للمالية ممتازاً ولو لم يخترمه الموت مبكراً لوصل حتماً إلى 
رئاسة الوزارة). 


ونجم عن هذا إهمال كل بيان يصدر باسم (لجنة الدفاع) دعك من إحدائه 


(1) كان الناس يخوضون معركة مصيرية تتعلق بمستقبل جزء من بلادهم. (المترجم). 


538 


ضرراً يفوق نفعه. وفي الأسبوع الأول لأعمال اللجنة في الموصل قررت لجنة 
الدفاع متأئرة بحادثة (تيليكي - جواد) في أول يوم» أن لا تؤخذ على حين غرة 
فنظمت عصابات من التلاميذ وغيرهم ليحيطوا القصر وليتوجهوا إلى كل مندوب 
أو عضو يخرج أنفه من الباب بمظاهر العواطف الوطنية. ولما لم أكن معروفاً في 
الموصل فقد وجدت نفسي مرة وأنا محاط بجماعة من الشباب المندفعين وهم 
يلوحون بأعلام ويهتفون بشعارات إلى أن أسكتهم بجملة من خير ما أتقنه من 
الجمل العربية الدارجة. فسكتوا وبان عليهم الخجل. وكان موقف المتصرف من 
أصعب ما يمكن بعد أن نُصح بأن مسلكه الطفولي المتسرع يلحق ضرراً كبيراً 
بالقضية» فأخذ يجاهد في منع المظاهرات إلا أنه لم ينجح إلا في التسبب بعقد 
اجتماع عام احتجاجاً على محاولته مصادرة حق الكلام والتعبير» في مسألة تؤثر 
تأثيراً حيوياً على مستقبل البلاد ووحدتها. 


أما الغلطة الثانية» فسببها يعود بالأساس إلى أن تنظيم الشرطة المحلية في 
العراق كان يهدف إلى جعلها أشبه شيء بالدرك (الجندرمة) منها بقوة مدنية حسب 
المفهوم الأوروبي» لذلك لم تكن مدربة قط على التصرف في أمور تتسم يطابع 
الدقة وتتطلب حسن التصرف والكياسة في فن التعقيب السري الماكر لغرض 
المراقبة أو الحماية. ووجدنا أن تدابير الحماية لمقر اللجنة كان جيداً. فقد ضربت 
الشرطة خيمة أمام الباب ونصبت فيها تلفوتاً» كان كل حركة خارج البناية تعقبه 
مكالمة تلفونية أو تقرير لأقرب مركز من مراكز الشرطة. ومما زاد في الطين بلّة؛ 
أن رئيس اللجنة وهو شخص شديد الأرق خفيف النوم صار يشكو من سماعه 
أحاديث هامسة مستمرة في خيمة الحرس طوال الليل تحت نافذته مباشرة فتحرمه 
النوم (ادعت الشرطة أن الأصوات التي سمعها وشكا منها كان مبعثها أحد موظفيه 
السويسريين أثناء عودته وهو في أقصى درجات السكر... من أحد أحياء المدينة 
السيئة السمعة)» وكان ثمة شخص مجهول يحتل غرفة تحت الدرج وديدنه 
اعتراض سبيل كل شخص. وفي أحد الأيام فاتحني وصيف (تيليكي) الخاص 


239 


برغبته الشديدة في اتخاذ هذه الغرفة مخزناً للمؤن لعدم وجود مكان أنسب لها في 
البناية» وراح ظني أن الشخص الذي يسكنها هو الحارس الذي يقوم بملاحظة 
القصر أثناء خلوه» فاستدعيته وطلبت منه أن يبحث له عن مكان آخر طول وجود 
اللجئة» فكان جوابه سلسلة من الإيماءات والغمزات تلجئه إلى تحريك كل رأسه 
من فوق إلى تحت وبشدة يريد أن يفهمني بأقل ما يمكن من التصريح». عن حقيقة 
المهمة التي ينجزها هنا فما كان مني إلا ورفعت الخيمة وطردت الشرطي السري 
من غرفته تحت الدرج ولم تفده غمزاته ووكزاته. ولكن الانطباع السيئ الذي خلمه 


هذا العمل لم يُمح كلياً. 


وظل مندوبو اللجنة عدة أيام يأبون المباشرة» حتى تم الاتفاق على منهج 
للعمل وأسلوب الحماية» وجعلتهم شكوكهم الأولى لا يعيرون أذناً لاقتراحنا حول 
هاتين النقطتين كما ظهر أيضاً أنهم راجعوا (أنقرة) حول مقترحات خاصة بتنظيم 
حماية بوليسية سرية بالاتفاق مع (جواد باشا) وآثروا انتظار الجواب الذي لم يكن 
فيه ما يوضح لهم السبيل. فقد قالت الحكومة التركية إنها تضع مسؤولية سلامة 
وفدها على عاتق الحكومة البريطانية على أن أعصابهم منذ 31 كانون الثاني بدأت 
تهدأ وتعود إلى وضعها الطبيعي وشرعوا في استقبال الوفودء فقابلوا مجلس إدارة 
اللواء» ثم أعضاء المجلس البلدي ووجهاء المسلمين والمسحييين وأعضاء غرفة 
التجارة» والمحامين» وأخيراً عدداً من الشخصيات التي اقترحها عليهم المراقبان. 


وأظن أن (باولس) كان أول من بدأ يفكر لنفسه. تحت ثقل شديد من العوامل 
الاقتصادية. وصار يشعر بواقع وجود موالاة للعراق أصيلة حقيقية إلا أن المندوّئن 
الآخرين لم يزاولهما الشك العميق في الشواهد التي قدمتها هيئات الموظفين. 
وكان يبدو بشكل ملموس أنهم سيجدون شيئاً يختلف تماماً عما سُّمح لهم برؤيته 
حتى ذلك الوقت لو أفلحوا في اختراق ستار الدخان الذي يحيط بهم وخرجوا إلى 
الشمس الساطعة. هذه الحيرة التي ملكتهم أدّت إلى سلسلة من أخطاء اللباقة 
والتحذلق التي أثارت شكاً متمماً لدى الجانب العراقي» إذ تمت خلسة عدة 


240 


زيارات لأشخاص ذوي مكانة اجتماعية واطئة» أو معروفة بسوء السمعة قبل رد 
الزيارات لذوي المراكز العالية والحيثيات في المجتمع الموصلي وكثير من هؤلاء 
طبعاً ذوو مناصب في هيئات رسمية. وجرت زيارة (القاصد الرسولي) في الموصل 
وهو أسقف فرنسي في حين تجاهلوا المتصرف الذي كان الممثل الأول والحكومة 
بينما خرج بشخصه إلى شرقاط لاستقبالهم» فنبهت الرئيس إلى هذا السهوء وإلى 
غيرة... 


ولم تمت فكرة الاستفتاء التجريبي لكن سرعان ما وجدت الفكرة غير عملية. 
وفي 6 شباط أعلن الرئيس فجأة أن اللجنة ارتأت أن تتشعب في 8 شباط إلى ثلاث 
هيئات فرعية لتنطلق إلى أهداف لن يكشف عنها. وطلب تهيئة اثنتي عشرة سيارة 
للسفر في وقت مبكر من ذلك اليوم. وبقيت علاقاتنا الشخصية ممتازة مع أعضاء 
اللجنة والوفد التركي رغم المتاعب والمضايقات (غير أن ناظم وفتاح آثرا الانطواء 
على نفسيهما تماماً)» وربما يعود انسجامنا إلى تناولنا الطعام سوية. كان الستيور 
(رودولو) قد استخدم طاهيا من بيروت لا نظير له هو الطاهي الذي كان يعد طعام 
قيصر ألمانيا عند زيارته الملكية لسوريا وفلسطين قبل الحرب». وأهم من هذا أنه 
جاء بكميات كبيرة من أنفس الخمور. وكان يبدو أن المندوبين الثلاثة يستمتعون 
بحكايات المائدة والتبسط فيها للغاية ومهما تكن أحداث اليوم فالسهرات تنتهي 
دائماً بجو من الزمالة المرحة. 


وبصرف النظر عن غرف المطعم في الطابق الأعلى لم أجد الغرفة التي 
خصصت لي في الطابق الأرضي مريحة» فهي واسعة تصلح لغرفة مؤتمرات أو 
مكتباً لموظفي الإدارة أو محل انتظار زوار غير رسميين. وفيها يوجد مدفئة حديدية 
كبيرة وقودها الخشب كسائر ما في الغرف الأخرى إلا أنه كان يوجد فيها خطأ 
عجز مهندس الأشغال المحلي عن تشخيصه ومعالجته. وكنت في الليل أطفئ 
المدفئة وأنام بعد أن أكدس فوق أغطية فراشي كل ما أملك من معاطف ومباذل. 
إلا أن برودة النهار كانت أقسى من أن تغرينا بالاستغناء عن الئار وكانت آداب 


541 


السلوك تحثم علينا أن لا نرفع أصوات أحاديئنا وكثيراً ما خيل لي وأنا أنظر إلى 
أعضاء وفدنا وهم مشتملون بالمعاطف الثقيلة وقد تقاربوا بعضهم من بعض تلفهم 
سحب خانقة من الدخان الكثيف» ويكاد يطمس معالمهم نور كهرباء الموصل 
الضعيف» وكأنهم أشباه صورة كاتسبي المشهورة وأعوانه في (مؤامرة البارود)2© 
ولو اتفق أن دخل علينا أحد المندوبين دون إخطار ونحن في هذا الموضع فهو 
معذور إذا ظن أن ما يراه لهو دليل مقنع على أقوى شكوكه! 


واختفت كل مناطق العراق الشمالية تحت غطاء من الثلج وهبطت الحرارة إلى 
درجة الانجماد كل الليالي وكان البرد لاذعاً في الظل وداخل البيوت أما في 
الشمس فالهواء الجاف القارس كان أشبه بماء الكولونيا اللاذع حين يسفع الوجه. 
وكنت قد جلبت حصاني من كركوك واعتدت أنا و(رودولو) القيام بنزهات ركوب 
في البساتين المحيطة بالمدينة وكان كل من (جاردين) والمراقب البريطاني على 
اتصال مستمر ب(فيرسين) حول مختلف المصاعب المستجدة. وكان الوفدان يلجآن 
إلى المذكرات الخطية (أو ما يسمى في اللغة الدبلوماسية 5اهمء6؟ 210:65 على حد 
تسمية المندوبين لها)» لما كان يشعر أحدهما بفائدة لها في تعزيز وجهة نظر معينة 
أو تسجيل احتجاج أو تثبيت شيء في المحاضر. وكذلك تبادلنا أحاديث كثيرة» 
فهو رجل هادئ مجرب ذكي شديد الإعجاب برئيسه (السير أريك دروموند) كما 
وأنه كان متحرراً من الأفكار التى تسلطت على رؤوس المندوبين. وكانت كما يبدو 
تعكر عليه أحكام مبادئه المؤقتة. وكان انطباعي عنه أنه لا يوافق على الأسلوب 
الغريب الذي يتخذونه لإنجاز مهمتهم. وكان يتكبد بولاء تام لهم عناء إيضاح كل 
الوقائع الشاذة بأنها خالية من أي نية ماكرة مقصودة تلك التي كان وفدنا دائماً يقف 
موقف المتهم بها. ولست أشك إن كان يلعب دوراً مشابهاً في تصحيح الظنون 
(1) روبرت كاتسبى (2©55© ,20606 (1573 - 1605) إنكليزي متآمر انضم في 1604 إلى عصبة 

المتآمرين في المؤامرة المعروفة بمؤامرة البارود وكان محركها وقطبهاء وحاول الهروب عند 


افتضاح أمره فقتل أثناء ذلك. (المترجم). 


542 


بالأحاديث المتبادلة» فكلمة واحدة منه على الأغلب كانت تكفي لتقويم أتفه سبب 
للاحتكاك وتصحيحه بسرعة؛ كما حصل في مسألة رد الزيارات. 


إن قرار انشعاب المندوبين الفجائي وتفرقهم إلى أماكن غير معروفة» في بلاد 
خالية من الفنادق ومن أسباب الراحة الأوروبية مهما كانت» وفي شتاء من أقسى ما 
عرفته البلاد» بدا لنا وكأنه أغلظ تجاهل للسلطة المحلية قامت به اللجنة» وهو 
تجاهل أغرمت به من البداية. وبصرف النظر عن المحاذير السياسية الخطيرة فإنه 
سيوقع الخلل في كل الإجراءات الحازمة التي نظمتها أنا بوصفي ضابط ارتباط 
مسؤول عن تنظيم أعمال اللجنة. فضلاً عن التدابير التي اتخذتها لضمان عدم 
تكرار ما حصل في الموصل. ولذلك اتفقنا أن يقدم (جاردين) مذكرة خطية 
مستعجلة يحتج فيها (نشعر أن الوقت قد حان لتدخلك ولبذل مجهود في حمل 
اللجنة على العمل في خط أكثر وقاءً» وأقل مرسحية). وكان المندوب السامي قد 
عرض أن يشخص بنفسه إلى الموصل في أي وقت نرى وجوهده مفيداً. 


وفي تلك الليلة ساءت حالة الطقس» وقضينا ساعتين صباحيتين في أشد 
حالات القلق كما علمنا أنه قادم إلينا جواً رغم الثلج المتساقط بكثرة» وبالفعل 
اصطدمت طائرته والطائرة المرافقة لها بالأرض عند الهبوط وتحطمتا لكن لم 
يصب أحد بجروح تزيد عن الرضوض البسيطة. وقبل وصوله حصل في الموقف 
تبدل حاد فقد وجه (جواد باشا) مذكرة للرئيس قبل فيها على نفسه (مسؤولية 
السلامة الشخصية لكل أعضاء الوفد التركي في حالة وقوع أي عمل من أعمال 
العنف). وأعلن موافقته (على التدابير الدقيقة التي اقترحها (في الماضي) المندوب 
السامي التي لا تلحق أي أذى بمكانة ومشاعر الوفد التركي وأن الوفد سيبذل 
المساعدة لإنجاز مهمتها). أما من جهة المندوبين» فلا ندري ما الذي جعلهم 
يعدلون عن فكرتهم في الذهاب إلى أماكن غير معلن عنها؟ أيعد زيادة في التأمل 
أو نتيجة لاعتراضنا؟ فقد انتقلوا فجأة إلى أقصى طرف مناقض وأعلنوا نيتهم بأن 
ينطلقوا إلى اتجاهاتهم برفقة حرس رسميء ليعدلوا عن ذلك بسرعة خاطقة. 


2343 


وقضى السير (هنري دوبس) صباحه مع أعضاء اللجنة والمراقبين» واختلى 
بالرئيس ساعتين مساء. وبعد تبادل صريح الكلام توصلا إلى تفاهم تام واتفقا على 
منهج معين في 11 شباط تتشعب اللجنة إلى أربع هيئات فرعية» ويبقى الرئيس 
والمراقبان في الموصل يواصلون التحقيقات في مناطق السهول ويذهب (تيليكي) 
و(كرامرز) و(ناظم) إلى أربيل وأخيراً يلتحق بهم (لاين) كخبير بريطاني. ويسافر 
(باولس) مع (صبيح وكامل) إلى شمال كركوك ويتجول (بورتاليه) في منطقة كفري 
يرافقه (فتاح) وخبير نتزود به موقعياً. وبعد هذا تجتمع اللجنة كلها في كركوك. 
ولأهمية السليمانية بوصفها مركز الحركة القومية الكردية» تنتقل البعثة برمتها إلى 
المدينة ومنها تعود إلى الموصل لمواصلة التحقيق مرة أخرى في مناطق اللواء 
الجبلية الكردية القريبة من حدود الولاية. 


544 


- 27 ب 
لجنة الموصل (2) 


كان الموقف في الألوية الشمالية الشرقية الثلائة يختلف تماماً عن الموقف 
الذي بدا في الموصل. فهناك كان الموظفون المسؤولون من القبليين الكرد لا من 
العرب. وكلهم يدركون كما ندرك نحن البريطانيين» أن من السخف والعبث 
محاولة دعم قضيتنا بمحاولة استشارة للسكان غير طبيعية» حيث لم يمر عليهم 
وقت طويل من حملهم على رفع علم المملكة وإقناعهم بالمساهمة في الانتخابات 
بعد رفض بات للانضمام إلى الدولة الجديدة» لذلك قررنا أن يكون إبراز العامل 
الاقتصادي خير حججنا. وهو في الحقيقة منطق سليم لا يدحض حين يُنظر في 
ضوء ارتياح الأهلين من النظام الحالي الذي يتولى الحكم فيه مواطنون من المنطقة 
بارزون يدعمهم نفوذ بريطانيا القوي وكل هذا على طرفي نقيض من ذكريات آخر 
أيام الحكم العثماني السيئة هناك. حتى المظاهرات المرخص بهاء وجدنا أنها قد 
تؤثر في الانضباط العام وقد يستغلها مثيرو الفتن ويهتبلون فرصتهم ليلعبوا تلك 
اللعبة التي لا تفيد غير خصومنا. ولذلك اتخذنا كل الاحتياطات الممكنة في 
الألوية الثلاثة لمنع تنفيذ التعليمات الصادرة من بغداد بتأليف (لجان الدفاع 
الوطني). وفي كركوك ألقينا القبض على اثنين من مندوبي بغداد أرسِلا لتنظيم تلك 
اللجان حال نزولهم من القطار في رأس السكة وأعدناهما من حيث أقبلا في أول 
قطار نازل. 


غادرت الموصل جواً فى بكور 11 شباط قاصداً أربيل» وهنا تبادلت حديثاً 


2345 


قصيراً مع (لاين) قبل أن ينضم إلى اللجنة الفرعية على حدود اللواء قرب الزاب 
الكبير وكان حديثي مع متصرف اللواء (أحمد أفندي) أطول. لقد أظهرت تجاربنا 
في الموصل أن السياسة التي سبق تقريرها للألوية الثلاثة هي الصحيحة المنسجمة 
انسجاماً تامأ مع منهاج اللجنة التي توصلت إليه أخيراً بعد كثير من العثرات 
والمتاعب وأكدنا تعليماتنا السابقة في منع أية محاولة تظاهر تقوم بها أية جهة من 
الجهتين وكررنا أن قوائم الشهود الذين ستسمع شهاداتهم يجب أن تعد على أساس 
الشخصيات والمقام البارز (كما فعلنا في الموصل) وكان من الضروري أن نفهم 
اللجنة أن موظفي الإدارة في الألوية الثلاثة لم يجر اختيارهم لمناصبهم إلا بسبب 
ما يتمتعون به من مقام بين أبناء قومهم ولذلك يجب ألا تهمل آراؤهم أو تعتبر 
مقولات ببغائية يرددها موظفون في السلطة لا غير» هذا مع عدم بل أية محاولة 
منا لإخفاء مشاعر الولاء للترك إن وجدء بل علينا أن نوجه فعلا انتباه أعضاء البعثة 
إلى كل من يحمل هذا الرأي مع إيضاح الأسباب التي تحملهم على هذاء وأن 
يبعد الشرطة عن طريق اللجنة تماماً. 


وكانت الخطوات التي اتخذها متصرف أربيل فعالة. فلما سرت عصر ذلك 
اليوم برفقة (باولس وبورتاليه) في الأسواق وفي أزقة القلعة واجهنا هدوءاً طبيعياً 
عاماً لا أثر فيه للتعمل أو الافتعال وكان أصحاب الدكاكين من الصناع والبقالين 
منكبين على أعمالهم وبضائعهم باستغراق نادر المثال بحيث يصعب عليك حملهم 
على رفع أنظارهم إليك وإجابتك عن أسعار بضائعهم التي كانت موضع اهتمام 
الزائرين. 

في تلك الليلة أدب لنا (لاين ولتلديل) مأدبة عشاء في منزلهما الذي يقع 
خارج المدينة بينما قام المتصرف أحمد أفندي بواجب ضيافة المراقبين الترك. إني 
والحق يقال لست متأكداً من إيرلندية (لاين). على أنه ربى فى مقاطعة إيرلندية. 
فأضاف إلى خشونته الجبلية طبعاً جذاباً يعيد إلى الذاكرة إطلاق أولئك الذين أدوا 
فريضة الحج إلى (بلارني 07مدا8) ولم يكن هو أو زميله من عباد الشخصيات 


536 


المتزلفين» ووقع الضيوف في حيرة ظاهرة عما تكون طيئنة «لاميْ»”" أربيل هذين 
وما هو المسلك الذي يتخذونه إزاءهما بطباعهما هذه التي لا يحاولان إخفاءها. 

وشوهد (لاين وتيليكى) معاً يكادان لا يفترقان طوال الأسبوعين التاليين 
يتجولان في أنحاء اللواء وقد توثقت بينهما عرى صداقة حميمة وعرف أحدهما 
الآخر معرفة جيدة. كان تيليكى الذي يمثل شعار أسرته العريقة صور وعل وثاب 
فوق تاجء يتوق جداً إلى أن يرجع إلى بلاده برأس وعل من الفصيلة الآسيوية 
لذلك أوقف عمل اللجنة أربعاً وعشرين ساعة لأن تيليكى خرج لزيارة جبل 
(سفين) وهو جبل أحدب رائع في منطقة خوشناو ويبلغ ارتفاع أعلى قمة فيه 6500 
قدم. ويبعد زهاء (25) ميلاً شمال شرق أربيل. ويشاء سوء حظ الكونت أن يخطئ 
في إصابة وعل ممتاز دله عليه (لاين)» ولم يكن (تيليكى) قوي البنية» فقد 
تدهورت صحته بأعباء الرحلات الشتوية في كردستان ولم يسعه التقدم أكثر من 
رواندوز. 

وفي 12 منهء رافقت لجنة كركوك الفرعية إلى (آلتون كوبرى) وكان الهدوء 
العام يسود البلدة الصغيرة ولم يثر أي اهتمام. وفي بناية السراي بوشر بسماع 
الشهودء وتلك أول مرة أحضر استجواباً. وأعتقد أن (باولس) أنجز مهمته بكل 
حياد وبأسلوب يتفق مع درجة وعي الشهود واستعدادهم الذهني ولم يكن لدى 
الترك قائمة شهود. لذلك تم اختيار سبعة أسماء كيفما اتفق من القائمة العراقية» 
وطلب من (صبيح وكامل) القيام بالترجمة كلاً بدوره على أن يكون كل واحد رقيباً 
على ترجمة الآخر. ويعد شرح سبب زيارة البعثة» ومهمة كل شخص من الحضور 
ألقى على الشاهد عدد من الأسئلة البسيطة: ما هي قوميته؟ دينه؟ مهنته؟ واسطة 
النقل التي يستخدمها؟ سوقه التي يبيع فيها ويشتري وما إلى ذلك. ثم طلب (يعد 
انسحاب كل شخص من الغرفة وبضمنهم المترجمون) أن يجيبه كل شاهد على 
هذا السؤال: هل يفضل أن يكون تحت الحكم التركي أم الحكم العراقي؟ على ألا 


(1) يقصد (لتلديل) و(لاين) حيث إن اسميهما يبدآن بحرف اللام. (المترجم). 


517 


يتضمن الجواب أكثر من كلمة (تركيا) أو (العراق) إن هذا السؤال الذي سمي فيما 
بعد (بالسؤال الصغير) لم يكن تبسيطاً سخيفاً للموضوعء, كما يبدو ولأول وهلة» 
فهو يكفي المستنطق ليبني به رأياً عاماً حول ولاء القرويين العاطفي وهو عامل 
واحد فقط يجب ألا يغفل حسابه. ولا يمنع الشهود ذوو الاستعداد الذهني» من 
شرح الأسباب التي دعتهم إلى هذا التفضيل ولا يحال بينهم وبين الإدلاء 
بشروطهم المعلقة عليه ولما كانت أغلبية سكان (التون كوبرى) تركية ولأنها مركز 
رئيس للتجارة والنقل بالأكلاك مرتبطة ببغداد فإن الأجوبة الخاصة بهذه الناحية 
ستنحو حتماً منحى العراق. ومن هيئة الشهود وما علمت فيما يعد قدرت خمسة 
منهم أراد العراق واثنين فضلا تركيا. وهي نتيجة تنطبق تماماً على وجهة نظر 
الأهالي العامة. نتيجة طيبة جداً للعراق إذا أخذنا بنظر الاعتبار قومية سكان البلدة. 


وبعد أن تناولنا طعام الغداء سافرت إلى كركوك برفقة (بورتاليه) تاركين 
(باولس) والخبراء لمواصلة تحقيقاتهم في مختلف القرى الواقعة على جانبي 
الطريق. وصادف أن انفجر إطار في السيارة التي تقل (كامل وفتاح) فانفصلت عن 
سيارة (باولس وصبيح) وفي وقفتين من وقفات سيارتهما أوهم القرويون التركمان 
أن صبيح هو الممثل التركي (وكان بالطبع يتكلم لهجة استانبول الفصيحة) فراحوا 
يبدون مشاعر الولاء لتركيا ويدعون (للباديشاه) الخليفة الألعوبة الذي لم يعد له 
وجود وسر (باولس) بأمانة (صبيح) الذي ترجم له ذلك من غير حاجة إلى رقيب 
مع أنها شهادة ليست في صالحه. على أن (باولس) صارحني في تلك الليلة بأن 
نفسه استفظعت القذارة والحقارة التي وجدها في تلك القرى وآلمه جداً درجة 
التأخر العقلي عند الفلاحين الذين يساوون في رأيه أحط سكان الكونغو وأكثر 
منهم بدائية» لذلك لا يسعه إلا أن يستنتج أنه من العبث اتباع هذا الأسلوب في 
استجواب الفلاحين» وأنه أدرك الآن صحة موقفنا ووجاهة رفضنا اقتراح الاستفتاء 
العام. على أنه يرى من الضروري الاستمرار في التحقيق من رغبات الأهالي» إن 
لم يكن لشيء فلإقناع الحكومة التركية بأن اللجنة قد فعلت كل ما أمكن فعله 
باستثناء الاستفتاء العام. 


2348 


وفي 17 منه سافرت إلى السليمانية جواً للمداولة مع (جابمان)» إن البلاد التي 
عرفتها جيداً كانت تبدو في نهاية الروعة في الجو الصقيعي الصافي الرائق وكان 
البحر المسئن لسفوح (شوان وجمجمال) تخترقه خطوط بيضاءء هي جبال قره داغ 
- به رتان - بيره مه كرون -ثه زمر) التي يغطيها الثلج الكثيف. فتلمع بما لا 
يحصى من اللآلئ. وارتفع أمامنا (هه ورامان) جداراً أبيض عظيماًء ومن بعيد إلى 
الشمال الشرقي بدت خطوط قمم (قنديل الواضحة) تسمو فوق كتل من الثلج أكثر 
تشابكاً. 

ووجدت (جايمان) ثبت الجنان» وكنا قبل بضعة أسابيع قد طلبنا تعيين 
متصرف عراقي بشخص (أحمد بكى توفيق بك) قبل وصول اللجنة. إلا أن مجلس 
الوزراء عارض في تعيينه لوجود مرشح آخر لديه لم نره مناسباً. ولذلك لم تصل 
أية أوامر بهذا الشأن ووجدنا أن أجراء أي تغيير الآن وفي اللحظة الأخيرة قد يثير 
شكاً لا داعي لإثارته وسوء فهم للمسألة. ولذلك أبرقت إلى بغداد مقترحاً أن 
يستمر (جايمان) في واجباته حتى ختام زيارة اللجنة. ووجدت المواطنين البارزين 
الذين اتسع لي الوقت لمقابلتهم وهم أحمد بك وشيخ قادر أخ شيخ محمود آغا 
عبد الرحمن؛ ممتلئين بروح النضال فالأمر بالنسبة إليهم ليس قبولاً ذليلاً 
لاستجواب مفروضء ولا أجوبة سرية عن (السؤال الصغير) بل هو أخطر من: 
هذاء ولقد عقدوا العزم بجهرهم بسوء الحكم العثماني ورفضهم له في جلسة عامة 
للجنة. بل سيتمادون ويوجهون بدورهم أسئلة الاتهام إلى (جواد) بصدد طلبه إعادة 
ضم بلادهم إلى تركيا. وإعلان عزمهم ألا يخضعوا ثانية إلى الأسياد الذين قاسوا 
منهم الأمرين. 

ومكث (باولس) في كركوك أسبوعين ومع أن (صبيح) كان خبيرنا الرسمي إلا 
أن كركوك هي. منطقته ولذلك وقع على عاتقي أو عاتق (ميللر) في حالة غيابي 
لنمده بكل المعلومات اللازمة وبطبيعة الحال كان (كامل) يلقى خدمة ممتازة من 
(آل نطفجي زاده) وفي مقدمتهم أخ (ناظم) لغيابه؛ ومن غيرهم من الموالي للترك 


5349 


في الأسر الأرستقراطية. وقيض لي عدد من جلسات أحاديث طويلة هامة مع 
مندوب اللجنة. ولما كان جديداً على الشرق الأوسط فقد جرفته عدة مفاجآت 
متتالية لا عهد له بها. وكنت أرقب آراءه الأولى وهي تتحول تحولاً عنيفاً متطرفاً 
من أقصى نهاية إلى أقصى نهاية إلى أن تستقر بعد تذبذبها هذا على آراء معينة؛ 
ظهرت بكل أمانة أخيراً في التقرير المرفوع إلى العصبة. وقد خيل لي أنه يتعمد 
شحذ ذكائه بذكائي كحدي سكين فيفتعل مناقشات معي ليضع آراءه موضع اختبار» 
وليست أشك في أنه كان يقوم بالدور نفسه مع (كامل) الذي كان ينفرد به أيضاً في 
جلسات حديث طويلة. 


ولفائدتنا العظمى» شاء أن ينظر إلى المشكلة أولاً من زاوية اقتصادية بحتة 
تقريباً واعتبرنا مقصرين في عرض هذا الجزء من قضيتناء ودهش حين رأى أن مد 
السكة الحديد من كفري إلى كركوك لم يتقدم إلا بهذا المقدار وقال إنه لا مبرر لنا 
من عدم تحقيقنا تقدماً أكثر من هذا بكثير»ء وزاد يقول إننا أخطأنا في محاولتنا 
البرهنة بأن ولايتي البصرة وبغداد (وهما مما لا يهم اللجنة أساساً) لا يمكن أن 
تعيشا بدون ولاية الموصلء وكان الأصح أن نبرهن بأن الموصل لا يمكن أن 
تعيش منفصلة عن الولايتين... وذكر انتقادات أخرى. وأدرك أيضاً حال مغادرته 
الموصل تقريباً. إن أولئك الذين يقفون موقفاً عدائياً من الترك ليس فيه مساومة» لا 
يكنون في الوقت نفسه أي حب أو ولاء لحكام بغداد. وإن وصفهم يدل على 
رضاهم إلى حد ما بالوضع السائد حالياً في الألوية الشمالية باعتباره مرحلة من 
الطريق التي ستنتهي بالاستقلال الذاتي إلا أنه وجدهم شديدي القلق لما سيحدث 
لو انتهى العمل بالإدارة البريطانية في ختام السنوات الأربع المحدودة في 
البروتوكول الجديد الملحق بالمعاهدة. وفي الوقت الذي كان الموالون للترك 
مندفعين بوحي العاطفة أساساً ويعجزون تماماً أن يقدموا عند استجوابهم أسباباً 
معقولة لتفضيلهم الترك» فهناك كثير ممن يعتنق وجهات نظر مشابهة لتلك التي 
ينادي بها خصوم التركء لكن قلقهم زاد بإبرام هذا البروتوكول بحيث فضلوا 


230 


ضمانة (وإن كانت مقترنة بطابع الجمود الذي يسود الإدارة العثمانية القديمة) على 
مغامرة العراق بكل ما فيها من احتمالات الفوضى والانهيار التام. وإن الآراء 
القومية المتطرفة التي صرح بها رئيس الوزراء (ياسين باشا) وشخصيات بغدادية 
هامة» زادت في شكوك (باولس) بدلاً من شدها أزر العراق في مطلبه» وجعلته 
يرتاب في حكمة فصل ولاية الموصل عن تركيا فصلاً تاماً بدون قيد أو شرطء 
وكلما مضى في تحقيقاته وتعمق» كلما بدت مسؤولياته في عينه فهي أخطر وأدق» 
وراح يميل ذات اليمين وذات الشمال» تراه آنأ يفكر في شيء, وتراه آنا يفكر في 
شيء آخرء ولست أقول إنه شعر بأنه من صميم عمل اللجنة. إذ سيكون السخف 
بعينه أن يقدموا توصيات قد ينجم عنها قذف الولاية برمتها في أحضان الفوضى 
والاضطراب بعد ثلاث سنين. 


وبذلت قصارى جهدي لتهدئة مخاوفه وتسكينها بصدد التتائج المحتملة لأي 
قرار يصدر في صالح العراق وقلت إن يقظة الشرق هي يقظة حقيقية جداً لا يمكن 
تجاهلها. وإن تطبيق أساليب استعمارية على غرار ما يطبق الكونغو لا يمكن 
التفكير فيها مطلقاً هنا. ويخال لي أن الفترة القصيرة التي عينت في البروتوكول 
بخصوص مدة المعاهدة هي في الحقيقة تنازل لرأي المتطرفين في كل من إنكلترا 
والعراق. وليس هناك من يفكر بصورة جدية أن المعاهدة لن تجدد لفترة ثانية قبيل 
نهاية السنوات الأربع. 


إن المناقشات الشخصية التي يسودها جو الود والصداقةء وخلو المكان من 
أي نشاط بوليسي» وموقف (صبيح) في اليوم الأول» وإدراك (باولس) أن تحقيقاته 
الخاصة بنتائجها الصالحة والطالحةء أكدت له التكهنات التي أنهيتها إليه متنبئاً بأنه 
سيتوصل إليها بنفسه» كل هذه الأمور أزالت من ذهن (ياولس) الشكوك التي 
نشأت فيه وبسبب سوء الفهم الذي ساد أسابيعنا الثلاثة الأولى في الموصل. 
وبذلك آل (نطفجي زاده) أقصى ما في طوقهم لإبقاء الشك وعدم الثقة بإقناع 
(كامل) بالشكوي من الإرهاب وتقديم الاحتجاجات فيفعل» وكان يسهل علينا في 


5531 


كل مرة أن نثبت أن المعتدى عليهم المزعومين هم مجرمون ذوو سوابق مسجلة 
في دوائر الشرطة» وأنهم يريدون إحداث الشغب وإقامة التظاهرات. ولما كان قد 
تقرر ألا يسمح بأي تظاهرة موالية للعراق فنحن محقون جداً في اتخاذ التدابير التي 
نراها تؤدي إلى هذه الغاية وقد تلقيت جواباً من مندوب اللجنة على تقرير كتبته 
بخصوص إحدى تلك الشكاوى وضعنا في مركز قوي عندما شكت الحكومة 
التركية أن المندوبين ووفدهم قد سدت عليهم المنافذ أثبته هنا بنصه الفرنسي: 

«أتشرف بإعلامكم أني تسلمت رسالتكم في هذا اليوم. وبطيها البيانات التي 
كنت قد طلبتها منكم في موضوع قيامكم ببعض الاعتقالات للأفراد في الرابع عشر 
من الشهر الجاري» إن الإيضاحات التي قدمتموها كافية تماماً وإنه ليسرني 
الاعتراف بجدوى تدابيركم الفعالة في إدارتكم شؤون كركوك. تلك التدابير الرامية 
إلى منع كل التظاهرات في الشارع وحظرها على الجانبين سواء بسواء. وإنه 
ليسعدني في الوقت نفسه التنويه بالحرية الكاملة التي أتحتموها لي في هذه المدينة 
للتعرف على آراء سكانها». 

لقد قطعنا في الواقع مرحلة طويلة من الطريق وخَلفنا وراءنا مرحلة التراشق 
بالمذكرات الخطية منذ أيامنا فى الموصل. 

وأما عن (كامل) فقد صرت ألتقي به أكثر من ذي قبل فأحببته واحترمته» لقد 
سعى هذا الرجل سعياً فائقاً للإفادة من كل العوامل الصالحة لقضيته والمتوفرة في 
كركوك ومع وجود آل نفطجي زاده خلفه يدفعونه فإنه لم يسمح لنفسه بأن يحيد 
عن جادة السلوك الصحيح المتسم بالحصافة والكياسة الذي كان طبيعة فيه. وكنت 
شديد اللهفة لأوضح له أن الخصومة السياسية التي كلفنا بها لا تؤثر قط على 
احترامي الشخصي له. وكان (روب) في نهاية البراعة عندما دعاه مع (باولس) إلى 
عشاء في مطعم القوة الجوية» بوصفه زميلاً في صناعة الحرب الشريفة. 

وشعرت أن أمورنا في كركوك وهي المركز الحصين للنفوذ العثماني في ولاية 
الموصل» قد سارت عموماً سيراً أفضل بكثير عما يحق لنا أن نتوقعه وأدرك 


5352 


مندوب البعثة الآن أنه إذا كان جزء من سكان المدينة تركيا فإن الأغلبية الساحقة 
من سكان اللواء هم كرد. وبعدد الرؤوسء فإن العرب الذين يسكنون اللواء (قبيلة 
العبيد والعشائر الساكنة في مالا وقره تبه) يزيدون على عدد الترك. والفضل الكبير 
الذي يعود إلى مجهودات آل اليعقوبي الحميدة توصل إلى أن ينقسم الشهود الذين 
يتكلمون التركية إلى قسمين متساويين تقريباً. وأما عن الكرد» فإذا كان القرويون 
الذين يعيشون في أحط درجة من المدنية أمثال قرويي (شوان والتون كويرى) 
والقرى المجاورة للمدينة قد صوتوا لتركيا بتأثير أسيادهم ومالكي أراضيهم من 
الإقطاعيين أو بدافع من الشعور الديني» فإن (قره حسن» وطاووق) ونخبة طيبة 
من الشخصيات القبلية البارزة الذكية صوتت للعراق كتلة واحدة. كذلك صوتت 
للعراق طوائف المسيحيين والموسويين التي كانت لها وزنها النسبي إلى عددها 
ولكي نرصٌ الرأي العام المحلي في بلدة كفري التي كانت بعض أسرها البارزة 
تركية مثل كركوك فقد اعتمدنا على (عمر نظمي بك) وهو من كفري بالأصل. 
وكان قاضياً في كركوك في العام 1922 كما أسلفت. ففك من وظيفته ورُبط بنا 
بصورة مؤقتة. ولجهله بالإنكليزية والفرنسية لم يختر لمرافقة (بورتاليه) خبيراً لنا. 
ووقع اختياري على (كورنر) وأظنئني عكرت عليه بهذا جو صداقتنا. إذ لم تعجبه 
المهمة أبداً. ودفعت به إلى (كفري). واتفقنا في جلسة عقدناها مع (بورتاليه) 
و(فتاح) على خطة عمل اللجنة الفرعية. ثم انفردت (بكورنر) وأكدت له أننا لا 
نتوقع منه مأثرة سياسية باهرة» وأن معرفته بالبلاد وشعبيته بين الناس ستخلف 
أثرها الجيد في نفس وكيل المندوب المحايد» وأن مجرد وجوده في الطرف 
المقابل سيمنع (فتاح) من الإفراط في تصرفاته المستهترة. وليس عليه إلا أن يذكر 
شيوخ القبائل ومن عالجه بأمور بعيدة كسؤاله عن جروح الطلقات النارية التي 
أصيب بها فلان أو الفوائد التي جنوها من إدارة حكومة الانتداب» وليس بحاجة 
أن يسألهم أسئلة غير مناسبة. وأعلمته أن سياستنا لا ترمي إلى تشديد الرقابة على 
المندوبين الترك» لكن إذا شعر بأن (فتاح) يمضي في دعاياته وإرهابه إلى حد 
الإفراط فعليه أن يقدم احتجاجاً لبورتاليه. 


233 


قامت اللجنة الفرعية في كفري بتفقد قطاع كبير من المنطقة فزارت جبل 
حمرين بالسيارات وباتت ليلة واحدة في (قره تبه) وقضت أربعة أيام 18 - 22 
شباط تتجول خارج كفري. وباتت ليلتها في (إبراهيم خانجي: زنكنه) و(قادر 
كرم: شيخ عبد الكريم) و(جاورى: عزيزي عباس داودده) و(طوز خورماتو) 
و(بسطاملى بيات). كان (كورنر) المدني ينوء تحت أثقل مهمة من دون سائر 
الخيراء. (فناظم) في أربيل و(كامل) في كركوك أشبه ما يكونان في محيطهما 
الاعتيادي أما (فتاح) فكان بين القبائل التي أطلقت عليها مرة (لغم كفري) كأنه في 
بيته هذا فضلا عن كون لجنة كفري هي الوحيدة التي تقضي لياليها بعيدا عن مراكز 
الإدارة في ضيافات شيوخ القبائل» حيث يقعد (بورتاليه وكورنر) ساكتين في 
الديوان بينما ينطلق (فتاح) إلى مجالس خاصة بسبب قرابته من بعض السيدات 
ويعقد الاجتماعات في السر. وكانت خطة (فتاح) أن يذيع حكايات ويوزع نشرات 
(عثرنا على واحدة منها) يزعم فيها أن الموضوع قد سوي في الحقيقة» وأن 
(رمزي) الذي كان قائمقاماً لرواندوز ورانية في العام 1922 سيأتي عما قريب ليتولى 
إدارة كفري. وكان أثناء الاستجواب العلني يتظاهر بتدوين ملاحظات عن كل ما 
يقال مما يحمل محمل التهديد والوعيد. 


كان (كورنر) بطبيعة خلقه أرهف وجداناً من أن تهدثه تأكيداتي الملطفة وتفرخ 
روعه» وعاد إلى كركوك مثل سجين أطلق سراحه تواً. وهو شديد التشاؤم قليل 
الويمان بجدوى ما فعل. وكان الواقع خلاف ذلك فقد حقق نتائج ممتازة وفي (كه 
لار) وقف (كريم بك جاف) إلى الجانب العراقي بصراحة وحماسة. ولدهشتنا 
وجدنا (عزيزي عباس داووده) لا يقل عنه صراحة فى إعلان رأيه إلى جانبنا حتى 
(رفعك) نهم فالستتقد انه أعطانا صوته وبيب ظكا ظاليانية (كل) بإبدائف 
بعض التردد والتمنع» إلا أن إعلانهم بأنهم سيصوتون إلى جهة (عبد الله صافي 
أفندي) وطالبانية كركوك وقره حسن وطاووق؛ ضَمِن أصواتهم لنا فضلاً عن قيمتها 
وصوتت (الطوز إلى جانبنا) وإذا كانت الغلبة في البلدان الصغيرة ككفري وقره 


254 


تبه» وعند قبيلة (ده للو) للجانب التركي» فإنها ليست كافية لهزم كتلة الجاف 
والداووده المتراصة. 


وفي 21 منه طرت ألى الموصل حيث كان (فيرسن؛ وجاردين» وجواد) 
منهمكين في تحقيقات النصف الجنوبي من لواء الموصل وكانت النسب متأرجحة 
والحظوظ متفاوتة» والجو أقل توتراً من السابق لكن وقع بعض الحوادث كانت 
مع جانبها المضحك كافية لإبقاء شكوك الرئيس على حالها. ففي تلعفر وهي بلدة 
تركمانية تبعد 40 ميلا عن الموصلء أفلح مشاغب مدسوس في خديعة القائمقام 
ونجح بإخراج مظاهرة موالية للترك تتألف من عيّاري السوق وذلك في ضواحي 
البلدة تناقض تماماً شبه الإجماع للشهود الرسميين في كل من القائمتين التركية 
والعراقية الذين صوتوا إما إلى الجانب العراقي أو قالوا إنهم يريدون أن يتبعوا 
مدينة الموصل. وحصل ما يشبه هذا في (عقرة) الكردية الخالصة. وفي سنجار كان 
أحد الفراشين مسنداً ظهره وهو نعسان إلى باب الغرفة التي يجري فيها التحقيق 
وعندما فتح الباب من الداخل بغفلة منه سقط على الأرض واتهم بأنه متجسس» 
وصادف أن كان هذا الرجل أصم كالحجر! لكن لا يتوقع من أحد أن يؤمن بهذا. 
وأعظم ما ضايق الرئيس أن عضواً قيادياً في لجنة الدفاع في المدينة» ذا لحية 
تستوقف النظر في أي حشد من الناس كان وتدل على صاحبهاء كان كثير النشاط 
في زيارة كل مركز إداري قبل أن تدخله اللجنة الفرعية بقليل» ويبدو أن (هذا 
الملتحي القذر مهطهدةة ءاة8) كان يتمكن دائماً من الوصول إلى (فيرسين) والوقوف 
أمامه كلما هم بدخول الدائرة التي خصصت فيها غرفة للاستجواب ولهذه 
الأسباب؛ كان أملنا في النصف الجنوبي من لواء الموصل لا يسمو إلى أكثر من 
خمسين بالمائة من التصويت السياسي. 


عدم وصلت كركوك في الرابع والعشرين منه وجدت (تيليكى) طريح الفراش 
وعليه علاثم السقم» وقد سُفْر جواً إلى بغداد في اليوم التالي بتوصية (كورنر). 
وكان (بورتاليه) قد عاد من كفري يشكو التهاب اللوزتين» وأطاحت الملاريا 


5235 


ب(فيرسين) في 25 منه بعد عودته مباشرة. لذلك كانت لجنة هزيلة تلك التي قصدت 
السليمانية في 27 منه إلا أن المتخلفين ما لبثوا أن التحقوا بنا بعد يوم أو اثنين 


لم تكن تساورنا ذرة من الشك في أننا نوشك الآن خوض المعركة الفاصلة 
بعد كل حربنا. فها هنا إقليم ليس فيه أقلية عربية أو تركية مطلقاً. والكرد هنا 
يكادون يكونون في ثورة دائمة ضد السلطات العراقية والبريطانية طوال السنوات 
الخمس الأخيرة. وأن قائد الثورة النافذ الكلمة والمحترم من الجميع حسب 
الظاهر» كان على صلة مستمرة بحكام تركيا مستنجداً طالباً العون مؤكداً إخلاصه 
لهم» فلا عجب إذن أن راح يتوقع هنا نصراً ساحقاً مؤزراً بعد المعارك المتكافئة 
في الموصل وأربيل وكركوكء لا غرابة أيضاً في أن يظهر المندوبون شوقاً ولهفة 
إلى إجراء التحقيق في منطقة كانوا يأملون أن يستمعوا فيها إلى تعبير في الرأي 
قوي لشعب قدّم أعظم برهان على استقلاله الفكري. أما نحن فقد كنا نستطيع أن 
نمضي في عملنا بثقة تامة ويقين بأن النتيجة ستكون خلافاً لما يتوقعه (ياولس 
وبورتاليه) ولما كان الفريق التركي متأكداً منه هو والأعضاء الحياديون ولم يدر 
(جواد) أنه مزمع أن يتلقى مفاجأة العمر! 


في الليلة التي سبقت سفرنا إلى السليمانية تبادلت حديثاً طويلاً مع (فيرسين) 
وجريا على السياسة التي اتبعتها مع (باولس) زودته بتكهناتي عما سيجده هناك 
ولخصت له الموقف بما يلي: هنالك عدد قليل من القوميين المتعصبين الكرد. أما 
الأغلبية منهم وطنيون معتدلون يرغبون في اتحاد مع العراق شريطة أن يكون 
موظفوهم كرداء وأن تبقى اللغة الكردية لغة الإدارة الرسمية» والتعليم في 
المدارس. أما التجار (الذي يعني الانفصال خرابهم) فهم موالون للعراق بشدة ومن 
دون قيد أو شرط. وليس في الإقليم كله من يعطف على الترك إلا شرذمة صغيرة 
من المتقاعدين المستائين. 


5256 


وقبيل السفر بدأ (جواد) يتململ وراحت ثقته تزاولهء فقد قبل والعهدة على 
الراوي أن قصاصة من الورق دست في يده وبها إنذار له بأنه سيقتل في 
السليمانية» وقيل أيضاً إنه أبلغ بأنباء تشير إلى إيفاد (15) آثوريا لاغتياله واغتيال 
خبرائه. قأكدت للرئيس ولاباولس) أن معرفتي بالسليمانية تكفي لأطمئن بأن الوفد 
التركي برمته سيكون آمناً من الاعتداء والإهانة. بغض النظر عن سخافة هذه 
الحكاية الأثورية. فمن يسكن السليمانية منهم فماهر بارز في مجتمعها ومن المحال 
إخفاء أحد من القادمين. إلا أن (فتاح) وهو مواطن من السليمانية قد ينظر الناس 
إليه هنا كخائن وعميل مارق» وأن جماعة من شبان الكرد الوطنيين (على حد 
تقارير جابمان) يعدون العدة للقيام بعمل لا يزيد عن الطلي بالزفت أو التشهير وما 
إليه من أعمال التشنيع والسخرية به. ورجوت الرئيس أن يطلب من فتاح ومن ناظم 
أيضاً (زيادة في التحوط) ألا يخرجا إلى المدينة حتى أتوفر إلى دراسة الوضع 
شخصياً وفي موقعه. وفي اليوم التالي وجدتني زميلاً لباولس في سيارة واحدة وهو 
العضو 00 الذي أمكنه السفرء وفي الطريق دفع إليّ بقائمة زوده بها (جواد) 
زاعماً أنها تنضمن أسماء المشاغبين الذين أرسلوا إلى السليمانية خلسة لبث الدعاية 
ورجا مني إبعادهم عن المدينة. ظهر أن هذه القائمة تحوي أسماء (بابكر آغاء 
وشيخ ثاوول سه نكاوء وحاجي شيخ عارف سه ر كه لو وأحمد بك جاف ابن 
سيدة حلبجة» وكريم بك جاف)» وهؤلاء هم طبعاً صفوة أعيان اللواء ومقامهم 
كبير في قائمة الشهود التي سبق لنا تقديمها رسمياً. وكان آخر المذكورين قد 
اجتذب اهتمام (بورتاليه) لمركزه المرموق وذكائه فأشاد به وذكره ذكراً حميداً بعد 
زيارته كفري. ولا شك أن (جواد) كان سليم النية بتقديمه هذه القائمة (ففتاح) كان 
يورطه دائماً بأسوأ النصح» وقد أراد أن يظهرهم بمظهر المشاغبين الأفاقين» مما 
يختلف تماماً عن خطتنا الثابتة التي درجنا عليها وهي تقديم قوائم كاملة بأسماء 
الشخصيات البارزة بصرف النظر عن آرائهم ووجهات نظرهم السياسية. ولم يكن 


535/ 


(باولس) آسفاً في إيضاحه للمراقب التركي سخافة قصص (الديك والثور)!! 
اللامعقولة التي ظلت تنهال على المندوبين منذ وصوله من الموصل. 


إن دخول قافلتنا المؤلفة من عشرين سيارة لم تخلق أية ضجة في المدينة وكان 
(باولس وكرامرز) يتقدمان (جواد وكامل) مسافة قصيرة جداً فخرج الأربعة معاً إلى 
الأسواق المدنية حال وصولهم وراحوا يتجولون ويلقون الأسئلة على أصحاب 
الدكاكين إلا أنهم جوبهوا بحائط أصم كما كان الحال في أربيل ولم يكترث أحد 
بهم ولم يتجمع أناس حولهم. واضرب (جواد وكامل) بعدها عن الخروج. أما 
(فتاح وناظم) اللذان لم يعدما مصدر معلوماتهما الخاصة عما سيوشك أن يقعء 
فلم يجسرا على ترك الدار طوال وجودنا في المدينة! ووصل (بابكر آغا) في 
ساعات العصر الأولى يحف به فرسان البشدر المغاوير حوالي مائة منهم في أفخم 
حللهم وأكرم خيولهم» وبكل سلاحهم,؛ وراح (باولس) يراقب بنظره هذه 
المظاهرة العسكرية الجميلة المهيبة فعلق ساخراً بقوله: (أهذا هو الرجل الذي 
خدع المراقب التركي به» وأظهره له خبيره على غير حقيقته؟). 


وبدأ وكأن (جواد باشا) فقد الثقة بمقدرة (فتاح) على معاونته ورجاني شخصياً 
أن أطلب عنه من رضا بك (صديقنا المخلص للعام 1919» الذي يذكر أن الأنبياء 
قالت عنه إنه تزعم الحزب الموالي للترك في اضطرابات 1923 - 1924» أن يأتي 
لزيارته حتى يثوره بالتكوين الأثنوغرافي للواء. وكنا قد تحدينا المراقب التركي بأن 
يقدم للجنة ال 32000 تركي الذين ورد ذكر وجودهم هناء في مذكرة رسمية قدمها 
للحكومة البريطانية. إلا أن (رضا بك) رفض رفضاً باتاً مقابلة الباشا إلا أن أكون 
ثالثهما. فأجبت أن هذا خالف لأصول اللياقة ورجوته أن يعتبرها منة شخصية عليّ 
فيوافق على مقابلته بمفرده أو على الأقل بمحضر من أحد المندوبين الحياديّين وله 
ملء الحرية في الإدلاء بأي رأي يختارء وأكدت له أن هذه المقابلة لن تعتبر نقطة 
سيئة له» وأنه إذا كان قد ندم على صلته السابقة (كما يظهر مسلكه الحالي) فهو 


5358 


يقدم خدمة كبيرة بقيامه دليلاً على أن الوفد التركي لم يمنع من مقابلة رجل كان 
يعتمد على مساعدته» إلا أنه بقي مصراً رغم رجائي وتوسلي وعندما أبلغت 
(جواد) بفضل مهمتي طلب مني ألا أهتم للمسألة أكثر من هذا. 

إن مسألة (التكوين القومي) لسكان لواء السليمانية كانت مثالاً حسناً على 
سخف معظم جوانب القضية التي عرضتها الحكومة التركية وعقم المهمة التي 
أنيطت بالمسكين (جواد باشا)» وكان الرد البريطاني الرسمي على هذا الزعم أنه لا 
يوجد في السليمانية مواطن تركي واحدء ولما وصلنا إلى السليمانية سرينا عن 
أنفسنا بتقديم مذكرة خطية للجنة معتذرين عن ورود خطأ في رد الحكومة 
البريطانية المنوه به آنفاً ولذلك فنحن نستدرك فنقول إننا وجدنا تركيا واحداً في 
السليمانية وهو من خدام معسكرات الحامية التركية قبل الحرب» استوطن المدينة 
بعد زواجه بامرأة كردية» وهو الآن عامل تنظيفات في البلدية. 

واستمرت التحقيقات في السليمانية ثلاثة أيام ولحق فيرسين بباولس وحضر 
تحقيقات اليوم الثاني والثالث وكان كل الشهود البارزين على كلمتهم وعهدهم ولم 
يخفوا شيئاً من مشاعرهم في الجلسات العلنية مثلما تعهدوا. فشجبوا فساد الحكم 
التركي» وسوءه وذكروا بسرور المختال مناسبات عددية منها انسحاب 1918 عندما 
هزم الكرد كل الحملات التي أرسلت لقمع انتفاضتهم» فعرّوا جنودها من ثيابهم 
وأطلقوهم بهذه الحالة المزرية. وعرضوا أيضاً حادث مقتل (الشيخ سعيد) والد 
(الشيخ محمود) في الموصل 1908» دليلا على الحقد الدنيوي بين القوميتين 
ودعمت هذه الشهادات» بإفادات الشهود الذين يلون الأولين بالأهمية» مثل 
أصدقائي الملاكين الثابتي العزم (سعيد آغا جافران» وكويخا نجم سيى وسينان) 
فقد أئرت هي الأخرى بأجوبتها الصريحة المعقولة المعللة عن كل الأسئلة. 

تعمدت إبعاد نفسي أثناء هذه الإجراءات» إلا أن (بابكر آغا) ويكزادة الجاف 
وآخرين أصروا على حضوري لأقوم بالترجمة في الجلسة العامة الوحيدة ولاحظت 
:أعضاء اللجنة ذاهلين مشدوهين للأجوبة التركية التي كانوا يتلقونها عن أسئلتهم. 


559 


ولا سيما أجوبة (بابكر آغا) اقتصادية كانت أم سياسية أم الموضوع المحرج المحير 
لمسألة الشيخ محمود على ضوء هذا الموقف الشاذ من الأحداث”". 

إن بشائر النصر الفاصل في السليمانية بدت واضحة في فقرات عديدة من 
تقرير (فيرسين) عند ذكره اللواء. 

«وباستثناء لواء السليمانية» لا يوجد منطقة واحدة مؤلفة من عدة نواح» إلا 
وكانت أغلبيتها النسبية تصوت لصالح أحد الطرفين. وهو ما لاحظناه.. وفي لواء 
السليمانية وحده ظفرنا بأدق تعبير لوجهات النظر وكان بها القول الفصل.. 
والأشخاص الذين قابلناهم أعلنوا تفضيلهم الحكومة العراقية باستثناءات نادرة... 
إن اللجنة اقتنعت بشكل لا مرد له بأن الأهالي عبروا عن رغباتهم تعبيراً كاملاً 
حراً... ووجدنا الشعور القومي الكردي هو الشعور الغلاب والمعقول وإن كان بعدٌ 
فتياً ومع أن القوم صرحوا برغبتهم النهائية الجازمة في الاستقلال التام الناجزء 
فإنهم أدركوا فوائد (وصاية) حريصة ذات تفكير واسع وكياسة. وليس من شك في 
أن كفاءة الإداريين البريطانيين وإصابة قراراتهم في هذه البلاد كان لها تأثير واسع 
شديد على اتجاه تفكير الأهالي». 

وهكذاء مرت الأيام فإذا بكسرة الخبز التي ألقاها (نويل) في اليم أولاً عندما 
جاء بمهمة الترجمة للعام 1918: وتعهدها (صون) خلال فترة حكمه الحاذقة 
العادلة» عادت إلينا بمردود مضاعف من الأرغفة في هذه اللحظة العصيبة من حياة 
دولة العراق الفتية. 

وعدنا إلى كركوك في 3 أيارء وسرني اقتراح الرئيس مشاطرته السيارة» فإلى 
تلك اللحظة كانت صلتي به أقل بكثير من أي عضو حيادي في اللجنة. ووجدته 


(1) كان الشيخ محمود أذكى وأبعد نظراً من أن يظهر نفسه أثناء زيارة اللجنة وبقي بعيداً» وقررت اللجنة 
من تلقاء نفسها أنه ليس من حسن اللباقة استقدام ثائر علني ليقدم شهادة. وانتظر حتى عادوا فواصل 
تكتيكه الحربي. إلا أن تثبيت أقدام الإدارة بشكل مطرد جعل منه أخيرا شّخصا مُطارداً خارجاً على 
القانون يتنقل غدوة ورواحاً ما بين الحدود حتى أعلن الخضوع السنة 1927. 


5200 


مشدوهاً ومهتاجاً لكل ما شاهده في السليمانية. وقال لي لما أدرك (جواد) كم 
ساءت الأمور بالنسبة.له زعم أن الأهالي وقعوا تحت التهديدء أو ارتشواء وهذا 
غير معقول أبدأًء فبإمكانك شراء شخص أو اثنين في مجتمع لكنك لا تستطيع 
شراء أهالي الإقليم قاطبة. وربما أظهر شاهد أو اثنان شيئاً من التخوف والعصبية 
أثناء الاستجواب في أماكن أخرى. لكن الأهالي هنا في السليمانية اندفعوا إلى 
الأمام من غير تهديد أو وعيد للإدلاء يآرائهم. 


وبعد ليلة (لباولس) في كركوك قام خلالها بمقابلة أخيرة لأنصار الترك 
مجتمعء خرجنا قاصدين أربيل وتوقفنا ساعتين في (ألتون كوبري) لإكمال التحقيق 
الذي تركه (باولس) ناقصاء قبل ثلاثة أسابيع. وهنا لحقت بنا هزيمة صغيرة إذ لم 
يستقبل وصولنا بمظاهر عدم الاكتراث التي كانت طابع معظم جولات اللجنة في 
الألوية الثلاثة. فقد وجدنا صفاً من الشباب التركماني» ما لبث أن أحاط بالمراقب 
التركي وهو في سيارته فخطب فيهم كالأب الذي جاء يتفقد أبناءه الضالين. وانفجر 
أحدهم باكياً ليبدو مظهراً معبراً عن عواطفهم» ويقول تقرير (فيرسين) إن أعضاء 
اللجنة كثيراً ما وجدوها لدى الطبقات المعدمة (التي ما زالت طبعا تخلط بين تركيا 
مصطفى كمال» وتركيا الخلافة العثمانية) ولا سيما بين الأهالي العرب. وتحسست 
أن آل نفطجى زاده كانوا قد نشطوا جداء ولعلهم استخدموا سلاحهم المألوف 
وهو أن القرار منته لصالح تركيا. لقد حصل هذا كله في فترة الارتياح والثقة التي 
أصابت سلطاتنا المحلية من نتائج الزيارة السابقة الطيبة. وبسبب تراخي الإدارة في 
بعض أجزاء من اللواء. 

وبلغنا أربيل أول العصر ودعاني (جواد باشا) إلى نزهة في أرجاء المدينة» 
وبدأ حديثه بقول كنت متهيئاً لسماعه ومتوقعاً له. قال إن وفده كان بعيداً كل البعد 
عن الانسجام والتجانس وإنه ألح ليعفى من هذه المهمة فلم يجب طلبه. وإنه يشعر 
بأشد الأسف لأننا لم نسو موضوع النزاع بيننا مباشرة وآثرنا الرجوع إلى عصبة 
الأمم. وقال إن الحكومة البريطانية ضيّعت فرصة عظيمة بعدم دعوة تركيا والعراق 


5261 


إلى طاولة مؤتمر تلعب هي فيه دور الحكم». بشكل يحفظ حقوق تركيا ويحقق 
أماني العراق» ويعزز مكانة بريطانيا. ولا شك أنه كان بالإمكان إحداث خط يجعل 
الأهالي الترك لتركيا. واتخاذ تدابير معينة يتطلبها الشعور القومي الكردي, إلا أننا 
اشططنا وتماديناء وطالبنا بجزء من ولاية (حكارى) فقضينا على كل أمل بتسوية 
ودية» واستطرد يقول إنه كان قد وُضِع تحت إمرته قبل 18 شهراً فرقتان من المشاة 
ولواءان من الخيالة في الجزيرة» وكان الشعب التركي متحمساً للحرب» وربما 
تمكنت قوتنا الجوية من إلحاق بعض الضرر به إلا أنه لن يجد ما يعترض سبيله 
إلى بغداد نفسهاء غير أن حكومته فضلت التسوية الودية. ثم وقعت حادثة أسر 
والي (حكارى) وقتل قائد الدرك بأيدي الأثوريين. صحيح أن الوالي أطلق سراحه 
وأعيد؛ لكن مرتكبي هذه الأعمال لم يقدموا عليها إلا مؤملين أن تلقى دعماً منا. 
ورغم هذا الاستفزاز فإنه قصر عمله على تأديب القبائل الجائحة وهو ما يحتمه 
الواجب في مثل هذه القضايا. 


واستطرد الزميل التركي قائلاء ليس ثمة ما يدعى بعداوة جديدة موروثة تركية 
- بريطانية» وذكر حادثة وقعت إبان ثورة (جون ترك) في العام 21909 وهي قيام 
الجموع المتظاهرة بحل خيول عربة السفير البريطاني والسير بها بدلاً من حيواناتها 
في الشوارع بحماسة. وقال إن الدبلوماسية البريطانية فشلت في تفهم الموقف 
وأجبرت تركيا على إلقاء نفسها في أحضان ألمانيا. وبعد الحرب أجبر هو نفسه 
بضغط من البريطانيين على الاستقالة من وزارة الحربية. ثم جرى اعتقاله بكل 
مظاهر التحقير والتشهير وأبعد إلى (مالطة)» على أنه ظل مع ذلك مقتنعاً بأن 
الصداقة والتعاون هما السياستان الصحيحتان والطبيعيتان لبلدينا. وإنه ليتطلع ككثير 
من أبناء وطنه إلى ذلك اليوم الذي تعود العلاقات التقليدية القديمة فيما بيننا على 
أسس الاحترام والإخلاص المتبادل. 


وفي 5 آذار عادت اللجنة إلى الموصل لتقوم منها بآخر فصل من فصول 
التحقيقات» ولما لم يكن لدي ما يشغلني خلال هذه الفترة القصيرة فقد سافرت 


5362 


إلى بغداد جواً ونزلت ضيفاً في دار المندوب السامي ونعمت بصحبة (تيليكى) 
الذي كان ضيفاً أيضاً وقضيت فترة طيبة أنعم بمستوى عال من العيش تضمن نزهة 
نهرية (كان الربيع في الجنوب قد تقدم كثيراً) وحفلة رقص في النادي. ومآدب 
عشاء وغداء عديدة انتهت بخاتمة مفجعة. وهو القيام بالواجب المحزن؛ واجب 
تشييع جثمان الرائد (ه.س. برللي ,ءالا .11.0) معاون مستشار وزارة الداخلية. 
وهو زميل محترم وإن كان أكبر عمراً بعض الشيء من سائرناء ومن لقاءاتي 
العديدة (بتيليكى) الذي لم أجده كثير الانبساط لي» تبينت أنه يؤيد الفكرة التي 
توصلنا إليها وهي أنه وزملاؤه قاموا بعمل زهيد القيمة لأنهم لم يبدأوه يفهم البلاد 
ودراستهاء وكان قلقاً للغاية بسبب غيابه الطويل عن ميدان عمله؛ وعرض عليّ 
مسودة برقية كتبها للرئيس يعرض فيها استقالته من اللجنة. على أنه صرح بعد قليل 
بأنه قادر على السفرء وفي 11 منه طار إلى الموصل في رحلة شاقة عانى منها 
كثيراً. 


لقد حفظ كل امرئ عبر الماضي ودروس الأيام الأولى» فلم يظهر شرطي 
واحد في «القصر الملكي"”' وكان المناخ منعشاًء وجو اللجنة لا يشوبه كُذْرة 
والأعضاء بلهفة منهم لإكمال أعمالهم في الأقضية الجبلية بأسرع ما يمكن» قرروا 
أن يقصروا زياراتهم على (زاخو ودهوك). وأن يطلبوا من شهود العمادية والزيبار 
الحضور إلى دهوك لسماعهم. لذلك تركت الموصل قبلهم بيومين لأتأكد من 
حسن التدابير المتخذة لاستقبال اللجنة. ولأزود الموظفين بالإرشاد حول ما سيتبع 
من إجراءات. لقد وقعت في غرام جو (زاخو) حالما دخلتهاء ويسكن هذه البلدة 
زهاء (4000) نفس نصفهم من اليهود وربعهم نصارى والباقي مسلمون كرد ويقع 
القسم العتيق منها في جزيرة على نهر الخابور الشرقي؛ شمال اتجاهه وقبل مصبه 
في دجلة بمسافة سبعة أميال ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 1450 قدماً تقريباً. 


(1) ويقصد به قصر آل الشربتي القريب من بناية محاكم الموصل الحالية وكان نزول الملك العراقي فيه 
عادة. (المترجم). 


263 


وتقع الحدود الحالية (الرسمية) على بعد خمسة أميال منها. ويصل الجزيرة بالضفة 
اليمنى جسر أحدب قديم من الطراز الذي يعزى عادة في إيران إلى الشاه عباس 
الصفويء ويصلها بالضفة اليسرى جسر معلق لا يخلو من جمالء أقامته مديرية 
أشغالنا العامة قبل سنتين. وثمة رصيف جميل يمتد عبر مرج منبسط حتى الجسر 
المعلق؛ بدا لي ضاحكاً بأشجار اللوز ذات الزهر المتفتح» وأشجار الزان الخضراء 
الفضية ببراعمها. وكان اليوم سبتأ وكانت العائلات قد خرجت للنزهة في ضفاف 
النهر المعشوشبة اليانعة مسيحيهم ومسلميهم مختلطين بالعدد الأكبر من اليهود. 
الفتيات في أزهى ثيابهن وحليهن والشباب في أجمل حلل الجوخة والرّانك 
المسلمة والمسيحية ذات الخطوط الملونة التي اشتهرت زاخو بحياكتها. والتقيت 
بالقائمقام «محمود فخري»”'' وهو شاب موصلي جيد الثقافة ارتقى سلم المناصب 
حتى بلغ وظيفة مدير تحرير متصرفية الموصل. ثم رفع لمنصب قائمقام القضاء. 

وتعرفت كذلك بمعاون مدير الشرطة (يونس) وأدركت لأول وهلة أنهما 
موظفان ممتازان وثبت لي جديتهما في عمليهماء وعلاقاتهما الطيبة - إن لم أقل 
الودودة - بمختلف وجهاء البلدة الذين جاؤوا للسلام عليّ بمختلف أديانهم. 

إن (زاخو) مركز هام تجاري وقد اختصت بالأكلاك» ففي الطرف الشمالي من 
الجزيرة كانت الضفة المقابلة تزخر بالأكلاك ويعمل صناعهم في تركيبها كأنهم 
خلية نحل. حتى لقد شاهدت عشرة منها كاملة فخت قربها وحملت خشب وقود 
لتنحدر به إلى الموصل. إلى جانب عدد كبير جداً في مراحل بناء متفاوتة. وهذا 
كله قرائن مفيدة على العلاقات التجارية والاقتصادية بالجنوب. 

وكانت الأخبار قد سبقت باندلاع ثورة كردية كبيرة بقيادة الشيخ سعيد في 
(1) يبرز محمود فخري إلى أقرانه بسبب إتقانه اللغة العربية» وتلك ظاهرة نادرة بين موظفي تلك 

الفترة» فكلهم تقريباً تخرجوا في مدارس تركية» وبعد أن نقلت إلى وزارة الداخلية كنت أتطلع 


دائماً إلى تقاريره لهذا السبب» وبلغ منصب المتصرف وهو ما يزال في مقتبل العمر إلا أنه أصيب 
صغيراً بداء السل فكانت خسارة الإدارة به عظيمة. 


204 


منطقة (خربوط) وأعلنت الأحكام العرفية في الولايات الجنوبية الشرقية من تركيا 
وارتفعت عقائر زعماء الكرد تنديداً بمضطهدي شعبهم هناك وأظهروا عداءهم 
الشديد. لقد كانت أصوات المسيحيين والموسويين هنا مضمونة لنا بطبيعة الحال» 
إلا أن أكبر قبيلتين في القضاء وهما (السندى والككلى) كانتا في وضع محرج 
للغاية» لأن مراعي الصيف التي تعتمد عليها حياتهم الاقتصادية هي في تركية» 
وخوفهم من حكومة تلك البلاد يفوق خوفهم مناء وقد يكون ثمة احتمال بذهاب 
أصواتهم إلى الجانب الآخر. إلا إذا اقتنعوا بأن القضية ستكون سرية للغاية. وأما 
الباقون الذين كان خوفهم متأتياً من وجودهم قرب الحدود فقد أظهروا استعدادهم 
للقول إنهم اقتصادياً مرتبطون بالموصل» وسياسياً يرغبون أن يشاطروا حظوظ 
إخوانهم كرد السليمانية وعلى هذا رحت أنتظر بثقة وبفارغ الصبر قدوم اللجنة. 


إن زاخو هي كرسي أسقفية كلدانية» وليس فيها غير منزلين مناسبين لسكنى 
الزوار أولهما منزل الأسقف وثانيهما منزل المعاون (يونس) هذا وأن إخلاء 
صاحب البيت داره لإقامة ضيوف كبار بصورة مؤقتة» هو عمل مألوف في بلاد 
الشرق» وقد سلم (يونس) بضرورة إخلائه الدار نزولاً عند حكم الأمر الواقع إلا 
أن الأسقف الطاعن في السن والخرف لم يقبل إلا بعد لأي؛ ونجح محمود 
بمساعدة القس» ونزل أعضاء اللجنة في مسكنين جميلين يشرفان على بساتين 
اللوز. 


كان الهدوء يعم أزقة البلدة عند وصول الركب في اليوم التالي. ولم يضع 
(جواد باشا) لحظة واحدة في مباشرة أسلوبه الذي طبقه في سائر لواء الموصل. 
(وعجز عن تطبيقه في الألوية الأخرى الثلاثة) وخرج إلى السوق محيياً هذاء 
ومسلماً على ذاك. وكان يعود إلى 'المنزل مسروراً أو مكتئياً حسب درجة نجاحه 
في الحصول على جواب لتحاياه وكان الغم الذي ركبه بعد عودته من أول جولة 
زار فيها الضفة الخلفية فألا حسناً لنتيجة الاستجواب في هذه البلدة الصغيرة 
السعيدة. 


. 


5365 


كذلك سررنا بنتائج الزيارة التي قام بها (تيليكى وباولس) نهار السبت إلى بلدة 
الشيخان شمال شرق الموصل فخلافاً لما زعمه الترك بأن هذا القضاء تركى 
خالص» تأكدا بنفسهما أنه يتألف من أغلبية ساحقة من النصارى والعرب والكرد 
والكرد اليزيدية. ووقع في نفسيهما وقعاً شديداً مشاهدة فصائل أنيقة من الكشافة 
أخرجتها قرية (ألقوش) المسيحية لتستعرض أمامهما. كما أدهشتهم الروح العلمية 
التي وجدوها في رهبان الدير هناك» حيث قضيا الليلة. وأخيراً غلبت عليهما 
العاطفة لتلك العر الج البريئة التي يرجو بها الشهود إبقاءهم في العراق. ولعل 
إشارة الانقلاب النهائي هي مجيء ثلاثتهم في تلك الليلة إلى الدار الصغيرة التي 
يسكنها (جاردين) وأناء ليفضوا إلينا بتجربة يومهم. 


وعلى الضد من هذاء فقد علمنا أن الزيبار والعمادية ودهوك ستقف موقفاً 
صعباً. فهناك لا يوجد طبقة مثقفة من الضباط الكرد أو الموظفين المدنيين ممن 
يتوقعون أن يكون مناخ العراق أفضل لأمانيهم من مناخ تركياء متطرفة أكانت تلك 
الأماني أم معتدلة. ومن جهة أخرى كان المستوطنون الأثوريون الجدد قد ضبطوا 
كثيراً من القرى الكردية التي هجرها أصحابها الشرعيون أثناء الحرب» وراحوا 
بتشجيع من بعض الإنكليز المتهورين المتحمسين لقضيتهم في إنكلترا يقاومون كل 
الجهود المبذولة لإيجاد مواضع سكنى لهم في أماكن أخرى ليفسح المجال 
لأصحاب القرى الشرعيين في العودة إلى موطنهم» وآخرون منهم كانوا قد وجدوا 
لهم ملجأ في قرى عامرة» أرادوا تطبيق حكاية الجمل الذي دخل خيمة البدوي» 
فراحوا يهددون بطرد أصحابها الأصليين» وبسبب وجود هذه الأقلية القومية 
الديئية» كانت الإدارة أشد صرامة على السكان من مناطق قبلية أخرى تحفل 
بالقلاقل والاضطرابات بل ربما أغرى خصمنا زعماء الإقطاع في (بهدينان) وكلهم 
مشاغبون معاندون» بأحلام العودة إلى أيام العز القديمة في ظل الحكم العثماني 
الذي كان يرخى لهم. وفي يوم 16 وهو السابق لوصول اللجنة بيوم واحد عدت 
إلى دهوك ووجدت خيامنا قد ضربت حول منزل معاون الضابط السياسي 


5366 


البريطاني سابقاً؛ وهو منزل صغير يبعد زهاء نصف ميل عن البلدة. وكان الموقف 
السياسي هنا سيئاً بقدر ما كان حسناً في زاخو. الظاهر أن الحكومة هنا ممقوتة» 
وسلطتها على شفا جرف هار. لقد كان القائمقام البدين جداًء يدنو من سن 
التقاعد. وهو من الصنف الذي يجد في كل من لا يرتدي سراويل أوروبية ضيقة 
وياقة منشأة قذرة» أتفه من أن يستأهل الاحتقار. وكان طاغية دكتاتوراً بالنسبة إلى 
المستوطنين الأثوريين. على أنه استطاع كذلك أن يقود زعماء الكرد من آذانهم في 
محاولته إجبارهم على التصويت حسب تعليمات لجان الدفاع الوطني. 


وغص محل الاجتماع بشيوخ القبائل وأتباعهم من الفرسان المدججين 
بالسلاح. وفي عصر اليوم التالي واللجنة لم تكد تطأ أرض دهوك» اندفعت حشود 
كبيرة إلى مجلس اللجنة بعد ارفضاض اجتماع عقدوه للتنديد بالقائمقام وأعماله» 
وتقدموا بلا نظام على ظهور الخيل وكأنهم في غارة ثم دنا عدد كبير من الأغوات 
وهجموا على (جواد) يلثمون يده» ثم شرع الجميع يتلو آيات مشهورة من القرآن 
بقيادة شيخ مشهور من آل النقشبندي! وتشاء الصدف الحسنة أن يحاول المراقب 
التركي اللعب بأوراقه لعب تهور وطيش» باتخاذه موقفاً صلفاً من أعضاء اللجنة» 
إذ طالب بأن يسمح له هنا وفي الحال بتولي السلطة الإدارية. ولم يكن انزعاجهم 
من ذلك بالقليل» لأنهم أرادوا الإسراع في إنهاء المقابلات والاستجوابات الروتينية 
بأقل ما يمكن من الوقت. كان (جاردين) قد عمل هنا ردحاً من الزمن بمنصب 
معاون ضابط سياسي وهو بطبيعة الحال معروف من زعماء المظاهرة قاطبة وهو 
يعرفهم أيضاً» ولم يفت المندوبون أن يلاحظوا توجه معظم المتظاهرين إليه بعد 
تبدّد الانفجار العاطفي الأول - وأخذوا يشكون إليه سلوك القائمقام ويمدحونه 
قائلين إنه الوحيد الذي يتمكن من إعادة النظام ومساعدتهم في تصريف شؤونهم. 
ومهما يكن من أمر فإننا كنا واثقين بأن جواب (السؤال الصغير) الذي سيطرح 
عليهم هو إلى جانب تركيا. ومن الممكن القول إن عمل اللجنة أصبح الآن في 
حكم المنتهي خلا استطلاع رأي القادمين من العمادية وقد تأجل استجوابهم إلى 


567 


اليوم التالي. هذه هي آخر ليلة لنا في الحلبة... إن رد فعل هذا اليوم الشاق الذي 
فاق كل ما قبله - خلا أول يوم للجنة في الموصل - كان عنيفاً كاسحاً أشبه بحفلة 
العشاء بمناسبة الغلبة في سباق التجذيف. فقد قضينا وقتاً أطول من المعتاد في 
تناول المقبلات» ولما حل وقت العشاء كان الجميع على أحسن ما يرام. وفي 
ساعات المساء الأولى بدت الكآبة على (صبيح) بسبب المشهد الذي حصل 
صباحاً وحقق فيه المراقب التركي نصراً كبيراً وانتابته نوبة من حمى الملاريا. 
ووصف له أحد الزملاء مزيجاً من الفيرموت الفرنسي والكينا بحسن نية وأكد له أنه 
(ترياق) شاف ذو نتائج مجربة إذا تناوله المرء بمقادير كافية. وإذا به يندفع هائجاً 
مائجاً يريد.. أن يصفي حسابه مع أحدهم.. كائناً من كان» ويعمل به كيت وكيت 
ويضربه صفعة.. و... ولم نفلح في تهدثئته إلا بعد لأي. ثم سيطر على نفسه وعاد 
إلى مرحه الطبيعي ليستأنف دوره كنجم الحفل الباسمء وهو الطبع الذي حببه إلينا 
جميعاً أصدقاءٌ وخصوماً. تخطى أعضاء اللجنة والحراقيون عدن اترعيق 
الاعتدال» كل الحدود وضربوا أرقاماً قياسية» حتى (كرامرز) الهادئ الرزين فقد 
فاجأنا مفاجأة العمر بنكاته المستملحة وفكاهاته» ولا أذكر إلا واحدة وهي أقلها 
حدة وأذى وأبعث على البهجة لأنها لم تكن مقصودة كما تدل كل المظاهر 
الخارجية» كان مصدرها (جاردين) الذي ظلت فرنسيته المدروسة في معهد فرنسي 
خاص معيناً لا ينضب للضحك فقد ذكر الحادثة التي وقعت (للسير هنري دوبس) 
بمناسبة زيارته الموصل أثناء العاصفة الثلجية بالعبارة الفرنسية التالية: 116 مآ 
لامآ صدة ممنا00 2 لذ ع6ط 02 2 تنقهوأووتسدومن ولم تتكرر مشاهد الفوضى 
والاضطراب عندما وصل وفد العمادية إلى المخيم صباحاً وكان القائمقام عبد 
الحميد عبد المجيد (الذي لم أعرفه من قبل» إلا أنه أصبح صديقاً حميماً) رجلاً 
من الطراز الأول. وحكمنا أن تصويت العدد الأكبر من رؤساء العشائر البارزين 
سيكون عكس تصويت دهوك تماماً. مع أن معظم هؤلاء من الثائرين السابقين» أو 
ممن أثقلتهم أعمال شقاوة ارتكبوها بعد صدور العفو العام عنهم. هذا فضلاً عن 


568 


وجود عدد من القرى الأثورية الأصلية إضافة إلى مستعمرات اللاجثين الجديدة. 
وهؤلاء بالطبع صوتوا للجانب العراقي. 

وأنا شخصياً كنت قليل الاهتمام بنتائج التحقيقات في هذه المنطقة» لذلك 
منحت نفسي إجازة من الصباح الباكر لزيارة المنحوتات الآشورية الشهيرة باسم 
(معلثاي) وهي ظاهرة فوق الوجه الشمالي من الجبل المشرف على وادي دهوك 
من جهة الجنوب. واقتضاني ما يزيد عن نصف ساعة للوصول إليها راجلاً من 
أقرب منطلق سالك ووجدت أربعة إطارات كبيرة طولها يقارب 18 قدماً وعرضها 
0 قدم. وليس فيها كتابات. لكنها تعزى إلى (سنحاريب 750 - 681 ق.م) وأهميتها 
تكمن في أنها لا تمثل مشاهد معركة» أو حفلة صيد»ء كمعظم المنحوتات 
الآشورية» بل تصور موكباً دينياً لسبعة آلهة تقف منتصبة فوق مختلف الحيوانات 
بعضها خرافي - وبصورة الملك وهو يقوم بفروض العبادة في نهايتي كل إطار'". 

عادت اللجنة برمتها إلى الموصل في 18 منه وبقينا فيها خمسة أيام أخرى 
لمساعدة أعضائها في تدقيق إحصاءاتهم وتنسيقها وتبويب ملاحظاتهم» وكذلك 
لزيارة خرائب نينوى والشرقاط وغيرها من المواقع التاريخية؛ ولحضور دعوة 
نظمها السرب السادس قضينا بها ليلة رائعة لا تغيب عن الذاكرة» حضرها (جواد). 
وفي 23 منه تفارقنا بعد أن أخذنا عدة صور تذكارية وتبادلنا العناوين وعبر أحدنا 
للآخر عن احتراماته وتمنياته الطيبة ثم غادرنا وفد العصبة بقافلة سيارات إلى (دير 
الزور) ومنها إلى بيروت. وسافر الوفد التركي إلى نصيبين ومنها إلى أنقرة. 

مهما كان شعور الصداقة التي نمت فيما بيننا وتوثقت» فلا شك في أننا كنا 


(1) أول وصف لهذه النقوش عرضه لاياردء الذي كان أول إنكليزي سنة 1846 ويصفها (نينوى 
وخرائيها 850 جزء (1): ص230 - 231). ويعزى إليه اكتشافها عادة. إلا أن (ف. تورو - دانجان 
دنوهة - ناهععباط1 .5) في «منحوتات معلثاي» (مجلة الآثار الآشورية» ج21 ص4 سنة 1924) 
يشير إلى أن نائب القنصل الفرنسي في الموصل (روي :#ناه8) كان أول زائر لها من الأوروبيين 
وقد دون وصفاً لها في ثلاث رسائل مؤرخة في تشرين الأول وتشرين الثاني 21945 وقد نشرت 
هذه الرسائل في المجلسة الآسيوية» ج7؛ 1846» صص280). 


569 


جميعاً مسرورين لخلاص بعضنا من بعض في دائرة هذه اللجنة بالذات. وليس ثمة 
ما يترجم عن شعوري الخاصء بأبلغ مما دونت في يومياتي قلت: «حين أرجع 
بالفكر إلى ما حصلء» لا يسعني إلا الإقرار بأن مرور تحقيقات اللجنة دون وقوع 
انفجار أو حادث خطير.. إنما هو شيء من قبيل المعجزات... فإذا وضعنا في 
حسابنا قابلية البلاد للالتهاب السريع» يكون مما لا يصدق أن يمر بنجاح» لو لم 
يقع ذلك فعلا...». 


أما بقية القصة؛. فسرعان ما عرفت: بعد أن حلل تقرير اللجنة المزاعم التي 
تقدم بها الطرفان للعصبة وأورد أعضاؤها استنتاجاتهم الشخصية في كل أسباب 
النزاع وكانت توصيتهم تثبيت خط (بروكسل) نهائياً واعتباره حدود العراق وتركيا 
الدولية على أن يكون ذلك خاضعاً لشرطين الأول: يجب أن تبقى المنطقة 
موضوع النزاع أي ولاية الموصل تحت وصاية عصبة الأمم المباشرة لفترة 
يقترحون تحديدها بعشرين سنة. والثاني: يجب النزول إلى الرغبات التي أعلنها 
الكردء وهي تعيين الموظفين للمناصب الإدارية والقضائية والتعليمية منهم فقط 
وجعل اللغة الكردية لغة رسمية في هذه الإدارات والمعاهد. وكان يوجد في التقرير 
قيد احترازي وهو أنه في حالة ما لو ارتأى مجلس العصبة أنه من العدل إجراء 
تقسيم المنطقة المنازع عليها بين الطرفين فأفضل خط للتقسيم هو مجرى الزاب 
الصغير تقريباً. 


وقدم التقرير إلى مجلس العصبة في أيلول 1925. وأنكرت الحكومة التركية 
على المجلس سلطته في اتخاذ قرار ملزم للطرفين المتنازعين. فأحيلت هذه النقطة 
أولاً إلى محكمة العدل الدولية الدائمة لإعطاء رأيها الاستشاري وفي 21 تشرين 
الثاني أعلنت المحكمة عن رأيها وهو أن قراراً بالإجماع يتخذه المجلس (لا 
يحتسب صوتا الطرفين المتنازعين بالتأكيد فيما لو وجد الإجماع) إنما هو قرار 
ملزم للطرفين يتضمن بنفسه تثبيتاً رسمياً للحدود. ولما رفض الترك قبول رأي 
المحكمة ألفت لجنة ثلاثية برئاسة (سويدي) وبدا لها أن تداعب فكرة التساوم على 


200 


خط الزاب الصغير أي التقسيم. لكن مجلس العصبة قرر أخيراً في 16 كانون الثاني 
تثبيت خط بروكسل رسمياً. وشاعت حكاية في ذلك الزمن لا أدري كيف نصيبها 
من الصحة. ومؤداها أن الفضل الأكبر في هذه التتيجة يعود إلى (تيليكي) الذي لا 
يمكن اتهامه بالعمل ضد القضية التركية» على أنه كان يعارض بشدة أي اقتراح 
يرمي إلى قطع (الطفل) نصفين إرضاء للأمين”". 

ولم يضع وقت في تنفيذ الشروط المتعلقة بهذه (الجائزة» فتمت مفاوضات 
سريعة لعقد معاهدة جديدة وقعت في 13 كانون الأول 1926 تضمنت إلغاء المدة 
الواردة في البروتوكول الملحق بالمعاهدة الأنكلو - عراقية للعام 1923. وجعل مدة 
المعاهدة الجديدة 25 سنة تبتدئ بالسادس عشر من كانون الثاني للسنة 1925 إلا إذا 
قبل العراق عضواً في عصبة الأمم قبل انتهاء مدة الانتداب” وقبلت هذه المعاهدة 
الجديدة - بعكس المعاهدة الأولى بأغلبية كبيرة في مجلس النواب العراقي يعد 
خمسة أيام من التوقيع عليها ثم قدمت إلى مجلس العصبة في آذار وأعطيت هناك 
تأكيدات كافية بخصوص إدارة المناطق الكردية وافقت عليها العصبة. 

لم يكن الترك بطبيعة الحال طرفاً في هذه الإجراءات» لكن وبنتيجة 
المفاوضات مباشرة أدارها السفير البريطاني في تركيا (السير رونالد ليندسي) بأعظم 
ما يمكن من المهارة تم تثبيت خط بروكسل بتغيير زهيد واحدء وصار حدوداً 
رسمية بين الدولتين بموجب المادة الأولى من معاهدة ثلاثية بين المملكة المتحدة 
وتركيا والعراق وقعت في 5 حزيران 1926 وبهذا انتهت الفرقة غير الطبيعية بين 
تركيا وبريطانيا بعد أن دامت أحد عشر عاماً وحل محلها التعاون التقليدي 
والاحترام المتبادل وهو ما يريده الطرفان معاً. 

إن قرار السادس عشر من كانون الأول أحدث صدى عميقاً في سائر أرجاء 
(1) يشير إلى. القضية المشهورة التي وردت في التوراة» عن سليمان الحكيم عندما ادعت أماني ببنوة 

طفل. (المترجم). 


(2) .قبل العراق في عصبة الأمم عضواً في 3 تشرين الأول 1932. 


53/1 


العراق وأثار أعظم المشاعر. فأبرق الملك فيصل رسالة شكر رقيقة إلى الملك 
جورج. وحذا حذوه رئيس الوزراء عبد المحسن بك السعدون الذي كلف (ياسين 
الهاشمي) بالإبراق إلى (مستر بالدوين). وتقديراً للدفاع الشديد عن مصالح العراق 
أمام مجلس العصبة طلب (عبد العزيز القصاب) متصرف الموصل موافقة حكومته 
على تسمية حديقة البلدية الجديدة في الموصل باسم (ايمرى بارك: حديقة اللورد 
أيمري :دم ومعصة) فلَّبِي طلبه. أما نحن الذين خضنا المعركة في الخط الأمامي. 
فإن هذا النصر النهائي لم يكن بالنسبة لنا قاصراً على إزاحة الكابوس الأسود الذي 
ظل يحوم فوق رؤوسنا طوال تلك السئين الحافلة بالقلق الممضء وإنما جاء ليوثق 
روح الزمالة ويشد عراها بشكل لم يكن ليحلم به أحد قبل العام 1945 لو كان ثمة 
من يسمع اليوم نبوءة (ايرمياء) النبي» (جاردين وصبيح)» (عبد العزيز ولويد وعبد 
الحميد)؛ (أحمد عثمان ولاين ولتلديل)؛ (مجيد اليعقوبي وميللر ومراد)» (عمر 
نظمي وكورنر)» (جايمان وأحمدي توفيق) وكثير غيرهم لم تسنح المناسبة لذكرهم 
في الكتاب» من قائمقامين ومدراء نواح وضباط الشرطة ومواطنين عاديين. وتشيع 
الحرارة في قلبي عندما يمر بصري بالقائمة متذكراً تلك الصداقات الخالدة التي 
وثقنا عراها. ش 


كان يوماً كثيباً عندما وقعت مهنة التعليم في العراق بأيدي رجال لا علم لهم 
بكل هذه الأمور» مهاجرون سوريون وما إليهم يتملكهم تعصب حاقد على 
الأجانب. في خلال هذه الفترة نشأ جيل جديد يجهل تمام الجهل أن الدولة التي 
لقنوا مبادئ الإخلاص لها مدينة بولادتها وبخلاصها من أكثر من أزمة خطيرة إلى 
تعاون الحكومة البريطانية مع أول رئيس دولة لها مع آباء بعض أبناء هذا الجيل 
على الأقل. جيل لقن بأن الأمبرياليين البريطانيين قد حالوا بين بلادهم وبين 
الوصول إلى شيء غامض لا يمكن تحديد سموه بالأماني القومية. وها هم 
الإمبرياليون أولاء يتربصون الفرص بلا انقطاع لهذا الاستقلال بغية تدميره ووقفوا 
هنا ولم يسألوا سؤالاً واحداً عن كيفية منشأ هذا الاستقلال وتطوره. ولم يمر طويل 


532 


زمن حتى يعمد خلف (عبد العزيز القصاب) إلى تغيير اسم الحديقة من (أيمري 
بارك) إلى (حديقة الأمير) دون التأمل في عمله هذاء وهو كبير السن يعرف الكثير 
مما حصل. وبعمله هذا يطأ بقدمه دليلاً على فضل ومئّة ذلك الذي قلد العراق 
شرفاً ومكانة لا يقلان عن الشرف والمكانة التي حازها ذلك السياسي الشهير 
بعمله. وكان يجب أن تخلد خدماته للبلاد بتذكار. وإني لمؤمن إيماناً وطيداً بأنه ما 
زال يوجد في العراق بقية من حسن النية تجاه بريطانيا ستنقل بصورة ما من الآباء 
إلى الأبناء وستبقى عاملاً مهماً من عوامل الرفاه والسلم في الشرق الأوسط”". 


(1) إن الدين الذي يثقل العراق للحكومة البريطانية» أوضحه بشكل جميل دقيق الوطني العربي (جورج 
أنطونيوس) فى كتابه (يقظة العرب وععندعءاة<:ة 4:26 15) لندن 1938 النص 363 - 367. قال : (إن 
إسهام البريطانيين في بناء كيان العراق هو من أعظم أحداث إعادة البناء بعد الحرب... ويمكن 
القول دون أية مبالغة أن دولة العراق الحديثة تدين بوجودها على الأكثر إلى مجهودات الموظفين 
البريطانيين.. لقد هيأت الأقدار للعراق فرصاً قيمة وحظوظاً سعيدة بموظفين بريطانيين ذوي 
كفاءات عالية وضمائر حية.. ويتعاظم خطورة ما أنجز في العراق عندما يعلم القارئ أن هذا البلد 
بسكانه القبلبين الكثيرين» وطوائفه الدينية المتعددة وقلة خطوط مواصلاته نسبة إلى مساحته مما 
يصعب جداً إدارته : على خطوط الروتين البوروقراطي المركزي... وكان من حظ العراق أيضاً أن 
تتفق مصالح بريطانيا الخاصة مع مصالحه وتتماشيا جنباً إلى جنب في أكثر الأحيان... فرغبة 
البرطانيين في وضع اليد على منابع النفط في ولاية الموصل نتج عنها ضم الولاية برمتها إلى الدولة 
العربية الجديدة وصيرورتها إقليماً من أقاليمها والفضل في هذا يرجع إلى الدبلوماسية البريطانية. 
هذا فضلاً من كونه أدى إلى تعاون فعال وثيق أنكلو - عراقي بخصوص التصدي للمشكلة 
الكردية). (انتهى كلام المؤلف). 
(ملاحظة المترجم: إن ترجمة هذا الكتاب ميسورة بالعربية هذا وأن جمهرة المؤرخين العرب 
والأكراد لا يشاركون في حسن النية البالغ حد الإغراق الذي أظهره هذا المؤرخ العربي في تقليده 
بريطانيا المآثر الجليلة وفي تقييمه الخدمات التي قدمتها للعراق والعراقيين ويما أننا لسنا في صدد 

تعيين المسؤولية التاريخية للوضع السياسي والاجتماعي العراقي وتحديدها ما بين سكان البلاد 
وحكامها وبين النفوذ البريطاني» فمن الخير أن نذكر هنا أنه لا يزال حتى الآن من يفكر مثلا بأن 
بريطانيا أسدت مثلاً خدمة جليلة لهذه البلاد حينما فتحت كنوزها النفطية وأخذت تستغلها عن 
طريق شركاتها. وأما عن المشكلة الكردية فنحن نعتقد أن غرضنا وغرض المؤلف قد اتحد هنا: 
حين ألف هو كتابه وحين قمنا نحن بترجمته وهكذا تعاونا معاً على وضعه في يد القراء ليحكموا- 


53/13 


ا ا ل ل وقد 
ختمت رسالة (للسير هنري دوبس) بعثت لها إليه في ذلك الحين. أصف له 
استعداد السليمانية الرائع لخوض المعركة وختمت رسالتي بالفقرة التالية : 

إن زيارة اللجنة أعطت زخماً شديداً للشعور الوطني الكردي الذي جرف في 
طريقه عدداً كبيراً من المستائين الذين كان أكثرنا تفاؤلاً يتوقع وقوفهم إلى جانب 
تركياء فإذا بهذا الشعور يدفعهم إلى المعسكر المعادي للترك. إن الاستجوابيات 
الطويلة كادت كلها وعلى حد سواء ذات اتجاه قومي غلاب لكنها لم تتخذ طابع 
الانفصال بصورة عامة... وإن كرد السليمانية وجهوا ما يمكن وصفه بالضربة 
القاصمة في المعركة الدائرة للمحافظة على كيان العراق» وإنهم لعلى إدراك تام بما 
فعلوه أترى ستفتح الحكومة العراقية عينيها بهذه المناسبة» وتتبنى سياسة كريمة 
بعيدة النظر إزاء الكرد؟ 

إن تقرير لجنة العصبة جاء مؤيداً لأماني الكرد. وبعد أن أنقذوا العراق في 
لحظة من أخطر اللحظات مرت به باتخاذ قرار تصديق المعاهدة الأنكلو - عراقية 
في تلك الليلة التاريخية ليلة 10 حزيران 1924». عادوا لينقذوا البلاد من تجزئة قتالة 
بوقفتهم الخالدة في السليمانية اليوم. إن قادة الرأي العام الكردي يحق لهم أن 
يختالوا على الملأء ويفخروا بأنفسهم على دولة أبوا أن يكونوا لها مواطنين أذلة. 

إنها والحق يقال فرصة عظيمة إلا أن محاولتي تعقيب نتائجها هنا مما يضيق به 
دفتا هذا الكتاب. 


في أثناء وجودي في دهوك تلقيت رسالة من (كورنواليس) يعرض علي ملحا - 
قبول منصب معاون مستشار وزارة الداخلية الذي كان قد شغر بوفاة (بوللي) 
وتراءى لي لأول وهلة أن أجيب بالرفض. فأنا ما أخفيت قط ما أشعر به من نفرة 


-بأنفسهم وليعينوا من مِن الأطراف الثلاثة كان له اليد الطولى في تعقيد المشكلة الكربة واستغلالها 
لمنافعه الخاصة). 


5314 


وضيق صدر بالإدارة المركزية ببغداد وأربابها السادة فرسان الطاولة المستديرة كما 
يحلو لي تسميتهم وها إني أدعى لأكون واحداً منهم. لقد صعب عليّ أن أرى 
نفسي أو أن أتمثل كيف يراني غيري مستقراً في جو من الأزيز المتواصل للروتين 
الكتابي خلف جبال من الأضابير تعلو كل مكتب من مكاتب الوزارات وقعت عليه 
عيني. كنت في أقصى درجات السعادة بالمسؤوليات الإدارية» والممهدات 
الدبلوماسية وفرص الحل والترحال والتنقيبات الأثرية أو حتى استكشاف أي نوع 
من مظاهر الطبيعة بين ظهراني شعب كريم بسيط. لقد نما في قلبي حب شديد 
لكل عصا وكل صخرة فيه» وحفظت وداً خالصاً لكل رجل وامرأة وطفل من 
اللواءين» إلا الذين نزعت نفوسهم إلى سفك الدماء. فمن النادر أن غفلت نفوسهم 
عن مزية جذابة وشيجة حميدة تكفر عن أعمال العنف التي يمكن أن يعزى بسببها 
إلى المحيط المتخلف» والحياة البدائية أكثر مما تعزى إلى طبيعة شر متأصل حتى 
لدى أولئك الذين خلقوا أعظم المشاكل؛ وذلك بعد إخضاعهم. 
بعد كثير من التفكير وتقليب وجوه الرأي وجدت أني سأكون أحمق لو ضربت 
صفحاً عن مستقبل في ميدان اختصاصي الأصليء فأنبذ فرصة للترقية في دائرة 
أضيق لكنها تنسجم وذوقي. وهكذا منيت النفس بأني سأكون مشرفاً على إدارة 
أربعة عشر لواء بدلاً من اثنين وقررت قبول المنصب فكان هذا مبدأ عشر سنين 
طوال. لم ألق فيها غير العطف والسماحة من زمالة كورنوالس السعيدة مشوبة 
بتحمله الكثير مني حتى حَلََْه في 1935 ولم يتطلب مني تسليم مهام منصبي وقتا 
فعهدت به إلى (ميللر) الذي طالما ناب عني. ولما كان سفري قد وافق صيام 
رمضان فقد اختصرت مراسيم التوديع إلى أدنى حد» وفي صباح 27 آذار حشر 
(حمه على) نفسه بين شدتين من حقائب السفر والأفرشة في المقعد الخلفي. 
وجلست أنا في المقعد الأمامي من سيارتي المهشمة وأصدرت الأمر إلى خليل 
بقلب مثقل همأ أن يقتبل طريق الجنوب عبر جبل حمرين» نحو بغداد. 
2 2/ 1967 - 10/ 5/ 1967 


52/15 


ثبت المراجع 


1 - الكتب الرسمية والوثائق 
4) 1914-1918 746505212212 دز عمع مهن عط1 :112 عط آأه نكره)115] الداع5ا0 * 
.(1924-1927 2ه00همءآ - نزاقتء1406 .ل ."1 .معن .عرق نز لع1أم مم0 15آه؟ 


اع ..آ ع0لطاءعء0) نز ,1914-1920 1520 01 51521102 تصلق 1أتكان) عغطا أه وم اعم * 
.(1061-1920 .لستصامت) 


.(1924 .0 .5 . .01 1923 طءع842 مغ 1922 لنرمة .200 كاكتستسلة 1:20 ده أتممع8 * 


-لدء2 عط :10 120 01 51521102تمقتتصلة غطأا 2ه الاعسم0017 .2.8.11 69 ارموع8 * 
.(1925 ,13 .110 أونهه001) 1924 عأطميععءه10 0غ 1923 أتردمة 0ه 


54.5.0 .11) 1922 طععد384 مغ 1920 عع06105 ,2100 اوتمتسلقم 122 مه اأرموع8 * 
.(1922 


21301015 01 عتناعمع.[ عطا 01 11ع2نا0ن) عطا 10 المع م307 .2.8.11 نإ5 ارموع1 * 
.(1926 ,21 .2810 1[دونهه1ه0)) 1925 عوعئز عغطا 02] 1220 01 21105 نامتسمتسلة عط 


.8 .نال .1 سد ع1طه81 .11 .له نزط ,8 .110 0122012م56650 ده مم82 لدوعع 16مء0 * 
1 .(1920 020طع82) قسهة؟18 


2 - المصادر 


.26 ,رع52108 دن .7015 4 .262512 01 111560137 11161217 كذ .8.0 'عماومر8 * 
.3 1020025 ,167165 1520 126 :1.0 .828 رعممععق * 


ع1 7 .701 220 رعمأمصسظ ممترزوقة عط 111 701 ,1115019 ألمعاعمم عع لعط مدن + 
.6 220 1921 ,عع 0 ط سردن .أوعء1/7آ عطا 220 ععامسظ موزورعءط 


0 و5عدظ ,عاقش :0 101116ن1 هآ .7 رأعملنت * 
2 02005.آ .010650012 لنداوطء 56 320 262512 .0.81 .م180 ,لم قسنت * 


537 


-081215) 220 222032 تتتقطه14 1ه 12516 212117 مصدهن) .]7 عزذ :001) - اناعانا ,تدع * 
2 ,2008م.آ .103165 هنا 


.5 23215 .10[2381165 8401320132021 ع5 .5 ,م2001 عمسم[ * 

.5 .221511086 .1216ص0211) 2نم )825 عط 01 205قآ غط1' .0 ,عع28ة3نا5 ع1 * 
.4 ,051010 ,115615 مالاا' .2ماع5 رلء1109 * 

.ةن 01 8203610536012 عط صا كل1نت1 220 5شخك نل سكا 5عاع نمث .ا ,نن51 0م341 * 


11 2011101 02120) .1596-1597 51312112212 .1للقتة ,1151أان8 مقطا أوعمط5 * 
.11310 


.1928 102008 ,55(:13115م 01 '115]013 182:19 .لا5108 رعط) تمرك * 


1طة1ة] عط .1 .701 ,1925 ,42115ه 121612210281 01 نز51017 . [.لىل رعء6مز10 * 
7 0054 .اأتاع تع لغاء5 ععوءط عط ععمزةذ 170210 


04 .211165نز10 01 01355 ث .1917-1920 ' 7465020131213 .1ق .أذ ,ردهو1 7لا * 
.1934 


3 مجلات المعاهد العلمية وغيرها 
-5 10213976 .5500165 سمفعتكة لمة لمنتمء 02 1ه أومطءة عط أه ستاعالان8) .8.5.0.35 * 
.(02002آ ]0 إااه 
.50167 لمعنتام دع 060 [3ئز10 عط 01 0221نتناه1) :.5. 1.0( * 
.37 12116كش 103051 عط 1ه 021 نه1) :5.ة .1.8 * 
507 2ضأقت لتتخادء 0 10(31 عط 01 122221ا10) :1.0.3.5.[ * 
.(10115231 لمعتطمهجع مع )) :[0 * 
.تةة] 01 دتلع3مه820(61 :1 .5 * 


وهناك عدد آخر من المراجع أوردت ذكره (الكلام للمؤلف) في حواشي 
الكتاب كما اقتضت الإشارة إليها. 


518 


1[ فهرست الأعلام 


)0( إسماعيل بن جعفر: 110» 113» 114 
- إبراهيم باشا بابان: 95 97, 99 - إسماعيل الصفوي - الشاه إسماعيل 
- إبراهيم الخليل: 121 - آشور ناصربال: 50 
- أبردين (اللورد): 196 آغازن: 2326 327 
ابن حوقل: 441 آغا مهدي: 468 
- ابن ملجم: 278 ألبان»ء ي. س: 498 
- أبو بكر: 107 2109 111غ» 113 أمين أفندي: 218 
أبو حئيفة : 111 أمين رشيد آغا: 436: 448, 449 459 
أتاتورك: 174 192, 344 0370 - أنور أفندي: 192 

6 561 - أوزدمير: 344 2348 351: 2405 
أحمد آغا: 308 0 429. 2435 443 
أحمد أفندي: 390: 421: 546 - أوسكارمان: 300 
أحمد باشا: 95» 123» 206 أوكلنيك : 88. 90 
-أحمديك: 226. 293. 2.461 509 2 22 أولوخان: 222 
51 - آيري (طيار): 511 
أحمد بكي توفيق بك: 450 2458 - آيمري (اللورد): 572 
3 549: 572 - أينزوورث: 97 
أحمد بن حنبل: 108 - أينونوء عصمت: 128 
أحمد عثمان: 572 (ب) 
- أرنولدء توماس: 237 بايا رسول: 118» 128» 166 
الإسكندر: 231) 166»: 221». 411 بايا سليمان: 96 
- إسماعيل آغا - سمكو بايا طاهر: 115» 120» 272 275 


509 


-يباباعلى: 5 119» 120» 2167 7 2.510 511» 518 2523 549 


4 272 9 560 
- بابكر آغا: 125. 134, 138. 306) برزيزوفسكى.» س. دي: 261 81» 
8 309. 2316 319 322 324 92 4ك 0305 332 335 
8 2336 2342 34722343 0354 - برللي» ي. ب: 61, 120 
3 445 454, 461. 557 560 - بغدادي خانم : 367 
باستاوء أ. ف: 447 - بل» كرترود: 238: 2395 396» 514 
- بالدوين: 572 بلارنى: 546 
باولس: 2528 2529 2540 544 546 _ تابهراء كنة 211 
9 551 2552 556 2559 2561 - بهرام الثاني : 240 
566 - بهرام الثالث: 240 
بايز آغا: 2445 453 - بهرام السادس: 398 
- بدري بك : 529 - بهلول آغا: 352 
- براونء ي. بٍ: 61» 120 بورتاليهء هوراس دي: 528. 2546 
برجس (العريف): 2476 498 8 553 - 557 
- البرزنجي» طه - طه شمدينان - بوترون» أ. ي: 430 
- البرزنجي» عبد القادر: 479 بورديللون» ب. ه: 176» 345: 2430 
- البرزنئجى» عيسى: 264» 265 273 3 +جف4 
- البرزنجي: الشيخ قادر: 65: 133+ - بوللي: 574 
2 433 450 2491 513 بوندء ل: 86 91» 2342 344 
- البرزنجي» الشيخ محمود: 263 264 75 بير خضر شاهو: 281 
280 86 88 2102 118. 2119 - بيلء س.ات: 469 
3 2137 157. 158ء 2.162 168» ١ت‏ 
2 2183 238.؛ 258: 288:, 2303 تانجه رو: 523 
6 2.321 2342 2373 386. 2387 تشرشل» ونستن: 176 
٠8‏ 411. 414. 416غ: 418 2420 - تقي خان: 192 194 
4 426. 429 2436 هقد _ 2452 توفيق آغا: 232» 436 
6 2461 462 466. 2469 472 - توماس» إدوارد: 237 
0 491: 498. 500. 2.502 506., - تيليكي» بول: 527 2529 534» 539» 


5330 


4 547 2555 556 2563 6566 جونزء فيلكس: 255 2.56 259 283 


571 7 190 215: 234: 237 
- تيمورلنك: 2370 372 - جيرا: 395 
زرغ) - جيريكوف» ي. ج: 260 2152 2190 
اوم 10 7 234 305 
١ج(‏ جيك » هاغ: 60 
- جابمانءأ.ج: 426 431 439 - جيكنز: 89: 90 
7 2,454 2457 2458 و49 0522 2 -جينزني: 56 
5 0526 0530 0549 557: 566 00( 
«جازويدة) ر.ف: جزئ ووئ وو 0 -حاجي حسن أوجي: 441-439 
2 543 2555 567 2568 572 - حاجي بابا: 234 


حاجي أسعد آغا حويزي: 402 
حاجي بكتاش علي : 371 
حاجي قادر كوي: 398 

حامد بك الجاف: 184 


جارلتون» ل. ي: 4 
- جباري » محمود : 77 
- جبريء اسطيفان: 368 


0 تعيب قر عن 7 390 
جعفر سلطان: 220 224 508 2509 حسام الدين ته ويله: 241: 242 293 
9 ا الحسن (الإمام): 2107 110 
- عفر ١‏ حسن بك جاف: 271 
دل ماني 324 - حسن آغا غفوري: 329 
جمال اغا: 320 الحسين (الإمام): 2107 110 
جمال بكره: 418 - حسين (شريف مكة): 176 
- جميل بك بوبان: 513 حسين العلي: 471 
جميل اغا حويزي: 424. 438 - حسين بك نفطجى: 395 
جواد باشا: 529. 534. 539. 2540 حفصة خان: 133 
3 2549 555 2559 2561 2565 - حقى بك : 376 
560 جمدي بك : 99 
جودت: 344 حمه عبد الرحمن آغا: 307»: 308 
- جورج (الملك): 572 5 2376 2408 424 


581 


حمه كريم آغا: 2472 494 دوغلاس» ي. ج: 431: 436, 2457 


حمه أمين: 283 38 476 
حمه رضا: 232 - ديكسن» برترام: 258 152 
- حمه علي (خادم): 476, 477» 2503 ديلامين» و. س: 62 

515 دينسيه : 192 
حمورابى: 397 دينهاي» ي. ف. ب.غ: 57 
حميدك بك: 461 ١‏ 


رابعة خان: 137 


- حويز آغا غفوري: 438 
راوث» أريك: 500» 507 


١خ(‏ 
خادم السحادة: 389 راولنسن» ه س: 255 56» 83»؛ 2190 
خان أحمد خان: 2222 224 215» 0 2 2274 2175 
رايد» أ. مكلارن: 2412 2432»: 462 
خسرو الأول: 398 : 


- رايدر» غ. ه. د: 59)» 61 
- خسرو الثانى: 3048 0 


- خليل (سائق): 525, 575 
- خواجة علي : 370 

١ 
390 :376 : دارا بك‎ 


- ردهاوس» ج. س: 192 

رشيد بك : 424 

-رضابك: 133. 2134 161. 2436 
1 508. 58د 

-رضا خان: 419؛ 521 

داريوس: 31: 187 


رفعت بك : 377 

- داقيوس : 406 - رمزي (قائمقام): 432؛ 554 
- دانييلزء أ. م: 133» 280 - روب» جيمس: 0522 2524 552 
- داود بك : 226 رودولو: 527: 2529 2541 542 
ديرك خاتون: 265 - روستمي حسن حاجي: 505 
درموند» إريك : 529» 542 رح اك 54. 296 298 118. 120. 
- درويش ياشا: 197 198؛: 200 6 2.152 2.169 172ء 215: 233 
دبوسن». هنئري: 430. 2437 2443 ريشارد: 33 

6خشم 447 2457 2458 514 521 - ريف «(النقيب): 433 

3 جدى 2568 574 - ريوان (العقيد): 190 


- دوبين؛ ه.ات: 435 


5252 


431 2.429 .424 2.422 2.421 ١9 (١ 


- زاهد الكيلاني: 113 491 
- زلموي: 200 - سميث» سدتي: 2396 484 
زهاك : 136 سنحاريب: 569 
- زيد (الأمير): 437 - سوار آغا: 2310 313 
(س) - سورك آغا: 326 

- ساتونى: 484 السيد أحمد: 2127 209؛: 389: 436 
د تارق 122 سيد أحمد خانقاه: 2368 2429 2433 
سالموندء جون: 409. 410: 435, 436 

8 507 سيد أسحقّ: 263؛ 265» 2266 270 - 
- سايكس » برسي : 332 222 
- سايكس» مارك: 57 سيد طه - طه شمديئان 
- سترابو: 31 - سيد عبد القادر: 264 
- سعيد (شاعر): 234 - سيد محمدذ: 264 271 
سعيد آغا: 481 2483 2489 2559 (ش) 

564 شابور الأول: 240 
- سعيد أفندي: 143» 331 - شاتري: 501: 506 
سعيد خان: 485» 487 شارل الأول: 86 
(السلطان) سليم: 118» 166؛: 370 الشاه إسماعيل: 111» 370» 375 
سليم آغا: 156. 161 الشاه عباس: 128» 2222 367 564 
- سلوود (الرائد): 173 الشاه فتح علي: 200 
سليمان (الملك): 28؛ 187 - شبرايت» أ. ت. ك: 432 
سليمان باشا: 297 99 - شرلوك (طيار): 509» 2511 512 
- سليمان بك: 211 شريف باشا: 98 
سليمان خان: 505» 506» 523 - الشريف حسين: 283 
- سليمان القانوني: 185» 370 شلمناصر الثالث: 29 
- سليمان بن ولاد: 269: 276 شمس الدين محمد قلي بك : 187 188 
سمكوء إسماعيل أغا: 2328 0329 الشيخ أحمد هندي: 2373 375 

5 2350 0355 2356 2359 2394 - الشيخ تامر: 193 


553 


- الشيخ حبيب: 2382 383 
- الشيخ حميد: 233» 375 
- الشيخ رشيد: 472 
- الشيخ رضا: 2373 2376 2»377 382» 
9 2.401 406 
- الشيخ صفي الدين: 113 
- الشيخ طالب: 472 
- الشيخ عارف: 289. 290 
- الشيخ عبد الستار: 264 
- الشيخ عبد الله عبد الكريم: 293 
- الشيخ عثمان: 224 
- الشيخ علاء الدين بيارّه: 224 
- الشيخ علي : 3- 25 
- الشيخ محمد آغا بالك: 314 
- الشيخ محي الدين: 495 
(ص) 
- صاحبقران» صالح زكي: 448 
صاروخان: 188 
صالح زكي: 466 
صالح بك نفطجي : 513 


- صبيح بك نشأت: 2456 529: 2530 


4 547 - 549غ. 2551 2568 572 


ْ صفي الدين 
- صلاح الدين (الأيوبي): 32؛ 33»؛ 307 


صونء» ي. ب : 58 64 270 272 
3 93 147)» 180)» 181» 216 


29 ,» 560 
١ض‏ 
2 ضياء الدين رضا حمان: 179؛ 190 


(ط2 
الطالباني» جكال: 426 
الطالباني: جلال: 494 
- الطالبانى» حبيب: 513 
الطالباني» رشيد: 426 
الطالبانى» رضا: 398 401 
الطالباني» طالب: 426 
الطالبانى» عبد الرحمن: 127 
الطالبانى» غالب: 426 
واطالائن: تعمد عاق 396 
الطالباني» وهاب: 233 
طاهر بك: 216 219 
طه شمدينان: 119» 183» 258 2348 
0 419 2425 447 
طهماسب : 185. 
رظ 
ظاهر بك: 206 207: 209 
22 
- عائشة (السيدة): 112 
عادلة خان: 42, 91 92 98, 2138 
51 184, 215 219: 226 2228 
1 500. 502»: 2503 511.: 513 
العباس: 107 
- عباس سليم آغا: 316» 336» 337 
- عباس الصفوي - شاه عباس 
عناس قلي : 224 
- عباس الكبير: 222 
- عباس محمود: 408» 424 
عبد الحميد (السلطان): 123» 399 


عبد الحميد عبد المجيد: 568» 572 - علكة؛ كريم: 137 


عبد الرحمن آغا: 436» 508 علي (بن أبي طالب): 107 -110» 
عبد الرحمن باشا: 94 96. 102 2 278 301 
3 169167 - على بك: 226 227 
عبد العزيز القصاب: 533» 2)534 572» - علي بن رستم: 2269 2270 276 
52/1 - علي شفيق: 342 
- عبد القادر أفندي: 193 عمر نظمي بك: 20389 2553 572 
عبد الكرمي آغا: 472 عمر بن الخطاب: 107» 111 
عبد الكريم (الشيخ): 182. 264, 426. (غ) 
77 430: 2460 2461 2491 494, - غرومزء أ. ن: 54 
5. 554 - غريب» محمد : 471 - 472 
- عبد الله صافى أفندي: 389. 554 - غريب» محمود: 158 
عبد المحسن السعدون: 6 572 - غريب» ميناس : 391 
- عبود (خادم): 46, 148 غفور آغا: 136» 339 
- عبيد الله (الشيخ): 183 غلام حسين - صون 
عثمان باشا: 2138 2194 215 217» - غوبينوء جوزف آرثر: 262» 269» 275 
26 512 غولد سميث: 181. 183» 257: 2344 
عثمان (بن عفان): 107» 111» 113 5 359 
- عثمان سراج الدين: 128 (ف) 
- عزت باشا: 389 - فارس بك: 384 
عزت بك جاف : 408 فاسموس: 68 
- عزيز أفندي: 2369 2473 513 - فاطمة (السيدة): 107» 109 
- عزيزي عثمان آغا: 122 فاطمة خانم: 42 
- عزيزي شريف جليل: 381 فاول» ت. س. و: 58 
- عزيزي عباس : 377: 384 496» 554 - فتاح أفندي: 2429 529 
عسكرء عبد الله: 78 - فتاح باشا: 388 390, 472: 2522 
عطية : 2395 396 2 2533 2536 2541 544 548 
العقيد (ه): 353: 354 3 0554 557 
علاء الدين بيارة: 241 فتاح بن خليل: 269» ١270‏ 276 


555 


- فراتس الرابع : 485 486 - قسطنطين أفندي: 47 


- فراورتس: 299 ١ك(‏ 
فريدون: 136 كارتر» بونهام: 432 
- فريزر: 254 2.55 62) 66) 272 274 - كارود» دوروتي: 292 
7 91 93. 2152 2154 2215 2236 كاك أحمد: 122 -124». 127 2130 
4 2455 456 0 و44 
- فضل الله: 371 كامرون (الدكتور): 299 
- فقي أحمد: 307 - كامل باشا: 399 
- فقي عارف (السيدة): 327» 329 كامل يك: 2.529 2.544 547 552) 
- فلبى». ه: 176» 180 4 558 
ا ب : 2435 2437 442 447 - كاننغ» ستراتفورد: 192: 196 198 
9 2452 458 - كانيس» و. ف: 430 
- فوسديك. س : 356 كاوانء سي. ه: 166 
- فوطيفار: 123 كرامرزء ج. ه: 2.529 544: 568 
- فيتنرغيبون» ه. س. و: 147: 2181 كراودن : 2447 476 
2530 كرزن (اللورد): 2193 428 
فيديليس (الراهب): 59 - كري» إدوارد: 193 
فيرسن أ ف: 527 2529 2532 - كريفيت: 357 
4 2542 2555 2556 559 - 561 كريم بك: 206. 226. 227غ 230. 
- فيصل (الملك): 2176 180. 360» 31 233 - 2235 2249 2461. 2498 
7 421. 2436 2.514 2520 524 0 527 
1 532 - كريم خان: 386 
- فيض الله: 383 كريمي فتاح بك: 342. 2343 2350 
0 6 507 
قادر بك: 207 _ 209. 2211 215» كريتهارس: 2.91 92. 143» 147 
0 359 - كلاوزير (الأميرة): 222 
قباذ الأول: 398 كليمانء أ: 60.: 81., 154., 305: 
- قربان علي: 2146 147 8 2.332 335 
- قزقبان: 299 - كمال» إبراهيم: 538 


556 


- كنيكيد» س. م: 2387 2427 2462 (( 


7 509. 2521 522 لايارد» أ. ه: 51» 2196 532 
كوجك خان: 241 -لاين: 2.350 411. 421. 422. 2430 
- كوران» عيد الله: 245 5 2437 2442 443 2546 2547 
- كور باشا: 454 572 
- كورش: 230 31 - لسترنج: 441 
كورنرء وليام: 390, 2394 395, 2398 - لوفنتتوس» و. ك: 198 

6 553 2555 2558 572 - لونتكريك» س. ه: 72 73» 434 
- كورنكت» جارلس: 439 - لويد» ه. ي: 533) 572 
كورنواليسء كينهان: 179 2360 2443 - ليتلديل» س: 391. 411: 2.421 533 

6 463غ, 2465 471. 514) 527 6 572 

0 0574 575 -ليزءغ.م: 65» 273 274 91 2181 
كوك : 453 154 
- كوكس» برسي: 262 267 175. 257» - ليندسي» رونالد: 571 

0 444 517 529 42 
كويخا: 559 ماجد بك مصطفى: 466 
كويكول: 2.428 2.435 437. 442, مارشال» س-. س: 361 

444 455 - ماكانت (النقيب): 342» 344 
- كيخسرو بكي : 2211 215؛ 226 - ماكمون» جورج: 2133 161 
- كيخسرو (الميري): 30: 299: 398 - ماكنيس : 444 
- كيربورترء روبرت: 53: 254 2152 مالك بن أنس: 111 

154 مامند آغا: 335؛ 336 
كيس (ضابط): 453 - ماننغ» ي. ر: 2442 462 
- كيغان: 307 - مارنسل» ف. ر: 257 259 2152 2234 
الكيلاني» عبد الرحمن: 175 5 334 2336 475 
الكيلانى» عبد القادر: 109» 121. مئريدات الثاني: 485 

6 460 495 مجيد أفندي: 459 
- كيمبل : 199 مجيد بك : 389 
- كينيه 1 154 - مجيد اليعقوبي: 2522 572 


557 


محمد (النبى): 5 . 107ء ٠»108‏ مولانا خالد: 120» 121» 126» 127 


3 120., 261 390 امير مخمد جاف + 271 

محمد باشا: 191, 215: 216: 234 مير عبد الله خان: 281 

محمد جباري: 448 - ميرزا روستم: 410 

محمد صديق: 183 - ميرزا فرج: 513 

محمد يحيى: 441 ميللر أ. ف: 73: 390: 439: 2463 

محمود آغا: 308: 2,309 438 71 524 325 2,549 572 575 

- محمود الأول: 415 مينورسكيء ف: 461 2262 2263 

محمود خان دزلي: 2181 228 ا 

- محمود زنكة: 373 375 08 

جمحنود اكااين عد الرحين 97796 ع ي. س.ات: 348 350 408 
5 226 0 

محمود مصرف: 98 ١ن(‏ 

مدحت باشا: 367 


- نابليون الثالث: 262 


مراد بك : 389» 572 
نادر شاه: 112» 311» 337: 367: 370 


مراد الرابع : 191 199: 206 


- المسيح : 415 


1 - ناد بك نة : 434) 2389 395 
2 مشير اغا: 449 ظم و نفطجي 2 2 3 
6 4673 52 516 
5 مصطفى باشا: 8 433 0 غ» 6529 6.532 533» 3 
3 مصطفى كمال - أتات رك ٠‏ 2541 2 


- نارام سن : 484 


- معاوية (بن أبى سفيان): 107 جاو كا 123 
ملا حسن: 0509 512 ناهدة خانم : 217 
ملا رضا: 464 - نايتنكيل : 258 
- ملزبو: 468 - نبوبولااصر: 398 
مللنجن» فردريك: 200 نبوخذنصر: 482 
مهدي الخالصى: 466 - نصر علي خان: 274 
موسى (الكاظم): 0 11 115» - نعوم: 468 

6 120 - الثقيب» عبد الرحمن: 110 
موغان: 191 - النقيب» نوري: 402 


5258 


نودي» الشيخ معروف: 119» 121 - - هيود» وليم: 52» 364 


3 2127 162 ١و(‏ 
- نوري السعيد: 460 - وايت» س: 498 
نويل ي. و: 2663 64 270 71» - وشيبرايت: 462 
9 130. 180. 2184 2256 2257 -ولسنء أ.دت: 51. 61 472: 101» 
7 411 2414 2417 2.422 424 72 175 
560 وهاب يك : 447. 2460 477 
- نيكلسن» ي: 66 - وهبي» توفيق: 2134 136 
5 - ووترء لوك: 413 
- هارون الرشيد: 116 - وود أ. و: 445 
- الهاشمي» ياسين: 572 - وولي: 397 
هافه لي رأم: 392 - ويكهامء توم: 172 
- هالي» ف. م: 152 - ويلان» ر. د: 509 
هاملتون: 454 - ويليامزء جون: 507 
- هاي» روبرت: 303» 306, 312» 320 ويليامزء فنويك: 2190 192». 2194 
- هرتسفيلد. ي: 61» 237 240: 298» 7 198 
492 ش (ي 
- هرمزد الرابع : 2358 ياسين باشا: 551 
هننك, و. ب: 240 - ياقوت الحموي: 421 
هه ورمان» حسام الدين: 127 يزيد بن معاوية: 107 
هه ورمانء علاء الدين: 127 - ينزورت» و. ف: 56 
هوبارد» ج. ي: 59) 202 203؛ 216 - يوسف «النبي): .123 
هوليك» أليك: 497» 521 - يونس (مدير الشرطة): 564»؛ 565 
- هيرسن : 444 509 - يونيك» ه. ي: 4353 354 


- هيرودوت: 30: 299 366 


589 


2 فهرست البلدان والأماكن والمواضع 


)0( - أستراباد : 372 
إبراهيم خانجي: 376: 2384 2475 إستنبول: 237 238 123» 218»: 2517 
4 501 527: 554 9 2.535 548 
الاتحاد السوفياتي: 25» 28 - أسد آباد: 46 
- أذربيجان: 251 2188 240؛ 276 أصفهان: 222 506 
أرارات: 185» 202 - أكروبوليس: 412 
-أربيل: 226 2.31 33., 235 238 243 آلتون كوبري: 26: 63؛ 170: 318» 
3 276 281 2125 2177 2.178 283: 5 2369 378 - 2381 408 2410 
3 307. 2312 313.: 2330 2342 8 2439 2524 547 548 2.553 
4 359 2 2361 367: 2369 2380 561 
0 2391 2409 411: 412. 2417 ألمانيا: 62) 67» 2541 562 
9 2.423 2.424 429 2431 2435 الأناضول: 174» 2370 371 
2 443 456 2458 2468 2488 - أنقرة: 540 
0 2533 3544 2546 547 2556 إنكلمرا: 26» 66» 2.179 192. 2232 
58 1 2359 2459 2485 528. 2532 
- أردبيل: 370 551 
- أرزنجان: 25 أورخان: 371 
- أرضروم : 5 191 192. 194. 195: - أورشليم : 452 
7 199, 201. 202 أورمية: 26» 36» 258» 380» 518 
- أرمينيا :. 192 240 -إيران: 225 27 2.33 035 236 40» 
الأستانة: 66) 191. 2192 195, 2197 7 50. 2.53 55. 268 270 272 78- 
259 آ8ء 111. 2.126 131. 134. 150» 


591 


3 169غ. 170. 2192 193. 195 
7 199 203غ»؛ 205» 208» 2213 
4» 218 2221 2235 2241 244 
5 2258 2261 2262 2276 2289 
0 323. 324. 2345 370غ. 385غ» 
6 2431 2467 2468 496. 2506 
8 521 2.530 564 

- إيطاليا: 245 

ب 

بابان: 294 95, 156 

- باريس: 196» 332 

بازيان: 279 87». 90» 2.91 157؛ 2208 
9 2342 2432 448. 449 دد4 
47 

- باش بولاق: 448 

- باطاس : 334 

باليسان: 443 

بانه: 29» 62170 419 

باوه: 220 

- بايزيد: 191 

بختيارستان : 68 

- برانتينك : 520 

- برزنجة: 2116 2118 166» 167» 213» 
1 460 


- برسوبوليس : 298 

- برلين: 200 

بريطانيا: 27. 62 663 271 176» 
2 2195 2337 2344 2.428 470 
9 521 545. 2562 2571 573 


502 


بسطاملى بيات: 554 


- بشتكو: 68 


بشدر: 303» 305» 2306 313 - 331» 


»350 342 4 


448 5 


3 


38 


4 


البصرة: 7”) 268 2112 146غ؛ 176» 
3 409غ. 531غ» 550 


- بطرسبورغ : 199 


- بعقوبة: 518 


بغلاد: 226 234 238 2.44 48: 250 
3 254 68 273 278 


0 112 
9 2182 
8 2219 
16 2318 
6 2361 
9 2406 
1 423 
4 446 
1 473 
9 514غ»2 


6) 
53) 
5/) 
0325 
7 
09 
47) 
47 
5آ9) 
0) 


04 
7 
8 
38 
38 
- 11 
0 
7 
7 
657 


9 

)3 
1558 
1 
)33 
53 
6.16 
1 
3 2 
8 
531 


7 53» 2550 563غ. 575 


بلجوين: 2.150 153» 162» 


4 208 
2023 
- بنقدرة : 240 
- بهدينان: 566 
- بوتان: 37 


بورسعيد : 67 


09 


3 


)25 


7 
75 
02 
02 
341 
5 
0 
44 
6 
0 
2 


0 
6 


- بوريش: 358 - تيال : 478 


- بوسككين: 356 - 358 ١ج(‏ 
- بوشير: 067 068 2444 468 جاسنة : 2436 448 2451 2454 455 
يوغاز: 397 جال: 519. 529 
- بولي: 339 جامزان: 481 
- بومبي : 262 67 جدران: 307 
بيارة: 2218 220 244, 245 - جزيرة ابن عمر: 2307 428: 2456 519 
- بيتواتة : 424 - جلندي : 300 
- بيجي : 2172 533 جمجمال: 48» 2,63 65) 74 77» 
- بيدرواز: 220 6 288 2125 2172 2204 344 
- بيران: 456 5 2366 2374 431. 2432 436غ 
- بيروت: 521: 569 9 2455 2459 2467 2477 2478 
- بيروز: 170 8 2,523 527. 549 
- بيواز: 365» 366» 385 جنازان: 312» 329 
١ت‏ جتوب أفريقيا: 413 
تازة: 6369 522 جوارته: 159 
- تالس : 241 جوامير: 467 
- تبريز : 245 254 487 - جورجيا: 53 
تركيا: 225 27»: 231 34 236 40, جيلان: 276 
51 55 112. 118ء 120.؛ 134» ك2 
0 174 179. 183غ. 191. 192., الحجاز: 466 
37, 199. 2200 218. 2244 2245 حران: 30 
7 2343 2350 2428 2434 2456 حكاري: 517» 2518 520»: 562 
4 2.470 514 2519 2.528 2531 حليجة: 242 47: 48: 263 65. 291 
8 2.548 2549 2551 559. 561غ» 8 2180 181. 184غ. 2201 204, 
2 0565 2567 2570 571 5» 214 219»: 2226 227» 2236 
- تفليس: 69 0 241. 256. 2257 279: 286». 
- تلعفر: 278 3 2347 6366 392: 2431 461., 
- تل علي : 440 2 498. 2.503 509 514. 


5303 


الحلة : 29 
حلوان (نهر): 439 467 


٠: 378 2229 2208 2.47 4 حمرين:‎ 


510 .509 .428 2408 2385 3 

الحويجة: 2378 2379 440 

رخ 

الخازر: 277 

خاسة : 477,. 2.525 526 

خانقين: 235: 236 47؛ 48؛ 256 263 
5 91 181. 208. 215ء 2228 
5م 2273 2277 278. 2300 2385 
9 467 

خدران: 2307 329 

383 ١371 خراسان:‎ 

خربوط : 565 

خرمآاباد: 273 274 

خزر: 2195 196 

خورمال: 181 204: 205 208 

خوزستان: 68» 262 

خوشان: 501 

خوشناو: 547 

خيلا : 501 

)د( 

داووده: 496 

دجلة: 225 226 229 234 236 243 
6 2.63 268 72. 2146 2291 379» 
44 

دربئد: 320: 2321 331 2334 62350 
32- 2360 2392 452 


504 


دلمان: 419 


دلهى: 120 


521 ١107 دمشق:‎ 


دهوك : 2563 566» 0567 2569 574 


دوكان: 2317 2452 454 

ديالى: 47: 510 

ديره: 170» 419 

- ديزفول: 67 

م( 

راولاش: 408 

-رائيكول: 2.341 352» 2353 
538 361 

-رائنية: 48. 463 2125 2134 
7 2286 2287 2.303 2304 
3 320غ2 326غ. 331 2333 
3 348 2353 2354 357غ» 
3 420 - 2424 2442 454 
9 467. 500 

رايات: 349 

الرمادي: 521 

رواندوز: 238 42: 141. 2.177 
151» 183». 2191 304غ؛ 311» 
0 342 2350 2413 2420 
1 2.423 2.424 2.430 2435 
2 - +م4 447 _ 449 454, 
0 519. 547.» 554 


56 


)1 
1 
)2 
8 
)5 


18 
315 
1 
47 
06 


روسيا: 54 62» 2.192 195 2197 


46 
- الروهر: 413 


(0١ 


زاخو: 2428 563 565 


-زاغغروس: 231-29 34 236 246 
7 332 


- زنجير: 189 
زهاب: 262 


زهاو: 


211 


- الزيبار: 55» 566 
- زيرناكو: 339 


55 


- سارتك : 438 
- سازان: 279 - 281 
سالان: 488 
- ساوان: 2348 349 
-سرجنار: 208: 286: 289, 2439 


49 


سرخوما: 438» 442 
- سرسرد: 2454 455 
- سرسيان: 6324 461 


523 0 


سرقوشان: 300 


سرمورد: 454 
السلطانية: 382 384 
السليمانية: 235 37 239 42 56» 


)63 
8 
)5 
)12 
0 
221 


275 69 
»136 0 
»163 »1 
2176 4 
2194 2 
2240 38 


8 


92 7 

2.152 6 
.1658 4 
»180 9 
»218 3 
2280 8 


)02 
3 
71 
3 
9 
206 


53945 


2293 - [1 
01 2 


2303 8 

6 2338 
5 352. 2359 4361 
381 2384 2387 2402 2408 
2 414. 419 422. 425 
8 443 2450 454 2462 
7 2470 475. 490. 2498 
3 506 - 0508 2513 2518 
2 0524 526. 2533 جوى 
6 557 0559 62561 574 

سنجار: 226 555 

-سسته: 126» 2153 2198 2205 
8 2221 2273 468 

- سووررداش: 208؛ 209 287 289» 
2 299. 301: 2308 408غ 2409 
6 444. 449. 451., 455, 480 

-سوريا: 25» 427 6:31 34: 107»؛ 
0 118» 2.127 307. 344 541 


6.10 
2.؛. 
30627 


017 
3 
36 
41 
- 6 
6 
)0 
6.620 
49 


007 


سوسه: 298 

-< سيروانت: 200» 205» 203». 206» 
3 2200 - 2222 227 229. 2271 
2281-09 2285 2286 2394 480 
8 2498 501 


- سيوميل: 337 
(ش) 
شارباير: 125» 130. 134, 2149 


0 52 155» 157)» 169؛: [171» 
4 213غ» 304 2333 436 
شاروشضس: 339 


شاكال: 500 طقطق: 277 2.359 408. 2.410 2,425 


شاوري: 496, 497 041 
شاوور: 2326 2331 2332 2.345 2349 - طلهران: 55. 268 270 179: 180» 
4 2357 442 5 201» 276ء: 467 
شرقاط: 533 - طويرّاوه: 452 
شط العرب: 195 - طوروس: 234 397 
- شقلاوة: 320» 334 - طوكيو: 413 
- شمديئان: 307 رع( 
شميران: 228» 509 - العاصي: 397 
شهرزور: 249-47 51 92. 153» عبادان: 521 
57 184. 189. 204: 207. 208. العراق: 25 27»؛ 233 35: 36» 40» 
3 2216 2225 2233 2236 2237 47 249 49 271 2107 110. 132 
0 2257 2258 272. 273. 286 - 6 150. 2154 174 2177 2180 
٠217 .214 :211 .»206 2203 5 512 .510 2.502 ,488 2298 9‏ 
شوان: 2359 2365 381. 477. 549 8 2221 2235 245. 2258 261» 
53 3 2269 276, 304. 2310 321» 
- شوش : 198 7 2341 2343 346: 2360 2361 
شيخان: 230 265 301 0 2376 2381 389: 409. 2.415 
- شيراز: 31» ١112‏ 386 6 2.419 2420 2.427 428. 2452 
- شير آغا: 208 6 465: 2466 2470 497: 519 - 
- شينكى : 338 1 529 6.531 2534 537 - 2542 
: ١ط‏ 8 2.551 2553 2560 2562 2566 
طاسلوجة: 2448 449 2.507 523 5174-0 
طاليان: 374» 378 عريستان: 68 
- طلاووق: 36» 46», 253 2276 2277 عقرة: 55» 2420 422 
5 2366 2372 375 2377 382» علياوا: 2489 492 
3 2394 2427 472. 2488 2489 العمادية: 26؛» 420» 518: 566 
2 2526 553. 554 العمارة: 303» 384 
- طرابلس: 132 - عيلام : 396 


566 


دف 


فارس: 31. 107» 2187 2334 532 
الفرات: 29, 67. 132» 198غ: 235 


- فرساي: 175 

فرهاد بك: 2494 495 

فلسطين : 344. 541 

- فبينا: 185» 186 190 
(ق) 


قادر كرم: 0365 2383 425: 430) 


554 2495 2 

- القادسية : 398 
القاهرة: 37 176 409 
- قتور: 200 202 

- قجوجة: 454 


7 قره حسن : 5 381 553 554 


- قزوين: 2172 241غ» 2276 328 


قصر شيرين: 2215 2277 2439 2467 


469 

- قطيسفون: 240 398 
- القفقاس: 2:54 235. 379 
- قوتور: 419 
- قوره تور: 469 
- قيسارية: 396 

(١ 
466 : الكاظمين‎ 
489 كالوش:‎ - 
498 كراودن:‎ - 
480 479 : كريجينة‎ 


كريلاء: 107» 111. 193. 372 466 


- كردستان: موضوع هذا الكتاب 

- كركتد : 469 

كركوك: 26, 235 239 43 45. 247 
8 2.50 63 _ 66 272 76 - 2278 81» 


129 
153 
008 
42 
39 
55 
6416 


2182 2178 »2176 2172 6 
2216 2233 2230 2227 »9 
»337 2313 2303 2302 31 
- 365 2361 359 »352 - 0 
2384 2381 2380 2378 2 
2.411 408 2404 399 8 
439 426 .423 2422 7 


2 -_ 5ه4ش 447 _ ونش 457 _ 2467 
0 - 472 2475 2478 480 2488 


9 
4 
)3 
02 


498 2.497 2495 .493 2491 
2529 520 2513 »512 »6 
550 _ 547 545 2544 2 

560 2556 555 3 


- كرمليس: 411 


كرمنشاه: 225 46 2,69 278 200» 


05 
214 


كرند: 
- كفري 


)365 
2 
461 
49 


6.622 


555 


2273 235 2228 208 6 


467 8 
2283 2209 39 34 53 248 : 
2394 2387 2385 2384 6 
2436 2430 .429 2.427 4 
497 2,493 2.488 2475 471 
521 .513 .506 .503 0 
- 553 344 2527 2526 4 


كتكربان: 431. 497. 524. 526 

الكوت: 146 

- كوران: 280» 477 

- كوركور: 303: 2.304 2338 2366 452 

كوسادة: 280. 281 

- كوسرات: 329 

- كوسه: 279 

- الكونغو: 528) 551 

كوي: 225 245 48. 276 77. 297 
2 2178 2197 2200 203,. 311 
3 2320 2332 344غ) 2358 2375 
6 402. 2»408 410 2412 423 
5 2435 2437 2438 442 448 
5 459»: 461 

- الكويت: 359 

- كويخه نجم : 459 

- كويده: 508 

كويسنجق : 177 

كليكيا: 30. 

ل( 

لاهاي: 201 

لندن: 254-37 2359 456 

لوزان: 428. 518 

ليلان: 2369 2372 2381 495غ. 499 

(١ 

مازئدران: 276 

- مازوخ : 496 

مالا: 365» 2379 2380 2438 439 

مالطا: 529 


مامتداوه: 454 

- المحمرة : 2 2195 2198 2521 

- المدينة المنورة: 301 

- مراغة: 370 

مراكش: 123 

مصر: 132» 399 

مكة: 2115 166» 176» 399 

مندلى: 25 

- مهاباد: 6 300 

موان: 257 

- موردين: 279 

- الموصل : 6 229 231 234 238 43 
١178 2175 2174 2.66 2.64 3‏ 278» 
3 2.320 334)» 62342 2343 2350 
7 2389 409 2412 414. 416 
0ه 2.423 2.428 2430 2.435 437 
6 2462 2.470 2488 517 2»520 
7 - 529غ. 531 533: 6536 2546 
0 552غ. 2555 558 2559 564 
6 569» 2570 572 

- المملكة المتحدة: 571 

- موغاغ: 293 

ميسويوتاميا: 33 

دن( 

النجف: 372» 466 

- نصيبين : 569 

- نوزوو: 2396 2397 398 

- نينوى: 29)» 334» 569 


ره) 
هاوار: 278» 283 
همذدان: 2.30 46, 115غ؛ 120» 2126 
0 191 273» 2275 469 
هنغاريا: 528 
هورمان: 272 
- هوريكس : 413 
الهنلد: 68» 91. 2»93 2118 176» 


509 


2261 2258 »182 0 


23230 


و 


391 9 


وارماوا: 2.366 385)» 2472 2.488 500غ» 


3 2.509 510 
وان: 191 


- يريقان: 25 


دي 





6002 


أقسام من لوائي كركوك والسليمانية 


- 37 0 9 1 . 
1 ب 
لإمكسب ‏ . يت أ 0 2 
ا َ 1 للست 7 


لسر 


اروس سياه ا 0 1 ْ 
مم 1 1 حسس] 1 
2 ل 
ع ليك 1 5 _ ١‏ 
؟. 0 هد 
: 5 9 0 0 0 4 : 
: 5 . 
0 2 ىو : 
”7 
م 2 
رويب 2 | 
2 : 





6003 


(ضم» ممم ع 


مكو م ممم 2 لحي 


- كسمم وى 








1 (أ) محمود باشا جاف وبابكر آغا 





1 (ب) بلاد الهماواند 


604 


005 


ب عن )اج 





ص جز لمج م لير )اج 





ا 


0 


اولان 
يو ا 
03 





3 (أ) كوره كازاو 





3 (ب) برزنجة 


606 





4 (ب) بنجوين 


6027 





5 (ب) جعفر سلطانء عادلة خاتون» أحمد بيك ١‏ 


6008 





6 (أ) عرش الأميرة زيرنكه وش 





6 (ب) سيدان في الكاكائية» يعرضان شجرة الأسرة 





7(ب) قرويون كاكائية من هاوار 


610 





8 (ب) مامند آغا اكو 


611 








06012 


0ه بجي لمتبيع مني فيخم 


6) 


65 بي 


0000 


د 





613 








614 


وك عسي 
جر ذز (() 11 


(عرميت - 6م كم © مسوو) 
مترصم | عمس ليشي 


(خ) 1] 


جمسسج اناس 


0 


اللاا؟ 
3 





2 ٠ب)‏ رئيس الوزراء في سليمانية 
من اليسار إلى اليمين: مصطفى باشاء» شيخ قادرء رئيس الوزراءء المؤلف» صبيح نشأت» كراودن 





2 (أ) وجهاء كركوك 
من اليسار إلى اليمين: فتاح باشاء عزت ياشاء مجيد بك 


615 








616 


حك جم > ر) ]ع 


5 


6 لكي 


بم رخ) ]ع 





30 
فو "١‏ نا 3 


4 (ب) في قره راغ 


6)7 





6018 


"سم ممم بم - 1ج 


تحن لس الس لف انلك كتين الكو للك ا اق ل ا 0 


آنات و لسى متت 2 بود السك واد تالت الونمنا يو كسمتم 1 تم دم برضم 


مني 





5 ا 5 ا الل 
الل #1020000 ا 
6 (ب) حفلة خاصة في بيت المقيمية 
من اليسار إلى اليمين: ف. هولت. سير هنري دويس. ليدي 
لورين» مس بل؛ سير برسى لورين» ليدي دوبسء. ي» اووي 


619 


3 الفهرست 


0 - الحدود التركية الفارسية (1639 - 1914) 


1 - الجاف وهه ورّه مان 011110ظ5 
2 - الحياة في خلبجة 000 
3 - الكاكائيون 0 
4 - تانجه رو» سورداش» سه رجنار 500 


3 - الحزام الصحي ل 91 
4 - كل وقه ره داغ 0 


5 - عودة إلى الجاف وحلبجة 200 


© ها ها فا ووه هه ع وهم ووو م6 مود وهةه 


هما عه .ع مه و و ووم م وم مو ووه 


© و ها ها هه وه ووو مومهم د29 .مه 


023 


0303.00 أطاتق. 1013 . /لالانالانا 


هذا الكتاب 


حاول السيد إدموندز أن يبدو ذلك الشخص المتجحرّد عن عاطفة التحيّز 


والمحاباة المرتفع عن النوازع الشخصية وأراد أن يوحي للقارئ العربي. 


والكردي والتركماني في العراق بأن كل ما عمله شخصياً لم يكن له 
رأي فيه أصلاً وإنما هو واجب منصبه في تطبيق سياسة قررتها 
حكومته. وأنه كان أيضاً يحاول التعاون مع الطبقة الحاكمة الجديدة 
لإيصال البلاد إلى حال من الاستقرار بالشكل الذي تجده حكومته 
مناسياً.